(36) شذرة من تاريخ اليابان:
اخْتَلَفَ المُؤرِّخُونَ حتى الذين هم من العُنصر الياباني في تاريخ هذه البلاد والأصل الذي تنتمي إليه هذه الأمَّة، فقال بعضهم كالتُّرْكِ إن عائلة كبرى مغولية وفدت إلى هذه البلاد فاستوطنتها وتناسلت حتى ألَّفت منها أمَّة، وقال البعضُ الآخر إنهم من نسل الماليزيين الذين أغاروا على الجُزُرِ اليابانية قديمًا واستوطنوها، وبعضهم قال إنهم من العنصر الصيني، وبُنِىَ هذا على اتحاد الياباني والصيني في اللون والبَشْرَةِ، ولكن الحقيقة خِلَافُ ذلك، بل هم عُنْصُرٌ قائمٌ بنفسه ونَوْعٌ من أنواع جِنْسِ الإنسان.

واليابانيون أنفسهم يقولون إننا لسنا من الجنس البشري ترفُّعًا، بل ينسبون أنفسهم إلى السماء، كأن الإنسان الذي شرَّفَهُ اللهُ وكَرَّمَهُ دون سائر المخلوقات أقل منهم درجة، وأنَّ سائر الجنس البشري أوجدته القوى الطبيعية، ويعتقدون أنَّ أوَّلَ مَنْ نزل منهم إلى الأرض وَطِئَتْ قدماهُ جزيرة “كيوشيو” وطَرَدَ الأمَمَ المتوحشة مثل قبائل “أبنوس”، واستمرَّت الحروب بين اليابانيين وهذه الأمم نحو السَّبع قرون، وأخيرًا خضعت لليابان، ومع اعتقاد اليابانيين أنهم ليسوا من بني الإنسان فإنهم يعتقدون أيضًا أنَّ عائلة الإمبراطور “متسوهيتو” الحالي أشرف منهم عنصرًا؛ ولذلك كان الميكادو عندهم بمنزلة المعبود.

وكان اليابانيون على حالة البساطة في المعيشة إلى القرن الثالث عشر بعد الميلاد، وبعد ذلك أخذت تتدرَّجُ في الحضارة والتَّفَنُّنِ في أنواع المآكل والملابس، بعد أن كانوا لا يعرفون غير الأرْزَ والسَّمَكَ من أفضل الأطعمة واللباس البسيط، وهم يُحِبُّونَ السَّمَكَ والأرْزَ إلى الآن حُبًّا جَمًّا، وكانت مساكنهم في تلك العُصُور من أخشاب الغابات، فأصبحوا الآن في رفاهية المدنية الحاضرة يرتعون.

وفي القرن الثامن عشر للميلاد بدأت الحُكُومَةُ في إرسال الإرساليات العلمية إلى أوروبا، ومن هذا يُمكنُ أنْ يُقَالَ إنَّ النَّهضة الأدبية بُدِئَتْ منذ نصف قرن في اليابان.
•••
وكانت في الأعْصُرِ السَّالِفَةِ يتولَّى الأحكام أربابُ العائلات الكُبرى مثل عائلة “الشجن” المتقدمة، فكانوا يَفْصِلونَ في القضايا المدنية والجنائية بحسب ما يصل إليه علمهم، أمَّا الآن فقد وُجِدَتْ في اليابان الحكومة الدستورية النيابية شأن الأمم الراقية.

والذي ينظرُ إلى الجزائر اليابانية في الشرق الأقصى لآسيا، ثُمَّ إلى الجزائر البريطانية في شمال أوروبا، لا يُفَرِّقُ بين هذه وتلك في الشكل والوضع إلَّا قليلًا، وكأن هذا الاتفاق في المناخ كان سببًا في مُحَالَفَةِ الدَّولتين.