فوائد ومسائل
في صيام الست من شوال

إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم
(قال البخاري (1849):
حَدَّثَنَا أحمد بن يونس حَدَّثَنَا زهير حَدَّثَنَا يحيى عن أبي سلمة قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان".

قال يحيى:
الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وقال مسلم (1146):
حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حَدَّثَنَا زهير حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد عن أبي سلمة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو برسول الله صلى الله عليه وسلم".

وحَدَّثَنَا إسحق بن إبراهيم أخبرنا بشر بن عمر الزهراني حَدَّثَنِي سليمان بن بلال حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد بهذا الإسناد غير أنه قال: "وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وحَدَّثْنِيهِ محمد بن رافع حَدَّثَنَا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج حدثني يحيى بن سعيد بهذا الإسناد وقال: "فظننت أن ذلك لمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم" يحيى يقوله.

وحَدَّثَنَا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عبد الوهاب ح وحَدَّثَنَا عمرو الناقد حَدَّثَنَا سفيان كلاهما عن يحيى بهذا الإسناد ولم يذكرا في الحديث "الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم")).

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
1. ثَبَتَ بما لا مزيد عليه من كلام الحافظ ابن حجر -وأيَّدَهُ جمع من العلماء مثل ابن القيم والألباني- أن زيادة " لمكان -أو للشغل من- رسول الله صلى الله عليه وسلم مُدرجة من قول يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو الذي ذكره البخاري ومسلم في روايتهما للحديث.

2. وعليه: فالتعليل بها لبيان تأخير القضاء إنما هو من اجتهاده لا من قولها.

3. وتعليله غير صحيح، فأمُّنَا عائشة رضي الله عنها ليس لها إلا ليلتين -في أواخر أيامه صلى الله عليه وسلم- وسبعة أيام لباقي نسائه، فهو ليس لها وحدها.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكْثِرُ من الصوم في يوم عائشة وفي يوم غيرها، فلم يكن ذلك ليمنعها من الصوم.

4. وأمَّا أنها كانت تصوم الست من شوال فمما لا دليل عليه، وليس لإحسان الظن بها ها هنا مجال! بل إن من إحسان الظن بها أنها لم تكن لتؤخر فرضها وتقدم عليه النافلة.

5. وقد ثبت عن بعض السلف أنه لم يكن يصوم الست من شوال لعدم علمه بالحديث، وبعضهم كان يمنع منه خشية اعتقاد الناس أنه من الواجبات، ولا مانع أنه لم تكن أمنا عائشة على علم بهذا الحديث.

قال الإمام مالك: ما رأيتُ أحداً من أهل العلم يصومها!!

ومن أحسن الظن بها هنا واستبعد عدم علمها بذلك فليقل ذلك في كل حديث فيه فضيلة أنه لم يكن ليخفى عليها!

6. وأما معنى قولها "فلم أكن أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان": فهو أنها لا تستطيع شرعاً! قضاءَه إلا في ذلك الوقت لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكْثِرُ من صوم ذلك الشهر! بل لأن وقت القضاء ينتهي في ذلك الشهر!

وهو الذي رجَّحَهُ الحبر البحر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

7. وصيام الست من شوال قبل القضاء لا يحصِّل فيه العبد أجر صيام الدهر -أي: السنة-؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".

8. وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، وأن المقصود بالحديث هو مُضاعفة الحسنات إلى عشر أمثالها.

عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة مَنْ جاء بالحسنة فله عشر أمثالها". رواه ابن ماجه (1715).

وعليه:
فكيف سيكون حساب من صام من رمضان (25) يوماً -مثلاً- ثم أتبعه ستاً من شوال قبل القضاء؟!

ومعلوم أنه مَنْ لم يُتِمَّ صوم الشهر ثم صام الست قبل القضاء: فلا يصدق عليه الحديث لأنه لم يصم "رمضان"!!

9. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا يقبل اللهُ نافلة حتى تؤدَّى فريضة، فننزه أمُّنَا عائشة أن تتقرَّب إلى الله بنافلة قبل فريضة من الجنس نفسه!

10. معنى "كمن صام الدهر":
في مسند أحمد (15157) عن معاوية بن أبي قرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره".

وثمَّة فرق بين أجر صيام الدهر الوارد في حديث الست من شوال، وحديث "مَنْ صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كصيام الدهر" وهو:
أنَّ أجر الأول: هو أجر الفرض المضاعف، بمعنى أن له أجر صيام رمضان في العام كله.

وأجر الثاني: هو أجر النافلة المضاعف، بمعنى أن له أجر صيام نافلة في العام كله.

هذه النقول فيها ما ذكرته في مسألة ثواب الست من شوال والفرق بينه وبين صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والحمد لله على توفيقه:
1. في " تحفة المحتاج " (3 / 457، 458).
(وستة) في نسخة "ست" بلا تاء كما في الحديث وعليها فسوغ حذفها حذف المعدود (من شوال)؛ لأنها مع صيام رمضان أي: جميعه وإلا لم يحصل الفضل الآتي وإن أفطر لعذر كصيام الدهر رواه مسلم أي: لأن الحسنة بعشر أمثالها كما جاء مفسراً في رواية سندها حسن ولفظها "صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام –أي: من شوال– بشهرين فذلك صيام السنة" أي: مثل صيامها بلا مضاعفة نظير ما قالوه في خبر "(قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن" وأشباهه، والمُراد ثواب الفرض وإلا لم يكن لخصوصية ستة شوال معنى؛ إذ مَنْ صام مع رمضان ستة غيرها يحصل له ثواب الدَّهر لَمَا تقرَّر فلا تتميَّز تلك إلا بذلك، وحاصله أنَّ مَنْ صامها مع رمضان كُلَّ سَنَةٍ تكون كصيام الدهر فرضاً بلا مضاعفة ومَنْ صام ستة غيرها كذلك تكون كصيامه نفلاً بلا مضاعفة كما أن يصوم ثلاثة من كل شهر تحصله أيضاً.

2. وفي "حاشية الجمل" (2 / 351، 352).
(وستة من شوال) لخبر مسلم: "مَنْ صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". وخبر النسائي "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام أي من شوال بشهرين فذلك صيام السنة" أي: كصيامها فرضاً وإلا فلا يختص ذلك بما ذكر لأن الحسنة بعشر أمثالها (واتصالها) بيوم العيد (أفضل) مبادرة للعبادة وتعبيري باتصالها أولى من تعبيره بتتابعها لشموله الإتيان بها متتابعة وعقب العيد.

3. وفي "مطالب أولي النُّهى" (2 / 215)
(و) سن صوم (ستة) أيام (من شوال)، ولو متفرقة، (والأولى تتابعها)، وكونها (عقب العيد، إلا لمانع، كقضاء) ونذر، (وصائمها)، أي: الستة من شوال (مع رمضان)، أي: بعده، (كأنما صام الدهر) فرضاً، كما في "اللطائف" وذلك لما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صام رمضان، وأتبعه ستاً من شوال، فكأنما صام الدهر" رواه أبو داود والترمذي، وحسَّنه.

4. وفي "الموسوعة الفقهية" (28 / 93).
وصرح الشافعية، والحنابلة: بأن صوم ستة أيام من شوال -بعد رمضان- يعدل صيام سنة فرضاً، وإلا فلا يختص ذلك برمضان وستة من شوال، لأن الحسنة بعشرة أمثالها.

مع التنبيه على تخريج الحديث في كتاب "مطالب أولي النُّهى" فهو في "مسلم" من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.

١١. صيام الست أيام من شوال يومي الاثنين والخميس:
ليس ثمة فضل خاص بصيام هذين اليومين –كصيام عرفة أو عاشوراء مثلاً-، وإنما المقصود: أن الأعمال تُرفع إلى الله كل اثنين وخميس، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أن يُرفع عمله وهو صائم!

فلو كان صائماً قضاءً أو نذراً أو كفارةً أو من شوال أو من أيام البيض: فكل ذلك يصدق عليه الحديث، فرفع عمله وهو صائم!

ولذلك: نستحب لِمَنْ أراد أن يصوم "الست من شوال" أن يتحرَّى الاثنين والخميس.

ولا نقول هنا بجمع النية! لأن صيام الاثنين والخميس ليسا قائمين بذواتيهما، بل المسألة أصلاً لا ترد، إذ كيف سيجمع نِيَّةً مطلقة مع نِيَّةٍ مُقيَّدة؟!

١٢. لا يجوز للمسلم أن يجمع بين عبادتين لكل واحدة منهما فضلٌ خاص، أو أمْرٌ مستقل خاص.
فمثلاً: لا يجمع بين قضاء رمضان والنذر.

وكذلك: لا يجمع بين قضاء رمضان والست من شوال، وذلك لأن المقصود من الحديث أن يصوم الإنسان (36) يوما –أو شهراً وستة أيام– فإذا جمع بين النيتين صام شهراً واحداً فقط!

وهذا مخالف لمقصود الحديث وهو أن يصوم شهراً وستة أيام، وقد جاء في السنة ما يوضح أن هذا هو مقصود الحديث، فقد روى ابن ماجه بسندٍ صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السَّنَةِ، مَنْ جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".

١٣. ومَنْ قال بأن المقصود في الحديث صيام أيام ستة في أي شهر فقد أبعد النُّجعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نصّ على" شوال" ولم يُطلق الصوم للعدد في أي شهر وهو العربي الفصيح فالنص منه على اليوم أو الشهر أو العدد أو الزمان أو المكان لا يمكن أن يُراد به غير ما نص عليه وإلا لم تكن ثمَّة فائدة في ذلك التنصيص.

ووقع في نفسي أن شهر رمضان لعظيم بركته وكونه شهر نزول القرآن وكونه شهر صوم الفرض حلّت بركته على الشهر قبله وهو شعبان ولذا كان يصوم صلى الله عليه وسلم أكثره وعلى شوال لذا جعل فيه صوم النفل مضاعفاً بأجر فريضة لا أجر نفل.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذين الصومين بمثابة السُّنَّةَ القبلية والبعدية، وبه يُعلم أنه لا يقوم شهر آخر مقام شعبان ولا مقام شوال في ذينك الصومين.

قال ابن القيم رحمه الله:
وفي كونها (من شوال) سِرٌ لطيفٌ وهو أنها تجري مجرى الجبران لرمضان وتقضي ما وقع فيه من التقصير في الصوم فتجري مجرى سُنَّةِ الصلاة بعدها ومجرى سجدتي السَّهو ولهذا قال: وأتبعه.

أي: ألحقها به.ا.هـ "المنار المنيف" (ص ٢٩).

وعليه: فمَنْ صام السِّتَّةَ أيام في غير شوال فإنما تُضاعف نفلاً لا فريضة.

والحمد لله.
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
@i_otibie