زوجة حاتم الطائي
قالت نوار امرأة حاتم: أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض واغبر أفق السماء، وراحت الإبل حدباً حدابير، وضنَّت المراضع على أولادها فما تبض بقطرة، وحلقت ألسَّنَةُ المالَ وأيقنا بالهلاك.
فوالله إنا لفي ليلة صنبر، بعيدة ما بين الطرفين، إذا تضاغى صبيتنا جوعاً، عبد الله وعدي وسفانة، فقام حاتم إلى الصبيين، وقمت أنا إلى الصبية، فوالله ما سكتوا إلا بعد هدأة من الليل، وأقبل يُعللني بالحديث، فعرفت ما يريد فتناومت... فلما تهورت النجوم، إذا شيء قد رفع كسر البيت ثم عاد؛ فقال: من هذا؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1) - العقد الفريد.


قالت: إلا عليك يا أبا عدي.         
فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم.         
فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي جانبها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها.
فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمدية فخر، ثم كشطه عن جلده، ودفع المدية إلى المرأة، فقال لها: شأنك.         
فاجتمعنا على اللحم نشوي بالنار، ثم جعل يمشي في الحي يأتيهم بيتاً بيتاً، فيقول: هبوا أيها القوم عليكم بالنار، فاجتمعوا والتفع في ثوبه ناحية ينظر إلينا، فلا والله إن ذاق منه مزعه، وإنه لأحوج إليه منا، فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم وحافر..

فأنشأ حاتم يقول:
مهلاً نوار أقل اللوم والعذلا... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه... مهلاً وإن كنت أعطى الإنس والخبلا
يرى البخيل سبيل المال واحدة... إن الجواد يرى في ماله سبلا.