كيف تعامل الفقه مع الأوبئة؟
قصة الإسلام لايت

كيف تعامل الفقه مع الأوبئة؟
    تحول العالم فجأة إلى سجن كبير مع تزايد انتشار وباء الكورونا (كوفيد - 19)، بحيث سجن المواطنون أنفسهم في بيوتهم بأمر كورونا، إعمالا للحجر الصحي الذي ينصح بالتباعد الاجتماعي.

    وكثر الحديث عن الأوبئة التي أودت بحياة الآلاف والملايين من البشر، وكان من المهم أن نبيّن كيف تعامل الحكماء والفقهاء والأطباء مع الوباء في تلك الأوقات لدرء هذه المخاطر.

    ففي عالمنا العربي والإسلامي لجأ الفقهاء إلى الموروث السني والحديث المشهور الذي يؤسس لأهمية الحجر والعزل الصحي بدقة متناهية، عندما يحل الوباء أو الطاعون والذى يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه"، كما استدلوا لذات الغرض والمعنى بالآية الكريمة من سورة البقرة التي تقرأ: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".

    وتُحدثنا مراجع التاريخ الإسلامي عن أن المشرق العربي قد شهد أوبئة وكوارث صحية عديدة، أشهرها في في سنة 18 هجرية عندما كان جيش المسلمين يقاتل الروم ببلاد الشام، وحل بهم "طاعون عمواس" بدءاً من قرية عمواس الفلسطينية، وقتل الكثيرين وفي مقدمتهم الصحابي الجليل وقائد الحملة أبوعبيدة عامر بن الجراح، وعدد من كبار الصحابة وأشراف القوم، ما اضطر الخليفة عمر -رضي الله عنه- للعودة قافلا إلى المدينة المنورة، بعد أن أزمع اللحاق بأبي عبيدة وجيشه في الشام، وكان ذلك تطبيقا باكرا لقواعد الحجر الصحي.

    وفي عهد عبد الله بن الزبير ضرب العراق في سنة 69 هجرية- طاعون "الجارف"، الذي سُمي كذلك لأنه جرف الناس جرفا، وأفنى الآلاف خلال أيام معدودات، كما شهد العهد الأموي في سنة 131 هجرية طاعونا فتاكا سُمى "طاعون مسلم بن قتيبة" لكونه أول من مات به، كذلك أغارت الأوبئة والطواعين على المشرق العربي خلال العصور العباسية والمملوكية والأيوبية، ولم تستثن الأوبئة والجوائح بلدان المغرب العربي والأندلس في أوقات متعاقبة، وأدت إلى خفض عدد السكان والأيدي العاملة، وضربت الأنشطة الاقتصادية الزراعية والحرفية، ونشرت الندرة والغلاء والمجاعات، ووصل الأمر كذلك إلى بلدان الهند والسند التي امتدت بعدواها إلى الجزيرة العربية، مما عطّل فريضة الحج مرات عديدة أو قلل من زوار الحرمين الشريفين في تلك المواسم، درءا للأوبئة والجوائح الفتاكة عملا بحكمة؛ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.

    هكذا يعلمنا التاريخ أن مقولة: "الوقاية خير من العلاج" هي الرؤية الصائبة التي لا مناص منها في أوقات الأوبئة والجوائح المهلكة، وأن الحجر والعزل الصحى هو الآلية الضرورية المتاحة، وهو فرض وواجب، لا يتم الواجب بدونه، مسنودا بالخبرة الإنسانية والحكمة الدينية، وتجاهله يعني التفريط المفضي للخسران والندامة، فعضوا عليه بالنواجذ علّكم تفلحون وتسلمون.

المصدر:
https://lite.islamstory.com/ar/artical/10936/