العلوم تدعم إيماني بالله
كتبه: ألبرت ماكومب ونشستر
متخصص في علم الأحياء
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة تكساس - أستاذ الأحياء بجامعة بايلور - عميد أكاديمية العلوم بفلوريدا سابقاً - أخصائي في علم الوراثة وفي تأثير الأشعة السينية على الدروسوفيلا.

المُشَارَكَة:
هل من الممكن أن يكون للمُشتغل بالعلوم نفس الاعتقاد بوجود الله، والتقديس له، كغير المُشتغل بالعلوم؟ وهل يوجد في دائرة المُستكشفات العلميَّة ما يمكن أن يقلل من تقدير الإنسان لقدرة الخالق الأعظم وجلاله؟

تلك أسئلة تطوف احياناً بعقول بعض مَنْ يظنُّون أن العلماء في ميادين بحوثهم المُتسعة يكتشفون من الحقائق ما قد يتعارض مع الدين حسب تفسير بعض المفسرين.

ومن أمثلة ذلك ما حدث لي شخصياً عندما كنت طالباً بالجامعة وكنت قد قرَّرت أن ادرس العلوم.

وإنني لأذكرُ جيداً كيف أخذتني إحدى عمَّاتي جانباً ذات يوم وتوسَّلت إليَّ أن أعْدِلَ عن هذا القرار، لأن العلوم، كما كانت تعتقد، سوف تقضي على إيماني بالله.

لقد كانت تعتبر، كما يعتبر الكثيرون، أن العلوم والدِّينَ قوتإن متعارضتان، وأنهما لا يمكن أن يجتمعا في قلب رجل واحد.

وإنني لأشعر بالغبطة تملأ قلبي اليوم، بعد أن درست العلوم المختلفة، واشتغلت بها سنوات عديدة، ولم يكن في ذلك ما يُزعزعُ إيماني بالله، بل أن اشتغالي بالعلوم قد دعم إيماني بالله حتى صار أشَدَّ قوة وأمتنُ أساساً مِمَّا كان عليه من قبل.

ليس من شَكٍّ في أن العلوم تزيد الإنسان تَبَصُّراً بقدرة الله وجلاله، وكلما اكتشف الإنسان جديداً في دائرة بحثه ودراسته زاد إيمانه بالله.

لقد حَلَّ العلمُ اليومَ محلَّ كثير من الخُرافات القديمة التي غالباً ما طغت على المُعتقدات الدينية، واستبدل بها حقائق رصينة تستند إلى المُشاهدة والتجربة.

وكما عدلت الكشوف العلمية أساليب الطب القديمة من الكي والحجامة إلى تلك الأساليب الحديثة من التشخيص والعلاج، فإن العلوم الحديثة قد غيَّرت كذلك من بعض المعتقدات حول علاقة الإنسان بالله، فلم يَعُدْ الناس يعتقدون أن سبب المرض ما هو إلا سخط من الله ينزله بعباده عقاباً لهم على خطاياهم، وإنما سببه غزو للجسم تقوم به بعض الكائنات الدقيقة التي تخضع لكل القوانين الطبيعية التي تتحكَّمُ في سائر الكائنات الحيَّة الأخرى.

إن إيمانُنا بالله لم يتزعزع بسبب معرفتنا بهذه الحقائق، بل ازاداد علماً به وبالعالم الذي خلقه سبحانه وتعالى، وكذلك بتلك الكائنات التي يصيب بها مَنْ يشاء.

إن الإنسان لا يستطيع أن يدرس أعمال أي صانع من الصُّنَّاع دون أن يُحيط بقدر من المعلومات عن الصَّانع الذي أبدع تلك الاعمال، وكذلك نجد أننا كلما تعمَّقنا في دراسة أسرار هذا الكون وسُكَّانِهِ، ازددنا معرفة بطبيعة الخالق الأعلى الذي أبدعه.

وقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء، وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بالحياة، وليس من مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون.

أنظر إلى نبات برسيم ضئيل وقد نما على أحد جوانب الطريق.

فهل نستطيع أن تجد له نظيراً في روعته بين جميع ما صنعه الإنسان من تلك العدد والآلات الرائعة؟

إنه آلة حيَّة تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار بآلاف من التفاعلات الكيماوية والطبيعية، ويتم كل ذلك تحت سيطرة البروتوبلازم وهو المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحيَّة.

فمن أين جاءت هذه الآلة الحيَّة المعقدة؟

إن الله لم يصنعها هكذا وحدها، ولكنه خلق الحياة وجعلها قادرة على صيانة نفسها وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل من الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تُعينُنا على التمييز بين نبات وآخر.

إن دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الأحياء وأكثرها إظهاراً لقدرة الله.

إنَّ الخليَّة التناسليَّة التي ينتج عنها النبات الجديد تبلغ من الصِّغَرِ درجة كبرى بحيث تصعب مشاهدتها إلا باستخدام المجهر المكبر.

ومن العجب أن كل صفة من صفات النبات: كل عرق، وكل شعيرة، وكل فرع على ساق، وكل جذر أو ورقة يتم تكوينها تحت إشراف مهندسين قد بلغوا من دقة الحجم مبلغاً كبيراً فاستطاعوا العيش داخل الخليَّة التي ينشأ منها النبات.

تلك الفئة من المهندسين هي فئة الكروموسومات.

ولهؤلاء المهندسين ذوي الأحجام الضئيلة القدرة على تعديل خواص النباتات التي تنتجها هذه الخلايا الدقيقة في فترات نادرة من الزمان، فهي بذلك تنتح كائنات أكثر قدرة على التلاؤم من أسلافها.

لقد مرَّت بالبشرية فترة كان أغلب الناس يعتقدون فيها أنه من الكفر أن يعتقد المَرْءُ أن الكائنات الحيَّة التي تعيش اليوم على سطح الأرض كانت في يوم من الأيام على صورة تخالف الصورة التي خلقها الله عليها بادئ الأمر.

أمَّا في الوقت الحاضر فإن معظم المفكرين يرون أن خلق كائنات لها القدرة على التكاثر وعلى تغيير أشكالها وتركيبها، تبعاً للظروف التي تحيط بها، يُعَدُّ أشَدُّ دِلالة على قدرة الله من خلق كائنات لا تتطوَّر ولا تستطيع إلا أن تنتج صوراً مُكرَّرَة من أنفسها طيلة الزمان.

ويقف العلماء اليوم على عتبة كشف جديد بالغ الأهمية، ألا وهو خلق الحياة داخل المعمل وفي أنابيب الاختبار، وقد أمكن فعلاً الوصول إلى خلق صورة من صور الحياة داخل المعمل، ولكنها صورة بدائية على درجة كبيرة من البساطة والنقص.

وقد تَمَّ ذلك بمزج بعض المواد الكيماوية بنسب معينة لكي تتكوَّن منها مادة تُسَمَّى حمض ديسوكسي ريبونيوكليك (D N A)، وهي من المواد التي لم يكن من الممكن إنتاجها من قبل إلا داخل الخلايا الحيَّة.

إنها مادة الحياة، مادة الوراثة التي تحمل الصفات الوراثية عبر الأجيال وتضع طابعها على جميع الأحياء التي تدخل في تركيبها.

وقد أمكن اخذ هذه المادة من بروتوبلازم بعض الخلايا الحيَّة وإدخالها في بروتوبلازم بعض الأنواع الأخرى، فأدَّى ذلك إلى جانب من التغيُّر في الصفات الوراثية للأنواع المُطعَمَة بهذه المادة.

ونحن لا نعلم ماذا يكون شأن ذلك الحمض الصناعي الذي حضَّرهُ الإنسان في المعمل وكيف يكون تأثيره عندما يطعم به بروتوبلازم الخلايا الحيَّة، هل تمتصه الخلايا، وهل يتَّسِقُ مع تركيبها، وهل تحدُثُ فيها نفس التأثيرات التي تُحْدِثُهَا المادة العضوية الطبيعية؟

إننا لا نعرف الإجابة حتى اليوم عن هذه الأسئلة، ولا يزال مستقبل الجُهُودِ التي تُبذل في هذا الميدإن في كَفِّ القدر، فبعض العلماء يتشككون في إمكان الوصول إلى خلق الحياة، والبعض الآخر يعدونه من الأمور المُستحيلة، ولكن حتى إذا نجحت هذه الجهود، فهل يزعزع ذلك من إيماننا بالله؟

إنه لا يزعزع إلا إيمإن أولئك الذين لديهم إيمانٌ سطحي.

أمَّا مَنْ يقوم ايمانهم على أساس التفكير العميق، فإن ذلك لا يُعَدُّ أكثر من خطوة جديدة في إدراك ما أبدعه الخالق الأعظم الذي خلق وحده تلك الروائع التي يعمل الناس جاهدين متكاتفين في الكشف عنها.

فإذا كُنَّا نريد أن ندعم إيماننا بالله فعلينا بمزيد من التعمُّق في كشف الحقيقة.