الكشوف العلمية تثبت وجود الله
كتبها: جورج ايرل دافيز
عالم الطبيعة
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة منيسوتا - ورئيس قسم البحوث الذرية بالبحرية الأمريكية بيروكلين - أخصائي في الاشعاع الشمسي والبصريات الهندسية والطبيعية.

المُشَارَكَة:
كلما تقدم رَكْبُ العلم وتضاءلت الخرافات القديمة ازداد تقدير الإنسان لمزايا الدِّين والدراسات الدينية.
وقد تعدَّدت الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى إعادة النظر في أمور الدِّين، ولكننا نؤمن إنها ترجع جميعاً إلى رغبة البشر رغبة صادقة في الوصول إلى الحقيقة.
وينبغي أن نفرق في هذا المقام بين مُعارضة الدِّين أو الخروج عليه ويبين الإلحاد، وأن نعترف بأن من يخرج على بعض الافكار التقليدية التي ينطوي عليها دين من الأديان، لكي يؤمن بوجود إله قوي كبير، لا يجوز أن نعده بسبب ذلك وحده ملحداً.
فمثل هذا الشخص قد يكون غير معتنق لدين من الأديان، ولكنه يؤمن بالله، وقد يكون إيمانه هذا بالله تعالى قائماً على أساس متين.
وليس معنى ذلك إننا ننكر وجود الإلحاد والمُلحدين بين المشتغلين بدراسة العلوم، إلا أن الاعتقاد الشائع بأن الإلحاد منتشر بين رجال العلوم أكثر من انتشاره بين غيرهم، لا يقوم على صحته دليل، بل أنه يتعارض مع ما نلاحظه فعلاً من شيوع الإيمان بين جمهرة المشتغلين بالعلوم.
أمَّا عن عقيدتي في وجود الله، فمن العبث أن أنكر إنها لم تتأثر بما تلقيته من تعاليم دينية في سنوات حياتي الأولى، اذ أنه لا سبيل إلى التخلص من الآثار التي تتركها هذه السنوات المبكرة من حياتنا في أنفسنا، ولكنني استطيع أن أؤكد أنه بينما تتفق عقيدتي الدينية في الوقت الحاضر مع ما تعلمته في صباي عن وجود الله فإن هذه العقيدة تقوم في الوقت الحاضر على أساس قوي يختلف كل الاختلاف عن الأساس الذي يقوم عليه الإيمان المستمد من سلطة الكنيسة ورجال الدين.
ولقد أتيح لي بفضل اشتغالي بدراسة الطبيعة، أن ادرس التركيب المعقد إلى درجة لا يتصورها العقل لبعض مكونات هذا الكون الذي لا تقل فيه روعة التذبذبات الداخليَّة لأصغر ذراته وما دون ذراته عن النشاط المذهل لأكبر النجوم السابحة في أفلاكها، والذي يسير فيه كل شعاع من الضوء، وكل تفاعل كيماوي أو طبيعي، وكل خاصية من خواص كل كائن حي وفق قوانين ثابتة لا تتبدل ولا تتغيَّر.
تلك هي الصورة التي تقدمها لنا العلوم والتي كلما تأملها الإنسان، اكتشف من بالغ دقتها ورائع جمالها ما لم يكن قد اكتشفه من قبل.
ومع تقدم الكشف العلمي، ظهرت أسئلة لا مفر منها، وهي أسئلة ليست مبتكرة وإن كانت تبدو جديدة بسبب النظرة الحديثة إلى تكوين هذا الكون الذي يعتبر الإنسان جزءا منه لا يتجزأ.
ومن هذه الاسئلة ذات القيمة الكبيرة بالنسبة لمسؤولياتنا ومصيرنا النهائي ذلك السؤال القديم:
(هل يوجد إلهٌ عُلويٌ هو خالقُ هذا الكَون)؟
وهنالك سؤال آخر أكثر صعوبة من سابقة وهو السؤال الذي يُردده كثير من الاطفال في موجة من موجات الألمعية المحافظة التي تطوف أحياناً بمخيلاتهم وهو:
(إذا كان لهذا الكَون خالقٌ، فمَنْ الذي خلقه)؟
ولا يمكننا أن نثبت وجود الله عن طريق الالتجاء إلى الطرق الماديَّة وحدها، إذ لم يقل أحد بأن الله مادة حتى نستطيع أن نصل إليه بالطرق المادية.ولكننا نستطيع أن نتحقق من وجود الله باستخدام العقل والاستنباط مما نتعلمه ونراه، فالمنطق الذي نستطيع أن نأخذ به، والذي لا يمكن أن يتطرَّق إليه الشك، هو أنه ليس هنالك شيء، مادي يستطيع أن يخلق نفسه.
وإذا سلّمنا بقدرة الكون على خلق نفسه، فإننا بذلك نصف الكون بالألوهية.
ومعنى ذلك أن نعترف بوجود إله، ولكننا نعتبره إلها ماديّاً وروحياً في نفس الوقت.
وأنا أفضل أن أؤمن بإله غير مادي خالق لهذا الكون تظهر في آياته وتتجلّى فيه أياديه، دون أن يكون هذا الكون كفواً له.
وأحِبُّ أن أضيف إلى هذا الاستدلال، استدلالا آخر: وهو أنه كلما ارتقى وتقدم تطور المخلوقات، كان ذلك أشد دلالة على وجود خالق مُدَبِّر وراء هذا الخلق.
إن التطور الذي تكشف عنه العلوم في هذا الكون، هو ذاته شاهد على وجود الله.
فمن جزيئات بسيطة ليس لها صورة معينة وليس بينها فراغ نشأت ملايين من الكواكب والنجوم والعوالم المختلفة لها صور معينة وأعمار محددة تخضع لقوانين ثابتة يعجز العقل البشري عن الإحاطة بمدى إبداعها.
وقد تحمَّلت كل ذرة من ذرات هذا الكون، بل كل ما دون الذرة مما لا يدركه حِسٌ ولا يتصور صغره عقل، قوانينها وسُننها وما ينبغي لها أن تقوم به أو تخضع له.
هذه أدلة كافية، ولكن هنالك ما هو أشد إعجازاً وأكثر دلالة على وجود الله.
فمن تلك الجزيئات البسيطة لم تنشأ النجوم والكواكب فحسب، بل نشأت كذلك أنواع متطورة من الأحياء، بل كائنات تستطيع أن تفكر وتبتكر وتخلق اشياء جميلة، بل هي تبحث عن أسرار الحياة والوجود.
إن كل ذرة من ذرات هذا الكون تشهد بوجود الله، وإنها تدل على وجوده حتى دون حاجة إلى الاستدلال بأن الأشياء المادية تعجز عن خلق نفسها.