منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة التوبة الآيات من 101-105

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 101-105 Empty
مُساهمةموضوع: سورة التوبة الآيات من 101-105   سورة التوبة الآيات من 101-105 Emptyالجمعة 13 سبتمبر 2019, 10:54 pm

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أوضح سبحانه: وطِّنوا أنفسكم على أن من حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون، وهذا التوطين يعطي مناعة اليقظة؛ حتى لا يندس واحد من المنافقين على أصحاب الغفلة الطيبين من المؤمنين، فينبههم الحق: انتبهوا فأنتم تعيشون في مجتمع مُحاط بالمنافقين.

والتطعيم ضد الداءات التي تصيب الأمم وسيلة من وسائل محاربة العدو، ونحن نفعل ذلك ماديّاً حين نسمع عن قرب انتشار وباء؛ فنأخذ المصل الواقي منه، رغم أنه داء إلا أنه يعطينا مناعة ضد المرض.

وهكذا يربي الحق المناعة بحيث لا يمكن أن يُهاجَم المؤمنون عن غفلة، فيقول: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ) و "مرد" يمرد أي: تدرب وتمرن، ويبقى الأمر عنده حرفة، وكأن الواحد منهم يجيد النفاق إجادة تامة.

وكل ذلك ليوجد مناعة في الأمة الإسلامية؛ حتى يكون المؤمن على بصيرة في مواجهة أي شيء، فإذا رأى أي سلوك فيه نفاق اكتشفه على الفور.

واليقظة تدفع عنك الضر، ولا تمنع عنك الخير.

وافرض أن واحداً قال لك: إن هذا الطريق مَخُوف لا تمشِ فيه وحدك بالليل.

ثم جاء آخر وقال: إنه طريق آمن ومشينا فيه ولم يحدث شيء، فلو أنك احتطْتَ وأخذت معك سلاحاً أو رفيقاً فقد استعددت للشر لتتوقاه، فَهَبْ أنه لم يحدث شيء، فما الذي خسرته؟

إنك لن تخسر شيئاً.

 وهذه قضية منطقية فلسفية يُردّ بها على الذين يشككون في دين الله، مثل المنجِّمين، ومَن يدَّعون الفلسفة، ويزعمون أنه لا يوجد حساب ولا حشر ولا يوم آخر.

 فيقول الشاعر:
زَعَـــــم المنجِّم والطَّيبُ كلاهما لا تُحْشَرُ الأجسَاد قلْتُ إليكُمَا
إنْ صَحَّ قولكُمَا فَلسْتُ بخَاسرٍ أوْ صَحَّ قَوْلِي فَالخسَار عليكُما

أي: إن كان كلامكم صحيحاً من أنه لا يوجد بعث -والعياذ بالله- فلن أخسر شيئاً؛ لأني أعمل الأعمال الطيبة.

وإن كان هناك بعث -وهو حق- فسوف ألقى الجزاء في الجنة؛ وبذلك لم أخسر، بل كسبت.

لكن افرضوا أنكم عملتم الشر كله وجاء البعث فأنتم الخاسرون.

والقضية الفلسفية المنطقية هنا هي: إن لم أكسب فلن أخسر، وأنتم إن لم تخسروا فلن تكسبوا.

 والحق في هذه الآية يقول: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ) وكلمة (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) تفيد أنكم محاصرون، لا ممن حولكم فقط، بل أيضاً ببعض من الموجودين بينكم في المدينة، وهم من تدربوا على النفاق حتى صارت لهم ألفة به.

وهذه الآيات -كما نعلم- قد نزلت تحكي حال المنافقين.

والنفاق تتعارض فيه ملكات النفس الإنسانية بأن توجد ملكة كفر في القلب، بينما توجد ملكة إيمان في اللسان، فلا يتفق اللسان مع القلب، فالذين آمنوا يوافق ما ينطقون به ما في قلوبهم، والذين كفروا وافقت قلوبهم ألسنتهم.

 أما الصنف الثالث: وهم الذين نطقوا بالإيمان بألسنتهم، ولم تؤمن قلوبهم، فهؤلاء هم المنافقون.

 وهو لفظ مأخوذ من "نافقاء اليربوع" وهو حيوان صحراوي يشبه الفأر، ويخدع من يريد صيده، فيجعل لبيته أو جحره عدة فجوات، فإذا طارده حيوان أو إنسان يدخل من فجوة، فيتوهم الصائد أنه سيخرج منها، ويبقى منتظراً خروجه، بينما يخرج اليربوع من فجوة أخرى، فكأنه خادع الصائد، فالصائد يظن أن للجحر باباً واحداً، ولكن الحقيقة أن للجحر أكثر من مدخل ومخرج.

والنفاق بهذه الصورة فيه ظاهرتان: ظاهرة مَرَضيّة في المنافق، وظاهرة صحية في المنافَق؛ ولذلك لم ينشأ النفاق في مكة، وإنما نشأ في المدينة.

ومن العجيب أن ينشأ النفاق في المدينة التي آوت الإسلام وانتشر منها، وانساح إلى الدنيا كلها، ولم يظهر في مكة التي أرادت أن تطمس الإسلام، وحارب سادتُها وصناديدُها الدعوةَ.

 إذن: فلابد أن نأخذ من النفاق ظاهرتين: الظاهرة الأولى وهي الظاهرة المرضيّة، حيث قال الحق: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً) (البقرة: 10).

أما الظاهرة الثانية فهي الظاهرة الصحية، فقد أصبح الإسلام قويّاً بالمدينة غيره عند بدء الدعوة في مكة.

إنما يُنَافَق القوي؛ لأن المنافق يريد أن ينتفع بقوة القوي، كما أن المنافق يعرف أنه لن يستطيع مواجهة القوي، أو أن يقف منه موقف العداء الظاهر.

إذن: فالنفاق حين يظهر، إنما يظهر في مجالات القوة، لا في مجالات الضعف، فالرجل الضعيف لا ينافقه أحد، والرجل القوي ينافقه الناس.

إذن: فالنفاق ظاهرة مرضية بالنسبة للمنافق، وظاهرة صحية في المنافَق.

وأراد الحق سبحانه أن يكشف للمؤمنين أمر المنافقين الذين يتلصصون عليهم، أي: يتخذون مسلك اللصوص؛ في أنهم لا يُواجهون إلا في الظلام، ويحاولون أن يدخلوا من مداخل لا يراهم منها أحد، ويتلمَّسون تلك المداخل التي لا تظهر، ويُخْفون غير ما يظهرون.

أما مواجهة الكافر فهي مسألة واضحة، صريحة؛ فهو يعلن ما يبطن، ويواجهك بالعداء.

وأنت تواجهه بجميع قوتك وكل تفكيرك؛ لأنه واضح الحركة.

أما المنافق الذي يُظهر الإيمان وفي قلبه الكفر، فهو يتلصص عليك، وعليك أن تحتاط لمداخله؛ لأنه ينتظر اللحظة التي يطعنك فيها من الخلف.

وينبهنا الحق إلى ضرورة الاحتياط، وأن يمتلك المؤمنون الفطنة والفراسة وصدق النظر إلى الأشياء، وعدم الانخداع بمظاهر تلك الأشياء، فكشف لنا سبحانه كل أوجه النفاق؛ كشف منافقي المدينة حيث يوجد منافقون وغير منافقين، ومنافقي الأعراب الذين يوجد بينهم منافقون وغير منافقين، وعَلّم الحق سبحانه المؤمنين كيف يتعرفون على المنافقين بالمظاهر التي تكشف ما يدور في صدورهم.

 وسبحانه القائل عن المنافقين: (وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ) (محمد: 30).

ولكنْ هناك لون من النفاق، نفاق فني دقيق، يغيب على فطنة المتفطن، وعلى كياسته.

ولذلك يوضح لنا سبحانه: أنا لا أكلُكم إلى فطنتكم لتعلموا المنافقين، وإنما أنا أعلمه وأنتم لا تعلمونه؛ لأنهم قد برعوا في النفاق (لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ورغم فطنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكياسته فقد أوضح له الحق أنه سيغيب عنه أمرهم؛ لأنهم احتاطوا بفنيّة النفاق فيهم حتى لا يظهر.

لقد عبّر القرآن التعبير الدقيق، فقال: (مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ) والمادة نفسها في كلمة (مَرَدُواْ) هي من مرد، يمرد، مروداً، ومارداً، ومريداً، هذه المادة تصف الشيء الناعم الأملس الذي لا تظهر فيه نتوءات، ومنه الشاب الأمرد، يعني الذي لم ينبت له شعر يخترق بشرته، إذن: المادة كلها تدل على الثبات على شيء، وعدم وجود شيء فيه يخدش هذا الثبات.

 ويوضح سبحانه: تنبَّهوا، فممَّن حولكم من الأعراب منافقون، وقوله الحق: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) يشعر بأنهم محاطون بالنفاق، ولماذا يحاطون بالنفاق؟

لأن الدعوات الإيمانية لا تظهر إلا إذا طمّ الفساد في بيئة.

ونعلم أن الحق قد جعل في النفس أشياء تطرد الباطل، وإن ألحّ الباطل عليها فترة، تتنبه النفس إليه وتطرده.

وهؤلاء هم الذين يتوبون، يقترفون الذنب ثم ترجع إليهم نفوسهم الإيمانية فتردعهم.

إذن: فالردع إما أن يكون ذاتيّاً في النفس، وإما أن يكون من المجتمع للنفس التي لا يأتيها الردع من الذات، فهي نفس أمَّارة بالسوء، وهي لا تأمر بالسوء مرة وتنتهي، بل هي أمّارة به، أي: اتخذت الأمر بالسوء حرفة؛ لأن صيغة "فعّال" تدلنا على المزاولة والمداومة.

وإذا كانت المناعة في النفس فهذا أمر يسير ويأتي من النفس اللوامة، وقد يكون المجتمع الذي حول الإنسان هو الذي يردع النفس إن ضعفت في شيء.

وبهذا تكون المناعة في المجتمع، أما إذا طمّ الفساد أيضاً في المجتمع؛ فلا النفس تملك رادعاً ذاتيّاً، ولا المجتمع فيه رادع؛ هنا لابد أن تتدخل السماء، وتأتي دعوة الحق بآياتها، وبيناتها، ومعجزة الرسول.

هنا يقف أصحاب الفساد -وتكون نفوسهم أمّارة بالسوء- موقفاً ينافقون به القوة الطارئة الجديدة، بينما تظل نفوسهم أمّارة بالسوء، فتظهر ظاهرة النفاق.

وقوله الحق: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ) أي أنكم مطوقون في ذاتكم ومن حولكم، فالنفاق في ذات المكان الذي تقيمون فيه، وفيما حولكم أيضاً.

وأخشى ما يخشاه الإنسان، أن يوجد الأمر الضار حوله وفيه؛ لأنه إن كان الأمر الضار في المكان الذي يعيش فيه، فمن حوله يستطيعون إنقاذه أو يستطيع هو أن يهجر المكان، لكن إن كان محاصراً بالضرر ممن حوله ومن المكان الذي يحيا فيه، فإلى أين يذهب؟

ويريد سبحانه أن ينبه المؤمنين إلى أن ظاهرة النفاق متفشية؛ منها ما تستطيعون -أيها المؤمنون- معرفته بمعرفة حركات المنافقين وسكناتهم ولحن قولهم وتصرفاتهم، ومنها أمر دقيق خفي لا تعلمونه، ولكنه سبحانه يعلمه؛ ولأنكم غير مسلمين لأنفسكم، ولكم رب يعلمكم ما لا تعلمون فاطمئنوا؛ فسوف يفضحهم لكم.

ونتيجة هذا العلم أنكم سترون فيهم العقوبات؛ فيأتي فيهم القول الحق: (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ).

هم إذن سيعذبون مرتين في الدنيا، ثم يردون لعذاب الآخرة، وأول عذاب لمن يستر نفاقه أن يفضح نفاقه؛ ولذلك خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قم يا فلان فأنت منافق، قم يا فلان فأنت منافق، قم يا فلان فأنت منافق".

أو تأتي له مصائب الدنيا.

ولقائل أن يقول: وهل المصائب عذاب للمنافق، إن المصائب قد تصيب المؤمن أيضاً؟

ونرد: إن المصائب تأتي للمؤمن لإفادته، ولكنها تأتي للمنافق لإبادته.

 فالمؤمن حين يصاب؛ إما أن يكفر الله به عنه ذنباً؛ وإما أن يرفعه درجة به لكن المصائب حين تصيب المنافق فهي مغرم فقط؛ لأن المنافق لا يرجو الآخرة؛ ولذلك يقال: إن المصاب ليس من أصيب فيما يحب، ولكن المصاب هو من حرم الثواب.

فإن استقبل المؤمن المصيبة بالرضا، وعلم أن الذي أجراها عليه حكيم، ولا يجري عليه إلا ما يعلم الخير وإن لم يعلمه؛ فهو ينال الثواب على الصبر والأجر على الرضا، وهكذا يخرج من دائرة الألم العنيف.

أما غير المؤمن فهو يتمرد على القدر، وبعدم إيمانه يُحْرَم من الثواب.

أو أن العذاب مرتين، غير الفضيحة بنفاقهم، فيتمثل في محاولتهم أن يظهروا بمظهر الإيمان والإسلام، فيخرج الواحد منهم الزكاة من ماله، والمال محبب للنفس؛ لذلك فهو يخرج الزكاة مرغماً؛ ويشعر أنه قد خسر المال لأنه لا يؤمن بإله؛ لذلك فمصيبته كبيرة.

وقد يرسل المنافق ابنه للحرب وهو يعلم أنه ليس له في ذلك ثواب، وهذا لون آخر من العذاب.

وهذا العذاب متحقق بقول الحق: (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا) (التوبة: 85).

أو أن يكون العذاب في الدنيا هو ما يرونه حين تغرغر النفس، لحظة أن تبلغ الروح الحلقوم، ويرى المُغَرْغِر الملائكة مصداقاً لقوله الحق: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ) (الأنفال: 50).

وكل هذه ألوان من العذاب في الدنيا.

والإنسان -كما نعلم- في استقبال الزمن له ثلاث حالات: زمن هو حياته الدنيا، وزمن هو زمن موته، وزمن هو زمن آخرته.

فحين يصاب المؤمن في الزمن الأول - زمن حياته - يُعزِّيه في مصابه الزمنُ الأخير، وهو زمن آخرته.

أما حين يصاب الكافر أو المنافق في زمن حياته، فلا شيء يعزيه أبداً؛ لأنه لا يؤمن بالله ولا هو يطمع في شيء من خيره سبحانه ويأتيه الزمن الثاني، وهو زمن الموت، وفيه عذاب القبر.

 والعذاب إنما يكون بأحد اثنين: إما عرض ما يعذب به، أو دخول فيما يعذب به، وهذا يكون في الآخرة.

أما عرض العذاب فهو القبر كأنه يقول لك: انظر ما ينتظرك.

وما دام الإنسان يرى الشر الذي ينتظره، أليس هذا عذاباً؟

إنه عذاب مؤكد.

(سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ) ولو قال الحق: "نعذبهم مرتين" فقط بدون السين، لصار لها معنى آخر مختلف تماماً.

يتلخص في أن من يصيبه عذاب، فقد انتهى حسابه.

لكن قوله: (سَنُعَذِّبُهُم) يؤكد لنا كلما قرأناه أن العذاب متصل.

 ويُنهي الحق الآية الكريمة بقوله: (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ) وكلمة (يُرَدُّونَ) مثلها مثل (يُرْجعون) أو (يَرْجعون) ونحن نقول مرة: "يُرْجعون" وأخرى "يَرْجعون"، فكأن النفس البشرية تألف جزاءها في قولنا: "يَرْجعون"، أما قولنا: "يُرْجعون" ففي الكلمة قوة عليا تدفعهم ألا يتقاعسوا.

وهكذا نجد المعذَّب إما مدفوع بقوة عُليا، وإما أن توجد فيه بقوة ذاتية تجعله يذهب إلى العذاب.

والإنسان قد يتصرف تصرفاً ما، ثم يرد إلى أفكاره فلا يعجبه هذا التصرف، ويستقبل نفسه بالتوبيخ وبالتعنيف؛ لأن هناك إلحاحاً من النفس على العقوبة، وهو إلحاح يأتي من ذات النفس.

 والنفس الأمارة بالسوء قد تقضي حياتك معها في أمر بالسوء، ثم حين يأتي العقاب فأنت تقول لها: "اشربي أيتها النفس نتيجة ما فعلت”.

إذن فالمعذَّب يُدفع مرة للعذاب، وأخرى يندفع بذاته.

(ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ) ومثلما قلنا من قبل: فإن هناك ألواناً متعددة من العذاب، فهناك العذاب العظيم، والأليم، والمهين، والمقيم.

والعذاب العظيم يأتي إما بأسباب وإما بمسبِّب، وعذاب الدنيا كله بأسباب، فقد يكون العذاب بالعصا، أو بالكرباج، أو بالإهانة، والأسباب تختلف قوة وضعفاً، أما عذاب الآخرة فهو بمسبِّب، والمعذِّب في الآخرة واحد وقوته لا نهاية لها، وإن قسْتَ عذاب الآخرة بالعذاب في الدنيا فمن المؤكد أن عذاب الآخرة عذاب عَظيم.

ويقول الحق من بعد ذلك: (وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ...).



سورة التوبة الآيات من 101-105 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 101-105 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 101-105   سورة التوبة الآيات من 101-105 Emptyالجمعة 13 سبتمبر 2019, 10:57 pm

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله الحق: (وَآخَرُونَ) معطوفة على قوله: (وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ)، فهل يظلون جميعاً على النفاق، أم أن منهم من يثوب إلى رشده؛ ليجد أن موقفه مخز حتى أمام نفسه؟

لأن أول ما ينحط المنافق إنما ينحط أمام نفسه؛ لأنه نافق ولم يقدر على المواجهة، واعتبر نفسه دون من يواجهه؛ فيحتقر نفسه، ولابد أن منهم من يأنف من هذا الموقف، ويرغب في حسم المسـألة: إما أن يؤمن وإما أن يكفر، ثم يرجح الإيمان، ويتخلص من النفاق؛ بأن يعترف بذنوبه.

وبذلك يصبح ممن يقول الحق عنهم: (وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ) أي: ممن لم يُصِرّوا على النفاق، واعترفوا بذنوبهم، والاعتراف لون من الإقرار.

والإقرار بالذنب أنواع، فهناك من يقر بالذنب إفاقة، وآخر يقر الذنب في صفاقة، مثلما تقول لواحد: هل ضربت فلاناً؟

فيقول: نعم ضربته، أي أنه اعترف بذنبه، وقد يضيف: وسأضرب من يدافع عنه أيضاً، وهذا اعتراف فيه صفاقة.

أما من يعترف اعتراف إفاقة، فهو يقر بأنه ارتكب الذنب ويطلب الصفح عنه، وهذا هو الاعتراف المقبول عند الله.

وهم قد (ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ) اعتراف إفاقة، بدليل أن الله قال فيهم: (خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) وعملهم الصالح هنا هو إقرارهم بالذنب ومعرفتهم أن فضيحة الدنيا أهون من فضيحة الآخرة، أما عملهم السيىء فهو التخلف عن الجهاد والإنفاق.

واعترافهم هذا هو اعتراف الإفاقة، واختلف العلماء: هل هذا الاعتراف يعتبر توبة أم لا؟

نقول: إن الحق سبحانه وتعالى حينما قال: (ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) ثم قوله: (عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي: رجاء أن يتوب عليهم، وهذه مقدمات توبة وليست توبة، فإن صاحبها الندم على ما مضى، والإصرار على عدم العودة في المستقبل فيُنظر هل هذا كان منه مخافة أن يُفضح أم موافقة لمنهج الله؟

إن كان الأمر موافقة لمنهج الله فتكون التوبة مرجوَّة لهم.

وكلمة (خَلَطُواْ) تؤدي معنى جمع شيئين كانا متفرقين، وجمع الشيئين أو الأشياء التي كانت متفرقة له صورتان؛ الصورة الأولى: أن يجمعهم على هيئة الافتراق، كأن تأتي بالأشياء التي لا تمتزج ببعضها مثل: الحمص واللب والفول، وتخلط بعضها ببعض في وعاء واحد، لكن يظل كل منها على هيئة الانفصال، فأنت لم تدخل حبة اللب في حبة الحمص، ولم يتكون منهما شيء واحد؛ لأنه لو حدث هذا لصار مزيجاً لا خلطاً، مثلما تخلط الشاي باللبن؛ لأنك بعد أن تجمعهما يصيران شيئاً واحداً، بحيث لا تستطيع أن تفصل هذا عن ذاك.

إذن: فهم حين خلطوا العمل الصالح والعمل السَّيِّئ، لم يجعلوا من العمل الصالح والعمل السَّيِّئ مزيجاً واحداً.

لكن العمل الصالح ظل صالحاً، والعمل الفاسد ظل فاسداً.

وقوله سبحانه: (عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) كلمة (عَسَى) معناها الرجاء وهو ترجيح حصول الخير.

وهو لون من توقع حصول شيء محبوب.

والرجاء يخالف التمني؛ لأن التمني هو أن تحب شيئاً وتتمنى أن يكون موجوداً، لكنه لا يأتي أبداً.

مثل قول الشاعر:
ألا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوْماً فَأخبِرُه بِمَا فعلَ المشِيبُ

إنه قد تمنى أن يعود شبابه، وهذا دليل على أن فترة الشباب محبوبة، لكن ذلك لا يحدث.

إذن: فإظهار الشيء المحبوب له لونان: لون يتأتى، ولون لا يتأتى، فالذي يتأتى اسمه (رجاء)، والذي لا يتأتى نسميه (التمني).

مثل قول الشاعر:
لَيْتَ الكَوَاكِب تَدْنُو لِي فَأنظِمَهَا عُقُودَ مَدْحٍ فما أرضَى لَكُمْ كَلمَا

فالشاعر يتمنى حدوث ذلك، ولكنه لن يحدث.

أما الرجاء فهو أمل يمكن أن يحدث، والرجاء له منازل ومراحل بالنسبة للنفس الإنسانية.

فأنت عندما ترجو لواحد شيئاً فتقول: "عسى فلان أن يمنحك كذا"، فأنت هنا مُترَجٍّ، وهناك مترجّىً له، هو من تخاطبه، ومترجّىً منه، وهو من يعطي، فهذه ثلاثة عناصر.

لكن ألك ولاية على من يمنح؟

لا.

لكن إن قلت: عسى أن أمنحك أنا كذا، فأنت ترجو لواحد غيرك أن تمنحه أنت، وهذا أرجى أن يتحقق.

وحين تقول: "عسى أن أمنحك" فقد تقولها في لحظة إرضاء للذي تتحدث معه.

ثم قد يبلغك عنه شيء يغير من نفسك، أو جئت؛ لتعطيه، فلم تجد ما تعطيه له، هنا لم يتحقق الرجاء.

لكن عندما تقول: "عسى الله أن يمنحك"، فأنت ترجو له من الله، وهو القادر على كل شيء ولا تؤثِّر فيه أغيار، أما إذا قال الله عن نفسه: "عسى الله أن يفعل"، فهذا أقوى وسائل الرجاء.

إذن: فنحن أمام أربع وسائل للرجاء.

أن تقول: "عسى فلان أن يمنحك" أو أن تقول: "عسى أن أمنحك أنا"، أو تقول: "عسى الله أن يمنحك" وقد يجيبني الله، أو لا يجيب دعائي، لكن حين يقول الحق: "عسى أن أفعل" فهذا هو اللون الرابع من ألوان الرجاء، وقالوا: الرجاء من الله إيجاب.

(عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)، فهذا رجاء أن يتوب الله عليهم، أما توبة العبد فمسألة تقتضي الندم على ما فات، والرجوع إلى منهج الله، والعزم ألا يغضب الله في المستقبل.

أما توبة الله فهي تضم أنواع التوبة، فتشريع الله للتوبة رحمة بمن ارتكب الذنب، ورحمة بالناس الذين وقع عليهم السلوك الذي استوجب التوبة.

فإن تُبْتُ؛ فقبول التوبة رحمة ثانية، فلو لم يشرع الله التوبة لاستشرى كل من ارتكب ذنباً واصطلى المجتمع بشروره.

لكن حين يشرع الله التوبة؛ فهناك أمل أن يرجع العبد إلى الله، ويتخلص المجتمع من إمكانية عودته للذنب، وانتهى هو من أن يوقع مصائب بغيره.

فإذا قَبِلَ الله التوبة، يقال: "تاب الله على فلان"، فلله إذن أكثر من توبة، ولذلك حين تقرأ قوله الحق: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ) (التوبة: 118).

أي: شرع لهم التوبة؛ ليتوبوا، فإذا تابوا فسبحانه قابل التوب.

إذن: فالتوبة ثلاث مراحل: تشريع للتوبة، ثم توبة واقعة، فقبول للتوبة.

والتوبة رجوع عن شيء، وهي بالنسبة للعبد رجوع عن ذنب، وبالنسبة لله إن كان الذنب يستحق أن يعاقب الله به، فإذا تبت أنت، فالحق يعفو ويرجع عن العقوبة.

 ويُنهي الحق الآية: (إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)؛ لأن المغفرة بالنسبة للعبد صعبة، فإن سرق واحد منك شيئاً فهو يضرك، ويلحّ عليك حب الانتقام منه؛ لأن الضرر أتعبك، لكن أيُتْعبُ أحد ربه بالمعصية؟

لا.

لأنك إن كنت قد أضررت بأحد فإنما أضررت بنفسك، ولم تضر الله سبحانه؛ لأنه سبحانه لا يلحقه ضرر بذنبك، وإنما الذنب لحقك أنت.

فحين يقول سبحانه: (غَفُورٌ) فهو غفور لك، و (رَّحِيمٌ) بك.

والمصائب أو الكوارث نوعان؛ نوع للإنسان فيه غريم، ونوع يصيب الإنسان ولا غريم له.

فإن مرض إنسان فليس له غريم في المرض، أما إذا سرق إنسان فاللص هو غريمه، ومصيبة الإنسان التي فيها غريم تدفع النفس إلى الانفعال برد العقوبة إليه، أما حين تكون المصيبة من غير غريم فهي تحتسب عند الله، ويقال: إن المصيبة التي ليس فيها غريم هي التي تحتاج لشدة إيمان.

والحق يقول: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (الشورى: 43).

هنا يؤكدها؛ لأن غريمه يلح عليه، فساعة يراه يتذكر ما فعله غريمه به، فتكون هناك إهاجة على الشر.

 أما قوله سبحانه: (وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (لقمان: 17).

فلم يؤكدها، فالمصيبة هنا من سيكون غريمه فيها؟

والذين اعترفوا بذنوبهم هم قوم تخلفوا بغير عذر، ثم جاءوا وقالوا: ليس لنا عذر، ولم يختلقوا أعذاراً؛ لأننا نعلم أن هناك أناساً لم يعتذروا، وأناساً آخرين اعتذروا بأعذار صادقة، وآخرين اعتذروا باعتذارات كاذبة، وهم قد (ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ) أي: أعلنوا أن اعتذاراتهم عن الغزوة لم تكن حقيقية وأنه لم يكن عندهم ما يبرر تخلفهم عن الغزو؛ فهؤلاء تاب الله عليهم في نفوسهم أولا.

ورسول الله لا يزال في الغزوة في تبوك التي تخلفوا عنها.

 ثم عاد الرسول من الغزوة، ودخل المسجد كعادته حين يرجع إلى المدينة، وأول عمل كان يعمله بعد العودة هو أن يدخل المسجد، ويصلي فيه ركعتين.

فوجد أناساً قد ربطوا أنفسهم بسواري المسجد وهي الأعمدة فسأل عن هؤلاء، فقالوا: هؤلاء قوم تخلفوا وكانت أعذارهم كاذبة لكنهم اعترفوا بذنوبهم، وقد عاهدوا الله ألا يحلوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تحلهم وترضى عنهم فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أؤمر بإطلاقهم؛ رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين".

فلما أنزل الله هذه الآية حلهم رسول الله ومنهم: أبو لبابة.

ولذلك من يذهب ليزور المدينة إن شاء الله، سيجد أسطوانة اسمها "أسطوانة أبي لبابة" وهو أول من ربط نفسه على الساري، وقلده الآخرون.

وهذا يدلك على أن المؤمن حين تختمر في نفسه قضايا الإيمان فهو لا ينتظر أن يعاقب من الله، بل يبادر هو إلى أن يعاقب نفسه.

ومثال ذلك: المرأة التي زنت، والرجل الذي زنا، واعترفا لرسول الله ليرجمهما، ومعنى ذلك أنهما لم ينتظرا حتى يعذبهما الله، بل ذهب كل منهما بنفسه.

ولذلك حين جاء سيدنا عمر، وكاد أن يركل جثة أحدهما قال الرسول: "دعها يا عمر فقد تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم”.

وكون أبي لبابة يربط نفسه بالسارية، فهذا يدل على أن المؤمن إذا اختمرت في نفسه قضية الإيمان، فإنه لا يترك نفسه إلى أن يلقاه الله بعذابه، بل يقول: لا.

أنا أعذب نفسي كي أنجو من عذاب الله، فهو قد تيقن أن هناك عذاباً في الآخرة أقسى من هذا العذاب.

فلما اعترفوا بذنوبهم وراجعوا أنفسهم متسائلين: ما الذي شغلنا عن الغزو، وجعلنا نعتذر بالكذب؟

وجدوا أنهم في أثناء غزوة تبوك وقد كانت في الحر، وفيه كانت تطيب جلسات العرب تحت الظلال وأن يأكلوا من التمر.

فقالوا: والله، إن المال هو الذي شغلنا عن الغزو وجعلنا نرتكب هذا الذنب، ولابد أن نتصدق به؛ لذلك قلنا: إن هذه لم تكن الصدقة الواجبة، بل هي صدقة الكفارة.

وهؤلاء قالوا للرسول -صلى الله عليه وسلم-: خذ هذا المال الذي شغلنا عن الجهاد، فلم يقبل حتى ينزل قول من الله، فأنزل الحق قوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً...).



سورة التوبة الآيات من 101-105 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 101-105 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 101-105   سورة التوبة الآيات من 101-105 Emptyالجمعة 13 سبتمبر 2019, 10:58 pm

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه هي الصدقة غير الواجبة؛ لأنها لو كانت الصدقة الواجبة لما احتاجت إلى أمر جديد، بل هي صدقة الكفارة.

وقوله الحق: (مِنْ أَمْوَالِهِمْ) يعني أموال من اعترفوا بذنوبهم، وقد نسب الأموال وملكيتها لهم، رغم أن المال كله لله، مصداقاً لقوله: (وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ) (النور: 33).

ولكن الحق ينقله إلى خلقه تفضلاً منه، وأوضح سبحانه إذا قلت لكم: أخرجوا شيئاً من المال الذي وهبتكم إياه فلن أرجع فيما وهبته لكم، ولذلك إذا احتاج مؤمن شيئاً من مؤمن مثله، فالحق سبحانه وتعالى يقول: (مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ) (البقرة: 245).

وسبحانه واهب المال وهو يحترم هبته لصاحب المال.

وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) لاحظ فيه العلماء أن المال حين يضاف إلى صاحبه فهو تطمين له، حتى يتحرك في الحياة حركة فوق ما يحتاج، ويبقى له شيء يتموَّله، وبذلك يحرص الإنسان على الحركة التي ينتفع بها الغير، وإن لم يقصد.

فيوضح له الحق: اطمئن إلى أن كل شيء سيزيد عن حاجتك يصبح ملكاً لك، ولا يخرج المال عن ملكية صاحبه إلا إذا كان صاحبه غير أهل للتصرّف، مصداقاً لقوله الحق: (وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ) (النساء: 5).

لأن السفيه لا يصح أن يتملك؛ لأنه بالحمق قد يضيع كل شيء، فينزل الحق الحكم: إن مال السفيه الذي يملكه ليس ماله إنما هو مالكم.

ولكن إلى متى؟

فيأتي القول الحق: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (النساء: 6).

أي: ردوا إليهم أموالهم متى عادوا إلى الرشد وصاروا أهلاً للملكية.

والحق في هذه الآية يقول: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) والله سبحانه وتعالى هو صاحب المال، وهو يأتي بالمال، بالأسباب التي جعلها للبشر في حركة الحياة، وأمَّنهم على عرقهم، وأمَّنهم على ما يملكون؛ حتى لا يزهد أحد في الحركة؛ فلو أخذ كل واحد من حركته على قدر نفسه، ولم يتملك المال؛ لضنّ الناس بالحركة.

وإذا ضن الناس بالحركة؛ فلن يستفيد غير القادرين على الحركة، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما يزيد على حاجات الناس ملْكاً لهم؛ لأن النفس تحب أن تتملك، والتملك أمر غريزي في النفس؛ بدليل أن الله سبحانه وتعالى هو الذي طلب أن يؤخذ من الأموال، وأوضح أنه يضاعفها له، ومعنى أنه يضاعفها عنده أنه يُنمي فيه غريزة التملك.

 وقوله الحق: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) نلحظ فيه أن الأموال أضيفت لأصحابها، ما لم يكن فيهم سفه في التصرف أو عدم رشد؛ بأن يكون وارث المال قاصراً لا يقدر على التصرف فيه، فأوضح لنا سبحانه: لا تعتبروا مال السفيه ولا مال القاصر ماله، ولكن ليرعى الوصيّ المال باعتبار أنه ماله هو، وحذَّر سبحانه الوصيَّ: إياك أن تتعدى في ملكية هذا المال؛ لأن الذي جعله مالك، إنما جعل الملكية من أجل القيامة على المال، ولأجل هو أن يبلغ القاصر رشده، أو يرجع السفيه إلى عقله.

(وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: 5).

فإياك أيها الوصي، أن تظن أن الله قد أعطى لك هذا المال، بل جعل لك حق القيام عليه فقط، ثم يقول سبحانه: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) ولم يقل: "فادفعوا إليهم أموالكم" وإلا كان الأمر صعباً على الناس.

وهنا ملحظية لحظها العلماء -رضي الله عنهم-، وهو أن المال إذا كان فيه حق معلوم للسائل والمحروم، فلا يصح أن ينسب الإنسان المال كله لنفسه؛ لأن له شركاء فيه هما السائل والمحروم، فالمال -إذن- ملكية صاحبه باستثناء حق السائل والمحروم.

وفي آية أخرى قال الحق: (وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) (المعارج: 24-25).

و"الحق المعلوم" هو الزكاة المفترضة من نصاب معلوم بقدر معلوم، وأما الأمر الثاني فهو حق أيضاً، ولكن الذي يوجبه ويحدده هو صاحب المال على نفسه، وهو التطوع، ولذلك لم يقل: حق معلوم كما في سورة الذاريات: (إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) (الذاريات: 15-19).

لقد ذكر سبحانه هنا الحق ولم يقل إنه معلوم؛ لأن صاحب المال داخل في مقام الإحسان، وهو المقام الذي يلزم الإنسان فيه نفسه بشيء فوق ما فرض الله من جنس ما فرض الله.

والله سبحانه لم يفرض على الإنسان أن يقوم الليل كله، أو يظل الليل يستغفر، بل إن المسلم له أن يصلي العشاء وينام، ثم يقوم لصلاة الفجر.

لكن إن وجد في نفسه نشاطاً، فهو يقوم الليل؛ لأنه يريد أن يدخل في مرتبة الإحسان.

 وكذلك يؤدي المسلم الزكاة وهذا حق معلوم، أما إن رغب المسلم في أن يدخل في مقام الإحسان فهو يزيد على الزكاة، وقد جعل الله هذا حقّاً لكنه غير معلوم؛ ليفسح لأريحيات الكرام أن يتجاوزوا الحق المعلوم، فبدلاً من اثنين ونصف بالمائة، قد يجعلها الداخل إلى مقام الإحسان ضعف ذلك أو أكثر.

 ووقف العلماء -رضي الله عنهم- هنا قالوا: إن قوله الحق: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) لا يعني اعتبار الجزء المأخوذ من المال للفقير هو حق الفقير، بل هو مال المؤدي، ولو بيّن الله حق الفقير وعزله عن مال صاحبه، فهذا يعني أن المال إن هلك فليس للفقير شيء، ولكن لأن المال مال الغني فحق الفقير محفوظ في ذمة صاحب المال، وهذا أفضل للفقير، فإن الغني لو لم يؤد الزكاة في ساعتها، وبعد ذلك حدث أن هلك المال، فالغني ضامن لحق الفقير.

(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) والصدقة تطهرهم؛ لأن الذنب الذي فعلوه واعترفوا به تسبّب في تقذير أنفسهم بالمعصية، وما داموا قد قذروا أنفسهم بالمعصية، فهم في حاجة أن يُطهَّرُوا بالمال الذي كان سبباً في عدم ذهابهم إلى الغزوة.

وانظر هنا إلى ملحظ "الأداء البياني" في القرآن، فالحق سبحانه يقول: (خُذْ) وهو أمر للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول: (مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) من أموال الأغنياء، هذه الصدقة ستذهب للمحتاج، إذن هنا أربعة عناصر: آخذٌ هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومأخوذ منه هو صاحب المال، ومأخوذ هو المال، ومأخوذ له هو الفقير المحتاج.

 وما دام الأمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا الأمر ينسحب بالتالي على كل من وَلِيَ أمراً من أمور المسلمين.

ولقائل أن يقول: ولكنها صدقة وليست زكاة.

ونقول: ما دام الله هو الذي أمر بها تطهيراً فقد صارت واجباً، والآية صريحة، وتقتضي أنه ما دامت هناك ولاية شرعية، فولي الأمر هو الذي يأخذ من الناس ويؤدي للفقراء، أو لأوجه الصرف التي شرعها الله؛ لأن الله لا يريد أن يعذب الفقير بأن يمد يده آخذاً من مُسَاو له، أما إن أخذ من الوالي وهو المسئول عن الفقراء، فلن يكون عيباً، كما أن الحق سبحانه يريد أن يحمي أهل الفقير من أن يعلموا أن البيت الفلاني يعطي لهم زكاة، فيعاني أولاد الآخذ من المذلة أمام أولاد المعطي، ويعيش أبناء المعطي في تعال لا لزوم له.

إذن: فحين يكون الوالي هو الذي يعطي فلن يكون هناك مُسْتعلٍ أو مُستعلىً عليه.

أما إن لم تكن هناك ولاية إسلامية، ولا يعلم الإنسان إلى أين ستذهب الأموال، فهنا يصبح كل إنسان أن يراعي محيط دينه وهو يخرج الزكاة وحينئذ يكون عندنا مُعْطٍ هو صاحب المال، ومال مُعْطىً، ومعطىً له هو الفقير.

وعلى من يعود قوله الحق: (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ)؟

السطحيون في الفهم يقولون: إنها تطهر من نأخذ منه المال، وتزكّى المال الذي نأخذ منه.

لكن من يملك عمقاً في الفهم يقول: ما دامت هناك في هذه الآية عناصر، فضروري أن يعود التطهير والتزكية عليها، وإنها تطهر وتزكي المأخوذ منه صاحب المال، وكذلك تطهر وتزكي المال المأخوذ، وأيضاً تطهر وتزكي المأخوذ له وهو الفقير، لأن التطهير معناه إزالة قَذَر، والتزكية نماء.

 القذارة أمر عارض على الشيء الذي نغسله ونطهره، وتنمية له بشيء عائد عليه فيزداد، وهكذا تُطهر الصدقة وتزكى عناصر الفعل كلها.

والتطهير لمن يعطى، له معنى معه، والزكاة لها معنى معه؛ لأنك إن أخذت منه المال، فقد يكون قد غفل وأدخل في ماله شيئاً فيه شبهة، فالصدقة والزكاة تطهران هذا المال.

أما كيف تنمِّي صاحب المال؟

أنت إن أخذت منه وهو قادر، معنى ذلك أنك تطمئنه أنه إذا احتاج فستعطيه، وبهذا يعرف أنه لا يعيش في المجتمع بمفرده، ولا يخاف أن يضيع منه المال، واطمأن لحظة أن أخذت منه المال وهو قادر كي تعطي المحتاج، فكأنك تطمئنه وتقول له: أنت لو احتجت فلن تضيع، وبذلك تُنمِّي تواجده وثقته، وطهرته أيضاً من أن يكون في ماله شبهة، هذا من ناحية صاحب المال.

أما من ناحية المال نفسه، فالصدقة تطهر المال؛ لأن المال قد يزيد فيه شيء فيه شبهة فالزكاة تطهره.

وقد يخيل إليك أنك حين تأخذ من المال فهو ينقص، عكس الربا الذي يزيد المال، فالربا مثلاً يحقق زيادة للمائة جنيه فتصبح مائة وعشرة مثلاً.

أما المزكِّي فالمائة جنيه تصير سبعة وتسعين ونصفاً، والسطحي يرى أن الزكاة أنقصت المال وأن الربا يزيده، ولكن هذا بمقاييس البشر، لا بمقاييس من يملك الأشياء؛ فالزكاة التي تعتبرونها نقصاً تنمِّي، والربا الذي تعتبرونه ينمّي إنما يُنقص، والحق يقول: (يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ) (البقرة: 276).

إذن: فهناك مقاييس عند البشر، ومقاييس أخرى عند الحق، فما رأيته منقصاً لك، هو عند الله زيادة، وما رأيته مزيداً لك، هو في الواقع نقصٌ، كيف؟

لأن الناس لا ينظرون إلا إلى رزق الوارد الإيجابي، ويظنون أن هذا هو الرزق، ولا يتذكرون أن هناك رزقاً اسمه "رزق السلب"، فرزق الإيجاب قد يزيد دخلك مثلاً من مائة إلى مائة وعشرة.

ورزق السلب يتمثل في أنك تصرف سبعين فقط، بدلاً من أن تصرف مائةً، فيبقى لك ثلاثون، بالإضافة إلى أنه يمنع عنك مصارف الشر، هذا من ناحية المال.

والحق يقول: (وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ) (الروم: 39).

وكيف تكون الصدقة تطهيراً للآخذ وهو لم يذنب ذنباً يحتاج إلى تطهير، بل هو مُعطىً له لأنه محتاج؟

ونقول: إن الآخذ حين يأخذ من مال غيره، وهو عاجز عن الكسب فهو يتطهر من الحقد على ذي النعمة؛ لأنه وصله بعض من المال الذي عند ذي النعمة، فلا يحقد عليه ولا يحسده، فهو إن رأى عنده خيراً، دعا له بالزيادة؛ لأن بعضاً من الخير يعود عليه.

 والفلاحون في ريف مصر يهدون بعضهم بعضاً من لبن ماشيتهم، أو بعضاً من الخير الخارج من لبنها، وساعة أن تمرَّ إحداها على أهل القرية يدعون الله بحمايتها، وهكذا تتطهر نفس الفقير من الحقد والحسد.

هذا عن التطهير، فماذا عن التزكية والنماء؟

إن الفقير ساعة يرى نفسه فقيراً، ويرى أن المجتمع الإيماني يقوم برعايته ولا يتركه وحيداً، ويتسابق أهل الخير لنجدته، فنفسه تنمو بالاطمئنان؛ لأنه في مجتمع إيماني.

إذن: فقوله الحق: (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) راجع لكل العناصر في الآية.

 ثم يقول سبحانه: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي: ادع لهم بالخير؛ ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما أتاه قوم بأي صدقة قال: "اللهم صَلِّ عليهم" فأتاه أبو أوفى بصدقته، فقال: "اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى"، هذه هي التزكية القولية التي يحب كل مسلم أن يسمعها فيعطِي، ويجِدّ ويجتهد من ليس عنده؛ ليسمعها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقوله الحق: (إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ) أي: اطمئنان لهم، وما دام الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد دعا له، فهو قد اطمأن إلى أن صدقته وصلت إلى مرتبة القبول حيث جازاها رسول الله بالدعاء.

وإذا ما سمعها الآخذ للصدقة يقول بينه وبين نفسه: ولماذا لا أجِدّ في حياتي وأجتهد؛ حتى أظفر بتلك الدعوة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

ويُنهي الحق الآية بقوله: (وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي أنه سبحانه (سَمِيعٌ) لكل ما تعتبره قولاً.

و (عَلِيمٌ) بكل ما تعتبره فعلاً.

ويقول الحق بعد ذلك: (أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ...).



سورة التوبة الآيات من 101-105 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 101-105 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 101-105   سورة التوبة الآيات من 101-105 Emptyالجمعة 13 سبتمبر 2019, 11:02 pm

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و(أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ) مكونة من ثلاث كلمات هي: همزة استفهام، "لم" حرف نفي، و"يعلم" وهو فعل.

فهل يريد الله هنا أن ينفي عنهم العلم أم يقرر لهم العلم؟

لقد جاء سبحانه بهمزة يسمونها "همزة الاستفهام الإنكاري" والإنكار نفي، فإذا دخل نفي على نفي فهو إثبات، أي "فليعلموا”.

ولماذا لم يأت بالمسألة كأمر؟

نقول: إن الحق حين يعرضها معرض الاستفهام فهو واثق من أن المجيب لا يجيب إلا بهذا، وبدلاً من أن يكون الأمر إخباراً من الله، يكون إقراراً من السامع.

(أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ) لماذا جاء الحق بكلمة (هُوَ)، وكان يستطيع سبحانه أن يقول: "ألم يعلموا أن الله يقبل التوبة" ولن يختل الأسلوب؟

أقول: لقد شاء الحق أن يأتي بضمير الفصل، مثلما نقول: فلان يستطيع أن يفعل لك كذا.

وهذا القول لا يمنع أن غيره يستطيع إنجاز نفس العمل، لكن حين تقول: فلان هو الذي يستطيع أن ينجز لك كذا.

فهذا يعني أنه لا يوجد غيره.

وهذا هو ضمير الفصل الذي يعني الاختصاص والقصر ويمنع المشاركة.

لذلك قال الحق: (أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ) (التوبة: 104).

وهل كانت هناك مظنة أن أحداً غير الله يقبل التوبة؟

لا.

بل الكل يعلم أننا نتوب إلى الله، ولا نتوب إلى رسول الله.

ونحن إذا استعرضنا أساليب القرآن، وجدنا أن ضمير الفصل أو ضمير الاختصاص هو الذي يمنع المشاركة فيما بعدها لغيرها؛ وهو واضح في قصة سيدنا إبراهيم حين قال: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 70-77).

ولم يقل سيدنا إبراهيم: "إنهم أعداء"، بل جمعهم كلهم في عصبة واحدة وقال: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ).

و (إِنَّهُمْ) -كما نعلم- جماعة، ثم يقول بعدها (عَدُوٌّ) وهو مفرد، فجمعهم سيدنا إبراهيم وكأنهم شيءٌ واحد.

وكان بعضٌ من قوم إبراهيم يعبدون إلهاً منفرداً، وجماعة أخرى يعبدون الأصنام ويقولون: إنهم شركاء للإله.

إذن: كانت ألوان العبادة في قوم إبراهيم -عليه السلام- تتمثل في نوعين اثنين.

ولما كان هناك من يعبدون الله ومعه شركاء، فقول إبراهيم قد يُفسر على أن الله داخل في العداوة؛ لذلك استثنى سيدنا إبراهيمُ وقال: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ)، أي: أن الله سبحانه ليس عَدُوّا لإبراهيم -عليه السلام-، وإنما العداوة مقصورة على الأصنام.

أما إن كان قومه يعبدون آلهة دون الله، أي: لا يعبدون الله، لم يكن إبراهيم ليستثنى.

والاستثناء هنا دليل على أن بعضاً من قومه هم الذين قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ) (الزمر: 3).

وهكذا تبرأ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- من الشركاء فقال: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ) وهذا كلام دقيق محسوب.

وأضاف: (ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) (الشعراء: 78).

ولم يقل: "الذي خلقني يهديني"، بل ترك "خلقني" بدون "هو" وخَصَّ الله سبحانه وحده بالهداية حين قال: (فَهُوَ يَهْدِينِ)؛ لأن "هو" لا تأتي إلا عند مظنة أنك ترى شريكاً له، أما مسألة الخلق فلا أحدٌ يدّعي أنه خلق أحداً.

فالخلق لا يُدَّعى، ولذلك لم يقل "الذي هو خلقني”.

والحق سبحانه هو القائل: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) (الزخرف: 87).

فليس هناك خالق إلا هو سبحانه.

إذن: فالأمر الذي لا يقول به أحد غير الله لا يأتي فيه الضمير.

لكن الأمر الذي يأتي فيه واحد مع الله، فهو يخصَّص بـ "هو" تأكيداً على تخصيصه لله وحده (ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) فليس لأحد أن يُدخل أنفه في هذه المسألة؛ لأن أحداً لم يدّع أنه خلق أحداً، فمجيء الاختصاص -إذن- كان في مجال الهداية بمنهج الحق، لا بقوانين من الخلق.

فمن الممكن أن يقول بشر: أنا أضع القوانين التي تسعد البشر، وتنفع المجتمع، وتقضي على آفاته، ونقول: لا.

إن الذي خلقنا هو وحده سبحانه الذي يهدينا بقوانينه.

إذن: فما لا يُدَّعى فلا تأتي فيه (هو)، أما ما يمكن أن يُدَّعَى فتأتي فيه (هو).

وقوله سبحانه: (وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (الشعراء: 79).

وجاء هنا أيضاً بضمير الفصل؛ لأن الإنسان قد يرى والده وهو يأتي له بالطعام والشراب فيظن أن الأب شريك لله؛ لذلك جاء بـ (هُوَ)، فأنت إن نسبت كل رزق يأتي به أبوك، لانتهيت إلى مالم يأت به الأب؛ لأن كل شيء فيه سببٌ للبشر ينتهي إلى ما ليس للبشر فيه أسباب، فكل شيء من الله؛ لذلك قال سيدنا إبراهيم: (وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء: 79-80).

وخصص الشفاء أيضاً؛ حتى لا يظن ظان أن الطبيب هو الذي يشفي، وينسى أن الله وحده هو الشافي، أما الطبيب فهو معالج فقط؛ ولذلك تجد أننا قد نأخذ إنساناً لطبيب، فيموت بين يدي الطبيب.

ولذلك يقول الشاعر عن الموت:
إنْ نَام عنْكَ فَأيُّ طِبٍّ نَافِعٌ أوْ لم يَنَمْ فالطِّبُّ مِن أذنَابِه

فقد يعطي الطبيب دواءً للمريض، فيموت بسببه هذا المريض.

وجاء سيدنا إبراهيم بالقصر في الشفاء لله؛ حتى لا يظن أحد أن الشفاء في يد أخرى غير يد الله سبحانه.

ثم يقول سيدنا إبراهيم: (وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي) (الشعراء: 81).

ولم يقل: "هو" يميتني؛ لأن الموت مسألة تخص الحق وحده، وقد يقول قائل: كان يجب أن يقول: "هو يميتني"، ونقول: انتبه إلى أن إلا الموت غير القتل، فالموت يتم بدون نقض للبنية، والقتل لا يحدث إلا بنقض البنية، ويضيف الحق على لسان سيدنا إبراهيم: (وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (الشعراء: 81).

وأيضاً لم يقل: "هو يحييني"؛ لأن هذا أمر خارج عن أي توهم للشركة فيه، فقد جاء بـ "هو" في الأمور التي قد يُظن فيها الشركة، وهو كلام بالميزان: (وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ) (الشعراء: 82).

لم يأت أيضاً بـ "هو"؛ لأن المغفرة لا يملكها إلا الله.

إذن فكل أمر معلوم أنه لا يشارَك فيه جاء بدون "هو"، وكل ما يمكن أن يُدَّعى أن فيه شركة يجيء بـ "هو”.

وهنا يقول الحق: (أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) وظاهر الأمر أن يقال: ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة "من" عباده، ولكنه ترك "من" وجاء بـ "عن”.

والبعض يقولون: إن الحروف تنوب عن بعضها، فتأتي "من" بدلاً من "عن”.

ونقول: لا.

إنه كلام الحق سبحانه وتعالى ولا حرف فيه يغني عن حرف آخر؛ لأن معنى التوبة، أن ذنباً قد حدث، واستوجب المذنب العقوبة، فإذا قَبل الله التوبة، فقد تجاوز الله عن العقوبة؛ ولذلك جاء القول من الحق محدداً: (أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ) أي: متجاوزاً بقبول التوبة عن العقوبة.

وهكذا جاءت "عن" بمعناها؛ لأنه سبحانه هو الذي قَبِل التوبة، وهو الذي تجاوز عن العقوبة.

 ثم يقول سبحانه: (وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ) صحيح أن الله هو الذي قال للرسول: (خُذْ) ولكن الرسول هو مناول ليد الله فقط، و "يأخذ" هنا معناها "يتقبل" واقرأ قول الحق: (إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ) (الذاريات: 15-16).

أي: متلقين ما آتاهم الله.

ومثال هذا ما يُروى عن السيدة فاطمة حينما دخل عليها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدها تجلو درهماً، والدرهم عملة من فضة.

والفضة من المعادن التي لا تصدأ، والفضة على أصلها تكون لينة لذلك يخلطونها بمعدن آخر يكسبها شيئاً من الصلابة.

والمعدن الذي يعطي الصلابة هو الذي يتأكسد؛ فتصدأ الفضة؛ لذلك أخذت سيدتنا فاطمة تجلو الدرهم.

فلما دخل عليها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألها: ما هذا؟

قالت: إنه درهم.

واستفسر منها لماذا تجلو الدرهم؟

فقالت: كأني رأيت أن أتصدق به، وأعلم أن الصدقة قبل أن تقع في يد الفقير تقع في يد الله فأنا أحب أن تكون لامعة.

فعلت سيدتنا فاطمة ذلك؛ لأنها تعلم أن الله وحده هو الذي يأخذ الصدقة.

(أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ).

كل هذه الآية نفي لمظنة أن يتشككوا إذا فعلوا ذلك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ رسول الله الصدقات، فإن توبتهم قد قُبلَتْ، ولكن الذي يقبل التوبة هو الله، والذي يأخُذ الصدقات هو الله؛ لأنه هو التواب الرحيم.

لذلك جاء قول الحق من بعد ذلك: (وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ...).



سورة التوبة الآيات من 101-105 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 101-105 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 101-105   سورة التوبة الآيات من 101-105 Emptyالجمعة 13 سبتمبر 2019, 11:04 pm

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إذن: هم أعلنوا التوبة بعد أن اعترفوا بذنوبهم، وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وربطوا أنفسهم في سواري المسجد، وقالوا: لا نحل أنفسنا حتى يحلّنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: خُذْ من أموالنا صدقة لتطهرنا؛ كل هذا جعل هناك حداً فاصلاً بين ماضٍ ندموا عليه، ومستقبل يستأنفونه قد ولدت الآن.

وبدأت صفحة جديدة، فهل أنتم ستسيرون على مقتضى هذه التوبة أم لا؟

ولا تظنوا أن أموركم ستكون في الخفية بل ستكون في العلن أيضاً، أما أموركم الخفية فسيعلمها الله؛ لذلك قال: (فَسَيَرَى ٱللَّهُ).

أما الأمور التي تحتاج لفطنة النبوة فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بفطرته سيراها بنوره في سلوككم.

أما الأمور الظاهرة الأخرى فسيراها (ٱلْمُؤْمِنُونَ).

نحن هنا أمام ثلاثة أعمال: عمل يراه المؤمنون جميعاً، فالتزموا بهذا المنهج حتى يشهد لكم المؤمنون بما يرون من أعمالكم، وإياكم أن تخادعوا المؤمنين؛ لأن رسول الله بفطنته ونورانيته وصفائه وشفافيته سيعرف الخديعة، أما إن كانت المسألة قد تتعمَّى على المؤمنين وعلى الرسول، فالله هو الذي يعلم.

(وَقُلِ ٱعْمَلُواْ) أي: اعملوا عملاً جديداً يناسب اعترافكم بذنوبكم، ويناسب إعلانكم التوبة، ويناسب أنكم ربطتم أنفسكم في المسجد، ويناسب أنكم تصدقتم بالأموال، عمل تستأنفون به حياتكم بصفحة جديدة، واعلموا أننا سنرقب عملكم، الله يرقبه فيما لا يعلمه البشر، وهو النيَّات، ورسول الله يعلمه فيما يطابق نورانيته وإشراقه، والمؤمنون يعلمونه في عاديات الأمور.

وهذه الرؤية من الله ومن الرسول ومن المؤمنين لا تكون لها قيمة إلا إذا ترتب عليها الجزاء ثواباً أو عقاباً، فهي ليست مجرد رؤية، بل إن الرائي يملك أن يثيب أو أن يعاقب.

وأنكم راجعون إليه لا محالة.

وإذا كنتم في الدنيا تعيشون في الأسباب التي يعيش فيها الكافر والمؤمن، ويعيش فيها الطائع والعاصي، فهناك عالم الغيب الذي يملكه الله وحده: (لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ) (غافر: 16).

إذن: سيعامل التائب معاملة جديدة، وما دام قد تاب، فلعله بسبب الغفلة التي طرأت عليه فأذنب؛ غفل عن اليوم الآخر، فيحتاج إلى تجديد التذكير بالإيمان.

 لذلك قال: (وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ).

قوله سبحانه: (فَسَيَرَى) ذكر الفعل مرة واحدة، فالرؤية واحدة ملتحمة بعضها ببعض لتروا هل أنتم على المنهج أم لا؟

(وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ) أما علم الغيب فانفرد به الله سبحانه، وأما عالم الشهادة فالرسول سوف يعلم عنكم أشياء، وكذلك المؤمنون يعلمون أشياء، وربنا عالم بالكل.

وسبحانه لا يجازي على مجرد العلم، بل بنية كل إنسان بما فعل، وسبحانه يقول: (كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء: 14).

ولذلك يُنهي الحق هذه الآية بقوله: (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وهؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم، وربطوا أنفسهم في السواري، وتصدقوا بالأموال، وأعطى الله فيهم حكمه بأن جعل رسول الله هو من يحل وثاقهم من السواري، وقبل منهم الصدقات؛ ليسوا وحدهم، فهناك أناس آخرون فعلوا نفس الأمر، لكنهم لم يربطوا أنفسهم في سواري المسجد، ولا اعترفوا بذنوبهم.

لذلك يجيء قوله الحق: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ...).



سورة التوبة الآيات من 101-105 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة التوبة الآيات من 101-105
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: التوبة-
انتقل الى: