منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة التوبة الآيات من 006-010

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49192
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: سورة التوبة الآيات من 006-010   سورة التوبة الآيات من 006-010 Emptyالإثنين 02 سبتمبر 2019, 9:36 pm

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


وبعد أن بَيَّن الله -سبحانه وتعالى- المُهلة التي هي الأشهر الأربعة أو مدة العهد إذا كان هناك عهد.


وبعد أن بين أن الكفار إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وقرنوا الإيمان بالعمل؛ فالحق -سبحانه وتعالى- يغفر لهم ما قد سلف منهم، وبين الله -سبحانه وتعالى- عظمة الإسلام والرحمة التي نزل بها هذا الدين؛ فيخبرنا أن الذين لم يتوبوا من الكفار وظلوا على حالهم ولم نقدر عليهم بأي عقوبة من العقوبات التي جاءت، ثم جاء أحدهم مستجيراً بالمؤمنين فماذا يكون سلوكنا معه؟


جاء الحكم من الله تعالى بأنه ما دام قد استجار بك فأجره، وإذا أجرته أسمعه كلام الله تعالى وحاول أن تهديه إلى الإيمان وإلى الطريق المستقيم؛ فإن آمن واقتنع وأعلن إسلامه أصبح واحداً من المسلمين، وإن لم يسمع كلام الله ولم يقتنع فلا تقتله؛ ولكن أبلغه مأمنه، أي اسأله من أين جاء؟


فإذا قال لك اسم القبيلة التي ينتمي إليها أو حدَّدَ المكان الذي جاء منه فتأكد أنه سوف يكون آمناً حتى يبلغ المكان الذي يجد فيه الأمان.


وهذه هي المرحلة الأخيرة من علاقة الإيمان بالكفر، وهي مرحلة الإجارة والتأمين للمستجيرين بالمؤمنين.


فالله -سبحانه وتعالى- تفضل على خلقه في الأرض فأرسل إليهم رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وكان ذلك بعد أن مرت فترة طويلة على إرسال من سبقوه من الرسل.


وكان الناس قد نسوا منهج السماء، بل وحرَّف أهل الكتاب ما نزل إليهم من تعاليم.


وكان لابد أن تتدخل السماء بإرسال خاتم الأنبياء والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الحق -سبحانه وتعالى- قد جعل في الإيمان مناعات متعددة، توجد أولاً في النفس، فحين تستشرف النفس إلى معصية، فالضمير الإيماني يردعها عن تلك المعصية ويتوب الإنسان ويرجع إلى الله تعالى من ذات نفسه وبضميره الإيماني وتلك هي النفس اللوامة.


ومعنى وجود اللوم في النفس هو أن الإيمان ما زال موجوداً فيها، وهذا الإيمان هو الذي يكبح الشهوة ويمنع النفس من الركون إلى المعصية ويرد صاحبه إلى الطريق الصحيح والمنهج السوي.


وهب أن نفساً ولعت بمخالفة المنهج ولم تعد نفساً لوامة، وتظل ترتكب المعاصي حتى تعتاد على المعصية، ويموت فيها الوازع الإيماني، فتجدها قد عشقت -والعياذ بالله- مخالفة المنهج، بل أصبحت نفساً أمارة بالسوء، وهنا ينقل الله المناعة الإيمانية من النفس إلى المحيطين بها من عباد الله، فتجد المحيطين بمرتكب المعاصي يردعونه عن المعصية، ويقفون منه مواقف الإيمان من الردع والمقاطعة والجفوة حتى يفيء إلى ربه ويعود إلى رشده.


وتلك مرحلة ثانية من مراحل الإيمان.


أما إن فسد المجتمع كله ولم تعد هناك طائفة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فلابد أن تتدخل السماء برسالة جديدة وبرسول جديد مؤيد بمعجزة من السماء ليوقظ الناس من هذا السبات العميق الذي شمل الأفراد والمجتمعات.


وعندما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وواجه هذا المجتمع الذي انتشر فيه الكفر أفراداً وجماعات كان لابد أن يحدث تصادم بين الإيمان ومجتمع الكفر؛ ذلك أن العداوة الشرسة واجهت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


وهذه المواجهة للرسول إنما جاءت من المنتفعين بالفساد في الأرض.


والمنتفعون بالفساد هم السادة الذين استفادوا من ضياع الحق وانتشار الباطل فأخذوا حقوق غيرهم واستعبدوا الناس، واستأثروا هم بالمنافع وبما فيه الخير لهم ومنعوا ذلك عن باقي عباد الله.


والمنتفعون بالفساد يكرهون أي مصلح جاء ليعدل ميزان حركة الحياة في الكون.


فلابد أن يقفوا في وجهه؛ ليدافعوا عن سيادتهم وعن منافعهم وأموالهم التي حصلوا عليها بالباطل والظلم، ومن استعبادهم للناس.


وكانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت مكونة من قبائل متعددة، وكان لكل قبيلة قانونها الذي يضعه شيخها ليستأثر لنفسه بكل شيء.


ومعنى ذلك أنه لا توجد رابطة تربط بين هذه القبائل، ولا يوجد قانون عام يحكمها، وكل قبيلة لها عزوتها ولها شوكتها ولها حروبها.


وكل فرد في قبيلة لابد أن يكون مقاتلاً يحمل سلاحه مستعداً للحرب في أي وقت، لأنه مهدد في أي لحظة أن تغير عليه قبيلة أخرى، إلا قبيلة واحدة هي قريش.


فقد أخذت السيادة ولا يعتدي عليها أحد ولا تُهَاجَم قوافلها، ولا تستطيع قبيلة في الشمال أو في الجنوب أن تهاجم تجارتها؛ لأن هذه القبائل كلها ستأتي في يوم من الأيام قاصدة حج بيت الله الحرام في مكة.


وخلال الحج تكون هذه القبائل في حاجة إلى الأمان من قريش؛ ولذلك حرصت كل قبائل العرب أن تحافظ على علاقتها مع قريش، لأن السيادة على بيت الله الحرام التي جعلها الله لقريش هي الضمان.


وقد تكفل الله -سبحانه وتعالى- بحماية البيت الحرام من أي عدوان، حتى عندما جاء أبرهة بأفياله ليهدم الكعبة؛ جعله الله هو وجيشه كعصف مأكول مصداقاً لقوله الحق تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل: 1-5).     


فإذا قرأت السورة التي بعد سورة الفيل مباشرة تجد أنها: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: 1-4).     


فكأن حفظ الكعبة من الهدم كان حفظاً من الله -سبحانه وتعالى- لسيادة قريش.


ولذلك كان من الواجب أن تستقبل قريش رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان والشكر وفهم هذه النعمة وتقديرها، بدلاً من أن تقف من الإسلام هذا الموقف المتعنت وتحاربه هذه الحرب الرهيبة، ولكن بدلاً من ذلك فقد حدث العكس، وأحست قريش كذباً بأن الإسلام جاء ليهدم سيادتها فقامت تحاربه.


وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تكن النداءات بالإسلام بعيداً عن هذه السيادة؟


لأن الحق قد أراد أن تكون صيحة الحق في جبروت الباطل وأن يواجه الإسلام في أول أيامه جبروت سادة الجزيرة العربية كلهم جميعاً حتى يمحص الله قلوب المسلمين الأوائل.


فهم من يحملون من بعد ذلك دعوة الإسلام في العالم؛ فلا يعتنق الإسلام منافق أو ضعيف الإيمان، بل يعتنقه أولئك الذين في قلوبهم إيمان حقيقي، ويتحملون كل مظاهر الاضطهاد والتعذيب بقوة إيمانهم.


لقد شاء الحق تبارك وتعالى أن يبدأ الإسلام في مكة ولم يجعل الله له النصر من مكة، وشاء -سبحانه وتعالى- أن يجعل نصر الإسلام من المدينة؛ لأن قريشاً لو انتصرت دعوة واحد منها فهم سيحاولون احتواءه ليسودوا به الدنيا، وحينئذ سيقال: هم قوم قد تعصبوا لواحد منهم لتظل لهم السيادة، ويكون اعتناق الإسلام نفاقاً وليس إيماناً حقيقياً.


ولذلك جعل الله -سبحانه وتعالى- انتصار الإسلام من المدينة ليعلم الناس جميعاً؛ أن العصبية لمحمد -صلى الله عليه وسلم- لم تخلق الإيمان برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن الإيمان برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الذي خلق العصبية لمحمد عليه الصلاة والسلام.


ولذلك شاء الله -سبحانه وتعالى- أن تكون هناك مواجهة شرسة بين حملة الإيمان وبين سادة الكفر.


وهذه المواجهة أخذت عدة مراحل: المرحلة الأولى كانت الدعوة للإيمان، والدعوة الى المحبة، والدعوة إلى المساواة.


وعدم مقابلة التعذيب والقتل بالعنف.


وهذه البداية لم تعجب سادة قريش بل جعلتهم يستهينون بالمؤمنين ويمنعون في إيذائهم وتعذيبهم ويعتقدون أنهم سيقضون عليهم، فلما وجدوا الدعوة تقوى رغم كل ما تواجهه من مراحل التعذيب والبطش؛ ازدادوا تنكيلاً بالمؤمنين، فهاجر بعض من المؤمنين إلى الحبشة، وأصبحوا يبحثون عمن يحميهم ويستجيرون به؛ وشاء الحق تبارك وتعالى ذلك حتى لا يدخل الإسلام إلا من أُشرب قلبه حب الإسلام واستهان بكل الصعاب والاضطهاد والقتل والتشريد؛ وهؤلاء هم الذين سيصبحون مأمونين على الدعوة.


وبعد ذلك ظل الكفر على كفره، وظل الإيمان يأخذ إليه بهدوء بعض الأفراد، وحاول الكفار أن يستميلوا المؤمنين بالحيلة بعد أن فشلت القوة والبطش والإرهاب؛ فقالوا: نعبد إلهكم فترة وتعبدون إلهنا فترة، فأنزل الله -سبحانه وتعالى- سورة فيها ما يسمى بالعرف الحديث "قطع العلاقات"، فقال الحق عز وجل: (قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 1-6).     


وكان هذا إعلاناً بمرحلة ثانية تتسم بأنه لا مهادنة ولا حلول وسط بين الكفر والإيمان؛ لأنه لو قبل المؤمنون عبادتهم لآلهة - الكفار؛ فهذا اعتراف منهم بأن آلهتهم حق، ولو قبلوا أن يعبدوا الإله الواحد ويشركوا به آلهة أخرى لكان ذلك تفريطاً، ولا يمكن أن يحدث ذلك.


وكان النهي هنا في هذه الآية الكريمة يشمل الحاضر والمستقبل.


وهذا ما يسمى في السياسة الدولية باسم قطع العلاقات، بل إن قطع العلاقات الدولية إنما يكون بسبب طارئ، أما الخلاف بين المسلمين الأوائل وأهل الشرك فلم يكن صراعاً بين فكر بشر وفكر بشر آخرين، ولكن المسألة كانت صراعات بين منهج تريده السماء لأهل الأرض، وبين المنتفعين بالفساد في الأرض؛ لذلك كان لابد أن يكون القطع نهائياً، فلا لين ولا مهادنة ولا حلول وسط بين الكفر والإيمان، وهكذا فشلت حيلة الكفار في تمييع وتضييع قضية الدين، وضاع مكرهم، وبقي الوجود الإيماني قوياً متحداً في مواجهة جبروت الكفار بعد أن كان مهدداً.


ثم جاءت بعد ذلك المرحلة الثالثة؛ مرحلة اعتراف الكفر بقوة الإيمان، فقد كان الكفار يواجهون المؤمنين بالقهر والتعذيب، والمؤمنون يواجهون هذا بالصبر والاحتمال حتى هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وحدثت المواجهة المسلحة بين الإيمان والكفر في غزوة بدر، وانتصر المؤمنون وأصبح لهم كيان يحميهم، فلم يعودوا هم القلة الضعيفة المستذلة والمستكينة، بل أصبحت لهم قوة ولهم قدرة، وإن لم تصبح لهم سيطرة.


ولكنهم أصبحوا قوة قادرة على مواجهة الكفار أو قوة مساوية لهم؛ تستطيع أن تصد الاعتداءات وتواجه الضربة بالضربة.


وحين أصبح للإيمان هذه القوة والقدرة على حماية أنفسهم والمساواة والكيان تجاه الكفار؛ كانت هذه بداية المرحلة التي أعطت الإسلام تفرغاً لنشر الدعوة خارج محيط مكة، وأَمِنَ المسلمون وهم ينشرون دعوتهم من هجوم الكفار وتنكيلهم بهم بعد صلح الحديبية، وكان مجرد التعاقد والتعاهد هو اعتراف بدولة الإيمان، وهي المسألة التي فطن لها سيدنا أبو بكر -رضي الله عنه- وقد ظن البعض لأول وهلة أن معاهدة الحديبية كان فيها إهدار لحق المؤمنين، حتى إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: علام نعطي الدنية في ديننا.


هذه المسألة أخذت جدلاً كبيراً كاد يصل إلى أن يصادم المؤمنون أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندما رأت أم سلمة رضوان الله عليها خوف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المؤمنين من عدم إطاعة ما قاله لهم، ووجدت الحزن الشديد على وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت: "يا رسول الله لا تحزن.


إن القوم مكروبون لأن أملهم أن يطوفوا بالبيت الحرام، وها هم أولاء الآن على مقربة من البيت ولكنهم ممنوعون من الطواف به؛ إن خير ما تفعله الآن ألاَّ تكلم منهم أحداً، وتنفذ ما أمرك به الله؛ فإن فعلت عرفوا أن الأمر عزيمة لا نزاع فيه"، هذا ما حدث.


فقد قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذبح الهدي وتحلل من إحرامه وفعل المسلمون مثلما فعل، وشاءت قدرة الله -سبحانه وتعالى- قبل أن يعود المؤمنون إلى المدينة، أن يبين لهم سبب قبول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصلح الحديبية مع ما يبدو ظاهراً وليس حقيقة من أن فيه إجحافاً بالمسلمين.


لقد كان الصلح ينص على أنه إن جاء أحد هارباً من قريش والتجأ إلى المدينة ردوه إلى قريش مرة أخرى.


وإن فر أحد بعد إسلامه والتجأ إلى كفار مكة لا يردونه.


وقد وجد البعض في هذا إجحافاً وعدم مساواة، وكان الموقف غاية في الدقة، وعندما جاء سهيل بن عمرو ليتفاوض على المعاهدة، وكان على بن أبي طالب -رضي الله عنه- يكتب عن رسول الله وأَمْلَى: هذا ما تعاقد عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو.


اعترض سهيل قائلاً: لو كنا نؤمن بأنك رسول الله ما حدث بيننا هذا القتال، ولكن اكتب: هذا ما تعاقد عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو.


هنا ثار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وقال: لا.


لابد أن نكتب هذا ما تعاقد عليه محمد رسول -صلى الله عليه وسلم- ورفض سهيل بن عمرو.


وأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينهي الموقف فنظر إلى علي وقال: "يا علي اكتب فإنَّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد" أيْ أنه سوف يحدث لك نفس الشيء الذي ترفضه الآن فتقبل، وكان هذا من علامات النبوة لأن علياً وقف فعلاً هذا الموقف عندما جاءت معاهدة صفين وأراد أن يكتب فيها هذا ما تعاقد عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين فقالوا له: لو كنت أمير المؤمنين ما حاربناك، اكتب هذا ما تعاقد عليه علي بن أبي طالب.


وتذكر علي بن أبي طالب قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اكتب فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد”.     


على أن الحق -سبحانه وتعالى- أراد ألا يدخل المسلمون المدينة إلا وقد صفت نفوسهم دون إحساس بأن منهم من انكسر وأن الآخرين قد انتصروا، فنزل قول الحق تبارك وتعالى الذي يزيل من النفوس المرارة: وينزل عليها السكينة والطمأنينة: (هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (الفتح: 25).     


وهكذا أخبر الله المؤمنين بسبب عدم السماح لهم بدخول مكة لأن فيها عدداً من المؤمنين والمؤمنات الذين يكتمون إيمانهم، وهؤلاء غير مميزين لأنهم مختلطون بالكفار؛ وليس لهم مكان محدد بحيث يستطيع المؤمنون معرفتهم وتمييزهم، فلا يتعرضون لهم في قتالهم داخل مكة، ولو نشب القتال فعلاً لتم قتل عدد كبير من هؤلاء المؤمنين والمؤمنات المقيمين في مكة بأيدي المؤمنين، ولكان عاراً أن يقتل مؤمن مؤمناً أو مؤمنة.


هنا عرف الصحابة العلة وهي صيانة دم المؤمنين.


وفي الوقت ذاته نجد أن صلح الحديبية جعل الدعوة الإسلامية تنتشر في الجزيرة العربية كلها.


وقد اعتبره بعض الصحابة رضوان الله عليهم الفتح الحقيقي للإيمان، وجاء في ذلك تلك المقولة المأثورة: "لا فتح في الإسلام بعد فتح الحديبية" ولكن الناس لم يتسع فكرهم إلى الحكمة مما حدث، والعباد دائماً يعجلون.


والله لا يعجل لعجلة عباده حتى يبلغ الأمر ما أراد.


وقد انتشر الإسلام في الجزيرة العربية بالدعوة، وزاد عدد المسلمين زيادة كبيرة.


إذن فمراحل الإيمان بدأت بمرحلة التعذيب والاضطهاد، ثم مرحلة محاولة الخداع للقضاء على هذا الدين، ثم المرحلة الثالثة وهي التعاهد والتعاقد، ولقد وفَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعهده، ولكن قريشاً نقضت العهد بأن أعانت قبيلة بني بكر وهم حلفاؤها على قبيلة خزاعة حلفاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام بنو بكر بمهاجمة قبيلة خزاعة وقتلوهم وهم يصلون، وذهب مندوب قبيلة خزاعة مستنجداً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنهاء المعاهدة التي أبرمت بينه وبين قريش لنقض قريش العهد وأعد جيشاً لفتح مكة وتطهير البيت الحرام من الأصنام، وبعد أن تم فتح مكة في العام الثامن الهجري، أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يطهر بيته من المشركين وأن يعلن أنه لا مهادنة بين الإيمان والكفر.


لقد أراد الله أن يحرر "المكان" وهو أرض الكعبة أولا.


ثم يحرر "المكين" وهم البشر فلابد -إذن- أن تتطهر الكعبة من الأوثان، وأن يُمنع العراة من الطواف حول البيت الحرام ويُمنع المشركون من الوجود في البلد الآمن بالإسلام.


وسبق حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع العلاقات وإنهاء المعاهدات، لكن سماحة الإيمان وحب الله لخلقه جميعاً لم يجعله يأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقطع المعاهدة فوراً، أو أن يقاتل المؤمنون المشركين ويأسروهم فوراً، لا.


بل منحهم أربعة أشهر لعلهم يفيئون إلى الإسلام وأن يتوبوا إلى بارئهم.


لقد بَيَّنَ -سبحانه وتعالى- للكافرين أن هذه المدة لن تفيدهم في حربهم ضد الإسلام؛ لأنهم غير معجزي الله في الأرض، أي لن يعجز الله استعدادهم أو مكرهم أو أي شيء يفعلونه خلال هذه الأشهر الأربعة، فإذا انتهت هذه الأشهر وقعت العقوبة على الكفار إما بالقتل وإما بالحصار، أو بالترصد، أو عليهم أن يدبروا أمر حياتهم بالسياحة في الأرض ما داموا قد أصروا على الكفر؛ لأن حكماً من الله قد نزل بعدم وجود المشركين في هذه البقعة المقدسة.


وأراد الحق -سبحانه وتعالى- برحمته أن يبقي الباب مفتوحاً للكفار لكي يعودوا إلى منهجه فقال عز وجل: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) (التوبة: 6).     


وبعد انقضاء مدة الأشهر الأربعة، إذا استجار بك أحد من المشركين فأجره، ونحن نعلم في اللغة العربية أنّ "إِنْ" الشرطية لا تدخل إلا على فعل ولا تدخل على اسم أبداً؛ فتقول: إن قام زيد قام عمرو، وأما "إنْ" في قوله تعالى: (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ) (المجادلة: 2).     


فهذه ليست "إن" الشرطية؛ ولكنها "إنْ النافية" وهي مع "إلا" التي بعدها لإفادة التأكيد والقصر، أي قصر الأم على الوالدة، إلا أنه من بلاغة إعجاز القرآن الكريم جاء بعد "إن" الشرطية اسم في قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) (التوبة: 6).     


وكان القياس أن يقال: "إن استجار بك أحد المشركين فأجره"؛ ولكن الله -سبحانه وتعالى- جاء بـ"أحد" بعد "إن" في أول الكلام، ولذلك فعندما نعرب كلمة "أحد" في الآية الكريمة السابقة نعربها فاعلاً ونقدر له فعله من جنس المتأخر، والتقدير هو: وإن استجارك أحد من المشركين فأجره.


ولماذا هذه اللفتة من القرآن الكريم؟


نقول: إن هناك مستجيراً وهناك طلب استجارة؛ فهل الاستجارة عرف بها المستجير، أم عُرفت الاستجارة منه؟     


وأقول: لنفرض أن واحداً من المؤمنين قد جلس على الحدود قرب أماكن الكفار، ثم سمع صوتاً يقول: أنا مستجير بمحمد، ومستجير بالمؤمنين، ومن بعد ذلك ظهر المستجير بجسده أمام المؤمنين، هنا تكون الاستجارة قد سبقت ظهور المستجير، وكأن الأذن هي التي استجيرت أولاً ثم رأت العين جسد هذا المستجير، وقد يختلف الأمر؛ فيظهر المستجير أولا.


ثم يصرخ طالباً الأمان والاستجارة، وبذلك تكون العين قد رأت أولاً ثم سمعت الأذن طلب الاستجارة ثانياً.


وهنا يريد الحق -سبحانه وتعالى- أن ينبهنا إلى أهمية الالتفات إلى صدق الاستجارة، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يصرخ المستجير أولا.


ويظهر من بعد ذلك، ولابد أن يأخذ المؤمن حذره حتى لا ينقلب عليه المستجير أو يكون قد خدعه بطلب الاستجارة.


والاستجارة تعني طلب الجوار والحماية، ولهذا فعادة ما يكون المستجير ضعيفاً لا يقدر على حماية نفسه.


وحين يستجير إنسان بآخر في مثل تلك الظروف، فعلى المجير أن يملك الفطنة ليتعرف على الهدف من الاستجارة؛ أهي استجارة لمجرد تطويل أمد البقاء على الكفر؟


أم هي رغبة في معرفة أسس الإيمان كما وردت في كتاب الله تعالى، أو أنه يريد أن يسمع حكم الله على الكفار في سورة براءة.


أو يريد أن يسمع كلام الله بما يقذف في قلبه الإيمان، أو أنه يريد أن يسمع شيئاً فيما يطلب فيه الدليل، أو يسمع كلام الله فيما يرد عليه الشبهة؟     


إن فطنة المؤمن يجب أن تتسع لتسبر أغوار المستجير، وطلب الجوار أو الاستجارة كان معروفاً عند العرب، فإذا استجار شخص بعدوه فعليه أن يجيره، وهذا دليل على شهامته.


وإذا كان الإيمان قد فرض على المسلمين إجارة من يطلب الجوار، فهذا دليل على قوة الإيمان وعظمته وسماحته، ولعل خميرة الإيمان الفطري في نفس الكفار قد استيقظت وتطلب معرفة قواعد الإسلام.


إن على الوالي أو أي واحد من المسلمين أن يجير المستجير، ولماذا لا نسمعه ونتكلم معه عله يؤمن، ويدخل حظيرة الإسلام وفي الإسلام يجير الوالي أو أي واحد من المسلمين؛ لأن المسلمين تتكافأ دماؤهم ولا يوجد دم سيد ودم عبد، ولا دم شريف ودم رخيص؛ وإنما يسعى بذمتهم أدناهم، ولذلك إذا أجار أي مسلم إنساناً غير مسلم أو إنساناً كافراً يجار من جميع المسلمين؛ حتى الصبي الذي لم يبلغ الحلم وحتى المجنون الذي لا يعقل.


لهذا أو لذاك أن يجير بشرط أن يوافق الوالي أو المسلمون على ذلك.


لماذا؟


لأننا نأخذ على الكفر أنه يغدر بالتعاهد ويتناسى المروءة، فلابد أن نتمسك نحن المؤمنين بالعهد، فإذا استجار أحد من الكفار فلابد أن نفي بالعهد.


ولكن كيف يكون للصبي والمجنون حق الإجارة؟     


نقول: إن الصبي من المؤمنين انتفع بالإسلام لأنه تمت تربيته تربية إيمانية وفقاً لمنهج الله ونشأ في ضوء قول الحق تبارك وتعالى: (وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء: 24).     


بل إن الإسلام يعطي التربية الإيمانية للابن حتى قبل الحمل، فيأمر الأب أن يختار الأم ذات الدين لتكون وعاء صالحاً، ويأمر الأم أن تختار الرجل المتدين ليكون أباً صالحاً.


إذن فالإسلام يخدم الصبي قبل أن يولد باختيار الأب الصالح والأم الصالحة، ويخدمه بعد أن يولد بتربيته التربية الإسلامية السليمة، وعلى ذلك فالصبي قد استفاد بكل هذه القيم من الإسلام، والذي بلغنا منهج الإسلام هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


ومن هنا فالتربية الإسلامية لنا جميعاً؛ لذلك يجب علينا أن نرد التحية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي علمنا أن المؤمنين تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم.


فلو أن صبيا أعطى الأمان لكافر جاء ليسمع كلام الله؛ قبلت منه هذه الإجارة أو هذا الأمان، ذلك أن الصبي استفاد من تربية إسلامية جاء بها المنهج المُنَزَّلُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستفاد من أمه التي تحملت حمله وآلام وضعه، ولولا أن الإسلام حمى النفس حين توجد في الرحم لأمكن للمرأة حين يتعبها الحمل أن تجهض نفسها أو أن تطرح الصبي بعيداً، ولكن الإسلام حمى الطفل وهو في بطن أمه، وحماه حتى تكتمل رضاعته، وتمتثل الأم المسلمة لكل أحكام الإسلام: (وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) (البقرة: 233).     


لقد احترم الإسلام الطفل، وسانده، وطلب من الأب والأم أن يحسنا تسمية أولادهما وأن يحسنا تربيتهما.


وقبل أن يوجد هذا الطفل في رحم أمه حماه الإسلام -كما قلنا- بأن أمر الرجل أن يختار الأم الصالحة؛ لتكون وعاء صالحاً، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: فيما يرويه عنه أبو حاتم المزني قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلاَّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" قالوا يا رسول الله وإن كان فيه؟


قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات.


وكذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: في حديث له: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".


والحديث فيما يرويه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال -صلى الله عليه وسلم-: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".


فإذا كان الإسلام قد احترم هذا الصبي في كل حقوقه، ألا يحترمه المسلمون؟     


وقد يقال إن الصبي منتفع بالإسلام، أما المجنون فلا عقل له حتى إن الله عز وجل قد أعفاه من التكاليف، ونقول: انظروا إلى المجنون بالنسبة لأصحاب العقول، صاحب العقل قصارى ما يصل إليه أن تكون كلمته نافذة لا يعترض عليه أحد، وأن يقول ما يريد ولا يحاسبه أحد، أما المجنون فهو يصل إلى هذا؛ لأنه إن قال قولاً فلا أحد يعترض عليه، وإن فعل فعلاً غير لائق فلا أحد يحاسبه، بل إنه -سبحانه وتعالى- لا يحاسبه يوم القيامة.


إذن فالمجنون قد أخذ حظاً أكثر مما يأخذه العقلاء، وصار جنونه حماية وحصانة له إن قال كلمة الحق التي قد تؤذي ذوي النفوذ فلا يعاقبه أحد، ويكفي أن يقال إنَّه مجنون حتى يعفى من العقاب، ورب كلمة حق واحدة تصدر من مجنون؛ تكون أرجح عند الله عز وجل من أصحاب عقول كثيرة ظلوا طوال حياتهم ينافقون ويكذبون ويفعلون ما يغضب الله.


إذن فهناك مهمة في الحياة قد يؤديها المجنون ولا يؤديها العاقل، لأن بعض الناس يعتقد أنه إذا سلب الله أحد البشر شيئاً فإنه يميز عنه الآخرين، نقول: لا.


لأن عدل الله يأبى إلا أن يعوضه، ولذلك تجد من فقد عينيه يجعل الله عز وجل عيون الناس في خدمته؛ هذا يأخذ بيده؛ وهذا يقوده في الطريق، وهذا يحضر له الطعام والشراب، وهذا يسقيه ...إلخ.


وإن كان الإنسان أعرجَ مثلاً.


تجد هذا يعاونه، وهذا يأخذه معه في سيارته، وقد تقف له سيارة أجرة تأخذه إلى حيث يريد.


بينما يقضي السليم الساعات يبحث عن سيارة الأجرة بلا فائدة.


بل إنك إن نظرت إلى الفقير تجد أنَّ الله قد جعل له عدداً من الأغنياء في خدمته، ففلان يحرث ويعزق ويعطيه الله خير الزراعة ليبيعه ويفيض منه على الفقير، وآخر يصنع ويتعب ويشقى ليعطي بعضاً من دخله للفقير، بل إنه يشقى مرة أخرى ليعثر على الفقير حقاً ليعطيه بعضاً من ماله، والفقير بالفعل يستحق أن يأخذ شريطة ألا يكون مدعياً للفقر.


فما دام قد قبل حكم الله بالفقر والعجز، يوضح له ربه: لقد رضيت بأني أعجزتك، فخذ من قدرة الأغنياء ما يعينك في حياتك، فهذا مُلْكٌ كَوْني له نظام، وأقول ذلك حتى نفهم أن الغنى والفقَر، والصحة والمرض، والقوة والضعف، إنما هي أغيار، ولذلك لا أحد يضمن غَدَهُ، وعلى الواحد منا إن كان قادراً أن يعطي الفقير، حتى إذا ضاع منا المال وجدنا من يعطينا، وأن نساعد المريض، حتى إذا مرضنا وجدنا من يساعدنا، وأن نكون في خدمة الناس وقت شدتهم حتى يكونوا في خدمتنا وقت شدتنا.


وفي نفس الوقت حين نرى من حرمه الله من البصر يجب علينا أن نشكر نعمة الله علينا، ولو رأينا إنساناً يعاني في مشيه تنبهنا إلى نعمة الله في أن أعطانا قدرة المشي.


وهكذا فالإنسان لا يتنبه إلى النعمة إلا إذا رأى من هو محروم منها.


وكذلك أراد الحق أن يرضي كل ذي آفة قَبل آفته ولم يتمرد عليها؛ لذلك يفيض عليه بالخير.


إذن فكل إنسان أسلم يستفيد من الإسلام حتى الصبي والمجنون استفادا من الإسلام، ولذلك فلابد أن نرد التحية لمن بَلَّغنا هذا المنهج الذي أعطانا الحماية، فنقرأ المنهج ونعمل به.


وحين نستقرئ حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نجده يرد جميل كل من ساعده، ومثال ذلك حليمة السعدية التي نالت شرف إرضاعه -صلى الله عليه وسلم- وهو صغير، ثم أكرمها الرسول هي وأسرتها بعد أن صار نبياً.


ثم ألم يذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف ليطلب النصير له في تبليغ الدعوة بعد وفاة خديجة -رضي الله عنها- ووفاة عمه أبي طالب، وعز عليه النصير وفكر في العودة إلى مكة، والتمس من يجيره حين يدخلها فأجاره واحد من الكفار هو المطعم بن عدي، فإذا كان كافرٌ قد أجار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدعو لمحاربة الكفر؛ أفلا نجير واحداً من الكفار لنرد التحية بخير منها؟


وإذا كان واحد من الكفار قد أجار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة فلابد أن يرد المؤمنون كلهم التحية بأن يجيروا من يستجير بهم من الكفار.


وبعد أن يجير المسلمون من استنجد بهم من الكفار على أن يسمعوه كلام الله.


وبعد ذلك هناك أحد أمرين إمَّا أن يعلن الكافر الإيمان، وفي هذه الحالة أصبح من المؤمنين، وإما أن يصر على كفره وعناده، وفي هذه الحالة يصبح على المسلمين مسئولية أن يبلغوه مأمنه، وذلك بأن يساعدوه على الوصول إلى المكان الذي يصبح آمناً فيه على نفسه وماله، وبعد أن يبلغ مأمنه ويسمع كلام الله فليس على المسلمين أن يطلقوا سراحه كما كان الأمر من قبل: (فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) (التوبة: 5).     


لا.


بل على المسلمين أن يبلغوه مأمنه، ثم ينفذون فيه حكم الله إما أسراً، وإما حصاراً، أو قتلاً؛ حسب الحكم النازل من الله.


وعلة تأمين الكافر هي أنه من قوم لا يعلمون حسبما قال الله تعالى: (ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) (التوبة: 6).     


إذن فالإيمان ليس بالفطرة فقط؛ لأن العلم له وسائل كثيرة؛ علم بالفطرة، وعلم بالاكتساب، ومرة تكون أداة العلم الأذن، ومرة بالعين، ومرة بالعقل، والمعلومات كلها تنشأ عند الإنسان إما بالإذن مما يسمع، وإما بالعين مما يرى، ثم بعد ذلك تستقر المعاني في نفس الإنسان.


ولذلك يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ) (النحل: 78).     


وهكذا حدد لنا القرآن الكريم وسائل العلم بالسمع والبصر، فإذا استقرت هذه المعلومات في الفؤاد، لأنه الذي يحفظ كل القضايا العقلية والفكرية.


وإذا كان الإنسان يسمع ولا يفقه شيئاً فهو لا يعلم.


إذن فالمستجير جاء ليطلب وسائل العلم وأدلة الإيمان؛ وعذره أنه لا يعلم.


وعلينا أن نحسن الظن وأن نعتبر المستجير طالب علم بالحقيقة، ويريد أن يأخذ أدلة الإيمان.


ثم يعود الحق -سبحانه وتعالى- إلى مسألة العهد فيقول: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ...).



سورة التوبة الآيات من 006-010 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 02 سبتمبر 2019, 10:48 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49192
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 006-010   سورة التوبة الآيات من 006-010 Emptyالإثنين 02 سبتمبر 2019, 9:37 pm

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي لقد جربتم العهود مع المشركين، وفي كل مرة يعاهدونكم ينقضون عهدهم، وقد نقضوا عهدهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معاهدة الحديبية، إذن فالله -سبحانه وتعالى- يريد أن يلفتنا إلى أننا يجب ألا نأمن لعهود المشركين لأنهم لا يحفظون العهد ولكنهم ينقضونه، وعلى ذلك فعِلَّةُ نقض العهد أنهم لم يستقيموا للعهد من قبل.       

ويكون بقاء العهد هو الأمر العجيب.       

و"كيف" هنا للاستفهام عن الحالة، يقال: كيف حالك؟      

تقول: بخير والحمد لله.       

إذن فـ"كيف" يُسأل بها عن الحال، والحال قد يكون عاماً، أي كيف حالك وحال أسرتك وأولادك ومعيشتك إلى آخره، وقد يكون خاصاً أن تسأل عن مريض فتقول: كيف حال فلان؟      

فيقال: شُفِي والحمد لله.       

أو تسأل عن معسر فتقول كيف حاله؟      

فيقال: فرّج الله ضائقته.       

أو تسأل عن ابن ترك البيت هارباً فيقال: عاد والحمد لله.       

إذن فـ"كيف" إن أطلقت تكون عامة، وإن خصصت تكون خاصة، ولكنها تُطلق مرة ولا يراد بها الاستفهام، بل يراد بها التعجب؛ إما تعجب من القبح، وإما تعجب من الحسن.       

كأن يقال لك: كيف سب فلان أباه؟      

هنا تعجب من القبح لأن ما حدث شيء قبيح ما كان يصح أن يحدث.       

وتأتي لإنسان اخترع اختراعاً هاماً وتقول: كيف وصلت إلى هذا الاختراع؟      

وهذا تعجب من الحسن.       

والتعجب من القبح يكون تعجب إنكار والتعجب من الحسن تعجب استحسان كأن نقول: كيف بنيت هذا المسجد؟       

وفي هذه الآية الكريمة يقول -سبحانه وتعالى-: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) (التوبة: 7).      

وهذا تعجب من أن يكون للمشركين شيء اسمه عهد؛ لأنهم لا يعرفون إلاَّ نقض العهد، ولا يتمسكون بالعهود ولا يحترمونها، إذن يحق التعجب من أن يكون لهم عهد بينما في الحقيقة لا عهد لهم.       

وهذا التعجب للاستهزاء والإنكار، فأنت مثلاً إذا جاء أحد يهددك، فقلت له: من أنت حتى تهددني؟      

يكون هذا استهزاء واستنكاراً لأنك تعرفه، وأيضاً تستهزىء أن يملك القدرة على أن ينفذ تهديده لك.       

ومرة تكون استفهاماً حقيقياً، كأن تسأل إنساناً لا تعرفه: من أنت؟      

فيقول لك: أنا فلان بن فلان.       

وأحياناً تكون الإجابة عن الكيفية بالكلام، وأحياناً لا ينفع الكلام فلابد أن يجاب بالفعل.       

واقرأ قول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ) (البقرة: 260).      

كيف هذه تحمل معنى التعجب الاستحساني؛ لأنك إذا بعثت الحياة في ما لا حياة فيه؛ فهذه مسألة عجيبة تستوجب الاستحسان.       

ولم يجب -سبحانه وتعالى- على سيدنا إبراهيم باللفظ، بل أجاب بتجربة عملية، ودار حوار بين الحق -سبحانه وتعالى- وخليله إبراهيم -عليه السلام- فسأله المولى -سبحانه-: (أَوَلَمْ تُؤْمِن) (البقرة: 260).      

رد إبراهيم -عليه السلام-: (قَالَ بَلَىٰ) (البقرة: 260).      

أي أنني يا رب آمنت، وأضاف القرآن الكريم على لسان سيدنا إبراهيم -عليه السلام-: (وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: 260).      

والإيمان هو اطمئنان القلب، فكيف يقول إبراهيم آمنت؟       

أليس في ذلك تناقض؟      

وأقول: إن إبراهيم واثق من أنَّ الله -سبحانه- خلق الكون كله ولكنه يريد أن يعرف كيفية الإحياء وكيف يحدث، حينئذ لم يجبه الحق -سبحانه وتعالى- بالكلام، بل أراه تجربة عملية، فقال له: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) (البقرة: 260).      

أي عليك أن تختار أربعة طيور وتضمها إليك وتتأكد من شكلها حتى إذا ماتت وأحييت تكون متأكداً من أنها هي نفس الطير.

(ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: 260).      

أي قطّع هذه الطيور بنفسك، وضع على كل جبل قطعة، وبعد ذلك ادْعُها أنت تأتيك سعياً أي مشياً، حتى لا يقال إنها طيور قد جاءت من مكان آخر، بل تجيئك نفس الطيور سيراً، فإذا كان الله -سبحانه وتعالى- يعطي القدرة لمخلوق عندما يستدعي الميت أن يأتيه حياً، فما بالك بقدرة الله عز وجل؟       

إذن فقول الحق: -سبحانه وتعالى-: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ) (التوبة: 7).      

وهذا استفهام للإنكار والتعجب من أن المشركين ليس لهم عهد، بل تمردوا وتعودوا دائماً على نقض العهود ثم يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ) (التوبة: 7).      

أي أن الله عز وجل وهو يخبر المؤمنين بأن هؤلاء الكفار لا عهد لهم، لا يطالب المؤمنين أن يواجهوا المشركين بالمثل، بل يأمر -سبحانه وتعالى- المؤمنين أن يحافظوا على العهد ما دام الكافرون يحافظون عليه، إلى أن يبدأ الكافرون في نقض العهد وهنا يلزم -سبحانه- المؤمنين أن يقابلوا ذلك بنقض مماثل وهذا ما يفسره قوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ) (التوبة: 7).      

والمتقي هو الطائع لله فيما أمر وفيما نهى ويجعل بينه وبين صفات الجلال من الله وقاية، إذن فأساس التقوى هو ألاَّ ينقض المؤمن عهداً سواء مع مؤمن أم مع كافر، وإنما الذي يبدأ بالنقض هو الكافر، وعلى المؤمن أن يحترم العهد والوعد.       

ويقول الحق تبارك وتعالى من بعد ذلك: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً...).



سورة التوبة الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49192
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 006-010   سورة التوبة الآيات من 006-010 Emptyالإثنين 02 سبتمبر 2019, 9:40 pm

كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نلاحظ هنا أن الحق -سبحانه وتعالى- لم يقل كيف يكون للمشركين عهد، بل اكتفى بـ"كيف"، لأن غدرهم صار معروفاً، وكانت "كيف" الأولى استفهاماً عن أمر مضى.

والتساؤل هنا يوضح لنا أنهم سيخونون العهد دائماً، كما فعلوا في الماضي، فكأن الذي يخبر في الماضي يخبر أيضاً عن المستقبل ويعلم ما يكون منهم.

ويتابع المولى -سبحانه وتعالى- قوله: (وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) (التوبة: 8).

ومعنى "يظهروا"، أي يتمكنوا منكم، وهم إن تمكنوا من المؤمنين لا يرقبون فيهم إلاّ ولا ذمّة، و"يرقب" من الرقيب الذي يراقب الأشياء.

إذن فهم لا يراقبون بمعنى لا يراعون، أي أنهم لو تمكنوا من المؤمنين لا يراعون ذمة ولا عهداً ولا ميثاقاً، بل يستبيحون كل شيء.

وهذا إخبار من الحق -سبحانه وتعالى- عما في نفوس هؤلاء الكفار من حقد على المؤمنين.

ونلاحظ أن كلمة "يرقبون" غير "ينظرون"، وغير "يبصرون"، وهي أيضاً غير "يلمحون" وغير "يرمقون"، مع أنها كلها تؤدي معنى الرؤية بالعين، ولكن يرقب تعني يتأمل ويتفحص باهتمام حتى لا تفوته حركة، لذلك إذا قلنا: إن فلاناً يراقب فلاناً، أي لا تفوته حركة من حركاته وهو ينظر لكل حركة تصدر منه.

أما كلمة "نظر" فتعني رأى بجميع عينيه، وكلمة "لمح" تعني رأى بمؤخر عينيه، و"رمق" أي رأى من أعلى.

وقوله -سبحانه وتعالى- (لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) يعني لا يراعون فيكم عهداً، ولا يمنع الواحد منهم وازع من أن يفعل أي شيء مهما كان قبيحاً؛ والمثال: أن يرفع الرجل القوي يده ليضرب طفلاً صغيراً لا يتحمل ضربته، هنا يمسك أحدهم بيده ويطلب منه أن يراعي أن الطفل صغير لا يتحمل ضربته، وأنه ابن فلان قريبه، وأنهم جيران؛ فلا يراعي هذا كله، وإنما ينهال على الطفل ضرباً.

وقوله -سبحانه وتعالى-: "إِلاًّ" هي في الأصل اللمعان أي البريق، و"إِلاّ" أيضاً هي الصوت العالي، واللمعان والصوت العالي لافتان لوسائل الإعلام الحسّية، وهي الأذن والعين، والإنسان إذا عاهد عهداً فهذا العهد يصبح أمراً واضحاً أمامه يلفت عيونه كما يلفتها الشيء اللامع، ويلفت أذنه كما يلفتها الصوت العالي، وسُمي العهد والكلام "إلاّ" لأنه معلوم بالعين والأذن.

هذا هو المعنى اللغوي، لكن المعنى الاصطلاحي لكلمة "إلاّ" هو الغصب، بأن تشد شيئاً كأنك تغصبه على عدم الالتصاق بشيء آخر، ولذلك سُمِّي سلخ جلد الشاة غصباً لأن اللحم ملتصق بالجلد، وسُمي أخذ المال غصباً؛ لأن صاحب المال متمسك بماله تمسك الشاة الحية بجلدها.

وإذا أُطلق الغصب في الفقه لا ينصرف إلى المعنى اللغوي وهو اللمعان والصوت العالي، وللعلماء في هذا المعنى أكثر من رؤية، وكل واحد منهم أخذ لقطة من الـ"إل" وأصله اللمعان، أَلَّ.

يؤلّ.

إِلا.

بمعنى لمع.

يلمع.

لمعاً. والـ"إل" أيضاً هو الصوت العالي، وقال ابن عباس والضحاك -رضي الله عنهما-: إن "إلاّ" هي القرابة؛ لأن القرابة سبب للتراحم، فأنت يعز عليك أن تخون قريباً لك؛ لأن القرابة لا تحتاج إلى عهد، وقيل إن "إلاّ" هي العهد.

وقال سيدنا الحسن: إن "إلاّ" هي الجوار وما يوجبه من حقوقه.

وقال قتادة: إن "إلاّ" هي الحلف والتحالف.

وقال أبو عميرة: إن "إِلاّ" هو اليمين أو القسم.

والمعاني كلها تلفتنا إلى وجود نوع من التراحم، بحيث لا تتملك الإنسان القسوة أو انفلات الانفعال، وليجعل الإنسان لنفسه من يقول له: "اهدأ إنه جارك أو من قوم بينهم وبين من تعاهدون صلة قرابة"؛ لأن الذي يجعل الإنسان لا يميل إلى الشر ولا يشتري فيه ساعة يحفزه الأمر؛ هو مراعاة الملابسات كلها، وهكذا يتدخل الحوار، ولكن قد توجد قرابة أو عهد أو قسم أو جوار ليمنع البطش بقسوة، أي إن "إِلاّ" هو الأمر الذي يمنع الرد بقسوة على شيء قد يكون وقع خطأ.

والمعنى أيضاً هو عدم احترام لكل القيم؛ عدم احترام للقرابة أو الجوار أو العهد أو القسم، فإذا تمكن رجل قوي من طفل صغير لم يراع فيه أياً من هذه الأشياء.

ويريد الحق أن نعلم أن المشركين إذا تمكنوا من المؤمنين فهم لا يراعون فيهم قرابة ولا عهداً ولا حلفاً ولا جواراً ولا قسماً ولا أي شيء.

إذن فكيف يكون للمشركين عهد؟

وهم إن تمكنوا من المؤمنين لا يراعون فيهم شيئاً أبداً.

ثم يضيف الحق -سبحانه وتعالى- قوله: (وَلاَ ذِمَّةً) (التوبة: 8).

والذمة هي الوفاء بالأمانة التي ليس عليها إيصال ولا شهود، فإذا اقترض واحد مبلغاً من شخص آخر إيصالاً عليه بذلك المبلغ، فهذا الإيصال هو الضامن للسداد، وكذلك إن كان هناك شهود فشهادتهم تضمن الحق لصاحبه.

ولكن إن لم يكن هناك إيصال ولا شهود، يصبح الأمر موكولاً إلى ذمة المقترض؛ إن شاء هذا المدين اعترف بالقرض، وإن شاء أنكره، وهناك ذمة أخرى هي التي بينك وبين نفسك، والمثال على ذلك قد تعاهد نفسك بأن تعطي فلاناً كل شهر مبلغاً من المال، وهذا أمر ليس فيه عهد مكتوب أو شهود لكنه متروك لذمتك، إن شئت فعلته، وإن شئت لم تفعله.

وما في الذمة -إذن- هو شيء إنْ لم تفعله تُفضَح، مثال ذلك: أن تقرر بينك وبين نفسك أن تساعد أسرة ما، وهذا أمر خاضع لإرادتك، فلا عهد يجبرك على ذلك ولا قرابة ولا جوار، لا شيء إلا ذمتك، ولذلك فأنت تراعي الوفاء بما وعدت نفسك به لتحافظ على سمعتك ورؤية الغير لك.

وكذلك أيضاً حين تأخذ ديناً بلا إيصال منك أو شهود عليك، ولكنك تحرص على أن ترده لأنه في ذمتك.

(كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة: 8).

وهكذا نعرف أن "كيف" هنا تعجب من أن يكون للمشركين الآن أو في المستقبل عهد لأنهم يحترفون نقض العهود ولو تمكنوا من المؤمنين فهم ينكلون بهم أبشع تنكيل دون مراعاة لأي اعتبار، وقد يقول قائل: إنهم معنا على أحسن ما يكون؛ بشاشة وجه وحسن استقبال إلى آخره، فكيف إذا تمكنوا منا انقلبوا إلى وحوش لا ترحم؟

ونقول: إن الله -سبحانه وتعالى- يعلم ما يظهر وما يخفى، وقد علم ما يدور في خواطر المؤمنين فرد عليهم حتى لا يترك هذه الأشياء معلقة داخل نفوسهم، ولذلك يريد -سبحانه وتعالى- على هذا الخاطر: (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة: 8).

أي أن الله عز وجل ينبه المؤمنين ويحضهم ألا يصدقوا الصورة التي يرونها أمامهم من المشركين؛ لأنها ليست الحقيقة، بل هو خداع ونفاق؛ فهم يقولون القول الحسن، ويقابلونك بوجه بشوش وألفاظ ناعمة، لكن قلوبهم مليئة بالحقد عليكم أيها المسلمون بحيث إذا تمكنوا منكم تظهر مشاعرهم الحقيقية من البغض الشديد والعداوة، ولا يرقبون فيكم إلاّ ولا ذمّة.

فإذا قال الله -سبحانه وتعالى-: (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ) (التوبة: 8).

فعلى المؤمنين أن يصدقوا ما جاء من الحق، ويكتشفوا أن اللسان الحلو وحسن الاستقبال ليس إلا خداع، من هؤلاء الأعداء، وهو -سبحانه- بهذا الكشف إنما يعطينا مناعة بألاَّ ننخدع بما نراه على وجوههم؛ فهذا مجرد أمر استقبالي، لا يمثل ماضياً أو حاضراً، وحين يبرم -سبحانه وتعالى- أمراً استقبالياً فهو يخبر به عباده المؤمنين، ولذلك نجده -سبحانه وتعالى- يرد بنفس الأسلوب على هذه الخواطر والمثال: في قوله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا) (التوبة: 28).

والبلاغ هنا نهي عن دخول المشركين المسجد الحرام أو اقترابهم منه، ومن الطبيعي أن تدور الخواطر هنا في نفوس عدد من المؤمنين الذين يستفيدون من المشركين في مواسم الحج، لأنهم أمة تعيش على اقتصاد الحج، حيث يبيعون السلع لهؤلاء القوم ليكسبوا قوت العام، فإذا ما تم منع المشركين من الحج أو الاقتراب من المسجد الحرام، فمن أين يأتي الرزق الذي يحصلون عليه من البيع لهم؟

ولابد أن يفكر المؤمنون: من أين سنأكل؟

نحن نحضر بضاعتنا وننتظر طوال الموسم حتى الحج؛ فإذا نقص عدد الحجاج فلمن نبيع؟

فيرد الله -سبحانه وتعالى- على هذه الخواطر بقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ) (التوبة: 28).

أي لا تخافوا الفقر، لأن الله يعلم ما سوف يحدث، والله هو الغني وعنده مفاتيح كل شيء وسوف يغنيكم من فضله ويفتح لكم باب الرزق مما يعوضكم وزيادة.

وهكذا يرد الله -سبحانه وتعالى- على الخواطر التي تدور في نفس المؤمن ساعة نزول القرآن؛ حتى تطمئن قلوب ونفوس المؤمنين فيقول عز وجل: (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة: 8).

وفي هذا القول رد على الخواطر التي دارت في نفوس المؤمنين؛ وهم يرون المشركين يستقبلونهم بألفاظ ناعمة ووجوه تملؤها البشاشة، فأوضح لهم الحق -سبحانه وتعالى-: لا تنخدعوا فما في القلوب عكس ما هو على الوجوه.

وقوله تعالى: (وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة: 8).

يبين أنهم بعيدون عن المنهج، فالفسق هو الخروج عن الطاعة، وهل الكافر والمنافق له طاعة؟

نقول: إنك إن نظرت لهؤلاء تجدهم خارجين حتى عن المنهج الذي اتخذوه لأنفسهم؛ فهم لا يلتزمون بمنهج الباطل الذي يعتنقونه، إذن فهم فاسقون حتى في المنهج الذي ينتسبون إليه، فإذا كانوا كذلك مع منهج الباطل، فكيف بهم مع منهج الحق؟

وقوله تعالى: (وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) يوضح بأنه قد تكون هناك قلة ملتزمة، وهذا احتياط قرآني جميل، كما أنها ردت على السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن أن هؤلاء كافرون - وليس بعد الكفر ذنب - فكيف يقال إنَّهم فاسقون أي عاصون أو خارجون عن الطاعة وهم غير مؤمنين أصلاً؟

نقول: إنهم خارجون حتى عن مناهج الكفر التي اختاروها لأنفسهم، ولذلك يبين الله -سبحانه وتعالى- وضعهم حين يقول: (ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً...).



سورة التوبة الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49192
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 006-010   سورة التوبة الآيات من 006-010 Emptyالإثنين 02 سبتمبر 2019, 9:41 pm

اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهكذا يرينا الله عز وجل انقلاب المعايير عندهم، فما الشراء؟

الشراء هو: الحصول على سلعة مقابل ثمن، فإذا قلت: اشتريت ساعة مثلاً.

تكون أنت المشتري ما دمت تدفع الثمن، والذي أخذ الثمن هو البائع، وهنا يقول الحق تبارك وتعالى: (ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (التوبة: 9).

وكان المفروض -إذن- أن يكونوا قد دفعوا الثمن، لأن المشتري هو الذي يدفع الثمن، ولكن هنا عُكست القضية؛ فجعل الحق -سبحانه وتعالى- الثمن هو ما يشترونه، مع أن الثمن هو الذي يُدْفَع، فتكون القضية مخالفة لواقع البيع والشراء، والذي يجب أن نلاحظه أيضاً هو أن الثمن يساوي السلعة.

فأنت تأخذ السلعة وتعطي للبائع ثمناً يساويها، لأن ثمن كل شيء يجب أن يكون مناسباً له، فإذا اشتريت شيئاً بسيطاً دفعت له ثمناً بسيطاً، وإذا اشتريت شيئاً ثميناً دفعت فيه ثمناً غالياً.

هذا كله ملحوظ حتى في الأعمال، وقد تكون ممن يرغبون في مشاكسة الغير، وقد تجد من يشاكس غيره؛ يطلب من أحد أتباعه أن يسب فلاناً ويعطيه عشرة جنيهات، فإذا أراد أن يجعل التابع يضرب خصمه، يقول له: اضرب وأعطيك خمسين، وإن أراد أن يقتل التابع خصمه فهو يعطيه الألوف من الجنيهات، وغالباً ما يقول هؤلاء الذين بلا إيمان: كل ذمة قابلة للانصهار بالذهب، لكن المختلف قيمة هو الكمية التي تصهر أي ذمة، فهناك من تنصهر ذمته بريال، وآخر تنصهر ذمته بعشرين أو ثلاثين، وهناك من تنصهر ذمته بملايين.

ويلفتنا الحق -سبحانه وتعالى- إلى أن هؤلاء الكفار قد حوّلوا الإيمان إلى سلعة تباع وتشترى، فهم قد باعوا إيمانهم، وبدلاً من أن يتقاضوا عنه ما يساوي الإيمان والإيمان أغلى من كنوز الدنيا كلها؛ باعوا إيمانهم بثمن قليل، أي أنهم حتى لم يقدروا قيمة الإيمان فباعوه رخيصاً.

كيف باعوا الإيمان بثمن رخيص؟

نقول مثلاً: إن الذي يرتشي يفعل ذلك ويريد أن يعوجّ ميزان الحق، والذي يغير ميزان الحق يشكك الناس في العدالة، وإذا شك الناس في العدالة؛ فقدوا سندهم الأمني؛ لأن كل مظلوم أمله أن يرفع الأمر للقضاء فينصفه، أو أن يرفع أمره للمسئول فيعطيه حقه، فإذا أحس الناس بأن الحق قد ضاع نتيجة أنه أصبح هناك ثمن للإيمان.

وإن دفع اختلت الموازين، في هذه الحالة يفسد المجتمع كله، فكأنهم باعوا فساد المجتمع كله بثمن قليل جداً.

كما أن الحق -سبحانه وتعالى- يريد أن يلفتنا إلى الحساب يوم القيامة؛ وكيف أن المؤمنين سيخلدون في الجنة وينعمون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وسيدخل هؤلاء الكافرون النار وبذلك يكونون قد باعوا إيمانهم مقابل ثمن رخيص مهما كان المال الذي سيحصلون عليه؛ لأن مال الدنيا كلها لا يساوي يوماً في الجنة؛ لأن الدنيا موقوتة بزمن، ومتاعها محدود وقليل، فكأنهم باعوا الخلود في النعيم بمتعة وقتية قد لا تستمر إلاَّ أياماً أو سنوات.

وحينئذ يعرف الكافرون أن الثمن الذي تقاضوه قليل جداً بالنسبة لما خسروه.

وليتهم جعلوا الإيمان ثمناً يدفعونه للحصول على متاع قليل في الدنيا، ولكنهم زادوا على ذلك أنهم صدوا عن سبيل الله.

ولذلك يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ) (التوبة: 9).

والصد يحدث حين تكون هناك دعوة معروضة بأدلتها فتمنع الناس من أن يستمعوا إليها، لأنك تعرف أنهم لو سمعوها لاعتنقوها واقتنعوا بها، ولذلك نجد الكفار مثلاً حين نزل القرآن والعرب أمة بلاغة وأمة بيان؛ عرفوا أنه لو سمع الناس القرآن لأحسوا بإعجازه وبلاغته وحلاوته ولآمنوا به، ولذلك يقول الحق -سبحانه وتعالى- على ألسنتهم في القرآن: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون) (فصلت: 26).

لأن الكفار يعرفون أن الناس لو استمعوا للقرآن لآمنوا به، ولذلك فهم ينهونهم عن السماع، وإن قرأ أحد القرآن يأمرون بعضهم البعض باللغو فيه حتى لا يفهم شيئاً، وهذه شهادة من الكفار بأن الآذان لو استقبلت القرآن لآمنت، واللغو هو نوع من الصد عن سبيل الله، وكان هناك نوع آخر من الصد عن سبيل الله أنهم كانوا يمنعون الناس من الاستماع إلى دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأنهم يعرفون أن حلاوة الدعوة ستجعل من يستمع إلى دعوة الرسول يؤمن بها.

ولذلك فهم يصدون الناس عن كلام الله تعالى وعن الاستماع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا يقولون لأهل الحجيج: لا تصدقوا الرجل الذي يقول إنه نبي، وهذه شهادة منهم أن الآذان لو استقبلت القرآن لسحبت أفئدتهم إلى الإيمان، وهذه شهادة ضدهم وليست لهم؛ لأنهم واثقون أن سماع الحجيج لدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستبعدهم عن الكفر؛ لذلك كانوا يخافون من أن يتأثر الناس بهذا الدين الذي هو دين الحق فيؤمنوا به وهذا ما جعلهم يصدونهم عنه.

ثم يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (التوبة: 9).

وساء أي قبح، وليس هو قبح الآن فقط، ولكنه قبح حالياً وعظمت العقوبة عليه مستقبلاً.

وقوله تعالى: (إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (التوبة: 9).

يرينا دقة القرآن الكريم في أن السيىء منهم ليس عملاً واحداً ولكنه أعمال متعددة؛ قول وفعل، أي هم يصدون الناس بالكلام ويمنعونهم باستخدام القوة في بعض الأحيان.

وباستخدام الحق لكلمة "يعملون"؛ يلفتنا إلى أن أعمالهم ليست قولاً وليست فعلاً فقط، فهناك القول وهناك الفعل وكلاهما عمل؛ القول عمل اللسان، والفعل عمل الجوارح.

فلو قال الحق: ساء ما كانوا يفعلون، لقلنا فعلوا ولم يقولوا.

ولو قال: ساء ما كانوا يقولون، لقلنا: قالوا ولم يفعلوا.

و-سبحانه- أوضح لنا أن القول والفعل كلاهما عمل، وقال -سبحانه-: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2).

ليبين لنا أن هناك فرقاً بين القول والفعل؛ القول أداته اللسان، والفعل أداته بقية الجوارح، والمعنى في قوله تعالى: (إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) أي ساء قولهم وفعلهم.

ويتابع المولى -سبحانه وتعالى- فيقول: (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً...).



سورة التوبة الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49192
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 006-010   سورة التوبة الآيات من 006-010 Emptyالإثنين 02 سبتمبر 2019, 9:42 pm

لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ومن لا يرقب إلاّ ولا ذمة في غيره إنما يظلمه، فإذا كان بيني وبينك قرابة، أو عهد، أو إيمان، فإن لم تراع ذلك تكون قد اعتديت على حقوقي عندك، وليتك قد اقتصرت في الاعتداء على حقوق الغير، لكنك -أيضاً- اعتديت على نفسك، لأنك أعطيتها متاعاً قليلاً في الدنيا، وتصلى في الآخرة ناراً، إذن فقد ظلمت نفسك.

ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ) (آل عمران: 135).

ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (النحل: 118).

وأليس الذي فعل فاحشة، يظلم نفسه؟

بلى، ظلمها في الآخرة بعد أن أعطاها شهوة في الدنيا، أي أنه أخذ متعة عاجلة بعذاب آجل.

لكن الذي يظلم نفسه ظلماً شديداً وبيِّناً هو الذي يرتكب إثماً دون أن يأخذ متعة في الدنيا، فلا هو أخذ متعة دنيا ولا أخذ متعة آخرة، مثل الذي يتطوع لشهادة الزور، هو يأخذ عذاباً في الآخرة ولم يأخذ متعة في الدنيا.

وقد يقول قائل: إن هذه الآية مكررة لأن الله تعالى قال من قبل: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) (التوبة: 8).

ونقول: إن الموضوع يختلف، ففي الآية الثامنة من سورة التوبة يبين الحق أنهم إن تمكنوا من المؤمنين فلن يراعوا قرابة ولا جواراً ولا حلفاً، وإن أظهروا عكس ذلك.

أما في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها فهم يظلمون أنفسهم ويبيعون إيمانهم بثمن قليل، وهناك فرق بين ظلم الغير وظلم النفس.

وهم في صدهم عن سبيل الله تعالى وعدوانهم على المؤمنين، لم يحصلوا على فائدة دنيوية، بل حاربوا الإيمان وحاربوا الدين فأخذوا الإثم ولم يستفيدوا شيئاً، فكأنهم لا يرقبون إلاّ ولا ذمة حتى مع أنفسهم.

ولذلك وصفهم الحق -سبحانه وتعالى- بأنهم هم المعتدون، لأنهم دون أن يُعتدى عليهم تطوعوا بالعدوان على دين الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المؤمنين ثم قاموا بالعدوان على أنفسهم.

ومن بعد ذلك تأتي رحمة الله لترينا كيف أن الله تعالى رحيم بعباده وخلقه، فالحق -سبحانه وتعالى- يخبرنا بأنهم مهما فعلوا فإنهم إن تابوا يقبل الله توبتهم، لذلك يقول الحق جل جلاله: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ...).



سورة التوبة الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة التوبة الآيات من 006-010
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة التوبة الآيات من 051-055
» سورة التوبة الآيات من 056-060
» سورة التوبة الآيات من 061-065
» سورة التوبة الآيات من 066-070
» سورة التوبة الآيات من 071-075

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: التوبة-
انتقل الى: