مغالاة الطبيب في الأجرة Busine10
مغالاة الطبيب في الأجرة
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
غـفـــر الله له ولوالديه وللمسلمين

السؤال
الملخص:
فتاة تشكو من ارتفاع أجرة الطبيب في عملية أجْرَاها لها، وتشكو مِن عدم مصارحتِه لها في بعض الأمور المتعلِّقة بإجراء العملية.

التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أُصبتُ منذ فترة بتعبٍ في ركبتي، فراجعتُ الأطباء في بلدي فلم يَعرفوا مشكلتي، ولم يَجدوا أي حلٍّ، وزاد التعب حتى لم أعدْ أستطيع المشي، وسمعتُ عن طبيب ماهر في بلد آخر، فاقترضتُ مبلغًا مِن المال وسافرتُ إليه، فأشار عليَّ الطبيب بإجراء عملية في ركبتي، ووجدتُ التكلفة كبيرة جدًّا، فاقترضتُ مرةً أخرى وأجريتُ العملية ونَجَحَتْ بفضل الله.

فوجئت أن العملية لم تستغرقْ سوى خمس وأربعين دقيقة! فتعجبتُ من هذا المبلغ الكبير الذي طلبه الطبيب، فقد أخذ مني أجرة يده فقط 3000 $، ثم هو يجري في اليوم عمليتين، ومعنى هذا أنه يأخذ أجرة يده في اليوم الواحد تقريبًا 6000 $، فهل سيُحاسبه الله يوم القيامة على هذا المبلغ الكبير الذي يتقاضاه في وقت قليل جدًّا؟! صحيح أن كل شيء بالاتفاق، لكني كنتُ مُجبَرة على إجراء العملية، وأعطيتُه المبلغ عن غير طيب نفس منِّي!

مشكلتي الثانية هي:
أن العملية كانتْ للرُّكبتين، ولم أكن أعلم أنهم سيرفعون ثيابي إلى منتصف البطن، وقد طلبتُ مِن الطبيب قبل العملية أن يُعطيني بنجًا نصفيًّا فرفَض، وقال: إن البنج النصفي يسبِّب إحراجًا للنساء، ولم يوضِّح لي أكثر من ذلك، وقد اعتقدتُ أنه يقصد أنَّ الإحراج بسبب طريقة إعطاء البنج النصفي، لكن بعد خروجي من العملية أخبرني أهلي أن العملية تمَّت تحت تأثير البنج الكلي كي أكون مخدَّرة تمامًا ولا أعترض على رفع الثوب إلى منتصف البطن.

فوجئتُ بهذا الخبر، وحزنتُ جدًّا رغم أني أعلم أن الله سيغفر لي؛ إذ لم أكُنْ أعلم بهذا، فهل سيُحاسبهم الله لأنهم لم يوضِّحوا لي الأمر؟ وأليس من واجب الطبيب أن يشرح للمريض عن المناطق التي سيَكشفها؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

أما بعدُ:
فحمدًا لله على سلامتك أيتها الابنة الكريمة، وأسأل الله أن يُلبسك ثوب الصحة والعافية، وأن يتمَّ نعمته عليك.

مِن شروط صحة عقد الإجارة أن تكون الأجرة معلومة؛ لما أخرجه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استِئجار الأجير حتى يبيِّن له أَجره، وفي رواية للنسائي: ((إذا استأجرتَ أجيرًا فأعلمه أجره))، فلا بدَّ من تحديد المنفعة، وتحديد الأجرة على أساس سعر السوق العلاجي.

وقد ذهب إلى اشتراط ذلك جمهورُ الفقهاء، ويكفي في ذلك أن تجري العادة والعرف بأجرٍ في مثل ذلك العمل.

قال المرداوي في الإنصاف:
وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ليَعملاه ولهما عادة بأُجرة صحَّ، ولهما ذلك، وكذا لو استعمل حمالًا أو شاهِدًا أو نحوه، قال في القواعد: وكالمكاري والحجام والدلال ونحوهم؛ ا.هـ.

والذي يظهر من رسالتك سلَّمك الله أن الطبيب قد أخبرك بأجرته قبل إجراء الجراحة، وأنه تم بالتراضي بينكما، فلا يضر كونه قليلًا أو كثيرًا، ولا يحرم على الطبيب ما تظنِّين أنه زيادة أو مبالغة في الأجر.

أما مسألة المغالاة في أجر العملية، فلا أستطيع أن أجزم أو أن أنفي، فكل مهنة ولها عرفها الخاص ولها مخاطرها التي تضاف للأجر، كما أن للخبرة والمهارة دورًا في تحديد الأجر، وذلك ما أنفقه الطبيب على تعليمه، وإن كان كل هذا لا يمنع من الرِّفق بالمرضى، فأكثر الناس لا يمكنه دفع نفقات العلاج إلا بشقِّ الأنفس فيستدين كما حصل معك، أخلف الله عليك وعلى أسرتك.

والشريعة الإسلامية مليئة بالنصوص الحاثة على الرِّفق والرحمة، والوعد بالأجر الجزيل والمثوبة عند الله عز وجل لمن رفق بإخوانه المسلمين.

ففي الصحيحين من حديث عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يُحب الرفق في الأمر كله))، وعنها أنه قال: ((إن الله رفيق يُحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)).

وعنها أيضًا قالتْ:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق))؛ رواه أحمدُ وصححه الألباني.

وكذلك نصوص في الرحمة والعفو أكثر من أن تُحصر؛ كما في الحديث: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم مَن في السماء))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وقال كما في صحيح البخاري: ((وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)).

أما مسألة التكشُّف اثناء إجراء الجراحة، فالذي يظهر من ثقافتك أنكِ تعلَمين جواز ظهور العورة أمام الرجال مِن أجل التداوي، ما دام لا توجد امرأة ماهرة في هذا التخصص، فلا تَحملي على نفسك باللوم والتأنيب.

وأما الأطباء فيجب عليهم حقًّا أن يُخبروا المرضى بكل شيء لينظر لنفسه، وليشترط ما يراه مناسبًا، ولا شكَّ أن كل مَن تعمَّد إخفاء شيء عن المريض بغير مصلحة، أو تهاون في عدم ستر الناس أنَّ أمره إلى الله، فالحساب بمثاقيل الذرِّ، وأشد الحساب ما تعلق بأداء الأمانة.

أسأل الله أن يتمَّ شفاءك، وأن يرفع عن المسلمين ما حلَّ بهم من بلاء، وأن يحفظ بلاد المسلمين

المصدر:
موقع ومنتدى الألوكة
جزاهم الله خيراً

رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/113169/#ixzz5vk6pcbYA