منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الأنعام الآيات من 091-095

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الأنعام الآيات من 091-095   سورة الأنعام الآيات من 091-095 Emptyالإثنين 29 يوليو 2019, 7:39 am

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [٩١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الكلام عن الذين رفضوا وتأبّوا عن الإيمان بالله.      

فيأتي الأمر للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يوضح لهم بأنهم لم يعطوا الله حق قدره، ومعنى القدْر معرفة المقدار، وحق قدره سبحانه لا نقدر عليه نحن البشر، لذلك نقدره على قدر طاقتنا أو على قدر ما طلب منا، وكما قال رسول الله: سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

والإنسان منا حين يثني على واحد فهذا دليل أنه قد قيّم قدره بقيمة الثناء، وحين نقيّم قدر الله فعلينا أن نعرف أن صفات الكمال كلها فيه وهي لا تتناهى ولا يمكن أن تحصى.      

ومن رحمة الحق سبحانه وتعالى أنه تحمَّل عنا صيغة الثناء عليه: كي لا يوقعنا في حرج، فليس لبشر من قُدرة أن يحيط بجمال الله أو بجلاله حتى يثني عليه بما يستحقه، وإن أحاط عبد بذلك -ولن يحيط- فمن أين له العبارة التي تؤدي هذا الثناء؟ ولا يوجد بليغ أو أديب يستطيع أن ينمق العبارات التي تكفي لتقدير هذا الثناء على الله، فأوضح لنا الحق من خلال رسوله: أنا حملت عنكم هذه المسألة حتى تكونوا كلكم سواسية، قال رسول الله: سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

وفي كلمة "الحمد لله" وحدها يتساوى الناس جميعاً.      

ومن رحمته سبحانه أن سوّى بين الناس في معرفة صيغة الثناء عليه.      

ويأتي الحق هنا بالزاوية التي نفى فيها أنهم ما قدروا الله حق قدره.      

لماذا ياربِّ لم يقدروك حق قدرك؟ وتأتي الإجابة: (إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) [الأنعام: 91].      

أي أنهم أنكروا أن يكون الله قد اختار من بعض خلقه مَن يجعلهم أهلاً لتلقِّي منهجه لإبلاغه إلى خلقه.      

ويأتي الرد من الحق لرسوله رداً عليهم: (قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ) [الأنعام: 91].      

إذن لابد أن يكون القائلون هذا يؤمنون بأن موسى نُزِّل عليه كتاب لتكون الحُجَّة في موضعها.      

وكُفار مكة كانوا غير مؤمنين بأي رسول، لكنهم يعلمون أن هناك من هم أهل كتاب، بدليل أنهم قالوا: (لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ) [الأنعام: 157].      

ونقول: لو دققت النظر في السورة فقد ينطبق الأمر على واحد مخصوص من الذين غلبتهم الحُجّة.      

وفي تاريخ السيرة نجد واحداً من الأحبار كان دائب الخوض في الإسلام، وكان اسمه "مالك بن الصيف" فلقيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.      

والحَبْر هو عالم اليهود والمفترض فيه أن يكون من الزهاد فيهم منقطعاً للعلم إلا أنه كان سميناً على الرغم من أن من عادة المنقطعين للعبادة وإلى العلم أنهم لا يأخذون من الزاد إلا ما يقيت، ويقُيم الأود لأنه قد جاء في التوراة: "إن الله يبغض الحبْر السّمين".

فلما علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مالك بن الصيف -وهو من أحبار اليهود- يخوض كثيراً في الإسلام قال له: أفي توراتكم: "إن الله يبغض الحَبْر السّمين" فبُهِتَ الرجل، وقال: "ما أنزل الله على بشر من شيء".

يعني ما أنزل الله على بشرٍ من شيء من الذي أنت تقوله، وهكذا نعلم أن مثل هذا القول قد يأتي من أهل كتاب، وحين قال مالك هذه القولة قام عليه رجال من اليهود وقالوا له: كيف تقول: "ما أنزل الله على بشرٍ من شيء" فقال لهم: أغضبني محمد، فرددت على الغضب بباطل.       وهنا قال مَنْ سمعه من اليهود: إذن أنت لا تصلح أن تكون حبْراً لأنك فضحتنا.      

وعزلوه، وجاءوا بكعب بن الأشرف وولّوه مكانه.      

(قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام: 91].      

الكتاب إذن هنا هو الكتاب الذي أنزله الله على موسى وهو التوراة وقد جعلوه قراطيس، أو جعلوه أوراقاً منفصلة يظهرون منها ما يُريدون، ويخفون منها ما لا يُريدون مثلما فعلوا في مسألة الرّجم كعقاب للزّنا.      

إذن فقد سبق لهم كتمان ما أنزل الله عليهم، وبيّن الحق ذلك في آيات متعددة: (فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ) [المائدة: 14].      

والذي لم ينسوه كَتَموا بعضه وأظهروا بعضه، والذي لم يكتموه حرَّفوا ولووا به ألسنتهم، إذن فهناك نسيان، وكتمان، وتحريف.

وليتهم اقتصروا على هذا ووقفوا عنده بل جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا هي من عند الله: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة: 79].      

ويتابع الحق سبحانه: (وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام: 91].      

فإن كان الكلام في كُفار مكة فقد جاءهم القرآن بما لم يعلموا لا هم ولا آبائهم؛ لأن الإسلام جاء على فترة من الرسل.      

وإن كان في أهل الكتاب فهو قول صدق؛ لأنهم لما كتموا أشياء فضح القرآن ما كتموه وما حرفوه.      

وجاء القرآن فعدل لهم، فكأنهم عُلِّموا الحق، لينسخوا به الباطل الذي غيّروه وحرفوه، وقوله الحق: (قُلِ ٱللَّهُ) أي أن الذي أنزل الكتاب هو الله.      

وساعة يأتي الحق سبحانه وتعالى بصيغة الاستفهام نعلم أن الاستفهام الحقيقي بالنسبة لله مُحَال، لأنه يعلم كل شيء، وإنما يجيء باستفهام يقال له: "الاستفهام الإنكاري" أو "الاستفهام التقريري" وهو يأتي بهذه الصيغة لأنه يريد جواباً فيه الإقرار من المعاندين، فإن لم يقولوا واحتاروا أو خجلوا أن يقولوا فقل أنت لهم يا محمد: (قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام: 91].      

و"الخوض" هو الدخول في الماء الكثير، الذي لا تستبين العين فيه موضع القدم، وربما نزل في هوّة، ثم استعمل واستعير للخوض في الباطل.      

والحق سبحانه وتعالى يقول: (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) أي أن هذا لعب منهم ولن يستطيع الصمود أمام الدعوة، فالدعوة سائرة في طريقها، ولن يتمكنوا منها أبداً، فكل الذي يصنعونه هو خوض في باطل ولعب لا جدوى منه ولا صلة له بالجد.      

ولكن هل معنى هذا أن يتركهم محمد؟ لا؛ لأنه حين يجد آذانا منهم ينبههم ويذكّرهم، ثم بعد أن ينفتح الأمر للإسلام، فالذي يقيم في جزيرة العرب لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف؛ لأن المعجزة جاءت مباشرة بقرآن يعلم الكل إعجازه، وسبحانه قد أنزل التوراة من قبل وأنزل القرآن مباركا، فالحق يقول بعد ذلك: (وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ...).



سورة الأنعام الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 091-095   سورة الأنعام الآيات من 091-095 Emptyالإثنين 29 يوليو 2019, 7:40 am

وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [٩٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة "أنزلنا" الأصل فيها نون وزاي ولام، وتستعمل بالنسبة للقرآن استعمالات متعددة؛ فمرة يقول سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ) [القدر: 1].      

ومرة يقول عز وجل: (وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) [الإسراء: 106].

ومرة يسند النزول للقرآن: (وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء: 105].      

ومرة يسند إلى من جاء به: (نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ) [الشعراء: 193].      

هذه إذن تعابير متعددة، وما دواعي هذا الاشتقاق ونحن نعلم أن القرآن لم ينزل جملة واحدة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا من اللوح المحفوظ ليباشر القرآن مهمته في الوجود الجديد، وكان ينزل كل نجم من النجوم حسب الأحداث.      

و "أنزل" هنا للتعدية أي نقل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ليباشر مهمته، ولذلك يقول سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ) [القدر: 1].      

ونعلم أن القرآن نزل في ليلة القدر وفي غير ليلة القدر، ولكنه نزل في ليلة القدر جميعه إلى سماء الدنيا، ثم نزل منجماً ومفصّلا في بقية أيام الثلاث والعشرين سنة التي عاشها -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول الوحي، فإذا ما أراد أنه أنزله من اللوح المحفوظ يأتي بـ "همزة التعدية" وإذا أراد النزول والموالاة يقول: "نزّل" لأن فيها التتابع، وإذا نسبه لمن نزل به يأتي بـ "نَزَل" لأن القرآن لم ينزل وحده بل نَزَل به الروح الأمين، إذن فكلها مُلتقية في أن القرآن نَزَل أو أنزِل، أو نُزِّل.      

وكلمة "نَزَل" تعطينا لمحة، وهو أنه جاء من أعلى، ويستقبله الأدنى.       وساعة يطلب الحق منا أن ننصت لإنزال حكم يقول لنا عز وجل: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: 151].      

ومعنى "تَعالَوّا" أي ارتفعوا؛ لأننا نعيش على الأرض، وإياكم أن تشرّع الأرض لكم؛ لأن تشريع الأرض إذا لم يكن في ضوء منهج الله فهو حضيض.      

والله يريد تشريعاً عالياً، ولابد لكم من أن تتلقوا من السماء أحكامكم؛ حتى لا تتيهوا ولا تضلوا في باطل تشريعات لا تدور في إطار منهج الله.      

والحق يقول هنا: (وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) وهو قول صادق يصدق على القرآن فقط برغم أن كل الكتب السماوية السابقة كانت كتب منهج، وكانت المعجزة منفصلة عن المنهج؛ فمعجزة موسى عليه السلام -كما نعرف- هي العصا، ومنهجه التوراة، وعيسى عليه السلام معجزته إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ومنهجه الإنجيل.      

لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تميّز بأن معجزته عين منهجه، لأن كل دين من الأديان السابقة كان لزمن محدود، في مكان محدود.      

وجاء -صلى الله عليه وسلم- بالدين الجامع المانع، لذلك جاءت المعجزة هي المنهج، فلو أن معجزته -صلى الله عليه وسلم- كانت من جنس معجزات السابقين؛ أي كانت كونية مرئية لانتهت.      

ونحن لم نصدق معجزات الأنبياء السابقين إلا لأن القرآن قالها وصارت خبراً، وكل منها تليق بالزمن المحدود والمكان المحدود.      

لكن الإسلام جاء ليعم كل الأزمنة وكل الأمكنة، ولذلك لزم أن تكون المعجزة مستصحبة للمنهج؛ حتى يستطيع من يأتي بعد عصر النبوة إلى قيام الساعة أن يقول: مُحمد رسول الله وتلك معجزته.      

والقرآن مُبارك، ونحن في أعرافنا حين نتكلم بالعامية نأتي بالكلمة التي هي من نفْح ونضح الاستعمالات الفصيحة التي سمعناها، فنجد من يقول: "والله هذا الأكل فيه بركة؛ فهو مصنوع لاثنين وأكل منه أربعة وفاض وزاد".      

إذن، "البركة" أن يعطي الشيء أكبر من حجمه المنظور.      

وبركة القرآن غالبة ومهيمنة، ولو قاس كل إنسان حجم القرآن بحجم الكتب الأخرى لوجد حجم القرآن أقل، ومع ذلك فيه من الخير والبر والبركات والتشريعات والمعجزات والأسرار ما تضيق به الكتب، ونجد من يؤلف ويفسر في أجزاء متعددة، ومع ذلك ما استطاع واحد أن يصل إلى حقيقة المراد من الله؛ لأن القرآن لو جاء وأفرغ عطاءه في القرن الذي عاش فيه الرسول فقل لي بالله: كيف تستقبله القرون الأخرى؟! إنه يكون استقبالا خاليا من العناية به لأنه سيكون كلاماً مكرراً.      

إذن فقد بيّن فيه كل شيء ومنه أخذ كل إنسان وزمان قدر ذهنه، ولو أن القرآن يراد تفسيره لما فسّره أحد غير من انفعل له نزولاً عليه وهو سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيستطيع واحد بعد ذلك أن يقول شيئا في التفسير؟! إذن لو فسره الرسول -صلى الله عليه وسلم- لجمّده لأنه لا يجرؤ أحد أن يأتي بتفسير بعد الرسول.      

وقد علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن عطاءات القرآن لا تتناهى، لذلك لم يفسّره.      

بل أوضح بما تطيقه العقول المعاصرة حتى لا ينصرفوا عنه.      

ولو كان القرآن قال: إن الأرض كرة وتدور حول الشمس، أكان يصدقه أحد؟ إن هناك حتى الآن من ينكر ذلك.      

ونجد القرآن يشير ويلمح إليها إلماحا خفيفاً إلى أن تتسع العقول لها.

فيقول الحق: (يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ) [الزمر: 5].      

وما دام الليل يأتي وراء النهار، والنهار يأتي وراء الليل في شبه كرة؛ فالذي يأتي عليه الليل والنهار شكل الكرة.      

فكأن كلاً من الليل والنهار دائر وراء الآخر حول كرة، إذن فالحق يعطي اللمحة بميزان حتى تتسع العقول للفهم.      

ويقول القرآن: (قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ) [البقرة: 142].      

وهذا قول واضح؛ لأن كل واحد منا يعرف المشرق والمغرب.      

لكن حين يقول الحق: (رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن: 17].      

أكان يفهمها المعاصر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ نعم، لأنه ساعة ما يقول: إن الشمس أشرقت من المكان الفلاني، وغابت عن مكان آخر، فساعة شروقها عندك تغرب عندي، وساعة تغرب عندك تشرق عندي، وهكذا يصير كل مشرق معه مغرب، إذن فقد صدق قول الله (رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ).      

ونعلم أن الشمس لها مشرق كل يوم، ومن زار في الصعيد المعبد الذي توجد به 365 طاقة -فتحة- وتطلع الشمس في كل يوم من طاقة معينة ولا تطلع من الطاقات الأخرى يتأكد من أن الشمس لها في كل يوم مشرق.      

إذن هناك مشارق ومغارب، وصدق الله القائل: رب المشارق والمغارب.      

إن القرآن يخاطبنا بأسلوب يحتمله العقل المعاصر، وإذا ما جدّ جديد نجد الأمر مكنوزاً في القرآن، ونجد تأويلا جديداً لا ينسخ التأويل الآخر ولكنه يرتقي به.      

إذن فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يشأ أن يفسر القرآن التفسير الكامل؛ لأنه كان لابد أن يفسّره بما تطيقه العقول المعاصرة له، وإن فسّره بما تطيقه العقول المعاصرة له فمعنى ذلك أنه لن يعطي العقول التي تأتي بعد غذاء من القرآن؛ لذلك ترك -صلى الله عليه وسلم- القرآن دون تفسير إلا في النزر اليسير.      

وتجد ذلك في آيات الكون، أما في الأحكام فالأمر محدد.      

لكن في الأشياء التي يتجدد فيها العلم فقد تركها.      

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام عن القرآن: "لا تنقضي عجائبه" وكأنه يلفتنا إلى أن عجائبه لا تنقضي ولا تنتهي، وكل يوم يعطي عجائب جديدة.      

إذن فالقرآن مُبارك بحكم ما هو مكنوز فيه إلى قيام الساعة.      

وأنت تلتفت إلى الناس فتجدهم يتعبون في اكتشاف أسرار الكون، وتجد القرآن قد مسّ ما يبحثون عنه مسّاً خفيفاً.      

(وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) [الأنعام: 92].      

وساعة تقول: "بين يدي الشيء" أي الشيء الذي يسبق، والكتب السابقة هي التي نزلت بين يدي القرآن أي قبله، والمقصود بها الكتب المعروفة المشهورة وهي التوراة والإنجيل إذ هما الكتابان الباقيان إلى الآن.      

والقرآن يصدق الذي بين يديه ولا يعني ذلك تصديق المحرّف بل تصديق "الأصيل".      

ولذلك نجد عبد الله بن سلام وغيره حينما جاءوا للإسلام اعترفوا بذلك، ويقول عبد الله بن سلام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: انشرح صدري للإسلام، ولكني أعلم أن اليهود قوم بهت -أي أنهم مكابرون- فأنا أريد أن تسألهم عني قبل أن أسلم، فقال رسول الله لهم: ما تقولون في عبد الله بن سَلاَم؟ قالوا: حِبْرنا وابن حِبْرنا وشيخنا ورئيسنا... إلخ.      

فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمداً رسول الله.      

هنا بدأوا في كيل السباب لسيدنا عبدالله بن سَلاَم فقال: ألم أقل لك يا رسول الله إنهم قوم بهت؟ وقوله الحق: (مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي أنك إذا ما أردت أن تعرف صدق هذه القضية فهات ما لا حاجة لهم فيه إلى تكذيبه، وستجد القرآن قد جاء موافقاً له.      

مثال ذلك حين جاء القرآن بالرَّجْم.      

هم حاولوا أن يخففوا حكم الرَّجْم؛ لأن امرأة زنت وأرادوا أن يجاملوها.      

فرفعوا أمرها للنبي وقال بعضهم لبعض: إن حَكَم بعدم الرَّجم فهذا خير لنا ولها، ومن العجيب أنهم غير مؤمنين بمحمد بينما يريدون الحُكم منه، فيقول لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: هاتوا الكتاب، ويأتون بالصحف الموجودة عندهم، فوجدوا آية الرَّجْم؛ إذن فالقرآن مُصدق الذي بين يديه من غير المكتوم، ولا المْحرَّف، ولا المُوَّوَّل.      

وإذا ما نظرت إلى القضايا التي يلتفتون إليها، ولكنها تمر أمامهم خاطفة، تجد أنت هذه القضايا وسيلة يريد الله بها أن يكشف الفساد والكذب والتجبر، حتى لا يطمس أهل الباطل معالم الحق.      

ومثل هذه القضايا تحتاج إلى المُحقق اللّبق.      

ونجده سبحانه جاء في التوراة بمثل للأمة المحمدية، ويكرر هذا المثل في القرآن حين يقول سبحانه: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29].      

وحين ننظر إلى كلمة "أشدّاء"، وكلمة "رُحماء"، نجد في ظاهر الأمر تناقضا في الطباع، أما المدقق المحقق فيعلم من هذا القول أن الإسلام لا يطبع المسلم على لون واحد؛ لأنه يريد منه كل الألوان، فلو خلقه شديداً لفقدته مواطن الرحمة، ولو فطره وخلقه رحيماً لفقدته مواطن الشدة.      

والإسلام يطلب من المسلم الالتزام بالقيم الروحية والمادية لتحرس كل منهما الأخرى؛ لأن المسلمين لو راحوا للمادة فقط لصارت حضارتهم شرسة، ولو راحوا للقيم لما استطاعوا أن يقيموا حضارة تبقى وتدوم، والحق يريد حضارة تجمع بين الاثنين؛ الروح والمادة، لذلك يجمع الإسلام بين الاثنين؛ الروح والمادة؛ لأن اليهود في فهمهم لما افتقدت الروح، والنصرانية في فهمهم لها غرقت في الروحانيات وافتقدت المادة، وجاء القرآن مُصدقًا لما بين يديه، وهكذا جاءت الآية بالبلاغ عن أهل الكتاب.      

ويتابع البلاغ لأهل قريش قاطني مكة فيقول: (وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ)، ونعرف أن أم القرى تعني مكة، وقد حاول البعض أن يتخذ من هذه الآية حُجّة ليقول: إن القرآن قد نزل لجماعة العرب فقط، ولهؤلاء نقول: أنتم لم تحسنوا الفهم لمعطيات اللفظ، ولنسأل: ما الحَول أولاً؟.      

الحول هو المحيط الذي حول النقطة، أيّ نقطة وكل نقطة، وحول كل نقطة قُطْر وقد يكون القطر 20 كيلومترا، وقد يكون مائة كيلومتر، وكلما بعدت المساحة فهي حول هذه النقطة، إذن فكلمة الحول تشمل كل ما حوله، وحول كل مكان يشمل كل مكان.      

ولماذا سميت أم القرى؟؛ إما لأن "هاجر" لما نزلت بابنها الرضيع بوادٍ غير ذي زرع، وبعد ذلك تكاثر الناس فصارت هي أم القرى، أو لأن فيها الكعبة، وكل الناس يؤمّونها، أو لأن الحاجّ يأتيها من كل صوب كما يهب ويسرع الأبناء ويلوذون بأمهم.      

(وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [الأنعام: 92].      

من -إذن- الذي يؤمن بهذا الكتاب الذي أنزل مصدقاً لما بين يديه لينذر به أم القرى ومن حولها، ومن هم الذين يؤمنون بالآخرة؟ ولماذا جاء الربط بين أم القرى وما حولها وبين الذين يؤمنون بالآخرة؟.      

لأن أحداً لن يذهب لتعاليم القرآن ليأخذها وينفذها إلا من يؤمن بأن هناك يوماً نذهب فيه جميعاً إلى الآخرة.      

لذلك يخاف فيهرب من المعاصي، ويرغب في الطاعة؛ لأن هناك ثواباً وعقاباً، أما الذي لا يؤمن بالآخرة فلا يسمعك ولا ينصاع ولا ينقاد لك حين تأمره بالعفة؛ لأنه لا يرى ثواباً أو عقاباً ولا ينتهي عن السرقة أو الكبر أو الموبقات جميعاً؛ لأنه لا يخاف من الآخرة؟.      

إذا فالذي يملكنا جميعاً هو الآخرة والخوف منها، ومن لا يؤمن بالآخرة يقول أنا غير مُلزم بشيء، ولا شيء يقيّد حريتي.      

ثم لماذا أقيّد حريتي؟!

وهنا نقول: أنت تأخذ الأمر بسطحية، فعلى فرض أن في قوانين السماء ما يقيد حريتك، لكنه لا يقيد حريتك وحدك، إنه يقيد حرية الكل، فإن قيد حريتك بالنسبة للناس، فهذه القوانين السماوية تقيد حرية الناس بالنسبة لك، فحين ينهاك الدين عن السرقة، وعن النظر إلى محارم الغير فهو يقول للناس كلها: لا تسرقوا من فلان ولا تنظروا إلى محارم فلان، وبذلك تأخذ حقك كاملاً، وبهذا تعيش في نظام متساوٍ لا تتعب فيه؛ لأن الجاري والمطبق عليك جارٍ على غيرك مع جريانه عليك.      

لكن من يؤمنون بالآخرة هم كل واحد يريد أن ينجي نفسه من العقاب، ومن الوعيد.      

ويدخل نفسه في الوعد وفي الثواب.      

فمثلاً -ولله المثل الأعلى- حين نقول للولد: اذهب لتلقى العلم، قد يرد: أنا لا أريد شهادة، فيجبره والده في البداية أن يستذكر، ثم نجد الشاب بعد مشوار المذاكرة يخاف من الرسوب وأن عليه أن يجتهد وأن ينجح.      

أما إن لم يوجد امتحان في آخر العام فالمذاكرة وعدمها سواء لديه.      

فمن أقرب -إذن- إلى الاستجابة لنداء العدل والخير؟ إنه من يؤمن بالآخرة.      

(وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [الأنعام: 92].      

ولماذا جاء بالحفاظ على الصلاة هنا؟.      

نحن نعلم أن الصلاة، هي عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، وحين نحلل الأمر تحليلاً طبيعياً نجد أن الناس تنفر من الطاعات لأنها تأخذ زمناً يحبون أن يقضوه في اللعب، وحين نقول لواحد مثلاً: اترك عملك وصل.      

قد يرد: لا؛ لأني حين أترك عملي يضيع عليّ كذا.      

ولو كان طبيباً لذكر عددا من مرضى سيكشف عليهم، ولو كان عاملاً لقال: إن توقف الآلة في أثناء الصلاة يجعلني أخسر كثيراً.      

وهنا نقول: يا أخي تعال إلى الطاعة، والبركة تعوض لك ما تظن أنك تخسره، وإذا نظرت إلى أركان الإسلام تجدها بالنسبة لانشغال الزمن بها لا تأخذ الكثير من الوقت؛ فشهادة أن لا إله إلا الله مُحمد رسول الله لا تحتاج منك إلا إلى أن تقولها مرة واحدة، وهذا ركن لم يستغرق زمناً طويلاً بالنسبة لأدائه، والزكاة لا تأخذ منك إلا ما تعطيه يوم الحصاد، وهذا يستغرق وقتا قليلا، وكذلك زكاة المال آخر العام، والصوم شهر في السنة، وإذا كان زمن الصوم أوسع قليلاً إلا أنه وقت لا يمر إلا كل عام.      

والحج مرة في العمر إن كنت مستطيعاً.      

إذن أنت تجد التكاليف الركنية في الإسلام بالنسبة للأزمان وقتها يسير وقليل لمن يحرص عليها، لكن الصلاة تؤدي في كل يوم خمس مرات، ورقعتها بالنسبة للزمن أوسع.      

وأداؤها يحتاج إلى طهارة من حدث أو جنابة وكذلك طهارة المكان؛ لذلك جاءت الصلاة ركناً أصيلاً في الإسلام.      

وأنت لا تعرف الإنسان إن كان مسلماً إلا إذا سمع الأذان وقام يصلي.      

لذلك هي الفارقة بين المسلم وغير المسلم؛ لأن الأركان الأخرى أزمانها محصورة، ومع أنها كذلك إلا أنها أخذت من التشريع حظها من الركنية الأصيلة.      

إنّ كل تشريعات الإسلام أركاناً وفروعاً جاءت بالوحي إلا الصلاة؛ فقد جاءت بالمباشرة؛ لأن الصلاة دعاء الخالق خلقه لحضرته؛ لذلك كان لابد أن يكون تشريعها بهذه الصورة الفريدة، تشريعاً جاء بالحضرة الإلهية.      

وشيء آخر: ما دامت الصلاة هي العمدة في الدين فكأن الصلاة تقول للأركان الأخرى: أنا أجمعكم وأضمكم وأشملكم جميعا؛ فالمسلم في أثناء الصلاة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.      

والمسلم يصوم في أثناء الصلاة عن شهوتي البطن والفرج بل وتكون الصلاة صوماً لا عن الأكل والشرب، وشهوة الفرج فقط بل هي إمساك عن كل حركة، وفي الصلاة زكاة؛ لأن الزكاة تعني أن تخرج بعضاً من مالك، والمال فرع العمل، والعمل فرع الوقت.      

وأنت حين تصلي إنما تزكي بالأصل وهو وقت العمل، وأنت في الصلاة تتوجه إلى الكعبة كما يتجه الحاج والمعتمر، إذن ففي الصلاة كل أركان الإسلام مجتمعة.      

إذن فأهمية الصلاة أنها قد اندمج فيها كل ركان الإسلام، وبها يتحقق الاستطراق الاجتماعي للخلافة في الأرض؛ لأن الخلافة في الأرض تقتضي مواهب متعددة، وطاقات متعددة، ولا يمكن لخليفة واحد في الأرض أن يكون مجمع هذه المواهب بل لابد أن تتفرق المواهب في المتفرق والشتيت من الناس، فلا يمكن أن يكون الإنسان الواحد مهندساً وطبيباً ومحامياً وصانعاً وحارثاً وزارعاً وتاجراً.      

ولذلك وزع الله سبحانه وتعالى مقتضيات الخلافة في الأرض على الخلفاء في الأرض توزيعاً يجعل الالتقاء ضرورياً وليس تَفضُّلياً، بحيث تكون أنت في حاجة إلى مواهب ليست عندك فتذهب لصاحبها.      

وصاحبها أيضا يحتاج إلى مواهب عندك ليست عنده فيأتي إليك.      

وانظروا إذا شاء واحد أن يستغني في بعض الأشياء التي يقوم بها الغير كم يتعب؟، فإذا ما أتعبه السباكون وآلموه في الأجور.      

وحاول تعلم السباكة، ولابد له أن يتعلمها من سباك.      

وكذلك حياكة الملابس.      

ومعنى ذلك أن الله أبقى المواهب متفرقة مشتتة في الخلق ليحتاج كل خلق إلى كل الخلق.      

والناس لا تنظر إلى جهة التميّز إلا إلى شيء واحد هو: الغِنى.      

ونقول الغِنى المالي أو العقاري هو نوع فقط من المواهب؛ لأنك مثلاً إذا نظرت إلى العَالِم الذي يظل عشرين عاماً يستوعب العلم، ثم يقابله من يستفتيه في فتوى فيقولها له مجاناً، ولو علم هذا السائل ماذا تكلف الأستاذ الذي أفتاه طوال عشرين سنة بحثاً في الكتب وسماعاً من الأساتذة واستنباطاً من الأحكام لدفع مكافأة لهذه الفتوى؛ لأن العالِم كان مُسخراً لمدة عشرين عاماً لتأخذ أنت الفتوى في نضجها النهائي في يسر وسهولة وتنتفع بها.      

وحين نرى من يمسح الحذاء، ونجد صاحب الحذاء وهو يمد وهو يمد رجله والاخر يمسح الحذاء تقول لنفسك: لماذا كل هذا الزهو لصاحب الحذاء، ولماذا هذا الانكسار لماسح الأحذية؟.      

وأقول: أنت رأيت صاحب الحذاء وقت راحته، ورأيت ماسح الأحذية وهو في وقت عمله.      

ولو عرفت كيف جاء صاحب الحذاء بالنقود التي سيدفعها لماسح الأحذية لعلمت أنه كان مسخراً له ساعة كان يعمل ليحصل على النقود ليعطي منها ماسح الأحذية، ولذلك قال الحق: (لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) [الزخرف: 32].      

والناس لا تنظر في التسخير إلا للغني والفقير، ونقول: خذوا التسخير على أن كل واحد في الكون مُسخّر في الموهبة التي عنده، ومُسخّر له في المواهب التي ليست عنده.      

وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يربط الناس بهذا ربطاً قسرياً وليس تفضّلياً؛ لأن من عنده أولاد يريدون أن يأكلوا وامرأة تحتاج إلى أن تَطْعَم ولا يملك نقوداً، وليس أمامه من عمل سوى نزح المجاري، فيأتي بأدوات نزح المجاري، ويؤدي العمل ليعول من يعولهم، ولولا ارتباطه بضرورة الحياة له ولمن يعول لما عمل في مثل هذا العمل، إذن فهو مربوط ربطاً ضرورياً ليؤدي خدمة في الكون.      

ولو كان كل البشر يعيشون في رغد العيش أكان هناك من يتطوع لينزح المجاري؟ لا يحدث ذلك أبداً، لأنه عمل لا يأتي بالتفضل بل بالاحتياج.      

وهكذا نرى أن الخلافة في الأرض تقتضي استطراقاً، وهذا الاستطراق لا يدوم كثيراً؛ فمرة تكون القوة لإنسان ثم تذهب منه، ومرة يكون الثراء لإنسان ثم ينحسر عنه هذا الغِنى، ولذلك أخبرنا الحق أنه جعل الأيام دُوَلاً بين الناس ليستقيم العالم بارتباط الضرورة في بعض الأعمال، وإن بدا لنا أن هناك مواهب تميز بين الناس في شكلهم، وفي هندامهم، وفي مطيتهم، تجد الطبيب يعمل في أكثر من مكان، وإن سار على رجليه لتعب، لذلك يشتري سيارة، ويظن من يراها أن السيارة امتياز لا مثيل له، متناسياً أن هذه السيارة تقضي مصالح الرجل ليخدم الآخرين.      

مثال آخر: أنت إن نظرت إلى كوب الشاي الذي تشربه بمزاج وليس لضرورة حيوية، وإن جاءك من يقدم لك الشاي ليقول: إن الشاي قد نفد من المقهى، فتعطيه جنيهاً وتقول: هات كيساً من الشاي من عند البقال، ويذهب الغلام ليحضر علبة الشاي فيجد البقال وكأنه قد جهزها له، وأنت لا تعرف أن علبة الشاي هذه قد أخذت وقتاً وعملاً من اثنين أو ثلاثة لتصل إليك؛ لأن الحق قد كلف أناساً ليزرعوا الشاي في بعض البلاد، وأناساً آخرين يستوردونه، ثم تأتيك علبة الشاي لتصنع منها كوباً لتشربه.      

إذن فالمسألة كلها تسخيرات؛ لذلك توجد الفوارق الاجتماعية التي تقتضيها أعمالنا، ويذيب الحق هذه الفوارق بأن جعل في الصلاة استطراقاً للجميع، وتلتفت ساعة يقول المؤذن: (الله أكبر) أن الكل قد جاء، الغني قبل الفقير، والخفير مع الأمير، ويخلع الجميع أقدارهم خارج المسجد مع نعالهم ليتساوَوْا في الصلاة، ومن له رئيس يتكبر عليه يراه وهو ساجد مثله لله، فتريحه لحظة استطراق العبودية.      

ولنفرض أن كلاً منا سيصلي بمفرده في الصلاة اليومية، لكن عندما يؤذن المؤذن لصلاة الجمعة، يأمرنا الحق أن نَذَر ونترك كل شيء لنؤدي صلاة الجمعة معاً.      

ويرى الضعيف عظيماً يتضرع مثله إلى الله، ويرى القوي نفسه وبجانبه الضعيف، وحين يعود كل منا إلى عمله تسقط أقنعة القوة والزهو؛ لأننا جميعاً نقف أمام خالق واحد وكلنا سواء.      

إن هذا هو الاستطراق الاجتماعي؛ لأننا حين نرقب بعضنا في أثناء الصلاة نجد أنفسنا في حضرة الرَّب الذي أعد لنا الكون، وسخّره لنا، وأعطانا الطاقات، وأعطانا المواهب، وإذا تأملنا واحداً له وظيفة كبيرة جداً، فأنت حين ترغب في لقائه تكتب التماساً، ويُنْظَر في الالتماس، فإمّا أن يوافقوا وإمّا لا يوافقوا على لقائك به.      

وإن وافقوا يسألوك: في أي أمر ستتكلم؟ وسيُحدد لك الوقت الذي ستجلس فيه معه وليكن ثلاث دقائق مثلا، وحين تجلس إليه وتنسى نفسك يقوم هو ليدلك على أن المقابلة انتهت، لكن ربنا يقول لنا: تعالوْا لي في أي وقت، وكلموني في أي شيء، وأنا لا أملّ حتى تملُّوا، وأنتم يا عبيدي مَنْ تنهون المقابلة، وهذا عطاء كثير جداً.      

يغدقه المولى عزوجل على عباده.      

فهل هناك ربوبية أفضل من هذه؟.      

إذن فالصلاة إذا نظرت إليها وجدت أنها: "جماع كل فضائل الدين وفيها كل الفضائل للمجتع"؛ لذلك جعلها الله عماد الدين.      

ويقول الحق بعد ذلك: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ...).



سورة الأنعام الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 091-095   سورة الأنعام الآيات من 091-095 Emptyالإثنين 29 يوليو 2019, 7:42 am

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [٩٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ساعة يأتي الحق بأسلوب استفهامي فليس الهدف أن يستفهم.

إنه -سبحانه- لا يريد ان يأتي الخبر من عنده، وهو يقدر أن يقول: الذي يفتري ظالم، لكنه هنا يأتي بالاستفهام الذي يؤكد أنه لا يوجد أظلم من الذي يفتري على الله كذباً، ويعرض الله القضية على المؤمنين وكأنه يسأل ليعرض كل مؤمن القضية على ذهنه ويستنبط الجواب.

إن الذي يفتري على زميله والمثيل له كذباً نُوقِع به العقاب، فما بالك بمن يفتري على الله؟ وحين تسمع أنت هذا الكلام: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً).

وتستعرض الأمر فلا تجد أظلم منه، وهكذا يستخرج الله الحكم من فَم المقابل.

وكيف يفتري إنسان الكذب على الله؟ كأن يبلغ الناس ويدَّعي ويقول: أنا نبي وهو ليس كذلك.

هنا تكون الفرية على الله، وإياك ان تظن أنه يكذب على الناس، لا، إنه يكذب على الله؛ لأنه أبلغ أن الله قد بعثه وهو لم يبعثه.

و"الافتراء": كذب مُتعمَّد مقصود، وينطبق ذلك على النبوات التي ادعيت؛ من مثل مسيلمة الكذاب، سجاح، طليحة الأسدي، الأسود العنسي؛ كل هؤلاء ادعوا النبوة، ومع ذلك لم يسألهم أحد عن المعجزة الدالة على نُبوّتهم؛ لأن كل واحد منهم عندما أعلن نبوته جاء بما يُخفّف عن الناس أحكام الدين.

فواحد قال: أنا أخفف الصلاة، والزكاة لا داعي لها.

لذلك تبعهم كل من أراد أن يتخفف من أوامر الدين ونواهيه، موهما نفسه بأنه مُتدين، دون أن يلتزم بالتزامات التدين، وهذا هو السبب في أن أصحاب النبوات الكاذبة، والادعاءات الباطلة يجدون لهم أنصاراً من المنافقين؛ فالواحد من هؤلاء الأتباع قد يكون مثقفاً ثم يصدق نبياً دجالاً، وتسأل التابع للدجال وتقول له: أسألت مدَّعي النبوة هذا ما معجزتك؟ -وهذا أول شرط في النُبوَّة- ولم نجد أحداً سأل هذا السؤال قط، لماذا؟ لأن التديّن فطرة في النفس، ولكن الذي يصعِّب التدين هو الالتزامات التي يفرضها التدين، وعندما يرى التابع الضعيف النفس أن هناك من يُريحه من الالتزامات الدينية، ويفهمه أنه على دين، ويقلل الالتزامات عليه، لذلك يتبعه ضعاف النفوس، وتصبح المسألة فوضى.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ) [الأنعام: 93].

هناك من ادعى وقال: أنا نبي، وقال: سأنزل مثل هذا القرآن، فماذا قال هذا المدَّعي وهو "النضر بن الحارث" يقول - في أمة أذنها أذن بلاغية، تتأثر بموسيقى اللفظ -: "والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا"!!

ولماذا لم يأت بالمسألة من أولها ويقول: "والزارعات زرعاً والحارثات حرثاً" ثم يقول مَن ادعى أنه أوحي إليه: "والعاجنات عجناً والخابزات خبزاً"، وكان عليه أن يتبعها أيضاً: "والآكلات أكلاً والهاضمات هضماً".

وطبعاً كان هذا الكلام لوناً من هراء فارغ؛ لأن الحق إنما أنزل كلامه موزوناً جاذباً لمعانٍ لها قيمتها في الخبر، ولذلك نزل القول الحق: (أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ)، وقد جاء واحد هو عبدالله بن سعد بن أي سرح القرشي وكان أخاً لسيدنا عثمان من الرضاعة وكان كاتباً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقعد في حضرة النبي.

فنزلت الآية: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون: 12-14].

وانبهر بالأطوار التي خلق فيها الحق الإنسان فقال: "تبارك الله أحسن الخالقين".

فقال له رسول الله: اكتبها فقد نزلت.

واغْترّ الرجل وقال: إن كان محمدٌ صادقاً لقد أوحى إليّ كما أوحي إليه؛ وإن كاذباً لقد قلت كما قال: فأهدر رسول الله دَمَهُ.

وقال لصحابته: مَنْ رآه فليقتله.

وفي عام الفتح جاء به عثمان رضي الله عنه، وقال: يا رسول الله، اعف عن عبدالله، فسكت رسول الله.

قال عثمان رضي الله عنه: اعف عنه.

فسكت رسول الله.

وكررها ثالثاً: اعف عنه يا رسول الله.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نعم.

وكان لسيدنا عثمان منزلة خاصة عند رسول الله، وأشار الرسول لسيدنا عثمان بن عفان، فأخذ الرجل وانصرف، فلما انصرف قال الرسول لصحابته: ألم أقل لكم مَنْ رآه فليقتله؟ قال سيدنا عباد بن بشر: يا رسول الله لقد جعلتُ إليك بصري -أي وجَّهت عيني لك- لتشير عليّ بقتله، فقال رسول الله لعباد بن بشر: "ما ينبغي لرسول أن تكون له خائنة الأعين" وأسلم ابن أبي سرح وحَسُنَ إسلامه.

ومَنْ قال سأنزل مثل ما أنزل الله، ما هي عقوبات هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب، ويحاولون التغرير بالناس مدّعين أن الله أنزل عليهم وحياً؟ يقول الحق سبحانه: (وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام: 93].

وساعة تسمع "لو" هذه تعرف أنها شرطية، وأنت تقول -مثلاً- لو جاءني فلان لأكرمته.

وحين نقرأ القرآن نجد كثيراً من "لو" ليس لها جواب، لماذا؟ لأن الإتيان بالجواب يعني حصر الجواب في دائرة منطوقة، فإن أردت الجواب الذي لا يمكن للفظ أن يحصره فأنت تتركه للسامع مثلما تجد شاباً يلعب دور الفتوة في الحارة ويتعب سكانها، ثم وقع في أيدي الشرطة وأخذوه ليعاقبوه، فيقول واحد ممن رأوه من قبل وهو يرهق أهل الحارة: آه لو رأيتم الولد الفتوة وهو في يد الشرطة! أين جواب الشرط هنا؟ إنه لا يأتي؛ لأنه يتسع لأمر عجيب يضيق الأسلوب عن أدائه.

والحق سبحانه وتعالى يقول هنا: (وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ) لم يقل له: ماذا ترى؟ لأنك سترى عجباً لا يؤديه اللفظ.

و"الغمرات" هي الشدة التي لا يستطيع الإنسان منها فكاكاً ولا تخلصاً.

ويتابع الحق: (وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ) فهل هم ملائكة الموت الذين يقبضون الروح؟ أو الكلام في ملائكة العذاب؟ إنها تشمل النوعين: ملائكة قبض الروح وملائكة العذاب.

(وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ) كأن ملائكة قبض الروح تقول لهم: إن كنتم متأبّين على الله في كثير من الأحكام لقد تأبّيتم على الله إيماناً، وتأبّيتم على الله أحكاماً، وتأبّيتم على الله في تصديق الرسول، فهاهو ذا الحق قد أمرنا أن نقبض أرواحكم، فهل أنتم قادرون على التمرد على مُرادات الحق؟ إن كنتم كذلك فليظهر كل منكم مهارته في التأبّي على قبض روحه، أو أن الملائكة يبالغون في النكاية بهم كأن نقول لواحد: اخنق نفسك وأخرج روحك بيديك أو: أخرجوا أنفسكم من العذاب الذي يحيق بكم.

"وعذاب الهون" هو العذاب المؤلم وفيه ذلة.

وأساليب العذاب في القرآن متعددة، فيقول مرة: "من العذاب المهين" أو وأعد لهم "عذاباً مهيناً" أو ولهم "عذاب أليم" فمرة يكون العذاب مؤلماً لكن لا ذلة فيه، ومرة يكون العذاب مؤلماً وفيه ذلة.

وكما أن النعمة فيها تعظيم فالنقمة فيها ذلة.

وأضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى، فالله سبحانه منزّه عن أي تشبيه-: قد نجد حاكماً يعتقل إنساناً ويأمر بأن يجلس المُعتقل في قصر فخم له حديقة، لكن حين يأتيه الطعام، يقول له الحارس: خذ اتسمم، وفي ذلك إهانة كبيرة.

ولماذا يذيقهم الحق العذاب المهين؟ تأتي الإجابة من الله: (بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).

كأن يقول واحد: أوحي إلي ولم يوح إليه شيء.

وهم أيضاً يستكبرون على الآيات التي يؤمن بها العقل الطبيعي، ويقول الحق: (وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) [النمل: 14].

ويقول الحق بعد ذلك: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ...).



سورة الأنعام الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 091-095   سورة الأنعام الآيات من 091-095 Emptyالإثنين 29 يوليو 2019, 7:43 am

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [٩٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله الحق: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ) أي أن كلاًّ منكم يأتي إلى الله فرداً عما كان له في دنياه من مال أو ولد أو أتباع، جاء كل منهم لله وليس معه الأصنام التي أدّعى أنها شركاء لله، واتخذهم شفعاء له.

و"فرادى" جمع "فرْدَان" أو "فريد" مثل "سكارى" جمع "سكران" و"أسارى" جمع "أسير"، إنهم يأتون إلى الله زُمرا وجماعات، ولكن كل منهم جاء منفرداً عما كان له في الدنيا من مال وأهل وولد وأتباع، بدليل أنه قال: (وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ).

و"خوَّله" أي جعل له خَدَمًا من الأتباع ومن المريدين، ومن المقَّدر والمضيَّق عليهم في الرزق ومن العائشين في نعمته، جاء كل منهم منفردا عما له في الدنيا كما خلقكم الله أول مرة، أي كما دخلتم في الدنيا! (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام: 94].

وقوله الحق: "جئتمونا" أي كأن الإنسان الذي أذنب يكاد يقدم نفسه للعذاب معترفاً أنه يستحق هذا العذاب إقراراً منه بالذنب، فكأن الإنسان يبلغ منه الحزن على ما فعله والتوبيخ لنفسه التي انصرفت عن الحق فيقول لنفسه: أنت تستحقين العذاب.

(وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام: 94].

"البيْن" هو ما يفصل أو ما يصل.

فعندما نجد اثنين قاعدين وبينهما "بين" فهذا البين فاصل وواصل.

فإن اعتبرته واصلاً، أقول: تقطّع هذا، أي وقع التقطع بينكما، وانفصمت الروابط بينكم وتشتت جمعكم، وإن كان البين فاصلا فقد وصلوا أنفسهم بالأصنام.

وماذا كانت صلة هؤلاء بالأصنام التي يشركونها في العبادة؟ كانوا يقدمون لها القرابين، وغير ذلك.

وهذه الأصنام وكل من جعلوه شريكا مع الله سيفر منهم يوم القيامة.

وهكذا يتحقق قوله الحق: (لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ).

ويواصل سبحانه: (وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)، و"ضلّ" أي تاه وغاب، ما كنتم تبحثون عنهم فلا تجدونهم مصداقا لقوله الحق: (إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ) [البقرة: 166].

ويقول الحق من بعد ذلك: (إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ...).



سورة الأنعام الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 091-095   سورة الأنعام الآيات من 091-095 Emptyالإثنين 29 يوليو 2019, 7:44 am

إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ [٩٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد ما تكلم الحق عن التوحيد والنبوات، ومن كانوا يعاكسون ويعارضون ويناوئون تلك النبوات ويكذبونها وقالوا فيها الإفك أراد الله أن يلفت خلقه إلى ما أعدّه لهم استبقاء لحياتهم، وكيف سخّر لهم كل الكون بما فيه..

جماداً ونباتاً وحيواناً، وكأنه سبحانه يوضح: إن كنت لا ترى أن الخالق يستحق عبادتك فانظر إلى ما أنعم عليك به من النعم، ومادام العبد المخلوق له كل نعم الخالق الأعلى فلماذا لا يسمع كلمته سبحانه؟ أيها المخلوق أنت تتربى على مائدة الرحمن وهو خالقك فانظر وتأمل واعرف.

(إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ) وساعة تسمع لفظ الجلالة: أي علم واجب الوجود وهو الله، فعليك أن تأخذ لفظ الجلالة بكل ما يدل عليه من صفات الجلال وصفات الجمال ما عرفته وما لم تعرفه؛ لأنه سبحانه خلق الكون كله وهو قيُّوم عليه، وهذا الخلق وتلك القيّومية فعل يقتضي صفات متعددة تقتضي قدرة، وحكمة، وعلماً واسعاً ورحمة، وبسطاً وقبضاً وغير ذلك، وبدلاً من أن يأتي لك بصفات القدرة، وصفات الجمال ويذكرها ويعددها لك يقول سبحانه عن نفسه: "الله"؛ لأنه الاسم الجامع لكل صفاته.

ونحن نقول في بدء كل عمل: بسم الله، وفي ذلك إيجاز لما يحتاج إليه أي عمل، لأن أي عمل يحتاج إلى قدرة، فتقول: باسم القادر، ويحتاج إلى علم فتقول: "باسم العليم" ويحتاج إلى حكمة فتقول: "باسم الحكيم" ويحتاج عزة فتقول: "باسم العزيز" وقد تحتاج إلى قهر عدوك لأنك قد تدخل معه في حرب فتقول: "باسم القاهر" إذن كل عمل يحتاج إلى حشد من صفات الكمال والجلال يخدم الفعل، فبدلاً من أن نقول باسم القادر وباسم الحليم وباسم العليم وباسم القابض، يوفر عليك سبحانه كل ذلك فتقول: بسم الله، لأن اسم الجلالة وهو "الله" هو الجامع لكل صفات الكمال.

(إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ)، فالق أي شاقق، جاعل الحب والنوى كل منهما فلقتين.

"والحب" ما لا نواة له مثيل الشعير والقمح والأرز.

وهناك ما له نوى مثل البلح والخوخ، وتجد في قلب النواة شيئا آخر.

وهناك نوع آخر له بذور مثل البطيخ، وفي كل بذرة تجد فيها شيئا، فيوضح لك الحق سبحانه وتعالى: إن عظمتي تتجلّى في أنني أخلق الحب وأخلق النوى، وهناك حبوب مفلوقة جاهزة، مثل حبة الفول مثلاً وحبة العدس.

وأنت إذا ما نظرت إلى هذه العملية وجدت شيئا عجباً!!

فحين تأتي لنواة البلح أو حبة الشعير، وتضعها في الأرض في بيئة استخراجها، وبقليل من الرطوبة، تجد الفلقتين قد خرج منها نبتة وتكاد النواة أن تنفلق ليخرج منها الزبان الضعيف بين الفلقتين ويتكون ما يسمى بالجذير.

وهكذا تجد سرّ الحياة يأتي من الفلقتين، وإن نزعت هذا الجذير تنتهي الحياة.

ولذلك وجدنا من يتعجب حين اقتحم أعشاش النمل ووجد في العش قطعاً صغيرة مفتتة بيضاء بجانب العش، واكتشفوا أن هذه هي زبانات الحب الذي يدخله النمل للعش، فلو أن النمل أدخل الحبوب كاملة فقد تأتي لفحة من رطوبة فتكبر هذه الحبة، وتنمو وتصير شجرة تفتك بالعش، فمن الذي هدى النمل إلى أن تفعل هكذا؟ إنه الله.

ونجد النمل يفلق حبة نبات "الكزبرة" إلى أربع قطع لأنه لو قطعها إلى اثنتين قد تنبت، من الذي علمه؟ إنه سبحانه: (ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ) [الأعلى: 2-3].

والعجيب أنك حين ترى النبتة الضعيفة ساعة أن تخرج إلى الحياة وهي التي ستكون من بعد ذلك جذراً إنها هشة وضعيفة إن أمسكتها بيدك تسحقها، لكنها تخترق قلب الأرض الصلبة التي لو ضربتها بسكين لانكسرت السكين، لكن الجذير الضعيف يدخل في قلب الصخر والأرض، فأي قوة أعطته ذلك؟ أي قوة تخرق له الأرض؟ وهل الجذير هو الذي خرق الأرض أو خُرِقَت له؟ لقد خرق الحق الأرض للبذرة لتستخرج منها غذاء للزرع، إنّها قدرة الحق سبحانه (فَالِقُ ٱلْحَبِّ) الذي ادخر في فلقتين اثنتين قوتاً للنبات إذا مسته رطوبة تتغذى عليها الزريعة إلى أن تربى الجذور، ويستمد النبات غذاءه من الفلقتين إلى أن يثبت ويتمكن في الأرض ثم تتحور الفلقتان إلى ورقتين خضراوين.

ويتابع الحق سبحانه: (يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ).

وحين تأمل العلماء هذا القول وأرادوا أن يوضحوا لنا ما الحي؟ وما الميت؟ فات الجميع أن يعرفوا ما هي الحياة؟ الحياة هي قيام الموجود بما يؤدي به مهمته، فحياة الإنسان فيها حركة وحس وجري، ثم هناك حياة ثانية في الحيوان، وحياة ثالثة في النبات، وحياة ذات طابع مختلف في الجماد.

مثلما علمونا في المدارس حين كان المدرس يمسك بقضيب ممغنط ليجذب برادة الحديد، حتى الحديد الصلب فيه لون معين من الحياة.

وكلنا رأينا في المدارس الأنبوبة الزجاجية التي وضعوا فيها برادة الحديد وكيف تتأثر بقضيب المغناطيس.

وتعتدل وتصير في مستوى واحد، وهكذا نعرف أن الحياة هي الطاقة الموجودة في كل كائن ليؤدي مهمته حتى الأحجار تختلف فيها أشكال الحياة، فهناك حجر يأخذ شكل الرخام، وآخر يأخذ شكل المرمر، وكل لون من الأحجار له شكل من أشكال الحياة.

ونقرأ في القرآن: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) [الأنفال: 42].

وجاء الحق بمقابل الهلاك وهو الحياة؛ فالهلاك ضد الحياة والحياة ضد الهلاك، ويقول سبحانه في آية أخرى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) [القصص: 88].

إذن ما دام كل شيء هالكاً، فكل شيء فيه حياة، والخطأ أن تظن أن كل حياة تتشابه في الحس والحركة مع الإنسان، لا، إن الحياة في كل شيء بحسبه، إلى أن تقوم القيامة، فكل شيء حي له حياة تناسبه، وحين نسمع: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44].

نقول: نعم كل من يسبح بحمده يقول قولاً، وإياك أن تقول إنّه تسبيح دلالة؛ لأن بعضهم يقول: إن هذا تسبيح دلالة على الخالق، ونقول: لو أن الذي يقصده الله تسبيح دلالة على خلق لما قال: (وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44].

إذن: فلا أحد منا يفهم لغة التسبيح، وعرفنا من قبل حين سمع سليمان عليه السلام قول النملة وتبسم لها ضاحكاً، وكذلك ما سمعه من الهدهد، وكذلك تسخير الجبال لتسبح مع داود عليه السلام (إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) [الأنعام: 95].

إن كل كلمة لها دلالتها ومعناها.

فكلمة العلم تدلنا على إحاطة علمه بكل شيء في الوجود، وكلمة الحكمة تدلنا على أن كل شيء منه يصدر عن حكمة.

وكلمة الرزاق تدلنا على أن كل مرزوق في الوجود إنما أخذ من فيضه وخيره، وهكذا إلى ما لا نهاية لكماله من صفات ذاته.

وكلمة "الله" تدل على كل صفات الجلال والجمال والكمال، فإذا قال: "الله" فهذا الاسم: يشمل القادر، العالم، الحكيم، القدير، وكل صفات الحق ما علمت منها وما لم تعلم، ما دامت ذاته سبحانه وتعالى متصفة بكل صفات الكمال، فالواجب أن يكون كل فعل يصدر عن ذاته المتصفة بالكمال له مطلق القدرة والجمال والكمال.

إذن فحين يقول الحق ذلك فإنما يلفتنا إلى أن كل شيء كائن في الوجود إنما هو من خلق الله، وأن له حياة تناسب مهمته؛ فالإنسان له حياة تناسب مهمته.

والحيوان له حياة تناسب مهمته.

والنبات له حياة تناسب مهمته.

والجماد له حياة تناسب مهمته.

وإذا نظرت إلى الأشياء كلها بهذا المعنى وجدت أن كل موجود فيه حياة، ولكن الحياة الكاملة بكل مقوماتها وجدت في الأعلى من المخلوقات وهو الإنسان، والله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان الحياة حساً وحركة، ثم أعطاه حياة أخرى هي التي تُصعّد حياته وتجعل لحياته قيمة؛ لأن حياتنا الني نعيشها إنما يتمتع بها المؤمن والكافر، وقصارى ما فيها أن تعطينا الحس والحركة قدر عمرنا في الحياة، ولكن حياة الإيمان بما يبعثه الله لنا من منهج على يد الرسول.

تعطينا حياة أوسع، وأخلد، وأرغد، وهذه هي الحياة الحقة، ولذلك يقول الحق سبحانه: (وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64].

وهذه هي الحياة الحقيقية وقول الحق: (إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ) هو المقدمة الأولى للحياة، ثم تكلم عن الحياة وأنه يخرج حياً من ميت، وهو هنا قد خاطبنا على مقدار أوليات علمنا بالأشياء؛ فالشيء إذا لم يكن له حس وحركة نعتبره ميتاً لكن لو نظرت إلى الحقيقة لوجدت كل شيء في الوجود له حياة.

مصداق ذلك قوله جلت قدرته: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) [القصص: 88].

وما دام كل شيء هَالِكاً فكل شيء قبل أن يهلك كان فيه حياة.

والله سبحانه القائل: (قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران: 26-27].

ولماذا جاء في هذه الآية بـ "تخرج" وجاء في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قوله: "ومخرج الميت من الحي"؟ إنّ الذين بحثوا هذا البحث نظروا نظرة سطحية في المقابلة الجزئية في الآية، وهي: (يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ) وقال: (وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ) نسوا أنه سبحانه قال: إنه يخرج الحي من الميت؛ لبيان أن الله فالق الحب والنوى ليخرج الحي من الميت أي أن الله فلق وشق الحب والنوى لأجل أن يخرج الحي من الميت..

ثم قال: (وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ) هو مقابل لفالق فلا تأخذها مقابلة للجزئية في الآية؛ ولأن الاسم يدل على الثبوت، والفعل يدل على الحدوث؛ فالحق سبحانه وتعالى له صفة في ذاته، وصفة في متعلقات هذه الذات؛ فهو سبحانه وتعالى رَزّاق، قبل أن يكون له مخلوق يرزقه.

وهو رزاق، وبعد ما خلق من يرزقه هو رازق؛ لأنه هو الخالق، والخالق صفة للذات وإن لم يوجد المتعلق، وهو سبحانه المحيي قبل أن يوجد من يحييه؛ لأن صفته في ذاته أنه يحيي، ومميت قبل أن يميت من يريد أن يميته؛ لأن الصفة موجودة في ذاته.

وسبحانه فالق الحب والنوى أي قبل أن يوجد الحب والنوى الذي يفلقه، ومخرج الحي من الميت هو صفة ثابتة في ذاته قبل أن يوجد متعلِّقها.

وله صفة -أيضاً- بعد أن يوجد المتعلق، فإن أراد الصفة قبل أن يوجد المتعلَّق جاء بالاسم: "فالق ومخرج".

وإن كان يريد الصفة بعد أن توجد، يقول: "يخرج"، "يخرج".

ويذيل الحق الآية: (ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) [الأنعام: 95].

و"ذا" اسم إشارة لما تقدم، وهو سبحانه فالق الحب والنوى ومن يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي وهو الله.

والكاف في قوله: (ذٰلِكُمُ) لمن يخاطبهم وهم نحن، أما اللام من (ذٰلِكُمُ) فهي للبعد والميم للجمع.

فحين يريد الحق أن يخاطب رسوله، يقول: (ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ) [البقرة: 2].

ولكنه هنا يخاطبنا فيقول: (ذٰلِكُمُ) إشارة إلى قول الحق سبحانه وتعالى: الله، وفالق، ومخرج، والخطاب لجمهرة المخاطبين بالقرآن.

فإذا كان الله بهذه الصفات فكيف ينصرفون عن الإيمان به وتوحيده؟ وذكر لنا أول مقوم من مقومات الحياة وهو النبات وهو ما نأكله، فإذا كان الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الحب وخلق النوى ليخرج الحي من الميت وهو مخرج الميت من الحي فهو أولى بأن يكون إلهاً معبوداً فكيف تصرفون عنه؟!

وإلى من تصرفون؟! إلى من توجد فيه صفات أرقى من هذه الصفات؟!! لا يوجد من فيه صفات مثل هذه، ولا أرقى من هذه الصفات.

وإذا سمعت كلمة: "أنَّى" فافهم منها أنها تأتي للتعجيب، تأتي وتطلب أن يدلنا واحد على كيفية انصرافهم عن الله وتوحيده مع وضوح الدلالات والبراهين.

ومرة يقول الحق سبحانه: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ) [البقرة: 28].

هو سبحانه يخاطب الناس ويقول لهم: كيف تكفرون بالله؟ فالله في ذاته يستحق ألا يكفر به، لأنه هو الذي خلق من عدم، وأمدّ من عُدْم، ولم يشاركه أحد أو ينازعه في هذا الأمر، وإليه نرجع جميعاً، فكيف تكفرون به؟ وهذا تعجيب كبير؛ لذلك يقول سبحانه هنا: (فَأَنَّىٰتُؤْفَكُونَ) أي فكيف تصرفون عن الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون -مع الله- إلها آخر بعد أن تعلموا أن هذه الصفات له -سبحانه- وليست لغيره؟ وكل تعجيب يأتي في "أنّى" مثل قوله الحق: (أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) [البقرة: 259].

أي كيف يحيي هذه الله بعد موتها؟ ويقول سيدنا زكريا لسيدتنا مريم: (أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا) إذن فالتعجب ملازم لكلمة "أنّى" فكأن الصفات التي تقدمت صفات موجبة للإيمان بالله واحداً قهاراً مريداً عالماً حكيماً نرجع إليه جميعاً، فقولوا لنا: كيف تكفرون بهذا الإله؟ وإلى من تذهبون إذا كان هذا الإله يُكفر به؟ أهناك شيء ادّعى أنه خلق وأنه رزق؟ لو أن شيئاً ادّعى أنه خلق أو رزق كنا نعذركم، لكن لم يدّع شيء في الوجود بأنه خلق أو رزق، والدعوة تثبت لصاحبها ما لم يقم لها معارض.

(فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) وكلمة "أنّى تؤفكون" تعني كيف تُصرفون انصرافاً كذباً؛ لأن "الإفك".

معناه الكذب المتعمّد.

ويقول الحق من بعد ذلك: (فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ...).



سورة الأنعام الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الأنعام الآيات من 091-095
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الأنعام-
انتقل الى: