ما تختص به المرأة من أحكام المناسك
الإسلام رفع شأن الإنسان وأعز منزلته فجعله خليفة الخالق وسيد المخلوقات، يعمر الأرض والنفوس بالعمران والإيمان، وذلك حين شرفه بالفرائض، وأمره بالتكاليف الشرعية وأوجب عليه الصلاة والصيام، والحج والجهاد.

وفريضة الحج واجب كفائي على أمة الإسلام، ويجب على كل مسلم توفرت فيه شروط وجوب الحج أن يحج مرة في العمر، وما زاد عن ذلك فهو تطوع، والحج أحد أركان الإسلام، وهو نصيب المرأة المسلمة من الجهاد، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: نعم: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة).

وللحج شروط عامة للرجل والمرأة وهي الإسلام والعقل والحرية والبلوغ والاستطاعة، وهناك شروط وخصائص للمرأة تختص بها عن الرجل.

الدكتور أحمد بن علي علوش مدخلي أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كتب عن أبرز ما تختص به المرأة من أحكام المناسك وفق العناصر الآتية:
1- اشتراط وجود المحرم للمرأة.
تشارك المرأة الرجل في شروط الحج وهي البلوغ والعقل والإسلام والحرية والاستطاعة وتنفرد المرأة بهذا الشرط، وهو وجود المحرم، وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب كالأب والابن والأخ وغيرهم، أو بسبب وهو قسمان:

- سبب المصاهر كأب الزوج وابنه أو زوج أم المرأة أو زوج بنتها.

- ما يحرم بالرضاع وهو ما يحرم من النسب.

وقد دل لهذا الشرط الكتاب والسنة فمن الكتاب قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (97 سورة آل عمران)، وعدّ الإمام أحمد رحمه الله المَحرَم من السبيل كما ثبت بذلك النقل عنه.

ومن السنة أحاديث منها ما نص على أمر المحرم بالسفر مع الزوجة للحج لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: انطلق فحج مع امرأتك» رواه البخاري ومسلم.

ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة, حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يسافر مع امرأته للحج وقدم ذلك على الجهاد المتعين حيث إن الرجل قد اكتتب في إحدى الغزوات.

ومن الأدلة ما صرحت بتحريم سفر المرأة بدون محرم ومنها:
1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة».

وفي لفظ لمسلم:
«لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرم منها» وفي لفظ له: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم» متفق عليه.

2- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم».

وفي لفظ:
«لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا مع ذي محرم» وفي لفظ مسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم» متفق عليه.

3- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها» رواه الإمام مسلم.

4- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» متفق عليه.
ونحو هذه الأحاديث ووجه الدلالة منها أن الحج فيه سفر بل هو من أول أسفار المرأة فهي لا تسافر للجهاد، ولا للتجارة في الغالب، وإنما تسافر للحج، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم سفرها بدون مَحرَم فدلت هذه الأحاديث على اشتراط المحرم وبهذا الشرط قال الإمام الحسن والنخعي وابن المنذر والإمام أحمد وأصحاب الرأي «الحنفية» وغيرهم.

ولم يشترط هذا الشرط بعض الأئمة كالشافعية وغيرهم والأدلة على خلافهم كما سبق قال ابن المنذر: «تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل واحد منهم شرطاً لا حجة معه عليه.

يعني اشتراط بعضهم وجود رفقة من النساء أو نساء مع محارمهن.

2- ما تختص به المرأة من اللباس حلاً وتحريماً.
معلوم أن الرجل لا يجوز له لبس المخيط في الإحرام أما المرأة فإنه يحل لها لبس المخيط فتختار ما تشاء من الثياب والسراويل والخفين لكن يحرم عليها لبس البرقع والفازين ومن أدلة ذلك ما يأتي:

حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قام رجل فقال يا رسول الله ما تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا القميص ولا السراويلات.. الحديث. وفيه: لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين» متفق عليه.

فدل هذا الحديث أن المرأة تلبس ما تشاء من الثياب إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران.

لكن لو احتاجت المرأة أن تغطي وجهها عند مرور الرجال الأجانب فلا حرج على أن لا يكون ذلك بالبرقع والنقاب وإنما يكون بأن تسدل ثوبها على وجهها ودليل ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- وفيه قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه» رواه الإمام أحمد وأبو داوود وحسنه الأرنؤوط.

وعن فاطمة بنت المنذر رحمها الله قالت (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما) رواه الإمام مالك في الموطأ، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل.

وعن معاذة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مسه ورس أو زغفران، ولا تتبرقع، ولا تتلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت» رواه الإمام أحمد في المسند، والبيهقي في السنن الكبرى، وإسناده صحيح.

3- مما تختص به المرأة سنية الاغتسال في الحيض والنفاس وإكمال مناسك الحج في هذا الحال غير الطواف بالبيت.

4- مما تختص به المرأة.
سقوط طواف الوداع عنها إذا حاضت أو نفست بحيث يجوز لها السفر بدون طواف وداع إذا كانت قد طافت للإفاضة ودليل ذلك ما ورد في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واسنثفري وأحرمي. رواه مسلم.

وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل. رواه مسلم.

وأما الحائض ففيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريباً منها حضت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: أنفست؟ يعني الحيضة قالت: قلت: نعم. قال: إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي. الحديث رواه مسلم.

وفي لفظ افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. الحديث رواه المسلم.

فالحاصل من هذه الأحاديث أن النفساء والحائض إذا وصلت الميقات سن لها أن تغتسل وتؤدي جميع مناسك الحج غير الطواف بالبيت فإنه يشترط له الطهارة. ويسن لها أن تحفظ أي تلبس الحفاظة وهو المفهوم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء: (ولتسثفر بثوب). ويضاف إلى هذا أن الحائض والنفساء يسقط عنهما طواف الوداع إذا كانتا قد طافتا للإفاضة ودليل ذلك ما يأتي:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون في كل وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» رواه مسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها «أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت: قال: فلا إذن» متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. متفق عليه.

فدلت هذه الأحاديث أن المرأة الحائض والنفساء يسقط عنهما طواف الوداع إذا كانتا قد طافتا طواف الإفاضة وهو شبه إجماع وبالله التوفيق.

5- ومما تختص به المرأة في النسك:
أنه يجوز لها ولمن يقوم بمرافقتها الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل.

ولذلك أدلة منها:
حديث عبدالله مولى أسماء رضي الله عنها أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت جمرة العقبة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: ما أرانا إلا قد غلسنا. فقالت: «يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن» متفق عليه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمع أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، تعني ثقيلة، فأذن لها.

وفي لفظ:
فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلى من مفروح به. متفق عليه.

ومنه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت» رواه أبو داود والنسائي.

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على اختصاص المرأة ومن معها من محارمها ورفقتها في هذا العصر الذي اشتد فيه الزحام بجواز الخروج من مزدلفة بعد منتصف الليل ورمي جمرة العقبة والطواف إن تمكنو من ذلك قبل الزحام.

وعن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل وفي لفظ: كنا نفعله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نغلّس من جمع إلى منى. وفي رواية نغلِّس من مزدلفة. رواه مسلم.

وقد رأينا تمني عائشة رضي الله عنها لو أنها استأذنت كما استأذنت سودة للزحام الذي في زمنها فكيف بهذا الزمن.

6- مما تختص به المرأة خفض الصوت بالتلبية.
وروى سليمان بن يسار أن السنة عندهم أن المرأة لا ترفع الصوت بالإهلال. رواه سعيد بن منصور.

قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله:
«وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها وقال الرافعي في شرحه الكبير «إنما يستحب الرفع في حق الرجل.. والنساء تقصرن على سماع أنفسهم».

7- ومما تختص به المرأة أيضاً عدم الإسراع بين العلمين في السعي وعدم الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى من طواف القدوم أو العمرة للمتمتع.

قال ابن المنذر:
وأجمعوا أن لا رمل على النساء حول البيت، ولا في السعي بين الصفا والمروة، وذلك لأنها عورة ويخشى أن تنكشف عورتها أثناء السعي الشديد والسريع.

8- المرأة تختص بالتقصير من شعرها قدر أنملة من كل جهة ولا يجوز لها الحلق لا في الحج ولا في العمرة بخلاف الرجل فالأفضل في حقه الحلق إلا أن يكون متمتعاً والحج قريب فالأفضل في حقه التقصير في العمرة ليوفر شعره للحلق في الحج. والله أعلم.

الرياض
جريدة الجزيرة السعودية.