منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 2:04 am

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة C956dd10
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِيْنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.


"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ."
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا".

أَمَّا بَعْدُ:
بين أيدينا كتابٌ جامعٌ ممتاز, أفلح مَن اقتناه وفاز, لأنه حقاٌ قد حاز على مرتبة الشرف بامتياز, وهذه حقيقةٌ لا مجاز, فهوجامعٌ لفقه وفتاوى واختيارات العلامة ابن باز, لذا سمَّيتُهُ ب: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة لابن باز

أموت ويبقى كل ما كتبته       فيا ليت من قرأ دعا ليا
عسى الإله أن يعفو عـنى       ويغفر لى سوء فعالـيا


أبو عبد الرحمن أحمد مصطفى
المشرف العام على شبكة الطريق إلى الجنة
www.way2ganna.com
dr_ahmedmostafa_CP@yahoo.com
(حقوق الطبع لكل مسلم عدا مَن غيَّر فيه أو استخدمه فى أغراض تجارية)

(1)
نصائح وتوجيهات في الحج
وصايا للحجاج والزوار
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:
فإلى حجاج بيت الله الحرام أقدم هذه الوصايا عملاً بقول الله سبحانه: "وتعاونوا على البر والتقوى"، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قيل: لمن يا رسول الله، قال: "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

الأولى:
الوصية بتقوى الله تعالى في جميع الأحوال، والتقوى هي جماع الخير وهي وصية الله سبحانه ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة"، وقال سبحانه: "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي في خطبه كثيراً بتقوى الله.

وحقيقة التقوى أداء ما افترض الله على العبد وترك ما حرم الله عليه عن إخلاص لله ومحبة له ورغبة في ثوابه وحذر من عقابه على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وهو أحد علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: "تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر ".

وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-:
"ليست تقوى الله بصيام النهار ولا قيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله أداء ما افترض الله وترك ما حرم الله، فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير على خير".

وقال طلق بن حبيب التابعي الجليل -رحمه الله-:
"تقوى الله سبحانه هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله"، وهذا كلام جيد، ومعناه أن الواجب على المسلم أن يتفقه في دين الله، وأن يتعلم ما لا يسعه جهله، حتى يعمل بطاعة الله على بصيرة، ويدع محارم الله على بصيرة، وهذا هو تحقيق العمل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن الشهادة الأولى تقتضي الإيمان بالله وحده، وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه، وإخلاص جميع الأعمال لوجهه الكريم، رجاء رحمته وخشية عقابه، والشهادة الثانية تقتضي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إلى جميع الجن والإنس، وتصديق أخباره واتباع شريعته والحذر مما خالفها.

وهاتان الشهادتان هما أصل الدين وأساس الملة، كما قال الله تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم"، وقال سبحانه: "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم"، وقال عز وجل: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

الثانية:
أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم يطلع على هذه الكلمة بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها؛ لأنها الركن الأعظم بعد الشهادتين، ولأنها عمود الإسلام، ولأنها أول شيء يحاسب عنه المسلم من عمله يوم القيامة، ولأن من تركها فقد كفر؛ قال الله سبحانه وتعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون"، وقال عز وجل: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين".

وقال جل شأنه: "قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون" إلى أن قال سبحانه: "والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" أخرجه مسلم في صحيحه، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف".

قال بعض أهل العلم في شرح هذا الحديث:
وإنما يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إما أن يضيعها تشاغلاً بالرياسة والملك والزعامة، فيكون شبيهاً بفرعون، وإما أن يضيعها تشاغلاً بأعمال الوزارة والوظيفة، فيكون شبيهاً بهامان وزير فرعون، وإما أن يضيعها تشاغلاً بالشهوات وحب المال والتكبر على الفقراء، فيكون شبيهاً بقارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، وإما أن يضيعها تشاغلاً بالتجارة والمعاملات الدنيوية، فيكون شبيهاً بأبي بن خلف تاجر كفار مكة، فنسأل الله العافية من مشابهة أعدائه.

ومن أهم أركان الصلاة التي يجب على المسلم رعايتها والعناية بها والطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، وكثير من الناس يصلي صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها، ولا شك أن الطمأنينة من أهم أركان الصلاة، فمن لم يطمئن في صلاته فهي باطلة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى في ركوعه وأمكن يديه من ركبتيه وهصر ظهره وجعل رأسه حياله، ولم يرفع رأسه حتى يعود كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يرجع كل فقار في مكانة، وإذا سجد اطمأن في سجوده حتى يرجع كل فقار إلى مكانة، وإذا جلس بين السجدتين اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ولما رأى صلى الله عليه وسلم بعض الناس لا يطمئن في صلاته أمره بالإعادة، وقال له: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" أخرجه الشيخان في الصحيحين.

فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الواجب على المسلم أن يعظم هذه الصلاة ويعتني بها ويطمئن فيها حتى يؤديها على الوجه الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن تكون الصلاة للمؤمن راحة قلب، ونعيم روح، وقرة عين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة".

ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله، كما قال عز وجل: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين"، وقال سبحانه في صلاة الخوف: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من وراءكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم" الآية.

فأوجب الله سبحانه على المسلمين أداء الصلاة في الجماعة في حال الخوف، فيكون وجوبها عليهم في حال الأمن أشد وآكد. وتدل الآية المذكورة على وجوب الإعداد للعدو والحذر من مكائده، كما قال سبحانه: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " الآية.

فالإسلام دين العزة والكرامة والقوة والحذر والجهاد الصادق، كما أنه دين الرحمة والإحسان والأخلاق الكريمة والصفات الحميدة. ولما جمع سلفنا الصالح بين هذه الأمور مكن الله لهم في الأرض، ورفع شأنهم، وملكهم رقاب أعدائهم، وجعل لهم السيادة والقيادة، فلما غير من بعدهم غير الله عليهم، كما قال عز وجل: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار"، وقال عليه الصلاة والسلام: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي، قال: "هل تسمع النداء بالصلاة"، قال: نعم، قال: "فأجب". خرجه مسلم في صحيحه.

أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن، كما جاء بذلك الإخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لأنهن عورة وفتنة، ولكن لا يمنعن من المساجد إذا طلبن ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله".

وقد دلت الآيات والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه يجب عليهن التستر والتحجب من الرجال، وترك إظهار الزينة، والحذر من التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك يسبب الفتنة بهن؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مسجد الله، وليخرجن تفلات".

ومعنى تفلات: أي لا رائحة لهن تفتن الناس، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء"، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء اليوم لمنعهن الخروج".

فالواجب على النساء أن يتقين الله وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز بعض المحاسن، كالوجه واليدين والقدمين حين اجتماعهن بالرجال وخروجهن إلى الأسواق، وهكذا في وقت الطواف والسعي، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن الرؤوس، ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق؛ لأن ذلك من أعظم أسباب الفتنة بهن؛ ولهذا قال عز وجل: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، والتبرج إظهار بعض محاسنهن.

وقال عز وجل:
"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" الآية، والجلباب هو الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها ووجهها وصدرها وسائر بدنها، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلاليب ويبدين عيناً واحدة، وقال تعالى: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" الآية.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن مثل أسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال بأيديهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها الناس" خرجه مسلم في صحيحه.

وقوله:
كاسيات عاريات، فسر بأنهن كاسيات من نعم الله عاريات من شكرها، وفسر بأن عليهن كسوة رقيقة أو قصيرة لا تسترهن، فهن كاسيات بالاسم والدعوى عاريات في الحقيقة، ولا ريب أن هذا الحديث الصحيح يوجب على النساء العناية بالتستر والتحجب والحذر من أسباب غضب الله وعقابه، والله المستعان.

الوصية الثالثة:
أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم بإخراج زكاة ماله إذا كان لديه مال تجب الزكاة فيه؛ لأن الزكاة من أعظم فرائض الدين، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، فالله سبحانه وتعالى شرعها طهرة للمسلم وزكاة له ولماله وإحساناً للفقراء وغيرهم من أصناف أهل الزكاة، كما قال عز وجل: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" وهي من شكر الله على نعمة المال، والشاكر موعود بالأجر والزيادة، كما قال سبحانه: "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"، وقال عز وجل: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"، وقد توعَّد اللهُ مَنْ لم يؤد الزكاة بالعذاب الأليم، كما توعده سبحانه بأنه يعذبه بماله يوم القيامة.

قال الله عز وجل:
"والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية الكريمة: أن كل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.

فالواجب على كل مسلم له مال تجب فيه الزكاة أن يتقي الله ويبادر بإخراج زكاته في وقتها في أهلها المستحقين لها، طاعة لله ولرسوله، وحذراً من غضب الله وعقابه، والله سبحانه وعد المنفقين بالخلف والأجر الكبير، كما قال سبحانه: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، وقال تعالى: "آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير".

الوصية الرابعة:
صيام رمضان، وهو من أعظم الفرائض على جميع المكلفين من الرجال والنساء، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، قال الله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياماً معدودات"، ثم فسر هذه الأيام المعدودات بعد ذلك بقوله سبحانه وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة و، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" فهذا الحديث الصحيح يدل على جميع الوصايا المتقدمة وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم، وأنها كلها من أركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه إلا عليها؛ فالواجب على كل مسلم ومسلمة تعظيم هذه الأركان والمحافظة عليها والحذر من كل ما يبطلها أو ينقص أجرها.

والله سبحانه إنما خلق الثقلين ليعبدوه سبحانه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل ذلك، وعبادته هي توحيده وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم عن إخلاص لله سبحانه، ومحبة له، وإيمان به وبرسله، ورغبة في ثواب الله، وحذر من عقابه؛ وبذلك يفوز العبد بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

وإنما أصيب المسلمون في هذه العصور الأخيرة بالذل والتفرق وتسليط الأعداء بسبب تفريطهم في أمر الله وعدم تعاونهم على البر والتقوى، كما قال عز وجل:"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".

فنسأل الله أن يجمعهم على الحق ويوفقهم للتوبة النصوح، وأن يهديهم للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويوفق حكامهم للحكم بشريعته والتحاكم إليها، وإلزام شعوبهم بما أوجب الله، ومنعهم عن محارم الله؛ حتى يمكن لهم في الأرض كما مكن لأسلافهم، ويعينهم على عدوهم، إنه سميع قريب.

الوصية الخامسة:
حج بيت الله الحرام، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، كما تقدم في الحديث الصحيح، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة يستطيع السبيل إليه في العمر مرة واحدة، كما قال الله سبحانه: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع"، وقال صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَة إلى العُمْرَة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وقال عليه الصلاة والسلام: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

فالواجب على حجاج بيت الله الحرام أن يصونوا حجهم عما حرم الله عليهم من الرفث والفسوق، وأن يستقيموا على طاعة الله، ويتعاونوا على البر والتقوى، حتى يكون حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً.

والحج المبرور هو الذي سلم من الرفث والفسوق والجدال بغير حق، كما قال الله سبحانه: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" والرفث: هو الجماع في حال الإحرام، ويدخل فيه النطق بالفحش ورديء الكلام. والفسوق يشمل المعاصي كلها.

فنسأل الله أن يوفق حجاج بيت الله الحرام للاستقامة على دينهم وحفظ حجهم مما يبطله أو ينقص أجره، وأن يمن علينا وعليهم بالفقه في دينه والتواصي بحقه والصبر عليه، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 24 مايو 2023, 10:20 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 7:55 pm

الحكمة في تشريع الحج وأحكامه وفوائده
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخليله وصفوته من عباده نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما منّ به من هذا اللقاء في خير بقعة بإخواني في الله؛ للتواصي والتناصح بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والتذكير بالله وبحقه، والتذكير بهذه الشعيرة العظيمة شعيرة الحج، وما فيها من الخير العظيم، والمنافع الكبيرة والعواقب الحميدة للمسلمين في كل مكان.

فأسأله جل وعلا أن يجعله لقاءً مباركاً، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يمنحنا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يتقبل منا ومن سائر إخواننا حجاج بيت الله الحرام وغيرهم من المسلمين، أسأل الله أن يتقبل منا جميع أعمالنا التي نتقرب بها إليه سبحانه وتعالى.

ثم أشكر أخي معالي الشيخ راشد الراجح مدير جامعة أم القرى ورئيس هذا النادي على هذه الدعوة لهذا اللقاء، وأسأل الله جل وعلا أن يبارك في جهوده، وأن يعينه على كل خير، وأن يجعلنا وإياكم وإياه من الهداة المهتدين، إنه خير مسؤول.

أيها الأخوة:
شعيرة الحج أمرها عظيم وفوائدها كثيرة وحكمها متنوعة، ومن تأمل كتاب الله وتأمل السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع عرف عن ذلك الشيء الكثير.

ولقد شرع الله سبحانه هذه الشعيرة لعباده لما في ذلك من المصالح العظيمة، والتعارف، والتعاون على الخير، والتواصي بالحق، والتفقه في الدين، وإعلاء كلمة الله، وتوحيده، والإخلاص له، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة والفوائد التي لا تحصى.

ومن رحمته سبحانه أن جعل الحج فرضاً على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فالحج فريضة عامة على جميع المسلمين: رجالاً ونساءً، عرباً وعجماً، حكاماً ومحكومين، مع الاستطاعة، كما قال عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين". فالآية الكريمة واضحة في أن هذا الحج واجب على جميع الناس مع الاستطاعة.

والحج مرة في العمر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: "لو قلتها لوجبت، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع"، وهذا من تيسير الله أيضاً ومن نعمته العظيمة أن جعلها مرة في العمر؛ لأنه لو كان أكثر من ذلك لكانت المشقة عظيمة بسبب الكلفة الكبيرة بالنسبة للبعيدين عن هذه البقعة المباركة، ولكن الله بلطفه ورحمته جعل الحج مرة في العمر، ومن زاد فهو تطوع.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العُمْرَة إلى العُمْرَة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". متفق على صحته.

وفي الصحيحين أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: "تابعوا بين الحج والعُمْرَة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة".

فالحج له شأن عظيم وفوائد كثيرة، ومن فوائده العظيمة أنه إذا كان مبروراً فجزاؤه الجنة والسعادة وغفران الذنوب، وهذه فائدة كبيرة وكسب لا يقاس بغيره.

والله جل وعلا جعل هذا البيت مثابة للناس وأمناً، كما قال جل وعلا: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا"، يثوبون إليه من كل مكان مرة بعد مرة، ولا يشبعون من المجيء إليه؛ لأن في المجيء إليه خيراً عظيماً وفوائد جمة، وهو مؤسس على توحيد الله والإخلاص له، قال تعالى: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود".

فالله هيأ هذا البيت لخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليقيمه على توحيد الله، والإخلاص له، وعدم الإشراك به، وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أول بيت وضع للناس، قال: "هو المسجد الحرام". والله يقول في كتابه العظيم: "إن أول وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين"، فهو أول بيت وضع للعبادة العامة، وقد بين سبحانه وتعالى أنه أسس على توحيد الله والإخلاص له.

فمن الواجب على كل مسلم قصد هذا البيت أن يخلص العبادة لله وحده، وأن يجتهد في أن تكون أعماله كلها لله وحده: في صلاته ودعائه، في طوافه وسعيه، وفي جميع عباداته؛ ولهذا قال الله تعالى: "وطهر بيتي"، أي طهر مكان البيت من الشرك، "للطائفين"، وقد بدأ بالطواف؛ لأن الطواف لا يفعل إلا في هذا البيت العتيق، ما من عبادة في الدنيا فيها طواف إلا حول البيت العتيق، أما الطواف بالقبور والأشجار والأحجار فهو من الشرك الأكبر، كالصلاة لها والسجود لها، وإن طاف بها تقرباً لله فهو بدعة، ليس هناك طواف يتقرب به لله إلا بالبيت العتيق، وتطهيره يكون بتنزيهه من الشرك بالله والبدع المضلة، وألا يكون حوله إلا توحيد الله والإخلاص له وما شرع من العبادة.

فالواجب على حماة هذا البيت والقائمين عليه، أن يطهروا هذا البيت من الشرك والبدع والمعاصي، حتى يكون كما شرع الله بيتاً مقدساً مطهراً من كل ما حرمه الله.

وفي البيت العتيق آيات بينات: مقام إبراهيم، وأرض الحرم كلها مقامات لإبراهيم، فالصفا والمروة والبيت العتيق ومنى ومزدلفة وعرفات، كلها مقامات تذكر بهذا النبي العظيم، والرسول الكريم، وما بذله من الجهود والأعمال الجليلة في سبيل توحيد الله والإخلاص له، ودعوة قومه إلى توحيد الله واتباع شريعته.

ويقول سبحانه في شعيرة الحج العظيمة:
"الحج أشهر معلومات"، وهي شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة، أي شهران وبعض الشهر، ثم يقول تعالى: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج".

هذه من المنافع العظيمة والفوائد الكبيرة، أن الوافد لهذا البيت العتيق وفد لإخلاص العبادة لله وحده دون الشرك به سبحانه وتعالى، مع التطهر والحذر من كل ما يخالف شرع الله سبحانه، حتى تكون العبادة كاملة لله عز وجل، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، وبذلك يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا حج فلم يرفث ولم يفسق. والرفث هو: الجماع وما يدعو إليه من ملامسات ونظرات وكلمات وغيرها، كما وضح ذلك العلماء رحمهم الله.

والفسوق:
المعاصي كلها، المُحْرِمة في الحج، والمُحْرِمة مطلقاً، ومن المُحْرِم في الحج: قص الأظافر بعد الإحرام، وقص الشعر، والتطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس للرجل، ولبس القفازين للرجل والمرأة، والنقاب للمرأة، إلى غير هذا مما حرم الله على المُحْرِم.

وهناك محرمات عامة، كالزنى والسرقة والظلم في النفس والمال والعرض وأكل الربا إلى غير ذلك مما هو محرم على الجميع في الحج وغيره.

"ولا جدال" وعلى المؤمن أن يكون بعيداً عن الجدال والمراء الذي يثير العداوات والشحناء. فالحج وسيلة للمحبة والتعاون والصفاء، ومن حكمه العظيمة ترك ما يسبب البغضاء والشحناء من رفث أو فسوق أو جدال، فهو وسيلة عظيمة إلى صفاء القلوب واجتماع الكلمة والتعاون على البر والتقوى، والتعارف بين عباد الله في سائر أرض الله.

ولقد كان عند العرب جدال في جاهليتها فنهى الله عن ذلك، فلا جدال في الحج، لا من جهة ما كانت عليه في الجاهلية ولا من جهة ما يسبب البغضاء والشحناء، كل ذلك لا يجوز، فإذا صدر منك لأخيك غيبة فتب إلى الله منها واستسمحه من ذلك حتى تكون الكلمات في الحج كلها تدعو إلى الخير والبر والتقوى والتعاون على الخير والصفاء، والبعد عن كل ما يسبب الفرقة والاختلاف.

أما الجدال بالتي هي أحسن فهذا مطلوب دائماً في كل وقت، قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، هذا مطلوب في حق المُحْرِم وغيره، قال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن "، فلا حرج في الجدال بالتي هي أحسن لإزالة الشبه وإيضاح الحق بأدلته مع البعد عن أسباب الشحناء والعداوة.

ثم قال جل وعلا:
"وما تفعلوا من خير يعلمه الله"، وفي هذا حث وتحريض على أنواع الخير، فعلى الحاج أن يحرص على فعل الخير بكل وسيلة، والله سبحانه يعلمه ويجازيك عليه، والخير يشمل القول والعمل؛ فالكلمة الطيبة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كله خير، والصدقة والمواساة وإرشاد الضال وتعليم الجاهل كله خير، فجميع ما ينفع الحاج أو ينفع المسلم من قول أو عمل مما شرعه الله وما أباحه جل وعلا كله خير.

ثم قال سبحانه وتعالى:
"وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فالله جل وعلا أمر الحاج بالتزود بالنفقة وبكل ما ينفعه في الحج، من العلم النافع والكتب المفيدة وكل ما ينفع نفسه أو غيره، وكلمة "وتزودوا" كلمة مطلقة تشمل أنواع التزود من أمور الدنيا والدين.

قال ابن عباس رضي الله عنهما:
كان أناس يحجون من غير زاد ويقولون: نحن المتوكلون، فأنزل الله تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".

والآية عامة تعم جميع الناس، فعلى جميع الناس في كل أصقاع الدنيا أن يتزودوا من العلم ومن المال ومن كل ما ينفعهم في حجهم، حتى لا يحتاجوا للناس.

والله تعالى يقول:
"فإن خير الزاد التقوى"، أي: خير الزاد للمؤمن ولإخوانه التقوى، أن يتقي الله بطاعته والإخلاص له، وفي نفع إخوانه الحجاج، وتوجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ومواساة المحتاج منهم بالطريقة الحسنة وبالأسلوب المناسب.

ثم كرر سبحانه فقال:
"واتقون يا أولي الألباب"، أمر بعد أمر أكد فيه سبحانه وتعالى التقوى لما فيها من الخير العظيم، كما قال سبحانه: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وسئل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الناس أكرم ؟ قال: "أتقاهم"، فأتقى الناس لله هو أكرمهم عنده وأفضلهم عنده، من عرب وعجم، وأحرار وعبيد، ورجال ونساء، وجن وإنس، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء، ثم بعدهم الأفضل فالأفضل.

وقد قال تعالى:
"يا أولي الألباب"؛ لأن أولي الألباب -وهي العقول الصحيحة- هم الذين يعقلون عن الله، وهم الذين يفهمون مراده، وهم الذين يقدرون النصائح والأوامر، بخلاف فاقدي العقول فلا قيمة لهم، ومن أعرض عن الله وغفل عنه فليس من أولي الألباب، وإنما أولو الألباب المقبلون على الله، الراغبون في طاعته، الراغبون فيما ينفع الناس، الناس كلهم مأمورون بالتقوى، لكن أولي الألباب لهم ميزة؛ لما أعطاهم الله من العقل والبصيرة، كما قال جل وعلا في آية أخرى: "وليذكر أولو الألباب"، فكلنا مأمورون بالتذكر والتقوى لكن أولي الألباب لهم شأن ولهم ميزة في فهم أوامر الله وتنفيذها، وهكذا قوله تعالى: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب"، فيه آيات للجميع لك0ل أحد، لكن لا يفهمها ولا يعقلها ولا يقدرها إلا أولو الألباب.

ويقول سبحانه:
"وأذن في الناس بالحج"، أي: أذن يا إبراهيم وأعلن للناس بالحج، وقد فعل ونادى الناس وأعلن عليه الصلاة والسلام، والدعاة إلى الله ينادون بالحج اقتداء بإبراهيم والأنبياء من بعده، وبنبينا عليه الصلاة والسلام، "يأتوك رجالاً"، أي: مشاة.

وقد استنبط بعض الناس من الآية الكريمة أن الماشي أفضل ولكن ليس بظاهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حج راكباً وهو القدوة والأسوة، عليه الصلاة والسلام، ولكن الراجل يدل فعله على شدة الرغبة وقوتها في الحج، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون أفضل، فمن جاء ماشياً فله أجره والراكب الذي رغب في رحمة الله وإحسانه له أجره وهو أفضل. "وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق"، من كل فج، أي: طريق واسع بعيد من المشرق والمغرب ومن كل مكان، يريدون وجه الله والدار الآخرة.

لماذا أتوا؟ "ليشهدوا منافع لهم"، هذه المنافع أبهمها الله تعالى، ولكنه شرحها في مواضع كثيرة، منها قوله بعد ذلك: "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات"، وكل ما يفعله الحاج من طاعة لله ونفع لعباده مما ذكر ومما لم يذكر كله داخل في المنافع، وهذه من حكم الله في إبهامها، حتى يدخل فيها كل ما يفعله المؤمن والمؤمنة من طاعة لله ونفع لعباده.

فالصدقة على الفقير منفعة، وتعليم الجاهل منفعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفعة، وفي الدعوة إلى الله منافع عظيمة، والصلاة في المسجد الحرام منفعة، والقراءة منفعة، وتعليم العلم منفعة، وكل ما تفعله مما ينفع الناس من قول أو عمل أو صدقة أو غيرها مما شرعه الله أيضاً داخل في المنافع.

فينبغي للحاج:
أن يستغل هذه الفرصة العظيمة ويعمرها بتقوى الله، والحرص على جميع المنافع التي ترضي الله وتنفع عباده، فيشتغل بذكر الله في مكة وفي المشاعر وفي جميع الأماكن، ويشتغل بطاعة الله فيما ينفع الناس، إن كان عنده علم، يعلم الناس ويفقه الناس ويدعو إلى الله ويرشد إليه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كان عنده مال يحسن إلى الناس ويواسي الفقير ويعين على نوائب الحق، ويعمر الوقت بذكر الله وقراءة القرآن، ويعتني بأداء المناسك كما شرعها الله ويتحرى في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظم المنافع أن يكون هدفه في جميع الأمور توحيد ربه والإخلاص له ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدى.

ومما ينبغي للحاج:
أن يتفقه في دينه، ويسأل إذا لم يكن عنده علم، ويحضر حلقات العلم في المسجد الحرام وفي مساجد مكة وفي المسجد النبوي، ويسأل أهل العلم، ويطلب الكتب المفيدة، ويلتمس المنسك الإسلامي الذي ليس فيه ما يخالف الشرع، ويحذر البدع والأقوال المرجوحة، ويتحرى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يكون حجه مبروراً، وحتى تكون رحلته مباركة نافعة له ولغيره، وحتى يستفيد منها بعد ذلك في بلاده.

والحج أحكامه معروفة ومناسكه معلومة لأهل العلم، وقد عرفها الكثير من المسلمين الذين ارتادوا الحج، ولكن الكثير من الناس يجهل الأحكام، فعليه أن يتعلم ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه ويحرص على معرفة الأحكام الشرعية في مسائل الحج، وهكذا كل منسك يتحرى فيه صاحبه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعض عليها بالنواجذ، وهكذا يحرص على كتب أهل العلم التي تعتني بالدليل وإيضاح الحق بحجته ينبغي أن يعتني بها.

ويجب على المؤمن الحاج وغيره أن يحذر كل ما حرم، الله في الحج وفي غيره، في بيته وفي طريقه وفي مجتمعه مع إخوانه وفي كل مكان، وأن يسأل الله التوفيق والإعانة على ذلك، والله جل وعلا يحب من عباده أن يسألوه ويتضرعوا إليه وهو جواد كريم سبحانه وتعالى.

والمشروع للحاج عند وصوله إلى الميقات:
أن يغتسل إذا تيسر له ذلك، وأن يتوضأ ويصلي ركعتين سنة الوضوء إلا أن يكون إحرامه بعد فريضة فإن ذلك يكفيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم في حجة الوداع بعد صلاة الظهر في ذي الحليفة، وإذا كان منزله قريبا من الميقات كأهل الطائف والمدينة واغتسل في بيته كفاه ذلك، لكن لا يحرم إلا إذا وصل الميقات، والمراد بالإحرام نية الحج أو العُمْرَة أو كليهما والتلبية بذلك. أما التجرد من المخيط فلا بأس أن يفعله قبل ذلك في بيته أو في الطريق، وهكذا الغسل كما تقدم.

ويتجرد من المخيط ويلبس ملابس الإحرام، ثم يركب سيارته، والأفضل أن يكون إحرامه بالحج أو العُمْرَة بعد الركوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بعد أن ركب دابته، والمراد بذلك نية الدخول في الحج أو العُمْرَة، ثم يكثر من التلبية ويستمر فيها مع ذكر الله وتسبيحه والاستغفار والتوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل، إلى أن يشرع في طواف العُمْرَة إن كان إحرامه بعمرة، فإذا شرع في الطواف قطع التلبية. أما إن كان إحرامه بالحج فإنه يستمر في التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة، فبعد الرمي صباح العيد يقطع التلبية ويشتغل بالتكبير.

ولابد في رمي الجمار من أن يتحقق أو يغلب على ظنه أن الحجر وصل إلى الحوض، فإن لم يتحقق ذلك أو يغلب على ظنه أعاد الرمي في الوقت، فإن خرج من منى ولم يعد فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً، أما إذا تيسر له أن يعيد الرمي في أيام منى أعاده مرتباً بالنية ولا شيء عليه.

ومن المعلوم أنه يمكن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة بعد رمي الجمار، بعد الزوال. وإذا أحب أن يسافر طاف للوداع وسافر، هذا إذا كان قد طاف طواف الحج، أما إذا لم يكن قد طاف طواف الحج فلا مانع أن يكون طواف الحج هو طواف الوداع، فطواف الإفاضة يكفيه عن طواف الوداع إذا سافر بعده، وإن تأخر ورمى الجمار يوم الثالث عشر بعد الزوال فهذا هو الأفضل وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن غابت عليه شمس يوم الثاني عشر وهو في منى لزمه المبيت وأن يرمي يوم الثالث عشر بعد الزوال، ومن فاته الرمي حتى غابت الشمس يوم الثالث عشر لزمه دم عن ترك هذا الواجب العظيم.

أما فيما يتعلق بعرفة فهي الركن الأعظم للحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، فلابد في الحج من الوقوف بعرفة يوم التاسع بعد الزوال، هذا هو المشهور عند جمهور أهل العلم، ويقول بعضهم: إذا وقف قبل الزوال أجزأه؛ لأنه يعد من عرفة. لكن المشروع أن يقف بعد الزوال إلى غروب الشمس، وإن وقف ليلة النحر أجزأه ذلك قبل طلوع الفجر، ومن فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر فاته الحج، ومن وقف نهاراً وانصرف قبل الغروب فقد ترك واجباً فعليه دم عند جمهور أهل العلم.

ويشرع للحاج أن يكثر في عرفات من الدعاء والذكر والتلبية، مع رفع الأيدي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم مع القصر، بأذان  وإقامتين في مسجد نمرة إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر ذلك، فعلى كل جماعة أن يصلوا في مكانهم تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يبقى الحاج في محله من عرفة، وعرفة كلها موقف، ويدعو الله في جميع الأحوال: جالساً أو مضطجعاً أو قائماً، ويكثر من الذكر والتلبية إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس انصرف بسكينة ووقار وهدوء إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء قبل أن يحط الرحال، بأذان واحد وإقامتين، يصلي المغرب ثلاثاً والعشاء اثنتين، ولا يصلي بينهما شيئاً، ولا بين الظهر والعصر في عرفات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بينهما شيئا.

ويمكن للحاج بعد صلاة المغرب والعشاء أن يفعل ما يشاء، فإن شاء نام، وإن شاء أكل، وإن شاء قرأ القرآن، وإن شاء ذكر الله. ويمكن للضعفاء أن ينفروا إلى منى في النصف الأخير من الليل، والأفضل بعد غروب القمر قبل الزحمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم، رحمة بهم وتخفيفاً عنهم. ويمكنهم الرمي قبل الفجر، ومن أخر الرمي إلى الضحى فلا بأس، والرمي في الضحى للأقوياء هو الأفضل وهو السنة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن طاف بعد الرمي أو قبل الرمي أجزأه، ولكن تأخير الطواف بعد الرمي والذبح والحلق يكون أفضل، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو قدم فلا بأس، وما سئل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "لا حرج"؛ في الرمي والذبح والحلق والتقصير والطواف والسعي.

والخلاصة أن السُّنَّة في يوم العيد:
الرمي أولاً، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، والحلق أفضل، ثم يتحلل، ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي.

وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا جميعاً الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يفقههم في الدين، وأن يرزقهم النشاط المتواصل لمعرفة أمور الدين والتعلم والرغبة فيما عند الله.

كما نسأله سبحانه أن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين في كل مكان لتحكيم شريعة الله والرضا بها وإيثارها على ما سواها، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 7:59 pm

أهداف الحج ومقاصده
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا محمد بن عبد الله، إمام الدعاة إليه، صلى الله وسلم وكرم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء لأخوة في الله، للتناصح والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الخير، وبيان أهداف هذا الحج العظيم والركن الخامس من أركان الإسلام؛ ليعلم المؤمن أهداف هذه العبادة ومقاصدها، فيكون لها أشوق، وفي أداء المناسك أرغب، ويسأل ربه المزيد من كل خير، والعون على كل خير، والقبول لعمله، ثم أشكر القائمين على هذا النادي الأدبي، وعلى رأسهم صاحب الفضيلة معالي الدكتور راشد الراجح على دعوتهم لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يجزيهم عن ذلك خيراً، وأن يضاعف مثوبتهم، وأن يتقبل منا جميعاً أعمالنا وأقوالنا، وأن يعيينا على كل خير، وأن يوفق جميع المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح أحوالهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه.

أيها الأخوة في الله:
الحج له أهداف عظيمة ومقاصد متنوعة وفيه منافع عاجلة وآجلة، منافع في الدنيا والآخرة، من صلاة وصوم وزكاة وحج وغير ذلك، كل شرائعه سبحانه فيها الخير العظيم والمنافع الجمة للعباد في عاجل أمرهم في هذه الدنيا، من صلاح القلوب، واستقامة الأحوال والرزق الطيب، وراحة الضمير، إلى غير ذلك، مع ما في ذلك من العاقبة الحميدة، والفوز الكبير بدار النعيم، مع النظر إلى وجهه جل وعلا، والفوز برضاه.

ومن ذلك الحج، وهو عبادة عظيمة سنوية شرعها الله للعباد؛ لما فيها من المنافع العظيمة وما تهدف إليه من المقاصد الجليلة ولما يترتب عليها من خير في الدنيا والآخرة، وهي عبادة فريضة على جميع المكلفين في أقطار الدنيا، رجالاً ونساءً، إذا استطاعوا السبيل إليها، كما قال جل وعلا: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً"، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت ".

فهذه الدعائم الخمس هي أركان الإسلام وهي عموده التي يقوم بناؤه عليها، وكان فرضه في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة، وفي صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله تعالى عنه في سؤال جبرائيل عن الإسلام والإيمان قال له عليه الصلاة والسلام: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً".

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، وهذا يعم الحج والعمرة جميعاً، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

هذا من مقاصد الحج ومقاصد العمرة، فمن أداها على الوجه المرضي كان جزاؤه الجنة والكرامة وغفران الذنوب وحط الخطايا، ويا لهذا الهدف من خير عظيم وفضل كبير، إن من أتى هذا البيت مخلصاً لله جل وعلا يريد وجهه الكريم، من قريب أو بعيد، ثم أدى هذا الحج على وجه البر لا رفث فيه ولا فسوق، فإن الله جل وعلا يكتب له به الجنة وغفران الذنوب، وهكذا العمرة، يقول: "من أتى هذا البيت"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما".

هذا الهدف العظيم لقاصدي هذا البلد المبارك هو مطلب كل مؤمن وكل مؤمنة، الفوز بالجنة والنجاة من النار وغفران الذنوب وحط الخطايا، والله جل وعلا أخبر عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أنه دعا لأهل هذا البلد، فقال جل وعلا على لسان خليله إبراهيم: "ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم".

واستجاب الله هذا الدعاء، فبعث خليله محمد عليه الصلاة والسلام، في هذه الأمور التي بينها، يتلو عليهم كتاب الله المنزل، ويعلمهم الكتاب وهو القرآن، والحكمة وهي السنة، ويزكيهم بما بعثه الله به من الأخلاق العظيمة والعبادات الرفيعة المتنوعة، ويطهرهم من الأخلاق الذميمة والصفات المنكرة.

فالإسلام طهرة لهم وزكاة لهم من جميع أعمالهم وجميع أخلاقهم المنحرفة، وتوجيه لهم إلى طيب الأعمال وزكي الأعمال، ومن ذلك الحج.

والله بعث محمداً وسائر الأنبياء بما فيه طهارة القلوب وطهارة الأعمال، وصلاح القلوب وصلاح الأعمال، وصلاح الأخلاق.

فمن الزكاة والطهرة إقام الصلوات كما شرعها الله، وأداء الزكاة كما شرعها الله، وصوم رمضان كما شرعه الله، وحج البيت كما شرعه الله، وهكذا أداء بقية الأوامر مع اجتناب النواهي.

فالرسل عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم خاتمهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بعثوا ليطهروا الناس من أخلاقهم الذميمة وأعمالهم الخبيثة، ويزكوهم بالأعمال الطيبة والأخلاق الكريمة، التي أعظمها وأساسها توحيد الله سبحانه وتعالى، وإخلاص العبادة له جل وعلا في جميع الأحوال، وترك عبادة ما سواه، والإيمان به ورسله، وبكل ما أخبر الله به ورسله عما كان وما يكون، والإيمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على دينه.

هذا أصل هذا الدين وأساسه، توحيد الله والإخلاص له، وهو أعظم هدف للحج وأعظم مقصد، أن يأتي العبد مخلصاً لله، يقصد وجهه الكريم ويلبي ويقول: "لبيك لا شريك لك" يريد إخلاص العبادة له وحده، يريد توجيه قلبه وعمله لله سبحانه وتعالى ويكرر: "لبيك اللهم لبيك"، يعني: أنا عبدك مقيم لعبادتك إقامة بعد إقامة، ومجيب لدعوتك على دين رسولك وخليلك إبراهيم وعلى دين حفيده محمد عليه الصلاة والسلام، مجيب لذلك إجابة بعد إجابة، أقصد وجهك، وأخلص لك العمل، وأنيب إليك في جميع الأعمال، من صلاة وحج وغير ذلك: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".

هذا أول شيء يبدأ به قاصد البيت العتيق، إخلاص العبادة لله وحده، والتوجه إليه، والإقرار بأنه سبحانه الواحد الأحد، لا شريك له في الخلق والتدبير والملك، ولا في الأسماء والصفات، فله الأسماء الكاملة، والصفات الكاملة العالية جل وعلا، لا شبيه له ولا مثيل له في ذلك، وله العبادة وحده دون كل ما سواه، فهو مختص بالعبادة وحده دون كل ما سواه كما قال جل وعلا: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"، وقال عز وجل: "فاعبد الله مخلصاً له الدين. ألا لله الدين الخالص"، وقال سبحانه: "إياك نعبد وإياك نستعين"، وقال عز وجل: "ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل".

فالعبادة حقه وما سواه معبود بالباطل، فمن عبد الرسل أو الأنبياء أو الملائكة أو الصالحين أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك فقد عبد الباطل، فالرسل أفضل عباد الله، لكن لا حق لهم في العبادة، فالعبادة حق الله، والملائكة والصالحون من خير عباد الله، من جن وإنس، لكن لا حق لهم في العبادة. العبادة حق الله وحده ليس له فيها شريك قال عز وجل: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"، وقال سبحانه: "وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً"، وقال جل وعلا: "ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ".

فبين سبحانه أن الدعوة لغيره شرك بالله تعالى، سواء كان المدعو ملكاً أو رسولاً أو نبياً أو صالحاً أو جنياً أو صنماً أو غير ذلك. ويقول جل وعلا: "ومن يدع مع الله إلهاً ءاخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون"، فسماهم كفرة بذلك.

فمن أعظم مقاصد الحج وأعظم أهدافه إخلاص العبادة لله وحده، وتوجيه القلوب إليه جل وعلا، إيماناً بأنه يستحق العبادة، وإيماناً بأنه المعبود بالحق، وإيماناً بأنه رب العالمين وحده، وأنه صاحب الأسماء والصفات الكريمة وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا ند له سبحانه وتعالى.

وقد أشار إلى هذا في قوله جل وعلا: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود"، وفي البقرة: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود"، يعبدانه وحده عند بيته الكريم، ويطهران ما حول البيت من الأصنام والأوثان وسائر ما حرم الله من النجاسات ومن كل ما يؤذي الحجيج أو العمار أو يشغلهم عن هدفهم.

فالبيت للمصلين وللطائفين وللعاكفين وهم المقيمون عنده يعبدون الله فيه وفي حرمه، يجب أن يطهر لهم من كل ما يصد عن سبيل الله، أو يلهي الوافدين إليه من قول أو عمل، ثم يقول سبحانه بعد ذلك: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ".

وقد أذن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الناس وأسمع صوته لمن شاء من العباد وأجاب الناس هذه الدعوة المباركة من عهد إبراهيم إلى يومنا هذا.

وقد جاء في آثار فيها نظر أن آدم حج البيت ومن بعده إلى عهد إبراهيم، ولكن الأدلة الثابتة أن أول من قام بتعميره والدعوة إليه هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن الله حرمه يوم خلق السموات والأرض ثم حرمه بحرمة الله إلى يوم القيامة.

ثم قال جل وعلا: "ليشهدوا منافع لهم"، أطلقها وأبهمها لعظمها وكثرتها، منافع عاجلة وآجلة، منافع دنيوية وأخروية، فمنها وأعظمها ليشهدوا توحيده والإخلاص له، في الطواف ببيته، والصلاة في رحاب بيته، والدعوة له سبحانه، والإنابة إليه، والضراعة إليه بأن يقبل حجهم، ويغفر لهم ذنوبهم، ويردهم سالمين إلى بلادهم، ويمن عليهم بالعودة إليه مرة بعد مرة، ليضرعوا إليه جل وعلا.

هذه أعظم المنافع، أن يعبدوه وحده، وأن يأتوا قاصدين وجهه الكريم لا رياء ولا سمعة، بل جاءوا ليطوفوا في بيته، وليعظموه، وليصلوا في رحاب بيته ويسألوه من فضله جل وعلا.

هذه أعظم المنافع وأكبرها، توحيده والإخلاص له، والإقرار بذلك بين عباده، والتواصي بذلك بين العباد الوافدين. يتعرفون هذا الأمر العظيم، ويلبون بأصوات يسمعها كل أحد؛ ولهذا شرع الله رفع الصوت بالتلبية، ليعرفوا هذا المعنى، وليحققوه، وليتعهدوه في قلوبهم وألسنتهم.

وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن جبرائيل أتاني فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال".

فالسنة رفع الصوت بهذه التلبية، حتى يعلمها القاصي والداني، ويتعلمها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وحتى يستشعر معناها ويتحقق معناها، وأن معناها إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه إلههم الحق، خالقهم ورازقهم ومعبودهم جل وعلا في الحج وغيره.


ومن مقاصد الحج أن يتعارف المسلمون ويتواصوا بالحق ويتناصحوا، فيأتون من كل فج عميق من غرب الأرض وشرقها وجنوبها وشمالها، يجتمعون في بيت الله العتيق، في عرفات، في مزدلفة، في منى، في رحاب مكة، يتعارفون ويتناصحون، ويعلم بعضهم بعضاً، ويرشد بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا ويواسي بعضهم بعضاً، مصالح عاجلة وآجلة، مصالح التعليم والتوجيه والإرشاد والدعوة إلى سبيل الله، وتعليم مناسك الحج، وتعليم الصلاة، وتعليم الزكاة، يسمعون من العلماء ما ينفعهم؛ لأن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بما يزكيهم وبما يعلمهم الكتاب والحكمة.

فيسمعون في رحاب بيت الله العتيق وفي رحاب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ذهبوا إليه وزاروه، يسمعون من العلماء ما فيه من الهداية والإرشاد إلى طريق الرشاد، وسبيل السعادة إلى توحيد الله والإخلاص له، إلى ما أوجبه على عباده من الطاعات، وإلى ما حرم عليهم من المعاصي ليحذروها، وليعرفوا حدود الله ويتعاونوا على البر والتقوى.

فمن أعظم المنافع وأجلها أن يتعلموا دين الله، ويتبصروا في رحاب البيت العتيق، ورحاب المسجد النبوي، من العلماء والمرشدين والمذكرين ما قد يجهلون من أحكام دينهم، وما قد يجهلون من أحكام حجتهم وعمرتهم، حتى يؤدوها على علم وبصيرة، وحتى يعبدوا الله في أرضهم وأينما كانوا على علم وبصيرة.

من هنا نبع هذا العلم، ونبع علم التوحيد وصدر، ثم من المدينة، ثم من سائر هذه الجزيرة، ومن سائر بلاد الله التي وصلها العلم وأهله، لكن أصله من هنا من رحاب بيت الله العتيق.

فعلى العلماء أينما كانوا، وعلى الدعاة أينما كانوا، ولا سيما هنا في رحاب بيت الله، أن يعلموا الناس، أن يعلموا الحجيج ويعلموا العمار ويعلموا القاطنين والوافدين والزائرين، يعلمونهم مناسك حجهم، يعلمونهم لماذا خلقوا، وبماذا أمروا، خلقوا ليعبدوا الله، وأمروا بعبادة الله،: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"،: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون".

فعلى العلماء -وفقهم الله- أينما كانوا، ولاسيما الموجودين في رحاب بيت الله العتيق، أن يعلموا الناس، أن يعلموا ضيوف بيت الله الحرام، وأن يرشدوهم في المساجد وفي الطرقات وفي السيارة وفي الطائرة وفي السفينة، في أي مكان، عليهم أن يعلموهم دينهم وما خلقوا له، وأن يرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروهم من أسباب الهلاك، وعليهم بوجه خاص أن يعلموهم مناسك حجهم وعمرتهم التي جاءوا ليؤدوها، يعلموهم في البيوت إذا اجتمعوا في البيوت، وفي الخيمة وفي الطريق وفي المسجد وفي السيارة وفي الطائرة وفي السفينة وفي أي مكان، هكذا المؤمن هكذا العالم هكذا طالب العلم لا يدع فرصة إلا انتهزها للتعليم والتوجيه والإرشاد، والمؤمن هكذا لا يدع فرصة إلا انتهزها للتعلم والاستفادة من العالم وطالب العلم أينما كان، ولا سيما في رحاب بيت الله العتيق في أيام الحج، هذا الموسم العظيم.

فالمسلم مأمور بالتعلم وبالتفقه أينما كان في أي مكان وزمان، ولكن في رحاب بيت الله العتيق الأمر أعظم، هذا له خصائص والحاجة ماسة والحج حاضر فأنت في أشد الحاجة إلى أن تتعلم، ويجب عليك أن تتعلم؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" رواه الشيخان.

فمن علامات الخير لك والسعادة أن تتفقه في دين الله، هنا في بلد الله العتيق وفي بلادك وفي أي أرض كنت من أرض الله متى وجدت العالم، متى وجدت العلم فانتهز الفرصة ولا تتكبر ولا تكسل، فالعلم لا يناله المتكبرون ولا يناله الكسالى والعاجزون، فهو يحتاج إلى نشاط وهمة عالية، ولا يناله المستحون، وهو ليس حياء في الحقيقة الذي يمنع من العلم، ولكنه خور وضعف وعجز؛ يقول مجاهد رحمه الله التابعي الجليل: "لا يتعلم العلم مستحٍ ومستكبر". المؤمن عادة لا يستحي في هذا، يتقدم والمؤمنة كذلك، كل منهما يتقدم، يسأل ويبحث ويبدي ما لديه من الإشكال حتى يزول إشكاله.

ومن علامات السعادة والتوفيق والخير أن تتعلم وأن تتفقه في دين الله؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة".

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلَّم..".

فعلى كل مؤمن ومؤمنة التفقه في دين الله.ومن أهداف الحج والعمرة التبصر والتفكر في دين الله وهذا من أعظم المنافع، ومن منافع الحج نشر العلم بين الحجاج لمن جاء وافداً وعنده علم أيضاً ينشره بين الناس مع إخوانه في مكة، ينشر العلم بين الحجيج وبين رفقائه، وفي الطريق، في السيارة، في الطائرة، في الخيمة، في كل مكان ينشر علمه، فرصة ساقها الله إليك؛ فمن أهداف الحج أن تنشر علمك، وأن توضح للناس ما لديك، لكن بالاعتماد على قول الله ورسوله لا بالآراء الخارجة عن الكتاب والسنة، تعلَّم الناس عن كتاب الله وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعما استنبطه أهل العلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا عن جهل وعدم بصيرة بل بالعلم والبصيرة: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة".

ومن أهداف الحج ومقاصده ومنافعه الاستكثار من الصلوات والطواف: "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق"، فعلى الحاج والمعتمر أن يكثر من الطواف متى قدر عليه من غير مزاحمة ولا مشقة، والإكثار من الصلاة في الحرم وفي مساجد مكة، فالصواب أن التفضيل في الثواب يعم المساجد كلها، يعم الحرم كله، وهو أرجح ما قاله العلماء، فاغتنم الفرصة في المسجد الحرام وفي مساجد مكة وفي بيتك، تطوع من الطواف والإكثار من الصلاة والإكثار من التسبيح والتهليل والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله.

فانتهز فرصة اجتماع هذا الجمع الغفير من الناس من أفريقيا وأوربا وأمريكا وآسيا وغيرها، واحرص على التبليغ عن الله، وعلم مما أعطاك الله، ثم احرص على العمل الصالح من صلاة وطواف، ودعوة إلى الله، وتسبيح وتهليل، وذكر وقراءة قرآن، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعيادة المريض، وإرشاد الحيران إلى غير ذلك من وجوه الخير.

ومن منافع الحج العظيمة إيفاء ما عليك من نذور، من عبادات نذرتها تؤدى في المسجد الحرام، ومن هدايا تذبحها في منى وفي مكة، ومن صدقات تؤديها، وإن كان النذر لا ينبغي، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "النذر لا يأتي بخير"، ولكن إن نذرت طاعة وجب الوفاء بها؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه".

إذاً فإن نذرت في هذا الحرم صلاة أو طوافاً أو غير ذلك، فيجب أن تؤديها في هذا البلد الحرام "وليوفوا نذورهم" ومن المقاصد العظيمة والأهداف العظيمة للحج أن تواسي الفقير وتحسن إليه، من الحجاج وغير الحجاج، في هذا البلد الأمين وفي الطريق وفي المدينة المنورة، تواسي مما أعطاك الله، تواسي الحجيج الفقراء، تواسي من قصرت به النفقة، من عدموا القدرة على الهدي.

هذه هي الأهداف والمقاصد العظيمة، وقد أطلقها عز وجل: "ليشهدوا منافع لهم"، في منافع منوعة، ومواساة الحجيج الفقراء، والإحسان إليهم، وسد خلتهم مما أعطاك الله عز وجل، أو الشفاعة لهم عند من يعطيهم ويحسن إليهم ويسد خلتهم، ومن ذلك مداواة المريض وعلاجه والشفاعة له عند من يقوم بذلك، وإرشاده إلى المستشفيات والمستوصفات حتى يعالج، وإعانته على ذلك بالمال والدواء، كل هذا من المنافع.

ومن المنافع العظيمة التي ينبغي لك أن تلزمها دائماً الإكثار من ذكر الله في هذا البلد الأمين، والإكثار من ذكر الله في كل الأحوال قائماً وقاعداً: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" والدعاء والإلحاح به، فمن المنافع العظيمة أن تجتهد في الدعاء إلى ربك والضراعة إليه أن يتقبل منك، وأن يصلح قلبك وعملك، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يعينك على أداء الحمد الذي عليك على الوجه الذي يرضيه، وأن يعينك على الإحسان إلى عباده ونفعهم، وأن تكون في منفعتهم وفي مواساتهم وفي إعانتهم على الخير، وأن لا يتأذوا منك بشيء، تسأل الله أن يجعلك مباركاً لا تؤذي أحداً، وتنفع ولا تؤذي.

فمن المنافع العظيمة أن تحرص على النفع وعدم الأذى، ولا تؤذ الناس، لا في الطريق، ولا في الطواف، ولا في السعي، ولا في عرفات، ولا في مزدلفة، ولا في منى، ولا في أي مكان، ولا في الباخرة ولا في الطائرة، ولا في السيارة ولا في الخيمة ولا في أي مكان، ولا تؤذهم، لا بسب ولا بكذب، ولا بيدك ولا برجلك، ولا بغير ذلك؛ تتحرى أن تنفع ولا تؤذي أينما كنت، تتحرى أن تنفع الناس من الحجيج وغيرهم، وألا تؤذي أحداً، لا بقول ولا بعمل، هذه من المنافع العظيمة.

ومن المنافع العظيمة للحج أن تؤدي المناسك في غاية من الكمال، في غاية من الإتقان، في غاية من الإخلاص: في طوافك وسعيك ورمي الجمار، وفي عرفات، وفي مزدلفة، تكون في غاية الإخلاص، في غاية من حضور القلب، في غاية من جمع القلب على الله، في دعائك وذكرك وقراءتك وصلاتك، وغير ذلك، تجمع قلبك على الله وتحرص أينما كنت على الإخلاص لله.

ومن المنافع الهدايا، سواء كانت واجبة عند التمتع والقران، أو غير واجبة، تهديها تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى.

وقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين بدنة وأهدى الصحابة، فالهدي قربة إلى الله، تشتري وتنحر وتوزع على الفقراء والمحاويج، في أيام منى أو في غيرها، هدايا تطوع تنفع بها الناس في منى، وفي غير منى، قبل الحج وبعده.

أما هدي التمتع فهو في منى وفي مكة أيضاً، في أيام منى وهي أربعة. أما الصدقة بالذبائح وبالمال ففي أي وقت، لو ذبحت هذه الأيام وتصدقت ووزعتها على الفقراء، ووزعت أطعمة أو ملابس أو دراهم، كله خير، إنما الذي يخص به أيام منى -الأربعة- الهدايا والضحايا، أما التطوعات بالذبائح فوقتها واسع، في جميع الزمان.

هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وعملنا جميعاً، ويتقبل منا ومن سائر الحجاج حجنا وعمرتنا، وأن يعيد الحجاج جميعاً إلى بلادهم سالمين موفقين، مغفوراً لهم، متعلمين متبصرين، وقد عرفوا الحق بدليله، وعرفوا التوحيد على بصيرة، حتى يرجعوا إلى بلادهم غانمين موفقين، قد عرفوا دين الله على بصيرة وقد أدوا حجهم على بصيرة، وعمرتهم ومناسكهم على بصيرة.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يمنحنا الفقه في دينه، وأن يوفق حجاج بيت الله الحرام وعماره لكل ما يرضيه، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يعلمهم ما ينفعهم، وأن يردهم غانمين موفقين سالمين إلى بلادهم، وأن يتقبل من الجميع، إنه جل وعلا جواد كريم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:05 pm

من أهداف الحج
توحيد كلمة المسلمين على الحق
الحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا، وجعله مباركاً وهدى للعالمين، وأمر عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء من بعده، أن يوجه الناس ويؤذن فيهم بالحج بعد ما بوأ له مكان البيت؛ ليأتوا إليه من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين الذي بعث رسله وأنزل كتبه لإقامة الحجة وبيان أنه سبحانه هو الواحد الأحد المستحق أن يعبد والمستحق لأن يجتمع العباد على طاعته واتباع شريعته وترك ما خالف ذلك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله الذي أرسله سبحانه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأمره أن يبلغ الناس مناسكهم، ففعل ذلك قولاً وعملاً عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.

لقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وبلغ الناس مناسكهم قولاً وعملاً، وقال للناس: "خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا"، فشرع لهم أعمال الحج، وأقوال الحج، وجميع مناسكه بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق الجهاد، حتى أتاه اليقين من ربه عليه الصلاة والسلام، فسار خلفاؤه الراشدون وصحابته المرضيون رضي الله عنهم جميعاً على نهجه القويم، وبينوا للناس هذه الرسالة العظيمة بأقوالهم وأعمالهم، ونقلوا إلى الناس أقواله وأعماله عليه الصلاة والسلام بغاية الأمانة والصدق، رضي الله عنهم وأرضاهم وأحسن مثواهم.

وكان أعظم أهداف هذا الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق، وإرشادهم إليه، حتى يستقيموا على دين الله، وحتى يعبدوه وحده، وحتى ينقادوا لشرعه. فمن أجل ذلك رأيت أن تكون كلمتي في هذا المقام بهذا العنوان: "من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق"، وللحج أهداف كثيرة يأتي بيان كثير منها إن شاء الله.

أما بعد:
فإني اشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بأخوة لي في الله، في نادي مكة الثقافي الأدبي؛ للتناصح والتعاون على الخير، وبيان كثير من أهداف هذا المنسك العظيم، وهو حج بيت الله الحرام؛ ليكون حجاج بيت الله الحرام على بصيرة، وليستفيدوا مما شرع الله لهم ومما قد يجهله كثير منهم.

ثم أشكر القائمين على هذا النادي وعلى رأسهم الأخ الكريم الدكتور: راشد الراجح رئيس النادي ومدير جامعة أم القرى على دعوتهم لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يعين القائمين على النادي على كل خير، وأن ينفع بجهودهم المسلمين، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ومن أنصار الحق أينما كان.

أيها الأخوة في الله:
إن الله جل وعلا شرع الحج لعباده، وجعله الركن الخامس من أركان الإسلام، لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع لا تحصى، وقد أشار الله جل وعلا إلى ذلك في كتابه العظيم، حيث يقول جل وعلا: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. إن أول بين وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" فبين سبحانه أن هذا البيت أول بيت وضع للناس؛ أي في الأرض للعبادة والتقرب إلى الله بما يرضيه، كما ثبت في الصحيحين في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: وكم بينهما؟ قال: "أربعون عاماً"، قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فإنها مسجد".

فبين عليه الصلاة والسلام  أن هذا البيت أول بيت وضع للناس هو المسجد الحرام، والمعنى أنه أول بيت وضع للعبادة والتقرب إلى الله عز وجل، كما قال أهل العلم، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن المقصود أنه أول بيت وضع للعبادة والطاعة والتقرب إلى الله عز وجل بما يرضيه من الأقوال والأعمال، ثم بعده المسجد الأقصى بناه حفيد إبراهيم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعاً الصلاة والسلام، ثم جدده في آخر الزمان بعد ذلك بمدة طويلة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك كل الأرض مسجد، ثم جاء مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وهو المسجد الثالث في آخر الزمان على يد نبي الساعة محمد عليه الصلاة والسلام، فبناه بعد ما هاجر إلى المدينة هو وأصحابه رضي الله عنهم.

وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، فالمساجد المفضلة ثلاثة: أعظمها وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ثم المسجد الأقصى. والصلاة في هذه المساجد مضاعفة؛ جاء في الحديث الصحيح أنها في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وجاء في مسجده عليه الصلاة والسلام أن الصلاة في مسجده خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وجاء في المسجد الأقصى أنها بخمسمائة صلاة، وهي المساجد العظيمة المفضلة وهي مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وشرع الله جل وعلا الحج لعباده، لما في ذلك من المصالح العظيمة، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحج مفروض على العباد المكلفين المستطيعين السبيل إليه، كما دل عليه كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً".

وخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، فقال: "أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" فقيل: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فقال: "الحج مرة فمن زاد فهو تطوع". فهو فرض مرة في العمر، فما زاد على ذلك فهو تطوع، على الرجال والنساء المكلفين المستطيعين السبيل إليه، ثم هو بعد ذلك تطوع وقربة عظيمة، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق على صحته.

وهذا يعم الفرض والنفل من العمرة والحج. وقال عليه الصلاة والسلام: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"  وفي اللفظ الآخر: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". أخرجه البخاري، وهذا يدل على الفضل العظيم للحج والعمرة، وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، وأن الحج المرور ليس له جزاء إلا الجنة.

فجدير بأهل الإيمان أن يبادروا بحج بيت الله، وأن يؤدوا هذا الواجب العظيم أينما كانوا إذا استطاعوا السبيل إلى ذلك، وأما بعد ذلك فهو نافلة وليس بفريضة، ولكن فيه فضل عظيم، كما في الحديث الصحيح: قيل: يا رسول الله، أي العمل افضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم أي؟ قال: "حج مبرور" متفق عليه.

وقد حَجَّ عليه الصلاة والسلام حجة الوداع، وشرع للناس المناسك بقوله وفعله، وخطبهم في حجة الوداع في يوم عرفة خطبة عظيمة، ذكرهم فيها بحقه سبحانه وتوحيده، وأخبرهم فيها أن أمور الجاهلية موضوعة وأن الربا موضوع وأن دماء الجاهلية موضوعة، وأوصاهم فيها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله والاعتصام بهما، وأخبر أنهم لن يضلوا ما اعتصموا بهما، وبين حق الرجل على زوجته وحقها عليه، وبين أموراً كثيرة عليه الصلاة والسلام، ثم قال: "وأنتم تسألون عني فماذا أنتم قائلون"؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الأرض ويقول: "اللهم اشهد اللهم اشهد"، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

ولا شك أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام على خير الوجوه وأكملها، ونشهد له بذلك كما شهد له صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد بيَّن عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله وأقواله وأفعاله، وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر، محرماً بالحج والعمرة قارناً بينهما، من ذي الحليفة، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام، وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

بعدما لبى بالحج والعمرة عليه الصلاة والسلام. وكان قد خير أصحابه في ذي الحليفة بين الأنساك الثلاثة، فمنهم من لبى بالعمرة ومنهم من لبى بالحج ومنهم من لبى بهما، وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالتلبية، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، ولم يزل يلبي حتى وصل إلى بيت الله العتيق، وبين للناس ما يقولونه من الأذكار والدعاء في طوافهم وسعيهم وفي عرفات ومزدلفة وفي منى، وبين الله جل وعلا ذلك في كتابه العظيم حيث قال جل وعلا: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين * ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم" إلى أن قال سبحانه وتعالى: "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" الآية.

فالذكر من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى: "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" الآية، وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إنما جُعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله".

وشرع للناس كما جاء في كتاب الله ذكر الله عند الذبح، وشرع لهم ذكر الله عند رمي الجمار، فكل أنواع مناسك الحج ذكر لله قولاً وعملاً، فالحج بأعماله وأقواله كله ذكر لله عز وجل، كله دعوة إلى توحيده والاستقامة على دينه والثبات على ما بعث به رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فأعظم أهدافه توجيه الناس إلى توحيد الله والإخلاص له والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما بعثه الله به من الحق والهدى في الحج وغيره.

فالتلبية أول ما يأتي به الحاج والمعتمر، يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك" يعلن توحيده لله وإخلاصه لله وأن الله سبحانه لا شريك له؛ وهكذا في طوافه يذكر الله ويعظمه ويعبده بالطواف وحده، ويسعى فيعبده بالسعي وحده دون كل ما سواه، وهكذا بالتحليق والتقصير، وهكذا بذبح الهدايا والضحايا، كل ذلك لله وحده، وهكذا بأذكاره التي يقولها في عرفات ومزدلفة وفي منى، كلها ذكر لله وتوحيد له ودعوة إلى الحق وإرشاد للعباد وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده وأن يتكاتفوا في ذلك ويتعاونوا وأن يتواصوا بذلك.

وهم يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، هذه المنافع كثيرة جداً أجملها الله تعالى في الآية وفصلها في مواضع كثيرة، منها الطواف، وهو عبادة عظيمة ومن أعظم أسباب تكفير الذنوب وحط الخطايا، وهكذا السعي، وما فيهما من ذكر الله عز وجل والدعاء، وهكذا ما في عرفات من ذكر الله والدعاء، وما في مزدلفة من ذكر الله والدعاء، وما في ذبح الهدايا من ذكر الله وتكبيره وتعظيمه، وما يقال عند رمي الجمار من تكبير الله عز وجل وتعظيمه، وكل أعمال الحج تذكر بالله وحده وتدعو المسلمين جميعاً إلى أن يكونوا جسداً واحداً وبناءً واحداً في اتباع الحق والثبات عليه والدعوة إليه والإخلاص لله سبحانه في جميع الأقوال والأعمال، وهم يتلاقون على هذه الأراضي المباركة يريدون التقرب إلى الله وعبادته سبحانه، وطلب غفرانه وعتقه لهم من النار.

ولاشك أن هذا مما يوحد القلوب ويجمعها على طاعة الله والإخلاص له واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، ولهذا قال عز وجل: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين"، فأخبر سبحانه أنه مبارك بما يحصل لزواره والحاجين إليه من الخير العظيم من الطواف والسعي وسائر ما شرعه الله من أعمال الحج والعمرة، وهو مبارك تحط عنده الخطايا وتضاعف عنده الحسنات وترفع عنده الدرجات، ويرفع الله ذكر أهله المخلصين الصادقين ويغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم الجنة فضلاً منه وإحساناً إذا أخلصوا له واستقاموا على أمره وتركوا الرفث والفسوق، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، والرفث: هو الجماع قبل التحلل، وما يدعو إلى ذلك من قول وعمل مع النساء كله رفث.

والفسوق:
جميع المعاصي القولية والفعلية، يجب على الحاج تركها والحذر منها، وهكذا الجدال يجب تركه إلا في خير، كما قال جل وعلا: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج".

والحج كله دعوة إلى طاعة الله ورسوله، دعوة إلى تعظيم الله وذكره، دعوة إلى ترك المعاصي والفسوق، دعوة إلى ترك الجدال الذي يجلب الشحناء والعداوة ويفرق بين المسلمين، أما الجدال بالتي هي أحسن فهذا مأمور به في كل زمان ومكان، كما قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وهذا طريق الدعوة في كل زمان ومكان في البيت العتيق وغيره، يدعو إخوانه بالحكمة، وهي العلم بما قاله الله تعالى وقاله رسوله، وبالموعظة الحسنة الطيبة اللينة التي ليس فيها عنف ولا إيذاء، ويجادل بالتي هي أحسن عند الحاجة لإزالة الشبهة وإيضاح الحق.

فيجادل بالتي هي أحسن بالعبارات الحسنة والأساليب الجيدة المفيدة التي تزيل الشبهة وتوضح الحق دون عنف وشدة، فالحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه إلى الخير والإعانة على الحق، فإذا التقى مع إخوانه من سائر أقطار الدنيا وتذاكروا فيما يجب عليهم وما شرع الله لهم كان ذلك من أعظم الأسباب في توحيد كلمتهم واستقامتهم على دين الله وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى.

فالحج فيه منافع عظيمة، فيه خيرات كثيرة؛ فيه دعوة إلى الله، وتعليم وإرشاد، وتعارف، وتعاون على البر والتقوى، بالقول والفعل المعنوي والمادي؛ ولهذا يشرع لجميع الحجاج والعمار أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى، متناصحين حريصين على طاعة الله ورسوله، مجتهدين فيما يقربهم إلى الله، متباعدين عن كل ما حرم الله.

وأعظم ما أوجبه الله توحيده وإخلاص العبادة له في كل مكان وفي كل زمان، ولاسيما في هذه البقعة العظيمة المباركة، فإن من الواجب إخلاص العبادة لله وحده في كل مكان وفي كل زمان، وفي هذا المكان أعظم وأوجب، فيخلص الحاج لله عمله وقوله من طواف وسعي ودعاء وغير ذلك، وهكذا في بقية الأعمال كلها لله وحده جل وعلا مع الحذر من معاصي الله عز وجل، ومع الحذر من ظلم العباد وإيذائهم بقول أو عمل.

فالمؤمن يحرص كل الحرص على نفع إخوانه والإحسان إليهم وتوجيههم إلى الخير، وبيان ما قد يجهلون من أمر الله وشرعه، مع الحذر من إيذائهم وظلمهم: في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله، بل يحب له كل خير ويكره له كل شر أينما كان، ولاسيما في بيت الله العتيق وفي حرمه الأمين وفي بلد رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله جعل هذا الحرم آمناً، جعله آمناً من كل ما يخافه الناس.

فعلى المسلم أن يحرص على أن يكون مع أخيه في غاية من الأمانة، ينصحه ويرشده ولا يغشه ولا يخونه ولا يؤذيه، لا بقول ولا بعمل، فقد جعل الله هذا الحرم آمناً، كما قال تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا"، وقال جل وعلا: "أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا".

فالمؤمن يحرص كل الحرص على تحقيق هذا الأمن، وأن يكون بنفسه حريصاً على الإحسان لأخيه وإرشاده إلى ما ينفعه ومساعدته دنياً و ديناً على كل ما فيه راحة ضميره، وإعانته على أداء المناسك، كما أنه يحرص كل الحرص على البعد عن كل ما حرم الله من سائر المعاصي، ومن جملة ذلك إيذاء العباد، فإن ذلك من أكبر المحرمات، وإذا كان مع حجاج بيت الله الحرام ومع العمار صار الظلم أكثر إثماً، وأشد عقوبة، وأسوأ عاقبة.

فالحج والعمرة نسكان عظيمان من أعظم العبادة التي يترتب عليها خير عظيم، ومنافع جمة، وعواقب حميدة لسائر المسلمين في سائر أقطار الدنيا، فالصلوات الخمس يجتمع فيها العباد في كل بلد يتعارفون ويتناصحون ويتعاونون على البر والتقوى، لكن الحج يجتمع فيه العالم من كل مكان. فإذا كانت الصلوات هي من الخير العظيم لاجتماعهم عليها في أوقات خمسة، فهكذا الحج في كل عام فيه خير عظيم، والأمر فيه أوجب وأعظم من جهة دعوة الناس إلى الخير؛ لأنهم يأتون من كل فج عميق، وقد لا تلقى أخاك الذي تراه في الحج بعد ذلك، وهكذا المرأة عليها أن تحرص وأن تبذل وسعها في إرشاد أخواتها في الله مما علمها الله، فالرجل يرشد إخوانه وأخواته في الله من حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، والمرأة كذلك ترشد إخوانها وأخواتها في الله - مما تعلم- من الحجاج والعمار.

هكذا يكون الحج وهكذا تكون العمرة، فيهما التعاون والتواصي بالحق والتناصح وإرشاد إلى الخير وبذل المعروف وكف الأذى أينما كان الحجاج والعمار، في المسجد الحرام وفي خارج المسجد، في الطواف وفي السعي وفي رمي الجمار وفي غير ذلك، يحرص كل واحد على كل ما ينفع أخاه ويدرأ عنه الأذى في جميع أرجاء البلد الكريم، وفي جميع مشاعر الحج؛ يرجو من الله المثوبة ويحذر مغبة الظلم والأذى لإخوانه المسلمين، وهذا كله داخل في قوله سبحانه: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين"، وإنما كان مباركاً وهدى للعالمين؛ لما يحصل لقاصديه من الخير العظيم في هذا البيت العتيق، من الطواف والسعي والتلبية والأذكار العظيمة، يهتدون بها إلى توحيد الله وطاعته، ويحصل لهم من التعارف والتلاقي والتواصي والتناصح ما يهتدون به إلى الحق، ولهذا سمى الله بيته مباركاً وهدى للعالمين؛ لما يحصل فيه من البركة والخير العظيم، من تلبية وأذكار وطاعة عظيمة، تُبصر العباد بربهم وتوحيده، وتذكرهم بما يجب عليهم نحوه سبحانه، ونحو رسوله عليه الصلاة والسلام، وتذكرهم بما يجب عليهم نحو إخوانهم الحجاج والعمار، من تناصح، وتعاون، وتواص بالحق، ومواساة للفقير، ونصر للمظلوم، وردع للظالم، وإعانة على كل وجوه الخير.

هكذا ينبغي لحجاج بيت الله الحرام ولعماره، أن يوطنوا أنفسهم لهذا الخير العظيم، وأن يستعدوا لكل ما ينفع إخوانهم، وأن يحرصوا على بذل المعروف وكف الأذى، كل واحد مسؤول عما حمَّله الله حسب طاقته، كما قال سبحانه وتعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم".

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يوفق حجاج بيته العتيق وعماره لما فيه صلاحهم ونجاتهم ولما فيه قبول حجهم وقبول عمرتهم ولكل ما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم.

كما أسأله سبحانه أن يرد جميع الحجاج إلى بلادهم سالمين موفقين مسترشدين، مستفيدين من حجهم ما يسبب نجاتهم من النار ودخولهم الجنة واستقامتهم على الحق أينما كانوا.

كما أسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، ولكل ما يعين الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه سبحانه، وقد فعلت الدولة وفقها الله الشيء الكثير من المشاريع والأعمال التي تساعد الحجاج على أداء مناسكهم، وتؤمنهم في رحاب هذا البيت العتيق، فجزاها الله خيراً وضاعف مثوبتها.

ولاشك أن الواجب على الحجاج أن يبتعدوا عن كل ما يسبب الأذى والتشويش من سائر الأعمال، كالمظاهرات والهتافات والدعوات المضللة والمسيرات التي تضايق الحجاج وتؤذيهم، إلى غير ذلك من أنواع الأذى التي يجب أن يحذرها الحجاج.

وسبق أن أوضحنا الواجب على الحجاج بأن يكون كل واحد منهم حريصاً على نفع أخيه وتيسير أدائه مناسكه، وأن لا يؤذيه، لا في طريق ولا في غيره، كما أسأله أن يوفق الحكومة وأن يعينها على كل ما فيه نفع الحجيج وتسهيل أداء مناسكهم، وأن يبارك في جهودها وأعمالها، وأن يوفق القائمين على شئون الحج لكل ما فيه تيسير أمور الحجيج، ولكل ما فيه إعانتهم على أداء مناسكهم على خير حال.

كما أسأله عز وجل أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في عباد الله، وأن يعيذنا وإياهم من اتباع الهوى ومن مضلات الفتن، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:08 pm

توصيات للحجاج وغيرهم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها المسلمون من حجاج بيت الله الحرام:
أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يرضيه والعافية من مضلات الفتن، كما أسأله سبحانه أن يوفقكم جميعاً لأداء مناسككم على الوجه الذي يرضيه، وان يتقبل منكم وأن يردكم إلى بلادكم سالمين موفقين، إنه خير مسئول.

أيها المسلمون من الحجاج وغيرهم:
إن وصيتي لكم هي تقوى الله سبحانه في جميع الأحوال والاستقامة على دينه والحذر من أسباب غضبه، وإن أهم الفرائض وأعظم الواجبات هو توحيد الله والإخلاص له في جميع العبادات، مع العناية باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال، وأن تؤدى مناسك الحج وسائر العبادات على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله وخليله وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وإن أعظم المنكرات وأخطر الجرائم هو الشرك بالله سبحانه، وهو صرف العبادة أو بعضها لغيره سبحانه؛ لقول الله عز وجل: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "، وقوله سبحانه يخاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين"..

حجاج بيت الله الحرام: إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع، وذلك في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وقد علَّم الناس فيها مناسكهم بقوله وفعله، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم".

فالواجب على المسلمين جميعاً أن يتأسوا به في ذلك، وأن يؤدوا مناسكهم على الوجه الذي شرعه لهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد، وقد بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، فأمر عباده بأن يطيعوه، وبين أن اتباعه هو سبب دخول الجنة والنجاة من النار، وأنه الدليل على صدق حب العبد لربه وعلى حب الله للعبد، كما قال الله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقال سبحانه: "وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون".

وقال عز وجل: "من يطع الرسول فقد أطاع الله "، وقال سبحانه: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"، وقال سبحانه: "تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين"، وقال عز وجل: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"، وقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فوصيتي لكم جميعاً ولنفسي تقوى الله في جميع الأحوال والصدق في متابعة نبيه صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله لتفوزوا بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

إلى منى يوم التروية:
حجاج بيت الله الحرام: إن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الثامن من ذي الحجة توجه من مكة إلى منى ملبياً وأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يهلوا بالحج من منازلهم ويتوجهوا إلى منى، ولم يأمرهم بطواف الوداع، فدل ذلك على أن السنة لمن أراد الحج من أهل مكة وغيرهم من المقيمين فيها ومن المحلين من عمرتهم وغيرهم من الحجاج أن يتوجهوا إلى منى في اليوم الثامن ملبين بالحج، وليس عليهم أن يذهبوا إلى المسجد الحرام للطواف بالكعبة طواف الوداع.

ويستحب للمسلم عند إحرامه بالحج أن يفعل ما يفعله في الميقات عند الإحرام: من الغسل والطيب والتنظيف، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك لما أرادت الإحرام بالحج وكانت قد أحرمت بالعمرة فأصابها الحيض عند دخول مكة وتعذر عليها الطواف قبل خروجها إلى منى، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بالحج ففعلت ذلك فصارت قارنة بين الحج والعمرة.

وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً من دون جمع، وهذا هو السنة تأسياً به صلى الله عليه وسلم، ويسن للحجاج في هذه الرحلة أن يشتغلوا بالتلبية وبذكر الله عز وجل وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير، كالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الفقراء.

إلى عرفة بعد طلوع شمس يوم التاسع:
فلما طلعت الشمس يوم عرفة توجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى عرفات منهم من يلبي ومنهم من يكبر، فلما وصل عرفات نزل بقبة من شعر ضربت له في نمرة واستظل بها عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على جواز استظلال المحرم بالخيام والشجر ونحوها.

فلما زالت الشمس ركب دابته عليه الصلاة والسلام وخطب الناس وذكرهم وعلمهم مناسك حجهم وحذرهم من الربا وأعمال الجاهلية، وأخبرهم أن دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام، وأمرهم بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالواجب على جميع المسلمين من الحجاج وغيرهم أن يلتزموا بهذه الوصية وأن يستقيموا عليها أينما كانوا، ويجب على حكام المسلمين جميعاً أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحكموهما في جميع شئونهم وأن يلزموا شعوبهم بالتحاكم إليهما، وذلك هو طريق العزة والكرامة والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وفق الله الجميع لذلك.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الظهر والعصر قصراً وجمعاً جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ثم توجه إلى الموقف واستقبل القبلة ووقف على دابته يذكر الله ويدعوه، ويرفع يديه بالدعاء حتى غابت الشمس، وكان مفطراً ذلك اليوم، فعلم بذلك أن المشروع للحجاج أن يفعلوا كفعله صلى الله عليه وسلم في عرفات، وأن يشتغلوا بذكر الله والدعاء والتلبية إلى غروب الشمس، وأن يرفعوا أيديهم بالدعاء، وأن يكونوا مفطرين لا صائمين، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة"، وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم ملائكته، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن الله يقول يوم عرفة لملائكته: "انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي، أشهدكم أني قد غفرت لهم"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف".

إلى مزدلفة بعد الغروب للمبيت بها
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الغروب توجه ملبياً إلى مزدلفة وصلى بها المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين ثم بات بها وصلى بها الفجر مع سنتها بأذان وإقامة، ثم أتى المشعر الحرام فذكر الله عنده وكبره وهلله ودعا ورفع يديه وقال: "وقفت ها هنا وجمع كلها موقف" فدل ذلك على أن جميع مزدلفة موقف للحجاج يبيت كل حاج في مكانه ويذكر الله ويستغفره في مكانه، ولا حاجة إلى أن يتوجه إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة للضعفة أن ينصرفوا إلى منى بليل، فدل ذلك على أنه لا حرج على الضعفة من النساء والمرضى والشيوخ ومن تبعهم في التوجه من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل عملاً بالرخصة وحذراً من مشقة الزحمة. ويجوز لهم أن يرموا الجمرة ليلا، كما ثبت ذلك عن أم سلمة وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم في آخر الليل.

ذكرت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للنساء بذلك، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد ما أسفر جداً دفع إلى منى ملبياً قبل أن تطلع الشمس، فقصد جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم نحر هديه ثم حلق ثم طيبته عائشة رضي الله عنها ثم توجه إلى البيت فطاف به.

أعمال يوم النحر:
وسئل صلى الله عليه وسلم في يوم النحر عمن ذبح قبل أن يرمي، ومن حلق قبل أن يذبح، ومن أفاض إلى البيت قبل أن يرمي، فقال: "لا حرج" قال الراوي: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج"، وسأله رجل فقال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، فقال: "لا حرج"، فعلم بهذا أن السنة للحجاج أن يبدأوا برمي الجمرة يوم العيد ثم ينحروا إذا كان عليهم هدي ثم يحلقوا أو يقصروا، والحلق أفضل من التقصير فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات للمحلقين، ومرة واحدة للمقصرين.

التحلل الأول والتحلل الأكبر:
وبذلك حصل للحاج التحلل الأول فيلبس المخيط، ويتطيب ويباح له كل شيء حُرم عليه بالإحرام إلا النساء، ثم يذهب إلى البيت فيطوف به في يوم العيد أو بعده، ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، وبذلك يحل له كل شيء حرُم عليه بالإحرام حتى النساء.

أما إن كان الحاج مفرداً أو قارناً فإنه يكفيه السعي الأول الذي أتى به مع طواف القدوم. فإن لم يسع مع طواف القدوم وجب عليه أن يسعى مع طواف الإفاضة.

المبيت بمنى أيام التشريق:
ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فأقام بها بقية يوم العيد واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يرمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال، يرمي كل جمرة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة ويدعو ويرفع يديه بعد الفراغ من الجمرة الأولى والثانية مستقبلاً القبلة ويجعل الأولى عن يساره حين الدعاء، والثانية عن يمينه ولا يقف عند الثالثة.

ثم دفع صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث عشر بعد رمي الجمرات بعد الزوال فنزل بالأبطح وصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

ثم نزل إلى مكة في آخر الليل وصلى الفجر بالناس عليه الصلاة والسلام، وطاف للوداع ثم توجه بعد الصلاة إلى المدينة في صبيحة اليوم الرابع عشر، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.

فعلم من ذلك أن السنة للحاج أن يفعل كفعله صلى الله عليه وسلم في أيام منى، فيرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في كل يوم: كل واحدة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة، ويشرع له أن يقف بعد رميه الأولى ويستقبل القبلة ويدعو ويرفع يديه ويجعلها عن يساره ويقف بعد رمي الثانية كذلك ويجعلها عن يمينه يستقبل القبلة ويدعو، وهذا مستحب وليس بواجب، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقف بعد رمي الثالثة.

فإن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال وقبل غروب الشمس رمى في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل في أصح قولي العلماء رحمة من الله سبحانه بعباده وتوسعة عليهم.

ومن شاء أن يتعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمار بعد الزوال فلا بأس، ومن أحب أن يتأخر حتى يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فهو أفضل؛ لكونه موافقاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

والسنة للحاج أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر، وهذا المبيت واجب عند كثير من أهل العلم  ويكفي أكثر الليل إذا تيسر ذلك، ومن كان له عذر شرعي كالسقاة والرعاة ونحوهم فلا مبيت عليه.

أما ليلة الثالث عشر فلا يجب على الحجاج أن يبيتوها بمنى إذا تعجلوا ونفروا من منى قبل الغروب، أما من أدركه المبيت بمنى فإنه يبيت ليلة الثالث عشر ويرمي الجمار بعد الزوال يوم الثالث عشر ثم ينفر، وليس على أحد رمي بعد الثالث عشر ولو أقام بمنى.

طواف الوداع:
ومتى أراد الحاج السفر إلى بلاده وجب عليه أن يطوف بالبيت للوداع سبعة أشواط؛ لقول النبي صلى الله عليه: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" والنفساء مثلها، ومن أخر طواف الإفاضة فطافه عند السفر أجزأه عن الوداع؛ لعموم الحديثين المذكورين.

وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يتقبل منا ومنكم ويجعلنا وإياكم من العتقاء من النار إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:11 pm

نصيحة لحجاج بيت الله الحرام
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى كل من يطلع عليها من حجاج بيت الله الحرام والمسلمين في كل مكان.

إخواني حجاج بيت الله الحرام:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فمرحباً بكم في بلد الله الحرام، وعلى أرض المملكة العربية السعودية التي شرفها الله تعالى بخدمة الحجاج والعمار والزوار الذين يفدون إليها من كل مكان، ومنَّ عليها بخدمة المقدسات وتأمينها للطائفين والعاكفين والركع السجود.

وأسأل الله عز وجل أن يكتب لكم حج بيته وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في أمن وإيمان، وسكينة واطمئنان، ويسر وقبول، وأن تعودوا إلى دياركم سالمين مأجورين وقد غفر الله لكم وآتاكم من فضله إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير.

إخواني حجاج بيت الله الحرام:
المسلمون بخير ما تناصحوا، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، وتعاونوا على البر والتقوى، ولذلك فإني أذكر إخواني حجاج بيت الله الحرام، بأنهم في أيام فاضلة وأماكن مباركة، وأنهم قدموا من ديار بعيدة وتحملوا مشقات كثيرة استجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقياماً بواجب عظيم، وعمل صالح جليل، أمرهم الله تعالى به حيث قال: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"، وهذا يقتضي منهم أموراً ينبغي المحافظة عليها والعناية بها، حتى يكون حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً بتوفيق من الله وعون، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

ومن هذه الأمور:
أولاً:
يجب على الحاج وغيره أن يخلص نيته وقصده لله تعالى فيجعل عمله خالصاً لوجهه الكريم حتى يقع أجره على الله، وينال ثوابه، قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"، وقال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".

ثانياً:
يجب على الحاج وغيره أن يكون العمل الذي يتقرب به إلى ربه مما شرعه الله تعالى لعباده، وأن يقتدي في أدائه بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، القائل: "خذوا عني مناسككم" رواه مسلم رحمه الله، والقائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري رحمه الله.

وقد قال الله تعالى:
"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"، فالعمل مهما كان صاحبه مخلصاً فيه لله ولم يكن متابعاً فيه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مردود عليه لا يقبله الله، للحديث الصحيح الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم رحمه الله، والله عز وجل يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم".

ثالثاً:
يجب على الحاج وغيره أن يكون على علم وبصيرة بأمور دينه حتى يقوم بها قياماً صحيحاً، ويؤديها أداءً سليماً على الوجه المشروع ؛ فقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"، وقد أمرنا الله تعالى أن نسأل أهل العلم فيما أشكل علينا من أمور ديننا، فقال سبحانه: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، وإنك أخي الحاج ستجد بعون الله في مكة المكرمة، والمدينة النبوية، وفي المشاعر المقدسة، وفي مؤسسات الطوافة بمكة، والأدلاء بالمدينة، علماء عينتهم الدولة -حرسها الله- للإجابة عن أسئلة واستفسارات الحجاج فيما أشكل عليهم من أمور حجهم وعمرتهم خاصة، ومن أمور دينهم عامة وذلك مما يسره الله تعالى للحجاج بفضل منه سبحانه، ثم بفضل حكومة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية -وفقه الله- حتى يكون الحجاج على علم ومعرفة بالحق والصواب فيما يفعلون وفيما يتركون.

فلا تتردد يا أخي في سؤالهم والاستفادة منهم حتى تكون على بينة من أمرك قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقا إلى الجنة" رواه مسلم رحمه الله.

رابعاً:
يجب على الحاج وغيره أن يعلم أن ما شرعه الله لعباده من طاعات وقربات، وما أحل لهم وحرم عليهم من أقوال وأفعال، إنما هي لتزكية أنفسهم وصلاح مجتمعاتهم، وعلى حسب إخلاصهم له، وصدقهم في العمل معه يكون انتفاعهم بذلك في الدنيا والآخرة، وثواب الله خير وأبقى، قال الله تعالى: "قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى".

وقال تعالى:
ونفس وما سواها * فألهمهما فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها".

وقال الله تعالى:
"منْ عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".

والحج -أخي الحاج- من أعظم ما فرض الله على عباده لتزكية أنفسهم وسلامتها من العداوة والبغضاء، والشح والإيذاء، ورغبتها فيما عند الله وتذكيرها بلقائه يوم الدين، لما فيه من بذل الجهد، وإنفاق المال، وتحمل المشاق والصعاب، ومفارقة الأهل والأوطان،وهجر الأعمال الدنيوية، والإقبال على الله بالطاعة والعبادة، والاجتماع بالإخوان في الله الوافدين من سائر أنحاء الأرض: "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات".

فليحرص الحاج على ما يرضي ربه، ويكثر من تلبيته وذكره ودعائه والتقرب إليه بالمواظبة على فعل الطاعات، والبعد عن السيئات، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله تعالى قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.." من حديث رواه البخاري رحمه الله.

وولي الله هو المؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، المستقيم على دينه، بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما قال سبحانه: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون".

ومن أهم ما ينبغي أن يحرص عليه الحاج وغيره المحافظة على أداء الصلوات المفروضة جماعة في أوقاتها وفي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه، ولا سيما المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، فإن لهما ميزة عظيمة على سائر المساجد، والله يضاعف فيهما أجر الصلاة، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" أخرجه أحمد، وابن ماجة رحمهما الله بإسناد صحيح. وأخرج الإمام أحمد مثله عن ابن الزبير وصححه ابن حبان وإسناده صحيح.

وهذا خير جزيل وفضل من الله عظيم ينبغي العناية به والحرص عليه، يقول الله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين".

خامساً:
يجب على الحاج وغيره أن يحفظ لهذه الأماكن المقدسة حرمتها، فلا يهم فيها بعمل سوء، فقد توعد الله من فعل ذلك بعذاب أليم، قال تعالى: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم".

قال عطية العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في بيان معنى الظلم في هذه الآية: هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك، من إساءة أو قتل ؛ فتظلم من لا يظلمك وتقتل من لا يقاتلك، فإذا فعل ذلك فقد وجب له العذاب الأليم. ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية.

فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن لا يؤذي بعضهم بعضاً، لا في نفس ولا في مال ولا في عرض، بل يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.

وقد حرم الله إيذاء المؤمنين والمؤمنات بأي نوع من الإيذاء، في كل مكان وفي كل زمان، فكيف بإيذائهم في البلد الأمين، وفي الأشهر الحرم، وفي وقت أداء المناسك، وفي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟! لاشك أن هذا يكون أشد إثماً وأعظم جرماً، قال الله تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"  وقال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً".

فالمطلوب من الحاج أن يكون سلماً على نفسه، سلماً على غيره، من إنسان  وحيوان، وطير، ونبات، ولا ينالهم منه أذى، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحرمة المسلم عند الله عظيمة، وظلمه معصية كبيرة، والظلم عاقبته وخيمة قال الله تعالى: "ومن يظلم منك نذقه عذاباً كبيراً".

سادساً:
يجب على الحاج وغيره أن يعلم أن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم بالحكمة والموعظة الحسنة، من أعظم واجبات الدين، وبها قوامه وحفظه بين المسلمين، قال الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقال تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم". وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" متفق عليه.

فعلى كل مسلم أن يعنى بهذا الأمر تمام العناية، ولا يقصر فيه، كل بحسب استطاعته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم رحمه الله.

سابعاً:
ينبغي على كل مسلم من الحجاج وغيرهم أن يهتم بأمور المسلمين في كل مكان، وإيصال الخير إليهم، والدفاع عنهم، وتعليم جاهلهم حسب طاقته وعلمه، وأن يعاون المجاهدين منهم الذين يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ورد الكافرين والملحدين من اليهود وغيرهم من أصناف الكفرة عن ديار المسلمين والمقدسات الإسلامية، نصرة للحق، ودفاعاً عن أهله، وذوداً عن بلاد المسلمين، وحماية لها من الأعداء.

ويكون ذلك باللسان والمال والنفس وسائر أنواع المساعدات، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا" متفق عليه.

فلا يجوز للمسلمين أن يسلموا إخوانهم لعدوهم أو يسلموهم للجوع والعري والمرض وفتنة المنصرين والملحدين، يستغلون حاجتهم، وينفثون بينهم سمومهم وأباطيلهم وهذا ما يجب أن يهتم به كل مسلم ويحرص عليه أشد الحرص كلما رأى ضعفاً من المسلمين، لأنهم كما قال الله تعالى: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق".

وأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا والحجاج وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، ولكل ما فيه نصر ديننا، وصلاح أمرنا، وسلامة بلادنا من مكائد أعدائنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين وحكامهم، للحكم بشريعة الله سبحانه، وإلزام الشعوب بها؛ لأنها سبيل السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأن يوفق حكام هذه البلاد بصفة خاصة لكل ما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين، وأن يزيدهم من كل خير، وأن يجزيهم بما قدموا للمسلمين عموماً ولحجاج بيت الله الحرام خصوصاً من مساعدات وتسهيلات أعظم الجزاء وأفضله، وأن يوفق حجاج بيته لأداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، حتى يكون حجهم مبروراً وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفوراً، وأن يردهم إلى بلادهم سالمين غانمين. اللهم آمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:13 pm

من منافع الحج وفوائده
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:
فإن الله سبحانه تعالى شرع الحج لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع جمة أشار إليها سبحانه في قوله عز وجل: "وأذِّن في الناس بالحَجِّ يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتينَ من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير * ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق"، فأوضح سبحانه في هذه الآيات أنه دعا عباده للحج ليشهدوا منافع لهم.

ثم ذكر سبحانه منها أربع منافع:
الأولى: ذكره عز وجل في الأيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق.
الثانية، والثالثة، والرابعة: أخبر عنها بقوله: "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق".

وأعظم هذه المنافع وأكبرها شأناً ما يشهده الحاج من توجه القلوب إلى الله سبحانه، والإقبال عليه، والإكثار من ذكره بالتلبية وغيرها من أنواع الذكر، وهذا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتعظيم حرماته والتفكير في كل ما يقرب لديه ويباعد من غضبه، ومعلوم أن أصل الدين وأساسه وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد، هي تحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً وعقيدة.

فالشهادة الأولى: توجب تجريد العبادة لله وحده وتخصيصه بها من دعاء وخوف ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة ؛ لأن هذا كله حق لله وحده ليس له شريك في ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما قال عز وجل: "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه "، وقال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء "، وقال تعالى: "فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون"، والدين هنا معناه العبادة وهي طاعته، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، بفعل الأوامر وترك النواهي،، عن إيمان بالله ورسله، وإخلاص له في العبادة، وتصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم رغبة في الثواب وحذراً من العقاب، وهذا هو معنى "لا إله إلا الله"، فإن معناها لا معبود حق إلا الله فهي تنفي العبادة وهي الألوهية بجميع معانيها عن غير الله سبحانه، وتثبتها بجميع معانيها لله وحده على وجه الاستحقاق، وجميع ما عبده الناس من دونه من أنبياء أو ملائكة أو جن أو غير ذلك فكله معبود بالباطل، كما قال الله عز وجل: "ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ".

ولهذا الأمر العظيم خلق الله الجن والإنس وأمرهم بذلك فقال عز وجل: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وقال تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون"، وعبادته سبحانه هي توحيده في ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته وطاعة أوامره وترك نواهيه عن إيمان وتصديق ورغبة ورهبة، كما سبق بيان ذلك، وسمى الله سبحانه دينه عبادة؛ لأن العباد يؤدونه بخضوع وذل لله سبحانه ومن ذلك قول العرب: طريق معبد أي مذلل قد وطئته الأقدام، وبعير معبد أي مذلل قد شد عليه حتى صار ذلولاً، وهذه المسألة -أعني مسألة التوحيد والإخلاص لله، وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه- هي أهم المسائل وأعظمها، وهي التي وقعت فيها الخصومة بين الرسل والأمم حتى قالت عاد لهود عليه السلام: "أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا "، وقالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم بالتوحيد: "أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب"، وقالوا أيضاً فيما ذكر الله عنهم في سورة الصافات: "أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون"، بعد قوله سبحانه: "إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون".

فعلم بهذه الآيات وما جاء في معناها، أن أهل الشرك يستنكرون دعوة التوحيد، ويستكبرون عن التزامها ؛ لكونهم اعتادوا ما ورثوه عن آبائهم من الشرك بالله وعبادة غيره.

فالواجب على أهل العلم والإيمان، وعلى أهل الدعوة إلى الله سبحانه، أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يوضحوا حقيقة التوحيد والشرك للناس أكمل توضيح، وأن يبينوه أكمل تبيين؛ لأنه الأصل الأصيل الذي عليه المدار في صلاح الأعمال وفسادها وقبولها وردها، كما قال عز وجل: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين"، وقال تعالى: "ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون".

أما الشهادة الثانية: وهي شهادة أن محمداً رسول الله فهي الأصل الثاني في قبول الأعمال وصحتها وهي تقتضي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبته وتصديق أخباره، وطاعة أوامره وترك نواهيه، وأن لا يعبد الله إلا بشريعته عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وقال سبحانه: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، ولا هداية للصراط المستقيم ؛ إلا باتباعه والتمسك بهداه، كما قال الله سبحانه وتعالى: "وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين".

وقال عز وجل: " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: " من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري في صحيحه.

ويدل على هذا المعنى قول الله سبحانه وتعالى: "تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين". والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ومن منافع الحج وفوائده العظيمة أنه يذكر بالآخرة ووقوف العباد بين يدي الله يوم القيامة؛ لأن المشاعر تجمع الناس في زي واحد، مكشوفي الرؤوس من سائر الأجناس، يذكرون الله سبحانه ويلبون دعوته، وهذا المشهد يشبه وقوفهم بين يدي الله يوم القيامة في صعيد واحد حفاة عراة غرلاً خائفين وجلين مشفقين، وذلك مما يبعث في نفس الحاج خوف الله ومراقبته والإخلاص له في العمل، كما يدعوه إلى التفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليه، حتى يعبد ربه على بصيرة وينتج عن ذلك توجيهه لمن تحت يده إلى طاعة الله ورسوله وإلزامهم بالحق، فيرجع إلى بلاده وقد تزود خيراً كثيراً واستفاد علماً جماً، ولا ريب أن هذا من أعظم المنافع وأكملها، لا سيما في حق من يشهد حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر، ويصغي إلى الدعاة إلى الله سبحانه ويحرص على الاستفادة من نصائحهم وتوجيههم.

وفي الحج فوائد أخرى ومنافع متنوعة خاصة وعامة يطول الكلام بتعدادها، ومن ذلك الطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة والصلاة في المسجد الحرام ورمي الجمار والوقوف بعرفة ومزدلفة والإكثار من ذكر الله ودعائه واستغفاره في هذه المشاعر، ففي ذلك من المنافع والفوائد والحسنات الكثيرة والأجر العظيم وتكفير السيئات ما لا يحصيه إلا الله لمن أخلص لله العمل وصدق في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه والسير على سنته، وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله".

وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً وأن يمنحهم الفقه في دينه ويتقبل منا ومنهم، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قلوبهم وأعمالهم، وينصر دينه ويخذل أعداءه إنه سميع قريب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
 
التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل الأعمال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:
فيسرني كثيراً في مستهل أعداد مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها في مثل هذه الأيام الأمانة العامة للتوعية الإسلامية في الحج لعامها السادس مساهمة في توجيه وتبصير ضيوف الرحمن بمناسك حجهم وعمرتهم وأمور دينهم ودنياهم. نفع الله بها كل من يطلع عليها.

يسرني أن أرحب بكم في بلد الله الحرام، الذي قصدتموه من أماكن بعيدة وجهات نائية، امتثالاً لأمر الله القائل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، وتلبية لنداء إبراهيم خليل الرحمن، الذي قال له ربه: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات"، ولهذا فأنتم تلبون منذ أحرمتم من مواقيتكم قائلين: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

وإني أسأل الله تعالى أن يتم لكم حجكم وعمرتكم في يسر وقبول ويجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً، تعودون بعده وقد خرجتم من ذنوبكم كيوم ولدتكم أمهاتكم، إن ربي سميع الدعاء.

وأحب بهذه المناسبة الكريمة أن أذكركم وأذكر نفسي بأنه يجب علينا أن نحسن نياتنا في كل أعمالنا، ونخلص القصد فيها لله رب العالمين ابتغاء مرضاته وطمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه، فإن الله تعالى لا يقبل عملاً حجاً أو غيره إلا إذا كان صاحبه مخلصاً فيه لربه الذي خلقه ورزقه والذي يُحييه ويميته وإليه النشور، قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء".

وقال تعالى: "فاعبد الله مخلصاً له الدين"
كما يجب علينا أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أعمالنا وأحوالنا في الحج وفي غيره ؛ لأن الله أمرنا بطاعته ومتابعته والاقتداء به، ووعد على ذلك محبته وجنته ورضوانه، قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"، وقال سبحانه: "قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين"، وقال تعالى: "من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا"، وقال سبحانه: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب".

وقد حذرنا الله تعالى من مخالفة أمره فقال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم".

فإن بيان المشروع من العبادات والأعمال لا يعرف إلا من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمره الله أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، فقال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون"، لذلك أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نأخذ عنه مناسكنا، كما أمرنا أن نصلي كما كان يصلي، وقد قال الله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً".

فاحرصوا يا حجاج بيت الله أن يكون حجكم وجميع عبادتكم خالصة لله وموافقة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جهلتم من ذلك فاسألوا أهل العلم، لتكونوا على بينة من أمركم عملاً بقول الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

واعلموا أنكم خرجتم من دياركم وأموالكم وفارقتم أوطانكم وأهليكم تبتغون فضلاً من ربكم وتطمعون في أجره وثوابه، فاحرصوا على ذلك، ولا تضيعوا أوقاتكم سدى، وحافظوا على أداء الصلوات في أوقاتها جماعة، ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وابذلوا النصيحة لإخوانكم في رفق ولين، وبالحكمة والموعظة الحسنة فالدال على الخير كفاعله، والله يقول: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".

وخير الناس أنفعهم للناس فابذلوا من أنفسكم ومالكم ونصحكم وعونكم لإخوانكم وخاصة رفقتكم، واحذروا الخصام والجدال وإيذاء المسلمين بأي نوع من أنواع الإيذاء ولو بالمزاحمة عند الحجر الأسود وفي رمي الجمرات وفي كل موطن يشتد فيه الزحام، فالمسلم حقاً من سلم المسلمون من لسانه ويده، والله تعالى يقول: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب".

فراقبوا الله في السر والعلن في أنفسكم وفي أعمالكم وفي إخوانكم عملاً بقول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب".

ولا تنسوا وأنتم في هذا الموقف العظيم موقف الاستجابة لله وتلبية ندائه، لا تنسوا إخواناً لكم هم الآن يقاتلون عدو الله وعدوكم في كثير من بلاد المسلمين، أجلب عليهم العدو بخيله ورجاله ومؤامراته ومكره وشرد نساءهم وأطفالهم، وهم في حاجة إلى كل عون فلا تبخلوا عليهم بما تستطيعون، واعلموا أن لهم حقاً في أموالكم فلا تمنعوا عنهم حقهم، قال الله تعالى: "وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون" وإن فاتكم شرف الجهاد بالنفس فلا يفوتنكم أجر الجهاد بالمال والدعاء والإنفاق في سبيل الله، فمن جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا، قال تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً"، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".

وإن في بلاد المسلمين صحوة شبابية إسلامية رغم الكبت والضيق الذي يعانونه من كثير من الحكام، هم كذلك في حاجة ماسة إلى تشجيعكم وتأييدكم المادي والمعنوي فلا تضنوا عليهم بذلك، فما أحوجنا إلى شباب مسلم بصير بدينه متمسك به؛ لأن معركتنا مع أعداء الإسلام طويلة ضارية ونحن فيها محتاجون لكل طاقة من طاقات المسلمين، وأنتم تعلمون بما حل بالقدس الشريف والمسجد الأقصى نعم نحن محتاجون في هذه المعركة إلى مال الأغنياء وجهد الفقراء، محتاجون فيها إلى حكمة الشيوخ وعزم الشباب، محتاجون فيها إلى إقدام الرجال وعون النساء، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

وقد قضى الله تعالى أن لا ينتصر الإسلام إلا بجهاد أتباعه ضد أعدائه، كما قال تعالى: "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم. يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "، ومن أصدق من الله قولاً ومن أوفى من الله وعداً؟

وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح ديننا ودنيانا وهيأ لنا من أمرنا رشداً ونصرنا على أنفسنا وأعدائنا، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق حكام المسلمين لما فيه سعادتهم وعزهم ونجاتهم ونجاة شعوبهم في الدنيا والآخرة ويرزقهم البطانة الصالحة، إنه نعم المولى ونعم النصير.
وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

الإخلاص لله جل وعلا في العمل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام وقراء هذه المجلة في كل مكان، وفقهم الله لما فيه رضاه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

 أما بعد:
فإنه في مستهل العدد الأول من مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها الأمانة العامة للتوعية الإسلامية في الحج، يطيب لي أن أرحب بكم على هذه الأرض المقدسة التي جعلها الله قبلة للمسلمين ومثابة للناس وأمناً، وأهنئكم بتوفيق الله لكم لأداء مناسك الحج والعمرة تلبية لدعوته واستجابة لأمره، حيث يقول جل شأنه: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، ويقول: "وأتموا الحج والعمرة لله"

وإني إذ أرحب بكم نيابة عن حكومة جلالة الملك خالد وسمو ولي عهده -وفقهما الله- أحب أن أشير إلى أن هناك جهوداً كبيرة تبذلها هذه الحكومة الرشيدة في سبيل خدمة الحجاج ضيوف الرحمن، وفي مقدمتها تجنيد مجموعة كبيرة من الدعاة والمترجمين بأغلب لغات المسلمين لتعليم وتوجيه الحجاج وتبصيرهم بأمور دينهم وحجهم في أماكن تجمعاتهم حتى يكونوا على بينة منها، عملاً بقول الله تعالى: "قل هذه سبيلي أدعو على الله أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين".

وما هيئة التوعية الإسلامية في الحج التابعة لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، التي تقوم بإصدار هذه المجلة التي بين أيديكم، وأربع مجلات أخرى بلغات أخرى، إلا ثمرة من ثمار هذه الجهود المبذولة، ولذلك فإنها تلقى من حكومة جلالة الملك، ومن ولي عهده الكريم، كل عون ودعم وتأييد، حتى تؤدي رسالتها، وتقوم بواجبها على أتم وجه وأكمله، بعون الله وتوفيقه.

وإني إذ أشكر لهيئة التوعية الإسلامية في الحج جهودها الطيبة في السنوات الماضية، فإني أطالبها بالمزيد من العمل والجد في توجيه الحجاج، وتبصيرهم بدينهم ومناسك حجهم، في كل مشهد من المشاهد ومنسك من المنسك، في هذا العام وفي كل عام إن شاء الله، وإني أسأل الله تعالى للقائمين بأعمالها التوفيق والسداد حتى يكونوا عند حسن الظن بهم، يقول سبحانه: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً".

ونصيحتي لنفسي ولإخواني الحجاج والمسلمين في كل مكان:
أولاً:
أن يخلصوا أعمالهم وحجهم لله ربهم، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، كما قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"، ويقول سبحانه: "ألا لله الدين الخالص "، ويقول عز وجل: "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين. وأمرت لأن أكون أول المسلمين "، وما تلبية الحجاج إلا براءة من الشرك وإعلان لتوحيد الله وتخصيصه بالإجابة والطاعة دون من سواه.

ثانياً:
أن يكون عملهم وحجهم موافقاً لما جاء به النبي الأمين صلى الله عليه وسلم عن ربه فإن أي عمل لم يأت به صلى الله عليه وسلم مهما كان لونه ومهما كان القصد منه فهو مردود على صاحبه؛ لأنه مما لم يشرعه الله لعباده، والله تعالى ما تعبد الناس إلا بما شرعه لهم وما عدا ذلك فهو من اتباع الهوى الذي نهانا الله عنه، قال الله تعالى لنبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين"، ويقول الله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين"، ويقول: "من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا". وفي الحديث الصحيح: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي رواية أخرى "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

فاتبعوا ما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا تبتدعوا في دينكم فقد كفيتم، والله سبحانه وتعالى لم يقبض نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أكمل الدين وأتم النعمة وأنزل قوله الحكيم: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، فما لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ديناً فليس اليوم بدين، ومن حسن للناس شيئاً لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فقد شرع للناس ما لم يأذن به الله، ومن تبعه في ذلك فقد جعله لله شريكاً في التشريع وهو من خصائص الألوهية، وقد قال الله تعالى عمن فعل ذلك:"أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم"

ثالثاً:
أن يحافظوا على أوقاتهم فلا يضيعوها في لهو أو لعب وإنما ينبغي أن يغتنموا أوقاتهم فيما ينفع ويفيد، من أمور دينهم ودنياهم، فإن الوقت هو الحياة، ومن أضاع وقته أضاع حياته، ومن أضاع حياته ندم ولا تنفعه الندامة، وتمنى الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحاً فلا تتحقق له أمنية، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون. وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين. ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون".

وينبغي لحجاج بيت الله خاصة أن يجتهدوا في العبادة لله، فما خرجوا من ديارهم وأهلهم إلا ليحصلوا الأجر والثواب، فيجب أن يجتنبوا الخصام والجدال فيما بينهم، حتى يعودوا من حجهم وقد خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وإنه لحظ عظيم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

وينبغي أن يسود بينهم الحب والإيثار والتعاون على البر والتقوى، ولا يؤذ بعضهم بعضاً عند أداء المناسك والوقوف بالمشاعر، فإن إيذاء المسلم ذنب كبير ينبغي الحذر منه.

رابعاً:
أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به المسلمين كل بحسب استطاعته، كما قال سبحانه: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ".

وجاء في الحديث الصحيح:
"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، فولاة الأمور يغيرون باليد ممن لهم عليهم ولاية، وهكذا كل من له قدرة على الإنكار باليد، كرب البيت، ورئيس الحسبة حسب ما لديه من الصلاحيات ونحوهم، وأولوا العلم يغيرون المنكر بالحجة والبرهان، وعامة الناس يغيرون بالقلب إذا لم تكن عندهم قدرة على القول، وصفة إنكار المنكر بالقلب كراهة ومفارقة مجالس المنكرات، وعدم الجلوس فيها، وإلا فإنهم إذا مثلهم، والله تعالى يقول: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ".

وفقنا الله وإياكم لطاعته، وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وجعل حجنا وحجكم مبروراً وذنبناً وذنبكم مغفوراً وسعينا وسعيكم مشكوراً. ونسأله تعالى أن يوفق حكام المسلمين للعمل بالإسلام وتطبيق شريعته وإقامة حدوده حتى لا تكون فتنة وحتى يكون الدين كله لله. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:17 pm

الدين النصيحة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى إخواني في الله حجاج بيت الله الحرام، وفقهم الله لأداء مناسك حجهم على الوجه الذي شرعه الله ومنحهم القبول والمغفرة.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فبسم الله نبدأ، وبه نستعين، وعليه نتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحانك ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

اللهم إنا نحمدك على نعمة الإسلام، ونشكرك على أن هديتنا للإيمان، ونسألك أن تثبتنا على دينك وطاعتك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

أيها الحاج الكريم:
لقد أنعم الله عليك نعمة عظيمة، إذ بلغك بلده الأمين، الذي جعله الله مهوى أفئدة المؤمنين، وجعل فيه بيته العتيق ليكون قبلة للمسلمين يتجهون إليه في صلاتهم ودعائهم لله عز وجل.

جئت إلى بلد الله الحرام بعد أن قطعت الفيافي، وتكبدت المشاق وتحملت وعثاء السفر لكي تبلغ ما بلغت.

ولاشك في أنك حين خرجت من بيتك، وتركت أهلك ومالك وولدك، إنما فعلت ذلك ترجو عفو الله ومغفرته، ثم إنك لا شك ترجو أن ترجع إلى بلدك وقد غفر الله لك ذنبك، فعدت كما ولدتك أمك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

ولكي يتحقق ذلك إن شاء الله فإني أوصيك ونفسي والمسلمين بالوصايا الآتية، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قيل لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابة ولأئمة المسلمين وعامتهم " خرجه مسلم في صحيحه - وهي:
1-    أوصيك أن يكون عملك خالصاً لله تعالى، بعيداً عن الرياء والسمعة، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له وابتغي به وجهه. قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"، وقال جل شأنه: "فاعبد الله مخلصاً له الدين. ألا لله الدين الخالص" والعمل الخالص ما كان لله وحده لا شريك له، قال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".

ومن إخلاص العمل لله، أن تصرف العبادة كلها له وحده، فلا تدعو غيره، ولا تستغيث بسواه ولا تلجأ إلا إليه، ولا تستعين إلا به، ولا تتوكل إلا عليه سبحانه وتعالى، وهناك شرط آخر لصحة العمل وقبوله وهو أن يكون موافقاً لشريعة الله التي أنزلها على نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أخرجه مسلم في صحيحه، وعلقه البخاري جازماً به، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق على صحته.

2-    وأوصيك بتقوى الله في جميع الأحوال، والتقوى هي جماع الخير، وهي وصية الله سبحانه للأولين والآخرين، ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله "، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي في خطبه كثيراً بتقوى الله تعالى، وحقيقة التقوى أداء ما افترض الله على العبد وترك ما حرم عليه، عن إخلاص ومحبة له سبحانه، ورغبة في ثوابه وحذر من عقابه، على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا يكفر".

وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "ليست تقوى الله بصيام النهار، ولا قيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله أداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير".

وقال طلق بن حبيب التابعي الجليل رضي الله عنه: "تقوى الله سبحانه هي أن تعمل بطاعته، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله".

وهذا كلام جيد ومعناه أن الواجب على المسلم أن يتفقه في دين الله، وأن يطلب العلم ما وسعه جهده حتى يعمل بطاعة الله على بصيرة ويدع محارم الله على بصيرة، وهذا هو تحقيق العمل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن الشهادة الأولى تقتضي الإيمان بالله وحده، وتخصيصه بالعبادة دون ما سواه، وإخلاص جميع الأعمال لوجهه الكريم، رجاء رحمته وخشية عقابه.

والشهادة الثانية تقتضي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وتصديق أخباره واتباع شريعته والحذر مما خالفها.

هاتان الشهادتان هما أصل الدين وأساس الملة، كما قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم"، وقال سبحانه: "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم"، وقال عز وجل: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوت والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون".

3-    وأوصيك بأن يكون زادك حلالاً ونفقتك حلالاً فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"، وعرفنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المرء الذي لا يتحرى الحلال في المطعم والملبس  والمشرب على خطر عظيم، فذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ فعليك يا أخي الحاج أن تختار لحجك نفقة طيبة تعينك على إجابة الدعاء وقبول العمل إن شاء الله تعالى.

4-    وأوصيك أن تبتعد عن كل ما يغضب الله عز وجل من الأقوال والأعمال، وهذا أمر يتأكد على المسلم في كل وقت، إلا أنه في الحج آكد، فالواجب عليك أن تصون حجك عما حرم الله عليك من الرفث والفسوق، وأن تستقيم على طاعة الله، وأن تتعاون مع إخوانك في الله على البر والتقوى حتى يكون حجك مبروراً وسعيك مشكوراً، والحج المبرور هو الذي سلم من الرفث والفسوق والجدال بغير حق، كما قال تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج "، ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث. المتقدم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، والرفث هو الجماع في حال الإحرام، ويدخل فيه القول بالفحش ورديء الكلام، والفسوق يشمل المعاصي كلها، أعاذنا الله وإياك والمسلمين من كل ذلك.

5-    ثم أوصي نساء المؤمنين بوصية خاصة، هي وصية الله عز وجل لهن، حيث قال جل شأنه: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن"، فالواجب عليهن التستر والتحجب عن الرجال عدا المحارم، وترك إظهار الزينة، والحذر من التعطر حين خروجهن ؛ لأن ذلك يسبب الفتنة بهن؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات"، ومعنى تفلات: أي لا رائحة تفتن الناس، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا الصلاة".

وقالت عائشة رضي الله عنها: "لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء اليوم لمنعهن من الخروج"، فالواجب على النساء أن يتقين الله، وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز بعض المحاسن، كالوجه واليدين والقدمين عند اجتماعهن بالرجال، وخروجهن إلى الأسواق، وهكذا في وقت الطواف والسعي، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن الرؤوس ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق ؛ لأن ذلك أعظم أسباب الفتنة ؛ ولهذا قال الله عز وجل: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" والتبرج: إظهار بعض محاسنهن.

وقال عز وجل: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلالبيبهن " والجلباب: هو الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها ووجهها وصدرها وسائر بدنها، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلاليب ويبدين عيناً واحدة "، وقال تعالى: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال بأيديهم سياط مثل أذناب البقر، يضربون بها الناس". خرجه مسلم. معنى كاسيات عاريات: كاسيات من نعم الله  عاريات من شكرها، وفسر بأن عليهن كسوة رقيقة أو قصيرة لا تسترهن، فهن كاسيات بالاسم والدعاوى، عاريات في الحقيقة، ومعنى مائلات مميلات: أنهن مائلات عن الحق مميلات لغيرهن إلى الباطل والفحشاء والمنكر.

ولا ريب أن هذا الحديث الصحيح يوجب على النساء العناية بالتستر، والتحجب والحذر من أسباب غضب الله وعقابه، والله المستعان.

6-    وأعود فأوصيك أيها الحاج الكريم بأن تكون مقتدياً في جميع أفعالك وأقوالك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه الطاهرين رضي الله عنهم، فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".

ولكي يتحقق لك ذلك فعليك بالبحث عن العلماء، والقرب منهم، مستفسراً منهم عن أمور دينك، وقد قال الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" وقال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".

وهذه المجلة التي بين يديك، والتي تصدر عن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، تقدمها لك هيئة التوعية الإسلامية في الحج، تدخل الآن عامها الثامن، وتواصل مسيرتها بعون الله وتوفيقه نحو تحقيق أهدافها، إنها مجلتك ومجلة كل مسلم، فاحرص على اقتنائها واعتبر نفسك عضواً عاملاً فيها قارئاً وكاتباً، فهي منك وإليك، فابعث بما يمن الله به عليك من آراء وأفكار ومقترحات تخدم الإسلام وتقوي شوكة المسلمين.

ثم ادع الله معي أن يوفق العاملين في هذه المجلة، وأن يأخذ بأيديهم إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يلهمهم الرشد والصواب في كل ما يقومون به، وأن يبارك جهودهم ويعظم أجرهم إنه ولي ذلك والقادر عليه. وتقبل الله من الجميع أفعالهم وأقوالهم وأصلح نياتهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.


تحقيق معنى الشهادة بالقول والعمل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه..

أما بعد:
فإن الله جل وعلا جعل موسم الحج مؤتمراً لعباده، يجتمعون فيه من أنحاء الدنيا ومن سائر أجناس البشر، يريدون القربة إلى الله وسؤاله والضراعة إليه ويطلبون حط ذنوبهم وغفران سيئاتهم، ويرفعون إليه جميع حوائجهم، يسألونه سبحانه من فضله، ويتوبون إليه من تقصيرهم وذنوبهم، ويتعارفون فيه، ويتشاورون ويتناصحون، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، وذلك من جملة المنافع التي أشار إليها سبحانه في قوله عز وجل: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام".

والله عز وجل ذكر أنهم يحضرون من كل فج عميق، من الشرق والغرب والجنوب والشمال، ليشهدوا هذه المنافع، من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات وبالمزدلفة ويرمون الجمار، وينحرون الهدايا ويحضرون مجالس العلم والذكر، ويسألون أهل العلم عما أشكل عليهم ويتناصحون بينهم، ويستفيد بعضهم من بعض ويحسن بعضهم إلى بعض، هكذا يجب على المسلمين ؛ وهكذا شرع الله لهم، وهو خلقهم سبحانه لهذا الأمر، خلقهم ليعبدوه والحج من عبادته، والعبادة أنواع، أعظمها وأهمها عبادتهم إياه سبحانه لتوحيده، وهو الإخلاص له، فيشهد أنه لا معبود بحق إلا الله، ويشهد أن نبيه محمداً رسول الله، شهادة تقتضي العمل، لا مجرد الشهادة بالقول، بل شهادة معها العمل والصدق والإخلاص في العبادة لله وحده، معها متابعة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومعها الإيمان لجميع المرسلين الماضين، وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمان.

قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، يبين سبحانه أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته وإفراده بالعبادة، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا هو أصل الملة وأساس الدين، وأساس السعادة ألا تعبد إلا ربك، وأن تخص ربك بدعائك وخوفك، ورجائك وصلاتك وصومك وذبحك، ونذرك وغير ذلك.

فالعبادة حق الله وحده، وهي أعظم شيء خلق له العباد، وهي أكبر شيء أمروا به وفرض عليهم، ثم يلي ذلك الشهادة بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين الماضين، فالإنس هم بنو آدم والجن هم بنو الجان بنو الشيطان، فيهم الطيب والخبيث، فيهم الصالح والطالح، كما قال عز وجل: " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا"، وقال سبحانه: " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون"، وهكذا بنو آدم فيهم الصالح والطالح، فيهم الكافر والمسلم، فيهم البر التقي والكافر الشقي، قال جل وعلا: "خلق الإنسان من صلصال كالفخار. وخلق الجان من مارج من نار".

فجميع الثقلين من الجن والإنس خلقوا ليعبدوا الله وليطيعوه وليعظموه ويخصوه بالعبادة، لا يعبدون معه كوكباً، ولا نبياً ولا ولياً ولا شجراً ولا صنماً ولا حجراً، ولا غير ذلك، بل عليهم أن يعبدوه وحده سبحانه وتعالى، ويخصوه جل وعلا بالدعاء، فلا يدعى إلا هو سبحانه وتعالى، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يذبح إلا له، ولا ينذر إلا له، ولا يصلى إلا له، ولا يسجد إلا له.

وبهذا تعلم أيها المؤمن أيها البصير العاقل، أن ما قد يقع من بعض الجهال في كثير من البلدان والأمصار، من التوجه إلى أصحاب القبور بالدعاء والاستغاثة، أن هذا يضاد قول لا إله إلا الله، وأن الواجب على جميع الثقلين، أن يخصوا الله بالعبادة، وأن يتركوا دعوة الأموات والاستغاثة بهم، فالميت عاجز، والنذر له والذبح له، وطلبه المدد منه شرك أكبر بالله عز وجل، ويضاد قول لا إله إلا الله ويناقضها، وعليك مع ذلك أن تتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وتنقاد لأوامره ؛ لأن هذا مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله، هذه الشهادة توجب عليك اتباعه وتصديقه، والانقياد لأوامره عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال عز وجل: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، وقال عز وجل: "من يطع الرسول فقد أطاع الله"، وقال سبحانه: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ".

وهذا الموسم موسم الحج فرصة للمؤمن يسمع آيات الله ويسمع كلام أهل العلم في المسجد الحرام، وفي المساجد الأخرى، وفي الحلقات العلمية، وفي الخطب  وفي غير ذلك من أنواع الدعوة والتذكير في سائر الأماكن، ويسمع ما يذاع وينشر من الدعوة إلى الله، من طريق الإذاعة أو التلفاز، يسمع ما يذاع وينشر عن دعوة الله وإخلاصه وعن توحيده سبحانه، وعن طاعة أوامره وترك نواهيه.

ثم يلي هذا الأمر أمر الصلاة، فإنها عمود الإسلام، فكثير من الناس يتساهل في الصلاة، وهذا منكر عظيم وخطر كبير، الصلاة عمود الإسلام، أعظم من الحج، وأعظم من الصيام، وأعظم من الزكاة، هي أعظم واجب بعد الشهادتين، فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية بالصلاة، ففي الحديث الصحيح يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة " والله يقول في كتابه العظيم: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" وهي العصر، يقول سبحانه: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" ، ويقول سبحانه: "قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى غير ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون".

وهذا جزاؤهم في الآخرة، فهذه الآيات فيها صفات متعددة للمؤمنين، بدأها بالصلاة وختمها بالصلاة، فدل ذلك على عظم شأن الصلاة، وأن أهلها مفلحون سعداء، كما قال سبحانه: "قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون" إذا دخلوا للصلاة خشعوا فيها واطمأنوا، وخضعوا لله وجمعوا قلوبهم على صلاتهم وسكنوا فيها، يعظمون الله ويقرأون كتابه، ويسبحونه ويقدسونه ويسألونه من فضله. قائماً يقرأ، ثم يركع معظماً لله ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، في ركوعه معظماً لربه جل وعلا، ثم يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، إذا كان إماماً أو منفرداً.

وإذا كان مأموماً، قال ربنا ولك الحمد، ثم يحمد ربه، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد، ثناء على الله عز وجل، ثم ينحط ساجداً مكبراً ويسجد على سبعة الأعضاء، على جبهته وأنفه وعلى يديه وعلى ركبتيه وعلى أطراف قدميه، خاضعاً لربه مطمئناً خاشعاً، يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو ربه، ويسأله من فضله في هذا السجود، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرَّب وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يُستجاب لكم" يعني حري أن يُستجاب لكم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"، ثم يرفع من السجود مكبراً ويجلس بين السجدتين خاشعاً مطمئناً خاضعاً لربه، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، ثم يكبر ويسجد الثانية خاضعاً لله، ويقول سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو ربه، وهكذا يتم صلاته بخشوع وخضوع وطمأنينة.

فالصلاة لها شأن عظيم، من حافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها ضيع دينه، -نعوذ بالله من ذلك-. ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمَنْ تركها فقد كفر" فعلينا أن نحذر التهاون بها، علينا أن نحافظ عليها في جميع الأوقات. والرجل يصليها في الجماعة، والمرأة تصليها في بيتها، مع الخشوع والخضوع والطمأنينة.

ثم يلي ذلك الزكاة وهي حق المال. الزكاة لها شأن عظيم، إذ هي الركن الثالث من أركان الإسلام، فعلى من عنده مال يبلغ النصاب أن يزكي، وأن يصرف الزكاة على أهلها المستحقين لها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت ".

والله سبحانه يقول: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "، فالزكاة أخت الصلاة وقرينتها، فالواجب على المؤمن أن يحذر التساهل بها أو البخل بها، فقد وعد الله من بخل بالزكاة أن يعذب بماله يوم القيامة، نعوذ بالله من ذلك، فعليك يا عبد الله أن تعتني بالزكاة، وأن تؤدي حق الله من مالك، وأن تدفعه إلى المستحقين من الفقراء والمحاويج وغيرهم من أصناف الزكاة.

وهكذا الصيام الركن الرابع. صيام رمضان في كل سنة، ركن عظيم لابد منه في حق الرجال والنساء جميعاً، ومن صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، هذه نعمة عظيمة.

ثم الحج هو الركن الخامس حج بيت الله الحرام في العمر مرة واحدة، وهذا من تيسير الله وتسهيله، مرة في العمر، وهكذا العمرة وهي الزيارة للبيت مرة في العمر، والباقي سنة نافلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" فمن أتى البيت العتيق وحج كما شرع الله، غفر الله له وأدخله الجنة إذا مات على ذلك.

فعليك يا عبد الله أن تعرف مقدار حجك، وأن هذه نعمة عظيمة وأن تستفيد من هذا الحج، بحضور مجالس العلم، وحلقات العلم وسؤال أهل العلم عما أشكل عليك، وأن تسأل ربك في طوافك وسعيك وفي صلاتك وسائر أحوالك أن يثبتك على الإيمان وأن يمنحك الفقه في الدين وأن يعيذك من نزغات الشيطان.

وعليك أن تصحب الأخيار دائماً في بلادك، وفي كل مكان، عليك أن تحرص على صحبة الأخيار أهل الدين، وأهل الخير والاستقامة، وعليك أن تحذر صحبة الأشرار الذين يضيعون الصلوات، ويتعاطون المسكرات، ويفعلون المنكرات، احذر صحبتهم، احذر صحبة الأشرار، فالصاحب الطيب مثل حامل المسك، والصاحب الخبيث مثل نافخ الكير، فالمؤمن يحذر، وهكذا المؤمنة تحذر صحبة الأشرار ؛ لأنهم يجرون إلى معاصيهم وشرهم إلا من عصم الله، وعليك بصحبة الأخيار فإنهم يعينونك على طاعة الله ورسوله، وتتأسى بهم في الخير والعمل الصالح.

وهذا اليوم هو يوم منى وهو يوم التروية، وغداً يوم عرفة، والسنة بعد طلوع الشمس التوجه إلى عرفات ملبياً ذاكراً ربك عز وجل مكبراً له، يلبي الحاج ويذكر ربه ويكبره سبحانه ويهلله، ويسأله من فضله ورحمته وإحسانه، ويرجوه فضله ويسأله العتق من النار، ويصلي في عرفات الظهر والعصر قصراً وجمعاً بأذان واحد وإقامتين.

الظهر ثنتين، والعصر ثنتين قصراً وجمعاً جمع تقديم في أول الوقت، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام يوم صلى بالناس في عرفات، جمعاً وقصراً عليه الصلاة والسلام، فخطب الناس وذكرهم ووعظهم وعلمهم مناسك حجهم، وحذرهم من أمور الجاهلية التي أبطلها الله، من الربا وسفك الدماء بغير حق، وغير ذلك مما كان عليه أهل الجاهلية، من الشرك والفساد، وحذر الناس من ذلك، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، وأوصاهم بالتمسك بالقرآن والاعتصام به، وأخبر الناس أن الله حرم عليهم دمائهم وأموالهم وأعراضهم، هكذا أوصى في الخطبة عليه الصلاة والسلام. وأشهد الله عليهم، وقال لهم: "إنكم تُسألون عني فما أنتم قائلون" قالوا: نشهد أنك قد بلّغتَ وأدَّيتَ ونَصَحْتَ، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء هكذا وينكبها إلى الناس، ويقول: "اللهم اشهد، اللهم اشهد" يُشهد الله عليهم أنه بلّغهم عليه الصلاة والسلام، وأنا بلّغتكم الآن أيضاً، والله يشهد عليكم سبحانه وتعالى.

فعليكم أن تتقوا الله، وعليكم أن تستقيموا على دين الله، وأن تحافظوا على أمر الله، وأن تحذروا معاصي الله، وأن تخلصوا العبادة لله عز وجل، وأن تستقيموا على اتباع رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في كل شيء، في الأقوال والأعمال والعبادات، والمعاملات، والأخلاق وفي كل ما أمر الله به ورسوله، وأن تتواصوا بالحق، وتتواصوا بالصبر والتناصح، وأن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، حتى تلقوا ربكم، وفي إشارته صلى الله عليه وسلم إلى السماء، دليل على أن الله في السماء فوق العرش سبحانه وتعالى، والله عز وجل في السماء فوق جميع الخلق، فوق العرش سبحانه، كما قال عز وجل: "ءأمنتم من في السماء"، وقال سبحانه: "الرحمن عل العرش استوى"، والله في السماء فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، وهو يعلم أحوال عباده، وهو معهم بعلمه واطلاعه لا تخفى عليه خافية، ومن أنكر أن الله في السماء، ويزعم أنه في الأرض أو في كل مكان، فهو كافر ضال، نعوذ بالله، والله عز وجل في السماء فوق جميع الخلق، فوق العرش، والعرش فوق السموات، هو أعلى شيء، والله فوقه سبحانه، ومع ذلك يعلم أحوال عباده، لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: "الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين"، وقال تعالى: "ألم يعلم بأن الله يرى"،


وقال عز وجل: "إنني معكما أسمع وأرى".

فهو سبحانه فوق العرش وعلمه محيط بالعباد، ولهذا قال عز وجل: "وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين".

فالوصية أيها الحاج:
تقوى الله والاستقامة على أمره والمحافظة على دينه، والتواصي بذلك، وأن يقوم الرجل على أهل بيته، ويعلمهم ويرشدهم وينصحهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، من أولاد وزوجة وغير ذلك، حتى تبرأ ذمته، وحتى يعلمهم الخير وينهاهم عن الشر، وحتى يتعاون معهم على طاعة الله ورسوله، وهكذا مع جيرانه ومع أصحابه ومع الناس أجمعين. قال الله سبحانه: "فاتقوا الله ما استطعتم"، وقال الله عز وجل: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم * وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهر خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم".

جعلنا الله وإياكم منهم، وهدانا وإياكم صراطه المستقيم، وأعاننا وإياكم على إكمال مناسكنا وتقبل منا جميعاً ومن جميع المسلمين، وجعلنا الله وإياكم من الهداة المهتدين وأسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يجزيهم عن جهودهم الصالحة خيراً، وأن يصلح لهم البطانة ويعينهم على كل ما فيه رضاه وصلاح المسلمين، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:20 pm

وجوب تحقيق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى إخوانه في الله حجاج بيت الله الحرام وإلى كل من يطلع على هذه الرسالة من المسلمين في كل مكان.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد:
فيسرني أن ألتقي بكم على صفحات هذه المجلة "التوعية الإسلامية" في عامها التاسع، والتي تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية في موسم الحج من كل عام ؛ لإرشاد حجاج بيت الله وضيوف الرحمن لأداء مناسك الحج والعمرة على ما تقتضيه أحكام الشريعة الغراء، وتبصيرهم بأمور دينهم الحنيف وأصول عقيدتهم التي كان عليها سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين، والتنبيه على كثير من البدع التي تفشت بين المسلمين، وتناول بعض القضايا المعاصرة بالدراسة التي تظهر وجه الحق فيها حتى يكون المسلم على بينة من أمرها بمقدار ما يتاح لهذه المجلة من وقت وإمكانيات، والله ولي التوفيق.

وبهذه المناسبة الكريمة فإني أرحب بإخواني حجاج بيت الله في حرم الله، وأذكر نفسي وأذكرهم ببعض الوصايا، والنصائح الواجبة في مثل هذا المقام، حتى يكون عملنا مقبولاً، وسعينا مشكوراً، وحجنا مبروراً، وذنبنا مغفوراً بتوفيق من الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

أوصيكم ونفسي بتقوى الله على كل حال، فإنها جماع كل خير ووصية الله تعالى للأولين والآخرين، قال تعالى: "ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله "، وتتحقق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه عن إخلاص ومحبة له سبحانه ورغبة في ثوابه، وحذراً من عقابه، على الوجه الذي شرعه الله لعباده وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، كما قال الله تعالى له: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ".

واعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الإخلاص لله في العبادة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، أصلان أساسيان في صحتها وقبولها، واستحقاق الثواب عليها -لاسيما في الحج- فلنحرص على ذلك أشد الحرص، فقد قال الله تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً "، وقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم".

ومن الإخلاص لله في العبادة، أن لا نشرك معه غيره، أو نصرف شيئاً منها لسواه، وأن نطهرها من الرياء وحب السمعة، فالله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، وهو الذي يقول: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء "، ويقول لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: "فاعبد الله مخلصاً له الدين. ألا لله الدين الخالص "، وقال تعالى: "فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراءون.

ويمنعون الماعون"، وقال عن المنافقين: "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً ". وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سَمَّعَ سمع الله به، ومن يُرائي يرائي الله به " متفق عليه، يعني من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله سريرته للناس يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق. أعاذنا الله وإياكم من خزي يوم الدين.

ومن العبادة الدعاء - بل هو أظهر مظاهر العبودية والتضرع لله- فينبغي أن يكون لله وحده، فلا يُدعى غيره ولا يستعان بأحد سواه، ولا يلجأ إلا إليه، ولا يستغاث إلا به، وفي الذكر الحكيم: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"، وقال تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون. وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين".

وقد جاء في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: "... وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمَّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجفّت الصُّحف " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وينبغي أن نتحرى في كل أعمالنا سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم المتبوع والمقتدى به، ونتجنب البدع في ديننا، فالخير في الاتباع والشر في الابتداع. فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم: "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه.

وأوصيكم ونفسي بتحري الحلال في المطعم والملبس والمشرب والنفقة والصدقة، فإن ذلك يعين على الطاعة ويكون سبباً في قبولها، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم"، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم "، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟" رواه الإمام أحمد. ورواه مسلم في صحيحه والترمذي من حديث فضيل بن مرزوق، فاختاروا لحجكم وعمرتكم نفقة طيبة تعينكم على إجابة الدعاء وقبول الأعمال.

وأوصيكم ونفسي بالمحافظة على الصلاة وأدائها جماعة ما استطعتم، فإنها عماد الدين وفرق ما بين المسلم والكافر وآخر ما يرفع من الدين وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فمن ضيعها فهو لما سواها من الفرائض والواجبات أضيع، والله تعالى يقول: "كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين".

والمحافظة كذلك على سائر الفرائض والواجبات من إيتاء الزكاة وصوم رمضان والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الأيتام وحسن الجوار وغير ذلك من الواجبات التي يقوم عليها أمر الإسلام، فمن ضيعها أو تهاون بها أو قصر في أدائها فهو على خطر عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين.

وأوصيكم ونفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكمة والموعظة الحسنة ؛ لقول الله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون". ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.

فابذلوا النصح لإخوانكم في رفق ولين فما من أمة ضاع فيها هذا الواجب إلا عمها الله بعذاب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" متفق عليه.

وأوصيكم ونفسي بأن نغتنم فرصة وجودنا في حرم الله تعالى بالإكثار من ذكره وشكره وحسن عبادته والتقرب إليه سبحانه بشتى الطاعات والقربات، فإننا في بلد تضاعف فيه الحسنات وقد فرغنا أنفسنا لذلك، فلا نضيع أوقاتنا في اللغو واللهو والقيل والقال فإنها تكون حسرات علينا يوم القيامة، ولنتجنب الجدال والخصام مع الرفقة والأصحاب، ولا نؤذ إخواننا الحجاج بالمزاحمة عند المناسك وخاصة عند الطواف واستلام الحجر الأسود ورمي الجمرات، فالله تعالى نهانا عن مجرد الجدال وهو دون هذا الأذى بكثير، فقال تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ". وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أوصي حكام المسلمين بأن يتقوا الله ويحكموا شريعة الله ويقيموا حدوده، فإنهم مسئولون عن ذلك بين يديه حين يكون الملك له وحده بما ولاهم من أمر عباده، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل، ولا يكون عادلاً إلا إذا حكم بما أنزل الله، والله تعالى قال لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم".

كما أوصيهم بأن يجتمعوا على كلمة سواء وأن لا يختلفوا فتزول هيبتهم ويطمع فيهم عدوهم كما هو واقع الحال، والله تعالى يقول: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".

وأوصي العلماء -وهم أعلام الهُدى- أن يجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجمعوا المسلمين على ذلك، وأن يخلصوا النصح لولاة الأمور ويؤثروا ما عند الله على ما عندهم فما عند الله خير وأبقى، ويبلغوا رسالة الله ولا يخشوا أحداً سواه.

فإذا نصح العلماء واستجاب الأمراء استقامت الأمة على طاعة الله فأعزها الله ومكن لها في الأرض، وجعلها -بحق- خير أمة أخرجت للناس.

وأوصي الأغنياء بأن يبذلوا من أموالهم ويعاونوا إخوانهم الفقراء، ويمدوا المجاهدين في كل مكان بما يعينهم على قتال عدوهم، فالله تعالى يقول: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً"، ويقول الله تعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم".

وإن فاتكم شرف الجهاد بالنفس فلا يفوتكم شرف الجهاد بالمال، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا" متفق عليه. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع كلمة المسلمين على الحق ويؤلف بين قلوبهم على الهدى، ويوحد صفوفهم، وينصرهم على عدوهم، كما أسأله أن يصلح ولاة المسلمين ويحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم، ويهيئ لهم البطانة الصالحة التي تذكرهم بالحق وتعينهم عليه، إنه الموفق لذلك والقادر عليه، وأن يجعل حجنا مبروراً وسعينا مشكوراً وذنبنا مغفوراً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


وجوب تقوى الله في السر والعلن
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حجاج بيت الله الحرام وإلى كل من يطلع على هذه الرسالة من إخوانه المسلمين في كل مكان، وفقهم الله لما فيه رضاه ومنحهم الفقه في الدين، آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد:
ففي مستهل صدور العدد الأول من مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها في موسم كل عام الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، وفي عامها الحادي عشر أتقدم إليكم بالتحية الطيبة، ومرحباً بكم على هذه الأرض المباركة أرض الحرمين الشريفين، سائلاً المولى تبارك وتعالى أن يجعل حجنا وحجكم مبروراً وسعينا وسعيكم مشكوراً وذنبنا وذنبكم مغفوراً، وأن يوفقنا وإياكم إلى صالح الأعمال في سهولة ويسر وصحة وعافية وقبول.

وبهذه المناسبة الكريمة فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلانية، والإخلاص له في الأعمال والأقوال، والاقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم في مناسك حجنا وفي كل ما نتقرب به إلى ربنا عز وجل، فإن تقوى الله تبارك وتعالى هي السبب العظيم في تحصيل سعادة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب "، وقال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً "، وقال تعالى: "والآخرة عند ربك للمتقين"، وقال سبحانه وتعالى: "إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم " وهي ثمرة الحج المبرور والعبادات الصحيحة، قال الله تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ". وهي خير ما يدخره المسلم لذريته من بعده، قال الله تعالى: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً " لذلك كانت التقوى هي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، قال تعالى: "ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ".

والإخلاص هو أصل قبول الأعمال، فلا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، فلم يشرك صاحبها فيها مع الله غيره، ولا يقصد بها رياء ولا سمعة ولا شهرة ولا محمدة ولا ثناء من أحد، قال الله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"، وقال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً"، وقال تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهو قدوة المخلصين: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين * وأمرت لأن أكون أول المسلمين"، وقال سبحانه: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين" ولكون الشرك يحبط الأعمال ويضيع ثوابها حذر الله عز وجل منه عباده، كما في الآيات السابقة، وكما في قوله تعالى: "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار "، وقوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً"، وقال عز وجل: "ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ".

وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم رحمه الله، والرياء هو الشرك الخفي الذي يبطل الأعمال ويفوت الثواب، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر "، وعن جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمّع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " متفق عليه.

قال النووي رحمه الله (سمّع) بتشديد الميم ومعناه أظهر عمله للناس به (سمع الله به) أي فضحه يوم القيامة.

ومعنى (من راءى، راءى الله به) أي من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم. (راءى الله به) أي أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.

والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في مناسك حجنا وفي كل ما نتقرب به إلى ربنا هو الأصل الثاني الذي يترتب عليه قبول الأعمال، فقد أمرنا الله عز وجل باتباعه وحذرنا من مخالفته، فقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يُحِبُّ الكافرين"، وقال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب "، وقال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".

والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن بلغ الناس ما أنزل إليه من ربه أكمل البلاغ، وبعد أن بين للناس ما نزل إليهم أتم بيان، كما قال الله تعالى له: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك "، وكما قال جل شأنه: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم "، وقد أنزل الله عز وجل عليه مصداق ذلك، حيث قال سبحانه: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، فكل ما لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً فليس اليوم بدين.

وفي الحديث الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم رحمه الله، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه.

فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتقيا الله عز وجل، وأن يخلصا في أعمالهما وأن يتقيدا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل أعمالهما وأقوالهما في الحج وفي غيره. فهذا أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو يقبل الحجر الأسود: "أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " متفق عليه.

فلنكن أيها الإخوة المسلمون على بينة من مناسك حجنا وأمور ديننا حتى نعمل ما يطلب منا عمله ونجتنب ما يطلب منا اجتنابه، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"
وبذلك يقع حجنا -بتوفيق الله- حجاً مبروراً والحج المبرور جزاؤه الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه.

ومفتاح العلم السؤال، فإذا أشكل عليكم أمر فاسألوا أهل العلم عنه، فالله تعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" .

وهم بحمد الله تعالى - اليوم كثير -، وستجدون في مداخل المملكة وفي مكة والمدينة وفي منى وعرفات وفي عديد من الأماكن التي يوجد فيها الحجاج مراكز للتوعية الإسلامية بها نخبة من أهل العلم، يجيبونكم على أسئلتكم ويفتونكم في كل ما تحتاجون إليه مما يتعلق بالحج وبغيره من أمور الدين، فاسألوهم واحرصوا على سماع دروسهم وندواتهم، فإن فيها خيراً كثيراً إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه.

وأنتم أيها الأخوة، قد حضرتم من بلاد بعيدة وجهات متفرقة، تحملتم فيها مشقة السفر وأنفقتم الأموال الكثيرة تبتغون الأجر والثواب من الله تعالى، فحافظوا على أوقاتكم واشغلوها بالعبادة والتقرب إلى الله عز وجل والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثروا من قراءة القرآن الكريم ومن الصلاة والطواف والذكر والدعاء والاستغفار والصدقة وغير ذلك من أنواع العبادات والقربات، وحافظوا على صلاة الجماعة في المساجد وهي بحمد الله متوفرة فصلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد أضعافاً كثيرة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" متفق عليه، والفذ: الواحد.

ولأهمية صلاة الجماعة في المساجد وعظم فضلها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص في تركها للأعمى الذي لا يجد قائداً له يقوده إلى المسجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله: ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: "فأجب" رواه مسلم رحمه الله.

وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ يتخلف عن الجماعة بغير عذر أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجالٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه.

والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتوعَّد بهذا العقاب الشديد إلا على أمر لا يجوز التساهل به أو التفريط فيه.

فحافظوا أيها الحجاج بارك الله فيكم على صلاة الجماعة ما استطعتم، وخاصة في الحرمين الشريفين، فإن الصلاة فيهما تضاعف أضعافاً كثيرة عن غيرهما في سائر المساجد، فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا " أخرجه أحمد رحمه الله.

وهذا خير من ضياع الوقت وبذل الجهد في زيارة أماكن هنا وهناك بقصد تحصيل الأجر والثواب لم تشرع زيارتها ولم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ولو كان ذلك خيراً لسبقونا إليه، وقد مر بنا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول عند تقبيل الحجر الأسود: "لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"، وصح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. فالخير في الاتباع والشر في الابتداع.

وأوصيكم أيها الأخوة في الله بالحرص على التواصي بالحق، والصبر فيما بينكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى في هذا الموسم العظيم، الذي يجمع عدداً كبيراً من المسلمين جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويؤدوا مناسكهم، رغبة في مغفرة الله سبحانه وطمعاً في ثوابه عز وجل والنفوس مهيئة لقبول الخير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة " قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " والله تعالى يقول: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم".
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه.
والمسلم يحب لنفسه أن يكون على خير في دينه ودنياه، فكذلك يجب أن يحب ذلك لإخوانه المسلمين، ولكن ينبغي أن يكون ذلك برفق ولين وحكمة وموعظة حسنة، كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" , وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " متفق عليه، وعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه " رواه مسلم رحمه الله. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" رواه البخاري رحمه الله، ثم أفهمه فقال: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا وإنما هي للصلاة وذكر الله".
وهكذا ينبغي أن يكون المسلم رفيقاً بإخوانه رحيماً بهم يغفر زلاتهم ويعفو عن إساءتهم يرحم ضعيفهم ويوقر كبيرهم ولا يشق عليهم، بل يجادلهم بالتي هي أحسن، وخاصة في رحلة الحج المباركة التي خرج فيها الجميع يلبون ربهم ويحمدونه ويكبرونه، لاسيما في أوقات الشدة وأماكن الزحام في المطاف وفي المسعى، وعند الصعود إلى عرفات والنزول منها، وعند رمي الجمرات حتى يؤدي الجميع مناسك حجهم في سهولة ويسر، وحتى يكون بتوفيق الله حجاً مبروراً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه. وفي الحديث المتفق على صحته يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
وإني أهيب بإخواني المسلمين من حجاج بيت الله الحرام، أن يتناسوا خلافاتهم، وأن يقبلوا على نسكهم بنفوس صافية وقلوب مخلصة وألسنة ذاكرة لله وحده، الذي دعاهم إلى حج بيته، ووفقهم لإجابة هذه الدعوة، فهتفوا قائلين: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". وينبغي أن يكون هذا الذكر حقيقة تحكم تصرفاتهم وتضبط سلوكهم، فلا يتصرفون إلا بما يرضي الله، ولا يسلكون إلا سبيل الله، والله تعالى يقول: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".

كما أهيب بولاة أمور المسلمين وعلمائهم وأهل الرأي فيهم من الحجاج أن ينتهزوا فرصة اجتماعهم في هذه الأماكن المقدسة مهد الإسلام ومهبط الوحي ومشرق الرسالة الخاتمة التي جمعت القلوب المتنافرة، ووحدت القبائل المتنافرة، فجعلت من رعاة الغنم قادة للأمم، ومن الأمة الأمية خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أهيب بهم أن يلتقوا ويتشاوروا فيما يجمع شمل الأمة الإسلامية ويوحد صفوفها ويستنقذ بلادها ومقدساتها من أيدي أعدائها ولاسيما المسجد الأقصى المبارك، ويشد أزر المجاهدين في سبيل الله ويوحد صفوفهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه" متفق عليه.

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى" متفق عليه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة" متفق عليه.

ومن فاته نصرة إخوانه المجاهدين بنفسه ينبغي أن ينصرهم بقوله أو ماله فالله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وهذا يبين أهمية الإعلام، بالنسبة لقضايا المسلمين، وعن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا" متفق عليه.

وإن لكم إخواناً قد أصابهم الضر ونزل بهم القحط وابتلوا بنقص في الأموال والأنفس والثمرات في أفريقيا، وغيرها، وهم في أشد الحاجة إلى مواساتكم ومعونتكم فلا تبخلوا عنهم بشيء من أموالكم، قال تعالى: "ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه "، وهو القائل سبحانه: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، وقال سبحانه: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

وفي الختام فإني أسأل الله أن يسدد خطانا وخطاكم، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والرشاد، وأن يجمع شمل هذه الأمة المحمدية على الحق والهدى، وأن يوفق حكامهم وولاة أمورهم إلى أن يحكموا بينهم بما أنزل الله ويطبقوا فيهم شريعة الله، وهو القائل سبحانه: "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" إنه ولي ذلك والقادر عليه، كما أسأله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين غانمين موفقين إنه على كل شيء قدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.


الحج فرصة لنشر دعوة الحق
بعد الحمد والثناء على الله عز وجل ثم الصلاة والسلام على أشرف المرسلين، إني أشكر الله عز وجل على ما من به علينا وعلى حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسك الحج في أمن وعافية وسلامة وهدوء، الحمد لله جل وعلا على ذلك ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن جميع حجاج بيت الله الحرام، كما أسأله سبحانه أن يوفق حكومتنا لكل خير، وأن يجزيها عما فعلت من التسهيل لحجاج بيت الله الحرام أداء مناسكهم أفضل الجزاء وأن يعينها على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، كما أساله سبحانه أن يجزي أيضاً العاملين في هذه الدولة من عسكريين ومدنيين أحسن الجزاء عما فعلوا من الخير، وأن يضاعف مثوبتهم على ما فعلوه من تيسير وتسهيل وإعانة لإخوانهم حجاج بيت الله الحرام، وأسأله عز وجل أن يتقبل من الجميع عملهم وحجهم.

ثم إني أشكر أخي صاحب الفضيلة معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل على كلمته القيمة وتوجيهاته السديدة المفيدة فجزاه الله خيراً، وقد أحسن وأجاد في نصيحة إخوانه الدعاة، ووصيتهم بما ينبغي أن يعتمدوه في نصحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل وعنايتهم بإخوانهم حجاج بيت الله الحرام وغيرهم.

فإن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفرائض، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والعلماء هم ورثة الأنبياء فالواجب عليهم العناية بالدعوة، و تكون بالأساليب التي يرجى منها حصول المطلوب والسلامة من النفور عن الحق، ويرجى منها الإفادة للمدعو وقبوله الحق، وعليهم أن يحذروا الأساليب التي يخشى منها بقاء المنكر أو وجود ما هو أنكر منه، فالداعي إلى الله يجب أن ينظر في أسلوب دعوته، وأن يتحرى الأساليب التي يرجى من ورائها حصول الخير والفائدة، والسلامة من ضد ذلك، فجزى الله أخانا صاحب الفضيلة الشيخ محمد عن كلمته خيراً، كما أشكره أيضاً على جهوده العظيمة الإصلاحية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأسأل الله أن يزيده والعاملين معه من التوفيق والهداية وأن يبارك في جهودهم وينفع بهم عباده من حجاج بيت الله الحرام وزوار هذا المسجد العظيم للعمرة، وزواره للصلاة وزوار المسجد النبوي، نسأل الله أن يبارك في جهود القائمين على هذين المسجدين وأن يجعلهم هداة مهتدين، كما أشكره أيضاً هو وإخوانه على ما يبذلونه من الدعوة إلى الله في المسجدين وتوجيه الناس إلى الخير، وإفتائهم فيما يحتاجون إليه فجزاهم الله جميعاً خيراً.

ثم أشكر الأمانة العامة للتوعية على جهودها في هذا السبيل، سبيل تسهيل أداء المناسك لحجاج بيت الله الحرام، أشكر الأمانة والعاملين فيها على جهودهم الطيبة في تسهيل أمر الحجيج وإعانتهم على أداء مناسكهم بما يسهل عليهم ذلك وبما يعينهم على فهم ما أوجب الله عليهم وعلى ترك ما حرم الله عليهم، ولا شك أن جهود الأمانة العامة لها ثمار عظيمة، ولها فوائد جمة، ونسأل الله أن يبارك في هذه الجهود وأن يجزي العاملين فيها جزاءً حسناً وأن يثيبهم ويأجرهم على ما فعلوه ويزيدهم من فضله، فإن الله سبحانه هو الجواد الكريم، وهو الذي يجازي العاملين بما يستحقون، فنسأل الله أن يجزي العاملين في سبيله جزاءً حسناً، وأن يثيبهم على ما قدموا، وأن يجعل لهم مثل ثواب إخوانهم الذين ساعدوهم في الخير، وسهلوا لهم طريق الخير، ثم أشكر إخواني الدعاة إلى الله عز وجل، وأدعو لهم بمزيد من التوفيق فقد بذلوا جهوداً كبيرة، وأسأل الله أن يجزيهم عن جهودهم خيراً، وأن يضاعف مثوبتهم، ولا شك أن الواجب عليهم عظيم، ونسأل الله أن يتقبل منهم جهودهم وأن يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني "، فالدعوة إلى الله هي سبيل الأنبياء وأتباعهم على بصيرة، فنسأل الله أن يوفقنا وإخواننا الدعاة وسائر علماء المسلمين لما يرضيه وأن يجعلنا جميعاً من الدعاة إليه على بصيرة وأن يعيننا على أداء الواجب إنه خير مسؤول.

ولا شك أن الدعاة إلى الله سبحانه في جهاد عظيم، وهم جديرون بأن يبذلوا وسعهم في هذا السبيل ؛ لأن الله جل وعلا قد أتاح لهم في هذا الموسم أمماً كثيرة من سائر أرجاء الدنيا في حاجة إلى الدعوة والتوجيه فيما يتعلق بالعقيدة ومناسك الحج وفيما يتعلق بأحكام الدين، فهم جديرون بأن يوجهوهم ويرشدوهم إلى ما يجب عليهم وإلى ما يحرم عليهم حتى يفعلوا ما شرع الله ويدعوا ما حرم الله، وأسأل الله أن يبارك عملهم، وأن ينفع به عباده المسلمين، وأن يجزيهم عن ذلك جزاءً حسناً، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، ولا ريب أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه والإرشاد، فالواجب أن تكون دعوتهم بالأساليب الحسنة التي يرجى منها قبول الحق وترك الباطل، قال الله جل وعلا: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فهذه الطريقة التي رسمها الله لعباده فيها الخير العظيم، فيها توجيه الناس وإرشادهم بالعلم والحكمة، فإن الحكمة هي العلم، وذلك بوضع الأمور في مواضعها عن علم وبصيرة، ثم الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ثم الجدال بالتي هي أحسن ؛ لإزالة الشبه وإيضاح الحق، وبذلك يحصل المطلوب ويزول المرهوب، بخلاف الشدة والغلظة فإنه يترتب عليها شر عظيم وعواقب وخيمة، منها عدم قبول الحق، ومنها أنه قد يقع بذلك منكرات أخرى.

قال الله جل وعلا: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وقال عز وجل لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى"، فالواجب على الدعاة أن يسلكوا المسالك التي يرونها ناجحة ومفيدة صالحة لإرشاد المدعوين وتوجيههم إلى الخير، ولاشك أن الحكمة في الدعوة والتبصر فيها من أهم المهمات، والدعوة إلى الله أحسن ما بذله المسلم في نفع غيره، قال الله عز وجل: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً ".

وموسم الحج من أحسن مواضعها وأوقاتها، فالحج فرصة للدعاة إلى الله لينشروا فيه دعوة الحق ويرشدوا فيه الخلق إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، ويحذروهم عما نهى الله عنه من سائر الأخلاق والأعمال، فهي نعمة من الله عظيمة على من دعا إلى الله عز وجل، ونعمة من الله عظيمة على المدعوين، فنسأل الله أن يجزي الداعين خيراً وأن يثيبهم عن دعوتهم وأن يزيدهم علماً إلى علمهم وخيراً إلى خيرهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين وأن ينفع المدعوين بما سمعوا وبما شاهدوا وأن يرزقهم البصيرة والفقه في الدين، كما أسأله سبحانه أن يجزي ولاة أمرنا عما فعلوا وبذلوا من الخير في إعانة الدعاة على أداء واجبهم في إعانة الحجاج على أداء مناسكهم، نسأل الله أن يجزيهم على ذلك الجزاء الحسن وأن يضاعف مثوبتهم وأن يزيدهم من كل خير وأن يعينهم على إزالة كل شر.

وإن واجب العلماء النصيحة لله ولعباده والنصيحة لولاة الأمر بالمكاتبة والمشافهة للأمير والرئيس، لكل ولي أمر من ملك أو رئيس جمهورية أو أمير أو رئيس عشيرة أو جماعة إلى غير ذلك، فكل من له رئاسة وكل من له شيء يستطيع أن يتصرف فيه، هو جدير بأن ينصح ويوجه، حتى يبذل جهوده في من تحت يديه، هذا واجب العلماء أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها وفي هذه الدولة، وفي هذه البقعة بصورة خاصة وفي بقاع الدنيا عامة.

والواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعته ويتعاونوا مع ولاة الأمور بالحكمة والأسلوب الحسن والكلام الطيب والنصيحة الطيبة بالمشافهة والمكاتبة، واجتناب الألفاظ والوسائل التي قد تنفر من الحق وقد تضر الدعوة، يجب على العلماء أينما كانوا أن يكونوا بصيرين في أمر الدعوة، وأن يتحروا الأسباب والوسائل التي يرجى من ورائها حصول المطلوب، وأن يحذروا كل سبب وكل وسيلة يخشى من ورائها عدم حصول المطلوب، أو حصول ضده، هذا هو الواجب على الجميع.

وفي مكة الكرمة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بالكلام الطيب والأسلوب الحسن حسب الطاقة والإمكان، ويتابع البعد عن كل ما يضر الدعوة، وهكذا لما هاجر إلى المدينة فعل ذلك حتى شرع الله الجهاد وأعطاه قوة، فعند ذلك جاهد الناس وشرع في قتال الكفار إلى أن يستجيبوا للحق، وعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن يجتهدوا في إيصال الدعوة إلى المدعوين بالطرق التي يرجى منها حصول المطلوب، وإذا قوي من له سلطان قام على تنفيذ الحق بالقوة بطريقة يحصل بها المطلوب ولا يحصل منها ضده، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور أن يقيموا الحق بالطريقة التي يمكن تنفيذه بدون حصول ما هو شر ومنكر.

والواجب على الدعاة إلى الله أن يبلغوا ولاة الأمور الحق بالوسائل الكتابية والشفهية حتى يحصل التعاون بين الجميع بين السلطان وبين الأمير وبين كبير القبيلة وبين كبير الأسرة، حتى يحصل التعاون بين الجميع بالأسلوب الحسن والدعوة المباركة.

ولا شك أن الدعوة إلى الله عز وجل يدخل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الدعوة تدخل في الأمر والنهي عند الإطلاق، كما قال تعالى في كتابه العظيم: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً"، وهكذا في قوله جل وعلا: "ادع إلى سبيل ربك "، تعم الدعاة وتعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعم كل من قام بالإصلاح والدعوة إلى الله عز وجل، في درس أو مجلس أو غير ذلك، وهكذا الأمر بالمعروف إذا أطلق دخلت فيه الدعوة، كما في قوله جل وعلا: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، فالواجب على كل إنسان أن يبذل وسعه في تنفيذ الحق حسب طاقته، فالسلطان عليه واجبه الأعظم حسب طاقته، والأمير في القرية أو البلد أو القبيلة عليه تنفيذ الحق حسب طاقته بالفعل والقول جميعاً، وكبير الأسرة وصاحب البيت عليه تنفيذ الحق بالقول وبالعمل حسب طاقته ومع أولاده وأهله، وهكذا كل إنسان عليه أن يعمل حسب طاقته، كما قال الله عز وجل: "فاتقوا الله ما استطعتم" وكما قال عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

فمن كان يستطيع بيده مثل السلطان والأمير فيما حدد له، والهيئة فيما حدد لها، وصاحب البيت فيما يقدر عليه نفذ الأمر بيده، ومن كان بصفة أخرى نفذ بالكلام والتوجيه والإرشاد وبالتي هي أحسن حتى يحصل الحق وحتى يزول الباطل، وعليه أن يستمر ولا ييأس ويرجو ما عند الله من المثوبة فيصبر، كما قال الله عز وجل: "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" هذه صفة الرابحين والمؤمنين السعداء، إيمان صادق وعمل صالح وتواص بالحق وتواص بالصبر. وقال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" ويقول جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".

فالواجب نصر الله والعناية بأمره والاجتهاد في ذلك، ويشرع للمؤمن أن يجتهد في أن يكون في حاجة أخيه الدينية والدنيوية، وأن يعينه على الخير حسب طاقته، وبهذا تجتمع القلوب ويحصل التعاون والتآلف والمحبة في الله، وكثرة الخير وقلة الشر.

فنسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه وأن يوفقنا جميعاً إلى كل ما فيه صلاح العباد والبلاد أينما كانوا، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسئولين لما يرضيه في كل مكان وأن يصلح بطانتهم وأن يصلح العلماء ويعينهم على أداء الواجب، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعته والتحاكم إليها والفقه فيها، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وأن ينصر بهم الحق، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يوفق علماؤنا وجميع المسلمين للتعاون على البر والتقوى إنه خير مسئول. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:23 pm

الحج المبرور
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد بن عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فأحييك أيها القارئ الكريم بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وأهنئك بما يسر الله لك من حج بيته الحرام الذي أوجبه الله على المستطيعين من عباده المكلفين بقوله عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"، وقد روى مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، ثم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".

والحج من الأعمال الفاضلة التي يضاعف الله بها الأجور ويغفر بها الذنوب، روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله " قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله"، قيل ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور ".

والحج المبرور هو الذي لا يرتكب فيه صاحبه معصية لله، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه.

فالحج فرصة عظيمة يجود الله سبحانه وتعالى فيها على عباده المؤمنين بالمغفرة والرحمة والرضوان والعتق من النار، فطوبى لمن كان حجه مبروراً فلم يرفث ولم يفسق ولم يجادل إلا بالتي هي أحسن واستبق إلى الخيرات، قال الله تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ".

هذا وأقدم إلى الحجاج الكرام هذه الأعداد الجديدة من مجلة التوعية الإسلامية في الحج للسنة العاشرة، والتي تصدرها الأمانة العامة لهيئة التوعية الإسلامية في الحج التابعة للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية ؛ لهدف توعية المسلمين وتبصيرهم بأمور دينهم الحنيف وخاصة ما يتصل منها بالعقيدة والعبادة والأخلاق وعلى الأخص ما يتصل بمناسك الحج، حتى يؤدوا حجهم على نور من كتاب ربهم عز وجل المبين، وهدى من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم الأمين، وهي إحدى منجزات المملكة العربية السعودية والخدمات التي تؤديها حكومتها الموفقة لحجاج بيت الله الحرام والمسلمين في كل مكان، راجين من المولى القدير أن ينفع بها الحجاج، وكل من اطلع عليها من المسلمين.

وبهذه المناسبة الجليلة فإني أوصيكم ونفسي وكل من بلغته هذه النصيحة بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال والتعرض دائماً لنفحاته سبحانه، فإن لله تعالى في أيام دهرنا نفحات يصيب بها من يشاء من عباده، فلنستبق إلى الخيرات، ولننتهز المناسبات الفاضلة فنشغلها بطاعة الله عز وجل والعمل بما يرضيه: "وفي ذلك فليتافس المتنافسون"، والله تعالى يقول: "فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"، ويقول تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين "، وروى الترمذي رحمه الله بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر".

وأنتم أيها الإخوة قد جئتم من بلاد بعيدة وتركتم الأهل والأوطان تبتغون فضلاً من ربكم ورحمة، فأحسنوا نياتكم وأخلصوا أعمالكم لله ربكم فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، والله تعالى يقول: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"، ويقول سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، وتحروا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فيما تفعلون وفيما تذرون فالله تعالى يقول: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب" ويقول عز من قائل: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً"، وتجنبوا البدع في الدين، ففي الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم رحمه الله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومَنْ يأبى يا رسول الله؟ قال: "مَنْ أطاعني دخل الجنة ومَنْ عصاني فقد أبى".

واسألوا أهل العلم فيما تجهلون أو يشكل عليكم من أمور دينكم، فالله تعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "، وإذا علمتم فاعملوا، فالعلم حجة لنا أو علينا، حجة لنا إن عملنا به، وحجة علينا إذا لم نعمل، وحافظوا على الصلوات في جماعة ما استطعتم، فإن الصلاة هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، ولا يقبل حج ولا عمل بدونها، فقد روى مسلم رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "، وروى أحمد وأصحاب السنن رحمهم الله عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في أدائها جماعة، وأخبر أنها تزيد عن صلاة المنفرد بدرجات كثيرة، ففي الحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، والفذ: الذي يصلي منفرداً.

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الجماعة لغير عذر فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ".

ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي يسمع النداء ولا يجد قائداً يقوده إلى المسجد أن يصلي في بيته فكيف بغيره، روى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال له: "هل تسمع النداء إلى الصلاة؟ " قال: نعم، قال: "فأجب" .

ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإنهما من أهم واجبات الإسلام ومن النصيحة الواجبة في الدين، والمسلمون بخير ما تناصحوا وتواصوا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، قال الله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن المنكرات إذا فشت بين الناس ولم تنكر عمت عقوبتها، قال الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب "، وقد روى الترمذي رحمه الله -وقال حديث حسن- عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

فانصحوا إخوانكم ورفقائكم إذا وجدتم ما يستوجب النصيحة ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ففي الحديث المتفق عليه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، وانصحوا قومكم إذا رجعتم إليهم وخاصة عشائركم ومن لكم عليهم ولاية، فالله عز وجل قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، ويقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"، واعلموا أنه لا قيام للدين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح بالخير والتواصي بالحق وبالصبر، فاحرصوا على ذلك يحفظ الله لكم دينكم ويصلح أعمالكم ويغفر ذنوبكم والله غفور رحيم.

وفي بلاد المسلمين الآن بحمد الله دعوات للخير بالرجوع إلى الإسلام، والتمسك بالكتاب والسنة، فكونوا من أهلها وأعوانها، فالله تعالى يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب "، وفي بعضها جهاد لإعلاء كلمة الله والذب عن العقيدة الإسلامية والدفاع عنها أمام الملاحدة والشيوعيين وخاصة على أرض أفغانستان التي رفع مجاهدوها راية الإسلام وأخذوا يقاتلون تحتها أعداء الله، وهم أولى بنصرتكم ومعونتكم فمن استطاع أن يجاهد معهم بنفسه فليفعل، ومن استطاع أن يجاهد بماله فليفعل، فما أحوجهم للرجال وللمال، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين".

ومَنْ فاته الجهاد بالنفس فلا ينبغي أن يفوته الجهاد بالمال، لقول الله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا ".

وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه صلاح أمر العباد والبلاد، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين غانمين، وأن يتقبل منا ومنكم ومن سائر المسلمين، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه، وأن يصلح قادة المسلمين في كل مكان، وأن يوفقهم للحكم بشريعته والتمسك بها والدعوة إليها والحذر من كل ما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


على جميع الحجاج تقوى الله في السر والعلن ليكتمل حجهم
أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وهي وصية الله تعالى ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة".

وأضاف سماحته أن على جموع حجاج بيت الله الحرام المحافظة على الصلاة في أوقاتها ومع الجماعة وبكل شروطها وأركانها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها فهي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي عمود الدين ومن تركها فقد كفر قال صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "، وقال أيضا: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".

ومن أهم أركان الصلاة التي يجب على المسلم رعايتها والعناية بها الطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله كما قال عز وجل: "وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين".

كما أوصي نساء المسلمين بالتستر والتحجب والابتعاد عن كل ما يظهر الفتنة والحذر من التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك من أسباب الشر والفتنة والواجب عليهن أن يتقين الله وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز المحاسن، قال الله تعالى: "يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين".


الواجب على مَنْ استطاع السبيل المبادرة بالحج والعمرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإني أوصي إخواني المسلمين الذين لم يؤدوا فريضة الحج أن يبادروا بحجة الإسلام، فهذا هو الواجب على كل من استطاع السبيل إلى ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت "، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"، فالواجب على كل مسلم ومسلمة يستطيع مؤونة الحج إذا كان مكلفاً أن يبادر بذلك وألا يؤخره؛ لأن الله جل وعلا أوجب ذلك على الفور، ولا يجوز لأي مسلم مكلف مستطيع الحج أن يتأخر عن ذلك، بل يبادر ويسارع إلى هذا الخير العظيم، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "مَنْ حَجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

فهذه نعمة عظيمة وخير عظيم ينبغي للمسلم أن يحرص عليه، ويشرع له مع ذلك أن يتحرى الأعمال الخيرية في طريقه وفي مكة، من صدقة على الفقراء والمساكين، والإكثار من قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام والطواف إن تيسر ذلك اغتناماً للزمان والمكان؛ فإن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفريضة فيه خير من مائة ألف فيما سواه، والصدقات فيه مضاعفة، وهكذا مثلها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وتعليم الحاج ما قد يجهل، كل هذا مما يشرع للمسلم، ومن ذلك أن يجتهد في تعليم إخوانه الحجاج -إن كان يوجد عنده علم- بالحلم والرفق والأسلوب الحسن، مع اغتنام الفرصة في وجوده بمكة بعمل أنواع الخير كما تقدم من صلاة وطواف ودعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق والكلام الطيب.

وأنصح ولاة الأمور المسلمين في كل مكان بأن يسهلوا أمر الحج لرعاياهم وأن يعينوهم عليه؛ لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، والله عز وجل يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى" فإعانتهم وتسهيل أمرهم هذا من باب الإعانة على الخير، ومن باب التواصي بالحق والصبر عليه، وفيه الأجر العظيم، كما أوصيهم بأن يحكموا شرع الله في جميع الشئون، وأن ينصروا دين الله في كل الأمور، نسأل الله أن يوفق ولاة المسلمين لكل خير، وأن يصلح أحوالهم وأن يمنحهم التوفيق، وأن يعينهم على كل خير، كما أوصي كل من يتولى أمور الحجيج بتقوى الله تعالى، وأن يرفقوا بالحجيج وأن يعينوهم على كل خير، وأن يحتسبوا الأجر والمثوبة عند الله، فلهم بهذا الأجر العظيم إذا أعانوا الحجاج وسهلوا أمورهم، لهم في هذا الفضل الكبير، نسأل الله عز وجل أن يتقبل من الجميع، وأن يوفق المسلمين في كل مكان إلى ما يرضيه، وأن يمنحهم الفقه في دينه وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين، وأن يعين إخواننا الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فقد أوجب الله عز وجل التعاون على البر والتقوى والنصيحة لكل مسلم وقد أبلغني بعض الإخوان أنه يوجد من بعض الحجاج الموجودين في منى من يؤذي جيرانه بالتدخين والأغاني.

ولا ريب أن إيذاء المسلمين من المحرمات المعلومة من الدين كما قال سبحانه: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً "، وإذا كان الإيذاء بالتدخين أو بفتح الراديو أو المسجلات على الأغاني كان الأذى أكبر والإثم أعظم، لأن الغناء محرم وهكذا التدخين من المحرمات المضرة بالدين والدنيا والصحة.

وقد قال الله عز وجل: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله" الآية، قال أكثر العلماء المراد بلهو الحديث الغناء وآلات اللهو.

وقال عز وجل: "يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات"، وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: "ويحل عليهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" فبين المولى سبحانه أنه لم يحل لعباده إلا الطيبات وأن نبيه صلى الله عليه وسلم إنما أحل لأمته الطيبات وهي الأشياء النافعة بلا مضرة، والدخان من الأشياء الضارة الخبيثة. وقد أجمع العارفون به من الأطباء وغيرهم على أنه مضر بالصحة خبيث العاقبة خبيث الرائحة.

المحاورات والجدال في الحج تثير النزاع والعداوة
حول حرمة الحج وفرضيته على المسلمين والإحرام به والآداب التي لا يجوز معها الجدال وتقليد قبائل الجاهلية يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة: يقول تعالى: "الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ".

يخبر تعالى أن الحج في أشهر معلومات وهي ك شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، وقال تعالى: "معلومات" لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما.

وقوله تعالى: "فمن فرض فيهن الحج" معناه من أحرم بالحج في هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضاً عليه يجب عليه أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلاً.

فإن الإحرام به يصير فرضاً عليه لا يجوز له رفضه، لقول الله سبحانه: "وأتموا الحج والعمرة"، وقوله تعالى: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" بيان لآداب المحرم وما يجب عليه ا، يتجنبه حال الإحرام، أي يجب أن تعظموا الإحرام بالحج وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من "الرفث" وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية.

"والفسوق" وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام.

"والجدال" وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة؛ لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله. والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبروراً.

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات، فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات، فقال تعالى: "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير، خصوصاً في أيام الحج وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام، فإن الحسنات تضاعف فيه أكثر من غيره، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، فيدخل في ذلك منى ومزدلفة وجميع المساجد التي في داخل الحرم، وهكذا بقية الحرم.

لاسيما وقد اجتمع للحاج في هذا المكان وهذا الوقت شرف الزمان وشرف المكان، ومن الجدال الذي نهي عنه في الحج ما كان يجري بين القبائل في الجاهلية في موسم الحج وفي أرض الحرم من التنازع والتفاخر ومدح آباءهم وقبائلهم حتى حولوا الحج من عبادة إلى نزاع وخصام.

ومن تحصيل فضائل إلى تحصيل جرائم وآثام، حيث يقول سبحانه: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، وقال تعالى عن الحرم: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"، أما الجدال بالتي هي أحسن فلا حرج فيه في مكة وغيرها، يقول الله سبحانه: "ادع على سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".


احفظوا أوقاتكم عن كل ما يضر دينكم ويغضب ربكم
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء وجه كلمة لحجاج بيت الله الحرام حث فيها على تقوى الله عز وجل وتعظيم شعائر الله والتفرغ للعبادة.

وفي كلمته التي وجهها عبر (عكاظ) قال سماحته:
إخواني حجاج بيت الله الحرام، أيها المسلمون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:
مرحباً بكم في بلد الله الحرام على أرض المملكة العربية السعودية التي شرفها الله تعالى بخدمة الحجاج والعمار والزوار الذين يفدون من كل مكان، ومنَّ عليها بخدمة المقدسات، وتأمينها للطائفين والعاكفين والركع السجود. وأسأل الله عز وجل أن يكتب لكم حج بيته وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أمن وإيمان وسكينة واطمئنان ويسر وقبول، وأن تعودوا إلى دياركم سالمين مأجورين. وقد غفر لكم وآتاكم من فضله إنه جواد كريم.

وبالإجابة جدير ومضى سماحته قائلاً: فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل أينما كانوا، وتوحيد الله وتخصيصه بالعبادة وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه التقوى التي خلق الله لأجلها الثقلين، وهي العبادة المذكورة في قوله سبحانه: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وفي قوله تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم "، وفي قوله جل وعلا: "يا أيها الناس اتقوا ربكم " وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، فالتقوى هي توحيد الله والإخلاص له في العمل، والصدق في معاملته هذا بأداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده عن خوف ورجاء ومحبة ورهبة.

كما أوصي إخواني جميعاً بالتفقه في الدين، وحضور حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وسؤال أهل العلم عما أشكل عليهم في مسائل الحج وغيرها.

كما أوصيهم بالمحافظة على الصلوات الخمس بالمسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، وفي المساجد أينما كانوا مع إخوانهم في الله عز وجل.
وأضاف سماحته: لأن الصلاة عمود الإسلام، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فقد خسر، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"، وقال عليه الصلاة والسلام: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقال عليه الصلاة والسلام كذلك: "الصلاة من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان "، وهذا وعيد عظيم ويجب الحذر منه.

وأوصي إخواني أيضاً بالإكثار من قراءة القرآن والتدبر والتعقل، كتاب الله فيه الهدى والنور، وفيه الدعوة إلى كل خير كما قال سبحانه: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"، وقال تعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"، وقال سبحانه وتعالى: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ".

وأوصي إخواني أيضاً حجاج بيت الله الحرام وغيرهم من المسلمين بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسماع الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بما صح عنه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يبلغ عن الله ولا ينطق عن الهوى، كما قال عز وجل: "والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى "، ومن أحسن الكتب المختصرة التي تنفع العامة، كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله، وكتاب (بلوغ المرام) للإمام الحافظ بن حجر، وهذه كتب مفيدة ونافعة، وينبغي العناية بها والحرص عليها والاستفادة منها.

وأوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بحفظ أوقاتهم عن كل ما يضر دينهم وعن كل ما يغضب ربهم وذلك بالاشتغال بذكر الله والتسبيح والتهليل والتكبير وقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله "، والإكثار من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء، والحذر من كل ما حرم الله، والحذر من الغيبة والنميمة؛ لأنهما من أخبث الكبائر وأشد الكبائر، واسأل الله لنا ولإخواننا جميعاً التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل  كما أسأله سبحانه أن يمن على الجميع بالقبول والمغفرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

على الحجاج تجنب افتراش الطرقات
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.

أما بعد
فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال، والإكثار من ذكره واستغفاره سبحانه وتعالى، والحرص على أداء الصلاة في الجماعة مع المسلمين، والحرص أيضاً على حضور حلقات العلم في المسجد الحرام وهكذا في المسجد المدني لمن زار المدينة، كما أوصيهم أيضاً بالسؤال عما أشكل عليهم، سؤال أهل العلم عما أشكل عليهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين "، ويقول عليه الصلاة والسلام: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ".

فأوصي إخواني جميعاً من الحجاج العناية بهذه الأمور، والإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وسؤال الله جل وعلا الثبات على الحق وحسن الخاتمة؛ لأن العبد على خطر في هذه الدار، فينبغي له أن يكثر من سؤال الله ويسأله الإيمان والثبات على الحق.

ونوصي جميع الحجاج بالحرص على البعد عن جميع ما يؤذي المسلمين، كالنوم في الطرقات والجلوس في الطرقات، لأن الله سبحانه يقول: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً"، فأوصي إخواني الحجاج بالبعد عن كل ما يؤذي المسلمين من الحجاج وغيرهم، وأن يحرصوا على أن يكونوا في بعد عما يؤذي إخوانهم في الله في مكة وفي المدينة وفي غيرهما.

على الحجاج التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة
س: تضع الأجهزة المشرفة على إسكان الحجاج في المشاعر بعض الضوابط التي تمنع تجاوزها لضمان سلامة الحجاج بإذن الله، مثل منع استخدام عبوات الغاز داخل المخيم حيث يؤدي استخدامه السيئ إلى كثير من الأضرار المُتعديَّة إلى الغير، فهل تجاوز الحاج لتلك الضوابط وغيرها من الأنظمة التي وضعت لسلامته تنقص من أجره؟ وما توجيه سماحتكم لحجاج بيت الله للحفاظ على سلامة بعضهم بعضاً؟

ج: الواجب على الحجاج وفقهم الله هو التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة -وفقها الله- لمصلحة الحجاج؛ لأن الله سبحانه أوجب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، والتعليمات التي تقوم بها الدولة لمصلحة الحجاج من جملة المعروف، ومخالفته معصية ونقص في الأجر، وفق الله الجميع لما يرضيه.

القيام بالمسيرات في موسم الحج في مكة المكرمة باسم البراءة من المشركين بدعة لا أصل لها
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:
فإن الله أوجب على عباده المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت وأنزل في ذلك قوله سبحانه: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبد بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ".


وأنزل في ذلك سبحانه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين "، وصحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث الصديق رضي الله عنه عام تسع من الهجرة يقيم للناس حجهم ويعلن البراءة من المشركين، ثم أتبعه بعلي رضي الله عنه ليبلغ الناس ذلك، وبعث الصديق رضي الله عنه مؤذنين مع علي رضي الله ينادون في الناس بكلمات أربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر يسيح في الأرض، كما قال عز وجل: "فسيحوا في الأرض أربعة أشهر "، وبعدها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين إذا لم يسلموا، كما قال الله عز وجل: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم " يعني الأربعة التي أجلها لهم عليه الصلاة والسلام في أصح قولي أهل العلم في تفسير الأشهر المذكورة في هذه الآية "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ".

هذا هو المشروع في أمر البراءة وهو الذي أوضحته الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وبينه علماء التفسير في أول سورة براءة -التوبة-، أما القيام بالمسيرات والمظاهرات في موسم الحج في مكة المكرمة أو غيرها لإعلان البراءة من المشركين، فذلك بدعة لا أصل لها ويترتب عليه فساد كبير وشر عظيم، فالواجب على كل من كان يفعله تركه، والواجب على الدولة وفقها الله منعه؛ لكونه بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر، ولما يترتب على ذلك من أنواع الفساد والشر والأذى للحجيج، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله". ولم يكن هذا العمل من سيرته عليه الصلاة والسلام، ولا من سيرة أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقال سبحانه: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "، وقال عز وجل  "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه في خطبة الجمعة أما بعد: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " أخرجه مسلم في صحيحه.

وقال عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أخرجه مسلم أيضاً، وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "خذوا عني مناسككم". ولم يفعل صلى الله عليه وسلم مسيرات ولا مظاهرات في حجة الوداع، وهكذا أصحابه بعده رضي الله عنهم، فيكون إحداث ذلك في موسم الحج من البدع في الدين التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي فعله عليه الصلاة والسلام بعد نزول سورة التوبة هو بعث المنادين في عام تسع من الهجرة ليبلغوا الناس أنه لا يحج بعد هذا العام -يعني عام تسع- مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وإنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، مع نبذ العهود التي للمشركين بعد أربعة أشهر إلا من كان له عهد أكثر من ذلك فهو إلى مدته، ولم يفعل صلى الله عليه وسلم هذا التأذين في حجة الوداع؛ لحصول المقصود بما أمر به من التأذين في عام تسع، والخير كله والسعادة في الدنيا والآخرة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والسير على سنته وسلوك مسلك أصحابه رضي الله عنهم؛ لأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم وأتباعهم بإحسان، كما قال الله عز وجل: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ".

والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين والسير على منهج سيد المرسلين وأصحابه المرضيين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ومن البدع في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:26 pm

منافع الحج
س: ذكر الله في كتابه الكريم أن هناك منافع في الحج فما هي هذه المنافع؟

ج: لقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المنافع في قوله جل وعلا في سورة الحج بعد ما أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير".

ومن هذا ذكر بعض المفسرين رحمهم الله تعالى المنافع التي تحصل للحجاج: دنيوية وأخروية مما يشاهده ويحس به الفرد المسلم في نفسه وفي أمته.

فمن المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس البيع والشراء، ومكاسب أصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج والحركة المستمرة في وسائل النقل المختلفة، وفائدة الفقراء مما يدفع لهم من صدقات أو يقدم من ذبائح الهدي والضحايا والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم، وتسويق البضائع والأنعام إلى غير ذلك مما يلمسه كل مسلم يشارك في الحج، ومن المشاهد أن الله سبحانه يسهل النفقة والبذل فيه على الإنسان حتى تجود يده بما لم يجد به من قبل في حياته العادية، علاوة على ما في الحج من التعارف فيما بين المسلمين والتعاون على مصالحهم، أما المنافع الدينية التي تعود على الحجيج بالخير الجزيل من أعمال الآخرة فمنها: التفقه في الدين، والاهتمام بشئون المسلمين عموماً، والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الله سبحانه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاستكثار من الصلاة والطواف وذكر الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم والفوز بما وعد الله به الحجاج والعمار، من تكفير السيئات، والفوز بالجنة، وتنزل الرحمة على عباد الله في هذه المشاعر العظيمة.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو فيباهي بهم ملائكته فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.

وقال عليه الصلاة والسلام: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد
فإني أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء أعزاء للتواصي بالحق والتذكير به والدعوة إليه، والنصح لله ولعباده. أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعاً، وأعمالنا وأن يمنحنا جميعاً وجميع المسلمين الفقه في الدين، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفق حكام المسلمين جميعاً للتمسك بشريعته، والحكم بها، وإلزام الشعوب بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثم أشكر إخواني القائمين على هذا النادي، وعلى رأسهم الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى ورئيس النادي، على دعوتهم لي لهذه المحاضرة وعنوانها: حرمة مكة المكرمة ومكانة البيت العتيق، وما ورد في ذلك من الآثار.

أيها الأخوة في الله:
لا يخفى على كل من له أدنى علم، وأدنى بصيرة حرمة مكة، ومكانة البيت العتيق، لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبينه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم، وفي كتب التفسير.

والأمر بحمد الله واضح ولكن لا مانع من التذكير بذلك والتواصي بما أوجبه الله من حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله عز وجل في كتابه المبين: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين".

أوضح الله سبحانه في هذه الآيات، أن البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس وأن مبارك، وأنه هدى للعالمين، وهذه تشريفات عظيمة، ورفع لمقام هذا البيت، وتنويه بذلك.

وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صل الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس، فقال عليه الصلاة والسلام: "المسجد الحرام " قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى " قلت: كم بينهما؟ قال: " أربعون عاماً " قلت: ثم أي؟ قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، فإن ذلك مسجد".

ويبين هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً... " الحديث.

هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول بيت وضع للناس ليعبد الله فيه، ويطاف به، هو هذا البيت،وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم عليه السلام، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل.

أما ما روي أن أول من عمره هو آدم فهو ضعيف، والمحفوظ والمعروف عند أهل العلم أن أول من عمره هو خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأول بيت وضع بعده للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وكان بينهما أربعون سنة، ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام، وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه، والطواف به، والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب، وغفران الخطايا، قال تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وآمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود".

فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه، ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه، والمثابة إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم، ورفيع الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ثم جعله آمناً يأمن فيه العباد، وجعله آمناً للصيد الذي فيه، فهو حرم آمن، يأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الرحم، يأمن فيه حال وجوده به، حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل.

ويقول سبحانه: "ومن دخله كان آمناً " يعني وجب أن يؤمن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد، ولا قتل، بل ذلك قد يقع، وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله، وعدم التعرض له بسوء. وكانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج، فهذا البيت العتيق، وهذا الحرم العظيم، جعله الله مثابة للناس وأمناً، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين، وقال في الآية الأخرى: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود "، والقائم هنا هو المقيم وهو العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم المصلون.

فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت، وهكذا جميع ولاة الأمور، يجب عليهم ذلك، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن، وأن الله حرمه يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده، ولا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، ولا يسفك فيه دم، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف، ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا حرمة هذا البيت، فيجب على المسلمين، وعلى ولاة الأمور، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، والظلم لهم، والتعدي عليهم حجاجاً أو عماراً أو غيرهم.

فالعاكف: المقيم، والطائف: معروف، والركع السجود: هم المصلون. فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه، والمتعبدين فيه، وإذا وجب على الناس أن يحترموه، وان يدفعوا عنه الأذى، فالواجب عليهم أيضاً أن يطهروا هذا البيت، وأن يحذروا معاصي الله فيه، وأن يتقوا غضبه وعقابه، وأن لا يؤذي بعضهم بعضاً، ولا أن يقاتل بعضهم بعضاً، فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه، وأن يحذروا معصية الله فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضاً، ولا يؤذي بعضهم بعضاً، لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة.

والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، فإن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، ولكنها مضاعفة بالكيفية.

فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " ومن يرد فيه أي يهم فيه ويقصد. فضمَّن يُرِدْ معنى يَهُمُّ ولهذا عدَّاه بالباء، بقوله: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم"، أي من يهم فيه بإلحاد بظلم.

فإذا كان من همَّ بالإلحاد أو أراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعله؟

إذا كان من يهمُّ ومن يريد متوعداً بالعذاب الأليم، فالذي يفعل الجريمة، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب، والعذاب الأليم.
ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: "إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد " وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد وهو الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.

وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم " وبين جل وعلا عظمة هذا المكان، وأن الله جعله آمناً وجعله حرماً، ليس لأحد من المقيمين فيه ولا من الواردين إليه، أن يتعدى حدود الله فيه، أو أن يؤذي الناس فيه.

ومن ذلك يعلم أن التعدي على الناس وإيذائهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل من الكبائر.
ولما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، خطب الناس وقال: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وإن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس، فليبلغ منكم الشاهد الغائب  " وقال: "إنه لا يحل
لأحد أن يسفك فيه دماً، أو يعضد فيه شجرة، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد " أي معرف.

فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم؟ فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئاً مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقاداً لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلماً لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر ولا يؤذي أحداً لا بكلام ولا بفعل، ثم قال جل وعلا في سورة آل عمران: "فيه آيات بينات مقام إبراهيم".

فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، أي مقامات إبراهيم، لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم جميع مقامات إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم تعبَّد فيه، ومن ذلك المشاعر عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، والذي يصلي إليه الناس الآن كلهم من مقامات إبراهيم.

ففي ذلك ذكرى لأولياء الله المؤمنين، ليتأسوا بنبي الله إبراهيم، كما أمر الله نبينا محمداً بذلك في قوله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً " فأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم الخليل أبي الأنبياء جميعاً. ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل جميعاً، وأكملهم بلاغاً ونفعاً للناس، وتوجيهاً لهم إلى الخير، وإرشاداً لهم إلى الهدى، وأسباب السعادة.

فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم.

فمن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبينوا وأن يرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسؤولين أن ينفذوا حكم الله، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم كائناً من كان من الحجاج أو من غير الحجاج، من السكان أو من غير السكان، من جميع أجناس الناس.

يجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف، أن يصونوه وأن يحفظوه، وأن يحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجبه نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك يعلم أن ما حدث في العام الماضي عام 1407هـ من بعض حجاج إيران من الأذى، أمر منكر، وأمر شنيع لا تقره شريعة ولا يقره ذو عقل سليم، بل شريعة الله تحرم ذلك، وكتاب الله يحرم ذلك وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحرم ذلك. وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى، وحمايته من كل معصية، ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير، وكف الأذى عنهم، وأنه لا يجوز لأحد أبداً لا من إيران ولا من غير إيران أن يؤذوا أحداً من الناس، لا بكلام ولا بفعال ولا بمظاهرات ولا بمسيرات جماعية تؤذي الناس، وتصدهم عن مناسك حجهم وعمرتهم، بل يجب على الحاج أن يكون كإخوانه المسلمين في العناية بالهدوء والإحسان إلى إخوانه الحجاج وغيرهم، والرفق بهم وإعانتهم على الخير والبعد عن كل أذى.

هكذا يجب على الحجيج من كل جنس، ومن كل مكان طاعة لله عز وجل، وتعظيماً لبيته العتيق، وإظهاراً لحرمة هذا المكان العظيم: مكة المكرمة وتنفيذاً لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وسيراً على منهج رسوله، ومنهج أصحابه رضي الله عنهم.

هذا هو الواجب على الجميع، وهذا الأمر بحمد الله واضح لا يخفى على أحد، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو من كان يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه.

وأما من آمن بالله واليوم الآخر، إيماناً صحيحاً، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره. فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله، وارتكاب محارمه سبحانه، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه.

والواجب على ولاة الأمور إزاء المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة: العناية بحمايتهما ودفع الأذى عنهما وعن سكانهما، وعمن يقصدهما من العمار والحجاج  والزوار طاعة لله، ولرسوله، وتعظيماً لأمر الله عز وجل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعوناً للجميع على طاعة الله ورسوله وتأميناً لقلوبهم حتى لا يذهلوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم، أو يقعوا في شيء مما حرمه الله عليهم، والله يقول سبحانه وتعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، ويقول سبحانه: "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " فلابد من التواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى في هذا المكان وغيره، بل إن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فإن مكة المكرمة هي أفضل البقاع، وهي أحب البلاد إلى الله، وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، والمسجد الأقصى، هذه المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، هي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية.

وأعظم ذلك هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً. وواجب على أهله والوافدين إليه أن يعرفوا قدره، وأن يعرفوا فضله، حتى لا يقعوا فيما حرم الله. وهذا واجب الجميع من المقيم والوارد، ويجب على المقيمين فيه والساكنين فيه أن يعرفوا قدره وأن يعظموه وأن يحذروا ما حرم الله.

فإذا كان المريد فيه بذنب له عذاب أليم فكيف بالفاعل، وليس الوارد إليه هو المخاطب بهذا الأمر إذ المقيم أولى وأولى، لأنه دائم فيه.

والواجب عليه أن يعلم ما حرم الله، وأن يبتعد عن معصية الله، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله وأن يكون عوناً لإخوانه في مكة وإخوانه الوافدين إليها في حج وعمرة، وأن يكون مرشداً لهم في الخير. وهكذا على سكان مكة أن يعينوهم ويوجهوهم إلى الخير، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروا إيذاءهم بأي أذى من قول أو فعل، وأن يكونوا دعاة للحق.

هكذا يجب في هذين المسجدين، وفي هاتين البلدتين، ويجب على المسلم في كل زمان ومكان أن يتقي الله وأن يعظم حرماته، وأن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، ويجب على ولاة الأمور الضرب بيد من حديد على كل من خالف أمر الله، أو أراد أن يتعدى حدوده، أو يؤذي عباده، طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحماية للمسلمين من الحجاج والعمار والزوار وغيرهم، واحتراماً لهذا البلد العظيم، وهذا البلد الأمين، أن تنتهك فيه حرمات الله، أو يتعدى فيه على حدود الله، أو يؤمن فيه من لا يخاف الله ويراقبه، على إيذاء عباده وتعكير صفو حجهم وأمنهم بفعل سيئ أو بقول سيئ.

ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى،  وصفاته العلى، أن يوفق المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق، ومدينة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم، إنه جل وعلا جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:28 pm

وجوب تقوى الله في السر والعلن
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حجاج بيت الله الحرام وإلى كل من يطلع على هذه الرسالة من إخوانه المسلمين في كل مكان، وفقهم الله لما فيه رضاه ومنحهم الفقه في الدين، آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد:
ففي مستهل صدور العدد الأول من مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها في موسم كل عام الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، وفي عامها الحادي عشر أتقدم إليكم بالتحية الطيبة، ومرحباً بكم على هذه الأرض المباركة أرض الحرمين الشريفين، سائلاً المولى تبارك وتعالى أن يجعل حجنا وحجكم مبروراً وسعينا وسعيكم مشكوراً وذنبنا وذنبكم مغفوراً، وأن يوفقنا وإياكم إلى صالح الأعمال في سهولة ويسر وصحة وعافية وقبول.

وبهذه المناسبة الكريمة فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلانية، والإخلاص له في الأعمال والأقوال، والاقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم في مناسك حجنا وفي كل ما نتقرب به إلى ربنا عز وجل، فإن تقوى الله تبارك وتعالى هي السبب العظيم في تحصيل سعادة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب "، وقال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً "، وقال تعالى: "والآخرة عند ربك للمتقين"، وقال سبحانه وتعالى: "إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم " وهي ثمرة الحج المبرور والعبادات الصحيحة، قال الله تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ". وهي خير ما يدخره المسلم لذريته من بعده، قال الله تعالى: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً " لذلك كانت التقوى هي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، قال تعالى: "ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ".

والإخلاص هو أصل قبول الأعمال، فلا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، فلم يشرك صاحبها فيها مع الله غيره، ولا يقصد بها رياء ولا سمعة ولا شهرة ولا محمدة ولا ثناء من أحد، قال الله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"، وقال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً"، وقال تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهو قدوة المخلصين: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين * وأمرت لأن أكون أول المسلمين"، وقال سبحانه: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين" ولكون الشرك يحبط الأعمال ويضيع ثوابها حذر الله عز وجل منه عباده، كما في الآيات السابقة، وكما في قوله تعالى: "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار "، وقوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً"، وقال عز وجل: "ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ".

وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم رحمه الله، والرياء هو الشرك الخفي الذي يبطل الأعمال ويفوت الثواب، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر "، وعن جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمّع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " متفق عليه.

قال النووي رحمه الله (سمّع) بتشديد الميم ومعناه أظهر عمله للناس به (سمع الله به) أي فضحه يوم القيامة.

ومعنى (من راءى، راءى الله به) أي من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم. (راءى الله به) أي أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.

والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في مناسك حجنا وفي كل ما نتقرب به إلى ربنا هو الأصل الثاني الذي يترتب عليه قبول الأعمال، فقد أمرنا الله عز وجل باتباعه وحذرنا من مخالفته، فقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يُحِبُّ الكافرين"، وقال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب "، وقال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".

والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن بلغ الناس ما أنزل إليه من ربه أكمل البلاغ، وبعد أن بين للناس ما نزل إليهم أتم بيان، كما قال الله تعالى له: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك "، وكما قال جل شأنه: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم "، وقد أنزل الله عز وجل عليه مصداق ذلك، حيث قال سبحانه: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، فكل ما لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً فليس اليوم بدين.

وفي الحديث الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم رحمه الله، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه.

فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتقيا الله عز وجل، وأن يخلصا في أعمالهما وأن يتقيدا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل أعمالهما وأقوالهما في الحج وفي غيره. فهذا أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو يقبل الحجر الأسود: "أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " متفق عليه.

فلنكن أيها الإخوة المسلمون على بينة من مناسك حجنا وأمور ديننا حتى نعمل ما يطلب منا عمله ونجتنب ما يطلب منا اجتنابه، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"
وبذلك يقع حجنا -بتوفيق الله- حجاً مبروراً والحج المبرور جزاؤه الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه.

ومفتاح العلم السؤال، فإذا أشكل عليكم أمر فاسألوا أهل العلم عنه، فالله تعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" .

وهم بحمد الله تعالى - اليوم كثير -، وستجدون في مداخل المملكة وفي مكة والمدينة وفي منى وعرفات وفي عديد من الأماكن التي يوجد فيها الحجاج مراكز للتوعية الإسلامية بها نخبة من أهل العلم، يجيبونكم على أسئلتكم ويفتونكم في كل ما تحتاجون إليه مما يتعلق بالحج وبغيره من أمور الدين، فاسألوهم واحرصوا على سماع دروسهم وندواتهم، فإن فيها خيراً كثيراً إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه.

وأنتم أيها الأخوة، قد حضرتم من بلاد بعيدة وجهات متفرقة، تحملتم فيها مشقة السفر وأنفقتم الأموال الكثيرة تبتغون الأجر والثواب من الله تعالى، فحافظوا على أوقاتكم واشغلوها بالعبادة والتقرب إلى الله عز وجل والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثروا من قراءة القرآن الكريم ومن الصلاة والطواف والذكر والدعاء والاستغفار والصدقة وغير ذلك من أنواع العبادات والقربات، وحافظوا على صلاة الجماعة في المساجد وهي بحمد الله متوفرة فصلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد أضعافاً كثيرة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" متفق عليه، والفذ: الواحد.

ولأهمية صلاة الجماعة في المساجد وعظم فضلها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص في تركها للأعمى الذي لا يجد قائداً له يقوده إلى المسجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله: ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: "فأجب" رواه مسلم رحمه الله.

وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ يتخلف عن الجماعة بغير عذر أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجالٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه.

والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتوعَّد بهذا العقاب الشديد إلا على أمر لا يجوز التساهل به أو التفريط فيه.

فحافظوا أيها الحجاج بارك الله فيكم على صلاة الجماعة ما استطعتم، وخاصة في الحرمين الشريفين، فإن الصلاة فيهما تضاعف أضعافاً كثيرة عن غيرهما في سائر المساجد، فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا " أخرجه أحمد رحمه الله.

وهذا خير من ضياع الوقت وبذل الجهد في زيارة أماكن هنا وهناك بقصد تحصيل الأجر والثواب لم تشرع زيارتها ولم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ولو كان ذلك خيراً لسبقونا إليه، وقد مر بنا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول عند تقبيل الحجر الأسود: "لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"، وصح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. فالخير في الاتباع والشر في الابتداع.

وأوصيكم أيها الأخوة في الله بالحرص على التواصي بالحق، والصبر فيما بينكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى في هذا الموسم العظيم، الذي يجمع عدداً كبيراً من المسلمين جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويؤدوا مناسكهم، رغبة في مغفرة الله سبحانه وطمعاً في ثوابه عز وجل والنفوس مهيئة لقبول الخير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة " قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " والله تعالى يقول: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم".
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه.
والمسلم يحب لنفسه أن يكون على خير في دينه ودنياه، فكذلك يجب أن يحب ذلك لإخوانه المسلمين، ولكن ينبغي أن يكون ذلك برفق ولين وحكمة وموعظة حسنة، كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" , وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " متفق عليه، وعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه " رواه مسلم رحمه الله. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" رواه البخاري رحمه الله، ثم أفهمه فقال: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا وإنما هي للصلاة وذكر الله".
وهكذا ينبغي أن يكون المسلم رفيقاً بإخوانه رحيماً بهم يغفر زلاتهم ويعفو عن إساءتهم يرحم ضعيفهم ويوقر كبيرهم ولا يشق عليهم، بل يجادلهم بالتي هي أحسن، وخاصة في رحلة الحج المباركة التي خرج فيها الجميع يلبون ربهم ويحمدونه ويكبرونه، لاسيما في أوقات الشدة وأماكن الزحام في المطاف وفي المسعى، وعند الصعود إلى عرفات والنزول منها، وعند رمي الجمرات حتى يؤدي الجميع مناسك حجهم في سهولة ويسر، وحتى يكون بتوفيق الله حجاً مبروراً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه. وفي الحديث المتفق على صحته يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
وإني أهيب بإخواني المسلمين من حجاج بيت الله الحرام، أن يتناسوا خلافاتهم، وأن يقبلوا على نسكهم بنفوس صافية وقلوب مخلصة وألسنة ذاكرة لله وحده، الذي دعاهم إلى حج بيته، ووفقهم لإجابة هذه الدعوة، فهتفوا قائلين: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". وينبغي أن يكون هذا الذكر حقيقة تحكم تصرفاتهم وتضبط سلوكهم، فلا يتصرفون إلا بما يرضي الله، ولا يسلكون إلا سبيل الله، والله تعالى يقول: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".

كما أهيب بولاة أمور المسلمين وعلمائهم وأهل الرأي فيهم من الحجاج أن ينتهزوا فرصة اجتماعهم في هذه الأماكن المقدسة مهد الإسلام ومهبط الوحي ومشرق الرسالة الخاتمة التي جمعت القلوب المتنافرة، ووحدت القبائل المتنافرة، فجعلت من رعاة الغنم قادة للأمم، ومن الأمة الأمية خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أهيب بهم أن يلتقوا ويتشاوروا فيما يجمع شمل الأمة الإسلامية ويوحد صفوفها ويستنقذ بلادها ومقدساتها من أيدي أعدائها ولاسيما المسجد الأقصى المبارك، ويشد أزر المجاهدين في سبيل الله ويوحد صفوفهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه" متفق عليه.

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى" متفق عليه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة" متفق عليه.

ومن فاته نصرة إخوانه المجاهدين بنفسه ينبغي أن ينصرهم بقوله أو ماله فالله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وهذا يبين أهمية الإعلام، بالنسبة لقضايا المسلمين، وعن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا" متفق عليه.

وإن لكم إخواناً قد أصابهم الضر ونزل بهم القحط وابتلوا بنقص في الأموال والأنفس والثمرات في أفريقيا، وغيرها، وهم في أشد الحاجة إلى مواساتكم ومعونتكم فلا تبخلوا عنهم بشيء من أموالكم، قال تعالى: "ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه "، وهو القائل سبحانه: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، وقال سبحانه: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

وفي الختام فإني أسأل الله أن يسدد خطانا وخطاكم، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والرشاد، وأن يجمع شمل هذه الأمة المحمدية على الحق والهدى، وأن يوفق حكامهم وولاة أمورهم إلى أن يحكموا بينهم بما أنزل الله ويطبقوا فيهم شريعة الله، وهو القائل سبحانه: "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" إنه ولي ذلك والقادر عليه، كما أسأله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين غانمين موفقين إنه على كل شيء قدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.


الحج فرصة لنشر دعوة الحق
بعد الحمد والثناء على الله عز وجل ثم الصلاة والسلام على أشرف المرسلين، إني أشكر الله عز وجل على ما من به علينا وعلى حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسك الحج في أمن وعافية وسلامة وهدوء، الحمد لله جل وعلا على ذلك ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن جميع حجاج بيت الله الحرام، كما أسأله سبحانه أن يوفق حكومتنا لكل خير، وأن يجزيها عما فعلت من التسهيل لحجاج بيت الله الحرام أداء مناسكهم أفضل الجزاء وأن يعينها على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، كما أساله سبحانه أن يجزي أيضاً العاملين في هذه الدولة من عسكريين ومدنيين أحسن الجزاء عما فعلوا من الخير، وأن يضاعف مثوبتهم على ما فعلوه من تيسير وتسهيل وإعانة لإخوانهم حجاج بيت الله الحرام، وأسأله عز وجل أن يتقبل من الجميع عملهم وحجهم.

ثم إني أشكر أخي صاحب الفضيلة معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل على كلمته القيمة وتوجيهاته السديدة المفيدة فجزاه الله خيراً، وقد أحسن وأجاد في نصيحة إخوانه الدعاة، ووصيتهم بما ينبغي أن يعتمدوه في نصحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل وعنايتهم بإخوانهم حجاج بيت الله الحرام وغيرهم.

فإن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفرائض، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والعلماء هم ورثة الأنبياء فالواجب عليهم العناية بالدعوة، و تكون بالأساليب التي يرجى منها حصول المطلوب والسلامة من النفور عن الحق، ويرجى منها الإفادة للمدعو وقبوله الحق، وعليهم أن يحذروا الأساليب التي يخشى منها بقاء المنكر أو وجود ما هو أنكر منه، فالداعي إلى الله يجب أن ينظر في أسلوب دعوته، وأن يتحرى الأساليب التي يرجى من ورائها حصول الخير والفائدة، والسلامة من ضد ذلك، فجزى الله أخانا صاحب الفضيلة الشيخ محمد عن كلمته خيراً، كما أشكره أيضاً على جهوده العظيمة الإصلاحية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأسأل الله أن يزيده والعاملين معه من التوفيق والهداية وأن يبارك في جهودهم وينفع بهم عباده من حجاج بيت الله الحرام وزوار هذا المسجد العظيم للعمرة، وزواره للصلاة وزوار المسجد النبوي، نسأل الله أن يبارك في جهود القائمين على هذين المسجدين وأن يجعلهم هداة مهتدين، كما أشكره أيضاً هو وإخوانه على ما يبذلونه من الدعوة إلى الله في المسجدين وتوجيه الناس إلى الخير، وإفتائهم فيما يحتاجون إليه فجزاهم الله جميعاً خيراً.

ثم أشكر الأمانة العامة للتوعية على جهودها في هذا السبيل، سبيل تسهيل أداء المناسك لحجاج بيت الله الحرام، أشكر الأمانة والعاملين فيها على جهودهم الطيبة في تسهيل أمر الحجيج وإعانتهم على أداء مناسكهم بما يسهل عليهم ذلك وبما يعينهم على فهم ما أوجب الله عليهم وعلى ترك ما حرم الله عليهم، ولا شك أن جهود الأمانة العامة لها ثمار عظيمة، ولها فوائد جمة، ونسأل الله أن يبارك في هذه الجهود وأن يجزي العاملين فيها جزاءً حسناً وأن يثيبهم ويأجرهم على ما فعلوه ويزيدهم من فضله، فإن الله سبحانه هو الجواد الكريم، وهو الذي يجازي العاملين بما يستحقون، فنسأل الله أن يجزي العاملين في سبيله جزاءً حسناً، وأن يثيبهم على ما قدموا، وأن يجعل لهم مثل ثواب إخوانهم الذين ساعدوهم في الخير، وسهلوا لهم طريق الخير، ثم أشكر إخواني الدعاة إلى الله عز وجل، وأدعو لهم بمزيد من التوفيق فقد بذلوا جهوداً كبيرة، وأسأل الله أن يجزيهم عن جهودهم خيراً، وأن يضاعف مثوبتهم، ولا شك أن الواجب عليهم عظيم، ونسأل الله أن يتقبل منهم جهودهم وأن يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني "، فالدعوة إلى الله هي سبيل الأنبياء وأتباعهم على بصيرة، فنسأل الله أن يوفقنا وإخواننا الدعاة وسائر علماء المسلمين لما يرضيه وأن يجعلنا جميعاً من الدعاة إليه على بصيرة وأن يعيننا على أداء الواجب إنه خير مسؤول.

ولا شك أن الدعاة إلى الله سبحانه في جهاد عظيم، وهم جديرون بأن يبذلوا وسعهم في هذا السبيل ؛ لأن الله جل وعلا قد أتاح لهم في هذا الموسم أمماً كثيرة من سائر أرجاء الدنيا في حاجة إلى الدعوة والتوجيه فيما يتعلق بالعقيدة ومناسك الحج وفيما يتعلق بأحكام الدين، فهم جديرون بأن يوجهوهم ويرشدوهم إلى ما يجب عليهم وإلى ما يحرم عليهم حتى يفعلوا ما شرع الله ويدعوا ما حرم الله، وأسأل الله أن يبارك عملهم، وأن ينفع به عباده المسلمين، وأن يجزيهم عن ذلك جزاءً حسناً، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، ولا ريب أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه والإرشاد، فالواجب أن تكون دعوتهم بالأساليب الحسنة التي يرجى منها قبول الحق وترك الباطل، قال الله جل وعلا: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فهذه الطريقة التي رسمها الله لعباده فيها الخير العظيم، فيها توجيه الناس وإرشادهم بالعلم والحكمة، فإن الحكمة هي العلم، وذلك بوضع الأمور في مواضعها عن علم وبصيرة، ثم الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ثم الجدال بالتي هي أحسن ؛ لإزالة الشبه وإيضاح الحق، وبذلك يحصل المطلوب ويزول المرهوب، بخلاف الشدة والغلظة فإنه يترتب عليها شر عظيم وعواقب وخيمة، منها عدم قبول الحق، ومنها أنه قد يقع بذلك منكرات أخرى.

قال الله جل وعلا: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وقال عز وجل لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى"، فالواجب على الدعاة أن يسلكوا المسالك التي يرونها ناجحة ومفيدة صالحة لإرشاد المدعوين وتوجيههم إلى الخير، ولاشك أن الحكمة في الدعوة والتبصر فيها من أهم المهمات، والدعوة إلى الله أحسن ما بذله المسلم في نفع غيره، قال الله عز وجل: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً ".

وموسم الحج من أحسن مواضعها وأوقاتها، فالحج فرصة للدعاة إلى الله لينشروا فيه دعوة الحق ويرشدوا فيه الخلق إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، ويحذروهم عما نهى الله عنه من سائر الأخلاق والأعمال، فهي نعمة من الله عظيمة على من دعا إلى الله عز وجل، ونعمة من الله عظيمة على المدعوين، فنسأل الله أن يجزي الداعين خيراً وأن يثيبهم عن دعوتهم وأن يزيدهم علماً إلى علمهم وخيراً إلى خيرهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين وأن ينفع المدعوين بما سمعوا وبما شاهدوا وأن يرزقهم البصيرة والفقه في الدين، كما أسأله سبحانه أن يجزي ولاة أمرنا عما فعلوا وبذلوا من الخير في إعانة الدعاة على أداء واجبهم في إعانة الحجاج على أداء مناسكهم، نسأل الله أن يجزيهم على ذلك الجزاء الحسن وأن يضاعف مثوبتهم وأن يزيدهم من كل خير وأن يعينهم على إزالة كل شر.

وإن واجب العلماء النصيحة لله ولعباده والنصيحة لولاة الأمر بالمكاتبة والمشافهة للأمير والرئيس، لكل ولي أمر من ملك أو رئيس جمهورية أو أمير أو رئيس عشيرة أو جماعة إلى غير ذلك، فكل من له رئاسة وكل من له شيء يستطيع أن يتصرف فيه، هو جدير بأن ينصح ويوجه، حتى يبذل جهوده في من تحت يديه، هذا واجب العلماء أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها وفي هذه الدولة، وفي هذه البقعة بصورة خاصة وفي بقاع الدنيا عامة.

والواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعته ويتعاونوا مع ولاة الأمور بالحكمة والأسلوب الحسن والكلام الطيب والنصيحة الطيبة بالمشافهة والمكاتبة، واجتناب الألفاظ والوسائل التي قد تنفر من الحق وقد تضر الدعوة، يجب على العلماء أينما كانوا أن يكونوا بصيرين في أمر الدعوة، وأن يتحروا الأسباب والوسائل التي يرجى من ورائها حصول المطلوب، وأن يحذروا كل سبب وكل وسيلة يخشى من ورائها عدم حصول المطلوب، أو حصول ضده، هذا هو الواجب على الجميع.

وفي مكة الكرمة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بالكلام الطيب والأسلوب الحسن حسب الطاقة والإمكان، ويتابع البعد عن كل ما يضر الدعوة، وهكذا لما هاجر إلى المدينة فعل ذلك حتى شرع الله الجهاد وأعطاه قوة، فعند ذلك جاهد الناس وشرع في قتال الكفار إلى أن يستجيبوا للحق، وعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن يجتهدوا في إيصال الدعوة إلى المدعوين بالطرق التي يرجى منها حصول المطلوب، وإذا قوي من له سلطان قام على تنفيذ الحق بالقوة بطريقة يحصل بها المطلوب ولا يحصل منها ضده، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور أن يقيموا الحق بالطريقة التي يمكن تنفيذه بدون حصول ما هو شر ومنكر.

والواجب على الدعاة إلى الله أن يبلغوا ولاة الأمور الحق بالوسائل الكتابية والشفهية حتى يحصل التعاون بين الجميع بين السلطان وبين الأمير وبين كبير القبيلة وبين كبير الأسرة، حتى يحصل التعاون بين الجميع بالأسلوب الحسن والدعوة المباركة.

ولا شك أن الدعوة إلى الله عز وجل يدخل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الدعوة تدخل في الأمر والنهي عند الإطلاق، كما قال تعالى في كتابه العظيم: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً"، وهكذا في قوله جل وعلا: "ادع إلى سبيل ربك "، تعم الدعاة وتعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعم كل من قام بالإصلاح والدعوة إلى الله عز وجل، في درس أو مجلس أو غير ذلك، وهكذا الأمر بالمعروف إذا أطلق دخلت فيه الدعوة، كما في قوله جل وعلا: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، فالواجب على كل إنسان أن يبذل وسعه في تنفيذ الحق حسب طاقته، فالسلطان عليه واجبه الأعظم حسب طاقته، والأمير في القرية أو البلد أو القبيلة عليه تنفيذ الحق حسب طاقته بالفعل والقول جميعاً، وكبير الأسرة وصاحب البيت عليه تنفيذ الحق بالقول وبالعمل حسب طاقته ومع أولاده وأهله، وهكذا كل إنسان عليه أن يعمل حسب طاقته، كما قال الله عز وجل: "فاتقوا الله ما استطعتم" وكما قال عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

فمن كان يستطيع بيده مثل السلطان والأمير فيما حدد له، والهيئة فيما حدد لها، وصاحب البيت فيما يقدر عليه نفذ الأمر بيده، ومن كان بصفة أخرى نفذ بالكلام والتوجيه والإرشاد وبالتي هي أحسن حتى يحصل الحق وحتى يزول الباطل، وعليه أن يستمر ولا ييأس ويرجو ما عند الله من المثوبة فيصبر، كما قال الله عز وجل: "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" هذه صفة الرابحين والمؤمنين السعداء، إيمان صادق وعمل صالح وتواص بالحق وتواص بالصبر. وقال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" ويقول جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".

فالواجب نصر الله والعناية بأمره والاجتهاد في ذلك، ويشرع للمؤمن أن يجتهد في أن يكون في حاجة أخيه الدينية والدنيوية، وأن يعينه على الخير حسب طاقته، وبهذا تجتمع القلوب ويحصل التعاون والتآلف والمحبة في الله، وكثرة الخير وقلة الشر.

فنسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه وأن يوفقنا جميعاً إلى كل ما فيه صلاح العباد والبلاد أينما كانوا، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسئولين لما يرضيه في كل مكان وأن يصلح بطانتهم وأن يصلح العلماء ويعينهم على أداء الواجب، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعته والتحاكم إليها والفقه فيها، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وأن ينصر بهم الحق، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يوفق علماؤنا وجميع المسلمين للتعاون على البر والتقوى إنه خير مسئول. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


الحج المبرور
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد بن عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فأحييك أيها القارئ الكريم بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وأهنئك بما يسر الله لك من حج بيته الحرام الذي أوجبه الله على المستطيعين من عباده المكلفين بقوله عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"، وقد روى مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، ثم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".

والحج من الأعمال الفاضلة التي يضاعف الله بها الأجور ويغفر بها الذنوب، روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله " قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله"، قيل ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور ".

والحج المبرور هو الذي لا يرتكب فيه صاحبه معصية لله، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه.

فالحج فرصة عظيمة يجود الله سبحانه وتعالى فيها على عباده المؤمنين بالمغفرة والرحمة والرضوان والعتق من النار، فطوبى لمن كان حجه مبروراً فلم يرفث ولم يفسق ولم يجادل إلا بالتي هي أحسن واستبق إلى الخيرات، قال الله تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ".

هذا وأقدم إلى الحجاج الكرام هذه الأعداد الجديدة من مجلة التوعية الإسلامية في الحج للسنة العاشرة، والتي تصدرها الأمانة العامة لهيئة التوعية الإسلامية في الحج التابعة للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية ؛ لهدف توعية المسلمين وتبصيرهم بأمور دينهم الحنيف وخاصة ما يتصل منها بالعقيدة والعبادة والأخلاق وعلى الأخص ما يتصل بمناسك الحج، حتى يؤدوا حجهم على نور من كتاب ربهم عز وجل المبين، وهدى من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم الأمين، وهي إحدى منجزات المملكة العربية السعودية والخدمات التي تؤديها حكومتها الموفقة لحجاج بيت الله الحرام والمسلمين في كل مكان، راجين من المولى القدير أن ينفع بها الحجاج، وكل من اطلع عليها من المسلمين.

وبهذه المناسبة الجليلة فإني أوصيكم ونفسي وكل من بلغته هذه النصيحة بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال والتعرض دائماً لنفحاته سبحانه، فإن لله تعالى في أيام دهرنا نفحات يصيب بها من يشاء من عباده، فلنستبق إلى الخيرات، ولننتهز المناسبات الفاضلة فنشغلها بطاعة الله عز وجل والعمل بما يرضيه: "وفي ذلك فليتافس المتنافسون"، والله تعالى يقول: "فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"، ويقول تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين "، وروى الترمذي رحمه الله بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر".

وأنتم أيها الإخوة قد جئتم من بلاد بعيدة وتركتم الأهل والأوطان تبتغون فضلاً من ربكم ورحمة، فأحسنوا نياتكم وأخلصوا أعمالكم لله ربكم فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، والله تعالى يقول: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"، ويقول سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، وتحروا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فيما تفعلون وفيما تذرون فالله تعالى يقول: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب" ويقول عز من قائل: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً"، وتجنبوا البدع في الدين، ففي الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم رحمه الله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومَنْ يأبى يا رسول الله؟ قال: "مَنْ أطاعني دخل الجنة ومَنْ عصاني فقد أبى".

واسألوا أهل العلم فيما تجهلون أو يشكل عليكم من أمور دينكم، فالله تعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "، وإذا علمتم فاعملوا، فالعلم حجة لنا أو علينا، حجة لنا إن عملنا به، وحجة علينا إذا لم نعمل، وحافظوا على الصلوات في جماعة ما استطعتم، فإن الصلاة هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، ولا يقبل حج ولا عمل بدونها، فقد روى مسلم رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "، وروى أحمد وأصحاب السنن رحمهم الله عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في أدائها جماعة، وأخبر أنها تزيد عن صلاة المنفرد بدرجات كثيرة، ففي الحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، والفذ: الذي يصلي منفرداً.

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الجماعة لغير عذر فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ".

ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي يسمع النداء ولا يجد قائداً يقوده إلى المسجد أن يصلي في بيته فكيف بغيره، روى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال له: "هل تسمع النداء إلى الصلاة؟ " قال: نعم، قال: "فأجب" .

ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإنهما من أهم واجبات الإسلام ومن النصيحة الواجبة في الدين، والمسلمون بخير ما تناصحوا وتواصوا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، قال الله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن المنكرات إذا فشت بين الناس ولم تنكر عمت عقوبتها، قال الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب "، وقد روى الترمذي رحمه الله -وقال حديث حسن- عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

فانصحوا إخوانكم ورفقائكم إذا وجدتم ما يستوجب النصيحة ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ففي الحديث المتفق عليه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، وانصحوا قومكم إذا رجعتم إليهم وخاصة عشائركم ومن لكم عليهم ولاية، فالله عز وجل قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، ويقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"، واعلموا أنه لا قيام للدين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح بالخير والتواصي بالحق وبالصبر، فاحرصوا على ذلك يحفظ الله لكم دينكم ويصلح أعمالكم ويغفر ذنوبكم والله غفور رحيم.

وفي بلاد المسلمين الآن بحمد الله دعوات للخير بالرجوع إلى الإسلام، والتمسك بالكتاب والسنة، فكونوا من أهلها وأعوانها، فالله تعالى يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب "، وفي بعضها جهاد لإعلاء كلمة الله والذب عن العقيدة الإسلامية والدفاع عنها أمام الملاحدة والشيوعيين وخاصة على أرض أفغانستان التي رفع مجاهدوها راية الإسلام وأخذوا يقاتلون تحتها أعداء الله، وهم أولى بنصرتكم ومعونتكم فمن استطاع أن يجاهد معهم بنفسه فليفعل، ومن استطاع أن يجاهد بماله فليفعل، فما أحوجهم للرجال وللمال، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين".

ومَنْ فاته الجهاد بالنفس فلا ينبغي أن يفوته الجهاد بالمال، لقول الله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا ".

وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه صلاح أمر العباد والبلاد، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين غانمين، وأن يتقبل منا ومنكم ومن سائر المسلمين، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه، وأن يصلح قادة المسلمين في كل مكان، وأن يوفقهم للحكم بشريعته والتمسك بها والدعوة إليها والحذر من كل ما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:31 pm

على جميع الحجاج تقوى الله في السر والعلن ليكتمل حجهم
أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وهي وصية الله تعالى ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة".

وأضاف سماحته أن على جموع حجاج بيت الله الحرام المحافظة على الصلاة في أوقاتها ومع الجماعة وبكل شروطها وأركانها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها فهي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي عمود الدين ومن تركها فقد كفر قال صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "، وقال أيضا: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".

ومن أهم أركان الصلاة التي يجب على المسلم رعايتها والعناية بها الطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله كما قال عز وجل: "وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين".

كما أوصي نساء المسلمين بالتستر والتحجب والابتعاد عن كل ما يظهر الفتنة والحذر من التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك من أسباب الشر والفتنة والواجب عليهن أن يتقين الله وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز المحاسن، قال الله تعالى: "يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين".


الواجب على مَنْ استطاع السبيل المبادرة بالحج والعمرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإني أوصي إخواني المسلمين الذين لم يؤدوا فريضة الحج أن يبادروا بحجة الإسلام، فهذا هو الواجب على كل من استطاع السبيل إلى ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت "، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"، فالواجب على كل مسلم ومسلمة يستطيع مؤونة الحج إذا كان مكلفاً أن يبادر بذلك وألا يؤخره؛ لأن الله جل وعلا أوجب ذلك على الفور، ولا يجوز لأي مسلم مكلف مستطيع الحج أن يتأخر عن ذلك، بل يبادر ويسارع إلى هذا الخير العظيم، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "مَنْ حَجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

فهذه نعمة عظيمة وخير عظيم ينبغي للمسلم أن يحرص عليه، ويشرع له مع ذلك أن يتحرى الأعمال الخيرية في طريقه وفي مكة، من صدقة على الفقراء والمساكين، والإكثار من قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام والطواف إن تيسر ذلك اغتناماً للزمان والمكان؛ فإن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفريضة فيه خير من مائة ألف فيما سواه، والصدقات فيه مضاعفة، وهكذا مثلها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وتعليم الحاج ما قد يجهل، كل هذا مما يشرع للمسلم، ومن ذلك أن يجتهد في تعليم إخوانه الحجاج -إن كان يوجد عنده علم- بالحلم والرفق والأسلوب الحسن، مع اغتنام الفرصة في وجوده بمكة بعمل أنواع الخير كما تقدم من صلاة وطواف ودعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق والكلام الطيب.

وأنصح ولاة الأمور المسلمين في كل مكان بأن يسهلوا أمر الحج لرعاياهم وأن يعينوهم عليه؛ لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، والله عز وجل يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى" فإعانتهم وتسهيل أمرهم هذا من باب الإعانة على الخير، ومن باب التواصي بالحق والصبر عليه، وفيه الأجر العظيم، كما أوصيهم بأن يحكموا شرع الله في جميع الشئون، وأن ينصروا دين الله في كل الأمور، نسأل الله أن يوفق ولاة المسلمين لكل خير، وأن يصلح أحوالهم وأن يمنحهم التوفيق، وأن يعينهم على كل خير، كما أوصي كل من يتولى أمور الحجيج بتقوى الله تعالى، وأن يرفقوا بالحجيج وأن يعينوهم على كل خير، وأن يحتسبوا الأجر والمثوبة عند الله، فلهم بهذا الأجر العظيم إذا أعانوا الحجاج وسهلوا أمورهم، لهم في هذا الفضل الكبير، نسأل الله عز وجل أن يتقبل من الجميع، وأن يوفق المسلمين في كل مكان إلى ما يرضيه، وأن يمنحهم الفقه في دينه وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين، وأن يعين إخواننا الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فقد أوجب الله عز وجل التعاون على البر والتقوى والنصيحة لكل مسلم وقد أبلغني بعض الإخوان أنه يوجد من بعض الحجاج الموجودين في منى من يؤذي جيرانه بالتدخين والأغاني.

ولا ريب أن إيذاء المسلمين من المحرمات المعلومة من الدين كما قال سبحانه: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً "، وإذا كان الإيذاء بالتدخين أو بفتح الراديو أو المسجلات على الأغاني كان الأذى أكبر والإثم أعظم، لأن الغناء محرم وهكذا التدخين من المحرمات المضرة بالدين والدنيا والصحة.

وقد قال الله عز وجل: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله" الآية، قال أكثر العلماء المراد بلهو الحديث الغناء وآلات اللهو.

وقال عز وجل: "يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات"، وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: "ويحل عليهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" فبين المولى سبحانه أنه لم يحل لعباده إلا الطيبات وأن نبيه صلى الله عليه وسلم إنما أحل لأمته الطيبات وهي الأشياء النافعة بلا مضرة، والدخان من الأشياء الضارة الخبيثة. وقد أجمع العارفون به من الأطباء وغيرهم على أنه مضر بالصحة خبيث العاقبة خبيث الرائحة.

المحاورات والجدال في الحج تثير النزاع والعداوة
حول حرمة الحج وفرضيته على المسلمين والإحرام به والآداب التي لا يجوز معها الجدال وتقليد قبائل الجاهلية يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة: يقول تعالى: "الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ".

يخبر تعالى أن الحج في أشهر معلومات وهي ك شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، وقال تعالى: "معلومات" لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما.

وقوله تعالى: "فمن فرض فيهن الحج" معناه من أحرم بالحج في هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضاً عليه يجب عليه أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلاً.

فإن الإحرام به يصير فرضاً عليه لا يجوز له رفضه، لقول الله سبحانه: "وأتموا الحج والعمرة"، وقوله تعالى: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" بيان لآداب المحرم وما يجب عليه ا، يتجنبه حال الإحرام، أي يجب أن تعظموا الإحرام بالحج وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من "الرفث" وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية.

"والفسوق" وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام.

"والجدال" وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة؛ لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله. والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبروراً.

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات، فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات، فقال تعالى: "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير، خصوصاً في أيام الحج وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام، فإن الحسنات تضاعف فيه أكثر من غيره، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، فيدخل في ذلك منى ومزدلفة وجميع المساجد التي في داخل الحرم، وهكذا بقية الحرم.

لاسيما وقد اجتمع للحاج في هذا المكان وهذا الوقت شرف الزمان وشرف المكان، ومن الجدال الذي نهي عنه في الحج ما كان يجري بين القبائل في الجاهلية في موسم الحج وفي أرض الحرم من التنازع والتفاخر ومدح آباءهم وقبائلهم حتى حولوا الحج من عبادة إلى نزاع وخصام.

ومن تحصيل فضائل إلى تحصيل جرائم وآثام، حيث يقول سبحانه: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، وقال تعالى عن الحرم: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"، أما الجدال بالتي هي أحسن فلا حرج فيه في مكة وغيرها، يقول الله سبحانه: "ادع على سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".


احفظوا أوقاتكم عن كل ما يضر دينكم ويغضب ربكم
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء وجه كلمة لحجاج بيت الله الحرام حث فيها على تقوى الله عز وجل وتعظيم شعائر الله والتفرغ للعبادة.

وفي كلمته التي وجهها عبر (عكاظ) قال سماحته:
إخواني حجاج بيت الله الحرام، أيها المسلمون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:
مرحباً بكم في بلد الله الحرام على أرض المملكة العربية السعودية التي شرفها الله تعالى بخدمة الحجاج والعمار والزوار الذين يفدون من كل مكان، ومنَّ عليها بخدمة المقدسات، وتأمينها للطائفين والعاكفين والركع السجود. وأسأل الله عز وجل أن يكتب لكم حج بيته وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أمن وإيمان وسكينة واطمئنان ويسر وقبول، وأن تعودوا إلى دياركم سالمين مأجورين. وقد غفر لكم وآتاكم من فضله إنه جواد كريم.

وبالإجابة جدير ومضى سماحته قائلاً: فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل أينما كانوا، وتوحيد الله وتخصيصه بالعبادة وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه التقوى التي خلق الله لأجلها الثقلين، وهي العبادة المذكورة في قوله سبحانه: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وفي قوله تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم "، وفي قوله جل وعلا: "يا أيها الناس اتقوا ربكم " وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، فالتقوى هي توحيد الله والإخلاص له في العمل، والصدق في معاملته هذا بأداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده عن خوف ورجاء ومحبة ورهبة.

كما أوصي إخواني جميعاً بالتفقه في الدين، وحضور حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وسؤال أهل العلم عما أشكل عليهم في مسائل الحج وغيرها.

كما أوصيهم بالمحافظة على الصلوات الخمس بالمسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، وفي المساجد أينما كانوا مع إخوانهم في الله عز وجل.
وأضاف سماحته: لأن الصلاة عمود الإسلام، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فقد خسر، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"، وقال عليه الصلاة والسلام: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقال عليه الصلاة والسلام كذلك: "الصلاة من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان "، وهذا وعيد عظيم ويجب الحذر منه.

وأوصي إخواني أيضاً بالإكثار من قراءة القرآن والتدبر والتعقل، كتاب الله فيه الهدى والنور، وفيه الدعوة إلى كل خير كما قال سبحانه: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"، وقال تعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"، وقال سبحانه وتعالى: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ".

وأوصي إخواني أيضاً حجاج بيت الله الحرام وغيرهم من المسلمين بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسماع الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بما صح عنه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يبلغ عن الله ولا ينطق عن الهوى، كما قال عز وجل: "والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى "، ومن أحسن الكتب المختصرة التي تنفع العامة، كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله، وكتاب (بلوغ المرام) للإمام الحافظ بن حجر، وهذه كتب مفيدة ونافعة، وينبغي العناية بها والحرص عليها والاستفادة منها.

وأوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بحفظ أوقاتهم عن كل ما يضر دينهم وعن كل ما يغضب ربهم وذلك بالاشتغال بذكر الله والتسبيح والتهليل والتكبير وقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله "، والإكثار من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء، والحذر من كل ما حرم الله، والحذر من الغيبة والنميمة؛ لأنهما من أخبث الكبائر وأشد الكبائر، واسأل الله لنا ولإخواننا جميعاً التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل  كما أسأله سبحانه أن يمن على الجميع بالقبول والمغفرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

على الحجاج تجنب افتراش الطرقات
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.

أما بعد
فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال، والإكثار من ذكره واستغفاره سبحانه وتعالى، والحرص على أداء الصلاة في الجماعة مع المسلمين، والحرص أيضاً على حضور حلقات العلم في المسجد الحرام وهكذا في المسجد المدني لمن زار المدينة، كما أوصيهم أيضاً بالسؤال عما أشكل عليهم، سؤال أهل العلم عما أشكل عليهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين "، ويقول عليه الصلاة والسلام: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ".

فأوصي إخواني جميعاً من الحجاج العناية بهذه الأمور، والإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وسؤال الله جل وعلا الثبات على الحق وحسن الخاتمة؛ لأن العبد على خطر في هذه الدار، فينبغي له أن يكثر من سؤال الله ويسأله الإيمان والثبات على الحق.

ونوصي جميع الحجاج بالحرص على البعد عن جميع ما يؤذي المسلمين، كالنوم في الطرقات والجلوس في الطرقات، لأن الله سبحانه يقول: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً"، فأوصي إخواني الحجاج بالبعد عن كل ما يؤذي المسلمين من الحجاج وغيرهم، وأن يحرصوا على أن يكونوا في بعد عما يؤذي إخوانهم في الله في مكة وفي المدينة وفي غيرهما.

على الحجاج التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة
س: تضع الأجهزة المشرفة على إسكان الحجاج في المشاعر بعض الضوابط التي تمنع تجاوزها لضمان سلامة الحجاج بإذن الله، مثل منع استخدام عبوات الغاز داخل المخيم حيث يؤدي استخدامه السيئ إلى كثير من الأضرار المُتعديَّة إلى الغير، فهل تجاوز الحاج لتلك الضوابط وغيرها من الأنظمة التي وضعت لسلامته تنقص من أجره؟ وما توجيه سماحتكم لحجاج بيت الله للحفاظ على سلامة بعضهم بعضاً؟

ج: الواجب على الحجاج وفقهم الله هو التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة -وفقها الله- لمصلحة الحجاج؛ لأن الله سبحانه أوجب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، والتعليمات التي تقوم بها الدولة لمصلحة الحجاج من جملة المعروف، ومخالفته معصية ونقص في الأجر، وفق الله الجميع لما يرضيه.

القيام بالمسيرات في موسم الحج في مكة المكرمة باسم البراءة من المشركين بدعة لا أصل لها
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:
فإن الله أوجب على عباده المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت وأنزل في ذلك قوله سبحانه: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبد بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ".


وأنزل في ذلك سبحانه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين "، وصحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث الصديق رضي الله عنه عام تسع من الهجرة يقيم للناس حجهم ويعلن البراءة من المشركين، ثم أتبعه بعلي رضي الله عنه ليبلغ الناس ذلك، وبعث الصديق رضي الله عنه مؤذنين مع علي رضي الله ينادون في الناس بكلمات أربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر يسيح في الأرض، كما قال عز وجل: "فسيحوا في الأرض أربعة أشهر "، وبعدها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين إذا لم يسلموا، كما قال الله عز وجل: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم " يعني الأربعة التي أجلها لهم عليه الصلاة والسلام في أصح قولي أهل العلم في تفسير الأشهر المذكورة في هذه الآية "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ".

هذا هو المشروع في أمر البراءة وهو الذي أوضحته الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وبينه علماء التفسير في أول سورة براءة -التوبة-، أما القيام بالمسيرات والمظاهرات في موسم الحج في مكة المكرمة أو غيرها لإعلان البراءة من المشركين، فذلك بدعة لا أصل لها ويترتب عليه فساد كبير وشر عظيم، فالواجب على كل من كان يفعله تركه، والواجب على الدولة وفقها الله منعه؛ لكونه بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر، ولما يترتب على ذلك من أنواع الفساد والشر والأذى للحجيج، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله". ولم يكن هذا العمل من سيرته عليه الصلاة والسلام، ولا من سيرة أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقال سبحانه: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "، وقال عز وجل  "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه في خطبة الجمعة أما بعد: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " أخرجه مسلم في صحيحه.

وقال عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أخرجه مسلم أيضاً، وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "خذوا عني مناسككم". ولم يفعل صلى الله عليه وسلم مسيرات ولا مظاهرات في حجة الوداع، وهكذا أصحابه بعده رضي الله عنهم، فيكون إحداث ذلك في موسم الحج من البدع في الدين التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي فعله عليه الصلاة والسلام بعد نزول سورة التوبة هو بعث المنادين في عام تسع من الهجرة ليبلغوا الناس أنه لا يحج بعد هذا العام -يعني عام تسع- مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وإنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، مع نبذ العهود التي للمشركين بعد أربعة أشهر إلا من كان له عهد أكثر من ذلك فهو إلى مدته، ولم يفعل صلى الله عليه وسلم هذا التأذين في حجة الوداع؛ لحصول المقصود بما أمر به من التأذين في عام تسع، والخير كله والسعادة في الدنيا والآخرة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والسير على سنته وسلوك مسلك أصحابه رضي الله عنهم؛ لأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم وأتباعهم بإحسان، كما قال الله عز وجل: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ".

والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين والسير على منهج سيد المرسلين وأصحابه المرضيين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ومن البدع في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.


منافع الحج
س: ذكر الله في كتابه الكريم أن هناك منافع في الحج فما هي هذه المنافع؟

ج: لقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المنافع في قوله جل وعلا في سورة الحج بعد ما أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير".

ومن هذا ذكر بعض المفسرين رحمهم الله تعالى المنافع التي تحصل للحجاج: دنيوية وأخروية مما يشاهده ويحس به الفرد المسلم في نفسه وفي أمته.

فمن المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس البيع والشراء، ومكاسب أصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج والحركة المستمرة في وسائل النقل المختلفة، وفائدة الفقراء مما يدفع لهم من صدقات أو يقدم من ذبائح الهدي والضحايا والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم، وتسويق البضائع والأنعام إلى غير ذلك مما يلمسه كل مسلم يشارك في الحج، ومن المشاهد أن الله سبحانه يسهل النفقة والبذل فيه على الإنسان حتى تجود يده بما لم يجد به من قبل في حياته العادية، علاوة على ما في الحج من التعارف فيما بين المسلمين والتعاون على مصالحهم، أما المنافع الدينية التي تعود على الحجيج بالخير الجزيل من أعمال الآخرة فمنها: التفقه في الدين، والاهتمام بشئون المسلمين عموماً، والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الله سبحانه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاستكثار من الصلاة والطواف وذكر الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم والفوز بما وعد الله به الحجاج والعمار، من تكفير السيئات، والفوز بالجنة، وتنزل الرحمة على عباد الله في هذه المشاعر العظيمة.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو فيباهي بهم ملائكته فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.

وقال عليه الصلاة والسلام: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد
فإني أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء أعزاء للتواصي بالحق والتذكير به والدعوة إليه، والنصح لله ولعباده. أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعاً، وأعمالنا وأن يمنحنا جميعاً وجميع المسلمين الفقه في الدين، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفق حكام المسلمين جميعاً للتمسك بشريعته، والحكم بها، وإلزام الشعوب بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثم أشكر إخواني القائمين على هذا النادي، وعلى رأسهم الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى ورئيس النادي، على دعوتهم لي لهذه المحاضرة وعنوانها: حرمة مكة المكرمة ومكانة البيت العتيق، وما ورد في ذلك من الآثار.

أيها الأخوة في الله:
لا يخفى على كل من له أدنى علم، وأدنى بصيرة حرمة مكة، ومكانة البيت العتيق، لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبينه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم، وفي كتب التفسير.

والأمر بحمد الله واضح ولكن لا مانع من التذكير بذلك والتواصي بما أوجبه الله من حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله عز وجل في كتابه المبين: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين".

أوضح الله سبحانه في هذه الآيات، أن البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس وأن مبارك، وأنه هدى للعالمين، وهذه تشريفات عظيمة، ورفع لمقام هذا البيت، وتنويه بذلك.

وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صل الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس، فقال عليه الصلاة والسلام: "المسجد الحرام " قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى " قلت: كم بينهما؟ قال: " أربعون عاماً " قلت: ثم أي؟ قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، فإن ذلك مسجد".

ويبين هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً... " الحديث.

هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول بيت وضع للناس ليعبد الله فيه، ويطاف به، هو هذا البيت،وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم عليه السلام، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل.

أما ما روي أن أول من عمره هو آدم فهو ضعيف، والمحفوظ والمعروف عند أهل العلم أن أول من عمره هو خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأول بيت وضع بعده للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وكان بينهما أربعون سنة، ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام، وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه، والطواف به، والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب، وغفران الخطايا، قال تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وآمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود".

فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه، ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه، والمثابة إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم، ورفيع الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ثم جعله آمناً يأمن فيه العباد، وجعله آمناً للصيد الذي فيه، فهو حرم آمن، يأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الرحم، يأمن فيه حال وجوده به، حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل.

ويقول سبحانه: "ومن دخله كان آمناً " يعني وجب أن يؤمن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد، ولا قتل، بل ذلك قد يقع، وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله، وعدم التعرض له بسوء. وكانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج، فهذا البيت العتيق، وهذا الحرم العظيم، جعله الله مثابة للناس وأمناً، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين، وقال في الآية الأخرى: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود "، والقائم هنا هو المقيم وهو العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم المصلون.

فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت، وهكذا جميع ولاة الأمور، يجب عليهم ذلك، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن، وأن الله حرمه يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده، ولا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، ولا يسفك فيه دم، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف، ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا حرمة هذا البيت، فيجب على المسلمين، وعلى ولاة الأمور، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، والظلم لهم، والتعدي عليهم حجاجاً أو عماراً أو غيرهم.

فالعاكف: المقيم، والطائف: معروف، والركع السجود: هم المصلون. فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه، والمتعبدين فيه، وإذا وجب على الناس أن يحترموه، وان يدفعوا عنه الأذى، فالواجب عليهم أيضاً أن يطهروا هذا البيت، وأن يحذروا معاصي الله فيه، وأن يتقوا غضبه وعقابه، وأن لا يؤذي بعضهم بعضاً، ولا أن يقاتل بعضهم بعضاً، فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه، وأن يحذروا معصية الله فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضاً، ولا يؤذي بعضهم بعضاً، لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة.

والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، فإن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، ولكنها مضاعفة بالكيفية.

فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " ومن يرد فيه أي يهم فيه ويقصد. فضمَّن يُرِدْ معنى يَهُمُّ ولهذا عدَّاه بالباء، بقوله: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم"، أي من يهم فيه بإلحاد بظلم.

فإذا كان من همَّ بالإلحاد أو أراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعله؟

إذا كان من يهمُّ ومن يريد متوعداً بالعذاب الأليم، فالذي يفعل الجريمة، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب، والعذاب الأليم.
ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: "إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد " وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد وهو الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.

وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم " وبين جل وعلا عظمة هذا المكان، وأن الله جعله آمناً وجعله حرماً، ليس لأحد من المقيمين فيه ولا من الواردين إليه، أن يتعدى حدود الله فيه، أو أن يؤذي الناس فيه.

ومن ذلك يعلم أن التعدي على الناس وإيذائهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل من الكبائر.
ولما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، خطب الناس وقال: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وإن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس، فليبلغ منكم الشاهد الغائب  " وقال: "إنه لا يحل
لأحد أن يسفك فيه دماً، أو يعضد فيه شجرة، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد " أي معرف.

فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم؟ فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئاً مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقاداً لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلماً لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر ولا يؤذي أحداً لا بكلام ولا بفعل، ثم قال جل وعلا في سورة آل عمران: "فيه آيات بينات مقام إبراهيم".

فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، أي مقامات إبراهيم، لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم جميع مقامات إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم تعبَّد فيه، ومن ذلك المشاعر عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، والذي يصلي إليه الناس الآن كلهم من مقامات إبراهيم.

ففي ذلك ذكرى لأولياء الله المؤمنين، ليتأسوا بنبي الله إبراهيم، كما أمر الله نبينا محمداً بذلك في قوله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً " فأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم الخليل أبي الأنبياء جميعاً. ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل جميعاً، وأكملهم بلاغاً ونفعاً للناس، وتوجيهاً لهم إلى الخير، وإرشاداً لهم إلى الهدى، وأسباب السعادة.

فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم.

فمن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبينوا وأن يرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسؤولين أن ينفذوا حكم الله، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم كائناً من كان من الحجاج أو من غير الحجاج، من السكان أو من غير السكان، من جميع أجناس الناس.

يجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف، أن يصونوه وأن يحفظوه، وأن يحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجبه نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك يعلم أن ما حدث في العام الماضي عام 1407هـ من بعض حجاج إيران من الأذى، أمر منكر، وأمر شنيع لا تقره شريعة ولا يقره ذو عقل سليم، بل شريعة الله تحرم ذلك، وكتاب الله يحرم ذلك وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحرم ذلك. وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى، وحمايته من كل معصية، ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير، وكف الأذى عنهم، وأنه لا يجوز لأحد أبداً لا من إيران ولا من غير إيران أن يؤذوا أحداً من الناس، لا بكلام ولا بفعال ولا بمظاهرات ولا بمسيرات جماعية تؤذي الناس، وتصدهم عن مناسك حجهم وعمرتهم، بل يجب على الحاج أن يكون كإخوانه المسلمين في العناية بالهدوء والإحسان إلى إخوانه الحجاج وغيرهم، والرفق بهم وإعانتهم على الخير والبعد عن كل أذى.

هكذا يجب على الحجيج من كل جنس، ومن كل مكان طاعة لله عز وجل، وتعظيماً لبيته العتيق، وإظهاراً لحرمة هذا المكان العظيم: مكة المكرمة وتنفيذاً لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وسيراً على منهج رسوله، ومنهج أصحابه رضي الله عنهم.

هذا هو الواجب على الجميع، وهذا الأمر بحمد الله واضح لا يخفى على أحد، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو من كان يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه.

وأما من آمن بالله واليوم الآخر، إيماناً صحيحاً، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره. فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله، وارتكاب محارمه سبحانه، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه.

والواجب على ولاة الأمور إزاء المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة: العناية بحمايتهما ودفع الأذى عنهما وعن سكانهما، وعمن يقصدهما من العمار والحجاج  والزوار طاعة لله، ولرسوله، وتعظيماً لأمر الله عز وجل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعوناً للجميع على طاعة الله ورسوله وتأميناً لقلوبهم حتى لا يذهلوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم، أو يقعوا في شيء مما حرمه الله عليهم، والله يقول سبحانه وتعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، ويقول سبحانه: "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " فلابد من التواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى في هذا المكان وغيره، بل إن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فإن مكة المكرمة هي أفضل البقاع، وهي أحب البلاد إلى الله، وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، والمسجد الأقصى، هذه المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، هي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية.

وأعظم ذلك هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً. وواجب على أهله والوافدين إليه أن يعرفوا قدره، وأن يعرفوا فضله، حتى لا يقعوا فيما حرم الله. وهذا واجب الجميع من المقيم والوارد، ويجب على المقيمين فيه والساكنين فيه أن يعرفوا قدره وأن يعظموه وأن يحذروا ما حرم الله.

فإذا كان المريد فيه بذنب له عذاب أليم فكيف بالفاعل، وليس الوارد إليه هو المخاطب بهذا الأمر إذ المقيم أولى وأولى، لأنه دائم فيه.

والواجب عليه أن يعلم ما حرم الله، وأن يبتعد عن معصية الله، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله وأن يكون عوناً لإخوانه في مكة وإخوانه الوافدين إليها في حج وعمرة، وأن يكون مرشداً لهم في الخير. وهكذا على سكان مكة أن يعينوهم ويوجهوهم إلى الخير، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروا إيذاءهم بأي أذى من قول أو فعل، وأن يكونوا دعاة للحق.

هكذا يجب في هذين المسجدين، وفي هاتين البلدتين، ويجب على المسلم في كل زمان ومكان أن يتقي الله وأن يعظم حرماته، وأن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، ويجب على ولاة الأمور الضرب بيد من حديد على كل من خالف أمر الله، أو أراد أن يتعدى حدوده، أو يؤذي عباده، طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحماية للمسلمين من الحجاج والعمار والزوار وغيرهم، واحتراماً لهذا البلد العظيم، وهذا البلد الأمين، أن تنتهك فيه حرمات الله، أو يتعدى فيه على حدود الله، أو يؤمن فيه من لا يخاف الله ويراقبه، على إيذاء عباده وتعكير صفو حجهم وأمنهم بفعل سيئ أو بقول سيئ.

ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى،  وصفاته العلى، أن يوفق المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق، ومدينة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم، إنه جل وعلا جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:34 pm

الحج فرصة لنشر دعوة الحق
بعد الحمد والثناء على الله عز وجل ثم الصلاة والسلام على أشرف المرسلين، إني أشكر الله عز وجل على ما من به علينا وعلى حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسك الحج في أمن وعافية وسلامة وهدوء، الحمد لله جل وعلا على ذلك ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن جميع حجاج بيت الله الحرام، كما أسأله سبحانه أن يوفق حكومتنا لكل خير، وأن يجزيها عما فعلت من التسهيل لحجاج بيت الله الحرام أداء مناسكهم أفضل الجزاء وأن يعينها على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، كما أساله سبحانه أن يجزي أيضاً العاملين في هذه الدولة من عسكريين ومدنيين أحسن الجزاء عما فعلوا من الخير، وأن يضاعف مثوبتهم على ما فعلوه من تيسير وتسهيل وإعانة لإخوانهم حجاج بيت الله الحرام، وأسأله عز وجل أن يتقبل من الجميع عملهم وحجهم.

ثم إني أشكر أخي صاحب الفضيلة معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل على كلمته القيمة وتوجيهاته السديدة المفيدة فجزاه الله خيراً، وقد أحسن وأجاد في نصيحة إخوانه الدعاة، ووصيتهم بما ينبغي أن يعتمدوه في نصحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل وعنايتهم بإخوانهم حجاج بيت الله الحرام وغيرهم.

فإن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفرائض، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والعلماء هم ورثة الأنبياء فالواجب عليهم العناية بالدعوة، و تكون بالأساليب التي يرجى منها حصول المطلوب والسلامة من النفور عن الحق، ويرجى منها الإفادة للمدعو وقبوله الحق، وعليهم أن يحذروا الأساليب التي يخشى منها بقاء المنكر أو وجود ما هو أنكر منه، فالداعي إلى الله يجب أن ينظر في أسلوب دعوته، وأن يتحرى الأساليب التي يرجى من ورائها حصول الخير والفائدة، والسلامة من ضد ذلك، فجزى الله أخانا صاحب الفضيلة الشيخ محمد عن كلمته خيراً، كما أشكره أيضاً على جهوده العظيمة الإصلاحية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأسأل الله أن يزيده والعاملين معه من التوفيق والهداية وأن يبارك في جهودهم وينفع بهم عباده من حجاج بيت الله الحرام وزوار هذا المسجد العظيم للعمرة، وزواره للصلاة وزوار المسجد النبوي، نسأل الله أن يبارك في جهود القائمين على هذين المسجدين وأن يجعلهم هداة مهتدين، كما أشكره أيضاً هو وإخوانه على ما يبذلونه من الدعوة إلى الله في المسجدين وتوجيه الناس إلى الخير، وإفتائهم فيما يحتاجون إليه فجزاهم الله جميعاً خيراً.

ثم أشكر الأمانة العامة للتوعية على جهودها في هذا السبيل، سبيل تسهيل أداء المناسك لحجاج بيت الله الحرام، أشكر الأمانة والعاملين فيها على جهودهم الطيبة في تسهيل أمر الحجيج وإعانتهم على أداء مناسكهم بما يسهل عليهم ذلك وبما يعينهم على فهم ما أوجب الله عليهم وعلى ترك ما حرم الله عليهم، ولا شك أن جهود الأمانة العامة لها ثمار عظيمة، ولها فوائد جمة، ونسأل الله أن يبارك في هذه الجهود وأن يجزي العاملين فيها جزاءً حسناً وأن يثيبهم ويأجرهم على ما فعلوه ويزيدهم من فضله، فإن الله سبحانه هو الجواد الكريم، وهو الذي يجازي العاملين بما يستحقون، فنسأل الله أن يجزي العاملين في سبيله جزاءً حسناً، وأن يثيبهم على ما قدموا، وأن يجعل لهم مثل ثواب إخوانهم الذين ساعدوهم في الخير، وسهلوا لهم طريق الخير، ثم أشكر إخواني الدعاة إلى الله عز وجل، وأدعو لهم بمزيد من التوفيق فقد بذلوا جهوداً كبيرة، وأسأل الله أن يجزيهم عن جهودهم خيراً، وأن يضاعف مثوبتهم، ولا شك أن الواجب عليهم عظيم، ونسأل الله أن يتقبل منهم جهودهم وأن يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني "، فالدعوة إلى الله هي سبيل الأنبياء وأتباعهم على بصيرة، فنسأل الله أن يوفقنا وإخواننا الدعاة وسائر علماء المسلمين لما يرضيه وأن يجعلنا جميعاً من الدعاة إليه على بصيرة وأن يعيننا على أداء الواجب إنه خير مسؤول.

ولا شك أن الدعاة إلى الله سبحانه في جهاد عظيم، وهم جديرون بأن يبذلوا وسعهم في هذا السبيل ؛ لأن الله جل وعلا قد أتاح لهم في هذا الموسم أمماً كثيرة من سائر أرجاء الدنيا في حاجة إلى الدعوة والتوجيه فيما يتعلق بالعقيدة ومناسك الحج وفيما يتعلق بأحكام الدين، فهم جديرون بأن يوجهوهم ويرشدوهم إلى ما يجب عليهم وإلى ما يحرم عليهم حتى يفعلوا ما شرع الله ويدعوا ما حرم الله، وأسأل الله أن يبارك عملهم، وأن ينفع به عباده المسلمين، وأن يجزيهم عن ذلك جزاءً حسناً، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، ولا ريب أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه والإرشاد، فالواجب أن تكون دعوتهم بالأساليب الحسنة التي يرجى منها قبول الحق وترك الباطل، قال الله جل وعلا: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فهذه الطريقة التي رسمها الله لعباده فيها الخير العظيم، فيها توجيه الناس وإرشادهم بالعلم والحكمة، فإن الحكمة هي العلم، وذلك بوضع الأمور في مواضعها عن علم وبصيرة، ثم الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ثم الجدال بالتي هي أحسن ؛ لإزالة الشبه وإيضاح الحق، وبذلك يحصل المطلوب ويزول المرهوب، بخلاف الشدة والغلظة فإنه يترتب عليها شر عظيم وعواقب وخيمة، منها عدم قبول الحق، ومنها أنه قد يقع بذلك منكرات أخرى.

قال الله جل وعلا: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وقال عز وجل لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى"، فالواجب على الدعاة أن يسلكوا المسالك التي يرونها ناجحة ومفيدة صالحة لإرشاد المدعوين وتوجيههم إلى الخير، ولاشك أن الحكمة في الدعوة والتبصر فيها من أهم المهمات، والدعوة إلى الله أحسن ما بذله المسلم في نفع غيره، قال الله عز وجل: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً ".

وموسم الحج من أحسن مواضعها وأوقاتها، فالحج فرصة للدعاة إلى الله لينشروا فيه دعوة الحق ويرشدوا فيه الخلق إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، ويحذروهم عما نهى الله عنه من سائر الأخلاق والأعمال، فهي نعمة من الله عظيمة على من دعا إلى الله عز وجل، ونعمة من الله عظيمة على المدعوين، فنسأل الله أن يجزي الداعين خيراً وأن يثيبهم عن دعوتهم وأن يزيدهم علماً إلى علمهم وخيراً إلى خيرهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين وأن ينفع المدعوين بما سمعوا وبما شاهدوا وأن يرزقهم البصيرة والفقه في الدين، كما أسأله سبحانه أن يجزي ولاة أمرنا عما فعلوا وبذلوا من الخير في إعانة الدعاة على أداء واجبهم في إعانة الحجاج على أداء مناسكهم، نسأل الله أن يجزيهم على ذلك الجزاء الحسن وأن يضاعف مثوبتهم وأن يزيدهم من كل خير وأن يعينهم على إزالة كل شر.

وإن واجب العلماء النصيحة لله ولعباده والنصيحة لولاة الأمر بالمكاتبة والمشافهة للأمير والرئيس، لكل ولي أمر من ملك أو رئيس جمهورية أو أمير أو رئيس عشيرة أو جماعة إلى غير ذلك، فكل من له رئاسة وكل من له شيء يستطيع أن يتصرف فيه، هو جدير بأن ينصح ويوجه، حتى يبذل جهوده في من تحت يديه، هذا واجب العلماء أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها وفي هذه الدولة، وفي هذه البقعة بصورة خاصة وفي بقاع الدنيا عامة.

والواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعته ويتعاونوا مع ولاة الأمور بالحكمة والأسلوب الحسن والكلام الطيب والنصيحة الطيبة بالمشافهة والمكاتبة، واجتناب الألفاظ والوسائل التي قد تنفر من الحق وقد تضر الدعوة، يجب على العلماء أينما كانوا أن يكونوا بصيرين في أمر الدعوة، وأن يتحروا الأسباب والوسائل التي يرجى من ورائها حصول المطلوب، وأن يحذروا كل سبب وكل وسيلة يخشى من ورائها عدم حصول المطلوب، أو حصول ضده، هذا هو الواجب على الجميع.

وفي مكة الكرمة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بالكلام الطيب والأسلوب الحسن حسب الطاقة والإمكان، ويتابع البعد عن كل ما يضر الدعوة، وهكذا لما هاجر إلى المدينة فعل ذلك حتى شرع الله الجهاد وأعطاه قوة، فعند ذلك جاهد الناس وشرع في قتال الكفار إلى أن يستجيبوا للحق، وعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن يجتهدوا في إيصال الدعوة إلى المدعوين بالطرق التي يرجى منها حصول المطلوب، وإذا قوي من له سلطان قام على تنفيذ الحق بالقوة بطريقة يحصل بها المطلوب ولا يحصل منها ضده، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور أن يقيموا الحق بالطريقة التي يمكن تنفيذه بدون حصول ما هو شر ومنكر.

والواجب على الدعاة إلى الله أن يبلغوا ولاة الأمور الحق بالوسائل الكتابية والشفهية حتى يحصل التعاون بين الجميع بين السلطان وبين الأمير وبين كبير القبيلة وبين كبير الأسرة، حتى يحصل التعاون بين الجميع بالأسلوب الحسن والدعوة المباركة.

ولا شك أن الدعوة إلى الله عز وجل يدخل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الدعوة تدخل في الأمر والنهي عند الإطلاق، كما قال تعالى في كتابه العظيم: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً"، وهكذا في قوله جل وعلا: "ادع إلى سبيل ربك "، تعم الدعاة وتعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعم كل من قام بالإصلاح والدعوة إلى الله عز وجل، في درس أو مجلس أو غير ذلك، وهكذا الأمر بالمعروف إذا أطلق دخلت فيه الدعوة، كما في قوله جل وعلا: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، فالواجب على كل إنسان أن يبذل وسعه في تنفيذ الحق حسب طاقته، فالسلطان عليه واجبه الأعظم حسب طاقته، والأمير في القرية أو البلد أو القبيلة عليه تنفيذ الحق حسب طاقته بالفعل والقول جميعاً، وكبير الأسرة وصاحب البيت عليه تنفيذ الحق بالقول وبالعمل حسب طاقته ومع أولاده وأهله، وهكذا كل إنسان عليه أن يعمل حسب طاقته، كما قال الله عز وجل: "فاتقوا الله ما استطعتم" وكما قال عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

فمن كان يستطيع بيده مثل السلطان والأمير فيما حدد له، والهيئة فيما حدد لها، وصاحب البيت فيما يقدر عليه نفذ الأمر بيده، ومن كان بصفة أخرى نفذ بالكلام والتوجيه والإرشاد وبالتي هي أحسن حتى يحصل الحق وحتى يزول الباطل، وعليه أن يستمر ولا ييأس ويرجو ما عند الله من المثوبة فيصبر، كما قال الله عز وجل: "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" هذه صفة الرابحين والمؤمنين السعداء، إيمان صادق وعمل صالح وتواص بالحق وتواص بالصبر. وقال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" ويقول جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".

فالواجب نصر الله والعناية بأمره والاجتهاد في ذلك، ويشرع للمؤمن أن يجتهد في أن يكون في حاجة أخيه الدينية والدنيوية، وأن يعينه على الخير حسب طاقته، وبهذا تجتمع القلوب ويحصل التعاون والتآلف والمحبة في الله، وكثرة الخير وقلة الشر.

فنسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه وأن يوفقنا جميعاً إلى كل ما فيه صلاح العباد والبلاد أينما كانوا، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسئولين لما يرضيه في كل مكان وأن يصلح بطانتهم وأن يصلح العلماء ويعينهم على أداء الواجب، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعته والتحاكم إليها والفقه فيها، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وأن ينصر بهم الحق، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يوفق علماؤنا وجميع المسلمين للتعاون على البر والتقوى إنه خير مسئول. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


الحج المبرور
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد بن عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فأحييك أيها القارئ الكريم بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وأهنئك بما يسر الله لك من حج بيته الحرام الذي أوجبه الله على المستطيعين من عباده المكلفين بقوله عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"، وقد روى مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، ثم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".

والحج من الأعمال الفاضلة التي يضاعف الله بها الأجور ويغفر بها الذنوب، روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله " قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله"، قيل ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور ".

والحج المبرور هو الذي لا يرتكب فيه صاحبه معصية لله، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه.

فالحج فرصة عظيمة يجود الله سبحانه وتعالى فيها على عباده المؤمنين بالمغفرة والرحمة والرضوان والعتق من النار، فطوبى لمن كان حجه مبروراً فلم يرفث ولم يفسق ولم يجادل إلا بالتي هي أحسن واستبق إلى الخيرات، قال الله تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ".

هذا وأقدم إلى الحجاج الكرام هذه الأعداد الجديدة من مجلة التوعية الإسلامية في الحج للسنة العاشرة، والتي تصدرها الأمانة العامة لهيئة التوعية الإسلامية في الحج التابعة للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية ؛ لهدف توعية المسلمين وتبصيرهم بأمور دينهم الحنيف وخاصة ما يتصل منها بالعقيدة والعبادة والأخلاق وعلى الأخص ما يتصل بمناسك الحج، حتى يؤدوا حجهم على نور من كتاب ربهم عز وجل المبين، وهدى من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم الأمين، وهي إحدى منجزات المملكة العربية السعودية والخدمات التي تؤديها حكومتها الموفقة لحجاج بيت الله الحرام والمسلمين في كل مكان، راجين من المولى القدير أن ينفع بها الحجاج، وكل من اطلع عليها من المسلمين.

وبهذه المناسبة الجليلة فإني أوصيكم ونفسي وكل من بلغته هذه النصيحة بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال والتعرض دائماً لنفحاته سبحانه، فإن لله تعالى في أيام دهرنا نفحات يصيب بها من يشاء من عباده، فلنستبق إلى الخيرات، ولننتهز المناسبات الفاضلة فنشغلها بطاعة الله عز وجل والعمل بما يرضيه: "وفي ذلك فليتافس المتنافسون"، والله تعالى يقول: "فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"، ويقول تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين "، وروى الترمذي رحمه الله بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر".

وأنتم أيها الإخوة قد جئتم من بلاد بعيدة وتركتم الأهل والأوطان تبتغون فضلاً من ربكم ورحمة، فأحسنوا نياتكم وأخلصوا أعمالكم لله ربكم فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، والله تعالى يقول: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"، ويقول سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، وتحروا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فيما تفعلون وفيما تذرون فالله تعالى يقول: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب" ويقول عز من قائل: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً"، وتجنبوا البدع في الدين، ففي الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم رحمه الله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومَنْ يأبى يا رسول الله؟ قال: "مَنْ أطاعني دخل الجنة ومَنْ عصاني فقد أبى".

واسألوا أهل العلم فيما تجهلون أو يشكل عليكم من أمور دينكم، فالله تعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "، وإذا علمتم فاعملوا، فالعلم حجة لنا أو علينا، حجة لنا إن عملنا به، وحجة علينا إذا لم نعمل، وحافظوا على الصلوات في جماعة ما استطعتم، فإن الصلاة هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، ولا يقبل حج ولا عمل بدونها، فقد روى مسلم رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "، وروى أحمد وأصحاب السنن رحمهم الله عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في أدائها جماعة، وأخبر أنها تزيد عن صلاة المنفرد بدرجات كثيرة، ففي الحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، والفذ: الذي يصلي منفرداً.

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الجماعة لغير عذر فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ".

ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي يسمع النداء ولا يجد قائداً يقوده إلى المسجد أن يصلي في بيته فكيف بغيره، روى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال له: "هل تسمع النداء إلى الصلاة؟ " قال: نعم، قال: "فأجب" .

ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإنهما من أهم واجبات الإسلام ومن النصيحة الواجبة في الدين، والمسلمون بخير ما تناصحوا وتواصوا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، قال الله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن المنكرات إذا فشت بين الناس ولم تنكر عمت عقوبتها، قال الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب "، وقد روى الترمذي رحمه الله -وقال حديث حسن- عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

فانصحوا إخوانكم ورفقائكم إذا وجدتم ما يستوجب النصيحة ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ففي الحديث المتفق عليه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، وانصحوا قومكم إذا رجعتم إليهم وخاصة عشائركم ومن لكم عليهم ولاية، فالله عز وجل قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، ويقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"، واعلموا أنه لا قيام للدين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح بالخير والتواصي بالحق وبالصبر، فاحرصوا على ذلك يحفظ الله لكم دينكم ويصلح أعمالكم ويغفر ذنوبكم والله غفور رحيم.

وفي بلاد المسلمين الآن بحمد الله دعوات للخير بالرجوع إلى الإسلام، والتمسك بالكتاب والسنة، فكونوا من أهلها وأعوانها، فالله تعالى يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب "، وفي بعضها جهاد لإعلاء كلمة الله والذب عن العقيدة الإسلامية والدفاع عنها أمام الملاحدة والشيوعيين وخاصة على أرض أفغانستان التي رفع مجاهدوها راية الإسلام وأخذوا يقاتلون تحتها أعداء الله، وهم أولى بنصرتكم ومعونتكم فمن استطاع أن يجاهد معهم بنفسه فليفعل، ومن استطاع أن يجاهد بماله فليفعل، فما أحوجهم للرجال وللمال، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين".

ومَنْ فاته الجهاد بالنفس فلا ينبغي أن يفوته الجهاد بالمال، لقول الله تعالى: "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا ".

وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه صلاح أمر العباد والبلاد، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين غانمين، وأن يتقبل منا ومنكم ومن سائر المسلمين، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه، وأن يصلح قادة المسلمين في كل مكان، وأن يوفقهم للحكم بشريعته والتمسك بها والدعوة إليها والحذر من كل ما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


على جميع الحجاج تقوى الله في السر والعلن ليكتمل حجهم
أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وهي وصية الله تعالى ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة".

وأضاف سماحته أن على جموع حجاج بيت الله الحرام المحافظة على الصلاة في أوقاتها ومع الجماعة وبكل شروطها وأركانها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها فهي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي عمود الدين ومن تركها فقد كفر قال صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "، وقال أيضا: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".

ومن أهم أركان الصلاة التي يجب على المسلم رعايتها والعناية بها الطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله كما قال عز وجل: "وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين".

كما أوصي نساء المسلمين بالتستر والتحجب والابتعاد عن كل ما يظهر الفتنة والحذر من التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك من أسباب الشر والفتنة والواجب عليهن أن يتقين الله وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز المحاسن، قال الله تعالى: "يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين".



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة   الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة Emptyالخميس 11 يوليو 2019, 8:37 pm

الواجب على مَنْ استطاع السبيل المبادرة بالحج والعمرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإني أوصي إخواني المسلمين الذين لم يؤدوا فريضة الحج أن يبادروا بحجة الإسلام، فهذا هو الواجب على كل من استطاع السبيل إلى ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت "، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"، فالواجب على كل مسلم ومسلمة يستطيع مؤونة الحج إذا كان مكلفاً أن يبادر بذلك وألا يؤخره؛ لأن الله جل وعلا أوجب ذلك على الفور، ولا يجوز لأي مسلم مكلف مستطيع الحج أن يتأخر عن ذلك، بل يبادر ويسارع إلى هذا الخير العظيم، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "مَنْ حَجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

فهذه نعمة عظيمة وخير عظيم ينبغي للمسلم أن يحرص عليه، ويشرع له مع ذلك أن يتحرى الأعمال الخيرية في طريقه وفي مكة، من صدقة على الفقراء والمساكين، والإكثار من قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام والطواف إن تيسر ذلك اغتناماً للزمان والمكان؛ فإن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفريضة فيه خير من مائة ألف فيما سواه، والصدقات فيه مضاعفة، وهكذا مثلها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وتعليم الحاج ما قد يجهل، كل هذا مما يشرع للمسلم، ومن ذلك أن يجتهد في تعليم إخوانه الحجاج -إن كان يوجد عنده علم- بالحلم والرفق والأسلوب الحسن، مع اغتنام الفرصة في وجوده بمكة بعمل أنواع الخير كما تقدم من صلاة وطواف ودعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق والكلام الطيب.

وأنصح ولاة الأمور المسلمين في كل مكان بأن يسهلوا أمر الحج لرعاياهم وأن يعينوهم عليه؛ لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، والله عز وجل يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى" فإعانتهم وتسهيل أمرهم هذا من باب الإعانة على الخير، ومن باب التواصي بالحق والصبر عليه، وفيه الأجر العظيم، كما أوصيهم بأن يحكموا شرع الله في جميع الشئون، وأن ينصروا دين الله في كل الأمور، نسأل الله أن يوفق ولاة المسلمين لكل خير، وأن يصلح أحوالهم وأن يمنحهم التوفيق، وأن يعينهم على كل خير، كما أوصي كل من يتولى أمور الحجيج بتقوى الله تعالى، وأن يرفقوا بالحجيج وأن يعينوهم على كل خير، وأن يحتسبوا الأجر والمثوبة عند الله، فلهم بهذا الأجر العظيم إذا أعانوا الحجاج وسهلوا أمورهم، لهم في هذا الفضل الكبير، نسأل الله عز وجل أن يتقبل من الجميع، وأن يوفق المسلمين في كل مكان إلى ما يرضيه، وأن يمنحهم الفقه في دينه وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين، وأن يعين إخواننا الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فقد أوجب الله عز وجل التعاون على البر والتقوى والنصيحة لكل مسلم وقد أبلغني بعض الإخوان أنه يوجد من بعض الحجاج الموجودين في منى من يؤذي جيرانه بالتدخين والأغاني.

ولا ريب أن إيذاء المسلمين من المحرمات المعلومة من الدين كما قال سبحانه: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً "، وإذا كان الإيذاء بالتدخين أو بفتح الراديو أو المسجلات على الأغاني كان الأذى أكبر والإثم أعظم، لأن الغناء محرم وهكذا التدخين من المحرمات المضرة بالدين والدنيا والصحة.

وقد قال الله عز وجل: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله" الآية، قال أكثر العلماء المراد بلهو الحديث الغناء وآلات اللهو.

وقال عز وجل: "يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات"، وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: "ويحل عليهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" فبين المولى سبحانه أنه لم يحل لعباده إلا الطيبات وأن نبيه صلى الله عليه وسلم إنما أحل لأمته الطيبات وهي الأشياء النافعة بلا مضرة، والدخان من الأشياء الضارة الخبيثة. وقد أجمع العارفون به من الأطباء وغيرهم على أنه مضر بالصحة خبيث العاقبة خبيث الرائحة.

المحاورات والجدال في الحج تثير النزاع والعداوة
حول حرمة الحج وفرضيته على المسلمين والإحرام به والآداب التي لا يجوز معها الجدال وتقليد قبائل الجاهلية يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة: يقول تعالى: "الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ".

يخبر تعالى أن الحج في أشهر معلومات وهي ك شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، وقال تعالى: "معلومات" لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما.

وقوله تعالى: "فمن فرض فيهن الحج" معناه من أحرم بالحج في هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضاً عليه يجب عليه أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلاً.

فإن الإحرام به يصير فرضاً عليه لا يجوز له رفضه، لقول الله سبحانه: "وأتموا الحج والعمرة"، وقوله تعالى: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" بيان لآداب المحرم وما يجب عليه ا، يتجنبه حال الإحرام، أي يجب أن تعظموا الإحرام بالحج وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من "الرفث" وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية.

"والفسوق" وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام.

"والجدال" وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة؛ لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله. والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبروراً.

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات، فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات، فقال تعالى: "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير، خصوصاً في أيام الحج وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام، فإن الحسنات تضاعف فيه أكثر من غيره، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، فيدخل في ذلك منى ومزدلفة وجميع المساجد التي في داخل الحرم، وهكذا بقية الحرم.

لاسيما وقد اجتمع للحاج في هذا المكان وهذا الوقت شرف الزمان وشرف المكان، ومن الجدال الذي نهي عنه في الحج ما كان يجري بين القبائل في الجاهلية في موسم الحج وفي أرض الحرم من التنازع والتفاخر ومدح آباءهم وقبائلهم حتى حولوا الحج من عبادة إلى نزاع وخصام.

ومن تحصيل فضائل إلى تحصيل جرائم وآثام، حيث يقول سبحانه: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، وقال تعالى عن الحرم: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"، أما الجدال بالتي هي أحسن فلا حرج فيه في مكة وغيرها، يقول الله سبحانه: "ادع على سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".


احفظوا أوقاتكم عن كل ما يضر دينكم ويغضب ربكم
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء وجه كلمة لحجاج بيت الله الحرام حث فيها على تقوى الله عز وجل وتعظيم شعائر الله والتفرغ للعبادة.

وفي كلمته التي وجهها عبر (عكاظ) قال سماحته:
إخواني حجاج بيت الله الحرام، أيها المسلمون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:
مرحباً بكم في بلد الله الحرام على أرض المملكة العربية السعودية التي شرفها الله تعالى بخدمة الحجاج والعمار والزوار الذين يفدون من كل مكان، ومنَّ عليها بخدمة المقدسات، وتأمينها للطائفين والعاكفين والركع السجود. وأسأل الله عز وجل أن يكتب لكم حج بيته وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أمن وإيمان وسكينة واطمئنان ويسر وقبول، وأن تعودوا إلى دياركم سالمين مأجورين. وقد غفر لكم وآتاكم من فضله إنه جواد كريم.

وبالإجابة جدير ومضى سماحته قائلاً: فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل أينما كانوا، وتوحيد الله وتخصيصه بالعبادة وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه التقوى التي خلق الله لأجلها الثقلين، وهي العبادة المذكورة في قوله سبحانه: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وفي قوله تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم "، وفي قوله جل وعلا: "يا أيها الناس اتقوا ربكم " وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، فالتقوى هي توحيد الله والإخلاص له في العمل، والصدق في معاملته هذا بأداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده عن خوف ورجاء ومحبة ورهبة.

كما أوصي إخواني جميعاً بالتفقه في الدين، وحضور حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وسؤال أهل العلم عما أشكل عليهم في مسائل الحج وغيرها.

كما أوصيهم بالمحافظة على الصلوات الخمس بالمسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، وفي المساجد أينما كانوا مع إخوانهم في الله عز وجل.
وأضاف سماحته: لأن الصلاة عمود الإسلام، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فقد خسر، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"، وقال عليه الصلاة والسلام: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقال عليه الصلاة والسلام كذلك: "الصلاة من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان "، وهذا وعيد عظيم ويجب الحذر منه.

وأوصي إخواني أيضاً بالإكثار من قراءة القرآن والتدبر والتعقل، كتاب الله فيه الهدى والنور، وفيه الدعوة إلى كل خير كما قال سبحانه: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"، وقال تعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"، وقال سبحانه وتعالى: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ".

وأوصي إخواني أيضاً حجاج بيت الله الحرام وغيرهم من المسلمين بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسماع الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بما صح عنه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يبلغ عن الله ولا ينطق عن الهوى، كما قال عز وجل: "والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى "، ومن أحسن الكتب المختصرة التي تنفع العامة، كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله، وكتاب (بلوغ المرام) للإمام الحافظ بن حجر، وهذه كتب مفيدة ونافعة، وينبغي العناية بها والحرص عليها والاستفادة منها.

وأوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بحفظ أوقاتهم عن كل ما يضر دينهم وعن كل ما يغضب ربهم وذلك بالاشتغال بذكر الله والتسبيح والتهليل والتكبير وقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله "، والإكثار من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء، والحذر من كل ما حرم الله، والحذر من الغيبة والنميمة؛ لأنهما من أخبث الكبائر وأشد الكبائر، واسأل الله لنا ولإخواننا جميعاً التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل  كما أسأله سبحانه أن يمن على الجميع بالقبول والمغفرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

على الحجاج تجنب افتراش الطرقات
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.

أما بعد
فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال، والإكثار من ذكره واستغفاره سبحانه وتعالى، والحرص على أداء الصلاة في الجماعة مع المسلمين، والحرص أيضاً على حضور حلقات العلم في المسجد الحرام وهكذا في المسجد المدني لمن زار المدينة، كما أوصيهم أيضاً بالسؤال عما أشكل عليهم، سؤال أهل العلم عما أشكل عليهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين "، ويقول عليه الصلاة والسلام: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ".

فأوصي إخواني جميعاً من الحجاج العناية بهذه الأمور، والإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وسؤال الله جل وعلا الثبات على الحق وحسن الخاتمة؛ لأن العبد على خطر في هذه الدار، فينبغي له أن يكثر من سؤال الله ويسأله الإيمان والثبات على الحق.

ونوصي جميع الحجاج بالحرص على البعد عن جميع ما يؤذي المسلمين، كالنوم في الطرقات والجلوس في الطرقات، لأن الله سبحانه يقول: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً"، فأوصي إخواني الحجاج بالبعد عن كل ما يؤذي المسلمين من الحجاج وغيرهم، وأن يحرصوا على أن يكونوا في بعد عما يؤذي إخوانهم في الله في مكة وفي المدينة وفي غيرهما.

على الحجاج التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة
س: تضع الأجهزة المشرفة على إسكان الحجاج في المشاعر بعض الضوابط التي تمنع تجاوزها لضمان سلامة الحجاج بإذن الله، مثل منع استخدام عبوات الغاز داخل المخيم حيث يؤدي استخدامه السيئ إلى كثير من الأضرار المُتعديَّة إلى الغير، فهل تجاوز الحاج لتلك الضوابط وغيرها من الأنظمة التي وضعت لسلامته تنقص من أجره؟ وما توجيه سماحتكم لحجاج بيت الله للحفاظ على سلامة بعضهم بعضاً؟

ج: الواجب على الحجاج وفقهم الله هو التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة -وفقها الله- لمصلحة الحجاج؛ لأن الله سبحانه أوجب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، والتعليمات التي تقوم بها الدولة لمصلحة الحجاج من جملة المعروف، ومخالفته معصية ونقص في الأجر، وفق الله الجميع لما يرضيه.

القيام بالمسيرات في موسم الحج في مكة المكرمة باسم البراءة من المشركين بدعة لا أصل لها
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:
فإن الله أوجب على عباده المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت وأنزل في ذلك قوله سبحانه: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبد بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ".


وأنزل في ذلك سبحانه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين "، وصحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث الصديق رضي الله عنه عام تسع من الهجرة يقيم للناس حجهم ويعلن البراءة من المشركين، ثم أتبعه بعلي رضي الله عنه ليبلغ الناس ذلك، وبعث الصديق رضي الله عنه مؤذنين مع علي رضي الله ينادون في الناس بكلمات أربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر يسيح في الأرض، كما قال عز وجل: "فسيحوا في الأرض أربعة أشهر "، وبعدها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين إذا لم يسلموا، كما قال الله عز وجل: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم " يعني الأربعة التي أجلها لهم عليه الصلاة والسلام في أصح قولي أهل العلم في تفسير الأشهر المذكورة في هذه الآية "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ".

هذا هو المشروع في أمر البراءة وهو الذي أوضحته الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وبينه علماء التفسير في أول سورة براءة -التوبة-، أما القيام بالمسيرات والمظاهرات في موسم الحج في مكة المكرمة أو غيرها لإعلان البراءة من المشركين، فذلك بدعة لا أصل لها ويترتب عليه فساد كبير وشر عظيم، فالواجب على كل من كان يفعله تركه، والواجب على الدولة وفقها الله منعه؛ لكونه بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر، ولما يترتب على ذلك من أنواع الفساد والشر والأذى للحجيج، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله". ولم يكن هذا العمل من سيرته عليه الصلاة والسلام، ولا من سيرة أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقال سبحانه: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "، وقال عز وجل  "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه في خطبة الجمعة أما بعد: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " أخرجه مسلم في صحيحه.

وقال عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أخرجه مسلم أيضاً، وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "خذوا عني مناسككم". ولم يفعل صلى الله عليه وسلم مسيرات ولا مظاهرات في حجة الوداع، وهكذا أصحابه بعده رضي الله عنهم، فيكون إحداث ذلك في موسم الحج من البدع في الدين التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي فعله عليه الصلاة والسلام بعد نزول سورة التوبة هو بعث المنادين في عام تسع من الهجرة ليبلغوا الناس أنه لا يحج بعد هذا العام -يعني عام تسع- مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وإنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، مع نبذ العهود التي للمشركين بعد أربعة أشهر إلا من كان له عهد أكثر من ذلك فهو إلى مدته، ولم يفعل صلى الله عليه وسلم هذا التأذين في حجة الوداع؛ لحصول المقصود بما أمر به من التأذين في عام تسع، والخير كله والسعادة في الدنيا والآخرة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والسير على سنته وسلوك مسلك أصحابه رضي الله عنهم؛ لأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم وأتباعهم بإحسان، كما قال الله عز وجل: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ".

والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين والسير على منهج سيد المرسلين وأصحابه المرضيين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ومن البدع في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.




منافع الحج
س: ذكر الله في كتابه الكريم أن هناك منافع في الحج فما هي هذه المنافع؟

ج: لقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المنافع في قوله جل وعلا في سورة الحج بعد ما أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير".

ومن هذا ذكر بعض المفسرين رحمهم الله تعالى المنافع التي تحصل للحجاج: دنيوية وأخروية مما يشاهده ويحس به الفرد المسلم في نفسه وفي أمته.

فمن المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس البيع والشراء، ومكاسب أصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج والحركة المستمرة في وسائل النقل المختلفة، وفائدة الفقراء مما يدفع لهم من صدقات أو يقدم من ذبائح الهدي والضحايا والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم، وتسويق البضائع والأنعام إلى غير ذلك مما يلمسه كل مسلم يشارك في الحج، ومن المشاهد أن الله سبحانه يسهل النفقة والبذل فيه على الإنسان حتى تجود يده بما لم يجد به من قبل في حياته العادية، علاوة على ما في الحج من التعارف فيما بين المسلمين والتعاون على مصالحهم، أما المنافع الدينية التي تعود على الحجيج بالخير الجزيل من أعمال الآخرة فمنها: التفقه في الدين، والاهتمام بشئون المسلمين عموماً، والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الله سبحانه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاستكثار من الصلاة والطواف وذكر الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم والفوز بما وعد الله به الحجاج والعمار، من تكفير السيئات، والفوز بالجنة، وتنزل الرحمة على عباد الله في هذه المشاعر العظيمة.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو فيباهي بهم ملائكته فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.

وقال عليه الصلاة والسلام: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد
فإني أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء أعزاء للتواصي بالحق والتذكير به والدعوة إليه، والنصح لله ولعباده. أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعاً، وأعمالنا وأن يمنحنا جميعاً وجميع المسلمين الفقه في الدين، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفق حكام المسلمين جميعاً للتمسك بشريعته، والحكم بها، وإلزام الشعوب بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثم أشكر إخواني القائمين على هذا النادي، وعلى رأسهم الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى ورئيس النادي، على دعوتهم لي لهذه المحاضرة وعنوانها: حرمة مكة المكرمة ومكانة البيت العتيق، وما ورد في ذلك من الآثار.

أيها الأخوة في الله:
لا يخفى على كل من له أدنى علم، وأدنى بصيرة حرمة مكة، ومكانة البيت العتيق، لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبينه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم، وفي كتب التفسير.

والأمر بحمد الله واضح ولكن لا مانع من التذكير بذلك والتواصي بما أوجبه الله من حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله عز وجل في كتابه المبين: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين".

أوضح الله سبحانه في هذه الآيات، أن البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس وأن مبارك، وأنه هدى للعالمين، وهذه تشريفات عظيمة، ورفع لمقام هذا البيت، وتنويه بذلك.

وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صل الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس، فقال عليه الصلاة والسلام: "المسجد الحرام " قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى " قلت: كم بينهما؟ قال: " أربعون عاماً " قلت: ثم أي؟ قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، فإن ذلك مسجد".

ويبين هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً... " الحديث.

هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول بيت وضع للناس ليعبد الله فيه، ويطاف به، هو هذا البيت،وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم عليه السلام، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل.

أما ما روي أن أول من عمره هو آدم فهو ضعيف، والمحفوظ والمعروف عند أهل العلم أن أول من عمره هو خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأول بيت وضع بعده للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وكان بينهما أربعون سنة، ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام، وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه، والطواف به، والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب، وغفران الخطايا، قال تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وآمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود".

فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه، ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه، والمثابة إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم، ورفيع الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ثم جعله آمناً يأمن فيه العباد، وجعله آمناً للصيد الذي فيه، فهو حرم آمن، يأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الرحم، يأمن فيه حال وجوده به، حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل.

ويقول سبحانه: "ومن دخله كان آمناً " يعني وجب أن يؤمن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد، ولا قتل، بل ذلك قد يقع، وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله، وعدم التعرض له بسوء. وكانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج، فهذا البيت العتيق، وهذا الحرم العظيم، جعله الله مثابة للناس وأمناً، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين، وقال في الآية الأخرى: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود "، والقائم هنا هو المقيم وهو العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم المصلون.

فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت، وهكذا جميع ولاة الأمور، يجب عليهم ذلك، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن، وأن الله حرمه يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده، ولا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، ولا يسفك فيه دم، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف، ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا حرمة هذا البيت، فيجب على المسلمين، وعلى ولاة الأمور، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، والظلم لهم، والتعدي عليهم حجاجاً أو عماراً أو غيرهم.

فالعاكف: المقيم، والطائف: معروف، والركع السجود: هم المصلون. فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه، والمتعبدين فيه، وإذا وجب على الناس أن يحترموه، وان يدفعوا عنه الأذى، فالواجب عليهم أيضاً أن يطهروا هذا البيت، وأن يحذروا معاصي الله فيه، وأن يتقوا غضبه وعقابه، وأن لا يؤذي بعضهم بعضاً، ولا أن يقاتل بعضهم بعضاً، فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه، وأن يحذروا معصية الله فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضاً، ولا يؤذي بعضهم بعضاً، لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة.

والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، فإن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، ولكنها مضاعفة بالكيفية.

فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " ومن يرد فيه أي يهم فيه ويقصد. فضمَّن يُرِدْ معنى يَهُمُّ ولهذا عدَّاه بالباء، بقوله: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم"، أي من يهم فيه بإلحاد بظلم.

فإذا كان من همَّ بالإلحاد أو أراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعله؟

إذا كان من يهمُّ ومن يريد متوعداً بالعذاب الأليم، فالذي يفعل الجريمة، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب، والعذاب الأليم.
ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: "إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد " وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد وهو الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.

وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم " وبين جل وعلا عظمة هذا المكان، وأن الله جعله آمناً وجعله حرماً، ليس لأحد من المقيمين فيه ولا من الواردين إليه، أن يتعدى حدود الله فيه، أو أن يؤذي الناس فيه.

ومن ذلك يعلم أن التعدي على الناس وإيذائهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل من الكبائر.
ولما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، خطب الناس وقال: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمه الناس، وإن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس، فليبلغ منكم الشاهد الغائب  " وقال: "إنه لا يحل
لأحد أن يسفك فيه دماً، أو يعضد فيه شجرة، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد " أي معرف.

فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم؟ فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئاً مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقاداً لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلماً لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر ولا يؤذي أحداً لا بكلام ولا بفعل، ثم قال جل وعلا في سورة آل عمران: "فيه آيات بينات مقام إبراهيم".

فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، أي مقامات إبراهيم، لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم جميع مقامات إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم تعبَّد فيه، ومن ذلك المشاعر عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، والذي يصلي إليه الناس الآن كلهم من مقامات إبراهيم.

ففي ذلك ذكرى لأولياء الله المؤمنين، ليتأسوا بنبي الله إبراهيم، كما أمر الله نبينا محمداً بذلك في قوله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً " فأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم الخليل أبي الأنبياء جميعاً. ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل جميعاً، وأكملهم بلاغاً ونفعاً للناس، وتوجيهاً لهم إلى الخير، وإرشاداً لهم إلى الهدى، وأسباب السعادة.

فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم.

فمن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبينوا وأن يرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسؤولين أن ينفذوا حكم الله، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم كائناً من كان من الحجاج أو من غير الحجاج، من السكان أو من غير السكان، من جميع أجناس الناس.

يجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف، أن يصونوه وأن يحفظوه، وأن يحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجبه نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك يعلم أن ما حدث في العام الماضي عام 1407هـ من بعض حجاج إيران من الأذى، أمر منكر، وأمر شنيع لا تقره شريعة ولا يقره ذو عقل سليم، بل شريعة الله تحرم ذلك، وكتاب الله يحرم ذلك وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحرم ذلك. وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى، وحمايته من كل معصية، ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير، وكف الأذى عنهم، وأنه لا يجوز لأحد أبداً لا من إيران ولا من غير إيران أن يؤذوا أحداً من الناس، لا بكلام ولا بفعال ولا بمظاهرات ولا بمسيرات جماعية تؤذي الناس، وتصدهم عن مناسك حجهم وعمرتهم، بل يجب على الحاج أن يكون كإخوانه المسلمين في العناية بالهدوء والإحسان إلى إخوانه الحجاج وغيرهم، والرفق بهم وإعانتهم على الخير والبعد عن كل أذى.

هكذا يجب على الحجيج من كل جنس، ومن كل مكان طاعة لله عز وجل، وتعظيماً لبيته العتيق، وإظهاراً لحرمة هذا المكان العظيم: مكة المكرمة وتنفيذاً لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وسيراً على منهج رسوله، ومنهج أصحابه رضي الله عنهم.

هذا هو الواجب على الجميع، وهذا الأمر بحمد الله واضح لا يخفى على أحد، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو من كان يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه.

وأما من آمن بالله واليوم الآخر، إيماناً صحيحاً، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره. فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله، وارتكاب محارمه سبحانه، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه.

والواجب على ولاة الأمور إزاء المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة: العناية بحمايتهما ودفع الأذى عنهما وعن سكانهما، وعمن يقصدهما من العمار والحجاج  والزوار طاعة لله، ولرسوله، وتعظيماً لأمر الله عز وجل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعوناً للجميع على طاعة الله ورسوله وتأميناً لقلوبهم حتى لا يذهلوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم، أو يقعوا في شيء مما حرمه الله عليهم، والله يقول سبحانه وتعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، ويقول سبحانه: "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " فلابد من التواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى في هذا المكان وغيره، بل إن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فإن مكة المكرمة هي أفضل البقاع، وهي أحب البلاد إلى الله، وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، والمسجد الأقصى، هذه المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، هي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية.

وأعظم ذلك هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً. وواجب على أهله والوافدين إليه أن يعرفوا قدره، وأن يعرفوا فضله، حتى لا يقعوا فيما حرم الله. وهذا واجب الجميع من المقيم والوارد، ويجب على المقيمين فيه والساكنين فيه أن يعرفوا قدره وأن يعظموه وأن يحذروا ما حرم الله.

فإذا كان المريد فيه بذنب له عذاب أليم فكيف بالفاعل، وليس الوارد إليه هو المخاطب بهذا الأمر إذ المقيم أولى وأولى، لأنه دائم فيه.

والواجب عليه أن يعلم ما حرم الله، وأن يبتعد عن معصية الله، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله وأن يكون عوناً لإخوانه في مكة وإخوانه الوافدين إليها في حج وعمرة، وأن يكون مرشداً لهم في الخير. وهكذا على سكان مكة أن يعينوهم ويوجهوهم إلى الخير، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروا إيذاءهم بأي أذى من قول أو فعل، وأن يكونوا دعاة للحق.

هكذا يجب في هذين المسجدين، وفي هاتين البلدتين، ويجب على المسلم في كل زمان ومكان أن يتقي الله وأن يعظم حرماته، وأن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، ويجب على ولاة الأمور الضرب بيد من حديد على كل من خالف أمر الله، أو أراد أن يتعدى حدوده، أو يؤذي عباده، طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحماية للمسلمين من الحجاج والعمار والزوار وغيرهم، واحتراماً لهذا البلد العظيم، وهذا البلد الأمين، أن تنتهك فيه حرمات الله، أو يتعدى فيه على حدود الله، أو يؤمن فيه من لا يخاف الله ويراقبه، على إيذاء عباده وتعكير صفو حجهم وأمنهم بفعل سيئ أو بقول سيئ.

ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى،  وصفاته العلى، أن يوفق المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق، ومدينة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم، إنه جل وعلا جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الجامع الممتاز فى فقه وفتاوى الحج والعُمْرَة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجامع لأحكام الحج والعمرة
» باب صفة الحَجّ والعُمْرَة
» 80 فائدة وتنبيهاً في الحَجً والعُمْرَة
» اختيارات وفتاوى الصيام للْعلامة ابن باز
» المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فقـه وأحكـام وفتـاوى الحـج والعُمـرة :: الجامع الممتاز لفقه وفتاوى الحج والعمرة-
انتقل الى: