منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة المائدة الآيات من 046-050

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: سورة المائدة الآيات من 046-050   سورة المائدة الآيات من 046-050 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:04 am

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [٤٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقفينا أي أتبعنا، فعيسى جاء من بعد موسى، فعندما يمشي رجل خلف رجل نجد أن قفا الأول يكون في وجه الثاني.

وعندما يقول الحق: {وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي مصدقاً لموسى الذي جاء بالتوراة.

{وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ}.

وعرفنا أن "الهدى والنور” يناسبان البيئة التي نزلت إليها تلك الهداية وذلك النور.

إن هناك مقولات اسمها "المقولات الإضافية"، كأن يقول إنسان في قرية لابنه: أشعل الضوء.

ويشعل الولد المصباح الكيروسيني؛ أما إذا قال إنسان في مدينة لابنه: أضىء النور، فالابن يضغط على الزر ليضيء المصباح الكهربائي.

وهذه الإضافات قد تجعل اللفظ يحمل معنيين.

ومثال آخر أكثر وضوحاً: يسكن الإنسان في منزل ما، ويعرف أن السقف عال بالنسبة له، ولكنه أرض بالنسبة لأصحاب الدور الثاني، إنه علو وسفل وهذا هو المعنى الإضافي.

وكذلك عندما نقول: فلان ابن فلان فهذا لا يمنع أن هذا الابن يكون أباً بالنسبة لابنه.

إذن: {هُدًى وَنُورٌ} هي معان إضافية.

وكل "هدى ونور” يناسب البيئة التي نزل فيها.

فالبيئة المادية الأولى كانت في حاجة إلى تقنين؛ لذلك جاءت التوراة، ومن بعد ذلك صارت هذه البيئة المادية في حاجة إلى طاقة روحية؛ لذلك جاء الإنجيل بكل الروحانيات، وعندما سئل عيسى ابن مريم عليه السلام في قضية الميراث قال: أنا لم أرسل مورِّثاً، فهو يعلم أنه جاء بشحنة روحية فيها مواجيد ومواعظ.

ويتابع الحق من بعد ذلك: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ...}.



سورة المائدة الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 046-050   سورة المائدة الآيات من 046-050 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:04 am

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [٤٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والحق أنزل في الإنجيل أن الأحكام تؤخذ من التوراة.

أي أن الإنجيل تضمن إلى جانب روحانياته أسس الأحكام الموجودة في التوراة.

ولذلك أوضح الحق: من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق مادام قد خرج على الطاعة.

فإن خرج أحد على الطاعة في أمر الألوهية والربوبية فهو كافر.

ومن خرج على الأحكام بالنسبة للحكم بين الناس فهو ظالم.

إذن فالمسألة كلها متداخلة، فالشرك ظلم عظيم أيضاً.

وبعد أن تكلم الحق عن التوراة والإنجيل، جاء بما نزل إلى النبي الخاتم: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ...}.



سورة المائدة الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 046-050   سورة المائدة الآيات من 046-050 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:06 am

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [٤٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وساعة نسمع كلمة "أنزلنا” نعرف أن هناك تشريعاً جاء من أعلى.

وهناك من يريد أن يلبس الناس أهواءه، فيقول: إن الإسلام دين تقدمي، أو يقول: الإسلام دين رجعي، وكلاهما يحاول أن يلبس الإسلام بما ليس فيه، ونقول: لا تقولوا ذلك ولكن قولوا الإسلام فوقي؛ لأنه جاء من الله، فإن كان للتقدمية مزايا فهو تقدمي، وإن كان للرجعية مزايا فهو رجعي، وإن كان لليمين مزايا فهو يميني وإن كان لليسار مزايا فالإسلام يساري؛ فقد جاء الإسلام بالاستطراق الاجتماعي والتقدم العلمي الأصيل؛ لأن مفهوم التقدم هو أن يرتقي الإنسان بنفسه ارتقاءً متقدماً يجعل الناس متكافئين.

إن الإسلام ليس تقدمياً فقط بالنسبة للحياة الدنيا ولكن بالنسبة لحياة أخرى خالدة فوق هذه الحياة.

إن الذين يناقشون تلك الأفكار لا يحسنون فهم أفكارهم سواء أكانت تقدمية أم رجعية أم يمينية أم يسارية.

ونرى أن المناهج المعاصرة التي تسبب كل هذا الصراع في الدنيا من شرق وغرب هي: الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية والوجودية وغيرها.

وعندما ننظر -على سبيل المثال- إلى القائمين على أمر الثورة الشيوعية عام 1917، نجد قولهم: إنهم مازالوا في بداية الطريق إلى الشيوعية، ولكنه اختيار الطريق الاشتراكي.

كان يجب أن يتجهوا إلى ما نادوا به، ولكن ها نحن أولاء نرى أنهم كلما تقدموا في الزمن تراجعوا عن أفكارهم الأولى.

حتى انقلبوا على أنفسهم.

وذلك دليل على أن المنهج الذي اتخذوه لأنفسهم غير صحيح.

والمنهج الرأسمالي أظل كما هو؟

لا.

لأن الأحداث قد اضطرت الرأسمالية أن تعطي العمال حقوقاً وبذلك لم تبق لرأس المال شراسته.

كما سارت الشيوعية إلى معظم أساليب الرأسمالية.

والرأسمالية سارت إلى بعض من أساليب الاشتراكية وهما -إذن- يريدان أن يلتقيا.

ولكن الإسلام أوجد هذا اللقاء من البداية، فاحترم رأس المال، واحترم العمل.

وكل إنسان لزم حدوده.

وضمن وجود واستمرار حركة الحياة.

ولذلك نجد أن الرأسمالية تقول: يجب أن توفر الحوافز للعمل.

ولم تصل الشيوعية أيضاً إلى مداها، بل قامت بإهدار حقوق الناس، ثم ماذا عن الذين لم تمتد إليهم يد الشيوعية -قبل أن توجد- وكان فيهم من يستغل الناس؟

كان العقل يحتم أن تؤمن الشيوعية بان هناك آخرة يعاقب فيها من استغلوا الناس من قبل، ومن مصلحتهم إذن أن توجد آخرة.

وكان من اللازم أن يكونوا متدينين.

وكذلك الرأسمالية التي لا تعترف إلا بالربح المادي، امتلأت مجتمعاتها بالضحايا الذين فقدوا المعنويات.

وقول الحق: "أنزلنا” يعتبر أن هناك منهجاً نزل من أعلى.

وحين نأخذ معطيات البيان القرآني، نجده سبحانه يبلغنا تعاليمه: {قُلْ تَعَالَوْاْ}.

أي ارتفعوا إلى مستوى السماء ولا تهبطوا إلى حضيض الأرض.

ولذلك قال الحق: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ} ونرى أن آيات القرآن تتآزر وتخدم كل منها الأخرى.

ونزول الكتاب بالحق يحتاج إلى صدق دليل أنه ينزل من الله حقا، وأن تأتي كل قوانين الحق في حركة الحياة بالانسجام لا بالتنافر، وهناك آية تشرح كلمة "الحق": {وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: 105].

أي أنه نزل من عند الله وليس من صناعة بشر.

{وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ} أي نزل بالمنهج من عند الله الذي يقيم منطق الحق في كل نفس وكل مكان، ويَضمن كل حق يقيم حركة الحياة.

وهنا أجملت الآية، فقالت: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ} أي أن القرآن مصدق للكتب السماوية السابقة.

وما الفارق بين كلمة "الكتاب” الأولى التي جاءت في صدر الآية، وكلمة "الكتاب” الثانية؟

إننا نعلم أن هناك "ال” للجنس، و"ال” للعهد، فيقال "لقيت رجلا فأكرمت الرجل"، أي الرجل المعهود الذي قابلته.

فكلمة الكتاب الأولى اللام فيها للعهد أي الكتاب المعهود المعروف وهو القرآن، وكلمة الكتاب الثانية يراد بها الجنس أي الكتب المنزلة على الأنبياء قبله، فالقرآن مهيمنٌ رقيبٌ عليها؛ لأنها قد دخلها التحريف والتزييف.

 كلمة "الحق” -إذن- تعني أن كتاب الله الخاتم لكتبه المنزلة وهو القرآن قد نزل بالحق الثابت في كل قضايا الكون ومطلوب حركة الإنسان.

ونزل بالحق بحيث لم يصبه تحريف ولا تغيير.

 إذن فالحق هو في مضمونه وفي ثبوت نزوله.

وقد نزل القرآن بعد كتب أنزلها الله متناسبة مع الأزمنة التي نزلت فيها؛ لأنه سبحانه خلق الخلق لمهمة أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن يعمروا هذا الكون بما أمدّهم به من عقل يفكر، وطاقات تنفّذ، ومادة في الكون تنفعل، فإن أرادوا أصل الحياة مجرداً عن أي ترقٍ أو إسعاد فلهم في مقومات الأرض ما يعطيهم، وإن أرادوا أن يرتقوا بأنفسهم فعليهم أن يُعملوا العقل الذي وهبه الله ليخدم الطاقات التي خلقها الله في المادة التي خلقها الله، وحينئذ يأخذون أسرار الله من الوجود.

 إن أسرار الله في الوجود كثيرة، وتفعل لنا وإن لم نعرف نحن السر.

فنجد الجاذبية التي تمسك الأفلاك تفعل لنا، وإن لم نكن قد اكتشفنا الجاذبية إلا أخيراً.

والكهرباء السارية في الكون سلباً وإيجاباً تعمل لنا وإن لم نعرف ما تنطوي عليه من سرّ.

إن الحق سبحانه حين يريد ميلاد سر في الكون سبحانه يمد الخلق بأسباب بروز هذا السر.

واعلموا أن كل سر من أسرار الكون المسخر للإنسان له ميلاد كميلاد الإنسان نفسه، إما أن يصادف -هذا الميلاد- عمل العقل في مقدمات تنتهي إليه، وحينئذ يأتي الميلاد مع مقدمات استعملها البشر فوصلوا إلى النتيجة، تماماً مثل التمرين الهندسي الذي يقوم الطالب بحله بعد أن يعطيه الأستاذ بعضاً من المعطيات، ويستخدمها التلميذ كمقدمات ليستنبط ما يريد المدرس أن يستنبطه من مطلوب الإثبات.

فإن صادف أن العقل بحث في الشيء معملياً وتجريبياً وصل ميلاد السر مع البحث.

وإن جاء ميلاد السر في الكون، ولم يشغل الإنسان نفسه ببحث مقدمات توصل إليه، وأراد الله ذلك الميلاد للسر فماذا يكون الموقف؟

أيمنع الله ميلاد السر لأننا لم نعمل؟.

لا.

بل يخرج سبحانه السر إلى الوجود كما نسمع دائماً عن مصادفة ميلاد شيء على يد باحث كان يبحث في شيء آخر، فنقول: إن هذا السر خرج إلى الوجود مصادفة.

وإذا نظرت إلى الابتكارات والاختراعات وأمهات المسائل التي اكتشفت لوجدتها من الصنف الثاني، ونجد المفكر أو العالم وقد غرق في بحث ما، ثم يعطيه الله سراً من أسرار الكون لم يكن يبحث عنه، فيقال عن الاكتشاف الجديد: إنه جاء مصادفة، وحينما جعل الله لكل سر ميلاداً، فهو قد أعطى خلقه حياة من واسع فضله، وأعطاه قدرة من فيض قدرته وأعطاه علماً من عنده{وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً}، ووهبه حكمة يُؤتى بها خيراً {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}.

وهو سبحانه وتعالى يريد من خلقه أن يتفاعلوا مع الكون ليبرزوا الأشياء، وإذا كان سبحانه يريد منا أن ننفعل هذا الانفعال فلابد أن يضع المنهج الذي يصون طاقاتنا وفكرنا مما يبددهما.

والذي يبدد أفكار الناس وطاقاتهم هو تصارع الأهواء، فالهوى يصادم الهوى، والفكرة قد تصادم فكرة، وأهواء الناس مختلفة؛ لذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يضمن لنا اتفاق الأهواء حتى نصدر في كل حركاتنا عن هوى واحد؛ وهو ما أنزله الخالق الأعلى الذي لا تغيره تلك الأهواء.

أما ما لا تختلف فيه الأهواء فتركنا لكي نبحث فيه؛ لأننا سنتفق فيه قهراً عنا.

ولذلك نقول دائماً: لا توجد اختلافات في الأفكار المعملية التجريبية المادية، فما وجدنا كهرباء روسية، وكهرباء أمريكية لأن المعمل لا يجامل.

والمادة الصماء لا تحابي.

والنتيجة المعملية تخرج بوضوحها واحدة.

إننا نرى اتفاق العلماء شرقاً وغرباً في معطيات المادة التجريبية وتحاول كل بلد أن يسرق من البلد الآخر ما انتهى إليه من نتائج لتدخلها على حضارتها، بينما يختلف الأمر في الأهواء البشرية، فكل بلد يحاول أن يبعد هوى الآخر عن حدوده؛ لأن الأهواء لا تلتقي أبداً، والحق قد وضع حركة الحياة لتنفعل بـ "افعل كذا” و"لا تفعل كذا” مما تختلف فيه الأهواء ليضمن اتحادنا وعدم تعاند الطاقات فينا.

بل تتساند معاً.

{وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71].

إذن فمنهج الله في كونه إنما جاء لينظم حركة الإنسان فيما تختلف فيه الأهواء.

أما الحركة فيما لا تختلف فيه الأهواء فقد تركها سبحانه حرة طليقة: لأن البشر يتفقون فيها قهراً عنهم، لأن المادة لا تجامل والمعمل لا يحابي.

 ولذلك قلنا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بعثه الله نبياً خاتماً أعطى بـ "افعل ولا تفعل”.

أما بالنسبة للأمر المادي المعملي فقد جعل أمره في ذات النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فعندما قَدِمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة كان أهلها يأبرون النخل؛ أي يلقّحونه ليثمر.

فمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقومٍ يلقحون فقال: "لو لم تفعلوا لصلح”.

فلم يأْبُروا النخل، فخرج شيصا؛ أي بُسْراً رديئاً، وخاب النخل.

ومرّ بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما لنخلكم؟

قالوا: قلت كذا وكذا.

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل".

وفي رواية أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيءٍ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر".

ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليعلنها قضية كونية مادية تجريبية معملية: أنتم أعلم بأمر دنياكم).

أي أنه -صلى الله عليه وسلم- ترك للأمة إدارة شئونها التجريبية، ولم يكن ذلك القول تركا للحبل على الغارب في شئون المنهج، فقد وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفيصل فيما تتدخل فيه السماء، وفيما تتركه السماء للبشر، وأعمار الناس -كما نعلم- تختلف، فنحن نقول للإنسان طفولة، وله فتوة، وشباب، وله اكتمال رجولة ونضج؛ لذلك يعطي الحق من الأحكام ما يناسب هذا المجتمع؛ يعطي أولاً الاحتياج المادي للطفولة، وعند عصر الفتوة يعطيه المسائل الإدراكية، وعندما يصل إلى الرشد يعطيه زمام الحركة في الكون على ضوء المنهج، فكانت رسالة الإسلام على ميعاد مع رشد الزمان، فَأَمِن الحق سبحانه أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، أن يقفوا ليحموا حركة الإنسان من أهواء البشر.

وكانت الرسل تأتي من عند الله بالبلاغ للمجتمعات البشرية السابقة على الإسلام.

وكانت السماء هي التي تؤدب.

ولكن عندما اكتمل رشد الإنسانية، رأينا الرسول يبلغ، ويوكِّله الله في أن يؤدب من يخرج على منهج الله في حركة الحياة، لأنه -صلى الله عليه وسلم- أصبح مأموناً على ذلك.



سورة المائدة الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 046-050   سورة المائدة الآيات من 046-050 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:07 am

وإذا نظرت إلى الكون قديماً لوجدته كوناً انعزالياً، فكل جماعة في مكان لا تعلم شيئاً عن الجماعة الأخرى، وكل جماعة لها نظامها وحركتها وعيشها وداءاتها.

والإسلام جاء على اجتماع للبشر جميعاً.

فقد علم الله أزلاً أن الإسلام سيجيء على ميعاد مع إلغاء فوارق الزمن والمسافات، وأن الداء يصبح في الشرق فلا يبيت إلا وهو في الغرب، وكذلك ما يحدث في الغرب لا يبيت إلا وهو في الشرق.

إذن فقد اتحدت الداءات ولابد أن يكون الدواء واحداً فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جامعاً للزمان وجامعاً للمكان ومانعاً أن يجيء رسول آخر بعده، وأن العالم قد وصل إلى قمة نضجه.

فإذا ما جاء الإنسان ليعلم منهج الله بـ "افعل” ولا "تفعل"، وجد أن المنهج محروس بالمنهج، بمعنى أن الكتب السابقة على القرآن فيها "افعل” و"لاتفعل"، والقرآن أيضاً فيه "افعل” و"لا تفعل” لكن المنهج السابق على القرآن كان مطلوباً من المنزل إليهم أن يحافظوا عليه، ومادام قد طلب الحق منهم ذلك فكان من الواجب أن يمتثلوا لطاعته لكنهم تركوا المنهج.

فكل منهج عرضة لأن يطاع وعرضة لأن يعصى، ولم يحفظوا الكتب وحدث فيها التحريف بمراحله المختلفة والتي سبق أن ذكرناها وهي النسيان وهو متمثل في قوله الحق: {وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} [المائدة: 13].

وما لم ينسوه كتموا بعضه، فقال الحق فيهم: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ} [البقرة: 159].

وما لم يكتموه حرفوه ولووا ألسنتهم به وقال الحق: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ} [آل عمران: 78].

ولم يقتصروا على ذلك بل وضعوا من عندهم أشياء وقالوا إنها من عند الله.

وكان أمر حفظ كتب المنهج السابقة موكولاً لهم وبذلك قال الحق عنهم: {بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ} [المائدة: 44].

أي أن الحق طلب منهم أن يحافظوا على المنهج، وكان يجب أن يطيعوه ولكن أغلبهم آثر العصيان.

فلما عصى البشر المنهج، لم يأمن الله البشر من بعد ذلك على أن يستحفظهم على القرآن، وكأنه قال: لقد جُرّبْتم فلم تحافظوا على المنهج، ولأن القرآن منهج خاتم لن يأتي له تعديل من بعد ذلك فسأتولى أنا أمر حفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

ومادام الحق هو الذي يحفظ المنهج فالقرآن مهيمن على كل الكتب؛ لأنه سبحانه وتعالى قد ضمن عدم التحريف فيه.

إذن فالكتاب المهيمن هو القرآن، ومادام القرآن هو المهيمن فهو حقيقة ما يسمى بالكتاب.

ودليل العهد هو قول الحق: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ} أما قوله: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ} فالمقصود به الزبور والتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى، ثم جاء القرآن مهيمناً على كل هذه الكتب.

وساعة نجد وصفاً وصف به غير الله وسمى به الله نفسه فما الموقف؟

نعرف أن لله صفات بلغت في تخصصها به مقامها الأعلى بالله، مثل قولنا: "الله سميع” والإنسان يسمع، و"الله غني” ويقال: "فلان غني"؛ فإذا سمي الحق باسم وجد في الخلق، فليس من المتصور أن يكون هذا صفة مشتركة بين العبد والرب، ولكننا نأخذ ذلك في ضوء: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

إن أي اسم من هذه الصفات على إطلاقه لا ينصرف إلا لله، فإن قلت: "الغني” على إطلاقه فهو اسم لله، وإن قلت: "الرحيم” على إطلاقه فهو اسم لله.

فإذا أطلق اللفظ من أسماء الله على اطلاقه فهو لله، واسم "المهيمن” يطلق هنا على القرآن وهو اسم من أسماء الله.

ومن معنى "مهيمن” أنه مسيطر.

 ومن أمثلة الحياة أننا نرى صاحب مصنع يطلق يد مدير في شئون العمل، وهذا يعني أنه مؤمن ومسيطر وأمين، ولابد أن متنبه، أي رقيب، وهو شهيد، إذن فالذين فسروا كلمة "مهيمن” على أنه مؤمن قول صحيح.

والذين فسروا كلمة: "مهيمن” على أنه "مؤتمن” قول صحيح.

والذين فسروا كلمة: "مهيمن” بأنه "رقيب” قول صحيح.

والذين فسروا كلمة: "مهيمن” بأنه "شهيد” قول صحيح.

والذين فسروا كلمة: "مهيمن” بأنه قائم على كل أمر قول صحيح.

وإذا رأيت اختلافات في تفسير اسم واحد من أسمائه -سبحانه- فلتعلم أن الحق يصدق عليه كل ذلك، وباللازم لا يكون "رقيباً” إلا إذا كان "شهيداً"، ولا يكون شهيداً إلا إذا كان قائماً على الأمر، ولا يكون كل ذلك إلا إذا كان مؤمناً ومؤتمنا.

 إذن فـ"مهيمن” هو قيم وشاهد ورقيب.

ومادام القرآن قد جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب فعلى أي مجال يهيمن؟

نحن نعرف مدلول الكتاب بأنه نزل من عند الله، فإن بقي الكتاب الذي نزل من عند الله كما هو فالقرآن مصدق لما به، أما إن لعبت في ذلك المنهج أهواء البشر فالقرآن مهيمن لأنه يصحح المنهج وينقيه من أهواء البشر.

{فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ}.

و"احكم” مأخوذة من مادة "حكم"، و"الحَكَمة” هي قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان ونربطها باللجام؛ حتى نتحكم في الحصان.

والحكمة هي ألا تدع المحكوم يفلت من إرادة الحاكم.

 وحين يقول الحق: {فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ} فهل يحدث ذلك أيضاً مع غير المؤمنين؟

نعم.

فإذا ما جاء إليك يا رسول الله أناس غير مؤمنين وطلبوا أن تحكم بينهم فاحكم بما أنزل الله.

ولذلك قال الحق: {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42].

لكن لماذا جاءوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- برغم عدم إيمانهم به؟

جاءوا إلى الرسول ليحكم بينهم؛ لأنهم ألفوا أن يبيحوا ما حرم الله بشهوات الدنيا وأخذوا لأنفسهم سلطة زمنية، وماداموا قد أخذوا لأنفسهم سلطة زمنية أنستهم حكم الله.

وأرادوا -على سبيل المثال- أن يخرجوا على حكم الرجم وتخفيفه، ولذلك ذهبوا إلى النبي، فإن حكم هو بالتخفيف أخذوا بالحكم المخفف، وإذا لم يحكم بالتخفيف فهم لن يأخذوا الحكم، هم ذهبوا إليه -صلى الله عليه وسلم- بقصد التيسير وقالوا له: أنت تعلم أن لنا سلطاناً وأن لنا نفوذاً ونحن نريد أن تحكم لنا لأنك عندما تحكم لنا سنؤمن بك وبعد ذلك تأتي إليك باقي جماعتنا ليؤمنوا بك ويتبعوك.

لقد رفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك تطبيقاً لقول الحق: {فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} فإذا كان عندهم كتاب التوراة مصوناً من التحريف، فالرسول يشير عليهم بالحكم الموجود في التوراة، ولذلك عندما استدعى -صلى الله عليه وسلم- أعلم علمائهم بالتوراة حاول بعضهم أن يضع يده على السطور التي بها الحكم؛ فالحكم بما أنزل الله يكون من التوراة إن لم يبدل، أما إذا كان الحكم قد بدله الناس فالحكم من القرآن؛ لأن القرآن هو المهيمن.

{فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} لأنهم بهذه الأهواء يريدون أن ييسروا على أنفسهم ليستبقوا لأنفسهم السلطة الزمنية، ووصفهم الحق: {ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [التوبة: 9].

هم -إذن- يريدون أن يستبدلوا بآيات الله مصلحتهم في الحكم.

ويقول الحق: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}، وإن افترضنا أن بعضا من التوراة لم يحرف، وبه حكم أراد الإسلام أن يبدله، فأي أمر يتبع؟

إن الاتباع هنا يكون للقرآن لأنه هو المهيمن، فسبحانه أراد بالقرآن أن يصحح ويعدل ويغير.

 إن مناهج الأديان في العقائد ثابتة لا تغيير فيها، وأما ما يتصل بالأحكام التي تحكم أفعال الإنسان فالله سبحانه وتعالى ينزل حكماً لقوم يلائمهم ثم ينزل حكما آخر يلائم قوماً آخرين.

ولذلك نجد أن سيدنا عيسى قال: {وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50].

أي أن هناك أشياء كانت محرمة في دين اليهود.

وجاء عيسى عليه السلام ليحلل بعضاً من هذه المحرمات، وكان التحريم مناسباً بني إسرائيل في بعض الأمور، وجاء المسيح عيسى ابن مريم ليحلل لهم بعضاً من المحرمات، وكان تحريم بعض الأمور لبني إسرائيل بهدف التأديب: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160].

إذن فقد يكون تحريم الشيء بسبب الضرر الناشئ منه، أو بهدف التأديب؛ لأن الإنسان أحل لنفسه ما حرمه الله عليه.

{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} والشرعة هي الطريق في الماء.

والمنهج هو الطريق في اليابسة.

ومقومات حياة الإنسان هي من الماء ومن الغذاء الذي يخرج من الأرض، فكذلك جعل الحق سبحانه وتعالى في القيم هذين الاثنين، الشرعة والمنهاج، ومادام سبحانه قد جعل لكل منا شرعة ومنهاجاً، فلماذا قال في موضع آخر من القرآن: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً} [الشورى: 13].

معنى هذا القول هو الاتفاق في أصول العقائد التي لا تختلف أبداً باختلاف الأزمان.

ففي بدء الإسلام نجد أنه جاء ليؤصل العقيدة أولاً بلا هوادة، فنادى بوحدانية الله، وعدم الشرك به، وصفات الكمال المطلق فيه، وعدم تعدد الآلهة.

أما بقية الأحكام الفعلية فقد جعلها مراحل.

وكان يخفف قليلاً فقليلاً.

إذن فالمراحل إنما جاءت في الأحكام الفعلية، أما العقائد فقد جاءت كما هي وبحسم لا هوادة فيه.

 إذن فقوله الحق: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً}.

هذا القول مقصود به العقائد.

 ومادام قد شرع لنا في الدين ما وصى به نوحاً، فهذا توصية بأفعال تتعلق أيضاً بزمن نوح، وسبحانه الذي وضع لنا المنهاج الذي نسير عليه في زماننا.

إذن فالأمران متساويان.

والمهم هو وحدة المصدر المشرِّع.

ويقول الحق: {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.

فلو شاء لجعل "افعل” ولا "تفعل” واحدة في كل المناهج، ولكن ذلك لم يكن متناسباً مع اختلاف الأزمان والأقوام الانعزالية قبل الإسلام بداءاتها المختلفة؛ لذلك كان من المنطقي أن تأتي الأحكام مناسبة للداءات.

{وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} [المائدة: 48].

وسبحانه وتعالى لو شاء لجعلنا أمة واحدة في "افعل” و"لا تفعل” ولكنه -سبحانه- لم يرد ذلك حتى لا يألف الناس العبادة وتصير كالعادة عندهم، فحينما يألف الناس أداء العبادات، فهم بذلك يحرمون لذة التكليف والإيمان بالتكليف، فكان لابد أن يأتي التشريع مناسبا لكل زمان.

وذلك ليفرق بين قوم وقوم ففي الصوم -على سبيل المثال- نجد أن الحق يسمح لنا بالطعام والشراب والجنس في الفترة ما بين الإفطار والسحور؛ فالحق يأتي إلى الشيء الرتيب ويأتي فيه أمر الله بالامتناع عنه لفترة زمنية معينة.

ولا يقرب المؤمن هذه المحرمات في زمان معين، ولا يقرب غيرها في أي زمان ومكان.

مثل شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير.

والمؤمن لا يقرب هذه الأشياء بطبيعة اختياره.

ويأتيه الصوم ليعلمه ويدربه على الانصياع للتكليف فيحرمه الحق من الطعام طول نهار شهر رمضان وكذلك الشراب والجنس.

 المسألة -إذن- ليست رتابة أبداً.

بل هي ابتلاء واختبار البشر{وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم} والابتلاء -كما نعلم- ليس أمراً مذموماً في ذاته، هو مذموم باعتبار ما تؤول إليه نهايته، ومادام سبحانه يبتلينا فيما آتانا فيجب أن نكون حكماء وأن نتسابق إلى الخير: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48].

والتسابق إلى الخيرات إنما يكون بهدف النجاح في الإبتلاء، والنجاح يعطينا أكثر مما ننال بعدم الانصياع.

إذن فالابتلاء في مصلحتنا؛ لإنه يعطي الناجحين فيه نجاحاً أخلد، وقصارى ما يزينه الشيطان للناس أو ما تتخيله نفوس الناس، أن تمر الشهوة العابرة وتنقضي في الدنيا العابرة.

وبعد ذلك يأتي العذاب المقيم.

وعندما نوازن هذا الأمر كصفقة نجدها خاسرة، لكن إن نجحنا في ابتلاء الله لنا فذلك هو الفوز العظيم: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.

أي تسابقوا في الوصول إلى الخيرات، لأن الخير إنما يقاس بعائده، فإيَّاكم أن تفهموا أن الله حَرَمكم شهوات الدنيا لأنه يريد حرمانكم، ولكنه حرمكم بعضاً من شهوات الدنيا لأنها مفسدة.

وكان التحريم لزمن محدود ليعطيكم نعيم ومتع الآخرة المُصلحة في زمن غير محدود، وهذا هو كل الخير.

{إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} والكل يرجع إلى الله سواء الملتزم أو المنحرف، وأمام الحق نرى القول الفصل: {فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.

ومادام هناك اختلاف فلابد أن يوجد من أخذ جانب الخير ومن أخذ جانب الشر، ولو أن الله قال لنا: "ستأخذون الخير” وسكت عن الشر لكان ذلك كافياً، لكنه يعطينا الصورة الكاملة.

ويتبع ذلك قول الحق: {وَأَنِ ٱحْكُم...}.



سورة المائدة الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 046-050   سورة المائدة الآيات من 046-050 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:08 am

وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [٤٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقد يقول قائل: إن الله سبحانه وتعالى قال من قبل: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة: 48].

وتكون الإجابة: أن الحق بيّن إن القرآن قد نزل مهيمناً، وعلى الرسول أن يباشر مهمة التنفيذ؛ لذلك يأتي هنا قوله: {وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ} بلاغاً للرسول وأيضاًحاً: أنا أنزلت إليك الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتب السابقة ومهيمناً فاحكم، فإذا جاءك قوم بشيء مخالف لما نزل من القرآن، فاحكم بينهم بالقرآن.

والذي زاد في هذه الآية هو قوله الحق: {وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} والحذر هو احتياط الإنسان واحترازه مِمَّن يريد أن يوقع به ضرراً في أمر ذي نفع، والذي يرغب الضر قد يزين لنفسه ولغيره الذر كأنه الخير، على الرغم من أن ما في باطنه هو كل الشر.

 إذن فالحذر هو ضرورة الانتباه لمن يريد بالإنسان شراً حتى لا يدخل عليه ضُرّاً في صورة نفع، كأن يأتي خصم ويقول لك: سأضع لك كذا وافعل من أجلك كذا وكذا.

يجب عليك هنا أن تقول له: لا.

والحذر -إذن- يقتضي عقلاً مركباً، ولذلك كانوا يعرفون الحذر من الغراب.

فها هوذا الغراب يُعلّم ابنه في قصة شعبية فيقول الغراب لابنه: احذر الإنسان؛ لأن الإنسان عندما ينحني ليلتقط شيئاً من الأرض فهو يلتقط قطعة من الطوب ليرميك بها.

وهنا يقول الغراب الصغير لوالده: وماذا أفعل لو كان هذا الإنسان يُخبئ قطعة الطوب في جيبه؟

إنها قصة توحي بأن الغراب حذر بفطرته.

ونرى مثل ذلك في مظاهر الأشياء كالمرابي الذي يزين للناس أن يضعوا أموالهم عنده ويعطيهم فائدة تبلغ عشرين بالمائة، هذه صورة شيء ينفع ولكنها ضارة بالفعل؛ لأنها تزيد المال ظاهراً ولكن ينطبق عليها قول الله: {يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا}.

وهذا أمر ضار يزينه الخصم وكأنه أمر نافع.

والحق يطلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون حذراً، فماذا يكون المطلوب من الأتباع؟.

إنه الحذر نفسه؛ لأن أفضل البشر وَجَّهَهُ الله إلى الحذر: {وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} لأن الصورة التي دخلوا بها هي صورة تزين الخداع، فقد قالوا: نحن جئناك لتحكم لنا، فإن حكمت لصالحنا فلسوف نتبعك، وهذا أمر يبدو في صورة شيء نافع.

وجاء القول الحق ليحسم هذه المسألة: {وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ} وهنا يحذر الله رسوله من الفتنة عن بعض ما أنزله إليه سبحانه ويتابع الحق: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ} وهم إن تولوا، فاعلم أن الله يحميك أن تنزلق إلى شبهة باطل.

فهم قد اختاروا أن يوغلوا في الكفر، وفي الابتعاد عن منهج الله، وسيصيبهم ببعض عذابه مقابل ذنوبهم، وسبحانه لا يصيبهم ظلماً، بل يصيبهم ببعض الذنوب التي ارتكبوها.

وهو أعلم بهم، لأنه الأعلم بالناس جميعاً.

 ويختم الحق الآية بقول: {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ} أي خارجون عن طاعة كتبهم ورسلهم؛ لأن طاعة الكتب السابقة على القرآن تنص على ضرورة الإيمان بالرسول النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم-.

ويقول الحق: {ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].

إذن فطريق الفلاح كان مكتوباً في التوراة والإنجيل، وكان الأمر باتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- النبي الأمي موجوداً في الكتب السابقة على القرآن، وكانت البشارة بمحمد رسولا من عند الله يأمر بكل الخير وينهى عن كل الشر ويحل للناس كافة الأشياء التي تُحْسِن الفطرة الإنسانية استقبالها، ويحرم عليهم أن يزيفوا ويغيروا المنهج الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وألا يستسلموا للعناد، فقد جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- ليزيل عنهم عبء تزييف المنهج.

فمن اتبع نور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحس بالنجاة والفوز.

ومن لم يتبع هذا النور فهو الخارج عن طاعة كتاب السماء.

ومحاولة إنكار رسالة رسول الله محكوم عليها بالفشل، فالعارفون بالتوراة والإنجيل يعرفون وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذه الكتب.

{ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].

ونعلم جميعاً ما فعله عبدالله بن سلام عندما جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُعلن إسلامه.

قال عبدالله بن سلام: لأنا أشد معرفة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منّي بابني.

فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: وكيف ذلك يا ابن سلام؟.

قال عبدالله بن سلام: لأني أشهد أن محمداً رسول الله حقاً ويقيناً وأنا لا أشهد بذلك على ابني لأني لا أدري، أحداث النساء.

فقال عمر بن الخطاب: وفقك الله يا ابن سلام.

ولكن بعض علماء بني إسرائيل وأحبارهم كتموا البشارة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كانوا يرجون الرئاسة والطمع في الهدايا التي كان يقدمها الناس إليهم.

لذلك عمدوا إلى صفة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- وكتموها.

وماداموا قد فعلوا ذلك فلنعلم أن الله يريد أن يصيبهم ببعض ذنوبهم.

 ونلحظ أن الحق حين أجرى على لسان رسوله خطاباً إلى اليهود.

ولم يأت على لسانه -صلى الله عليه وسلم- اتهام شامل لليهود، بل اتهام لبعضهم فقط، وإن كان هذا البعض كثيراً، فلنعلم أن ذلك هو أسلوب صيانة الاحتمال؛ لأن بعضهم يدير أمر الإيمان بقلبه.

صحيح أن كثيراً منهم فاسقون، ولكن القليل منهم غير ذلك.

فها هوذا أبو هريرة -رضي الله عنه- ينقل لنا ما حدث: زنى رجل من اليهود بامرأة وقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي مبعوث للتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند الله وقلنا فتيا نبي من أنبيائك.

فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في المسجد مع أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في امرأة ورجل زنيا؟.

فلم يكلمهم حتى ذهب إلى مِدْراسهم.

وهناك طلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شاب رفض أن يتكلم بالكلام غير الصدق الذي يتكلمه قومه.

وقال الشاب: إنا نجد في التوراة الرجم.

وحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرجم.

عن البراء بن عازب قال: مُرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- بيهودي مُحَمَّماً مجلوداً، فدعاهم فقال: هكذا تجدون الزاني في كتابكم؟قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم، قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ، فقلنا: تعالَوْا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني أول مَنْ أحيا أمرك إِذْ أَمَاتُوه)، فأمر به فرُجم فأنزل الله: {يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ} إلى قوله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ} يَقُولون ائتوا محمداً فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا.

إذن فالكثير منهم فاسقون، والقليل منهم غير فاسق لأنهم يديرون فكرة الإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فلو أن الاتهام كان شاملاً للكل بأنهم فاسقون؛ لما أحس الذين يفكرون في أن يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبالنور الذي جاء به.

وعندما قال الحق: {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ} يعني أن الذين يديرون في رؤوسهم فكرة الإيمان برسول الله سيجدون النور واضحاً في كلماته.

ونتساءل: لماذا أرادوا أن يلووا أحكام الله ليُحققوا لأنفسهم سلطة زمنية وثمناً تافهاً من تلك الأشياء التي يتقاضونها، لماذا يفعلون ذلك؟ها هوذا قول الحق سبحانه: {أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ...}.



سورة المائدة الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 046-050   سورة المائدة الآيات من 046-050 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:09 am

أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [٥٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والجاهلية هي نسبة إلى جاهل.

ولو كانت نسبة مأخوذة من الجهل لجاء القول "جهلية"، لكن الحق يقول هنا: "جاهلية” نسبة إلى جاهل.

وحتى نعرف معنى الجاهل بالتحديد لابد لنا أن نتذكر ونستعيد تقسيم النسب الذي قلناه قديماً، ونعرف أن كل لفظ نتكلم به له معنى، وساعة نسمع اللفظ فالمعنى يأتي إلى الذهن إفرادياً.

 مثلما نسمع كلمة "جبل” فيقفز إلى الذهن صورة الجبل، لكن لا توجد حالة واضحة للجبل؛ لأن الكلمة لم تكن مصحوبة بحكم.

إذن فهناك معنى للفظ، ولكن هذا المعنى لا يستقل بفائدة.

ولكن إن قلنا إن القاهرة مكتظة بالسكان، أو أن مرافقها متعبة، هناك نكون قد أتينا بحكم يوضح لنا ماذا نقصد بقولنا القاهرة.

إن هناك فرقاً بين اللفظ حين يؤدي إلى معنى مفرد لا حكم له، وبين لفظ له حكم، ولذلك نجد العربي القديم حين يأتيه لفظ بلا حكم لم يكن لقبله.

وها هوذا رجل عربي قال: أشهد أن محمداً رسولَ الله -بفتح اللام في كلمة "رسول”- وبهذا القول تكون "رسول الله” صفة لمحمد وليس فيها الخبر المطلوب.

لذلك قال عربي آخر: وماذا يصنع محمداً؟

ليلفت القائل إلى أنه لم يتلق الخبر.

إذن كل لفظ له معنى، وهذا المعنى مفرد ولابد له من نسبة.

مثلما نقول لصديق: "محمد"، ويعرف هذا الصديق محمداً، فيسألك: "وما لمحمد"؟

وبقوله هذا إنما يطلب الخبر ليعرف ماذا حدث له أو منه، فتقول: "محمد زارني أمس”.

وهكذا تكتمل الفائدة.

إذن فكل لفظ من الألفاظ المفردة له معنى حين يفرد.

فإذا ما جاء الحكم تنشأ عنه النسبة.

وإن كانت النسبة واقعة ويعتقدها قائلها؛ ويستطيع إقامة الدليل عليها فهذه نسبة علم؛ لأن العلم نسبة مجزوم بها وواقعة ونستطيع إقامة الدليل عليها تماما مثلما نقول: (الأرض كروية) حيث توحي الكلمة أولاً بصورة الأرض وأضفنا إليها نسبة هي "كروية” لأننا نعتقد أنها كروية والواقع يؤكد ذلك، فإذا ما جئنا بالدليل عليها فهذه نسبة علم.

إذن فالعلم نسبة مُعتقَدة وواقعة وعليها دليل.

أما إذا كانت النسبة واقعة ومعتقدة ولا نستطيع التدليل عليها فذلك هو التقليد مثلما يكرر الطفل عن والده بعضاً من الحقائق ولكنه لا يستطيع إقامة الدليل عليها، إنه يقلد من يثق به، إذن فالمرحلة الأقل من العلم هي التقليد.

أما إذا كان الإنسان يعتقد أن النسبة قد حدثت ولكن الواقع غير ذلك، فهذا هو الجهل، فالجهل ليس معناه أنك لا تعرف، ولكن أن تعرف قضية مناقضة للواقع.

والجاهل يختلف عن الأمي، فالأمي هو الذي لا يعرف، أما الجاهل فهو الذي يعرف قضية مخالفة للواقع ومتشبث بها.

{أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} والحق هنا يتساءل: هل يرغبون في الاستمرار بالاعتقاد الخاطئ الجاهل؟

والأمر مع الأمي -كما عرفنا- يختلف عن الأمر مع الجاهل؛ لأنه يكفيك أن تقول للأمي العلم الذي تريد تعليمه إياه ويقبله منك، أما الجاهل فلابد للتعامل معه من عملين.

الأول أن تجعله يحذف ويستبعد من باله القضية الخاطئة، والثاني أن تجعله يقتنع بالقضية الصحيحة.

والذي يرهق الدعاة إلى الدين هم الجهلة هؤلاء الذين يعتقدون اعتقاداً خاطئاً يتضمن قضايا باطلة.

لكن ماذا إن كانت النسبة مجالاً للنفي ومجالاً للإثبات؟

إن كان النفي مساوياً للإثبات فهي نسبة شك.

وإن غلب الإثبات فهذا ظن.

وإن كان النفي راجحاً فذلك هو الوهم.

وهكذا يتضح لنا أن قضية الجهل قضية صعبة، والذي يسبب التعب في هذه الدنيا هم الجهلة؛ لأنهم يعتقدون في قضايا خاطئة.

فإذا كان هناك حكم من الله.

فلماذا لا يرتضون إذن؟

أيريدون حكم الجاهلية؟

وكان أهل الكتاب أنفسهم يسفهون حكم الجاهلية.

ولنلحظ أن هذا التسفيه كان في زمن المواجهة بين الجاهلية وبين أهل الكتاب.

وكانوا يستفتحون عن أهل المدينة ومكة.

وكثيراً ما قالوا: لقد أظلّنا عهد نبي سنتبعه ونقتلكم به قتل عاد وإرم.

ولكن ما إن جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قالوا العكس، ماذا قالوا للجاهلين؟

هاهوذا الحق يخبرنا بما قالوا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} [النساء: 51].

وقد ذهب بعض من أحبار اليهود إلى قريش، وسألهم بعض من سادة قريش: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم القديم فأخبرونا عنا وعن محمد.

فقال الأحبار: ما أنتم وما محمد؟

فقال سادة قريش: نحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العاني ونصل الأرحام ونسقي الحجيج وديننا القديم ودين محمد الحديث.

فقال الأحبار: أنتم خير منه وأهدى سبيلا.

وبذلك زوروا القول.

وينقل الرواة قصة أخرى في هذا الموضع، أن واحداً من أحبار اليهود قال لأبي سفيان: أنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه.

وقال الأحبار ذلك حسداً لرسول الله.

إذن فهل يرتضي أهل الكتاب حكم الجاهلية؟

لا.

ولكنه التناقض والتضارب.

وماداموا قد تناقضوا مع أنفسهم صار من السهل أن يتناقضوا مع الكتاب الذي نزل إليهم.

ولذلك يتساءل الحق: {أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} ثم يأتي من بعد ذلك بالمقابل وهو قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً}.

وسبحانه لم يقل: إن الأحسن في الحكم هم المسلمون لجواز أن يكون من المسلمين من ينحرف، لذلك رد الأمر إلى ما لا يتغير أبداً وهو حكم الله.

وحين يقرر سبحانه ذلك فإنه - أزلا - يعلم أنه سيأتي قوم مسلمون وينحرفون عن المنهج.

ونحن نرى في بعض الأحيان سلوكاً منحرفاً من مسلم، فهل نلصق هذا السلوك بالإسلام؟

لا.

بل ننظر إلى حكم الله في كتابه.

وعندما نرى أن حكم الله يجرم فعلاً وله عقوبة، فالعقوبة تقع على المسلم المنحرف أيضاً.

والمثال قوله الحق: {وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].

وهذا الحكم يطبق على المسلم وغير المسلم، إذن فلا نقول هذا حكم المسلمين وذلك حكم الجاهلية.

ولكننا نقول: إنه حكم صاحب المنهج وهو الله.

 ونلحظ أن هناك استفهاماً في قوله الحق: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً}.

والاستفهام هو نقل صورة الشيء في الذهن، لا نقل حقيقة الشيء.

وساعة يطلب المتكلم من المخاطب أن ينقل إليه الفهم، هنا نقول: هل كان المتكلم لا يعلم الحكم؟

قد يصح ذلك في الحياة العادية.

وقد نراه حين يقول إنسان لآخر: من زارك أمس؟

فنكون أمام حالة استفهام عن الذي زاره، تلك هي حقيقة الاستفهام، لكن ما بالنا إذا كان الذي يتكلم ويستفسر لا تخفى عليه خافية، إنه -سبحانه- يطلب منا أن نجيب على سؤاله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً}.

وتلك عظمة الأداء.

وأضرب مثالاً آخر -ولله المثل الأعلى- عندما يأتيك إنسان ويدعي أنك لم تحسن إليه لأنه كان سجيناً مثلاً وأنت الذي أخرجته من السجن.

فتقول له: من الذي ذهب ودفع عنك الكفالة وأخرجك من الحبس؟

إنك أنت الذي فعلت ولا تريد أن تقول له: لقد فعلت من أجلك كذا وكذا، ولكنك تريده هو أن ينطق بما فعلته له، ولا تقول ذلك إلا وأنت واثق أنه لن يجد جواباً إلا الاعتراف بأنك أنت الذي صنعت له كذا وكذا، وبذلك تصبح المسألة إقراراً وليس إخباراً.

{أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} فالحق عالم أنهم حين يديرون رءوسهم في الجواب، لن يجدوا إلا أن يقولوا: يارب أنت أحسن حكماً.

وهذا إقرار منهم وإخبار أيضاً.

أما عند المؤمن فالأمر يختلف تماماً؛ لأن المؤمن يعترف ويقر بفضل الله عليه.

{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فالذي يفهم أن حكم الله هو الأفضل هم القوم الذين دخلوا إلى مرحلة اليقين.

ونعلم أن مراحل اليقين تتفاوت فيما بينها، فعندما يخبرك إنسان صادق في قضية ما فأنت تعلم هذه القضية.

كأن يقول لك: لقد ذهبت إلى نيويورك.

وهذه المدينة تقع على عدد من الجزر وبها عمارات شاهقة والعنف منتشر فيها.

والناس تبدو وكأنها ممسوسة من فرط الهوس على الثروة.

وحين تسمع هذا الصادق فأنت تأخذه على محمل الجد وتعتبر كلامه يقيناً وهذا هو علم اليقين، أي أنه إخبار من إنسان تثق فيه لأنه صادق.

وبعد ذلك يأتي هذا الإنسان ليوجه لك الدعوة، فتركب معه الطائرة، وتطير الطائرة على ارتفاع يساوي أربعين ألف قدم، وبعد إحدى عشرة ساعة تهبط الطائرة قليلاً؛ لترى أضواء مدينة صاخبة، ويقول لك صاحبك: هذه هي نيويورك، وتلك هي ناطحات السحاب.

هكذا صار علم اليقين عين يقين.

وعندما تنزلان معاً إلى شوارع نيويورك فأنتما تسيران إلى جزيرة مانهاتن.

 وتصعد إلى برج التجارة أعلى ناطحات السحاب في نيويورك، وهذا هو حق اليقين.

 إذن: فمراحل اليقين ثلاث: علم يقين: إذا أخبرك صادق بخبر ما، وعين يقين: إذا رأيت أنت هذا الخبر، وحق يقين: إذا دخلت وانغمست في مضمون وتفاصيل هذا الخبر.

وقديماً قلت لتلاميذي مثالاً محدداً لأوضح الفارق بين ألوان اليقين، قلت لهم: لقد رأيت في أندونيسيا ثمرة من ثمار الموز يبلغ طول الثمرة الواحدة نصف المتر.

وبالطبع صدقني التلاميذ؛ لأنهم يصدقون قولي.

وقد نقلت لهم صورة علمية.

وصار لديهم علم يقين.

وبعد ذلك أدخل إلى غرفة وأفتح حقيبة وأخرج منها ثمرة الموز التي يبلغ طولها نصف المتر.

وبذلك يصير علم اليقين عين يقين.

وبعد ذلك أمسكت بسكين وقمت بتقشير ثمرة الموز ووزعت على كل واحد منهم قطعة.

وهكذا صار لديهم حق يقين.

وحين يطلق الحق "اليقين” فهو يشمل الذي علم والذي تحقق.

 فأهل الأدلة، علموا علم اليقين، وأهل المرائي والمشاهدات علموا عين اليقين، وأهل الفيوضات والتجليات وصلوا إلى حق اليقين.

والمؤمنون بالله يقول الواحد منهم: أنا بمجرد علم اليقين موقن تماماً ولا أنتظر حق اليقين لأني لا أجرؤ على التكذيب؛ لذلك نجد أن سيدنا الإمام عليا -كَرَّمَ اللهُ وجْهَهُ- يقول: لو انكشف عني الحجاب ما ازددت يقيناً.

والحق سبحانه وتعالى يعطينا هذه الصورة في قوله الحق: {أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ} [التكاثر: 1-7].

والبداية تكون علم اليقين، ثم نرى الجحيم ونحن نسير على الصراط فتصير عين اليقين، ومن لطف الله أنه جعلنا -نحن المسلمين- لا نراها حق اليقين.

وهو القائل: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71].

هو يعطينا صورة الجحيم.

لكن حينما أراد الحق أن يعطينا صورة حق اليقين، فقد جاء بها في قوله الحق: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُون * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ * أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82].

كل ذلك مقدمة ليقول الحق: {إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ} [الواقعة: 95].

وما يذكره الحق هنا عن منزلة المصدق المؤمن إن هذه المنزلة هي الجنة ويرى ذلك عين اليقين.

أما منزلة المكذب الكافر، فله مكانه في النار؛ لذلك سيرى كل الناس النار كعين اليقين.

أما من يدخله الحق النار -والعياذ بالله- فسيعاني منها حق اليقين، وسينعم المؤمنون بالجنة حق اليقين.

ومن بعد ذلك يقول الحق: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ...}.



سورة المائدة الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة المائدة الآيات من 046-050
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة المائدة الآيات من 096-100
» سورة المائدة الآيات من 086-090
» سورة المائدة الآيات من 011-015
» سورة المائدة الآيات من 091-095
» سورة المائدة الآيات من 016-020

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: المائدة-
انتقل الى: