الصوم وفوائده الصحية 566d4611
الصوم وفوائده الصحية
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الله ولي الصالحين، شهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، حب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الصوم علاج:
رأى العلماء أن في الصوم وقاية وعلاجاً من أمراض كثيرة، فبعض الأمراض المستعصية قد يكون علاجها في الصوم، كالتهاب المعدة الحاد ّ، و إقياء الحمل العنيد، و بعض أنواع داء السكري، وارتفاع التوتر الشرياني، و القصور الكلوي الحابس للملح، و خنّاق الصدر، و الالتهابات الهضمية المزمنة، و حصيات المرارة، وبعض الأمراض الجلدية.

الصوم علاج لبعض الأمراض، ولكنه إذا طبق كما شرعه النبي عليه الصلاة والسلام فهو وقاية من أمراض كثيرة.

الصيام صحة نفسية:
ثم إن في الصيام – كما يقرر الأطباء – صحة نفسية، وإن في الصيام رفعاً لمستوى النفس، وتعويداً لها على الحرية من كل قيد، وكل عادة، و أفضل عادة أن لا يتعود الإنسان أي عادة، هذا الذي يدمن التدخين، كيف استطاع أن يقلع عنه في رمضان، إذا في الإمكان أن يقلع عنه و أكبر شاهد على ذلك شهر الصيام.

الصيام يقوي إرادة الإنسان:
إذاً الإنسان يقوي إرادته بالصيام، و الإنسان بالصيام ينمي إخلاصه، إن الصيام عبادة الإخلاص، وإن الصيام أيضاً ينمي مشاعر الإنسان، فقد يكون الطعام و الشراب متوفراً، ولا يستطيع الإنسان أن يأكل أو يشرب منه شيئاً.

بعض الفوائد المادية للصوم:
من الفوائد المادية للصوم أن المعدة والجهاز الهضمي تأخذ إجازة في رمضان، و يستريح جهاز الدوران والقلب، والكليتان والتصفية، هذه الأجهزة الخطيرة التي إذا أصابها العطب انقلبت حياة الإنسان إلى جحيم، فإذا توقفت الكليتان توقفاً مفاجئاً، فإنه شيء لا يحتمل، وإذا أصيب القلب بالضعف، وضاقت الشرايين، وتصلبت، واحتشى القلب فالأمر عسير، هناك أمراض تصيب القلب لا تعد ولا تحصى، هناك أمراض متفشية تصيب الأوعية، هناك أمراض كثيرة تصيب المعدة و الأمعاء، وأمراض تصيب الكبد، و أمراض تصيب جهاز البول، هذه الأجهزة الخطيرة من جهاز دوران و هضم، وجهاز طرح الفضلات، هذه الأجهزة يكون الصيام وقاية لها، لا نقول: إن الصيام علاج وحسب، ولكنه وقاية.

تقول مقالة عن أمراض القلب:
(( إن عمل القلب وسلامته منوط بحجم الطعام في المعدة و نوعيته )).

فالقلب، و سلامته، و انتظامه، و الشرايين و مرونتها، هذه الأشياء متعلقة بنوع الطعام، وحجمه في المعدة، لذلك أمرنا النبي عليه الصلاة و السلام بالاعتدال في الطعام و الشراب، و الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك أيضاً فقال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

فمن تجاوز الحد في الطعام و الشراب أتاه شهر الصيام ليصلح ذلك الخطأ والاعوجاج، و التعفنات التي في جهاز الهضم، و ليصلح الوزن الذي زاد على حده الطبيعي، و إن الأغلاط التي يرتكبها الإنسان في السنة يأتي الصيام ليضع لها حداً، أما إذا كان الإنسان مطبقاً للسنة النبوية فشهر رمضان يزيده صحة و نشاطاً، و في كتاب ( إحياء علوم الدين ) عقد الغزالي فصلاُ، أو باباً كبيراً عن فضائل الجوع، فقال: (( الخير كله مجموع في خزائن الجوع، و ليس المقصود به الجوع الشديد، و لكنه الاعتدال في الطعام والشراب، لأن البطنة تذهب الفطنة، و إن كثرة الطعام، و إدخال الطعام على الطعام، و إكثار الوجبات، هذه تصيب الإنسان بالكسل، و الخمول و الركود، و الأمعاء بالتعفن، والقلب بالإرهاق )).

حينها يأتي شهر الصيام ليجدد الصحة، فجسمك مطيتك في هذه الدنيا، لنا عمر محدود، و لكن إما أن نمضيه واقفين نشيطين، و إما نمضيه مستلقين على أسرتنا، و شتان بين الحالتين، ولا يتسع المقام للحديث عن فوائد الصيام.

وقد روي: (( صوموا تصحوا )) الفردوس بمأثور الخطاب ( 3745 ).

الصحة الوقائية:
ومعنى الصحة هنا الوقاية من الأمراض، إنك إذا أديت صيام هذا الشهر على التمام والكمال فقد وقيت جسمك من الأمراض الوبيلة التي لا قبل لك بها، ولكن هذا الذي يمتنع عن الطعام و الشراب في النهار، فإذا جلس إلى المائدة أكل أكل الجمال، هذا لم يحقق الهدف من الصيام، فلا بد من الاعتدال في الطعام والشراب في الصيام، أما إذا جعلت الوجبات الثلاث النهارية في رمضان ليلية !! فماذا حققت؟

إن وجبة دسمة مع الإفطار تجعله يقعد فلا يقوم، وعند منتصف الليل وجبة أخرى، وعند السحور وجبة أخرى، فهذا قلب وجبات النهار إلى وجبات ليلية، وما فقل شيئاً، فقد بقيت الأمراض والإرهاقات كما هي.
والحمد لله رب العالمين.