منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة النساء الآيات من 046-050

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 046-050   سورة النساء الآيات من 046-050 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 10:24 pm

مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [٤٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تكلّم الحق في سورة النساء عن الخلق الأول وأوضح: إنني خلقتكم من نفس واحدة وهي "آدم" وبعد ذلك خلقت منها زوجها، ثم بثثت منهما رجالاً كثيراً ونساء والبث الكثير للرجال والنساء لتستديم الخلافة للإنسان، لكن كيف يأتي ذلك؟

أوضح سبحانه: أريد مجتمعاً قوياً، وإياكم أن يضيع فيه اليتيم.

وبعد ذلك ما دمت أريد استدامة هذا الاستخلاف فليأخذ الأيتام نصيباً، وتكلم -سبحانه- عن التركة، ثم تكلم عن السفهاء غير المؤتمنين على مالهم، وبعد ذلك تكلم عن كيفية الزواج.

إذن: فكل هذه العملية ليبني لنا نظام حياة متكاملاً؛ لأن الخلافة في الأرض تقتضي دوام هذه الخلافة بالتكاثر، والتكاثر لا يؤدي مراده إلا إذا كان تكاثر أقوياء، أما تكاثر الضعاف فهو لا ينفع.

فإن كان فيكم يتيم لا بد أن تلاحظوه، وإن كان فيكم سفيه لا يستطيع أن يدبر ماله فدبروا أنتم له ماله، واجتهدوا لتتركوا من حركة حياتكم للناس الذين سيأتون بعدكم إلى أن تقوى نفوسهم على الحركة.

وأوضح سبحانه منهاج الميراث، وأمر سبحانه: أن تزاوجوا، لكن للتزاوج شروطه وقد أوضحها، ثم أعطانا المنهج العام: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36]، ووضح هذه الأحكام كلها.

وبعد ذلك ما الحكمة في أنه -سبحانه- يرجع بنا مرة ثانية لليهود؟

الحق سبحانه وتعالى يوفي الأحكام، وإلقاء الأحكام شيء وحمل النفس على مراد الله في الأحكام شيء آخر، فيوضح لنا: أن هناك ناساً ستعلم الحكم لكنها لا تقدر أن تحمل نفسها عليه، فإياكم أن تكونوا كذلك.

واعلموا أن هناك أناساً عندهم نصيب من الكتاب أيضاً، ويعلمون مثلكم تماماً، إنما اشتروا الضلالة، إذن فهو شَرَح لنا؛ إنّه الواقع الملموس ولا يأتينا -سبحانه- بكلام خبري أو إنشائي، قد تقول: يحدث أو لا يحدث، إنّه يأتيك بأحداث من واقع الكون، وينبهنا: إياكم أن تكونوا مثلهم، فقال: {مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46] والتحريف: أنك تأتي باللفظ الذي يحتمل معنيين: معنى خير، ومعنى شرّ، ولكنك تريد منه الشرّ، مثل الذي يقول: "السام عليكم -والعياذ بالله-" هي في ظاهرها أنه يقول: السلام عليكم، لكنه يقول: السام.

يعني "الموت"، إذن: ففي اللفظ ما يُلحظ مَلحظ الخير، ولكن العدو يُميله إلى الشرّ.

ومثل هذا ما قالوه للنبي: "راعنا" وهي من المراعاة، لكنهم كانوا يأخذونها من الرعونة، فيأتي الأمر: اترك الكلمة التي تحتمل المعنيين.

واقطع الطريق على الكلمة التي تحتمل التوجهين؛ لأن المتكلم، قد يريد بها خيراً وقد يريد بها شرّاً، فمعنى تحريف الكلام أي أن الكلام يحتمل كذا ويحتمل كذا.

والمثال على ذلك: الرجل الذي يذهب لخياط ليخيط له قَباء، وكان الخياط كريم العين -أي له عين واحدة- فلم يُعجب الرجُل بِخياطة القَباء فقال: والله ما دمتُ أفتضح بهذا الثوب الذي خاطه لي أمام الناس فلابد أن أقول فيه شعراً يفضحه في الناس.

فقال:
خاط لي عمرو قَباء ليت عينيه سواء

فقوله: ليت عينيه سواء يظهر ماذا؟

هل يا ترى يتمنى له أن تكون عينه المريضة مثل السليمة؟

أو يتمنى أن تكون العين السليمة مثل المريضة؟

إذن: فالكلام يحتمل الخير والشر، ومثلما حكوا لنا أن واحداً من الولاة طلب من الخطيب أن يَسُبَّ سيدنا عليّاً -كرَّم الله وجهه وآله- وأن يلعنهم على المنبر.

فقال الخطيب: اعفني.

فقال الوالي: لا، عزمت عليك إلاَّ فعلت. 

فقال له الخطيب: إن كنت عزمت عليّ إلاّ فعلتُ، فسأصعد المنبر وأقول: طلب مني فلان أن أسُبَّ عليّاً فقولوا معي: يلعنه الله. 

فقال له: لا تقل شيئاً.

فقد فهم الوالي مقصد الخطيب وقدرته على استعمال الكلام على معنيين. 

والحق يقول: {مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46]. 

وأريد أن تنتبهوا إلى أن أسلوب القرآن يأتي في بعض المواقع بألفاظ واحدة، ولكنه يعدل عن عبارة إلى عبارة، فيخيل لأصحاب النظرة السطحية أن الأمر تكرار، ولكنه ليس كذلك، مثلما يقول مرة: {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ} [البقرة: 16] ومرة لا يأتي بالهدى كثمن للضلالة ويقول: {يَشْتَرُونَ ٱلضَّلاَلَةَ} [النساء: 46]، ولم يلتفتوا إلى أن هدى الفطرة مطموس عندهم هنا، ومثال آخر هو قول الحق: {يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 41]. 

وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول سبحانه: {يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، فكأن المسألة لها أصل عندهم، فالكلام المنزل من الله وُضع -أولاً- وضعه الحقيقي ثم أزالوه وبدَّلوه ووضعوا مكانه كلاماً غيره مثل تحريفهم الرجم بوضعهم الحد مكانه.

أما قوله: {مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 41] فتفيد أنهم رفعوا الكلام المقدس من موضعه الحق ووضعوه موضع الباطل، بالتأويل والتحريف حسب أهوائهم بما اقتضته شهواتهم، فكأنه كانت له مواضع. 

وهو جدير بها، فحين حرفوه تركوه كالغريب المنقطع الذي لا موضع له، فمرة يبدلون كلام الله بكلام من عندهم، ومرة أخرى يحرفون كلام الله بتأويله حسب أهوائهم. 

{وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [النساء: 46]. 

فهم يقولون قولاً مسموعاً{سَمِعْنَا} [النساء: 46] ثم يقولون في أنفسهم "سمعنا وعصينا". 

فقولهم: "سمعنا وعصينا" ففي نيتهم{عَصَيْنَا} [النساء: 46]، إذن فقولهم{سَمِعْنَا} [النساء: 46] يعني سماع أذن فقط. 

أما: {عَصَيْنَا} [النساء: 46] فهي تعني: عصيان التكليف، وهم قالوا بالفعل سمعنا جهراً وقالوا عصينا سِرّاً أو هم قالوا: سمعنا، وهم يضمرون المعصية،{وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} [النساء: 46] ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يُسْمِعُكم، بدليل أنكم قلتم: سمعنا، فماذا تريدون بقولكم: اسمع؟

هل تطلبون أن يسمع منكم لأنه يقول كلاماً لا يعجبكم وستردون عليه، أو أنتم تريدون استخدام كلمة تحتمل وجوهاً فتقلبونها إلى معانٍ لا تليق، مثل قولكم: {غَيْرَ مُسْمَعٍ} [النساء: 46] ما يسرّك، أو{غَيْرَ مُسْمَعٍ} [النساء: 46] أي لا سمعت؛ لأنهم يتمنون له -معاذ الله- الصمم، وقد تكون سباباً من قولهم: أسمع فلان فلاناً إذا سبّه وشتمه، فالكلام محتمل. 

{وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ} [النساء: 46] لم يقولوا: {رَاعِنَا} [النساء: 46] من الرعاية بل من الرعونة، فقال: لا، اتركوا هذا اللفظ؛ لأنهم سيأخذون منه كلمة يريدون منها الإساءة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و "اللي": هو فتل الشيء، والفتل: توجيه شقي الحبل الذي تفتله عن الاستقامة، وهذا الفتل يعطيه القوة، وهم يعملون هذه العمليات لماذا؟

لأنهم يفهمون أنها تعطي قوة لهم. 

{لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ} [النساء: 46]، وما داموا يلوون الكلام عن الاستقامة فهم يريدون شرّاً، لأن الدين جاء استقامة، فساعة يلويه أحد فماذا يريد؟.

إنه يريد: {وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ} [النساء: 46]،{وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا} [النساء: 46]، وبدلاً من إضمار المعصية يقولون: {وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا} [النساء: 46] بدلاً من: {رَاعِنَا} [النساء: 46]، فـ: {ٱنْظُرْنَا} [النساء: 46] لا تحتمل معنى سيئاً.

إذن: فمعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبر أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن خصومه يأتون بالألفاظ محتملة لذم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لذلك يوضح: احذروا أن تقولوا الألفاظ التي يقولونها؛ لأنهم يريدون فيها جانب الشر وعليكم أن تبتعدوا عن الألفاظ التي يمكن أن تحول إلى شرّ.

فلو قالوا{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن} [النساء: 46]، وساعة تسمع كلمة "لكن" فلتعلم أن الأمر جاء على خلاف ما يريده المشرع؛ لأنه يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ} [النساء: 46]، لكنهم لم يقولوا، إذن فالأمر جاء على خلاف مراد المشرع. 

{وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} [النساء: 46] و "اللعن" هو: الطرد والإبعاد، فهل تجنَّى الله عليهم في لعنهم وطردهم؟

لا.

هو لم يلعنهم إلا بسبب كفرهم، إذن فلا يقولن أحد: لماذا لعنهم الله وطردهم وما ذنبهم؟

نقول: لا، هو سبحانه لعنهم بسبب كفرهم، إذن فالذي سبق هو كفرهم، وجاء اللعن والطرد نتيجة للكفر. 

{وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 46]. 

وساعة تسمع نفي حدث "لا يؤمنون" ثم يأتي استثناء "إلا"، فهو يثبت بعض الحدث، تقول مثلاً: لا يأكل إلا قليلاً، كلمة "لا يأكل" نفت الأكل، "وإلا قليلاً" أثبتت بعض الأكل، فهو سبحانه يقول: {فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 46]. 

والإيمان حدث يقتضي محدثاً هو: مَنْ آمن، إذن: فعندي حدث وفاعل الحدث، فساعة تسمع استثناء تقول: هذا الاستثناء صالح أن يكون للحدث، وصالح أن يكون لفاعل الحدث، كلمة: {فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 46] تعني: فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً؛ لأنهم يؤمنون قليلاً بالصلاة، وبأنهم لا يعملون يوم السبت، أما بقية مطلوبات الإيمان فليست في بالهم ولا يؤدونها، أو فلا يؤمنون إلا قليلاً فقد يكون بعض منهم هو الذي يؤمن، وهذا صحيح عندما نقوله؛ لأن بعضاً منهم آمن بالفعل، ونجد أيضاً أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فيكون إيمانهم قليلاً بالحدث نفسه.

وهناك أناس منهم بعدما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتُلي القرآن ورأوا صورته فوجدوه مثلما وُصف عندهم تماماً فآمنوا، ولكن هل آمن كل يهود، أو آمن قليل منهم؟

آمن قليل منهم مثل: عبد الله بن سَلاَم، وكعب الأحبار، إنما عبد الله بن صُورْيَا، وكعب بن أسد، وكعب بن الأشرف وغيرهم من اليهود فلم يؤمنوا. 

إذن: فإن أردت أن بعضاً "قليلاً منهم" هو الذي آمن فهذا صحيح، ويصح أيضاً أن الكافرين منهم كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وفي ذلك تعبير من الحق سبحانه وتعالى نسميه "صيانة الاحتمال"؛ لأن القرآن ساعة ينزل بمثل هذا القول فمن الجائ -وهذا ما حدث- أن هناك أناساً من اليهود يفكرون في أنهم يعلنون الإيمان برسول الله، فلو قال: "فلا يؤمنون" فقد لكان من الصعب عليهم أن يعلنوا الإيمان - لكن عندما يقول: {إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 46] فالذي عنده فكرة عن الإيمان يعرف أن الذي يخبر هذا الإخبار عالمٌ بدخائل النفوس، فصان بالاحتمال إعلان هؤلاء القلة للإيمان.

ويقول الحق بعد ذلك: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ...}.



سورة النساء الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 046-050   سورة النساء الآيات من 046-050 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 11:36 pm

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [٤٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نعلم أن كل التشريعات التي جاءت من السماء لا يوجد فيها تضارب؛ فالمشرع واحد، ولن يشرع اليوم شريعة ثم يأتي رسول آخر يشرع شريعة أخرى جديدة.

فأصول الأديان كلها التي جاء بها ركب الرسالات واحدة، ولا تختلف إلا في بعض الأحكام التي تتطلبها ظروف العصور، وفي التشريع الواحد تتطور الأحكام وخصوصاً ما يتعلق بالعادات، وما كان الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده يأتي لمسألة من المسائل تعرض الناس فيها لعادة فتمكنت منهم تلك العادة، وأصبحت تقودهم أن يفعلوها ثم يأتي لينهيها بكلمة، لم تأت الكلمة الفصل إلا في العقيدة، لكن المسائل التي تحتاج لينهيها بكلمة، لم تأت الكلمة الفصل إلا في العقيدة، لكن المسائل التي تحتاج إلى التعود فالحق يتلطف في أن يخرجها خروجاً ميسوراً، بمعنى أنه يجعلها مرحليات كي لا توجد فجوة الانتقال.

ويمكننا أن نشبه فجوة الانتقال: مثلما يكون هناك مَنْ يدخن السجائر، ويصل معدل تدخينه في اليوم مائة سيجارة، فإذا قلنا له: اجعله خمسين سيجارة، ثم ثلاثين، وهكذا، وبذلك نكون قد وزعنا عادته على بعض الزمن، وبدلاً من أن تكون المسافة بين السيجارة والسيجارة عشر دقائق أو نصف ساعة فلنجعلها ساعة فنكون قد كسرنا جزءاً من الاعتياد، وكذلك مرحليات الأمور الاجتماعية التي تنشأ من رتابة التعود.

إن الحق سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ} [النساء: 47]. 

فالحق يوضح: لم نأت بحاجة جديدة، بل كلها مما عندكم.

قد يقول قائل: ما دامت مما عندهم فما الداعي لها؟.

نقول: لأن هناك جديداً في أقضية العصر التي لم تكن موجودة عندهم، والذي زاد هو معالجة تلك الأقضية الجديدة، ولكن أصل الإيمان موجود بالقرآن المعجز الذي ينزل من السماء؛ بالمعجزة بالتوحيد، والقضايا العقدية، كل هذه لا يوجد فيها خلاف.

{يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ آمِنُواْ} [النساء: 47]، وكلمة{أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ} [النساء: 47] إلزام لهم بالحجة، وتعني: نحن لا نكلمكم بكلام لا تعرفونه؛ لأنه يقول: {مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ} [النساء: 47] إنّهم يعلمون ما معهم جيداً، فكان من الواجب أن يقارنوا ويوازنوا ما جاء لهم من جديد على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما عندهم، فإن وجدوه مصدقاً لما عندهم فقد انتهت المسألة.

ثم انظر إلى التهديد{مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47]، سبحانه يناديهم: بادروا، كما نقول مثلاً: "الحق نفسك وآمن" ويقول الحق: {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ} [النساء: 47].   

والطمس هو: المحو.

فالشيء الذي طُمس هو الذي مُحي بعدما كان شيئاً مميزاً، وكلمة "وجوه" وردت في القرآن بمعانٍ متعدددة، فتطلق مرة في البدن على ما يواجه وهو "الوجه" كما في قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]. 

ونطلق الكلمة مرة على القصد والنية والوجهة، قال تعالى: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} [البقرة: 112]. 

و "أسلم وجهه" تعني قصده ووجهته ونيته.

إذن: فمرة يطلق الوجه على الوجه الذي به المواجهة، ومرة يطلق على القصد، وما العلاقة بين القصد، والنية، والوجه؟

لأن الإنسان إذا قصد شيئاً اتجه إليه بوجهه، وسار له، إذن فالوجه يطلق على هذه الجارحة "الوجه"، ويطلق على القصد والنية، وما دام يطلق بإطلاقين فيطلق على الوجه المعروف فينا، ويطلق على القصد والنية التي توجهنا فالاثنان يصحان.

وقوله: {نَّطْمِسَ وُجُوهاً} [النساء: 47] لأنه سبحانه أوضح: أنا مكرمكم وجعلت لكم سمات تميزكم، بشكلها: حواجب، وعينين، وأنفاً جميلاً، وفماً، بحيث إنك لو أردت أن تخلق هذه الخلقة، لما استطعت، وسبحانه يعلن: أنا أقدر أن أطمس هذه الوجوه التي تميزكم، بحيث أردها على الأدبار، فيكون الوجه مثل القفا، وتصبح كقطعة اللحم، هذا إن أردنا بقوله: {نَّطْمِسَ وُجُوهاً} [النساء: 47]، الوجه الذي في البدن.

وإن أردنا بالوجه "القصد" نقول: الذين يشترون الضلالة، والذين يريدون أن تضلوا السبيل، والذين يحرفون الكلام عن مواضعه، والذين يقولون: "راعنا"، والذين يقولون: "اسمع غير مسمع".

أليس لهم وجهة؟

وما وجهتهم في هذا الموقف وما قصدهم؟

إن قصدهم هو صرف أنفسهم وصرف الناس عن اتباع محمد، فكأنه يقول لهم: بادروا وآمنوا قبل أن نطمس ونمحو قصدكم فلا يصل إلى منتهاه مِنْ صدكم عن الإيمان برسول الله، الحقوا أنفسكم قبل أن يحدث ذلك ونلعنكم ونطردكم من رحمتنا، ولذلك نجد سيدنا عبد الله بن سلام عندما سمع الآية، ذهب إلى رسول الله ويده على وجهه وقال: والله لقد خفت قبل أن أسلم أن يُطْمس وجهي.

وهذا دليل على أنه آمن بأن الذي قال هذا الكلام قادر على الإنفاذ.

وفي عهد سيدنا عمر -رضي الله عنه- نجد كعب الأحبار يذهب له، ولم تكن الآية قد بلغته، فلما بلغته ذهب إلى سيدنا عمر وهو واضع يده على وجهه خائفاً أن يُطمس وجهه قبل أن يعلن إسلامه.

وذلك دليل على يقينه من أن الذي قال هذا الكلام قادر على الإنفاذ.

وقد يقول قائل: ولكنْ منهم أناس لم يؤمنوا ولم يحدث لهم هذا الطمس.

نقول: أهو قال سنطمس الوجوه فقط؟

لا، بل قال أيضاً: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ} [النساء: 47] ويكفي أن هناك أناساً اعتقدوا أن الطمس قد يجيء وهم من وجوه أهل الكتاب ومن أحبارهم، فالذين آمنوا برسول الله من هؤلاء كانوا يعلمون كيد اليهود، فسيدنا عبد الله بن سلام قبل أن يسلم قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا أحب أن أُسلم، ولكني أخشى إن أسلمت أن يقول اليهود فيَّ شرّاً فقبل أن أُسلم أسألهم عني، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبار اليهود: ماذا تقولون في عبد الله بن سلام؟

قالوا: سيدنا وابن سيدنا وعالمنا وحبرنا ومجَّدوه، فلما سمع ابن سلام منهم هذا الكلام قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فقالوا: هو ابن كذا وابن كذا وسبُّوه، فقال ابن سلام: يا رسول الله، ألم أقل لك: إنهم قوم بهت.

فقد روي أن عبد الله بن سلام لما سمع بمقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاه فنظر إلى وجهه الكريم فعلم أنه ليس بوجه كذاب، وتأمَّله فتحقق أنه النبي المنتظر، فقال له: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول شرائط الساعة؟

وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟

والولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟

فقال عليه السلام: "أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإن سبق ماء الرجل نزعه، وإن سبق ماء المرأة نزعته" فقال: أشهد أنك رسول الله حقاً فقام ثم قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت فإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك، فجاءت اليهود فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ رجل عبد الله فيكم؟

فقالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله؟

قالوا أعاذه الله من ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه، قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وأحذر.

قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10].

{مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ} [النساء: 47] فإن أردنا طمس الوجه حقيقة، فهو الأمر الذي خاف منه عبد الله بن سَلام وكعب الأحبار، هذا ذهب إلى رسول الله وذاك ذهب إلى عمر، وكل منهما كان يمسك وجهه خشية أن يطمس، إذن فقوله: {نَّطْمِسَ وُجُوهاً} [النساء: 47] أي نجعلها مثل "القفا" مجرد قطعة لحم من غير تمييز، أو نحول بينهم وبين قصدهم أي لا نمكنهم من الوصول إلى ما يريدون من صدهم الناس عن الإيمان برسول الله،{مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ} [النساء: 47] أو أن نطردهم من رحمتنا ومن ساحة إيماننا، فيقول الحق: {خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ} [البقرة: 7].  ما داموا هم قد كفروا نقول لكل منهم: ألم تكن تريد أن تكفر؟

والله سيزيد لك الختم على قلبك وسنعينك على هذه الحكاية أيضاً، قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً} [البقرة: 10]. 

فإذا كنت أنت تريد هذه فسنعطيك ما في نفسك: {فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ} [النساء: 47] وسبحانه يخاطب اليهود، واليهود يعرفون قصة السبت ويعرفون أنها واقعة حدثت، وطردهم الله وأهلكهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً عظيماً.

إذن فهو لا يأتيهم بمسألة وعيد بدون رصيد، لا، فهذا وعيد يسبقه رصيد، أنتم -يا معشر يهود- تؤمنون به وتذكرونه وله تاريخ عندكم، {كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ} [النساء: 47]، وقصة أصحاب السبت معروفة وإن كانت ستأتي في سورة أخرى، و "السْبت" وهو السكون والراحة، ومنه السُّبات أي النوم، فسبت يسبت يعني سكن واستقر وارتاح.

{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ} [النساء: 47]، واللعن قالوا فيه: إنه الطرد والإهانة، وقالوا في معناه: إنه الإهلاك.

والذين يحاولون أن يشككوا في مفهومات آيات القرآن يقولون: أنتم لا تقفون عند معنى واحد للكلمة، إما أن يراد كذا، وإما أن يراد كذا.

نقول لهم: أنتم ليست لكم ملكة في اللغة حتى وإن تعلمتم اللغة فتعلُّمكم للغة تعلم صنعة لا تعلم ملكة.

وتعلم الصنعة يعطيك القاعدة ولكن لا يعطيك قدرة وضع اللفظ في معناه الحقيقي ولا بيان المراد منه، واللعن -إذا كان معناه الطرد- كان يجب أن تفهموا أن الطرد يقتضي طارداً، ويقتضي مطروداً، ويقتضي مطروداً منه.

ومَنْ الذي يَطْرد؟

ومن الذي يُطرد؟

وعن أي شيء يُطرد؟

حين تأخذون المعنى على هذا الوضع لا تجدون غضاضة في أن تتعدد معاني الطرد.

فهب أنك تجلس للأكل ثم جاءك كلبك الذي تعتز به للحراسة ليحوم حول مائدتك، ماذا تصنع له؟

تطرده عن المائدة، ذلك طرد، وهب أنّ ابنك مثلاً صنع شيئاً وعندك ضيوف فأردت أن تخرجه من المجلس وقلت له: اذهب عند أمك، هذا طرد.

وإذا كان ذنب الابن كبيراً ولك سيطرة فأنت قد تخرجه من البيت فلا يجلس فيه، وهذا طرد، وإذا كان ذنب الابن لا يُحتمل فأنت تخرجه من القرية، وهذا طرد، فإذا كان هناك إنسان قد أذنب ذنباً كبيراً وكنت صاحب قوة نافذة فأنت تخرجه من الحياة كلها فتكون قد أبعدته من الحياة كلها.

إذن: فكل ذلك طرد.

فإن أردنا الخزي والهوان يتأتى اللعن، وإن أردنا الإهلاك فقد هلك منهم الكثير في المعارك ونالوا الخزي والهوان؛ لأننا سبينا نساءهم وبناتهم، وقهرناهم، وأهلكناهم، وأخرجناهم من ديارهم إلى بلاد الشام وإلى أذرعات، وأهلكهم الله بالموت.

إذن: فكل معاني الطرد تتأتى.

فقد جاء يمس كل الذي حدث لهم، ولكنه يختلف باختلاف الطارد، وباختلاف المطرود، وباختلاف المطرود منه.

وحين يقول الحق: {كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ} [النساء: 47] فهذا يدل على أن اللعن له أشياء مختلفة، أنا سآخذ منها لعن أصحاب السبت، والسبت يوم من أيام الأسبوع، أي وحدة زمنية في الأسبوع، ونلحظ أن بقية أيام الأسبوع السبعة فيها إشارات إلى العدد، يوم الأحد يعني واحداً ويوم الاثنين تعني اثنين.

وهكذا في الثلاثاء والأربعاء والخميس، ففيه خمسة أيام بأعداد موجودة إلا يومين اثنين لم يؤثر فيهما العدد: يوم "الجمعة"، ويوم "السبت"، وهذان اللفظان أخذا معاني غير العددية، ولكنهما يأخذان معنى العددية بالبعدية أو القبلية. يعني: عندما نقول مثلاً "الخميس" فيكون يوم الجمعة يعني "ستة"، إنما لم يقل "ستة" وقال "الجمعة" ويوم "السبت" يكون سبعة، إذن فأنت تستطيع أن تضع العدد البعدي بعد الأعداد: واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، لكننا نجد أن لهما اسمين مختلفين؛ لأن في كل واحد منهما حدثاً غلب العددية.   

فـ "الجمعة" للاجتماع، فتركنا كلمة "ستة" وأخذنا بدلاً منها "الجمعة"، و "السبت" للسكون؛ لأن مادتها في اللغة: سبت يسبت، أي سكن وهدأ ولم يتحرك، مثل قول الحق: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} [النبأ: 9]. 

أي سكوناً وهدوءاً.

والحق سبحانه وتعالى حين يريد ابتلاء بعض خلقه ليعْلَم منازلهم من الإيمان واليقين والانصياع لأوامر الحق، يأتي فيحرم حدثاً في زمن وهو مباح في غير ذلك الزمن، فقد يحرم الصيد في أحد الأيام وكان مسموحاً بأن يصطادوا في كل يوم.

وكانوا يأتون بالسمك كرزق من البحر، فجاء في هذا اليوم خصوصاً وقال لهم: لا تصطادوا في هذا اليوم، أي أن يسكنوا عن الحركة، هذا هو "السبت" بمعنى السكون، و{أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ} [النساء: 47] هم الجماعة الذين اجتمعوا على حادثة تتعلق بالسبت أو تتعلق بالسكون، أي تتعلق بعدم العمل وبعدم الحركة، وقضية أصحاب السبت شرحها الحق وتكلم عنها إجمالياً في سورة البقرة: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ} [البقرة: 65]. 

وقوله هنا: {كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ} [النساء: 47]، لكن القصة بالتفصيل ذكرها الحق سبحانه وتعالى وقال مخاطباً رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالله الآمر، والرسول هو الذي سأله الله أن يسأل، والمسئولون هم أصحاب الحكاية وهم اليهود، وحين يطلب الحق خبراً مؤكداً من الأخبار، قد يلقيه خبراً فيصدقه أهل اليقين الذين يثقون في الله ويصدقونه، وقد لا يتركه خبراً، بل يأتي به في صيغة الاستفهام؛ لأنه واثق أن المستفهم منه لا يجد جواباً إلا الحق الذي يريده سبحانه وتعالى، وعندما يقول ربنا لنبيه: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163]. 

ذلك حدث لا يستطيعون إنكاره، وكان من الممكن أن يقص الله الحدث من عنده، ولكنه يريد أن يوثق الحدث توثيقاً لا يحتمل إنكار منكر ولا مكابرة مكابر، فأوضح: أنا لا أقول عن الحدث، ولكن يا محمد اسألهم أنت عن هذه الحادثة فسيكون جوابهم جواباً مطابقاً لما حدث؛ لأنها مسألة واضحة لا تنكر.

{وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ} [الأعراف: 163] وكلمة "قرية" نأخذها من "القِرَى".

والقِرَى هو أن تكرم واحداً مقبلاً عليك كضيف مثلاً، ولكن ليس عندك ما يعطيه "قرى كاملاً" أي ما يقيم حياته لأيام أو شهور، بل عندك "قَرية واحدة"، أي أكلة واحدة تكفيه لوجبة واحدة، فما دام قد مر عليك فأنت تعطيه قرية واحدة - وجبة واحدة - فإن كانت البلد "أم القرى": فيكون فيها حاجات كثيرة؛ أو لأنها أعظم القرى شأناً والقَرْية التي جاء ذكرها في سورة الأعراف يتم تعريفها بأنها: {حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ} [الأعراف: 163] والحاضر هو القريب.    

فيقال: حضر فلان أي أصبح على مقربة مني، و "الحاضرة" أيضاً هي: التي إن طلبت فيها شيئاً وجدته.

كما قال شوقي -رحمة الله عليه-:
ليلى بجانبي كل شيء إذن حضر

فكذلك "الحضر" معناه: أن كل حاجة فيها موجودة، أما البادية فحاجاتها تكون على قدر أهلها فقط، ولذلك فـ "حضر" ضد "بادية" وأخذوا منها "الحواضر" مثل العواصم الآن، إذن فقوله: {حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ} [الأعراف: 163] تأخذها بمعنى قريبة من البحر، أو أنها هي البلد المتحضر على البحر، أو الجامعة لأنواع الخير على البحر، وهي التي كانت بين "مدين" و "الطور" واسمها "أيلة".

وقصتهم: أن الله أراد أن يبتليهم بشيء وهو: تحريم الصيد في ذلك اليوم، وما دامت {حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ} [الأعراف: 163]، فرزقهم على الصيد، فقال: لا تصطادوا في هذا اليوم، ولكن الله حين يريد أن يحكم الابتلاء ليعلمَ علم إبراز لخلقه مدى تنفيذهم للابتلاء، وإلا فهو عالم ماذا سيفعلون.

فقال: لا تصطادوا في هذا اليوم.

قد يقول قائل: لماذا حرم هذا الحدث في ذلك الزمن؟

نقول له: أنت تريد أن تعلم من الله أن كل تحريم له مضارة، نقول لك: لا، فقد يكون تحريم ابتلاء واختبار، ولذلك قالتعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]. 

"الطيبات" هي الحلال، لكنهم هم فعلوا ما يستحقون عليه العقاب، فقلنا لهم: ما دمتم تجاوزتم حدودكم وأخذتم ما ليس حلاً، فجعلتموه حلاً فلا بد أن أجعل من الحل الذي هو لكم حراماً عليكم، هذه مقابل تلك، فلماذا اجترأت على محرم فأحللته؟

وما دمت قد فعلت ذلك ولم ترتض تحليلي وتحريمي فأنا سآخذ شيئاً من الذي كان حلاً لك وأحرمك منه.

إذن: فلا يتطلب من كل تحريم أن يكون فيه مضارة، إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يكون الإيمان له أصول ثابتة، ولذلك يقول: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ} [الحج: 11]. 

إذن: فالحق لا يريد من الناس أن يعبدوه على حرف؛ أي على طرف من الدين بل في وسطه وقلبه؛ أي أنهم على قلق واضطرابات في دينهم لا على سكون وطمأنينة، كالذي على طرف العسكر والجيش، فإن أحسّ بظفر ونصر وغنيمة سكن واطمأن، وإلاَّ فرّ وطار على وجهه.   

هو يريد منك إيماناً حقاً، ولذلك فبعض الناس يقول: سأزكي لأزيد من مالي.

نقول له: أخرج من بالك ظنك أن مالك سيزيد، بل أنت تزكي لأن الله طلب منك أن تزكي.  

أما أن يزيد مالك فهذا شيء آخر، فلعل الله يبتلي إيمانك ويريد أن يرى: أأنت مقبلٍ على الحكم لأن الله قاله، أم لأنه سيعطيك ربحاً زائداً؟

وسبحانه حين يعطي ربحاً زائداً ستزكيه أيضاً، لكن هو يريد مَنْ يقبل على الحكم لأنه سبحانه قد قاله.

وقد حرم الحق سبحانه وتعالى عليهم الصيد يوم السبت بظلم منهم، وكان من الجائز جداً ألاَّ يكون هناك مغريات على المخالفة، ولكنه أراد أن يبلوهم بلاءً حقاً فيأتي في اليوم المحرم فيه الصيد ويُكْثِر من السمك، ترى السمكة ظاهرة مثل شراع المركب، وهذا معناه إغراء بالمخالفة، فلو لم يظهر السمك في هذا اليوم لكانت المسألة عادية، لكنهم حين ينظرون السمك يجدونه قد "شرع" مثل المراكب سابحاً في الماء، {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ} [الأعراف: 163]. 

إذن: فالابتلاء جاء من أكثر من زاوية: يوم سبتهم تأتي الحيتان شُرَّعاً، وفي غير يوم السبت لا تأتي، وهذا الأمر يجعلهم في حالة قلق.

فلو كانوا على اليقين والإيمان لالتزموا بالأمر.

والله سبحانه وتعالى يريد أن يمحصهم التمحيص الدقيق، فماذا هم فاعلون؟

هم يريدون أن ينفذوا الأمر، إنما طمعهم المادي يصعب عليهم ألا يصطادوا هاذا السمك الذي يأتيهم يوم السبت، ولو أنهم وثقوا بعطاء الله في المنع لنجحوا في الاختبار.

ذلك أن الحق قد يجعل في المنع عطاء، لكن مَنْ الذي يتنبه لذلك؟

لم يقولوا: ما عند الله خير من هذا السمك الشُّرع الذي يأتينا ويلفتنا.

لكنهم احتالوا حيلاً، مثلاً: صنعوا من الأسلاك والحبال "مصايد" و "جُبًى".

و "ملاقف" يحجزون بها هذا السمك الشُّرع في الماء ثم يأتون في اليوم التالي فيجدونه محبوساً، وظنوا أنهم بذلك احتالوا على الله ولم يتفهموا معنى الصيد، فالصيد هو جعل السمك في حيازتك، وما دمت قد عملت بحيث تتمكن من حيازة السمك في أي وقت تكون قد اصطدت. 

إذن: فهم يحتالون على الله؛ ولذلك قال سبحانه: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163]. 

وما دام الواحد منهم يفسق ويحل لنفسه شيئاً حرمه ربنا عليه، فيوضح له ربنا: ما دمت قد فعلت ذلك فسوف أحرم عليك شيئاً أحللته لك؛ لأنك أعطيت لنفسك حرية في أن تُحل ما حرمت، فأنا سأحرم ما أحللت لك.

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]. 

وهذا دليل على وجود عناصر خير فيما بينهم، وقالت عناصر الخير: اتقوا الله.

فقال لهم آخرون: لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم، إذن فهناك ثلاث جماعات: جماعة خالفوا، وجماعة أرادوا أن يعظوهم كي لا يقعوا في المخالفة، وجماعة لاموا من يعظونهم وقالوا: دعوهم ليهلكهم الله أو يعذبهم، {ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} [الأعراف: 164]، فقالت الجماعة التي تعظ: نحن نريد بالوعظ أن يكون لنا عذر أمام الله بأننا لم نسكت على المنكر ونحن نعمل لأنفسنا.

{قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 164] وأيضاً فلعلهم يتقون ربّهم بترك ما هم فيه من المعصية والفسق.

فماذا حدث؟

يقول الحق: {فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165]. 

وما دام قد قال: "أنجينا"، فهناك مقابلها وهو "أهلكنا"، إذن فجاء هنا "اللعن" بمعنى الهلاك.

ويختم الحق الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47] نعم لأن الحق سبحانه وتعالى بقدرته الشاملة وصفات جلاله الكاملة، لا يتخلف شيء في وجوده عن أمره، فإذا وعد بشيء فلا بد أن يحدث، فأمر الله غير أوامر البشر، فأوامر البشر هي التي تتخلف أحياناً سواء أكانت وعداً أم وعيداً، لأنك قد تعد إنساناً بخير، ولكنك ساعة آداء الخير لا تستطيعه، فتكون قدرتك هي التي تحتاج إلى أداء الخير.

أو توعد إنساناً وتهدده بشرّ، وستعمل فيه كذا غداً، وقد يأتيك غداً مرض يقعدك فلا تستطيع إنفاذ وعيدك.

إذن: فأنت قد لا تستطيع إنفاذ شيء من وعدك ولا شيء من وعيدك؛ لأن قدرتك من الأغيار، وما دامت قدرتك من الأغيار فقد توجد أو لا توجد.

لكن الحق سبحانه وتعالى إذا قال بوعد أو قال بوعيد أيوجد شيء يغير هذا؟

لا، إذن فساعة يقول ربنا بوعد أو بوعيد فاعرف أن هذا سيحدث في الوعد، أما في الوعيد فإن الله قد يتجاوز عنه كرماً وفضلاً ما عدا الشرك بالله.

ونعرف أن الحق سبحانه وتعالى يوزع الأحداث على الزمن، فلا زمن يقيده؛ لأنه يملك كل الزمن، أما أنت كواحد من البشر فتتكلم عن الحدث حسب زمانه.

فإن كان هناك حدث قد حصل قبل أن تتكلم أنت عنه، فتقول: فعل "ماض".

أي أن الحدث قد وقع في زمن قبل زمن تكلمك، وإن كان الحدث يقع في وقت تكلمك، كان الفعل "مضارعاً"، والمضارع صالح للحال وللاستقبال، تقول: فلان يأكل.

وذلك يعني أنه يأكل الآن.

وإن قلت: "سيأكل" أي: أنه سيأكل بعد قليل، فإذا قلت عن أمر مستقبل إن هذا الأمر سيحدث، أتملك أنت أن يحدث؟

لا.

إذن فالكلام منك على الاستقبال قد يكذب وقد يصدق، لكن إذا قال الحق وأخبر عن أمر مستقبل وعبّر عنه بالفعل الماضي فمعنى ذلك أنه حادث لا محالة؛ ولذلك فالزمن عند ربنا مُلغى.  

وعندما نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 1]. 

و"أتى" هذه فعل ماض، وقوله: "أتى" يدل على أنه أمر قد حدث قبل أن يتكلم، وقوله: "فلا تستعجلوه" دلّ على أنه لم يحدث، فالذي يشكك في القرآن يقول: ما هذا الذي يقوله القرآن؟ 

يقول: "أتى أمر الله" وهو لم يأت؟

نقول له: هذا الكلام عندك أنت.

لكن إذا قال الله: إنه "أتى" فهو آتٍ لا محالة، فاحكم على الحدث المستقبل من الله على أنه أمر كائن كما يكون كائناً ماضياً، ما دام قال فلا رادّ لأمره.

"أتى أمر الله" فهي تعني سيأتي.

ولا توجد قدرة في خلقه تصرف مراده أو تعجزه عن أن يفعل.

وقوله سبحانه: {وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47] جاء لأنه قال من قبل: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ} [النساء: 47] هذه مستقبل.

وقد يقول قائل: أن{نَلْعَنَهُمْ} [النساء: 47] تعني أن اللعنة لم تأت وقد لا تحدث، ونقول: لا؛ لأن أمر الله كان مفعولاً، فإياك أن تأخذ "نلعن" هذه التي للمستقبل كي تطبقها عند ربنا، لأن الحق سبحانه وتعالى يوضح لك: أنت الذي عندك المستقبل، والمستقبل قد يقع منك أو لا يقع؛ لأنك لا تملك أسباب نفسك، تقول: سأعمل الشيء الفلاني غداً.

وقد يأتي غداً وتكون أنت غير موجود هذه واحدة، أو تقول: سأقابل فلاناً.

وفلان هذا قد لا يكون موجوداً فقد يموت، أو قد يتغير رأيك ويأتيك الشيء الذي كنت تطلبه قبل أن تتكلم مع ذلك الإنسان، أو قد تقول: أنا سأنتقم من فلان، وعندما يأتي وقت الانتقام يهدأ قلبك.

إذن: فأنت لا تملك شيئاً من هذا، فلا يصح أن تجادل؛ ولذلك يعلمنا الله الأدب مع الأحداث ومع الكون ومع المكوِّن، ويخرجنا عن أن نكون كذابين فيقول لرسوله: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ} [الكهف: 23-24]. 

يعلمك الحق ذلك حتى لا تكون كذاباً، فإن قلت: أنا فاعل ذلك غداً ثم لا تفعله، وما دمت لا تفعله فتكون كذاباً مجترئاً؛ لأنك افترضت في نفسك القدرة على الوجود.

وكل حدث من الأحداث مثلما قلنا: يحتاج إلى "فاعل"، ويحتاج إلى "مفعول" يقع عليه، ويحتاج إلى "زمن" ويحتاج إلى "سبب"، ويحتاج إلى "قدرة" تبرزه في المستقبل، قل لي بالله عليك: ماذا تملكه من عناصر الفعل؟

أنت لا تملك وجود نفسك ولا تملك وجود المفعول ولا تملك السبب، ولا تملك القدرة، ولا تملك شيئاً، فأدباً منك عليك أن تقول: "إن شاء الله" فإن لم يحدث تقول: أنا قلت إن شاء الله وهو لم يشأ، فتكون قد خرجت من التبعة، ولم تكن كذاباً.

إذن: فقول الحق: {وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47] لأنه قال: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ} [النساء: 47].

و "نلعن" هذا فعل مضارع ويأتي من بعد ذلك، فواحد قد يقول: إنه سبحانه قال: سيلعن، فهل ستتحقق اللعنة؟

نقول له: نعم؛ لأنه قال: {وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47]. 

وكذلك ساعة تقرأ أو تقول: {وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء: 99]. 

فعليك أن تضيف: ولا يزال غفوراً رحيماً، لأن صفة الرحمة لم توجد له ساعة وجد المرحوم، لا، بل معنى "رحيم" أنه سبحانه يرحم غيره والذي وُجد ليتلقى رحمته سبحانه إنما جاء بعد أزليَّة رحمة الله ومغفرته.

فسبحانه أزليّ قديم.

والصفة أزلية وقديمة بقدمه سبحانه قبل أن يوجد من يرحمه، وهو لا تأتيه أغيار.

وما دام سبحانه رحيماً قبل أن يُوجِدَ مرحوماً له فإذا أوجد مرحوماً له، أتنحلّ الصفة أم تبقى؟

إنها باقية دائماً فكان الله ولا يزال غفوراً رحيماً،{وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47] نعم، لأنه قد يفعله بأسبابه وقد يفعله بدون أسباب فالأمر متروك لمشيئته فإما أن يوجد الشيء من غير سبب أو يوجده بسبب، والشيء الموجود بالسبب مخلوق بالمسبّب فسبحانه خلق الأسباب.

وبعد ذلك ينقلنا الحق سبحانه إلى قضية عقدية أساسية في صلة الإنسان بالحق سبحانه وتعالى.

فيقول: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ...}.



سورة النساء الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 046-050   سورة النساء الآيات من 046-050 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 11:44 pm

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا [٤٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه من أرجى الآيات في كتاب الله، ولذلك فحينما سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما موجبات الإيمان؟

أي: ما الذي يعطينا الإيمان؟

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قال لا إله إلا الله دخل الجنة".

وعن عثمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة".

ونحن نقول إن مَنْ يشرك بالله فهو يرتكب الخيانة العقدية العظمى، وقد أخذنا هذا المصطلح من القوانين الوضعية، وإن كانت القوانين الوضعية ليس غرضها أن تؤكد قضايا دينية، لكن غفلتهم تجعلنا نلتقط منها أنها تؤكد القضايا الدينية أيضاً. 

هَبْ أن جماعة قاموا بحركة، وبعد ذلك استغل واحد منهم الحركة في نفع خاص له، وواحد آخر استغل الحركة في أن تكون له لا للآخر، أي ينقلب عليه، فالأول القائم على النظام يسميها خيانة عظمى، أما مَنْ لا يقاوم بغرض خلع الحاكم ولكنّه يظلم الناس فقد يعاقبه الحاكم على ما حدث منه وليس على الخيانة العظمى. 

إذن: ففي قانون البشر أيضاً خيانة عظمى، وفيه انحراف وهو الذي لا يتعرض للسيادة، لكن أي حركة تتعرض للسيادة يكون فيها قطع رقاب، وكل أمر آخر إنما يؤخذ بدرجة من العقوبة تناسب ذنبه. 

فالحق سبحانه وتعالى يوضح: أصل القضية الإيمانية أن الله سبحانه وتعالى يريد منكم أن تعترفوا بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له، وحين تعترف بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له.   

فأنت تدخل حصن الأمان. 

ولذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: "أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شَاكٍّ منهما إلا دخل الجنة".

وأبو ذر عندما قال للنبي في محاورة بينهما حول هذه الآية، قال له: "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟

قال وإن زنى وإن سرق، قلت وإن زنى وإن سرق؟

قال وإن زنى وإن سرق (ثلاثا) ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر.

لقد كان أبو ذر غيوراً على حدود الله، فهل ساعة قال رسول الله: على رغم أنف أبي ذر؛ هل هذه أحزنت أبا ذر؟

لا، لم تحزنه، ولذلك عندما كان يحكيها ويقولها: مَنْ قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن رغم أنف أبي ذر وهو مسرور، لماذا؟

لأنها فتحت باب رحمة الحق، لأنه إذا لم يكن هذا فما الفارق بين مَنْ اعتقدها وقالها وبين مَنْ لم يقلها؟

فلا بد أن يكون لها تمييز. 

وكل جريمة موجودة في الإسلام -والحق سبحانه قد جرَّمها- فهذا يعني أنها قد تحدث.

مثال ذلك، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38].

وهذا يعني أنه من الجائز أن يسرق المؤمن، وكذلك قد يزني في غفلة من الغفلات، وفي أسس الاستغفار يأتي البيان الواضح: من الصلاة للصلاة كفارة ما بينهما، الجمعة للجمعة كفارة، الحج كفارة، الصوم كفارة. 

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر".

أي أن ربنا قد جعل أبواباً متعددة للمغفرة وللرحمة، وهو سبحانه يقول: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وهذه المسألة ليست لصالحه إنما لصالحكم أنتم حتى لا تتعدد آلهة البشر في البشر ويرهق الإنسان ويشقى من كثرة الخضوع لكل من كان قوياً عنه، فأعفاك الله من هذا وأوضح لك: لا، اخضع لواحد فقط يكفك كل الخضوع لغيره، واعمل لوجه واحد يكفك كل الأوجه، وفي ذلك راحة للمؤمن. 

إن الإيمان إذن يعلمنا العزة والكرامة، وبدلاً من أن تنحني لكل مخلوق اسجد للذي خلق الكون كله بصفات قدرته وكماله، فلم تنشأ له صفة لم تكن موجودة هل أنتم زدتم له صفة؟

لا. 

فهو بصفات الكمال أوجدكم وبصفات الكمال كان قيوماً عليكم، فأنتم لم تضيفوا له شيئاً، فكونك تشهد أن لا إله إلا الله. 

ما مصلحتها بالنسبة لله؟

إن مصلحتها تكون للعبد فحسب. 

ولذلك قلنا: إن الحق سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يجتمعوا كل أسبوع مرة؛ لأنك قد تصلي فرضاً فرضاً في مصنعك أو في مزرعتك أو في أي مكان، إنما يوم الجمعة لا بد أن تجتمع مع غيرك، لماذا؟

لأنه من الجائز أنك تذل لله بينك وبينه، تخضع وتسجد وتبكي بينك وبين الله، لكنه يريد هذه الحكاية أمام الناس، لترى كل مَنْ له سيادة وجاه يسجد ويخشع معك لله. 

وفي الحج ترى كل مَنْ له جاه ورئاسة يؤدي المناسك مثلك، فتقول بينك وبين نفسك أو تقول له: لقد استوينا في العبودية، فلا يرتفع أحد على أحد ولا يذل له بل كلنا عبيد الله ونخضع له وحده. 

إذن فالمسألة في مصلحة العبد،{إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، لأنه لو غفر أن يشرك به لتعدد الشركاء في الأرض، وحين يتعدد الشركاء في الأرض يكون لكل واحد إله، وإذا صار لكل واحد إله تفسد المسألة، لكن الخضوع لإله واحد نأتمر جميعاً بأوامره يعزنا جميعاً. 

فلا سيادة لأحد ولا عبودية لأحد عند أحد، فقوله: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] هذا لمصلحتنا.

{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ} [النساء: 48].

وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: أتى وحشيٌّ وهو قاتل سيدنا حمزة في غزوة أُحد، أتى على النبي -صلى الله عليه وسلم-  فقال: يا محمد أتيتك مستجيراً فأجرني حتى أسمع كلام الله. 

فقال رسول الله: "قد كنت أحب أن أراك على غير جوار، فأما إذ أتيتني مستجيراً فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله قال: فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله وزنيت هل يقبل الله مني توبة؟

فصمت رسول الله حتى نزلت: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}.

فتلاها عليه فقال: أرى شرطاً فلعلِّي لا أعمل صالحاً، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48].

فدعا به فتلا عليه قال: فلعلِّي ممن لا يشاء، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت: {قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ}.

فقال نعم: الآن لا أرى شرطاً فأسلم".

إذن فالمسألة كلها تلطف من الخالق بخلقه، واعتبار عمليات الغفلة عمليات طارئة على البشر، وما دام الحق يقنن تقنينات فمن الجائز أنها تحدث، لكن إذا حدثت معصية من واحد ثم استغفر عنها، إياك أن تأتي بسيرتها عنده مرة أخرى وتذكره بها وافرض أن واحداً شهد زوراً، افرض أن واحداً ارتكب ذنباً، ثم استغفر الله منه وتاب. 

إياك أن تقول له: يا شاهد الزور؛ لأنه استغفر مَنْ يملك المغفرة، فلا تجعله مذنباً عندك؛ لأن الذي يملكها انتهت عنده المسألة.

 لماذا؟

لكيلا يذلّ الناس بمعصية فعلت، بل العكس؛ إنّ أصحاب المعاصي الذين أسرفوا على أنفسهم يكونون في نظر بعض الناس هيِّنين محقرين. 

ولذلك نقول: إن الواحد منهم كلما لذعته التوبة وندم على ما فعل كُتبت له حسنة، فعلى رغم أنه ذاق المعصية لكنه مع ذلك تاب عنها، وهذا هو السبب في أن الله يبدل سيئاتهم حسنات، وعندما نعلم أن ربنا يبدل سيئاتهم حسنات فليس لنا أن نحتقر المسرفين على أنفسهم، بل علينا أن نفرح بأنهم تابوا، ولا نجعل لهم أثراً رجعيا في الزلة والمعصية.

{وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48] و "الافتراء" هو الكذب المتعمد.

لأن هناك مَنْ يقول لك قضية على حسب اعتقاده، وتكون هذه القضية كاذبة، كأن يقول لك: فلان زار فلاناً بالأمس. 

هو قال ذلك حسب اعتقاده بأن قالوا له أو رأى أثر للزيارة، على الرغم من أن مثل هذه الزيارة لم تحدث فيكون كذباً فقط، أما الشرك فهو تعمد الكذب على الله وهذا يطلق عليه: {ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48] لأنه مخالف لوجدانية الفطرة، كأن وجدانية الفطرة تقول: لا تقل إلا ما تعرفه فعلاً وأنت متأكد بل عليك ألاّ تخالف فطرتك متعمداً وتجعل لله شريكاً.  والحق سبحانه وتعالى عندما يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. 

إما أن تكون هذه الكلمة صادقة فننتهي، وإما ألا تكون صادقة -والعياذ بالله- أي أن هناك أحداً آخر معه، الآخر سمع أن هناك واحداً يقول: لا إله إلا أنا. 

أسكت أم لم يسمع؟

إن لم يكن قد سمع فيكون إلهاً غافلاً، وإن كان قد سمع فلماذا لم يعارض ويقول: لا، لا إله إلا أنا، ويأتي بمعجزة أشد من معجزة الآخر ولم يحدث من ذلك شيء. 

إذن: فهذه لا تنفع وتلك لا تنفع، فـ "لا إله إلا الله" حين يطلقها الله ويأتي بها رسول الله ويقول الله: أنا وحدي في الكون ولا شريك لي، ولم ينازعه في ذلك أحد فالمسألة صادقة لله بالبداهة ولا جدال.

{وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48] والافتراء كما يكون في الفعل وفي الكلام ويكون في الاعتقاد أيضاً. 

"إثم عظيم"، وهذا يعني أن هناك إثما غير عظيم، "الإثم العظيم" هو الذي يُخلّ قضية عقدية واحدة في الكون تشمل الوجود كله هي أنه لا إله إلاّ الله.

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى عوْداً على هؤلاء اليهود: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ...}.



سورة النساء الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 046-050   سورة النساء الآيات من 046-050 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 11:56 pm

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [٤٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وتقدم أن أشرنا إلى قول الحق: {أَلَمْ تَرَ} [النساء: 49]، فإن كانت الصورة التي يخاطب عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرئية أمامه تكن الرؤية على حقيقتها، وإن لم تكن مرئية أمامه وكان مراد الحق سبحانه أن يعلمه بها وهي غير معاصرة لرؤياه فالحق يقول: {أَلَمْ تَرَ} [النساء: 49] يعني: ألم تعلم، وكأن العلم بالنسبة لخبر الله يجب أن يكون أصدق مما تراه العين؛ لأن العين قد تكذبه والبصر قد يخدعه.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49] و "التزكية" هي أولاً: التطهير من المعايب وهذا يعني سلب النقيصة، وبعد ذلك إيجاب كمالات زائدة فيها نماء، والتزكية التي زكُّوا بها أنفسهم أنهم قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18].

وجاء الرد عليهم في هذه القضية بقوله الحق: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة: 18].

يعني: إن كنتم أحباءه وأبناءه فلماذا يعذبكم؟

إذن فهذه قضية باطلة، ثم ما فائدة أن تقولوها لنا؟

أنملك لكم شيئاً؟

إذا كنتم تكذبونها على مَن يملك لكم كل شيء وهو الله -سبحانه- فما لنا نحن بكم؟

والتزكية التي فعلوها أنهم مدحوا أنفسهم بالباطل وبرأوا أنفسهم من العيوب وادعوا أنهم أبناء الله وهم ليسوا أبناء الله وليسوا أحباءه، وقالوا أيضاً: {لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ} [البقرة: 111].

وتلك أيضاً قضية باطلة، وهنا نسأل: هل إذا زكى الإنسان نفسه بحق تكون تلك التزكية مقبولة؟.

نقول: علينا أن نسأل: ما المراد منها؟

إن كان المراد منها الفخر تكن باطلة، لكن تكون التزكية للنفس واجبة في أمر يحتم ذلك. 

مثاله: عندما تركب جماعة زورقاً ويكون القائد أو من يجدف أو يمسك الشراع متوسط الموهبة، ثم قامت عاصفة ولا يقوي متوسط الموهبة على قيادتها هنا يتقدم إنسان يفهم في قيادة الزوارق أثناء العواصف ويقول لمتوسط الموهبة: ابتعد عن القيادة فأنا أكثر فهماً وكفاءة وقدرة منك على هذا الأمر ويزحزحه ويمسك القيادة بدلاً منه، هذه تزكية للنفس، وهي مطلوبة؛ لأن الوقت ليس وقت تجربة، وهو يزكي نفسه بحق، إذن: فهناك فرق بين التزكية بالباطل وبين التزكية بالحق.

ونحن نعلم قصة سيدنا يوسف، ونعلم قصة رؤيا الملك حيث رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف!! وكان المفروض العكس، انظر إلى الملحظية؛ لأن سنين الجدب ستأكل سنين الخصب، لكن مَنْ الذي يتنبه إلى رموز الرؤيا.

فتعبير الرؤيا ليس علماً.

بل هبة من الله يمنحها لأناس ويجعلهم خبراء في فك رموز -شفرة- الرؤيا، ودليل ذلك أن الملك قال هذه الرؤيا للناس فقالوا له: {قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} [يوسف: 44]، و "أضغاث" مفردها "ضغث" وهو الحشيش المخلوط والمختلف، لكنهم أنصفوا فقالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: 44].

لقد أنصفوا في قولهم.

لأن الذي يقول لك: لا أعلم فقد أفتى، فما دام قد قال: لا أدري فسيضطرك إلى أن تسأل سواه، لكن إن قال لك أي جواب فستكتفي به وتتورط، إذن فمن قال: لا أدري فقد أجاب.

فهم عندما قالوا: أضغاث أحلام فقد احتالوا واحتاطوا لأنفسهم أيضاً وقالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: 44]، وكان الحق سبحانه وتعالى قد صنع التمهيد ليوسف وهو في السجن عندما دخل عليه الفتيان: {وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 36].

ما الذي جعل الفتيين يعرفان أن يوسف المسجون هذا يعرف تأويل الأحلام؟

لقد قالا وأوضحا العلة: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36].

ومعنى ذلك أنهما شهدا سَمْته وسلوكه، وعرفا أنه إنسان مسالم، فلما حَزَبَهما واشتد عليهما أمرٌ يتعلق بذاتهما قالا: لا يوجد أحسن من هذا الإنسان نسأله، وقلت ولا أزال أكررها: إن القيم هي القيم، والصادق محترم حتّى عند الكذاب، والذي لا يشرب الخمر محترم عند مَنْ يشرب بدليل أنهما عندما حَزَبهما أمر قالا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36].

وهل يحكم واحد على آخر أنه محسن إلا إذا كان عنده مقياس يعرف به الحسن ويميزه عن القبح؟

وعندما قالا ذلك الأمر لسيدنا يوسف، كان من الممكن أن يجيبهما إلى تأويل رؤياهما، ولكن هذه ليست مهمته، بل فكر: لماذا لا يستغل هو حاجتهما إليه لأمر يتعلق بشخصيهما، وبعد ذلك ينفذ إلى مراده هو منهما قبل أن ينفذا إلى مرادهما منه، فهو نبي ومن سلالة أنبياء فأوضح لهما: وماذا رأيتما من إحساني؟

إن عندي أشياء كثيرة: {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا} [يوسف: 37].

فقد زكى نفسه، لكن انظروا لماذا زكى نفسه؟

هو يريد أن يأخذ بيدهما إلى ربه هو، بدليل أنه قال: {ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ} [يوسف: 37]. 

إذن فالتزكية هنا مطلوبة، وقد ردّها لله، وأعلن أن تلك ليست خصوصية لي، بل كل واحد من خلق الله يستطيع أن يكون مثلي: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ} [يوسف: 37].

وبعد ذلك قال: {وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38].

إذن: فمن الممكن أن تكونوا مثلي إذا ما اتبعتم هذا الطريق، بعد ذلك قال لهم: {أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ} [يوسف: 39].

أي: أإله واحد أحسن أم آلهة متعددة؟

فأنتم يا أصحاب الآلهة المتعددة جئتم لصاحب الإله الواحد مع أن التعدد -في الظاهر- يعطي القوة، لكن هذا التعدد أعطى الضعف؛ لأنكم يا أصحاب الآلهة المتعددة لجأتم إلى صاحب الإله الواحد: {أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ} [يوسف: 39].

إذن فهو زكى نفسه أمامهما لكي يأخذهما إلى جانب من زَكَّى، وهو الحق سبحانه وتعالى، وبعد ذلك عندما علم الملك قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي، ويكون مقرباً مني.

ثم بعد ذلك جاءت سنون الجدب التي تنبأ بها أولاً في تفسير الرؤيا، وأشار عليهم بضرورة الادخار من سنين الخصب لسنين الجدب، لقد كانت التجربة إخباراً لأشياء ستحدث، فلما وقعت علم أن المسألة ليست تجارب بل هي مسألة دقيقة، فقال للملك: {ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ} [يوسف: 55].

إذن فقد زكى نفسه، وجاء بالحيثية: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].

لأن هذه المسألة تحتاج حفظاً وعلماً، فهي أمر غير خاضع للتجريب، فيجرب واحد فيخيب، ويجرب آخر فيخيب، لا، إنها تحتاج لحفظ وعلم، ومثال ذلك أيضاً عندما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقسم الغنائم، قال له المنافقون: اعدل يا محمد! فيقول لهم: والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض، فهو يزكي نفسه، إذن: فمتى تكون التزكية مطلوبة؟

أولاً: أن تكون بحق، وأن يكون لها هدف عند مَنْ يعلم التزكية وإلى مَنْ يعطيك التزكية ويثني عليك بما فيك وما أنت أهل له فتكون هذه تزكية صحيحة؛ ولذلك يقول الحق: {فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ} [النجم: 32].

لأنك تزكي نفسك عند الذي سيعطي الجزاء وهو يعلم، إذن: فمن الحمق أن يزكي الإنسان نفسه في غير المواقف التي يحتاج فيها الأمر إلى تزكية تكون لفائدة المسلمين لا لفائدته الخاصة، والحق يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49].

إنّ الحق سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، فمن الممكن أن واحداً يتصنع ويتكلف في نفسه مدّة من الزمن أمامك، لكن هناك أشياء أنت لا تدركها، لكن ربنا عندما يزكي تكون تزكيته عن علم وعن خبرة، ومع ذلك أحين يزكون أنفسهم، أهذه محت حسناتهم؟

لا.

فعل الرغم من أنهم زكوا أنفسهم فالحق لن يأخذهم هكذا، ويضيع حسناتهم ولكنهم{وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49] وهذه مطلق العدالة.

ونعرف أن القرآن نزل بلسان عربي على نبي عربي، والذين باشروه أولاً عرب، ونعرف أن أغلب إيحاءاته كانت متوافقة مع البيئة، وكان عندهم "النخل" وهي الشجرة المفضلة؛ لأنها شجرة لا يسقط ورقها، وكل ما فيها له فائدة، فلا يوجد شيء في النخلة إلا وفيه فائدة.   

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثَلُ المسلم، حدثوني ما هي؟

فوقع الناس في شجر البادية ووقع في نفسي أنها النخلة".

قال عبد الله فاستحييتُ، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هي النخلة" قال عبد الله: فحدّثْتُ أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا".

وللنخلة فوائد كثيرة، فكل ما نأخذه منها نجد له فائدة حتى الليف حولها يحمل الجريد نأخذه ونصنع منه مكانس وليفاً و "مقاطف" و "كراسي".

وحينما يطلب سبحانه وتعالى مثالاً على شيء معنوي فهو يأتي بالشيء المحس في البيئة العربية.

"ولا يظلمون فتيلاً" و "الفتيل" من "الفتلة" ومن معناها: الشيء بين الأصابع، فأنت حين تدلك أصابعك مهما كانت نظيفة يخرج بعض "الوساخات مِثل الفتلة"، أو "الفتيل" هو: الخيط في شق نواة البلحة ونواة التمرة، جاء سبحانه وتعالى في القرآن بثلاثة أشياء متصلة بالنواة.

بـ "الفتيل" هنا، وجاء بـ "النقير": وهو النقرة الصغيرة في ظهر النواة ومأخوذة من المنقار، كأنها منقورة، وجاء بـ "قطمير": وهي القشرة التي تلف النواة، مثل قشرة البيض الداخلية وهي قشرة ناعمة، إذن: ففي النواة ثلاثة أشياء استخدمها الله.

الفتيل و "النقير"، و "القطمير".

والحق يقول: {فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً} [النساء: 53].

إذن: فالحق سبحانه وتعالى أخذ من النواة ثلاثة أشياء ويعطينا من الشيء المحس أمامنا أمثالاً يراها العربي في كل وقت أمامه ويأخذ الحق أيضاً أمثالاً من السماء فيأتينا بمثل: "الهلال"، يقول في الهلال وهو صغير: {كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ} [يس: 39].

فسباطة البلح فيها شماريخ، وفيها يد تحمل الشماريخ، فهذا اسمه "العرجون"، والعرجون عندما يكون جديداً يكون مستقيماً، لكنه كلما قَدُمَ ينثني وينحني، فجاء لهم من الهلال في السماء وأعطاهم مثالاً له في الأرض: {كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ} [يس: 39]، والعرب قد أخذوا أمثالاً كثيرة.

لكن هناك حاجات قد لا يُنتبه إليها مثل قول العربي:
وغاب ضوء قُمَيْر كنت أرقبه
مثل القُلاَمَة قد قُدَّتْ من الظُّفر

فساعة تقص أظافرك تجدها مقوّسة.

لكن هذه المسألة لا يتنبه لها كل واحد، فهو جاء بشيء واضح وقال: {كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ} [يس: 39] إذن: فالحق سبحانه وتعالى حين يعطي مثالاً لأمر معنوي فهو يأتي من الأمر المحس أمامك ليقرب لك المعنى، وعندما تأكل التمرة لا تلتفت إلى الفتيلة مما يدل على أنها شيء تافه، والنقير والقطمير كذلك.

إذن: فربنا أخذ من النواة أمثلة، وأخذ من النخلة أمثلة كي يقرب لنا المعاني.

{وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49].

ويقول الحق بعد ذلك: {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ...}.



سورة النساء الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 046-050 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 046-050   سورة النساء الآيات من 046-050 Emptyالأربعاء 01 مايو 2019, 12:00 am

انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُبِينًا [٥٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقول الحق{ٱنظُرْ} [النساء: 50] هي أمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكل خطاب لرسول الله هو خطاب لأمته، وعرفنا من قبل أن "الافتراء": كذب متعمد{يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ} [النساء: 50] في قولهم عندما أرادوا أن يزكوا أنفسهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18].

وقولهم: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ} [البقرة: 111].

{ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 50]، لماذا؟

لأنك إن تكذب على مثلك ممن قد يصدقك فهذا معقول، لكن إن تكذب على إله فهذه قحة؛ لذلك قال الحق: {وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 50].

إذن: فالكذب مطلقاً هو إثم والكذب المبين: هو الكذب على الله، والمهم أنه لم يُفدك.

ثم يقول الحق بعد ذلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ...}.



سورة النساء الآيات من 046-050 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 046-050
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 076-080
» سورة النساء الآيات من 156-160
» سورة النساء الآيات من 081-085
» سورة النساء الآيات من 161-165
» سورة النساء الآيات من 006-010

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: النساء-
انتقل الى: