منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة آل عمران الآيات من 011-015

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: سورة آل عمران الآيات من 011-015   سورة آل عمران الآيات من 011-015 Emptyالسبت 20 أبريل 2019, 4:35 am

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [١١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وساعة تسمع "كدأب كذا" فالدأب هو العمل بكدح وبلا انقطاع فنقول: فلان دأبه أن يفعل كذا أي هو معتاد دائماً أن يفعل كذا.       

أو نقول: ليس لفلان دأب إلا أن يغتاب الناس.       

فهل معنى ذلك أن كل أفعاله محصورة في اغتياب الناس، أو أنه يقوم بأفعال أخرى؟

إنه يقوم بأفعال أخرى لكن الغالب عليه هو الاغتياب، وهذا هو الدأب.       

فالدأب هو السعي بكدح وتوالٍ حتى يصبح الفعل بالتوالي عادة.       

إذن فقوله الحق: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [آل عمران: 11] أي كعادة آل فرعون.       

وآل فرعون هم قوم جاءوا قبل الرسالة الإسلامية، وقبلهم كان قوم ثمود وعاد وغيرهم. 

ويلفتنا الحق سبحانه إلى أن ننظر إلى هؤلاء ونرى ما الذي حدث لهم، إنه سبحانه لم يؤخر عقابهم إلى الآخرة؛ لأنه ربما ظن الناس أن الله قد ادخر عذاب الكافرين إلى الآخرة؛ لأنه قال: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ} [آل عمران: 10].       

لا، بل العذاب أيضاً في الدنيا مصداقاً لقوله الحق: {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ} [الرعد: 34].       

إن العذاب لو تم تأجيله إلى الآخرة لشقي الناس بالأشقياء، لذلك يأتي الله بأمثلة من الحياة ويقول: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [آل عمران: 11] أي كعادة آل فرعون، ولا تصير مسألة عادة إلا بالكدح في العمل، وكان دأب آل فرعون هو التكذيب والطغيان وادّعاء فرعون الألوهية.       

ويقول سبحانه: {وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [آل عمران: 11] فصار الدأب منهم، ومما وقع بهم، فإذا كانوا قد اعتادوا الكفر والتكذيب فقد أوقع الله عليهم العذاب.       

لقد كان دأب آل فرعون هو التكذيب، والخالق -سبحانه- يجازيهم على ذلك بتعذيبهم، ولتقرأ إن شئت قول الحق سبحانه وتعالى: {وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ * وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ} [الفجر: 1-14].       

فدأبهم التكذيب وجزاء الله لهم على ذلك هو العذاب والعقاب.       

إذن فقوله الحق: {فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [آل عمران: 11] أي أوقع بهم العذاب في الدنيا، وكانت النهاية ما كانت في آل فرعون وثمود ومَن قبلهم من القوم الكافرين.       

وعندما تسمع قول الله: {وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [آل عمران: 11] فالذهن ينصرف إلى أن هناك ذنباً يستحق العقاب.       

وكل الأمور من المعنويات مأخوذة دائماً من المُحسَّات؛ لأن الأصل في إيجاد أي معلومات معنوية هو المشاهد الحسِّية، وتُنقل الأشياء الحسّية إلى المعنويات بعد ذلك.       

لماذا؟

لأن الشيء الحسِّي مشهود من الجميع، أما الشيء المعنوي فلا يفهمه إلا المتعقلون، والإنسان له أطوار كثيرة.       

ففي طور الطفولة لا يفهم ولا يعقل الإنسان إلا الأمر المحسوس أمامه.       

وقلت قديماً في معنى كلمة "الغصب": إنه أخذ وسلب شيء من إنسان صاحب حق بقوة، وهذا أمر معنوي له صورة مشهدية؛ لأن الذي يسلخ الجلد عن الشاة نسميه غاصباً.       

ولنر كيف يكون أخذ الحق من صاحبه، إنه كالسلخ تماماً، فالكلمة تأتي للإيضاح.       

وكلمة "ذنب" وكلمة "عقوبة" مترابطتان؛ فكلمة "ذنب" مأخوذة من مادة ذنب؛ لأن المادة كلها تدل على "التالي" والذَنَب يتلو المقدمة في الحيوان.       

والعقاب هو ما يأتي عقب الشيء.       

إذن فهناك ذنب وهناك عقاب.       

لكن ماذا قبل الذنب، وماذا يتلو العقاب؟

لا يوجد ذنب إلا إذا وُجِدَ نص يُجرّم، فلا ذنب إلاّ بنص.       

فليس كل فعل هو ذنب، بل لابد من وجود نص قبل وقوع الذنب.       

يجرّم فعله؛ ولذلك أخذ التقنين الوضعي هذا الأمر، فقال: لا يمكن أن يعاقب إنسان إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص، فلا يمكن أن يأتي إنسان فجأة ويقول: هذا العمل جريمة يعاقب عليها.       

بل لابد من التنبيه والنص من قبل ذلك على تجريم هذا العمل.       

إنه لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص.       

فالنص يوضح تجريم فعل نوع ما من العمل، وإن قام إنسان بهذا العمل فإنه يُجّرم، ويكون ذلك هو الذنب، فكأن الذنب جاء تالياً لنص التجريم.       

والعقاب يأتي عقب الجريمة، وهكذا نجد أن كلاً من الذنب والجريمة يأخذان واقع اللفظ ومدلوله ومعناه؛ فالذَّنَبُ هو التالي للشيء.       

ولذلك يسمّون الدلو الذي يملأونه بالماء "ذَنُوبَاً" لأنه هو الذي يتلو الحبل.       

وأيضاً الجزاء في الآخرة: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات: 59].       

أي ذَنوباً تتبع، وتتلو جريمتهم.       

إذن فالنص القرآني في أي ذنب وفي أي عقاب يؤكد لنا القضية القانونية الإصطلاحية الموجودة في كل الدنيا: إنه لا عقوبة دون تجريم.       

فكان العقابُ بعد الجريمة أي بعد الذنب، والذنب بعد النص، فلا نأتي لواحد بدون نص سابق ونقول له: أنت ارتكبت ذنباً.       

وهذه تحل إشكالات كثيرة، مثال ذلك: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48].       

إن الله يغفر ما دون الشرك بالله، فالشرك بالله قمة الخيانة العظمى؛ وهذا لا غفران فيه وبعد ذلك يغفر لمن يشاء.       

ويقول الحق في آية أخرى: {قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الزمر: 53].       

فهناك بعض من الناس يقولون: إن الله قال: إنه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، حتى إنهم قالوا: إن ابن عباس ساعة جاءت هذه الآية التي قال فيها الحق: "إن الله يغفر الذنوب جميعاً" قال: "إلا الشرك" وذلك حتى لا تصطدم هذه الآية من الآية الاخرى.       

والواقع أنه حين يدقق أولو الألباب فلن نجد اصطداماً، لأن الذين أسرفوا على أنفسهم.  

هم من عباد الله الذين آمنوا ولم يشركوا بربهم أحداً، ولكنهم زلُّوا وغووا ووقعوا في المعاصي فهؤلاء يقال عنهم: إنهم مذنبون؛ لأنهم مؤمنون بالله معترفون بالذي أنزله، أما المشرك فلم يعترف بالله ولا بما شرع وقنن من أحكام، فما هو عليه لا يسمى ذنباً وإنما هو كفر وشرك.       

فلا تعارض ولا تصادم في آيات الرحمن.       

وعندما يقول الحق: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [آل عمران: 11].       

فهذا القول الحكيم مُتوازن ومُتّسِق، فالذنب يأتي بعد النص، والعقاب من بعد ذلك.       

ويقول الحق آمراً رسوله ببلاغ الكافرين: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ...}.



سورة آل عمران الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 011-015   سورة آل عمران الآيات من 011-015 Emptyالسبت 20 أبريل 2019, 4:42 am

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [١٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إنه أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن الله، أن يحمل للكافرين خبراً فيه إنذار.       

من هم هؤلاء الكفار؟ هل هم كفار قريش؟

الأمر جائز.       

هل هم اليهود؟

الأمر جائز.       

فالبلاغ يشمل كل كافر.       

والنص القرآني حينما يأتي فهو يأتي على غير عادة الناس في الخطاب، ولأضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى وسبحانه منزه عن التشبيه أو المثل- أنت تقول لابنك: اذهب إلى عمك، وقل له: إن أبي سيحضر لزيارتك غداً.       

فماذا يكون كلام الابن للعم؟

إن الابن يذهب للعم ويقول له: إن أبي سيزورك غداً.       

لكن الآمر وهو الأب يقول: قل لعمك إن أبي سيزورك غداً.       

فإذا كان الابن دقيق الأمانة فهو يقول: -قال أبي-: قل لعمك إن أبي سيزورك غداً.       

وعندما يقول الحق سبحانه: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ} [آل عمران: 12].       

فهذا معناه قمة الأمانة من الرسول المُبَلِّغ عن الله، فنَقَل للكافرين النَّص الذي أمره الله بتبليغه للكافرين.       

وإلا كان يكفي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب للكافرين ويقول لهم: ستُغلبون وتُحشرون.       

لكن مَنْ يدريهم أن هذا الكلام ليس من عند محمد وهو بشر؟

لذلك يبلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أبلغه أن يبلغهم بقوله: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ} [آل عمران: 12].       

إن الرسول لم يبلغهم بمقول القول: لا، إنما أبلغهم نص البلاغ الذي أبلغه به الله.       
وساعة يأمر الحق في قرآنه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ أمراً للكافرين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مُخاطب، والكفار مُخاطبون، فعندما يواجههم فإنه يقول لهم: ستُغلبون.

وفي آية أخرى يقول الحق: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38].       

إن القياس أن يقول: إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف، لكن الحق قال: "إن ينتهوا"، فكأن الله حينما قال كان الكفار غير حاضرين للخطاب ورسول الله هو الحاضر للخطاب، والله يتكلم عن غائبين.       

ولكن الله -سبحانه- في هذه الآية التي نحن بصددها يحمل الرسول تمام البلاغ فمرة يكون النقل من الآمر الأول كما صدر منه سبحانه كقوله: "إن ينتهوا" ومرة يأمره الآمر الأول أن يبلغ الكلمة التي يكون بها مخاطباً أي لا تقل: سيغلبون وقل: "ستغلبون" لأنك أنت الذي ستخاطبهم.       

وهذه الدقة الأدائية لا يمكن إلا أن تكون من قادر حكيم.       

إنه بلاغ إلى كفار قريش أو إلى مطلق الذين كفروا.       

والغلب سيكون في الدنيا، والحشر يكون في الآخرة.       

فإذا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل النص القرآني "ستُغلبون" فمتى قالها رسول الله؟

لقد قالها والمسلمون قلة لا يستطيعون حماية أنفسهم، ولا يقدرون على شيء.       

وكل مؤمن يحيا في كنف آخر، أو يهاجر إلى مكان بعيد.       

فهل يمكن أن يأتي هذا البلاغ إلا ممن يملك مطلق الأسباب؟

لقد قالها الرسول مبلغاً عن الله، والمسلمون في حالة من الضعف واضحة، وما دام قد قالها، فهي حجة عليه، لأنَ مَن أبلغه إياها وهو الله قادر على أن يفعلها.       

{قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] ليس العقاب في الدنيا فقط، ولكن في الآخرة أيضا {وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ} [آل عمران: 12] هذه المسألة بشارة لرسول الله ولأصحابه، وإنذار للكافرين به، ويتم تحقيقها في موقعة بدر.       

فسيدنا عمر بن الخطاب لما نزل قول الله: {سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ} [القمر: 45].

تساءل عمر بن الخطاب: أي جمع هذا؟

إنه يعلم أن المسلمين ضعاف لا يقدرون على ذلك، وأسباب انتصار المسلمين غير موجودة، ولكن رسول الله لم يكن يكلم المؤمنين بالأسباب، إنما برب الأسباب، فإذا ما تحدى وأنذرهم، مع أنه وصحبه ضعاف أمامهم، فقد جاء الواقع ليثبت صدق الحق في قوله: "ستُغلبون" ويتم انتصار المسلمين بالفعل، ويغلبون الكافرين.

ألا يُجعل صدق بلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يحدث في الدنيا دليل صدق على ما يحدث في الآخرة؟

إن تحقيق "ستُغلبون" يؤكد "وتحشرون إلى جهنم".       

وفي هذه الآية شيئان: الأول؛ بلاغ عن هزيمة الكفار في الدنيا وهو أمر يشهده الناس جميعاً، والأمر الآخر هو في الآخرة وقد يُكذبه بعض الناس.       

وإذا كان الحق قد أنبأ رسوله بأنك يا محمد ستَغلب الكافرين وأنت لا تملك أسباب الغَلَبَة عليهم.       

ومع ذلك يأتي واقع الأحداث فيؤكد أن الكافرين قد تمت هزيمتهم.       

وما دام قد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الأولى ولم يكن يملك الأسباب فلابد أن يكون صادقاً في البلاغ في الثانية وهي البلاغ عن الحشر في نار جهنم.
 
وبعض المفسرين قد قال: إن هذه المقولة لليهود؛ لأن اليهود حينما انتصر المسلمون في بدر زُلزِلوا زِلزَالاً شديداً، فلم يكن اليهود على ثقة في أن الإسلام والمسلمين سينتصرون في بدر، فلما انتصر الإسلام في بدر؛ قال بعض اليهود: إن محمداً هو الرسول الذي وَعَدَنا به الله والأوْلَى أن نؤمن به فقال قوم منهم: انتظروا إلى معركة أخرى.       

أي لا تأخذوها من أول معركة، فانتظروا، وجاءت معركة أُحد، وكانت الحرب سجالاً. 

ولنا أن نقول: وما المانع أن تكون الآية لليهود وللمشركين ولمطلق الذين كفروا؟

فاللفظ عام وإن كان قد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال لهم: يا معشر اليهود احذروا مثل ما نزل بقريش وأَسْلِموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نبيّ مرسل.       

فماذا قالوا له؟

قالوا له: لا يَغُرنَّك أنك لقيت قوماً أغماراً -أي قوماً من غمار الناس لم يجربوا الأمور- لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، لئن قاتلتنا لعلمت أنَّا نحن الناس، فأنزل الله قوله: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ...} [آل عمران: 12] إلخ الآية.       

والمهاد هو ما يُمهّد عادة للطفل حتى ينام عليه نوماً مستقراً أي له قرار، وكلمة "بئس المهاد" تدل على أنهم لا قدرة لهم على تغيير ما هم فيه، كما لا قدرة للطفل على أن يقاوم من يضعه للنوم في أي مكان.       

ويقول الحق بعد ذلك: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ...}.



سورة آل عمران الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 011-015   سورة آل عمران الآيات من 011-015 Emptyالسبت 20 أبريل 2019, 5:02 am

قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [١٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وحين يقول الحق: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} [آل عمران: 13].       

فمَنْ المُخَاطَب بهذه الآية؟

لا شك أن المخاطب بهذه الآية كل مَنْ كانت حياته بعد هذه الواقعة، سواء كان مؤمناً أو كافراً، فالمؤمن تؤكد له أن نصر الله يأتي ولو من غير أسباب، والكافر تأتي له الآية بالعبرة في أن الله يخذله ولو بالأسباب، إن الله جعل من تلك الموقعة آية.       

والآية هي الشيء العجيب أَيْ إن واقعه ونتائجه لا تأتي وَفق المقدمات البشرية.       

نعم هذا خطاب عام لكل من ينتسب إلى أيِّ فئة من الفئتين المتقاتلين، سواء كانت فئة الإيمان أو فئة الكفر.       

ففئة الإيمان لكي تفهم أنه ليست الأسباب المادية هي كل شيء في المعركة بين الحق والباطل، لأن لله جنوداً لا يرونها.       

وكذلك يُخطِّئ هذا الخطاب فئة الكافرين فلا يقولون: إن لنا أسبابنا من عدد وعُدَّة قوية، فقد وقعت المعركة بين الحق والباطل من قبل؛ وقد انتصر الحق.       

وكلمة "فئة" إذا سمعتها تصورت جماعة من الناس، ولكن لها خصوصيّة؛ فقد توجد جماعة ولكن لكل واحد حركة في الحياة.       

ولكن حين نسمع كلمة "فئة" فهي تدل على جماعة، وهي بصدد عمل واحد.       

ففي غير الحرب كل واحد له حركة قد تختلف عن حركة الآخر.       

ولكن كلمة "فئة" تدل على جماعة من الناس لها حركة واحدة في عمل واحد لغاية واحدة. 

ولا شك أن الحرب تصور هذه العملية أدق تصوير، بل إن الحرب هي التي تُوَحّد كل فئةٍ في سبيل الحركةِ الواحدة والعمل الواحد للغاية الواحدة؛ لأن كل واحد من أي فئة لا يستطيع أن يحمي نفسه وحده، فكل واحد يفئ ويرجع إلى الجماعة، ولا يستطيع أن ينفصل عن جماعته.       

ولكن الفرد في حركة الحياة العادية يستطيع أن ينفصل عن جماعته.       

إذن فكلمة "فئة" تدل على جماعة من الناس في عملية واحدة، وتأتي الكلمة دائماً في الحرب لتصور كل معسكر يواجه آخر.       

وحين يقول الحق: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا} [آل عمران: 13] أي أن هناك صراعاً بين فئتين، ويوضح الحق ماهية كل فئة فيقول: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ} [آل عمران: 13].       

وحين ندقق النظر في النص القرآني، نجد أن الحق لم يورد لنا وصف الفئة التي تقاتل في سبيل الله ولم يذكر أنها فئة مؤمنة، وأوضح أن الفئة الأخرى كافرة، وهذا يعني أنّ الفئة التي تقاتل في سبيل الله لابد أن تكون فئة مؤمنة، ولم يورد الحق أن الفئة الكافرة تقاتل في سبيل الشيطان اكتفاء بأن كفرها لابد أن يقودها إلى أن تقاتل في سبيل الشيطان.       

لقد حذف الحق من وصف الفئة الأولى ما يدل عليه في وصف الفئة الثانية.       

وعرفنا وصف الفئة التي تقاتل في سبيل الله من مقابلها في الآية وهي الفئة الأخرى.       

فمقابل الكافرة مؤمنة، وعرفنا -أيضاً- أن الفئة الكافرة إنما تقاتل في سبيل الشيطان لمجرد معرفتنا أن الفئة الأولى المؤمنة تقاتل في سبيل الله.       

ويسمون ذلك في اللغة "احتباك".       

وهو أن تحذف من الأول نظير ما أثبت في الثاني، وتحذف من الثاني نظير ما أثبت في الأول، وذلك حتى لا تكرر القول، وحتى توضح الالتحام بين القتال في سبيل الله والإيمان، والقتال في سبيل الشيطان والكفر.       

إذن فالآية على هذا المعنى توضح لنا الآتي: لقد كان لكم آية، أي أمر عجيب جداً لا يسير ولا يتفق مع منطق الأسباب الواقعية في فئتين، فعندما التقت الفئة المؤمنة في قتال مع الفئة الكافرة، استطاعت الجماعة المؤمنة المحددة بالغاية التي تقاتل من أجلها -وهي القتال في سبيل الله- أن تنتصر على الفئة الكافرة التي تقاتل في سبيل الشيطان.       

وبعد ذلك يقول الحق: {يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ} [آل عمران: 13].

فنحن أمام فئتين؟

فمن الذي يَرى؟

ومن الذي يُرى؟

ومن الرَّائي ومن المَرئي؟

إن كان الرَّائي هم المؤمنين فالمَرئي هم الكافرون.       

وإن كان الرَّائي هم الكافرين فالمَرئي هم المؤمنون ولنر الأمر على المعنيين: فإن كان الكافرون هم الذين يرون المؤمنين، فإنهم يرونهم مثليهم؛ أي ضعف عددهم، وكان عدد الكافرين يقرب من ألف.       

إذن فالكافرون يرون المؤمنين ضعف أنفسهم، أي ألفين.       

وقد يكون المعنى مؤدياً إلى أن المؤمنين يرون الكافرين ضعف عددهم الفعلي.       

وقد يؤدى المعنى الى أن الكافرين يرون المؤمنين ضعف عددهم وكان عدد المؤمنين يقرب من ثلاثمائة وأربعة عشر، وضعف هذا العدد هو ستمائة وثمانية وعشرون مقاتلاً.       

فإن أخذنا معنى "مثليهم" على عدد المؤمنين، فالكافرون يرونهم حوالي ستمائة وثمانية وعشرين مقاتلاً، وإن أخذنا معنى "مثليهم" على عدد الكافرين فالكافرون يرون المؤمنين حوالي ألفين.       

وما الهدف من ذلك؟

إن الحق سبحانه يتكلم عن المواجهة بين الكفر والإيمان حيث ينصر الله الإيمان على الكفر.

وبعض من الذين يتصيَّدون للقرآن يقولون: كيف يقول القرآن: {يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ} [آل عمران: 13] وهو يقول في موقع آخر: {إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ} [الأنفال: 43-44].       

وهذه الآية تثبت كثرة، سواء كثرة المؤمنين أو كثرة الكافرين، والآية التي نحن بصدد تناولها بالخواطر الإيمانية تثبت قلة، والمشككون في القرآن يقولون: كيف يتناول القرآن موقعة واحدة على أمرين مختلفين؟

ونقول لهؤلاء المشككين: أنتم قليلو الفطنة؛ لأن هناك فرقاً بين الشجاعة في الإقبال على المعركة وبين الروح العملية والمعنوية التي تسيطر على المقاتل أثناء المعركة، والحق سبحانه قد تكلم عن الحالين: قلل الحق هؤلاء في أعين هؤلاء، وقلل هؤلاء في أعين هؤلاء، لأن المؤمنين حين يرون الكافرين قليلاً فإنهم يتزودون بالجرأة وطاقة الإيمان ليحققوا النصر.       

والكافرون عندما يرون المؤمنين قلة فإنهم يستهينون بهم ويتراخون عند مواجهتهم.       
ولكن عندما تلتحم المعركة فما الذي يحدث؟

لقد دخلوا جميعاً المعركة على أمل القلة في الأعداد المواجهة، فما الذي يحدث في أعصابهم؟

إن المؤمن يدخل المعركة بالاستعداد المكثف لمواجهة الكفار.       

وأعصاب الكافر تخور لأن العدد أصبح على غير ما توقع، إذن فقول الحق: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ} [الأنفال: 44].       

يُصور الحالة قبل المعركة؛ لأن الله لا يريد أن يتهيب طرف من طرف فلا تنشأ المعركة.

لكن ما إن تبدأ المعركة حتى يقلب الحق الأمور على عكسها، إنه ينقل الشيء من الضد إلى الضد.       

ونقل الشيء من الضد إيذان بأن قادراً أعلى يقود المشاعر والأحاسيس، والقدرة العالية تستطيع أن تصنع في المشاعر ما تريد.       

لقد قلل الحق الأعداد أولاً حتى لا يتهيبوا المعركة، وفي وقت المعركة جعلهم الله كثيراً في أعين بعضهم البعض، فترى كلّ فئةٍ الطرف الآخر كثيراً، فتتفجر طاقات الشجاعة المؤمنة من نفوس المؤمنين فيقبلون على القتال بحماسة، وتخور نفوس الكافرين عندما يواجهون أعداداً أكثر مما يتوقعون.       

والحق سبحانه وتعالى يقول: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].       

إن هذه الآية هي خبر تبشيري لكل مؤمن بالنصر، وهي في الوقت نفسه خبر إنذاري لكل كافر بأن الهزيمة سوف تلحق به إن واجه الجماعة المؤمنة.       

فإياكم أن تقيموا الأمور بمقاييس الأسباب، فالأسباب المطلوبة منكم هي المقدور عليها للبشر وعليكم أن تتركوا تتمة كل ذلك للقدر، فلا تخور الفئة المؤمنة أمام عدد كثير، ولا تغتروا معشر الكفار بأعدادكم الكثيرة؛ فالسابقة أمامكم تؤكد أن عدداً قليلاً من المؤمنين قد غلب عدداً كثيراً من الكافرين.       

ومن معاني الآية -أيضاً- أن الكافرين يرون المؤمنين مثلي عدد الكافرين، أي ضعف عددهم.

ومن معانيها -ثالثاً- أن الكافرين يرون المؤمنين ضعف عدد المؤمنين الفعلي.       

ومن معاني الآية -رابعاً- أن يرى المسلمون الكافرين مثليهم، أي مثل المؤمنين مرتين، أي ستمائة نفر وقليلاً، وحينئذ يكون عدد الكافرين في عيون المؤمنين أقل من العدد الفعلي لهؤلاء الكافرين.       

إذن فما حكاية "مثليهم" هذه؟

لقد وعد الله المؤمنين بنصره حين قال: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65].       

والنسبة هنا أن المؤمن الواحد يخرج إلى عشرة من الكافرين فيهزمهم، ذلك وعد الله، وحين أراد الله التخفيف قال الحق: {ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66].       

لقد خفَّف اللهُ النسبة، فواحد من المؤمنين يغلب اثنين من الكافرين.       

فالمؤمنون موعودون من الله بالغلبة حتى وهم ضعاف.       

والحق يقول في الآية المُبشرة للمؤمنين، المُنذرة للكافرين، والتي نحن بصددها الآن: {وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].       

ونحن نسمع كلمة "عبرة" كثيراً، والمادة المأخوذة منها تدل على الدخول من مكان إلى مكان، فيقال عن ذلك "عُبور"، ونحن في حياتنا العادية نخصص في الشوارع أماكن لعبور المشاة، أي المسافة التي يمكن للمشاة أن ينفذوا منها من ضفة الشارع إلى الضفة الأخرى من الشارع نفسه.       

وعبور البحر هو النفاذ من شاطئ إلى شاطئ آخر.       

إذن فمادة "العبور" تدل على النفاذ من مكان إلى مكان، و"العَبرة" أي الدمعة لأنها تسقط من محلها من العين على الخد.       

و"العِبارة" أي الجملة التي نتكلم بها، فهي تنتقل من الفم إلى الأذن، وهي عبور أيضاً.

و"العبير" أي الرائحة الجميلة التي تنتقل من الوردة البعيدة عن الإنسان قليلاً لتنفذ إلى أنفه.       

إذن فمادة "العبور" تدل على "النفاذ".       

وحين يقول الحق: {إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً} [آل عمران: 13].       

أي تنقلكم من أمر قد يخيفكم أيها المؤمنون لأنكم قليل، وهم كثير، إنها تنقلكم إلى نصر الله أيها المؤمنون، وتنقلكم أيها الكافرون إلى الهزيمة برغم كثرة عُدتكم وعَددكم.       

فالعبرة هي حدث ينقلك من شيء إلى شيء مغاير، كالظالم الذي نرى فيه يوماً، ونقول إن ذلك عبرة لنا، أي إنها نقلتنا من رؤيته في الطغيان إلى رؤيته في المهانة.       

وهكذا تكون العبرة هي العظمة اللافتة والناقلة من حكم إلى حكم قد يستغربه الذهن، فتذييل هذه الآية الكريمة بهذا المعنى هو إيضاح وبيان كامل، فالحق يقول في بداية هذه الآية: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا} [آل عمران: 13] وتنتهي الآية بقوله: {إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].       

إذن فالعبرة شيء ينقلنا من أمر إلى أمر قد تستغربه الأسباب وذلك إن كنت متروكاً لسياسة نفسك، لكن المؤمن ليس متروكاً لسياسة نفسه؛ لأن الله لو أراد أن يعذب الكفار بدون مواجهة المؤمنين وحربهم لعذبهم بدون ذلك، ولكن الله يريد أن يكون عذاب الكافرين بأيدي المؤمنين: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].       

ولو كان الله يريد أن يعذب الكافرين بغير أيدي المؤمنين لأحدث ظاهرة في الكون تعذبهم، كزلزال يحدث ويدمرهم، ولكن الله يريد أن يعذب الكافرين بأيدي المؤمنين.       

{وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ} [آل عمران: 13]، و"الأيد" هو القوة، إذن فهو يريد منك فقط النواة العملية، ثم بعد ذلك يكملها الله بالنصر، "وأيَّده" أي قواه، ويؤيد الله بنصره من يشاء، وتكون العبرة لأولي الأبصار.       

وقد يقول قائل: أتكون العبرة لأولي الأبصار أم لأولي البصائر؟

وهنا نقول: إن العبرة هنا لأولي الأبصار لأن الأمر الذي تتحدث عنه الآية هو أمر مشهدي، أمر محسوس، فمن له عينان عليه أن يبصر بهما، فإذا كان التفكير والتدبير ليس أمراً موهوباً لكل مخلوق من البشر، فإن البصر موجود للغالبية من الناس، وكل منهم يستطيع أن يفتح عينيه ليرى هذا الأمر المشهدي.       

وإذا ما نظرنا إلى المعركة بذاتها وجدنا الدليل الكامل على صدق العبارة؛ فالمؤمنون قلة وعددهم معروف محدود، وعتادهم قليل، ولم يخرجوا بقصد حرب، إنما خرجوا لقصد الاستيلاء على العير المُحَمَّلَة بالأرزاق من طعام وكسوة تعويضاً عما اغتصبه المشركون من أموالهم في مكة، ولو أنّهم استولوا على العير فقط لما كان النصر عظيما بالدرجة التي كان عليها؛ لأن العِير عادة لا تسير بعتاد ضخم إنما تحفظ بالحراسة فقط.       

ولكن الله يريد لهم النصر على ذات الشوكة، أي الطائفة القوية المسلحة، لقد وعدهم الله بالنصر على إحدى الطائفتين: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7].  

لقد كان وعد الله أن ينصر المؤمنين على إحدى الطائفتين، والأمل البشرى كان يود الانتصار على طائفة غير ذات الشوكة أي الطائفة غير المسلحة وهي العير، ولكن مثل هذا النصر لا يكون له دَوِيُّ النصر على الطائفة المسلحة، فقد كان من السهل أن يقال: إن محمداً ومن معه تعرضوا لجماعة من التجار لا أسلحة معهم ولا جيش، ولكن الله يريد أن يجعل من هذه المعركة فرقانا وأن يحق الحق.       

إنكم أيها المؤمنون لم تخرجوا إلاَّ لِقصد العير أي لم يكن استعدادكم كافيا للقتال، أما الكفار فقد جاءوا بالنفير، أي بكل قوتهم فقد ألقت مكة في هذه المعركة بأفلاذ أكبادها.  

وعندما يأتي النصر من الله للمؤمنين في مثل هذه الموقعة فهو نصر حقيقي، ويكون آية غاية في العجب من آيات الله.       

وتصير عبرة للغير.       

لذلك نجد العجائب في هذه المعركة -معركة بدر-.       

الغرائب أنك تجد الأخوين يكون لكل منهما موقف ومجابهة.       

وتجد الأب والابن لكل منهما موقف ومجابهة برغم عمق الصلة بينهما، فمثلاً ابن أبي بكر رضي الله عنه، وكان هذا الابن لم يُسلم بعد، وكان في جانب الكفار، وأبوه الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أسلم ابن أبي بكر يحكي الابن لأبيه بشيء من الامتنان والبر: لقد تراءيت لي يوم بدر فزويت وجهي عنك.       

فَيَرُدُّ أبو بكر الرَّدَّ الإيماني الصِّدِّيقِي: والله لو تَرَاءَيْتَ لي أنت لقتلتك.       

وكلا الموقفين منطقي، لماذا؟

لأن ابن أبي بكر حين يلتقي بأبي بكر، ويرى وجه أبيه، فإنه يقارن بين أبي بكر وبين ماذا؟

إنه يقارن بين أبيه وبين باطل، ويعرف تمام العلم أنه باطل، فيرجح عند ابن أبي بكر أبوه، ولذلك يحافظ على أبيه فلا يلمسه.       

ولكنَّ أبا بكر الصديق حينما يقارن فهو يقارن بين الإيمان بالله وابنه، ومن المؤكد أن الإيمان يزيد عند الصديق أبي بكر، فلو رآه يوم بدر لقتله.       

ولله حكمة فيمن قُتل على أيدي المؤمنين من مجرمي الحرب من قريش، ولله حكمة فيمن أبقى من الكفار بغير قتل؛ لأن هؤلاء مدخرون لقضية إيمانية كبرى سوف يبلون فيها البلاء الحسن.       

فلو مات خالد بن الوليد في وقعة من المواقع التي كان فيها في جانب الكفر لحزنا نحن المسلمين؛ لأن الله قد ادخره لمعارك إيمانية يكون فيها سيف الله المسلول، ولو مات عكرمة لفقدت أمة الإسلام مقاتلاً عبقرياً.       

لقد حزن المسلمون في موقعة بدر لأنهم لم يقتلوا هؤلاء الفرسان؛ لأنهم لم يعلموا حكمة الله في ادخار هؤلاء المقاتلين؛ لينضموا فيما بعد إلى صفوف الإيمان.       

والله لم يمكِّن مقاتلي المسلمين يوم بدر من المحاربين الذين كانوا على دين قومهم آنئذٍ إلاّ لأن الله قد ادَّخرَهُم لمواقع إيمانية قادمة يقفون فيها، ويحاربون في صفوف المؤمنين، وهذا نصر جديد.       

ونرى أبا عزيز وهو شقيق الصحابي مصعب بن عمير الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشر بدين الله، ويعلِّم أهل المدينة، وكان مصعب فتى فريش المُدَلّل صاحب ترف، وأُمُّهُ صاحبة ثراء، وبعد ذلك رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبس جلد شاة بعد أن كان يلبس الحرير، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى الإيمان ماذا فعل بصاحبكم".

والتقى مصعب في المعركة مع أخيه أبي عزيز، وأبو عزيز على الكفر، ومصعب رضي الله عنه مسلم يقف مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحين يرى مصعب رضي الله عنه أخاه أبا عزيز وهو أسير لصحابي اسمه أبو اليسر، فيقول مصعب: يا أبا اليسر اشدد على أسيرك؛ فإن أُمَّه غنية وذات متاع، وستفديه بمال كثير.       

فيقول له أخوه أبو عزيز: أهذه وصاتك بأخيك؟

فيقول مصعب مشيراً إلى أبي اليسر: هذا أخي دونك.       

كانت هذه هي الروح الإيمانية التي تجعل الفئة القليلة تنتصر على أهل الكفر، طاقة إيمانية ضخمة تتغلب على عاطفة الأخوة، وعاطفة الأبوة، وعاطفة البنوة.       

وقد جعل الله من موقعة بدر آية حتى لا يخور مؤمن وإن قل عدد المؤمنين، أو قلت عُدَتهم، وحتى لا يغتر كافر، وإن كثر عددُ قومه وعتادهم.       

وقد جعلها الله آية للصدق الإيماني، ولذلك يقال: احرص على الموت توهب لك الحياة. 

وقد كانت القضية الإيمانية هي التي تملأ نفس المؤمن، إنَّها قضية عميقة متغلغلة في النفوس.       

ولماذا يتربص الكفار بالمؤمنين؟

إنهم إن تربصوا بهم، فسيدخل المؤمنون الجنة إن قُتِلوا أو ينتصرون على الكفار، وفي ذلك يقول الحق على لسان المؤمنين: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].  

فالظفر هنا بأحد أمرين: إما النصر على الكافرين، وإما الاستشهاد في سبيل الله، ونيل منزلة الشهداء في الجنة وكلاهما جميل.       

والمؤمنون يتربصون بالكافرين، إما أن يصيب الله الكافرين بعذاب من عنده، وإما أن يصيبهم بأيدي المؤمنين.       

إنها معادلة إيمانية واضحة جلية.       

وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ...}.



سورة آل عمران الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 011-015   سورة آل عمران الآيات من 011-015 Emptyالسبت 20 أبريل 2019, 5:22 am

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [١٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الموضوع الذي تأتي فيه هذه الآية الكريمة هو: موقع ذكر المعركة الإسلامية التي جعلها الله آية مستمرة دائمة؛ لتوضح لنا أن المعارك الإيمانية تتطلب الانقطاع إلى الله، وتتطلب خروج الإنسان المؤمن عما ألف من عادة تمنحه كل المتع.       

والمعارك الإيمانية تجعل المؤمن الصادق يضحي بكثير من ماله في تسليح نفسه، وتسليح غيره أيضاً.       

فمَنْ يقعد عن الحرب إنسان تغبه شهوات الدنيا، فيأتي الله بهذه الآية بعد ذكر الآية التي ترسم طريق الانتصار المتجدد لأهل الإيمان؛ وذلك حتى لا تأخذنا شهوات الحياة من متعة القتال في سبيل الله ولإعلاء كلمته فيقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14] وكلمة "زين" تعطينا فاصلاً بين المتعة التي يحلها الله، والمتعة التي لا يرضاها الله؛ لأن الزينة عادة هي شيء فوق الجوهر.       

فالمرأة تكون جميلة في ذاتها وبعد ذلك تتزين، فتكون زينتها شيئاً فوق جوهر جمالها.       

فكأن الله يريد أن نأخذ الحياة ولا نرفضها، ولكن لا نأخذها بزينتها وبهرجتها، بل نأخذها بحقيقتها الاستبقائية فيقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ} [آل عمران: 14].       

وما الشهوة؟

الشهوة هي ميل النفس بقوة إلى أي عمل ما.       

وحين ننظر إلى الآية فإننا نجدها توضح لنا أن الميل إذا كان مما يؤكد حقيقة استبقاء الحياة فهو مطلوب ومقبول، ولكن إن أخذ الإنسان الأمر على أكثر من ذلك فهذا هو الممقوت.  

وسبق أن ضربنا المثل من قبل بأعنف غرائز الإنسان وهي غريزة الجنس، وأن الحيوان يَفْضُل الإنسان فيها، فالحيوان أخذ العملية الجنسية لاستبقاء النوع بدليل أن الأنثى من الحيوان إذا تم لقاحها من فحل لا تُمكِّن فحلاً آخر يقرب منها.       

والفحل أيضاً إذا ما جاء إلى أنثى وهي حامل فهو لا يُقبل عليها، إذن فالحيوانات قد أخذت غريزة الجنس كاستبقاء للحياة، ولم تأخذها كالإنسان لذة متجددة.       

ومع ذلك فنحن البشر نظلم الحيوانات، ونقول في وصف شهوة الإنسان: إن عند فلان شهوة بهيمية.       

ويا ليتها كانت شهوة بهيمية بالفعل؛ لأن البهيمة قد أخذتها على القدر الضروري، لكن نحن فلسفناها، إذن فخروجك بالشيء عما يمكن أن يكون مباحاً ومشروعاً يسمى: دناءة شهوة النفس.       

والحق سبحانة وتعالى يريد أن يضمن للكون بقاءه، والبقاء له نوعان: أن يُبقِي الإنسان حياته بالمطعم والمشرب، وتبقى حياة النوع الإنساني بالتزاوج.       

ولكن إن نظرت إلى المسألة وجدت الخالق حكيماً عليماً.       

إنه يعلم أن طفولة أي حيوان بسيطة بالنسبة لأبيه وأمه، مثال ذلك: الحمامة تطعم فرخها إلى أن يستطيع الطيران، ثم لا تعرف أين ذهب فرخها، لكن حصيلة الالتقاء بين الرجل والمرأة، والتي أراد الله لها أن تنتج الأولاد تحتاج إلى شقاء إلى أن يبلغ الولد، وذلك ليكون هناك تكافؤ وتناسب بين ما يحرص عليه الإنسان من شهوة، وما يتحمل من مشاق ومتاعب في سبيل الاستمتاع بها واستبقائها.       

فقول الحق سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ} [آل عمران: 14]

فمَنْ المُزَيِّنْ؟

إن كان في الأمر الزائد على ضروريات الأمر، فهذا من شُغل الشيطان، وإن كان في الأمر الرتيب الذي يضمن استبقاء النوع فهذا من الله.       

ونجد الحق يضيف: "البنين" إلى مجال الشهوات ويقصد بها الذكران، ولم يقل البنات.

لماذا؟

لأن البنين هم الذين يُطلبون دائماً للعزوة كما يقولون ولا يأتي منهم العار، وكان العرب يئدون البنات ويخافون العار، والمحبوب لدى الرجل في الإنجاب حتى الآن هو إنجاب البنين، حتى الذين يقولون بحقوق المرأة وينادون بها، سواء كان رجلاً أو امرأة إن لم يرزقه الله بولد ذكر فإنه أو إنها تريد ولداً ذكراً.       

ويضيف الحق إلى مجال الشهوات: {وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ} [آل عمران: 14]، والقناطير هي جمع قنطار، والقنطار هو وحدة وزن، وهذا الوزن حددته كثافة الذهب، إلا أن القنطار قبل أن يكون وزناً كان حجماً، لكنهم رأوا الحجم هذا يزن قدراً كمياً، فانتقلوا من الحجم إلى الوزن.       

وكان علامة الثراء الواسع في الزمن القديم أن يأتوا بجلد الثور بعد سلخه ويملأوه ذهباً، وملء جلد الثور بالذهب يسمونه قنطاراً، وكانت هذه عملية بدائية.       

وبعد ذلك أخذوا ملء الجلد ذهباً ووزنوه فصار وزناً.       

إذن فالأصل فيه أنه كان حجماً، فصار ووزناً.       

وساعة تسمع "قناطير مقنطرة من الذهب والفضة" فهو يريد أن يحقق فيها القنطارية، وذلك يعني أن القنطار المقنطر هو القنطار الكامل الوزن وليس مجرد قنطاراً تقريباً، كما نقول أيضاً: "دنانير مدنرة".       

وعادة نجد في اللغة العربية لفظاً يأتي من جنس اللفظ يضم إليه كي يعطيه قوة، فيقال "ظل ظليل" أي ظل كثيف، ويقال "ليل أليل" أي أن الليل في ظلمة شديدة، وهي مبالغة في كثافة الظلام.       

والظلام على سبيل المثال يحجب الشمس، وحاجب الشمس عنك قد يكون حجاباً واحداً، وقد يكون الشيء الذي يظلك فوقه شيء آخر يظلله أيضاً فيكون الظل ظليلاً، ولذلك يكون الظل تحت الأشجار جميلاً، لأن ورقة تستر الشمس، وورقة أخرى تستر الورقة الأولى، وهكذا، فتصنع تكييفاً طبيعياً للهواء.       

ولذلك فهم يصنعون الآن خياماً مكيفة الهواء مصنوعة من قماش فوقه قماش آخر، وبينهما مسافة، فيكون هناك قماش يُظلل ظِلاً آخر، فإذا ما وضعوا قطعة ثالثة من القماش تظل الظلين الأولين، فإن الظل يكون ظليلاً، ولذلك قلنا: إن ظل الأشجار هو ظل ظليل، فيه حنان، فكل ورقة تظل الإنسان تكون نفسها مُظَلَّلة بورقة أخرى، وتكون أوراق الشجر التي تظلل بعضها بعضاً مختلفة الأوضاع، وتعطي الأوراق للنسيم فرصة المرور، أما الخيام فهي تحجب النسيم.       

والشاعر حين أراد أن يصف الروضة قال:
تصد الشمس أَنَّى واجهتها
فتحجبهــا وتـأذن للنسيــم

إذن فحين وصف الحق القناطير بأنها مقنطرة فذلك يعني القناطير الدقيقة الميزان، وهي قناطير مقنطرة من ماذا؟

{مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران: 14].       

وكانت الخيل هي أداة العز وأمارة وعلامة على العظمة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة".

قول الحق: {وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران: 14] نرى فيهِ أن اللفظ الواحد يشع في مجالات متعددة من المعاني، فمسوَّمة من سامها يَسوُمها، ومعنى ذلك أن لهذه الخيل مراعي تأكل منها كما تريد، وليست خيلاً مربوطة تأكل ما يُقدم لها فقط، ومسوّمة أيضاً تعني أن لهذا الخيل علامات، فهذا حصان أغرّ، وذلك أدهم وذاك أشقر.       

ومسوَّمة أيضاً، أن تكون مروضة، ومدربة، وتم تعليمها، فالأصل في الخيل أنها لم تكن مُستأنسة بل مُتوحشة، ولذلك لا بد من ترويضها حتى ينتفع بها الإنسان.       

فكم معنى إذن أعطته لما كلمة "مُسَوَّمَةِ"؟

سائمة، أي تأكل على قدر ما تشتهي لا على قدر ما نعطيها من طعام.       

ومُعلَّمة أي فيها علامات كالغّرة والتحجيل، وهذا جواد أدهم، وذلك جواد أشقر، أو أنها معلمة أي مروضة.       

فماذا تتطلب الحرب؟.       

إن الحرب تتطلب الانقطاع عن الأهل، فيجب ألا تكون شهوة النفس حاجزاً، سواء كانت شهوة للنساء، أو كانت شهوة العزوة للبنين ورعايتهم، أو كانت شهوة المال؛ فالمؤمن ينفقه في سبيل الله، والخيل أيضاً يستخدمها الإنسان في القتال لإعلاء كلمة الله.       

ونلحظ أن هذه الآية -التي تُعَدِّدْ أنواع الزينة- جاءت بعد الآية التي تتحدث عن الجهاد في سبيل الله والتي يقول الحق تبارك وتعالى فيها: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].       

وذلك ليرشدنا إلى أن الإنسان المؤمن لا يصح أن يُضَحِّي بشهوته الحقيقية وهي إدراك الشهادة في سبيل الله أو النصر على العدو بسبب الشهوات الزائلة التي تتمثل في النساء، وفي البنين، وفي القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وفي الخيل المسوَّمة والأنعام وقد قال الله عن الأنعام في سورة الأنعام: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ} [الأنعام: 143-144].       

حساب ذلك هو اثنان من الضأن، واثنان من الماعز، واثنان من الإبل، واثنان من البقر أي ثمانية أزواج.       

ولا يمكن حسابها على أنها ستة عشر كما قال البعض قديماً، لا؛ إن الزواج لا يعني اثنين من الشيء، ولكن الزوج واحد، ولكن يُشترط أن يكون مع غيره من جنسه.       

ومثال آخر هو كلمة "التوأم"، إن التوأم هو واحدٌ معه غيره، وهما توأمان، وهم توائم إذا كان العدد أكثر من اثنين.       

والحق يقول في مجال زينة الشهوات: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ} [آل عمران: 14] وحين تسمع كلمة "الحرث" فافهم أن المُراد بها هنا الزَّرع، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد منك أن تعلم أن الله حين يُنبت لك أشياء بدون مُعالجتك فإنه يريد منك أيضاً أن تَسْتنبت أشياء بمعالجتك، وهذا لا يتأتى إلا بعملية الحرث.       

والحرث هو إهاجة الأرض؛ فالتربة تكون جامدة، فلابد أن يهيّجها الإنسان بالحرث، أي أن تفك يبوستها وتَلاَصُقَ ذراتها لأن تلاصق ذرات التربة لا يصلح أن يكون بيئة للنبات؛ لأن النبات يحتاج إلى الماء ويحتاج إلى الهواء، ويحتاج من الإنسان أن يُمهد للشعيرات البسيطة أن تخرج، وتجد تربة سهلة تتحرك فيها إلى أن تقوى.       

إذن فالحرث يثير الأرض، ويجعلها ليّنة مُتفتتة حتى تستطيع البذرة أن تنمو؛ لأن الله قد أودع في فلقتي كل بذرة مقوّمات الحياة الى أن يوجب لها جذر يأخذ مقومات الحياة من الأرض، وكلما قوي الجذر في النبات فإن الفلقتين تضمحلان، وتصيران مجرد ورقتين.

فأين يذهب حجم الفلقتين؟

لقد قامت الفلقتان بتغذية النبتة إلى أن أستطاعت النبتة أن تتغذى بنفسها من الأرض، ولا يمكن حدوث ذلك إلا إذا كانت الأرض محروثة.       

ولذلك يقولون: إن الأرض الطينية السوداء تكون صعبة، وغير خصبة، ويقال: إن الأرض الرملية أيضاً غير خصبة، لماذا؟.       

لأننا نريد صفتين اثنتين في الأرض: الصفة الأولى أن تكون الأرض صالحة أن يتخللها الماء ليشرب الزرع، والصفة الأخرى ألاَّ تُسرب الماء بعيداً، فإذا كانت الأرض طينية فإن جذور الزرع تختنق وتتعطن، وإذا كانت رملية فإن الماء يتسرَّب بعيداً، لذلك نحتاج في الزراعة الى أرض بين سوداء ورملية، أي أرض صفراء.       

والله حين يتكلم عن الزرع فإنه يقول: "الحرث" وذلك حتى يلفتنا إلى أن مَنْ يريد أن يأخذ زرعاً لابد أن يجدّ ويحرث الأرض.       

وهو سبحانه القائل: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63-64].       

وعبِر الحق عن الزواج بالحرث لأنه السبب الذي يُوجِد الزرع.       

وكل ما تقدم من الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث، كل ذلك تكون قيمته عند الإنسان ما يوضحه الحق بقوله: {ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ} [آل عمران: 14].       

إن كل ذلك هو متاع الحياة الدنيا، والفيصل هو أن الإنسان يخشى أن تفوته النعمة فلا تكون عنده، أو أن يفوتها فيموت.       

وكل ما يفوتك أو تفوته، فلا تعتز به.       

وعندما نتأمل الآية في مجموعها نجد أن فيها مفاتيح كل شخصية تريد أن تنحرف عن منهج الله، إنه سبحانه يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ} [آل عمران: 14].       

هكذا نرى المفاتيح التي قد تجذب الإنسان لينحرف عن مراد الله في منهجه، إنه -سبحانه- يطلب من عبده المؤمن أن يبني حركة حياته على مراد الله.

فما الذي يجعل المؤمن يترك مراد الله من حكم لينصرف إلى حكم يناقضه؟.       

لا شك أنه الهوى، والهوى هو الذي يُميل ويُزيغ القلوب، ولكل هوى مفتاح، ولكل شخصية من المكلفين بمنهج الله مفتاح لهواه، فواحد مفتاحه النساء، وواحد مفتاحه البنون، يحب أن يرعاهم رعاية تفوق دَخْلَه من عمل أو صناعة مثلاً فقد يسرق أو يرتشي ليسعد هؤلاء.

وأناس مفاتيحهم الشخصية في المال، أو في زينة الخيل، والعدة والعتاد فلكل شخصية مفتاح هوى.       

والذين يدخلون على الناس ليُزيِّنوا لهم غير منهج الله يأتون لهم بالمفتاح الذي يفتح شخصياتهم، فربما كان هناك إنسان لا تُغريه نظرة المرأة أو ملايين الذهب، إنما يتملكه حبه لأولاده وهو الهوى الغلاب.       

إذن فكل واحد له مفتاح لشخصيته، والذين يريدون إغراء الناس وغوايتهم يعرفون مفاتيح من يريدون إغراءه وإغواءه.       

وحين يقول الحق أنَّ هذه الأشياء هي المُزَيِّنة للناس.       

وقد يقول قائل: إذا كان الله يريد أن يصرفنا عن هذه الأشياء فلماذا خلقها لنا؟

وعلى هذا القول نرد: إن الحق ما دام قد قال: "زُيِّن" وبناها -كما يقول النُّحاة- للمجهول إي لما لم يُسَمَّ فاعله، فمن الذي زيَّن؟

لقد كان الله قادراً أن يقول لنا من الذي زَيَّن تلك الأشياء تحديداً، لكن الحق يريد أن يعلمنا أنه من الممكن أن يكون الشيطان هو الذي يُزيّن لنا هذه الأشياء، ومن الممكن أن يكون منطق المنهج هو الذي يزين، ألم يقل الحق سبحانه دعاء على لسان عباده الصالحين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: 74].       

إذن فما الفيصل في تلك المسألة؟

الفيصل في هذه المسألة أن الحق سبحانه وتعالى جعل لكل نعمة من نعم الحياة عملاً يعمله الإنسان فيها، فالمرأة إنما اتُّخِذَت سكناً أي ارتياحاً عندها، ارتياحاً يعطيك كل الحنان والعطف، وهو سبحانه القائل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].       

إن الحق يريد لنا أن يسكن الرجل إلى حلاله، وتصرف المرأة الحلال عَيْنَيْ زوجها عن أعراض الناس.       

لكن ماذا في الرجل الذي يُحب الأبناء؟

ألم يقل سيدنا زكريا: {قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً} [مريم: 4-6].       

لقد طلب زكريا عليه السلام ولياً يرثه، والأنبياء لا يُورث منهم أموال، إنما يُورِّثون العلم والحكمة، إذن فقد طلب زكريا عليه السلام أن تُورَث ابنُه الحكمة منه ويرث من آل يعقوب وأن يجعله الله رضِياً.       

فلو كان الأنبياء يُورِّثون المال، لكان البعض قد فهم أن طلب زكريا للابن كي يرثه في المال، لكن الحق أراد لأنبيائه ألاَّ يُورِّثوا المال، بل يُورِّثون العلم بمنهج الله.       

وقد طلب زكريا الابن لتثبيت منهج الله في الأرض.       

وكذلك الذي يريد الأموال لينفقها في سبيل الله، وكذلك الذي يريد الخيل ليروضها على الجهاد، وكذلك الذي يريد الحرث ليملأ بطون خلق الله بما يَطعَمُون منه، كل هؤلاء ينالهم المدح والجزاء الكثير من الله.       

لذلك يجب أن نعلم أن الحكم يأتي من الله مُحتملاً أن تتجه به إلى الخير المراد لله، ومحتملاً أن تتجه به إلى الشر المراد لنفسك.       

وأنت -أيها العبد- حين تنظر إلى أي شهوة من هذه الشهوات فلسوف تجد أنه من الممكن أن تُوَجِّهها وِجْهة خير.       

يقول الحق: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: 74].

لقد أراد الله للأتقياء والأنبياء أن يكون لهم من الذرية أبناء ليرثوا المنهج السلوكي ويكونوا مثلا طيبة للناس يقتدون بهم.       

إذن فالمؤمن يحب أن تكون ذريته قدوة سلوكية.       

والذي يحب الخيل يمكن أن يُوجه هذا الحب إلى الخير، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مِنْ خير معاش الناس لهم رجل يمسك عِنَانَ فرسه في سبيل الله يطير على مَتنه كلما سمع هِيْعَة أو فَزْعةً طار عليه يبتغي القتل والموت مَظَانَّة".

وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نُروِّض الخيل، إذن فمن الممكن أن تكون هذه الأشياء مساراً للخير.       

وإيَّاكم أن تفهموا أن الله يزهدنا فيها أو ينفرنا منها، ولكنه يزهدنا أن نستعمل ما خلقه لنا في غير مُراده -سبحانه-.       

ولننظر إلى تعليق الله على الأشياء المُزَيَّنة: {ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا} [آل عمران: 14] أي أن الذي ينظر الى هذه الأشياء المزينة نظرة تقليدية سطحية سيجدها مجرد متاع، وما عمر هذا المتاع؟

إنه موقوت بالدنيا الفانية.       

ولننظر إلى الإنسان عندما يُصَعِّدُ في عمله قيمة الخير، وتصعيد قيمة الخير يأتي من تنمية نوعه، أي الزيادة في نوع الخير، ومن استدامته، ومن أن الإنسان لا يترك هذا الخير.       
إذن فتصعيد الخير يأتي على عدة صور تبدأ من تنمية الخير نفسه.       

واستدامة الخير فلا ينقطع، وضمان أن يحيا الإنسان للخير ويعيش له، وألاَّ يذهب الخير عنه، وأمر رابع هو ألاَّ تربط هذا الخير بأغيار، أي أن تربطه بواحد قوي يأتي لك به، فقد يضعف، أو يمرض، أو يغيب، أو يغدر بك.       

إذن فلابد من أربعة عناصر: الأول: تصعيد الخير، أي نوع الخير الذي تفعله يكون أرقى من خير آخر، فنعمل دائماً على زيادته وتنميته.       

والثاني: استدامة الخير.       

والثالث: أن تدوم أنت للخير، وتحرص على أن تعيش له.

والأمر الرابع: ألاَّ تربط هذا الخير بالأغيار.       

بل عليك أن تعتمد على الله ثم على نفسك.       

وكل الخير يأتي دون هذا فهو غير حقيقي.       

فإذا نظرت إلى شهوات النساء والمال والبنين والخيل والأنعام والحرث فإنها ستعطيك متاعَ الدنيا.       

ولنسلم جدلاً أن شيئاً لن يسلبك هذه الأشياء وأنت حيّ، وأنها ستظل معك طيلة دنياك.       

فما قيمة الدنيا وهي مقاسة بآلاف السنين، والإنسان لا يعيش فيها إلا قدراً محدداً من الأعوام يقرره الحق سبحانه وتعالى إذن فالدنيا تقاس بعمر الإنسان فيها لا بعمر ذات الدنيا لغيره، لأن عمر الدنيا لغيرك لا يخصك.       

هب أن هذه الشهوات من نساء ومال وبنين وخيل وذهب وفضة وحرث وأنعام وعدة وعتاد قد دامت لك، فما الذي يحدث؟

إن الدنيا محدودة.       

ولا أحد يستطيع أن يستديم الدنيا، لذلك فلن يستطيع أحد أن يستديم الخير لأن عمره في الدنيا محدود.       

وحياة الإنسان في الدنيا لم يضع الله لها حداً يبلغه الإنسان.       

إن الله لم يحدد عمراً يموت فيه الإنسان، ولكنْ لكل إنسان عمْر خاصٌ محدود بحياته، فعندما يولد أي طفل لا تنزل معه بطاقة تحدد عدد السنوات التي سوف يحياها في الدنيا.    

وهو سبحانه قد جعل عدد سنوات الحياة مبهماً لكل إنسان، ولذلك يُقال إن الإبهام هو أعلى درجات البيان، الحق أخفى توقيت الموت وسببه عن الإنسان.       

متى يأتي؟

في أي مكان؟

كل ذلك أخفاه فأصبح على المؤمن أن يكون مترقباً للموت في كل لحظة.       

إن الإبهام للموت هو البيان الوافي، وما دامت الدنيا مهما طالت فهي محدودة وغير مضمونة للإنسان أن يحياها، ونعيمه فيها على قدر إمكاناته وقدرته، وإن لم تذهب الدنيا من الإنسان فالإنسان نفسه يذهب منها.       

فإذا ما قارنت كل ذلك باسم الحياة التي نحياها الآن، إنّ اسمها "الدنيا" أي "السفلى" ومقابل "الدنيا" هو "العليا" وهي الحياة في الآخرة.       

ولماذا هي "عليا"؟

لأنها ستصعد الخير.       

فبعد انقضاء هذه الحياة المحدودة, يذهب المؤمن إلى الجنة وبها حياة غير محدودة، وهذا أول تصعيد.       

ويضمن المؤمن أن أكلها دائم لا ينقطع.       

ويضمن المؤمن أنه خالد في الجنة فلا يموت فيها.       

ويضمن المؤمن قيمة هذه الجنة؛ لأن الخير إنما يأتي على مقدار معرفة الفاعل للخير.       

ومعرفة الإنسان للخير جزئية محدودة، ومعرفة الله للخير كمال مطلق.       

فالمؤمن في الآخرة يتنعم في الخير على مقدار ما علم الله من الخير.       

إذن فحياتنا هي الدنيا، أي السفلى، وهناك الآخرة العليا.       

فإذا طلب المنهج منا ألاَّ ننخدع بالدنيا، وألاَّ ننقاد إلى المتاع فهل هذا لون من تشجيع الحب للنفس أو تشجيع للكراهية للنفس؟ إنه منهج سماوي يقود إلى حب النفس؛ لأنه يريد أن يُصَعِّد الخير لكل مؤمن، لقد بَيَّن المنهج أن في الدنيا ألواناً من المتع هي كذا وكذا وكذا، والدنيا محدودة ولا تدوم لإنسان، ولا يدوم إنسان لها، وإمكانات الإنسان في النعيم الدنيوي محدودة على قدر الإنسان، أما إمكانات النعيم في الآخرة فهي على قدر قدرة الخالق المربي، فمن المنطقي جداً أن يقول الله لنا: {ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ} [آل عمران: 14].       

وحسن المآب تعني حسن المرجع.       

والحق حينما طلب منك أيها المؤمن أن تغض بصرك عما لا يحل لك، فقد يظن الإنسان السطْحي أن في ذلك حجراً على حرية العين، ولكن هذا الغض للبصر أمر به -سبحانه- إنما ليملأ العين في الآخرة بما أحل الله، إذن فهذا حب من الله للمخلوق وهذا تصعيد في الخير.       

ولنفترض أن معك مبلغاً قليلاً من المال وقابلت فقيراً مسكيناً فآثرت أنت هذا الفقير على نفسك، فأنت تفعل ذلك لتنال في الآخرة ثواباً مضاعفاً.       

إذن فقضية الدين هي أنانية عالية سامية، لا أنانية حمقاء.       

ويوضح الله بعد ذلك حسن المآب بقوله سبحانه: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ...}.



سورة آل عمران الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 011-015 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 011-015   سورة آل عمران الآيات من 011-015 Emptyالسبت 20 أبريل 2019, 5:35 am

قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [١٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وحين تسمع كلمة: "أؤخبركم" فما نسمعه بعد ذلك كلام عادي، أما عندما نسمع: "أؤنبئكم" فما نسمعه بعدها هو خبر هائل لا يُقال إلا في الأحداث العِظَام، فلا يقول أحد لآخر: سأنبئك بأنك ستأكل كذا وكذا في الغداء، ولكن يُقال "أنا أنبئك بأنك نِلْتَ جائزة كبرى"، هذا في المستوى البشري فما بالنا بالله الخالق الأعلى، ولذلك يقول الله الحق: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ} [النبأ: 1-2].       

إنه الأمر الذي يقلب كيان هذه الدنيا كلها، فحين يقول الحق: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ} [آل عمران: 15] فمعنى ذلك أن الله يخبرنا بخير من هذه الأشياء، ومن ذلك نعرف أن الله قد جعل هذه الأشياء مقياساً، لماذا؟

لأنه مقياس محس، وأوضح لنا كيفية التصعيد فقال: {لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 15] والمؤمن هو من ينظر بثقة إلى كلمة "عند ربهم" أي الرب المتولي التربية والذي يتعهد المُرَبَّى حتى يبلغه درجة الكمال المطلوب منه.       

والعندية هنا هي عند الرب الأعلى.       

فماذا أعد المربي الأعلى للمتقين؟

لقد أعد لهم {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ} [آل عمران: 15] ولنر الخيرية في هذه الجنات، وهي تقابل في الدنيا الحرث والزرع، وقد قلنا: إن الحق حين تكلم عن الزرع تكلم واصفاً له بـ "الحرث" لنعرف أن الزرع يتطلب منا حركة وعملاً.       

أما في الآخرة فالجنات جاهزة لا تتطلب من المؤمن حركة أو تعباً، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل إن هذه الجنات تجري من تحتها الأنهار وفيها للإنسان المؤمن ما وعده الله به: {خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} [آل عمران: 15] إنه الخلود الذي لا يفنى، ولا يترك الإنسان ولا يترك هو الإنسانِ.       

والأزواج المطهرة هي وعد من الله للمؤمنين، ومن يحب النساء في الدنيا يعرف أن المرأة في الدنيا يطرأ عليها أشياء قد تنفر، إما خَلْقاً تكوينياً، وإمَّا خُلُقاً، فهناك وقت لا يحب الرجل أن يقرب فيه المرأة، وقد يكون فيها خصلة من الخصال السيئة فيكره الإنسان جمالها. 

لذلك فالرجل قد ينخدع بالمظهر الخارجي للمرأة في الدنيا، وقد يقع الإنسان في هوى واحدة فيجد فيها خصلة تجعله يكرهها، أما في الآخرة فالأمر مختلف، إنها "أزواج مطهرة" أي مطهرة من كل عيب يعيب نساء الدنيا، فيأخذ المؤمن جمالها، ولا يوجد فيها شرور الدنيا، فقد طهرها الله منها.       

"أزواج مطهرة"

مَنْ الذي طهرها؟

إنه هو الله -سبحانه- طهرها خَلْقاً وَخُلُقاً.       

فالرجل في الدنيا قد يهوى امرأة، وتستمر نضارتها خمسة عشر عاماً تستميله وتجذبه، ثم تبدأ التجاعيد والترهل والتنافر.       

أما في الآخرة فالمرأة مطهرة من كل شيء، وتظل على نضارتها وجمالها إلى الأبد، أليس هذا تصعيداً للخير؟

ونلاحظ أن الحق سبحانه ذكر هنا أمرين: الأمر الأول: هو جنات تجري من تحتها الأنهار، ونقارن بينها وبين الحرث في الدنيا.       

والأمر الآخر: هو الأزواج المُطهَّرة، ونقارن بينها وبين النساء في الدنيا أيضاً، ولم يورد الحق أي شيء عن بقية الأشياء.

فأين القناطير المقنطرة من الذهب؟

وأين الخيل؟

وأين الأنعام؟

وأين البنون؟

إننا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى جعل الأمرين المُزَيَّنَيْنِ، واحداً يستهل به الآية، والأمر الآخر يأتي في آخر الآية، ولنقرأ الآية التي فيها التزيين: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ} [آل عمران: 15].       

إن البداية هي النساء، ذلك هو القوس الأول، والنهاية هي الحرث وذلك هو القوس الثاني، وبين القوسين بقية الأشياء المزينة، وقد أعطانا الله عوض القوسين وأوضح لنا إنهما هما الخير الْمُصَعَّد، ولم يورد بقية الأشياء المزينة، وهذا يعني أن نفهم ذلك في ضوء أن الرزق ما به انتُفِعَ، أي أن كل ما ينتفع به الإنسان رزق، الخُلُق الطيب رزق, سماع العلم رزق، أدب الإنسان رزق، حلم الإنسان رزق، صدق الإنسان رزق، لكن الرزق يأتي مرة مباشراً بحيث تنتفع به مباشرة، ومرة أخرى يأتي الرزق لكنه لا ينفع مباشرة، بل قد يكون سبباً ووسيلة لما ينفع مباشرة.       

مثال ذلك الخبز، إنه رزق مباشر، والنقود هي رزق، لكنها رزق غير مباشر؛ لأن الإنسان قد يكون جائعاً وعنده جبل من ذهب، فلو قال واحد لهذا الإنسان: خذ رغيفاً مقابل جبل الذهب.       

سيعطي الإنسان الجائع جبل الذهب مقابل الرغيف؛ لأن الإنسان لا يأكل الذهب، وكذلك كوب الماء بالنسبة للعطشان.       

إذن فهناك رزق لا يطلب لذاته، ولكن يطلبه الإنسان لأنه وسيلة لغيره - فالوسيلة لغيره أنت لن تحتاج إليها في الآخرة؛ لأنك ستعيش ببدل الأسباب بقول الحق: "كن" فالإنسان لن يحتاج في الجنة إلى مال.       

أو قناطير مقنطرة من الذهب والفضة؛ لأن كل ما تشتهيه النفس ستجده، ولن تحتاج في الآخرة إلى خيل مسومة؛ لأنك لن تجاهد عليها أو تتلذذ وتستأنس بركوبها.       

وكل ما لا تحتاج إليه في الآخرة من أشياء أعطاها لك الله في الدنيا لتسعى بها في الأسباب، ولم يورده الله في قوله: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ} [آل عمران: 15] لم يوردها في النص الكريم، لأن عطاء الله في الآخرة بالرزق المباشر، أما الأشياء التي يسعى بها الإنسان إلى الرزق المباشر في الدنيا فلم يوردها لعدم الحاجة إليها في الآخرة، فنحن نحب المال، لماذا؟

لأنه يحقق لنا شراء الأشياء.

والخيل المسومة نحبها؛ لأنها تحقق لنا القدرة على القتال والجهاد في سبيل الله.       

والأنعام؛ لتحقق لنا المتعة.       

أما الجنة في الآخرة فالمؤمن يجد فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وكل ما يخطر ببال من يرزقه الله الجنة سوف يجده؛ فالوسائط لا لزوم لها.       

لذلك تكلم الحق عن الأشياء المباشرة، فأورد لنا ذكر الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، وذكر لنا الأزواج المطهرة.       

وعندما نتأمل قول الحق: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ} [آل عمران: 15] قد يقول قائل: ألم يكن من المنطق أن يخبرنا الحق مباشرة بما يريد أن يخبرنا به، بدلاً من أن يسألنا: أيخبرنا بهذا الخير، أم لا؟

ونقول: أنت لم تلتفت إلى التشويق بالأسلوب الجميل، وحنان الله على خلقه.       

إنه سبحانه وتعالى يقول لنا: ألا تريدون أن أقول لكم على أشياء تفضل تلك الأشياء التي تسيركم في الدنيا.       

فكأن الحق سبحانه وتعالى قد نبه من لم ينتبه.       

ولم ينتظر الحق أن نقول له: قل لنا يارب.       

لا، إنه يقول لنا دون طلب منا، ويقال عن هذا الأسلوب في اللغة إنه "استفهام للتقرير"، فالإنسان حين يسمع: {أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ} [آل عمران: 15] فالذهن ينشغل، فإن لم يسمع النبأ، فلسوف يظل الذهن مشغولاً بالنبأ، ويأتي الجواب على اشتياق فيتمكن من نفس المؤمن.       

ويأتي النبأ {لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا} [آل عمران: 15]، فعندما نمعن النظر في الشهوات التي تقدمت من نساء وبنين وقناطير مقنطرة من ذهب وفضة وخيل مسومة وأنعام وحرث، ألا يكون من المناسب فيها أن يتقي الإنسان ربه في مجالها؟

إن التقوى لله في هذه الأشياء واجبة، ولذلك قلنا من قبل قضية نرد بها على الذين يريدون أن يجعلوا الحياة زهداً وانحساراً عن الحركة، وأن يوقفوا الحياة على العبادة في أمور الصلاة والصوم، وأن نترك كل شيء.       

لهؤلاء نقول: لا؛ إن حركتك في الحياة تعينك على التقوى؛ لأننا عرفنا أن معنى التقوى هو أن يجعل الإنسان بينه وبين النار حجاباً، وأن تجعل بينك وبين غضب ربك وقاية.       

فإذا ما أخذت نعم الله لتصرفها في ضوء منهج الله فهذا هو حسن استخدام النعم.       

وقد أوضحت من قبل أن التقوى حين تأتي مرة في قول الحق: "اتقوا الله" وتأتي مرة أخرى "اتقوا النار" فهما ملتقيان؛ فاتقاء النار حتى لا يُصاب الإنسان بأذى، وعندما يتقي الإنسان الله فهو يتقي غضب الله؛ لأن غضب الله يورد العذاب، والعذاب من جنود النار.       

إذن فالذين يتقون الله لا يظنون أنهم زهدوا في هذه الحياة لذات الزهد فيها، ولكن للطمع فيما هو أعلى منها، إنه الطمع في النعيم الأخروي الدائم.       

ويوضح الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك: أنكم لن تتمتعوا في الآخرة لضرورة الحاجة للمتعة، بحيث إذا ما جاءت النعمة عليكم تفرحون بها، إن الأمر لا يقتصر على ذلك وإنما يتعداه إلى أنكم -أيها المؤمنون- تحبون فقط أن تروا المنعم، فما دام المؤمن الذي يدخل الجنة يجد كل ما يشتهي بل إنه لا يشتهي شيئاً حتى يأتيه، ويستمتع على قدر عطاء الله وقدراته.       

وإذا لم يشته الإنسان ثماراً في الجنة أو نساء، ويصبح مشغولاً برؤية ربه فإن مكانه جنة من الجنان اسمها "عليّون" و"عليّون" هذه ليس فيها شيء مما تسمعه عن الجنة، ليس فيها الا أن تلقى الله.       

إن الرزق والنعم ليسا من أجل قوام الحياة في الجنة، بل إن الإنسان سيكون له الخلود فيها؛ فالذي يحتاج إليه الإنسان هو رضوان من الله.       

إن رضواناً من الله أكبر من كل شيء.       

ولقد نبأنا الله بما في الجنات، ونبأنا بالخير من كل ذلك.      

لقد نبأنا الله بأن رضوانه الأكبر هو أن يضمن المؤمن أنْ يظفر برؤية ربّه.       

وهذا ما يقول الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23].       

إذن فهناك في الجنة مراتب ارتقائية.       

ويخبرنا الحق من بعد ذلك: {وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ} [آل عمران: 15] أي أن الله سيعطي كل إنسان على قدر موقفه من منهج ربه، فمَنْ أطاع الله رغبة في النعيم بالجنة يأخذ جنة الله، ومن أطاع الله لأن ذات الله أهل لأن تطاع فإن الله يعطيه متعة ولذة النظر إليه -سبحانه-.

تقول رابعة العدوية في هذا المعنى:
كلهم يعبدون من خوف النار
ويرون النجـــاة حظا جزيلاً
إننّي لســت مثـلهــم ولــهذا
لست أبغي بمن أحب بديــلاً

وقالت أيضاً: اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فأدخلني فيها، وإن كنت تعلم أني أعبدك طمعاً في جنتك فاحرمني منها، إنما أعبدك لأنك تستحق أن تُعبد.       

إذن فـ {ٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ} [آل عمران: 15] أي أنه سيعطي كل عبد على قدر حركته ونيته في الحركة؛ فالذي أحَبَّ ما عند الله من النعمة فليأخذ النعمة ويفيضها الله عليه.       

أما الذي أحَبَّ الله وإن سَلَبَ منه النعمة، فإن الله يعطيه العطاء الأوفى، وذلك هو مجال مباهاة الله لملائكته.      

ومن أقوى دلائل الإيمان وكماله.      

إيثار محبة الله ورسوله على كل شيء في الوجود.       

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجد بهم حلاوة الإيمان: مَنْ كان اللهُ ورسولهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وأن يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلّا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقْذَفَ في النَّار".       

إن هناك العبد الذي يحب الله لذاته؛ لأن ذاته سبحانه تستحق أن تُعبد، فذاتُ الله تستحق العبادة؛ لأنه الوهَّاب، الذي نظم لنا هذا الكون الجميل.       

إذن فقول الحق: {وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ} [آل عمران: 15] يعني أن الله يعلم مقدار ما يستحق كل عابد لربه، وعلى مقدار حركته ونيته في ربه يكون الجزاء، فمن عبد الله للنعمة أعطاه الله النعمة المرجوة في الجنة ليأخذها، وأطاع الله لأنه أهل لأن يطاع وإن أخذت -بضم الألف وكسر الخاء- النعمة منه فإن الله يعطيه مكاناً في عليين.       

ولذلك قيل: إن أشد الناس بلاء هم الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل.       

لماذا؟

لأن ذلك دليل صدق المحبة.       

والإنسان عادة يحب من يحسن إليه، ولا يحب من تأتي منه الإساءة إلا إن كانت له منزلة عالية كبيرة.       

إنه مطمئن إلى حكمته، إنه ابتلاه -وهو يعلم صبره- ليعطيه ثواباً جزيلاً وأجراً كبيراً، والحق يقول: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} [الكهف: 110].       

لقد قال: "فمن كان يرجوا لقاء ربه" ولم يقل جنة ربه وهكذا يجب ألا تشغلنا النعمة -الجنة- عن المنعم وهو الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الحق قد طلب منا ألا نشرك بعبادة ربنا أحداً فلنعلم أن الجنة أَحَدٌ.       

وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: {ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا...}.



سورة آل عمران الآيات من 011-015 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة آل عمران الآيات من 011-015
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة آل عمران الآيات من 051-055
» سورة آل عمران الآيات من 131-135
» سورة آل عمران الآيات من 056-060
» سورة آل عمران الآيات من 136-140
» سورة آل عمران الآيات من 061-065

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: آل عمران-
انتقل الى: