منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الآيات من 281-286

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الآيات من 281-286 Empty
مُساهمةموضوع: الآيات من 281-286   الآيات من 281-286 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:20 am

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [٢٨١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ولقد أوضحنا من قبل أن تقوى الله تقتضي أن تقوم بالأفعال التي تقينا صفات الجلال في الله، وأوضحنا أن الله قال: "اتقوا النار" أي أن نفعل ما يجعل بيننا وبين النار وقاية، فالنار من متعلقات صفات الجلال.

وها هو ذا الحق سبحانه هنا يقول: "اتقوا يوماً"، فهل نتقي اليوم، أو نتقي ما ينشأ في اليوم؟

إن اليوم ظرف زمان، والأزمان لا تُخاف بذاتها، ولكن يخاف الإنسان مما يقع في الزمن.

لكن إذا كان كل شيء في الزمن مخيفاً، إذن فالخوف ينصب على اليوم كله، لأنه يوم هول؛ كل شيء فيه مفزّع ومخوف، وقانا الله وإياكم ما فيه من هول، وانظر إلى الدقة القرآنية المتناهية في قوله: {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ} [البقرة: 281].

إن الرجوع في هذا اليوم لا يكون بطواعية العباد ولكن بإرادة الله.

وسبحانه حين يتكلم عن المؤمنين الذين يعملون الصالح من الأعمال؛ فإنه يقول عن رجوعهم إلى الله يوم القيامة: {وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 45-46].

ومعنى ذلك أن العبد المؤمن يشتاق إلى العودة إلى الله؛ لأنه يرغب في أن ينال الفوز.

أما غير المؤمنين فيقول عنهم الحق: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13].

إن رجوع غير المؤمنين يكون رجوعاً قسرياً لا مرغوباً فيه.

والحق يقول عن هذا اليوم: {ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

وبعد ذلك يقنن الحق سبحانه للدَّيْن فيقول سبحانه: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ...}.




الآيات من 281-286 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 18 مارس 2020, 4:53 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الآيات من 281-286 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الآيات من 281-286   الآيات من 281-286 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:24 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [٢٨٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إنها أطول آية في آيات القرآن ويستهلها الله بقوله: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ} [البقرة: 282] وهذا الاستهلال كما نعرف يوحي بأن ما يأتي بعد هذا الاستهلال من حكم، يكون الإيمان هو حيثية ذلك الحكم، فما دمت قد آمنت بالله فأنت تطبق ما كلفك به؛ لأن الله لم يكلف كافراً، فالإنسان -كما قلنا سابقاً- حر في أن يُقبل على الإيمان بالله أو لا يُقبل.

فإن أقبل الإنسان بالإيمان فليستقبل كل حكم من الله بالتزام.

ونضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى- إن الإنسان حين يكون مريضاً، هو حر في أن يذهب إلى الطبيب أو لا يذهب، ولكن حين يذهب الإنسان إلى الطبيب ويكتب له الدواء فالإنسان لا يسأل الطبيب وهو مخلوق مثله: لماذا كتبت هذه العقاقير؟

إن الطبيب يمكن أن يرد: إنك كنت حراً في أن تأتي إليّ أو لا تأتي، لكن ما دمت قد جئت إلى فاسمع الكلام ونفذه.

والطبيب لا يشرح التفاعلات والمعادلات، لا، إن الطبيب يشخص المرض، ويكتب الدواء.

فما بالنا إذا أقبلنا على الخالق الأعلى بالإيمان؟

إننا ننفذ أوامره سبحانه، والله لا يأمر المؤمن إلا عن حكمة، وقد تتجلّى للمؤمن بعد ذلك آثار الحكمة ويزداد المؤمن ثقة في إيمانه بالله.

يقول الحق: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وعندما نتأمل قول الحق: "تداينتم" نجد فيها "دَيْن"، وهناك "دِين"، ومن معنى الدِّين الجزاء، ومن معنى الدِّين منهج السماء، وأما الدَّيْن فهو الاقتراض إلى موعد يسدد فيه.

هكذا نجد ثلاثة معان واضحة: الدِّين: وهو يوم الجزاء، والدين وهو المنهج السماوي، والدَّيْن: هو المال المقترض.

والله يريد من قوله: {تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] أن يزيل اللبس في معنيين، ويبقى معنى واحداً وهو الاقتراض فقال: "بِدَيْنٍ" فالتفاعل هنا في مسألة الدَّيْن لا في الجزاء ولا في المنهج، والحق يحدد الدَّيْن بأجل مُسمّى.

وقد أراد الله بكلمة "مُسمّى" مزيداً من التحديد، فهناك فرق بين أجل لزمن، وبين أجل لحدث يحدث، فإذا قلت: الأجل عندي مقدم الحجيج.

فهذا حدث في زمن، ومقدم الحجيج لا يضمنه أحد، فقد تتأخر الطائرة، أو يصاب بعض من الحجيج بمرض فيتم حجز الباقين في الحجر الصحي.

أما إذا قلت: الأجل عندي شهران أو ثلاثة أشهر فهذا يعني أن الأجل هو الزمن نفسه، لذلك لا يصح أن يؤجل أحد دينه إلى شيء يحدث في الزمن؛ لأنه من الجائز ألا يحدث ذلك الشيء في هذا الزمن.

إن التداين بديْن إلى أجل مُسمى يقتضي تحديد الزمن، والحق يوضح لنا: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وكلمة "فاكتبوه" هي رفع لحرج الأحباء من الأحباء.

إنه تشريع سماوي، فلا تأخذ أحد الأريحية، فيقول لصاحبه: "نحن أصحاب"، إنه تشريع سماوي يقول لك: اكتب الديْن، ولا تقل: "نحن أصدقاء" فقد يموت واحد منكما فإن لم تكتب الديْن حرجاً فماذا يفعل الأبناء، أو الأرامل، أو الورثة؟.

إذن فإلزام الحق بكتابة الديْن هو تنفيذ لأمر من الله يحقق رفع الحرج بين الأحباء.

ويظن كثير من الناس أن الله يريد بالكتابة حماية الدائن.

لا، إن المقصود بذلك والمهم هو حماية المدين، لأن المدين إن علم أن الديْن عليه موثق حرص أن يعمل ليؤدي ديْنه، أما إذا كان الديْن غير موثق فيمن الجائز أن يكسل عن العمل وعن سداد الديْن.

وبذلك يحصل هو وأسرته على حاجته مرة واحدة، ثم يضن المجتمع الغني على المجتمع الفقير فلا يقرضه؛ ويأخذون عجز ذلك الإنسان عن السداد ذريعة لذلك، ويقع هذا الإنسان الذي لم يؤد دينه في دائرة تحمل الوزر المضاعف، لأنه ضيّق باب القرض الحسن.

إن الله يريد أن يسير دولاب الحياة الاقتصادية عند من لا يملك، لأن من يملك يستطيع أن يسيّر حياته، أما من لا يملك فهو المحتاج.

ولذلك فهناك مثل في الريف المصري يقول: من يأخذ ويعطي يصير المال ماله.

إنه يقترض ويسدد، لذلك يثق فيه كل الناس، ويرونه أميناً ويرونه مُجداً، ويرونه مخلصاً، ويعرفون عنه أنه إذا أخذ وفّى، فكل المال يصبح ماله.

إذن فالله -سبحانه- بكتابة الديْن يريد حماية حركة الحياة عند غير الواجد؛ لأن الواجد في غير حاجة إلى القرض.

لذلك جاء الأمر من الحق سبحانه: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].

ومن الذي يكتب الدَّيْن؟.

انظر الدقة: لا أنت أيها الدَّائن الذي تكتب، ولا أنت أيها المدين، ولكن لابد أن يأتي كاتب غير الاثنين، فلا مصلحة لهذا الثالث من عملية الدَّينْ {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ} [البقرة: 282].

وفي ذلك إيضاح بأن الإنسان الذي يعرف الكتابة إن طُلب منه أن يكتب ديْناً ألا يمتنع عن ذلك، لماذا؟

لأن الآية -آية الدَّيْن- قد نزلت وكانت الكتابة عند العرب قليلة، كان هناك عدد قليل فقط هم الذين يعرفون الكتابة، فكان هناك طلب شديد على مَنْ يعرف الكتابة.

ولكن إن لم يُطْلَب أحد من الذين يعرفون الكتابة أن يكتب الديْن فماذا يفعل؟.

إن الحق يأمره بأن يتطوع، وفي ذلك يأتي الأمر الواضح "فليكتب"؛ لأن الإنسان إذا ما كان هناك أمر يقتضي منه أن يعمل، والظرف لا يحتمل تجربة، فالشرع يلزمه أن يندب نفسه للعمل.

هب أنكم في زورق وبعد ذلك جاءت عاصفة، وأغرقت الذي يمسك بدفة الزورق، أو هو غير قادر على إدارة الدفة، هنا يجب أن يتقدم من يعرف ليدير الدفة، إنه يندب نفسه للعمل، فلا مجال للتجربة.

والحق سبحانه وتعالى حين عرض قضية الجدب في قصة سيدنا يوسف قال: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 47-48].

وقال سيدنا يوسف: {قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].

إن المسألة جدب فلا تحتمل التجربة، وهو كُفءٌ لهذه المُهِمَّة، يملك موهبة الحفظ والعلم، فيندب نفسه للعمل.

كذلك هنا {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ} [البقرة: 282] إذا طُلب منه وإن لم يطلب منه وتعين "فليكتب”.

وهذه علة الأمرين الاثنين، وما دامت الكتابة للتوثيق في الدَّيْن؛ فمن الضعيف؟

إنه المدين، والكتابة حجة عليه للدائن، لذلك يحدد الله الذي يملل: الذي عليه الديْن، أي يملي الصيغة التي تكون حجة عليه {وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ} [البقرة: 282] ولماذا لا يملي الدائن؟

لأن المدين عادة في مركز الضعف، فلعل الدائن عندما تأتي لحظة كتابة ميعاد السداد فقد يقلل هذا الميعاد، وقد يخجل المدين أن يتكلم ويصمت؛ لأنه في مركز الضعف.

ويختار الله الذي في مركز الضعف ليملي صيغة الديْن، يملي على راحته، ويضمن ألا يُؤخذ بسيف الحاجة في أن موضع من المواضع.

لكن ماذا نفعل عندما يكون الذي عليه الديْن سفيها أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو؟ إن الحق يضع القواعد {فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ} [البقرة: 282] والسفيه هو البالغ مبلغ الرجال إلا أنه لا يمتلك أهلية التصرف.  
 
والضيف هو الذي لا يملك القدرة التي تُبلغه أن يكون ناضجاً النضج العقلي للتعامل، كأن يكون طفلاً صغيراً، أو شيخاً بلغ من الكبر حتى صار لا يعلم من بعد علمه شيئاً، أو لا يستطيع أن يمل.        

أي أخرس فيقوم بالإملاء الولي أو القيمّ أو الوصيّ.

ويأتي التوثيق الزائد: بقوله -تعالى-: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} [البقرة: 282].

ولننظر إلى الدقة في التوثيق عندما يقول الحق: "واستشهدوا" نستشهد ونكتب، لأنه سبحانه يريد بهذا التوثيق أن يؤمّن الحياة الاقتصادية عند غير الواجد؛ لأن الحاجة عندما تكون مؤمَّنَة عند غير الواجد فالدولاب يمشي وتسير حركة الحياة الاقتصادية؛ لأن الواجد هو القليل، وغير الواجد هو الكثير، فكل فكر جاد ومفيد يحتاج إلى مائة إنسان ينفذون التخطيط.

إن الجيب الواجد الذي يصرف يحتاج إلى مائة لينفذوا، ولهذا تكون الجمهرة من الذين لا يجدون، وذلك حتى يسير نظام الحياة؛ لأن الله لا يريد أن يكون نظام الحياة تفضلاً من الخلق على الخلق، إنما يريد الله نظام الحياة نظاماً ضرورياً؛ فالعامل الذي لا يعول أسرة قد لا يخرج إلى العمل، لذلك فالحق يربط خروج العامل بحاجته.

إنه يحتاج إلى الطعام ورعاية نفسه وأسرته فيخرج اضطراراً إلى العمل، وبتكرار الأمر يعشق عمله، وحين يعشق العمل فهو يحب العمل في ذاته.

وبذلك ينتقل من الحاجة إلى العمل، إلى حب العمل في ذاته، وإذا ما أحب العمل في ذاته، فعجلة الحياة تسير.

والحق سبحانه حين يحدد الشهود بهذا القول: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ} [البقرة: 282].

ولماذا قال الحق: "شهيدين" ولم يقل "شاهدان"؟

لأن مُطلق شاهد قد يكون زوراً، لذلك جاء الحق بصيغة المبالغة.

كأنه شاهد عرفه الناس بعدالة الشهادة حتى صار شهيداً.

إنه إنسان تكررت منه الشهادة العادلة؛ واستأمنه الناس على ذلك، وهذا دليل على أنه شهيد.

وإن لم يكن هناك شهيدان من الرجال فالحق يحدد لنا {فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ} [البقرة: 282].

إن الحق سبحانه وتعالى قد طلب منا على قدر طاقتنا أي من نرضى نحن عنهم، وعلل الحق مجيء المرأتين في مقابل رجل بما يلي: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} [البقرة: 282]؛ لأن الشهادة هي احتكاك بمجتمع لتشهد فيه وتعرف ما يحدث.

والمرأة بعيدة عن كل ذلك غالباً.

أن الأصل في المرأة ألا علاقة لها بمثل هذه الأعمال، وليس لها شأن بهذه العمليات، فإذا ما اضطرت الأمور إلى شهادة المرأة فلتكن الشهادة لرجل وامرأتين؛ لأن الأصل في فكر المرأة أنه غير مشغول بالمجتمع الاقتصادي الذي يحيط بها، فقد تضل أو تنسى إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، وتتدارس كلتاهما هذا الموقف، لأنه ليس من واجب المرأة الاحتكاك بجمهرة الناس وبخاصة ما يتصل بالأعمال.

وبعد ذلك يقول الحق: {وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ} [البقرة: 282] فكما قال الحق عن الكاتب ألا يمتنع عن توثيق الديْن، كذلك الشهادة على هذا الديْن.

وكيف تكون الشهادة، هل هي في الأداء أو التحمل؟

إن هنا مرحلتين: مرحلة تحمل، ومرحلة أداء.

وعندما نطلب من واحد قائلين: تعال اشهد على هذا الديْن.

فليس له أن يمتنع، وهذا هو التحمل.

وبعدما وثقنا الديْن، وسنطلب هذا الشاهد أمام القاضي، والوقوف أمام القاضي هو الأداء.

وهكذا لا يأبى الشهداء إذا ما دعوا تحملاً أو أداءً.

لكن الحق سبحانه وتعالى يعلم أن كل نفس بشرية لها مجال حركتها في الوجود، ويجب ألا تطغى حركة حدث على حدث، فالشاهد حين يُستدعى -بضم الياء- ليتحمل أولاً أو ليؤدي ثانياً ينبغي ألاّ تتعطل مصالحه؛ إن مصالحه ستتعطل؛ لأنه عادل، ولأنه شهيد، لذلك يضع الله لذلك الأمر حداً فيقول: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [البقرة: 282].

إذن فالشهادة هنا تتطلب أن نحترم ظروف الشاهد.

فإن كان عند الشاهد عمل أو امتحان أو صفقة أو غير ذلك، فلنا أن نقول للشاهد: إما أن تتعين في التحمل حيث لا يوجد من يوثق به ويطمأن إليه أما في الأداء فأنت مضطر.

إن الشاهد يمكنه أن يذهب إلى أمره الضروري الذي يجب أن يفعله، فلا يطغى حدث على حدث، لذلك علينا أن نبحث عن شاهد له قدرة السيطرة على عمله بدرجة ما.

وإن لم نجد غيره، فماذا يكون الموقف؟

لقد قال الحق: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [البقرة: 282] إذن فعلينا أن نبحث له عن "جُعْل" يعوض عليه ما فاته، فلا نلزمه أن يُعطل عمله وإلا كانت عدالته وَبالاً عليه، لأن كل إنسان يُطلب للشهادة تتعطل أعماله ومصالحه.

والله لا يحمي الدائن والمدين ليضر الكاتب أو الشهيد.

وقوله الحق لكلمة: "يضار" فمن الممكن أن تأتي الكلمة على وجهين في اللغة، فمرة تأتي "يضار" بمعنى أن الضرر يأتي من الكاتب أو الشهيد، ومرة أخرى تأتي كلمة "يضار" بمعنى أنّ الضرر يقع على الكاتب أو الشهيد.

فاللفظ واحد، ولكن حالة اللفظ بين الإدغام الذي هو عليه حسب قواعد اللغة وبين فكه هي التي تُبَيِّنُ لنا اتجاه المعنى.

فإن قلنا: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [البقرة: 282] -بكسر الراء-، فالمعنى في هذه الحالة هو أن يقع الضرر من الكاتب فيكتب غير الحق، أو أن يقع الضرر من الشهيد فيشهد بغير العدل.

وإن قلنا: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [البقرة: 282] -بفتح الراء- فالمنهي عنه هو أن يقع الضرر على الكاتب أو الشهيد من الذين تؤدي الكتابة غرضاً لهم، وتؤدي الشهادة واجباً بالنسبة لهم؛ ليضمن الدائن دَيْنه، وليستوثق أن أداءه محتم.

والكاتب والشهيد شخصان لهما في الحياة حركة، ولكل منهما عمل يقوم به ليؤدي مطلوبات الحياة، فإذا عُلِمَ -بضم العين وكسر اللام وفتح الميم- أنه كاتب أو شهد بأنه عادل، عند ذلك يتم استدعاؤه في كل وقت من أصحاب المصلحة في المداينة، وربّما تعطلت مصالح الكاتب أو الشهيد.

ويريد الله أن يضمن لذلك الكاتب أو الشهيد ما يبقى على مصلحته.

ولذلك أخذت القوانين الوضعية من القرآن الكريم هذا المبدأ، فهي إن استدعت شاهداً من مكان ليشهد في قضية فإنّها تقوم له بالنفقة ذهاباً وبالنفقة إياباً، وإن اقتضى الأمر أن يبيت فله حق المبيت وذلك حتى لا يضار، وهو يؤدي الشهادة، وحتى لا يتعطل الشاهد عن عمله أو أن يصرف من جيبه.

ويريد الحق سبحانه وتعالى أيضاً أن يضمن مصالح الجميع لا مصلحة جماعة على حساب جماعة.

ويقول الحق في هذه "المضارة": {وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ...} [البقرة: 282] أي وإن تفعلوا الضرر من هذا أو من ذاك فإنه فسوق بكم، إنه سبحانه يحذر أن يقع الضرر من الكاتب أو الشهيد، أو أن يقع الضرر على الكاتب أو الشهيد.

ففعل الضرر فسوق، أي خروج عن الطاعة.

والأصل في "الفسق" هو خروج الرطبة من قشرتها، فالبلح حين يرطب تكون القشرة قد خلعت عن الأصل من البلحة، فتخرج الثمرة من القشرة فيقال: "فسقت الرطبة”.

ومنها أخذ معنى الفسوق وهو الخروج عن طاعة الله في كل ما أمر.

ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} [البقرة: 282] وعلمنا من قبل معنى كلمة "التقوى" حين يقول الله: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} [البقرة: 282] أو يقول سبحانه: {وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ} [آل عمران: 131].

{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ} [البقرة: 281]، وكل هذه المعاني مبنية على الوقاية من صفات جلال الله، وجبروته، وقهره، وإذا قلنا: "اتقوا النار" فالنار من جنود صفات القهر لله، فـ "اتقوا الله" هي بعينها "اتقوا النار" هي بعينها "اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله”.

ويقول الحق سبحانه: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ} [البقرة: 282].

وهنا مبدأ إيماني يجب أن نأخذه في كل تكليف من الله؛ فإن التكاليف إن جاءت من بشر لبشر، فأنت لا تنفذ التكليف من البشر إلا إن أقنعك بحكمته وعلته؛ لأن التكليف يأتي من مساوٍ لك، ولا توجد عقلية أكبر من عقلية، وقد تقول لمن يكلفك: ولماذا أكون تبعاً لك وأنت لا تكون تبعاً لي؟ إنك إذا أردت أن تكلفني بأمر من الأمور وأنت مساو لي في الإنسانية والبشرية وعدم العصمة فلا بد أن تقنعني بحكمة التكليف.

أما إن كان التكليف من أعلى وهو الحق سبحانه وهو الله الذي آمنا بقدرته وعلمه وحكمته وتنزهه عن الغرض العائد عليه فالمؤمن في هذه الحالة يأخذ الأمر قبل أن يبحث في الحكمة؛ لأن الحكمة في هذا الأمر أنه صادر من الله، وحين ينفذ المؤمن التكليف الصادر من الله فسيعلم سر هذه الحكمة فيما بعد؛ فأسرار الحكم عند الله تأتي للمؤمن بعد أن يقبل على تنفيذ التكاليف الإيمانية.

إن الحق سبحانه -على سبيل المثال- لا يقنع العبد بأسرار الصوم، ولكن إن صام العبد المؤمن كما قال الله، وعند ممارسة المؤمن لعبادة الصوم سيجد أثر حكمة الصوم في نفسه بما لا يمكن إقناعه به أولاً.

إن المؤمن حين يفعل التكليف الإيماني فإن الله يعلمه حكمة التكليف.

ولنا في قوله سبحانه الدليل الواضح: {يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].

إن الله سبحانه يَعِدُ عباده المؤمنين أنهم عندما يتقونه فإنه يجعل لهم دلائل تبين لهم الحق من الباطل ويستر عنهم السيئات ويغفر لهم.

لماذا؟

لأن الله الذي يعلمنا هو الحق سبحانه العليم بكل شيء.

وعلم الله ذاتي، أما علم الإنسان فقد يكون أثراً من ضغط الأحداث عليه فيفكر الإنسان في تقنين شيء يخرجه مما يكون فيه من شر، ولكن علم العليم الأعلى سابق على ذلك لأنه علم ذاتي.

وفيما سبق علمنا أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الديْن هذه العناية ليضمن للحياة حركتها الطاهرة، حركتها السليمة؛ لأن المعدم لا وسيلة له في حركة الحياة إلا أمور ثلاثة..

الأمر الأول: الرِّفْدُ أي عطاء تطوعي يستعين به على حركة الحياة.

والأمر الثاني: الفرض الذي فرضه الله في الزكاة.

والأمر الثالث: القرض الذي شرعه.

فعندما لا يجد المؤمن المعدم الرِّفْدَ أو الفرض فماذا يكون بعد ذلك؟ إنه القرض.

إذن فالقرض هو المفزَع الثالث للحركة الاقتصادية عند المعدمين.

وعرفنا أن القرض عند الله يفوق ويعلو الصدقة في الثواب؛ لأن الصدقة حين تتصدق بها تكون قد خرجت من نفسك من أول الأمر فلا مشغولية لذهنك بعد ذلك، ولكن القرض نفسك تكون متعلقة به؛ لأنك لا تزال مالكاً له، وكلما صبرت عليه أخذت ثواباً من الله على كل صبرة تصبرها على المدين.

وعرفنا كذلك أن الحق سبحانه قد استوثق لعملية الديْن استيثاقاً يجب أن نفهمه من وجهيه، الوجه الأول: أنه يحفظ بذلك ثمرة حركة المتحرك في الحياة وهي أن يتمول، أي أن يكون عنده مال؛ فإن لم نَحْم له ثمرة حركته في الحياة استهان بالحركة، وإذا استهان بالحركة تَعطلت مصالح كثيرة؛ لأن حركة المتحرك في الحياة تنفع بشراً كثيرين قصد المتحرك ذلك أو لم يقصد، وضربنا المثل بمن يريد بناء عمارة، وعنده مال، فيسلط الله عليه خاطراً من خواطره مصداقاً لقوله الحق: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].

فيقول: ولماذا أكنز المال؟ ولماذا لا أبني عمارة أستفيد من إيجارها؟.

وبذلك لا يتناقص المال بل يزيد.

وليس في بال ذلك الرجل أن ينفعَ أحداً.

إن باله مشغول بأن ينفع نفسه، لكن حركته وإن لم يقصد نفعَ الغير ستنفع الغير.

فالذي يحفر الأرض سيأخذ أجراً لذلك، والذي يضرب الطوب سيأخذ أجراً لذلك، وكل من يشترك في عمل لإقامة هذا البنيان من بناء أو إدخال كهرباء أو توصيل مياه أو تحسين وتجميل كل واحد من هؤلاء سيأخذ أجره، وبذلك يستفيد الجميع وإن لم يقصد المتحرك في الحياة.

إذن فالحق يريد أن يحمي حركة المتحرك في الحياة لأنه لو لم يحم الله ثمرة حركته في الحياة؛ لاكتفى المتحرك في حركته بما يقوته ويقوت من يقول، ويبقى الضعيف في الحياة؛ فمن ذا يعوله؟.

إذن لابد أن نضمن للمتحرك ماله حتى يتشجع على الحركة إن الله الذي وهب الناس أرزاقهم، عندما يطلب من القوي المتحرك أن يعطي أخاه الضعيف المحتاج قرضاً، لا يقول الله: "أقرض المحتاج"، ولكنه جل وعلا يقول: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: 245].

إن الله سبحانه وتعالى قد احترم حركة الإنسان المتحرك في الحياة وجعل المال مال المتحرك، فلا يقول الله للمتحرك: أعط المحتاج من المال الذي وهبتك إياه.

لا، إنه مال المتحرك، ويقول الله للمتحرك: أقرضني لأن أخاك في حاجة إليه، كما نقول للتقريب لا للتشبيه -ولله المثل الأعلى- أنت تأخذ من حصالة ابنك لمصلحة أخيه، وتعد ابنك الذي أخذت من حصالته أنك سوف تعطيه الكثير.

والمال الذي أخذته من حصالة ابنك قرضاً أنت الذي أعطيته له أولاً.

إذن فالله يريد أن يحمي حركة الحياة، وإن لم نحم حركة الحياة، لا يكون كل إنساناً آمناً على ثمرة حركته، فستفسد الحياة كلها ويستشري الضغن والحقد والذي يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد: 36-37].

وساعة يتفشى الضغن في المجتمع فلا فائدة في هذا المجتمع أبداً.

إذن فالحق حين يوثق الديْن يريد أن يحمي حركة المتحرك؛ لأن الناس تختلف فيما بينها في الحركات الطموحية.

ولا توجد الحركات الطموحية في كل الناس، بل توجد في بعضهم، فلنستغل حركة الطموح عند بعض الناس؛ لأنهم سيفيدون المجتمع: قصدوا ذلك أو لم يقصدوا.

وبعد ذلك يريد الحق سبحانه وتعالى أن يحمي أيضاً الإنسان من نفسه؛ لأنه إذا علم أن الديْن الذي عليه موثق، ولا وسيلة لإنكاره حاول جاهداً أن يتحرك في الحياة ليؤديه.

وحين يتحرك الإنسان ليؤدي عن نفسه الديْن فإن ذلك يزيد الحركة في الحياة، ويزداد النفع.

وهكذا نرى أن الله أراد بالتوثيق للديْن حماية المدين من نفسه؛ لأن المدين قد تطرأ عليه ظروف فيماطل، وإذا ما ماطل فلن تكون الخسارة فيه وحده، ولكنه سيصبح أسوة عند جميع الناس وسيقول كل مَنْ عنده مال: لا أعطي أحداً شيئاً لأن فلاناً الغني مثلي قد أعطى فلاناً الفقير وماطله وأكله، وعند ذلك تتوقف حركة الحياة ولكن إذا كان الدَّيْنُ موثقاً ومكتوباً فإن المَدين يكون حريصاً على أدائه.

والله يريد أن يضمن لحركة الحياة دواماً واستمراراً شريفاً نظيفاً.

ولذلك نجد في آية الدَّيْنِ أن كلمة "الكتابة" ومادتها "الكاف والتاء والباء" تتكرر أكثر من مرة بل مرات كثيرة.

{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].

وهذا التكرار في هذه الآية لعملية الكتابة يؤصل العلاقة بين الناس؛ فالكتابة هي عمدة التوثيق، وهي التي لا تغش، لأنك إن سجلت شيئاً على ورقة فلن تأتي الورقة لتنكر ما كتبته أنت فيها، ولكن الأمر في الشهادة قد يختلف، فمن الجائز أن يخضع الشاهد لتأثير ما فينكر الحقيقة، ولذلك فإن الحق يعطينا قضية إيمانية جديدة حين يقول: "أن يكتب كما علمه الله" أي أن يكتب الكاتب على وفق ما علمه الله، فكأنه لابد أن يكون فقيهاً عالماً بأمور الكتابة، أو "كما علمه الله" أي أنّ الله أحسن إليه وعلمه الكتابة دون غيره، فكما أحسن الله إليه بتعلم الكتابة فليحسن ولْيُعَدِّ أثر الكتابة إلى الغير.

وليست المسألة مسألة كتابة فقط، إنما ذلك يشمل ويضم كل شيء أو موهبة خص الله بها فرداً من الناس من مواهب الله على خلقه؛ فالمؤمن هو من يعمل على أن يعدي أثر النعمة والموهبة إلى الغير.

وعليك أن تعدي أثر مواهب الغير إليك فتنفع بها سواك، وبذلك يشيع الخير ويعم النفع لأنك إن أخذت موهبة فستأخذ موهبة واحدة تكفيك في زاوية واحدة من زوايا حياتك، وعندما تعديها للجميع وتنقلها إليهم فيعدي الجميع مواهبهم المجتمعية لمصلحتك، فأيهما أكسب؟ حين تعدي وتنقل موهبتك إلى الناس، تكون أنت الأكثر كسباً؛ لأن الجميع يعدون وينقلون مواهبهم إليك.

وإذا أتقنت صنعتك للناس فالصنعة التي في يدك واحدة، وعندما تتقنها فإن الله يسلط جنود الخواطر على كل من يصنع لك شيئاً أن يتقنه، كما أتقنْت أنت لسواك.

وبعد ذلك يعلمنا الحق سبحانه شدة الحرص على التوثيق فيقول: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ...}.



الآيات من 281-286 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الآيات من 281-286 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الآيات من 281-286   الآيات من 281-286 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:26 am

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [٢٨٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والسفر كما نعلم هو خروج عن رتابة الحياة في الموطن، ورتابة الحياة في الموطن تجعل الإنسان يعلم تمام العلم مقومات حياته، لكن السفر يخرج الإنسان عن رتابة الحياة فلا يتمكن من كثير من الأشياء التي يتمكن بها في الإقامة.

فهب أنك مسافر، واضطررت إلى أن تستدين، ولا يوجد كاتب ولا يوجد شهيد، فماذا يكون الموقف؟ ها هو ذا الحق يوضح لك: {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].

إذن فلم يترك الله مسألة الديْن حتى في السفر فلم يشرِّع فقط للإقامة، ولكن الحق قد شرَّع أيضاً للسفر: {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وهكذا الكتابة، والشهادة في الإقامة والرهان المقبوضة في السفر هدفها حماية الإنسان أمام ظروف ضغط المجتمع.

ولكن هل يمنع الحق سبحانه وتعالى طموحية الإيثار؟

هل يمنع الحق سبحانه وتعالى رجولية التعامل؟

هل يمنع الحق سبحانه وتعالى المروءات من أن تتغلغل في الناس؟

لا.

إنه الحق سبحانه يقول: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ...} [البقرة: 283] إنه الطموح الإيماني، لم يَسُدّ الله مسألة المروءة والإيثار في التعامل.

إن كتابة الديْن والإشهاد والرهن ليس إلزاماً لأن الله قال: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283].

وأيضاً قد نفهم أن الذي اؤتمن هو المدين، وهنا نقول: لا، إن الأمر مختلف، فهنا رهان، وذلك معناه وجود مسألتين، المسألة الأولى هي "الديْن"، والمسألة الثانية هي: "الرهان المقبوضة" وهي مقابل الديْن.

فواحد مأمون على الرهن في يده.

والآخر مأمون على الديْن.

ولهذا يكون القول الحكيم مقصوداً به من بيده الرهن، ومن بيده الدَّيْن ومعنى ذلك أن يؤدي مَن معه الرهن أمانته، وأن يؤدي الآخر ديْنه.

وحين نرتقي إلى هذا المستوى في التعامل فإن وازع الإنسان ليس في التوثيق الخارج عن ذات النفس، ولكنه التوثيق الإيماني بالنفس، ولكن أنضمن أن يوجد التوثيق الإيماني عند كل الناس؟

أنضمن الظروف؟.

نحن لا نضمن الظروف، فقد توجد الأمانة الإيمانية وقت التحمل والأخذ، ولا نضمن أن توجد الأمانة الإيمانية وقت الأداء فقد يأتي واحد ويقول لك: إن عندي مائة جنيه وخذها أمانة عندك.

ومعنى "أمانة" أنه لا يوجد صك، ولا شهود، وتكون الذمة هي الحكم، فإن شئت أقررت بهذه الجنيهات المائة، وإن شئت أنكرتها.

إن الرجل الذي يفعل معك ذلك إنما يطلب منك توثيق المائة جنيه في الذمة الإيمانية، ومن الجائز أن تقول له لحظة أن يفعل معك ذلك: نعم سأحتفظ لك بالمائة جنيه بمنتهى الأمانة.

وتكون نيتك أن تؤديها له ساعة أن يطلبها، ولكنك لا تضمن ظروف الحياة بالنسبة لك، وأنت كإنسان من الأغيار.

ومن الجائز أن تضغط عليك الحياة ضغطاً يجعلك تماطل معه في أداء الأمانة، أو يجعلك تنكرها، فتقول لمن ائتمنك: ابعد عني؛ أنا لا أملك نفسي في وقت الأداء، وإن ملكت نفسي وقت التحمل.

والأمانة هي القضية العامة في الكون، وإن كانت خاصة الآن بالنسبة للآية الكريمة التي نحن بصددها والحق -سبحانه- يعرضها بعمومها على الكون كله فيقول -جل شأنه-: {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولا} [الأحزاب: 72].

إن الكون كله أشفق على نفسه من تحمل الأمانة وهذا يعني أن الأمانة سوف تكون عرضة للتصرف والاختيار، ولا كائن في الكون قد ضمن لنفسه القدرة على الوفاء وقت الأداء.

لقد أعلنت الكائنات قولها فأبين تحمُّل الأمانة وكأنها قالت: إنّا يا ربنا نريد أن نكون مسخرين مقهورين لا اختيار لنا؛ ولذلك نجد الكون كله يؤدي مهمته كما أرادها الله، ما عدا الإنسان، أي أنه الذي قبل بما له من عقل وتفكير أن يتحمل أمانة الاختيار، وبلسان حاله أو بلسان مقاله قال: إنني قادر على تحمل الأمانة؛ لأني أستطيع الاختيار بين البدائل.

وهنا نُذَكِّر الإنسان: إنك قد تكون قوياً لحظة التحمل، ولكن ماذا عن حالك وقت الأداء؟

لذلك قال الله عن الإنسان: {وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72] لقد ظلم الإنسان نفسه حيث حمل الأمانة ولم يف بها فلذلك فهو ظلوم.

وهو جهول لأنه قَدّر وقت التحمل، ولم يقدّر وقت الأداء، أو ضمنها ثم خاس وخالف ما عاهد نفسه على أدائها.

إذن فالإنسان وإن كان واثقاً أنه سيؤدي الأمانة إلاّ أنه عرضة للأغيار، لذلك قال الحق سبحانه: {وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ} [البقرة: 282] فالكتابة فرصة ليحمي الإنسان نفسه من الضعف وقت الأداء، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يوثق الأمر توثيقاً لا يجعلك أيها العبد خاضعاً لذمتك الإيمانية فقط، ولكنّك تكون خاضعاً للتوثيق الخارج عن إيمانيتك أيضاً، وذلك يكون بكتاب الدَّيْنِ صغيراً أو كبيراً إلى أجله.

ويقول الحق سبحانه: {وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وهذه الكلمة "ولا تكتموا" إنما هي أداء معبر، لأن كلمة "شهادة" تعني الشيء الذي شهدته، فما دمت قد شهدت شيئاً فهو واقع، والواقع لا يتغير أبداً، ولذلك فالإنسان الذي يحكي لك حكاية صدق لا يختلف قوله في هذه الحكاية حتى وإن رواها ألف مرة؛ لأنه يستوحي واقعاً.

لكن الكذّاب يستوحي غير واقع، فيقول كلمة، وينسى أنه كذب من قبل فيكذب كذبة أخرى؛ لأنه لا يستوحي واقعاً.

فكلمة الشهادة هي عن أمر مشهود واقع، وما دام الأمر مشهوداً وواقعاً، فإنه يلح على نفس من يراه أن يخرج، فإياك أن تكبته بالكتم؛ لأن كلمة "الكتم" يعني أن شيئاً يحاول أن يخرج وأنت تحاول كتمانه، لذلك يقول الحق: {وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] فكأن الطبيعة الإيمانية الفطرية تلح على صاحبها لتنطقه بما كان مشهوداً له لأنه واقع.

لذلك يأتي الأمر من الحق؛ {وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُه} [البقرة: 283].

وقد يسأل الإنسان: هل الكتم هنا صفة للقلب أو للإنسان الذي لم يقل الشهادة؟

إن الشاعر يقول:
إن الكـلام لفـي الفـؤاد وإنـمــا
جُعِـلَ اللسـانُ على الفؤاد دليلاً

وساعة يؤكد الله شيئاً فهو يأتي بالجارحة التي لها علاقة بهذا الصَّدد، فتقول: أنا رأيته بعيني وسمعته بأذني، وأعطيته بيدي ومشيت له برجلي.

إنّك تذْكر الجارحة التي لها دخل في هذه المسألة.

وعندما يقول الحق: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُه} [البقرة: 283] إنّ كل الجوارح تخضع للقلب: {وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: 283] أي أن كتمك للحقيقة لن يُغَيّر من واقع عِلْمِ الله شيئاً، وحينما تنتهي مسألة المُدَايَنَة والتوثيق فيها وظُروفها سواءً كانت في الموطن العادي أو في أثناء السفر فإن الله يضمن للإنسان المُتحرِّك في الحياة حركة شريفة وطاهرة.

فإن لم تكن هذه فالمصالح تتوقف، ويصيبها العطل، فالذي لا يقدر على الحركة فماذا يصنع في الحياة؟

إن قلبه يمتلئ بالحقد على الواجد، وحين يمتلئ قلبه بالحقد على الواجد فإنه يكره النعمة عنده، وحين يكره المعدم النعمة عند أخيه الواجد، فالنعمة نفسها تكره أن تذهب إلى من كره النعمة عند أخيه.

إنها مسائل قد رتبها الحق سبحانه بعضها متعلق بالبعض الآخر.

إن النعمة تحب المُنعَم عليه -بضم الميم وفتح العين- أكثر من حب المنعِم عليه للنعمة وتذهب إلى من أنعم الله عليه بها بعشق، فمن كره النعمة عند منعَم عليه فالنعمة تستعصي عليه حتى كأنها تقول له: لن تنال مني خيراً.

وليجربها كل إنسان.

أحبب النعمة عند سواك فستجد نعمة الكل في خدمتك، إنك إنْ أحببت النعمة عند غيرك فإنها تأتي إليك لتخدمك.

وأيضاً فعلى المؤمن أن يعرف أن بعض النعم ليست وليدة كد وجهد، قد تكون النعمة مجرد فضل من الله، يفضل به بعض خلقه، فحين تكرهها أنت عند المنعم عليه تكون قد اعترضت على قدر الله في النعمة.

وحين تعترض على قدر الله في النعمة فإن الحق -سبحانه- لا يجعلك تنتفع منها بشيء.

فإن رأيت قريباً حبس نعمته عن أقاربه فاعلم أنهم يكرهون النعمة عنده.

ولو أحبوها لسعت النعمة إليهم.

إن المنهج الإلهي يريد أن يجعل الناس كتلة متكافلة متكاملة بحيث إذا رأيت أنا النعمة عندك ونلت منها، أحببتها عندك، وحين أحب النعمة عندك فإن العطاء يجيء من هذه النعمة إليّ، ولا تجد فارقاً بين واجد ومعدم.

إنك لا تجد فارقاً بين واجد ومعدم إلا في مجتمع لا يؤدي حكم الله في شيء.

لقد قلنا ذلك في مجال اضطرار الإنسان إلى الربا لأنه لم يجد مَنْ يُقرضه قرضاً حسناً، ولم يجد مَنْ يؤدي فرض الله له من الزكاة لتسع حاجته فاضطر أن يأخذ بالربا، وبذلك يدخل المجتمع الربوي في حرب مع الله، وهل لأحد جَلَدٌ على أن يدخل في حرب مع الله؟

لا.

والمجتمع الربوي يدخل في حرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد حَرَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - الربا وقال في حجة الوداع: "إن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون قضى الله أنه لا ربا وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله”.

وتلك سمة سمو التشريع السماوي، إن التشريع البشري يحمي به صاحبه أقاربه من التقنين، لكن التشريع السماوي يفرض تطبيقاته أولاً على الأقارب.

وكان الأسوة في ذلك سيدنا عمر بن الخطاب، فساعة يريد عمر أن يضع التشريع فإنه يجمع أهله وأقاربه ويقول: سأقوم بعمل كذا وكذا فوالذي نفسي بيده مَنْ خالفني في شيء من هذا لأجعلنَّه نكالاً للمسلمين.

ويعلنها عمر أمام الناس، ولماذا أعلن عمر ذلك؟؛ لأن كثيراً من الناس يجعلون أولياء الأمور، وقد لا يكون أولياء الأمور على دراية بذلك؛ فقد نجد واحداً يدخل على قوم على أساس أنه فلان بن فلان، وبالرعب يقضي هذا الإنسان مصالحه عند الناس برغم أنف الناس.

وقد يكون ولي الأمر لا يعرف عن مثل هذا التصرف شيئاً.

لكن حين يعلن ولي الأمر على الناس ولأقاربه أنه لا تفرقة أبداً فيما يقنن وأن القانون سائر على نفسه وعلى أهله فمن استغل اسماً لولي الأمر أو اصطنع شيئاً فالتبعة على من فعل له وعليه، وبذلك تستقيم الأمور.

لكن أن تظهر الحقائق في استغلال أقارب الحكام بعد انتهاء فترات حكم الحكام، فهنا نقول: ولماذا لم نعرف كل شيء من البداية؟

وأين كانت الحقائق في وقتها؟.

إن الحاكم المسلم عليه أن يعلن للمحكومين أن القوانين إنما تُطبق عليه أولاً وعلى من يعول.

هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "وربَا الجاهلية موضوع، وأول رِبَا أضع رِبَانا، رِبَا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله“.

وفي معركة بدر، أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم أهل بيته ليُحاربوا؛ لأنه لو لم يخرج أحداً من أَهل بيتهِ لقال واحد من الكفار: إنه يحمي أهل بيته، ولو أن أجر الاستشهاد هو الجنة فلماذا يقدم الأباعد ولا يقدم أحبابه للقتال؟ لكن هاهو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم أقاربه وأحبابه، فهو العارف من ربه بأمر الشهادة وكيف أنها تقصر على الإنسان متاعب الحياة وتدخل الجنة.

هكذا كانت المُحاباة في صدر الإسلام، إنها محاباة في الباقي، ولم تكن كمحاباة الحمقى في الفاني.

وحين يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ويضرب على أيدي المرابين فهذه هي الحرب التي يجب أن تقوم، حرب من الله المالك القادر على المحاربة، أما الضعاف الذين لا يستطيعون القتال فهم لا يحاربون؛ لأنهم أمام خالقهم وقاهرهم فلا يقدرون على حربه ولذلك يجب أن تتنبه الدولة إلى مثل هذه الأمور وتقنن تقنيناً إسلامياً وبعد ذلك إذا لم تتسع الزكاة المفروضة إلى ما يقوم بأود المحتاجين فلتفرض الدولة ما تشاء لتفي بحاجة المحتاجين.

والحق سبحانه وتعالى بعد أن أوضح الأمر عقيدة في قوله: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وتقنيناً للعقيدة في قوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} [البقرة: 256]، وحماية للعقيدة بأمره سبحانه المؤمنين أن يقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، وبعد ذلك تكلم الحق عن حماية حركة الاقتصاد في الإنفاق أولاً في سبيل الله، والإنفاق على المحتاجين.

يقول سبحانه بعد ذلك: {للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ...}.



الآيات من 281-286 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الآيات من 281-286 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الآيات من 281-286   الآيات من 281-286 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:28 am

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٢٨٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

استهلت الآية بتقديم "لله" على ما في السماوات والأرض، والحق سبحانه يقول: {للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ} [البقرة: 284] ذلك هو الظرف الكائنة فيه المخلوقات، السماوات والأرض لم يدع أحد أنها له، لكن قد يوجد في السماوات أو في الأرض أشياء يدعي ملكيتها المخلوقون، فإذا ما نظرنا إلى خيرات الأرض فإننا نجدها مملوكة في بعض الأحيان لأناس بما ملكهم الله، والبشر الذين صعدوا إلى السماء وأداروا في جوها ما أداروا من أقمار صناعية ومراكب فضائية فمن الممكن أن يعلنوا ملكيتهم لهذه الأقمار وتلك المراكب.

ويلفتنا الحق سبحانه هنا بقوله: {للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ} [البقرة: 284] وهو يوضح لنا: إنه إن كان في ظاهر الأمر أن الله قد أعطى ملكية السببية لخلقه فهو لم يعط هذه الملكية إلا عَرَضاً يؤخذ منهم، فإما أن يزولوا عنه فيموتوا، وإما أن يزول عنهم فيؤخذ منهم عن بيع أو هبة أو غصب أو نهب.

وكلمة "لله" تفيد الاختصاص، وتفيد القصر، فكل ما في الوجود أمره إلى الله، ولا يدعي أحد بسببية ما آتاه الله أنه يملك شيئاً لماذا؟

لأن المالك من البشر لا يملك نفسه أن يدوم.

نحن لم نر واحداً لم تنله الأغيار، وما دامت الأغيار تنال كل إنسان فعلينا أن نعلم أن الله يريد من خلقه أن يتعاطفوا، وأن يتكاملوا، ويريد الله من خلقه أن يتعاونوا، والحق لا يفعل ذلك لأن الأمر خرج من يده -والعياذ بالله- لا، إن الله يبلغنا: أنا لي ما في السماوات وما في الأرض، وأستطيع أن أجعل المسألة دولاً بين الناس.

ولذلك نقول للذين يَصلون إلى المرتبة العالية في الغنى، أو الجاه، أو أي مجال، لهؤلاء نقول: احذر حين تتم لك النعمة، لماذا؟

لأن النعمة إن تمت لك علواً وغنىً وعافيةً وأولاداً، أنت من الأغيار، وما دامت قد تمت وصارت إلى النهاية وأنت لا شك من الأغيار، فإن النعمة تتغير إلى الأقل.

فإذا ما صعد إنسان إلى القمة وهو متغير فلابد له أن ينزل عن هذه القمة.

ولذا يقول الشاعر:
إذا تـم شـيء بــدا نـقـصـه
تـرقـب زوالاً إذا قـيـل تـم

والتاريخ يحمل لنا قصة المرأة العربية التي دخلت على الخليفة وقالت له: أتم الله عليك نعمته.

وسمعها الجالسون حول الخليفة ففرحوا، وأعلنوا سرورهم، لكن الخليفة قال لهم: والله ما فهمتم ما تقول، إنها تقول: أتم الله عليك نعمته، فإنها إن تمت تزول؛ لأن الأغيار تلاحق الخلق.

وهكذا فهم الخليفة مقصد المرأة.

والشاعر يقول:
نفـسي التي تمـلك الأشـياء ذاهبة
فكـيف آسـى على شيء لها ذهـباً

إن النفس المالكة هي نفسها ذاهبة؛ فكيف يحزن على شيء له ضاع منه؟

والحق سبحانه يطلب منا أن نكون دائماً على ذكر من قضية واضحة هي: أن الكون كله لله، والبشر جميعاً بذواتهم ونفوسهم وما ظهر منها وما بطن لا يخفى على الله، والحق سبحانه لا يحاسبنا على مقتضى ما علم فحسب، بل يحاسبنا على ما تم تسجيله علينا.

إن كل إنسان يقرأ كتابه بنفسه.

فسبحانه يقول: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 13-14].

والحساب معناه أن للإنسان رصيداً، وعليه أيضاً رصيد.

والحق سبحانه وتعالى يفسر لنا (له وعليه) بالميزان كما نعرف في موازين الأشياء عندنا وهو سبحانه يقول: {وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ} [الأعراف: 8-9].

إن حساب الحق دقيق عادل، فالذين ثقلت كفة أعمالهم الحسنة هم الذين يفوزون بالفردوس، والذين باعوا أنفسهم للشيطان وهوى النفس تثقل كفة أعمالهم السيئة، فصاروا من أصحاب النار.

إذن نحن أمام نوعين من البشر، هؤلاء الذين ثقلت كفة الخير في ميزان الحساب، وهؤلاء الذين ثقلت كفة السيئات والشرور في ميزان الحساب.

فماذا عن الذين تساوت الكفتان في أعمالهم.

استوت حسناتهم مع سيئاتهم؟ إنهم أصحاب الأعراف، الذين ينالون المغفرة من الله؛ لأن مغفرة الله وهو الرحمن الرحيم قد سبقت غضبه جل وعلا.

ولو لم يجيء أمر أصحاب الأعراف في القرآن لقال واحد: لقد قال الله لنا خبر الذين ثقلت موازينهم، وأخبار الذين خفت موازين الخير عندهم، ولم يقل لنا خبر الذين تساوت شرورهم مع حسناتهم.

لكن الحليم الخبير قد أوضح لنا خبر كل أمر وأوضح لنا أن المغفرة تسبق الغضب عنده، لذلك فالحساب لا يكتفي الحق فيه بالعلم فقط، ولكن بالتسجيل الواضح الدقيق، لذلك يطمئننا الحق سبحانه فيقول: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 70].

إن الحق يطمئننا على أن ما نصنعه من خير نجده في كفة الميزان، ويطمئننا أيضاً على أنه -سبحانه- سيُجازينا على ما أصابنا من شر الأشرار وأننا سنأخذ من حسناتهم لتضاف إلى ميزاننا، إذن فالطمأنينة جاءت من طرفين: طمأننا الحق على ما فعلناه من خير، فلا يُنسى أنه يدخل في حسابنا، وطمأننا أيضاً على ما أصابنا من شر الأشرار وسيأخذ الحق من حسناتهم ليضيفها لنا.

ونحن نجد في الكون كثيراً من الناس قد يحبهم الله لخصلة من خصال الخير فيهم، وقد تكون هذه الخصلة الخيرة خفيّة فلا يراها أحد، لكن الله الذي لا تخفى عليه خافية يرى هذه الخصلة في الإنسان، ويحبه الله من أجلها، ويرى الحق أن حسنات هذا الرجل قليلة، فيجعل بعض الخلق يصيبون هذا الرجل بشرورهم وسيئاتهم حتى يأخذ من حسنات هؤلاء ليزيد في حسنات هذا الرجل.

ومعنى: {تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 284] أي تصيروا الوجدانيات إلى نزوعيات عملية، ولكن هل معنى: {أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] هو ألا تصيروا الوجدانيات النفسية إلى نزوعيات عملية؟ لا، فليس لكل شيء نزوع عملي، ومثال ذلك الحب؛ إن الإنسان قد يحب، ولا يجد القدرة على النزوع ليعلن بهذا النزوع أنه محترق في حبه، وكذلك الذي يحقد قد لا يجد القدرة على النزوع ليعلن بهذا النزوع عن حقده، إذن فهناك أعمال تستقر في القلوب، فهل يؤاخذ الله بما استقر في النفوس؟

إن هذه المسألة تحتاج إلى دقة بالغة؛ لأننا وجدنا بعضاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقفوا فيها موقفاً أبكى بعضهم، هذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حينما سمع هذه الآية قال: لئن آخذنا الله على ما أخفينا في نفوسنا لنهلكن.

وبكى حتى سُمع نشيجه بالبكاء.

وبلغ ذلك الأمر ابن عباس فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد وجد إخوانُه المسلمون مثلما وجد من هذه الآية.

فأنزل الله بعدها: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] إلى آخر السورة.

ولنعلم أن نوازع النفس كثيرة؛ فهناك شيء اسمه "هاجس" وهناك شيء آخر اسمه "خاطر" وهناك ما يسمى "حديث نفس"، وهناك "هم" وهناك "عزم"، إنها خمس حالات، والأربع الأولى من هذه الحالات ليس فيها شيء، إنما الأخيرة التي يكون فيها القصد واضحاً يجب أن نتنبه لها ولنتناول كل حالة بالتفصيل.

إن الهاجس هو الخطرة التي تخطر دفعة واحدة، أما الخاطر فهو يخطر.

أي يسير في النفس قليلاً، وأما حديث النفس فإن النفس تظل تتردد فيه، وأما الهم فهو استجماع الوسائل، وسؤال النفس عن كل الوسائل التي ينفذ بها الإنسان رغباته، أما العزم (القصد) فهو الوصول إلى النهاية والبدء في تنفيذ الأمر.

والقصد هو الذي يُعني به قولهتعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ} [البقرة: 284] وقد وجدنا كثيراً من العلماء قد وقفوا عند هذا القول وتساءل بعض من العلماء: هل الآية التي جاءت بعد ذلك والتي يقول فيها: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] هل هي نسخ للآية السابقة عليها؟

ولكن نحن نعرف أن الآية هي خبر، والأخبار لا تنسخ إنما الأحكام هي التي يتم نسخها، وعلى ذلك يكون القصد والعزم على تنفيذ الأمر هو المعنى بقوله الحق: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ} [البقرة: 284] فهذا هو الذي يحاسبنا الله عليه.

وعندما يقول الحق سبحانه: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} [البقرة: 284] فمن هم؟

لقد بَيَّنَ اللهُ مَنْ يشاء المغفرة لهم، إنهم الذين تابوا، وهم الذين أنابوا إلى الله، هم الذين قال فيهم الحق: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 70].

وتبديل المغفرة حسنة مسألة يجب أن يقف عندها الإنسان المكلف من الله وقفة ليرى فضل الله، لأن الذي صنع سيئة ثم آلمته، فكما آلمته السيئة التي ارتكبها وحزن منها، فإن الله يكتب له حسنة.

ولكن الذي لم يصنع سيئة لا تفزعه هذه، وبعض العارفين يقول: رُبَّ معصية أورثت ذُلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عِزّاً واستكباراً.

إنك لتجد الخير الشائع في الوجود كله ربما كان من أصحاب الإسراف على أنفسهم في شيء ما قد اقترفوه وتابوا عنه ولكنه لا يزال يؤرقهم.

يكون الواحد منهم قوياً في كل شيء، إلا أنه ضعيف أمام مسألة واحدة، وضعفه أمام هذه المسألة الواحدة جعله يعصي الله بها وهو يحاول جاهداً في النواحي التي ليس ضعيفاً فيها أن يزيد كثيراً في حسناته، حتى يمحو ويُذهب الله هذه بهذه.

فالخير الشائع في الوجود ربما كان من أصحاب السيئات الذين أسرفوا على أنفسهم في ناحية من النواحي، فيشاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم متجهين إلى نواحٍ من الخير قائلين: ربما هذه تحمل تلك.

لكن الذي يظل رتيباً هكذا لا تلذعه معصية ربما تظل المسائل فاترة في نفسه.

ولذلك يجب أن ننظر إلى الذين أسرفوا على أنفسهم لا في زاوية واحدة، ولكن في زوايا متعددة، ونتأدب أمامهم وندعو الله أن يعفيهم مما نعرفه عنهم، وأن يبارك لهم فيما قدموه؛ ليزيل الله عنهم أوزار ما فعلوا.

وبعض العلماء يرى في قوله الحق: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} [البقرة: 284] أن الله قد جعل المغفرة أمراً متعلقاً بالعابد لله، فإن شئت أن يغفر الله لك فأكثر من الحسنات حتى يبدل الله سيئاتك إلى حسنات.

وإن شئت أن تُعذَّب -وهذا أمر لا يشاؤه أحد- فلا تصنع الحسنات.

وهذه المسألة تجعلنا نعرف أن الحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا الإيمان به فإنه يُملكنا الزمام.        

وبمجرد إيماننا به فنحن نتلقى منه زمام الاختيار، والدليل واضح في الحديث القدسي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله -عز وجل-: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خيرٌ منهم وإن تقرَّب مِنِّي شِبْراً تقرَّبتُ إليه ذراعاً، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعاً، تقرَّبتُ منه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَةً“.

إذن فبمجرد إيمانك ملكك الله الزمام، فإن أردت أن يتقرب الله إليك ذراعاً، فتقرب أنت إليه شبراً، فالزمام في يدك.

وإن شئت أن يتقرب الله منك باعاً، فتقرب أنت ذراعاً.

وإن شئت أنت أن يأتي ربك إليك مهرولاً -جرياً- فأت إليه مشياً.

فبمجرد أن يراك الله وأنت تقبل وتتجه إليه، كأنه يقول لك: لا.

استرح أنت، أنا الذي آتي إليك.

ولذلك قلنا من قبل في مسألة الصلاة حين تؤمن -أيها العبد- بالله وبعد ذلك ينادي المؤذن للصلاة، فتذهب أنت إلى الصلاة، صحيح أنت تذهب إلى الصلاة المفروضة، لكن هل منعك الله أن تقف بين يديه في أية لحظة؟

لقد طلب الله منك أن تحضر بين يديه خمس مرات في اليوم، وبعد ذلك ترك الباب مفتوحاً لك -أيها المؤمن- فالله لا يمل حتى يمل العبد.

والإنسان في حياته العادية -ولله المثل الأعلى- إذا أراد أن يقابل عظيماً من العظماء فإن الإنسان يطلب الميعاد، فإما أن يقبل العظيم من البشر لقاء من يطلب الميعاد أو يرفض.

وإذا قبل العظيم من البشر لقاء من يطلب الميعاد، فإن العظيم من البشر يحدد الزمن، ويحدد المكان، وربما طلب العظيم من البشر أن يعرف سبب وموضوع المقابلة.

لكن الله يترك الباب مفتوحاً أمام العبد المؤمن، يلقى الله عنده في أي شيء، وفي أي وقت، وفي أي مكان، وفي أي زمان.

حسب نفسي عزاً بأنِّيَ عبد يحتفِي بي بلا مواعيد ربُّ
هو في قدسه الأعز ولكن أنا ألقى متى وأين أحبُّ

الزمام إذن في يد مَنْ؟

إن الزمام في يد العبد المؤمن.

لذلك فالذين قالوا في فَهْم {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} [البقرة: 284] إن البشر في أيديهم أمر المغفرة لهم، فإن شاء البشر أن يغفر الله لهم فإنهم يفعلون أسباب المغفرة، ويتوبون إلى الله، ويكثرون من الحسنات، ومن يريد أن يتعذب فليظل سادراً في غيه في فعل السيئات.

ثم بعد ذلك يقول الله عز وجل: {آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ...}.



الآيات من 281-286 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الآيات من 281-286 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الآيات من 281-286   الآيات من 281-286 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:30 am

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [٢٨٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

عندما نتأمل هذه الآية الكريمة نجد أن الإيمان الأول بالله كان من الرسول صلى الله عليه وسلم: {آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ} [البقرة: 285].

وبعد ذلك يأتي إيمان الذين بلغهم الرسول بالدعوة {وَٱلْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285].

وبعد ذلك يمتزج إيمان الرسول بإيمان المؤمنين {كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ} [البقرة: 285].

أي أن كلا من الرسول والمؤمنين آمنوا بالله.

إن الإيمان الأول هو إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم، والإيمان أيضاً من المؤمنين بالرسالة التي جاء بها الرسول بناءً على توزيع الفاعل في "آمن" بين الرسول والمؤمنين.

وبعد ذلك يجمعهما الله -الرسول والمؤمنين- في إيمان واحد، وهذا أمر طبيعي، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم آمن بالله أولاً، وبعد ذلك بلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنا بالله وبه ثم امتزج الإيمان فصار إيماننا هو إيمان الرسول وإيمان الرسول هو إيماننا، وهذا ما يوضحه القول الحق: {كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ} [البقرة: 285].

إذن فالرسول في مرحلته الأولى سبق بالإيمان بالله، والرسول مطلوب منه حتى حين يؤمن بالله أن يؤمن بأنه رسول الله، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وكان الرسول إذا ما أعجبه أمر في سيرته ذاتها يقول: أشهد أني رسول الله.

إنّه يقولها بفرحة.

ومثال ذلك ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ، وكان لجابر الأرض التي بطريق رومة فجلست فخلا عاماً فجاءني اليهودي عند الجذاذ ولم أجذ منها شيئاً فجعلت أستنظره إلى قابل "أي أطلب منه أن يُمهلني إلى عام ثان" فيأبَى فَأخبرت بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه: امشوا نستنظر لجابر من اليهودي فجاءوني في نخلي، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكلّم اليهودي فيقول (اليهودي) أبا القاسم، لا أنظره فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام فطاف في النخل ثم جاءه فكلّمه فأبَى، فجئتُ بقليل رطب فوضعته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأكل ثم قال: أين عريشك يا جابر فأخبرته، فقال: إفرش لي فيه ففرشته، فدخل فرقد ثم استيقظ فجئته بقبضة أخرى فأكل منها، ثم قام فكلّم اليهودي فأبَى عليه، فقام في الرطاب في النخل الثانية ثم قال يا جابر، جُذّ واقض فوقف في الجذاذ فَجذذْتُ منها ما قضيته، وفضل منه فخرجت حتى جئت النبي صلى الله عليه وسلم فبشَّرتًه فقال: أشهد أني رسول الله.

والحق سبحانه وتعالى يشهد أن لا إله إلا هو: {شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].

إذن فالله يشهد أن لا إله إلا هو، ورسول الله يشهد أن لا إله إلا الله، ويشهد أيضاً أنه رسول الله، يبلغ ذلك للمؤمنين فيكتمل التكوين الإيماني، ولذلك يقول الحق عن ذلك: {كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285].

والحق يأتي بـ"كُلٌّ" -بالتنوين- أي كل من الرسول والمؤمنين.

ويورد لنا سبحانه عناصر الإيمان: {كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ} [البقرة: 285].

ونحن نعرف أن الإيمان بالله وكل ما يتعلق بالإيمان لابد أن يكون غيباً؛ فلا يوجد إيمان بمحس أبداً.

فالأشياء المحسة لا يدخلها إيمان؛ لأنها مشهودة.

وعناصر الإيمان في هذه الآية هي: إيمان بالله وهو غيب.

وإيمان بالملائكة وهي غيب من خلق الله، ولو لم يبلغنا الله أن له خلقاً هم الملائكة لما عرفنا، إن الحق أخبرنا أنه خلق الملائكة وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم غيب، ولولا ذلك لما عرفنا أمر الملائكة، وإيمان بالكتب والرسل.

وقد يقول قائل: هل الرسل غيب؟ وهل الكتب السماوية غيب؟ إن الرسل بشر، والكتب مشهودة.

ولمثل هذا القائل نقول: لا، لا يوجد واحد منا قد رأى الكتاب ينزل على الرسول، وهذا يعني أن عملية الوحي للرسول بالكتاب هي غيب يعلمه الله ويؤمن به المؤمنون.

وكيف نؤمن بكل الرسل ولا نفرق بين أحد منهم؟.

ونقول: إن الرسل المُبَلّغينَ عن الله إنما يُبَلّغُونَ منهجاً عن الله فيه العقائد التي تختلف باختلاف العصور، وفيه الأحكام التي تختلف باختلاف العصور ومواقع القضايا فيها.

إذن فالأصل العقدي في كل الرسالات أمر واحد، ولكن المطلوب في حركة الحياة يختلف؛ لأن أقضية الحياة تختلف، وحين تختلف أقضية الحياة فإن الحق سبحانه ينزل التشريع المناسب، لكن الأصل واحد والبلاغ من خالق لا إله إلا هو، ولذلك يأتي القول الحكيم: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] فنحن لا نفرق بين الرسل في أنهم يبلغون عن الله ما تتفق فيه مناهج التبليغ من ناحية الاعتقاد، وما تختلف من ناحية الأحكام التي تناسب أقضية كل عصر.

وبعد ذلك يقول الحق؛ {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: 285] إذن السماع هو بلوغ الدعوة والطاعة هي انفعال بالمطلوب، وأن يمتثل المؤمن أمراً ويمتثل المؤمن نهياً في كل أمر يتعلق بحركة الكون.

فالذين يريدون أن يعزلوا الدين عن حركة الحياة يقولون: إن الدين يهتم بالعبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج.

وبعد ذلك يحاولون عزل حركة الحياة عن الدين.

لهؤلاء نقول: أنتم تتكلمون عما بلغكم من دين لم يجئ لينظم حركة الحياة، وإنما جاء ليعطي الجرعة المفقودة عند اليهود وهي الجرعة الروحية، لكن الدين الإسلامي جاء خاتماً للأديان منظماً لحركة الحياة، فكل أمر في الحياة وكل حركة فيها داخلة في حدود الطاعة.

ونحن حين نقرأ القرآن الكريم، نجد القول الحكيم: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

إذن الحق سبحانه يأمر المؤمنين ويخرجهم من حركة من حركات الحياة إلى حركة أخرى، فهو لم يأخذهم من فراغ، إنما ناداهم لإعلان الولاء الجماعي، وهو إعلان من كل مؤمن بالعبودية لله أمام بقية المخلوقات.

وبعد أن يقضي المؤمنون الصلاة ماذا يقول لهم الحق سبحانه؟

يقول لهم: {فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].

إذن، فالانتشار في الأرض هو حركة في الحياة، تماماً كما كان النداء إلى السعي لذكر الله.

وهكذا تكون كل حركة في الحياة داخلة في إطار الطاعة، إذن "سمعنا وأطعنا" أي سمعنا كل المنهج، ولكن نحن حين نسمع المنهج، وحين نطيع فهل لنا قدرة على أن نطيع كل المنهج أو أن لنا هفوات؟

ولأن أحداً لن يُتِم كل الطاعة ولنا هفوات جاء قوله الحق: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِير} [البقرة: 285] فالغاية والنهاية كلها عائدة إليك، وأنت الإله الحق، لذلك فنحن العباد نطلب منك المغفرة حتى نلقاك، ونحن آمنون على أن رحمتك سبقت غضبك.

ويقول الحق: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا...}.



الآيات من 281-286 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الآيات من 281-286 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الآيات من 281-286   الآيات من 281-286 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:34 am

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [٢٨٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

{لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] إنّه سبحانه لم يكلفكم إلا ما هو في الوسع.

لماذا؟

لأن الأحداث بالنسبة لعزم النفس البشرية ثلاثة أقسام:

القسم الأول: هو ما لا قدرة لنا عليه، وهذا بعيد عن التكليف.

القسم الثاني: لنا قدرة عليه لكن بمشقة أي يجهد طاقتنا قليلاً.

القسم الثالث: التكليف بالوسع.

إذن {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] أي أن الحق لا يكلف النفس إلا بتكليف تكون فيه طاقتها أوسع من التكليف، كلف الحق كل مسلم بالصلاة خمسة فروض كل يوم، وتملأ أوقاتها بالصلاة وكان من الممكن أن تكون عشرة، بدليل أن هناك أناساً يتطوعون وهو سبحانه كلف كل مسلم بالصوم شهراً، ألا يوجد من يصوم ثلاثة أشهر؟

ومثل هذا في الزكاة؛ فهناك من كان يخرج عن ماله كله لله، ولا يقتصر على ما يجب عليه من زكاة.

إذن فهذا في الوسع، ومن الممكن أن تزيد، إذن فالأشياء ثلاثة: شيء لا يدخل في القدرة فلا تكليف به، شيء يدخل في القدرة بشيء من التعب، وشيء في الوسع، والحق حين كلف، كلف ما في الوسع.

وما دام كلف ما في الوسع فإن تطوعت أنت بأمر زائد فهذا موضوع آخر: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} [البقرة: 184] ما دمت تتطوع من جنس ما فرض.

إذن فالتكليف في الوسع وإلا لو لم يكن في الوسع لما تطوعت بالزيادة.

فسبحانه يقول: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ويأتي بعد ذلك ليعلمنا فيقول: {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، وهو القائل: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] إذن -سبحانه- يكلفنا بما نقدر عليه ونطيقه.

فقد روي أن الله حينما سمع رسوله وسمع المؤمنين يقولون: {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [البقرة: 286] قال سبحانه: قد فعلت.

وعندما قالوا: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قال سبحانه: قد فعلت.

ولم يكلفنا سبحانه إلا بما في الوسع، وهو القدر المشترك عند كل المؤمنين.

وهناك أناس تكون همتهم أوسع من همة غيرهم، ومن تتسع همته فإنه يدخل بالعبادات التي يزيد منها في باب التطوع، ومن لا تتسع همته فهو يؤدي الفروض المطلوبة منه فقط وعندما يطرأ على الإنسان ما يجعل الحكم في غير الوسع؛ فإن الله يخفف التكليف؛ فالمسافر تقول له الشريعة: أنت تخرج عن حياتك الرتيبة، وتذهب إلى أماكن ليس لك بها مستقر، لذلك يخفف الحق عليك التكليف؛ فلك أن تفطر في نهار رمضان، ولك أن تُقصر الصلاة.

والحق سبحانه يعلم أن الوسع قد يضيق.

لذلك فإنه -جل شأنه- يخفف حكم التكليف ويمنح الرخص عند ضيق الوسع، ومثال ذلك قوله الحق: {ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّأْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} [الأنفال: 66].

كانت النسبة في القتال قبل هذه الآية هي واحداً لعشرة، وخففها الحق وجعلها واحداً إلى اثنين لأن هناك ضعفاً، وهكذا نرى أنه سبحانه سيخفف التكليف إذا ما زاد عن الوسع.

وكثير من الناس يخطئون التفسير؛ فيقولون عن بعض التكاليف: إنها فوق وسعهم ولهؤلاء نقول: لا.

لا تحدد أنت الوسع، ثم تقيس التكليف عليه، بل انظر هل كلفك أو لم يكلفك؟ فإذا كان قد كلفك الحق فاحكم بأنه كلفك بما في الوسع، وكل تكاليف الرحمن تدخل في الوسع {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].

و"لها" تفيد الملكية والاختصاص وهي ما تُفيد وتُكْسِبُ النفسَ ثواباً، و"عليها" تفيد الوزر، ونلاحظ أن كل "لها" جاءت مع "كسبت"، وكل "عليها" جاءت مع "اكتسبت" إلا في آية واحدة يقول فيها الحق: { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81].

وهنا وقفة في الأسلوب؛ لأن "كسب" تعني أن هناك فرقاً في المعالجة الفعلية الحدثية بينها وبين كلمة "اكتسبت"، لأن "اكتسب" فيها "افتعل" أي تكلف، وقام بفعل أخذ منه علاجاً، أما "كسب" فهو أمر طبيعي إذن فـ "كسب" غير "اكتسب" وكل أفعال الخير تأتي كسباً لا اكتساباً.

مثال ذلك عندما ينظر الرجل إلى زوجته، ويرى جمالها، فهل هو يفتعل شيئاً، أو أن ذلك أمر طبيعي؟

إنه أمر طبيعي، ولكن عندما ينظر الرجل إلى غير محارمه فإنه يرقب هل يرى أحد النظرة؟

وهل رآه أحد من الناس؟ وهل سينال سخرية واستهزاء على ذلك الفعل أو لا؟

لماذا؟

لأنه ارتكب عملاً مفتعلاً.

مثال آخر، إنسان يأكل من ماله، أو من مال أبيه، إنه يأكل كأمر طبيعي، أما مَنْ يدخل بستاناً ويريد أن يسرق منه فهو يتكلف ذلك الفعل، ويريد أن يستر نفسه، فصاحب الشر يفتعل، أما صاحب الخير فإن أفعاله سهلة لا افتعال فيها.

فالشر هو الذي يحتاج إلى افتعال.

والمصيبة الكبرى ألا يحتاج الشر إلى افتعال؛ لأن صاحبه يصير إلى بلادة الحس الإيماني، وتكون الشرور بالنسبة إليه سهلة؛ لأنه تعود عليها كثيراً، ويقول الحق: { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ} [البقرة: 81]  إن الخطيئة تحيط به من كل ناحية، ولم يعد هناك منفذ، وهو لا يفتعل حتى صارت له ملكة في الشر؛ فاللص مثلاً في بداية عمله يخاف ويترقب، لكن عندما تصبح اللصوصية مهنته فإنه يحمل أدوات السرقة ويصير حسه متبلداً.

ففي المرحلة الأولى من الشر يكون أهل الشر في حياء من فعل الشر، وذلك دليل على أن ضمائرهم وقلوبهم ما زال فيها بعض من خير، لكن عندما يعتبرون الشر حرفة وملكة فهنا المصيبة، وتحيط بكل منهم خطيئته وتطوقه ولا تجعل له منفذاً إلى الله ليتوب.

فالذي يلعب الميسر، أو طوقته خطيئة الفحش قد يقول فرحاً: "كانت سهرة الأمس رائعة"، أما الذي يرتكب الخطأ لأول مرة فإنه يقول: "كانت ليلة سوداء يا ليتها ما حدثت"، ويظل يؤنب نفسه ويلومها؛ لأنه تعب وأرهق نفسه؛ لأنه ارتكب الخطأ.

إذن فقول الحق: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] يوضح لنا أن فعل الشر هو الذي يحتاج إلى مجهود، فإن انتقلت المسألة من اكتسبت إلى كسبت فهذه هي الطامة الكبرى، ويكون قد أحاطت به خطيئته.

ويكون على كل نفس ما اكتسبت.

والعاقل هو من يكثر ما لنفسه، لا ما عليها؛ لأن الذي يقول ذلك هو الحق العالم المالك الذي إليه المصير، فليس من هذا الأمر فِكاك.

وبعد ذلك يقول الحق على لسان عباده المؤمنين: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، ولقائل أن يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم طمأننا، فقال:ة"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه”.

فكيف يأتي القرآن بشيء مرفوع عن الأمة الإسلامية ليدعو به الناس ربهم ليرفعه عنهم؟

على مثل هذا القائل نرد: هل قال لك أحد: إن رفع الخطأ والنسيان والاستكراه كان من أول الأمر؟.

لعل الرفع حدث بعد أن دعا الرسول والسابقون من المؤمنين، فما دام قد رُفِعَ -بضم الراء وكسر الفاء وفتح العين- فمعنى ذلك أنه كان موجوداً، إذن فلا يقولن أحد: كيف تدعو بشيء غير موجود.

أو أن ذلك يدل على منتهى الصفاء الإيماني، أي الله يجب ألاّ يُعْصى إلا خطأً أو نسياناً، وأن الله لا يصح ولا يستقيم أن يُعصى قصداً؛ لأن الذي يعرف قدر الله حقاً، لا يليق منه أن يعصي الله إلا نسياناً أو خطأ؛ لأن الخالق هو المنعم بكل النعم، وبعد ذلك كلفنا، وكان يجب ألا نقصد المعصية.

ولذلك فالحق سبحانه وتعالى قد سمى ما حدث من آدم معصية مع أنه يقول: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115].

وسَمَّى اللهُ النِّسيان في قصة آدم معصية: {وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ} [طه: 121] فكان النسيان أولاً معصية، ولكن الله أكْرَمَ أمَّةَ مُحَمَّدٍ، فرفع عنها النسيان.



الآيات من 281-286 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49101
العمر : 72

الآيات من 281-286 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الآيات من 281-286   الآيات من 281-286 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:37 am

تابع تفسير الآية: 286
وفي مسألة آدم هناك ملحظ يجب على المؤمن أن يتنبه إليه؛ فآدم خُلِقَ بيد الله، ونحن مخلوقون بقانون التكاثر، وآدم تلقى التكليف من الله مباشرة وليس بواسطة رسول، وكُلِّفَ بأمر واحد وهو ألا يأكل من الشجرة.

فإذا كان آدم مخلوقاً من الله مباشرة ومكلفاً من الله مباشرة، ولم يكلف إلا بأمر واحد وهو ألا يقرب هذه الشجرة، ولم تكن هناك تكاليف كثيرة فماذا نسى؟

وماذا تذكر؟

إنها معصية إذن.

لقد كان النسيان بالنسبة لآدم معصية؛ لأنه مخلوق بيد الله: {قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75].

لذلك فلم يكن من المناسب أن ينسى هذا التكليف الواحد، وما كان يصح له أن ينسى، وَلَعلّ سيدنا آدم نُسِّيَ لحكمة يعلمها الله رُبَّما تكون ليعمر الأرض التي جعله الله خليفة فيها؛ أما بالنسبة لأمة محمد فحينما نقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فكأننا يا رب نقدرك، حق قدرك، ولا نجترئ على عصيانك عمداً، وإن عصينا فإنما يكون العصيان نسياناً أوْ خطأ، وهذه معرفة لقدر الحق سبحانه وتعالى ولكن ما النسيان؟ وما الخطأ؟ أولاً فيه "أخْطَأ" وفيه "خَطِئَ" و"الخِطْء" لا يكون إلا إثما؛ لأنه تعمد ما لا ينبغي، فأنت تعلم قاعدة وتخطئ، والذي أخطأ قد لا يعرف القاعدة، فأنت تصوب له خطأه لأنه حاد عن الصواب.

ومثال ذلك: عندما تتعلم في المدرسة أن الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، وفي وسط السنة يصححون لك القاعدة حتى تستقر في ذهنك، إنما في أيام الامتحان أيصحح لك المدرس أم يؤاخذك؟

إنه يؤاخذك؛ لأنك درست طوال السنة هذه القاعدة، إذن ففيه خَطِئ وفيه أخطأ، فأخطأ مرة تأتي عن غير قصد؛ لأنه لا توجد قاعدة أنا خالفتها، أو لم أعرف القاعدة وإنما نطقت خطأ؛ لأنهم لم يقولوا لي، أو قالوا لي مرة ولم أتذكر، أي لم تستقر المسألة كملكة في نفسي؛ لأن التلميذ يخطئ في الفاعل والمفعول مدة طويلة، وبعد ذلك ينضج وتصير اللغة ملكة في نفسه إن كان مواظباً على صيانتها.

كان التلميذ في البداية يقول: قطع محمد الغصن، ولا يقولها مُشَكَّلةً ولكن يسكن الآخر في نهاية نطقه لاسم محمد، وساعة يتذكر القاعدة ينطقها "محمد" بالرفع وينطق "الغصن" بالنصب لماذا؟

لأنه ترد ثلاث قواعد على ذهنه، هذه فاعل والفاعل حكمة الرفع، فهي مرفوعة، فهو يمر بقضية عقلية، لكن بعدما يمر عليها يقرأها صحيحة وقد لا يتذكر القاعدة، فقد صارت المسألة ملكة لغوية عنده، هذه الملكة اللغوية مثلما نقول: "صارت آلية”.

ومثال ذلك الصبي الذي يتعلم الخياطة، انظر كم من الوقت يمر ليتعلم كيف يمسك بخيط ليدخله في سم الإبرة، وقد يضربه معلمه أكثر من مرة ليتعلمها؛ وفتلة الخيط تنثني منه لأنها طويلة فيقصرها ثم لا تدخل في العين فيبرمها لتدخل، إنه يأخذ وقتاً كثيراً ثم يعمل الغرزة فتخرج غير منتظمة وبعد ذلك يظل مدة، ثم يفعل كل هذه الأعمال بتلقائية وهو يتكلم مع غيره؛ لأن هذه الأعمال صارت ملكة ذاتية أي عملاً آلياً.

والتدريب على العمل الذهني -حسب قواعد محددة مثل تعلم اللغة- نسميه ملكة.

أما التدريب على عمل الجوارح -مثل إدخال الخيط في سم الإبرة- نسميه آلية.

وعلى سبيل المثال في العمل الذهني عندما تسأل سؤالاً في الفقه لطالب في الأزهر فإنه يحتار قليلاً إلى أن يتعرَّف على الباب الذي فيه إجابة للسؤال، أما إذا سألت السؤال نفسه لعالم مدرب فبمجرد أن توجه له السؤال فإنه يقول لك الحكم والباب الذي فيه هذا الحكم، لقد صار الفقة بالنسبة للعالم ملكة.

ويقول الحق من بعد ذلك: {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [البقرة: 286] والإصر هو الشيء الثقيل الذي يثقل على الإنسان، ومثال ذلك الإصر الذي نزل على اليهود "إن أردتم التوبة فاقتلوا أنفسكم أو تصدقوا أو زكوا بربع أموالكم" لكن الله لم يعاملنا كما عامل الأمم السابقة علينا، وعندما نقول: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] فنحن نصدق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله نعم" ومعنى قال الله نعم أنه سبحانه وتعالى أجاب الدعاء برفع المشقة عن الأمة.

أي أن الله لن يحملنا ما لا طاقة لنا به.

وعندما نقول: {وَٱعْفُ عَنَّا} [البقرة: 286] فنحن نتوجه إلى الله ضارعين: أنت يا حق تعلم أننا مهما أوتينا من اليقظة الإيمانية والحرص الورعي فلن نستطيع أن نؤدي حقك كاملاً، ولذلك لا ندخل عليك إلا من باب أن تعفو عنا.

ومعنى العفو محو الأثر، كالسائر في الصحراء تترك قدماه علامة، وتأتي الريح لتزيل هذا الأثر.

كأن هناك ذنباً والذنب له أثر، وأنت تطلب من الله أن يمحوا الذنب.

وعندما تقول: {وَٱغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286] فأنت تعرف أن من مظاهر التكوين البشري النية التي تريد أن تحول العزم إلى حيز السلوك والانفعال النزوعي؛ فالمسألة تحتاج منك إلى تدريب، ومثال ذلك، عندما يذنب واحد في حقك فلك أن ترد عليه الذنب بالذنب، ولك أن تكظم الغيظ، لكن يظل الغيظ موجوداً وأنت تحبسه، ولك أن تعفو.

لكن ماذا عن مثل هذا الأمر بالنسبة للخالق الذي له كمال القدرة؟

إن الله قد لا يُعذب العبد المُذنب ولكنه قد يظل غاضباً عليه، ومَنْ مِنَّا قادر على أن يتحمَّل غضب الرَّبِّ؟

لذلك نطلب المغفرة، ونقول: {وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ} [البقرة: 286] فنحن ندعوه سبحانه ألا يدخلنا في الذنب الذي يؤدي إلى غضبه -والعياذ بالله- علينا.

فالعفو هو أن نرتكب ذنباً ونطلب من الله المغفرة، ولكن الرحمة هي الدعاء بألا يدخلنا في الذنب أصلاً.

وعندما يقول الحق: {أَنتَ مَوْلاَنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] فهذا اعتراف بعبوديتنا له، وأنه الحق خالقنا ومتولي أمورنا وناصرنا، وما دام الحق هو ناصرنا، فهو ناصرنا على القوم الكافرين؛ فكان ختام سورة البقرة منسجماً مع أول سورة البقرة في قوله: {الۤمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 1-3].

في أول السورة ضرب الله المثل بالكافرين والمنافقين.

وفي ختامها يقول الحق دعاء على لسان المؤمنين: {فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] هذا القول يدل على استدامة المعركة بين الإيمان والكفر، وأن المؤمن يأخذ أحكام الله دائماً لينازل بها الكفر أيّان وُجِد ذلك الكفر، ويثق المؤمن تمام الثقة أن الله متوليه؛ لأن الله مولى الذين آمنوا، أما الكافرون فلا مولى لهم.

فإذا كان الله هو مولى المؤمن، وإذا كان الكافر لا مولى له، فمعنى ذلك أنه يجب أن تظل المعركة بين المؤمن والكافر قائمة، بحيث إذا رأى المؤمن اجتراءً على الإسلام في أي صورة من صوره فليثق بأن الله ناصره، وليثق بأن الله معه، وليثق المؤمن أن الله لا يطلب منه إلا أن ينفعل بحكمه وتأييده بالنصر؛ لأنه هو الذي يَغْلب فهو القائل جل وعلا: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14].

يجب أن تظل دائماً مؤمناً متيقظاً لعملية الكفر في أي لون من ألوانها؛ فهذا الكفر بعملياته يريد أن يشوه حركة الحياة وأن يتعب الكون، وأن يجعل القوانين الوضعية البشرية هي المسيطرة، كما يجب عليك أيها المؤمن أن تكون من المتقين الذين استهل بهم الله سورة البقرة، وبعد ذلك تسأل الله أن ينصرك دائماً على القوم الكافرين.        

هذا هو مسك الختام من سورة البقرة: {فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].

وختام السورة بهذا النص يوحي بأن الذي آمن يجب أن يعدي إيمانه بربه إلى الخلق جميعاً، حتى تتساند حركة الحياة، ولا توجد فيها حركة مؤمن على هدى لتصطدم بحركة كافر على ضلال؛ لأن في ذلك إرهاقاً للنفس البشرية، وتعطيلاً للقوى والمواهب التي أمد الله بها ذلك الإنسان الذي سخر من أجله كل الوجود، فلا يمكن أن يعيش الإنسان الذي سوّده الله وكرّمَه على سائر الخلق إلا في أمان واطمئنان وسلام وحركة تتعاون وتتساعد لتنهض بالمجتمع الذي تعيش فيه نهضة عمرانية تؤكد للإنسان حقاً أنه هو خليفة الله في الأرض.

ولا يكتفي الإيمان منا بأن يؤمن الفرد إيماناً يعزله عن بقية الوجود، لأنه يكون في ذلك قد خسر حركة الحياة في الدنيا، والله يريد له أن يأخذ الدنيا تخدمه كما شاء الله لها أن تكون خادمة، فحين يعدي المؤمن إيمانه إلى غيره ينتفع بخير الغير، وإن اكتفى بإيمان نفسه فقط وترك الغير في ضلاله، انتفع الغير بخير إيمانه وأصابته مضرة الكافر وأذاه.

إذن فمن الخير له أن يؤمن الناس جميعاً، ويجب أن يعدي ذلك الإيمان إلى الغير.

ولكن الغير قد يكون منتفعاً بالضلال؛ لأنه يؤيد به طغيانه، عندئذ تنشأ المعركة، تلك المعركة التي غاية كل من دخل فيها أن ينتصر، فيعلمنا الله أن نطلب النصر على الكافرين منه؛ لأن النصر على الكافرين لا يعتبر نصراً حقيقياً إلا إن أَصَّل صفات الخير في الوجود كله، وحين تتأصل صفات الخير في الوجود كله يكون المؤمن قد انتصر بحق.

وحين يطلب منا الله أن نسأله أن ينصرنا لابد أن نكون على مطلوب الله منا في المعركة، بأن نكون جنوداً إيمانيين بحق.

وقد عرفنا أن المؤمنين حين يدخلون في معركة مع غيرهم يستطيعون أن يحددوا مركزهم الإيماني من غاية المعركة.

فإن انتهت المعركة بنصرهم وغلبتهم علموا أنهم من جنود الله، وإن هُزموا وغُلبوا فليراجعوا أنفسهم؛ لأن الله أطلقها قضية إيمانية في كتابه الذي حفظه فقال: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].

فإن لم نغلب فلننظر في نفوسنا: ما الذي أخللنا به من واجب الجندية لله.

وحين يُعَلِّمُنَا الحق أن نقول: {فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]، أي بعد أن أخذنا أسباب وجودنا من مادة الأرض المخلوقة لنا بالفكر المخلوق لله، نعمل فيها بالطاقة المخلوقة لله، وحينئذ نكون أهلاً للنصر من الله؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قد مد يده بأسباب النصر: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60].

حينئذ لا تخافون أبداً؛ لأن لله جنوداً لم تروها، ولا يتدخل الله بالجنود غير المرئية لنا إلا إذا استنفدنا نحن أسباب الله الممدودة لنا.

وحين يختم الحق سبحانه وتعالى سورة البقرة وهي الزهراء الأولى لتأتي بعدها الزهراء الثانية وهي سورة آل عمران نجد أن هذا هو الترتيب القرآني (الآن) وهو ليس على ترتيب النزول الذي حدث، فللقرآن ترتيبان: ترتيب نزولي حين نزلت الآيات لتعالج حدثاً وقع للأمة المسلمة في صراعها مع الكافرين بربهم، وفي تربيته لنفوسهم، فكانت كل آية تأتي لتعالج حادثة.

والأحداث في الوجود إنما تأتي على أيدي البشر، فليس من المعقول أن تنزل آيات من القرآن.

تعالج أحداثاً أخرى لا صلة بينها وبين ما يجري من أحداث في المجتمع الإسلامي أو ما ينشأ في الكون من قضايا.

إذن فلابد أن توجد الأحداث أولاً، ويأتي بعدها النص القرآني ليُعالجَ هذه الأحداث، ولكن بعد أن اكتمل الدين كما قال الله: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِينا} [المائدة: 3].

جاء الترتيب الذي يرتب القضايا ترتيباً كلياً، لأنه عالجها من قبل علاجاً جزئياً.

فحين نقول: إن هذه السورة نزلت بعد كذا، أو فيها آية كذا، نزلت بعد كذا، ونجد أن ذلك يختلف عن النَّسق النُّزُولِي نعلم أن لله سبحانه وتعالى في كتابه ترتيبين: الترتيب الأول: حسب النُّزُول.

والترتيب الثاني: الذي وُجد عليه القرآن الآن وتمَّت به كلمة الله في خدمة الهداية الإيمانية وهذا الأخير من عند الله أيضاً.



الآيات من 281-286 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الآيات من 281-286
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الآيات من 106-111
» الآيات من 106-111
» الآيات من 01-07
» الآيات من 96-98
» الآيات من 196-200

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: البقرة-
انتقل الى: