منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة البقرة: الآيات من 61-70

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 61-70 Empty
مُساهمةموضوع: سورة البقرة: الآيات من 61-70   سورة البقرة: الآيات من 61-70 Emptyالأحد 31 مارس 2019, 5:03 am

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [٦١]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه الآية الكريمة أيضاً من آيات التذكير بنِعَمِ الله سبحانه وتعالى على موسى وعلى بني إسرائيل، وكنا قد تعرَّضنا لمعنى طعام واحد عند ذكر المَنِّ والسَّلوى، وقلنا إن تكرار نزول المَنِّ والسَّلوى كل يوم جعل الطعام لوناً واحداً، وكلمة واحد هي أول العدد، فإذا انضم إليه مثله يصير اثنين، وإذا انضم إليه مثله يصبح ثلاثة، إذن فأصل العدد هو الواحد، والواحد يدل على وحدة الفرد ولا يدل على وحدانية، فإذا قلنا الله واحد فإن ذلك يعني أنه ليس كمثله أحد، ولكنه لا يعني أنه ليس مكوناً من أجزاء، فأنت لست واحداً ولست أحداً لأنك مكون من أجزاء - كما أن هناك مَنْ يشبهونك، والشمس في مجموعتنا واحدة ولكنها ليست أحداً لأنها مكونة من أجزاء وتتفاعل، والله سبحانه وتعالى واحد ليس كمثله شيء، وأحد ليس مكوناً من أجزاء، ولذلك من أسمائه الحسنى الواحد الأحد، ولا نقول أن الاسم مُكرَّر فهذه تعني الفردية، وهذه تنفي التجزئة.

وقوله تعالى: {لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة: 61]، نلاحظ هنا أن الطعام وُصف بأنه واحد رغم أنه مكون من صنفين هما المن والسلوى، ولكنه واحد لرتابة نزوله، الطعام كان يأتيهم من السماء، ولكن تعنتهم مع الله جعلهم لا يصبرون عليه فقالوا ما يدرينا لعله لا يأتي، نريد طعاماً نزرعه بأيدينا ويكون طوال الوقت أمام عيوننا، وكأن هذه المعجزات كلها ليست كافية، لتعطيهم الثقة في استمرار رزق الله، إنهم يريدون أن يروا، ألم يقولوا لموسى: {أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153].

ماذا طلبوا؟

قالوا: {فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ} [البقرة: 61]، {فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة: 61] أي اطلب من الله، ولأن الدعاء لون من الطلب فإنك حين تتوجه إلى الله طالباً أن يعطيك، فإنك تدعو بذِلّة الدَّاعي أمام عزة المَدعُو، والطلب إن كان من أدنى إلى أعلى قيل دعاء، ومن مساوٍ إلى مساوٍ قيل طلب، ومن أعلى إلى أدنى قيل أمر.

لقد طلب بنو إسرائيل من موسى أن يدعو الله سبحانه وتعالى أن يخرج لهم أطعمة مما تنبت الأرض، وعددوا ألوان الأطعمة المطلوبة، وقالوا: {مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة: 61]، ولكنها كلها أصناف تدل على أن مَنْ يأكلها هم من صنف العبيد، والمعروف أن آل فرعون استعبدوا بني إسرائيل، ويبدو أن بني إسرائيل أحبوا حياة العبودية واستطعموها.

الحق تبارك وتعالى كان يريد أن يرفع قدرهم فنزَّل عليهم المَنَّ والسَّلوى، ولكنهم فضَّلوا طعام العبيد، والبقل ليس مقصوداً به البُقول فحسب، ولكنه كل نبات لا ساق له مثل: الخس والفجل والكرَّات والجرجير، والقثاء هو القتة صنف من الخيار، والفوم هو القمح أو الثوم.

والعدس والبصل معروفان، والله سبحانه وتعالى قبل أن يجيبهم أراد أن يؤنبهم: فقال {أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61].

عندما نسمع كلمة استبدال فاعلم أن الباء تدخل على المتروك، تقول اشتريت الثوب بدرهم، يكون معنى ذلك أنك أخذت الثوب وتركت الدرهم.

قوله تعالى: {ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61]، أي أنهم تركوا الذي هو خير وهو المن والسلوى، وأخذوا الذي هو أدنى، والدنو هنا لا يعني الدناءة، لأن ما تنتجه الأرض من نعم الله لا يمكن أن يوصف بالدناءة، ولكن الله تبارك وتعالى يخلق بالأسباب ويخلق بالأمر المباشر، ما يخلقه الله بالأمر المباشر منه بكلمة "كن"، يكون خيراً مما جاء بالأسباب، لأن الخلق المباشر لا صفة لك فيه، عطاء خالص من الله، أما الخالق بالأسباب فقد يكون لك دور فيه، كأن تحرث الأرض أو تبذر البذور، ما جاء خالصاً من الله بدون أسبابك يقترب من عطاء الآخرة التي يعطي الله فيها بلا أسباب ولكن بكلمة "كن"، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [طه: 131].

فالله تبارك وتعالى يصف رزق الدنيا بأنه فتنة، ويصف رزق الآخرة بأنه خير منه، مع أن رزق الدنيا والآخرة، وكل رزق في هذا الوجود حتى الرزق الحرام هو من الله جل جلاله، فلا رازق إلا الله ولكن الذي يجعل الرزق حراماً هو استعجال الناس عليه فيأخذونه بطريق حرام، ولو صبروا لجاءهم حلالاً، نقول إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزق، ولكنه سمى رزقاً فتنة وسمى رزقاً خيراً، منه، ذلك أن الرزق من الله بدون أسباب أعلى وأفضل منزلة من الرزق الذي يتم بالأسباب.

إذن الحق سبحانه وتعالى حين يقول: {أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61]، يكون المعنى أتستبدلون الذي هو رزق مباشر من الله تبارك وتعالى، وهو المن والسلوى يأتيكم "بكن" قريب من رزق الآخرة بما هو أقل منه درجة وهو رزق الأسباب في الدنيا، ولم يجب بنو إسرائيل على هذا التأنيب، وقال لهم الحق سبحانه وتعالى: {ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61]، ولا يقال لهم ذلك إلا لأنهم أصروا على الطلب برغم أن الحق جل جلاله بيَّن لهم أن ما يُنزله إليهم خيرٌ مما يطلبونه.

نلاحظ هنا أن مصر جاءت مُنَوَّنَةً، ولكن كلمة مصر حين ترد في القرآن الكريم لا ترد منونة، ومن شرف مصر أنها ذُكِرَت أكثر من مرة في القرآن الكريم، نلاحظ أن مصر حينما يُقصد بها وادي النيل لا تأتي أبداً منونة وإقرأ قوله تعالى: { تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً، } [يونس: 87].

وقوله جل جلاله: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ،} [الزخرف: 51].

وقوله سبحانه: {وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ،} [يوسف: 21].

وقوله تبارك وتعالى: {ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99].

كلمة مصر ذكرت في الآيات الأربع السابقة بغير تنوين، ولكن في الآية التي نحن بصددها: {ٱهْبِطُواْ مِصْراً} بالتنوين، هل مصر هذه هي مصر الواردة في الآيات المشار إليها؟

نقول لا، لأن الشيء الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، إذا كان لبقعة أو مكان، مرة تلحظ أنه بقعة فيبقى مؤنثاً، ومرة تلحظ أنه مكان فيكون مذكراً، فإن كان بقعةً فهو علم ممنوع من الصرف، وإن كان مكاناً تكون فيه علمية وليس فيه تأنيث، ومرة تكون هناك علمية وأهمية ولكن الله صرفها في القرآن الكريم، كلمات: نوح ولوط وشعيب ومحمد وهود.

كل هذه الأسماء كان مفروضاً أن تُمنع من الصرف ولكنها صُرفت، فقيل في القرآن الكريم نوحاً ولوط وشعيباً ومحمداً وهوداً، إذن فهل من الممكن أن تكون مصر التي جاءت في قوله تعالى: {ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] هي مصر التي عاشوا فيها وسط حكم فرعون، قوله تعالى: {ٱهْبِطُواْ مِصْراً} [البقرة: 61] من الممكن أن يكون المعنى أي مصر من الأمصار، ومن الممكن أن تكون مصر التي عاش فيها فرعون، وكلمة مصر تُطلق على كل مكان له مُفْتٍ وأمير وقاض، وهي مأخوذة من الاقتطاع، لأنه مكان يقطع امتداد الأرض الخلاء، ولكن الثابت في القرآن الكريم، أن مصر التي لم تنوَّن هي علمٌ على مصر التي نعيش فيها، أما مصراً التي خضعت للتنوين فهي تعني كل وادٍ فيه زرع.

وقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61]، الذلة هي المشقة التي تؤدي إلى الانكسار، ويمكن أن ترفع عنك بأن تكون في حمى غيرك فيعزك بأن يقول إنك في حماه، والله سبحانه وتعالى يقول عن بني إسرائيل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ،} [آل عمران: 112].

حبلٌ من الله كما حدث عندما عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وعاشوا في حِمَى العهد، إذن بحبل من الله أي على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المؤمنين به، وبحبل من الناس أي في حماية دولة قوية كالولايات المتحدة الأمريكية، إذا عاهدتهم عزوا وإن تركتهم ذلوا.

وقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ} [البقرة: 61] ضربت أي طبعت طبعة قوية بضربة قوية تجعل الكتابة بارزة على النقود، ولذلك يقال ضربت في مصر، أي أعدت بضربة قوية أذلتهم وبقيت بارزة لا يستطيعون محوها، أما المسكنة فهي انكسار في الهيئة.

أهل الكتاب كانوا يدفعون الجزية والجزية كانت تؤخذ من الأغنياء، وكانوا يلبسون الملابس القذرة، ويقفون في موقف الذل والخزي حتى لا يدفعوا الجزية.

وقوله تعالى: {وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ} [البقرة: 61]، أي غضب الله عليهم بذنوبهم وعصيانهم، حتى أصبح الغضب -من كثرة عصيانهم- كأنه سمة من سماتهم لماذا؟: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ} [البقرة: 61] أي أنهم كانوا يكفرون بالنعم ولا يشكرون، ويكفرون بالآيات ويشترون بها ثمناً قليلاً، ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يقتلون أنبياء الله بغير حق.

الأنبياء غير الرسل، والأنبياء أسوة سلوكية ولكنهم لا يأتون بمنهج جديد، أما الرسل فهم أنبياء بأنهم أسوة سلوكية ورسل لأنهم جاءوا بمنهج جديد، ولذلك كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً.

والله سبحانه وتعالى يعصم أنبياءه ورسله من الخطيئة، ولكنه يعصم رسله من القتل فلا يقدر عليهم أعداؤهم، فمجيء الأنبياء ضرورة، لأنهم نماذج سلوكية تسهل على الناس التزامهم بالمنهج، وبنو إسرائيل بعث الله لهم أنبياء ليقتدوا بهم فقتلوهم، لماذا؟

لأنهم فضحوا كذبهم وفسقهم وعدم التزامهم بالمنهج، ولذلك تجد الكافر والعاصي وغير الملتزم يغار ويكره الملتزم بمنهج الله، ويحاول إزالته عن طريقه ولو بالقتل، إذن فغضب الله عليهم من عصيانهم واعتدائهم على الأنبياء وما ارتكبوه من آثام.


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٦٢]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن تحدَّث الحق سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل وكيف كفروا بنعمه، أراد أن يعرض لنا حساب الأمم التي سبقت أمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولقد وردت هذه الآية في سورة المائدة ولكن بخلاف يسير من التقديم والتأخير، ففي سورة المائدة: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ} [المائدة: 69].

أي أنه في سورة المائدة تقدمت الصابئون على النصارى، واختلف الإعْراب فبينما في البقرة و"وَالصَّابِئِينَ"، وفي المائدة و"وَالصَّابِئُونَ"، وردت آية أخرى في سورة الحج: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17].

الآيات الثلاث تبدو متشابهة، إلا أنَّ هناك خلافات كثيرة، ما هو سبب التكرار الموجود في الآيات، وتقديم الصابئين مرة وتأخيرها، ومع تقديمها رفعت وتغير الإعراب، وفي الآيتين الأوليين (البقرة والمائدة) تأتي: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]، أما في الآية التي في سورة الحج فقد زاد فيها: {وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ} [الحج: 17]، واختلف فيها الخبر، فقال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ} [الحج: 17].

عندما خلق الله آدم وأنزله ليعمر الأرض أنزل معه الهدى، واقرأ قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ} [طه: 123].

مفروض أن آدم أبلغ المنهج لأولاده، وهؤلاء أبلغوه لأولادهم وهكذا، وتشغل الناس الحياة وتطرأ عليهم الغفلة، ويصيبهم طمع الدنيا وجشعها ويتبعون شهواتهم، فكان لابد من رحمة الله لخلقه أن يأتي الرسل ليذكروا وينذروا ويبشروا، الآية الكريمة تقول: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [البقرة: 62]، أي إيمان الفطرة الذي نزل مع آدم إلى الأرض، وبعد ذلك جاءت أديان كفر الناس بها فأبيدوا من على الأرض، كقوم نوح ولوط وفرعون وغيرهم، وجاءت أديان لها اتباع حتى الآن كاليهودية والنصرانية والصابئية، والله سبحانه وتعالى يريد أن يجمع كل ما سبق في رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء لتصفية الوضع الإيماني في الأرض.

إذن الذين آمنوا أولاً سواء مع آدم أو مع الرسل، الذين جاءوا بعده لمعالجة الداءات التي وقعت، ثم الذين تسموا باليهود والذين تسموا بالنصارى والذين تسموا بالصابئة، فالله تبارك وتعالى يريد أن يبلغهم لقد انتهى كل هذا، فمَنْ آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فكأن رسالته عليه الصلاة والسلام جاءت لتصفية كل الأديان السابقة، وكل إنسان في الكون مطالب بأن يؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام، فقد دعى الناس كلهم إلى الإيمان برسالته، ولو بقي إنسان من عهد آدم أو من عهد إدريس أو من عهد نوح أو إبراهيم أو هود، وأولئك الذين نسبوا إلى اليهودية وإلى النصرانية وإلى الصابئية، كل هؤلاء مطالبون بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والتصديق بدين الإسلام، فالإسلام يمسح العقائد السابقة في الأرض، ويجعلها مركزة في دين واحد، الذين آمنوا بهذا الدين {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]، والذين لم يؤمنوا لهم خوف وعليهم حزن، وهذا إعلان بوحدة دين جديد، ينتظم فيه كل من في الأرض إلى أن تقوم الساعة، أما أولئك الذين ظلوا على ما هم عليه، ولم يؤمنوا بالدين الجديد، لا يفصل الله بينهم إلا يوم القيامة، ولذلك فإن الآية التي تضمنت الحساب والفصل يوم القيامة، جاء فيها كل مَنْ لم يؤمن بدين محمد عليه الصلاة والسلام، بما فيهم المجوس والذين أشركوا.

والحق تبارك وتعالى أراد أن يرفع الظن، عمَّنْ تبع ديناً سبق الإسلام وبقي عليه بعد الإسلام، وهو يظن أن هذا الدين نافعه، نقول له أن الحق سبحانه وتعالى قد حسم هذه القضية في قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].

وقوله جل جلاله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19].

إذن التصفية النهائية لموكب الإيمان والرسالات في الوجود حسمت، فالذي آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام، لا يخاف ولا يحزن يوم القيامة، والذي لم يؤمن يقول الله تبارك وتعالى له: {إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ} [الحج: 17]، إذن الذين آمنوا هم الذين ورثوا الإيمان من عهد آدم، والذين هادوا هم أتباع موسى عليه السلام، وجاء الاسم من قولهم: "إنا هدنا إليك" - أي عدنا إليك، والنصارى جمع نصراني وهم منسوبون إلى الناصرة البلدة التي ولد فيها عيسى عليه السلام، أو من قول الحواريين نحن أنصار الله في قوله تعالى: {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52].

أما الصابئة فقد اختلف العلماء فيهم، قال بعضهم هم أتباع نوح ولكنهم غيروا بعده وعبدوا من دون الله الوسائط في الكون كالشمس والقمر والكواكب، أو الصابئة هم الذين انتقلوا من الدين الذي كان يعاصرهم إلى الدين الجديد، أو هم جماعة من العقلاء قالوا ما عليه قومنا لا يقنع العقل، كيف نعبد هذه الأصنام ونحن نصنعها ونصلحها؟، فامتنعوا عن عبادة أصنام العرب، فقالوا عنهم إنهم صبأوا عن دين آبائهم، أي تركوه وآمنوا بالدين الجديد، وأياً كان المراد بالصابئين فهم كل من مال عن دينه إلى دين آخر.

إننا نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى، جاء بالصابئين في سورة البقرة متأخرة ومنصوبة، وفي سورة المائدة متقدمة ومرفوعة، نقول هذا الكلام يدخل في قواعد النحو، الآية تقول: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [البقرة: 62]، نحن نعرف أَنَّ (إِنَّ) تنصب الاسم وترفع الخبر، فالذين مبني لأنه اسم موصول في محل نصب اسم إنَّ: "والذين هادوا" معطوف على الذين آمنوا يكون منصوباً أيضاً، والنصارى معطوف أيضاً على اسم إنَّ، والصابئين معطوف أيضاً ومنصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.

نأتي إلى قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} [البقرة: 62] هذه مستقيمة في سورة البقرة إعراباً وترتيباً، والصابئين تأخرت عن النصارى لأنهم فرقة قليلة، لا تمثل جمهرة كثيرة كالنصارى، ولكن في آية المائدة تقدمت الصابئون وبالرفع في قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ} [البقرة: 62]، الذين آمنوا اسم إنَّ والذين هادوا معطوف، و"الصابئون" كان القياس إعرابياً أن يقال والصابئين، وبعدها النصارى معطوفة، ولكن كلمة (الصابئون) توسطت بين اليهود وبين النصارى، وكسر إعرابها بشكل لا يقتضيه الظاهر، وللعرب أذن مرهفة لغوياً، فمتى سمع الصابئين التي جاءت معطوفة على اسم إنَّ تأتي بالرفع يلتفت لفتة قسرية ليعرف السبب.

حين تولى أبو جعفر المنصور الخلافة، وقف على المنبر ولحن لحنة أي أخطأ في نطق كلمة، وكان هناك أعرابي يجلس فآذت أُذنيه، وأخطأ المنصور للمرة الثانية فحرك الأعرابي أُذنيه باستغراب، وعندما أخطأ للمرة الثالثة قام الأعرابي وقال، أشهد أنك وليت هذا الأمر بقضاء وقدر، أي أنك لا تستحق هذا، هذا هو اللحن إذا سمعه العربي هز أذنيه، فإذا جاء لفظ مرفوعاً والمفروض أن يكون منصوباً، فإن ذلك يجعله يتنبه أن الله له حكمة وعلة، فما هي العلة؟

الذين آمنوا أمرهم مفهوم والذين هادوا أمرهم مفهوم والنصارى أمرهم مفهوم، أما الصابئون فهؤلاء لم يكونوا تابعين لدين، ولكنهم سلكوا طريقا مخالفا، فجاءت هذه الآية لتلفتنا أن هذه التصفية تشمل الصابئين أيضاً، فقدمتها ورفعتها لتلفت إليها الآذان بقوة، فالله سبحانه وتعالى يعطف الإيمان على العمل لذلك يقول دائماً: "آمن وعمل صالحاً"، لأن الإيمان إن لم يقترن بعمل فلا فائدة منه، والله يريد الإيمان أن يسيطر على حركة الحياة بالعمل الصالح، فيأمر كل مؤمن بصالح العمل وهؤلاء لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة. 


وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [٦٣]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يمتنُّ الله سبحانه وتعالى مرة أخرى على بني إسرائيل بالنِّعَمِ التي أنعم بها عليهم ويذكرهم بجحودهم بها، ولكننا نلاحظ أن القرآن الكريم حينما يتكلم عن اليهود، يتكلم عنهم بالخطاب المباشر، فهل الذين عاصروا نزول القرآن وهم الذين أخذ الله تبارك وتعالى عليهم الميثاق، هؤلاء مخاطبون بمراد آبائهم وأجدادهم الذين عاصروا موسى عليه السلام نقول إنه كان المطلوب من كل جد أو أب أن يبلغ ذريته ما انتهت إليه قضية الإيمان، فحين يمتن الله عليهم أنه أهلك أهل فرعون وأنقذهم، يمتن عليهم لأنه أنقذ آباءهم من التذبيح، ولولا أنه أنقذهم ما جاء هؤلاء اليهود المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم كانوا مطمورين في ظهور آبائهم، ولكي ينقذهم الله كان لابد أن تستمر حلقة الحياة متصلة، فمتى انتهت حياة الأب قبل أن يتزوج وينجب انتهت في اللحظة نفسها حياة ذريته، الشيء نفسه ينطبق على قول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ} [البقرة: 60]، امتنان على اليهود المعاصرين لنزول القرآن، لأنه سبحانه وتعالى لو لم ينقذ آباءهم من الموت عطشاً لماتوا بلا ذرية.

إذن كل امتنان على اليهود في عهد موسى هو امتنان على ذريته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق سبحانه وتعالى أخذ على اليهود الميثاق القديم، ولولا هذا الميثاق ما آمنوا ولا آمنت ذريتهم.

وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ} [البقرة: 63]، أي أن الله تبارك وتعالى يذكرهم بأنهم بعد أن نجوا وأغرق الله فرعون وقومه ذهب موسى لميقات ربه ليتلقى عنه التوراة، فعبد بنو إسرائيل العجل.

وعندما عاد موسى بالتوراة وبالألواح، وجدوا في تعاليمها مشقة عليهم، وقالوا نحن لا نطيق هذا التكليف وفكروا ألا يلتزموا به وألا يقبلوه.

التكليف هو من مكلف هو الله سبحانه وتعالى، وهم يقولون إن الله كلفهم ما لا يطيقون، مع أن الله جل جلاله لا يكلف نفساً إلا وسعها، هذا هو المبدأ الإيماني الذي وضعه الحق جل جلاله، يظن بعض الناس أن معنى الآية الكريمة: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

يظنون أننا نضع أنفسنا حكماً على تكليف الله، فإن كنا نعتقد أننا نقدر على هذا التكليف نقل هو من الله وإن كنا نعتقد أننا لا نقدر عليه بحكمنا نحن، نقول الله لم يكلفنا بهذا لأنه فوق طاقتنا، ولكن الحكم الصحيح هل كلفك الله بهذا الأمر أو لم يكلفك؟ إن كان الله قد كلفك فهو عليم بأن ذلك في وسعك؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ونحن نسمع الآن صيحات تقول أن العصر لم يعد يحتمل، وأن ظروف الدنيا وسرعة الحركة فيها وسرعة الأحداث هي تبرير أنه ليس في وسعنا أن نؤدي بعض التكاليف، ربما كان هذا التكليف في الوسع في الماضي عندما كانت الحياة بسيطة وحركتها بطيئة ومشاكلها محدودة.

نقول لمَنْ يردّد هذا الكلام: إن الذي كلفك قديماً هو الله سبحانه وتعالى، إنه يعلم أن في وسعك أن تؤدي التكليف وقت نزوله، وبعد آلاف السنين من نزوله وحتى قيام الساعة، والدليل على ذلك أن هناك مَنْ يقوم بالتكليف ويتطوع بأكثر منه ليدخل في باب الإحسان، فهناك مَنْ يصلي الفروض وهي التكليف، وهناك مَنْ يزيد عليها السنن، وهناك مَنْ يقوم الليل، فيظل يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالتطوع من جنس ما فرض، وهناك مَنْ يصوم رمضان ومَنْ يتطوع ويصوم أوائل الشهور العربية، أو كل اثنين وخميس على مدار العام أو في شهري رجب وشعبان، وهناك مَنْ يحج مرة ومَنْ يحج مرات، وهناك من يلتزم بحدود الزكاة ومَنْ يتصدق بأكثر منها.

إذن كل التكاليف التي كلفنا الله بها في وسعنا وأقل من وسعنا، ولا يقال إن العصر قد اختلف، فنحن الذين نعيش هذا العصر، بكل ما فيه من متغيرات نقوم بالتكاليف ونزيد عليها دون أي مشقة، والله سبحانه وتعالى رفع فوق بني إسرائيل الطور رحمة بهم، تماماً كما يمسك الطبيب المشرط ليزيل صديداً تكوَّن داخل الجسد، لأن الجسد لا يصح بغير هذا.

لذلك عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يصيب بفضله ورحمته بني إسرائيل رغم أنوفهم، رفع فوقهم جبل الطور الموجود في سيناء، وقال لهم تقبلوا التكليف أو أطبق عليكم الجبل، تماماً كما أهلك الله تبارك وتعالى الذين كفروا ورفضوا الإيمان وقاوموا الرسل الذين من قبلهم، قد يقول البعض إن الله سبحانه وتعالى أرغم اليهود على تكليف وهو القائل: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ} [البقرة: 256].

وقوله تعالى: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].

نقول إن الله جل جلاله لم يُرغم أحداً على التكليف، ولكنه رحمة منه خيرهم بين التكليف وبين عذاب يصيبهم فيهلكهم، وهذا العذاب هو أن يُطْبِقَ عليهم جبل الطور، إذن المسألة ليس فيها إجبار ولكن فيها تخيير، وقد خُيِّرَ الذين من قبلهم بين الإيمان والهلاك فلم يصدقوا حتى أصابهم الهلاك، ولكن حينما رأى بنو إسرائيل الجبل فوقهم خشعوا ساجدين على الأرض، وسجودهم دليل على أنهم قبلوا المنهج، ولكنهم كانوا وهم ساجدون ينظرون إلى الجبل فوقهم خشية أن يطبق عليهم، ولذلك تجد سجود اليهود حتى اليوم على جهة من الوجه، بينما الجهة الأخرى تنظر إلى أعلى وكان ذلك خوفاً من أن ينقض الجبل عليهم، ولو سألت يهودياً لماذا تسجد بهذه الطريقة يقول لك: أحمل التوراة ويهتز منتفضاً، نقول إنهم اهتزوا ساعة أن رفع الله جبل الطور فوقهم، فكانوا في كل صلاة يأخذون الوضع نفسه، والذين شهدوهم من أولادهم وذريتهم، اعتقدوا أنها شرط من شروط السجود عندهم، ولذلك أصبح سجودهم على جانب من الوجه، ونظرهم إلى شيء أعلاهم يخافون منه، أي أن الصورة التي حدثت لهم ساعة رفع جبل الطور لا زالوا باقين عليها حتى الآن. 

في هذه الآية الكريمة يقول الحق تبارك وتعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ} [البقرة: 63] وفي آية أخرى يقول المولى جل جلاله في نفس ما حدث: {وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171].

"نتقنا" كأن الجبل وتد في الأرض ونريد أن نخلعه، فنحركه يميناً ويساراً حتى يمكن أن يخرج من الأرض، هذه الحركة والزحزحة والجذب هي النتق، والجبل كالوتد تماماً يحتاج إلى هز وزعزعة وجذب حتى يخرج من مكانه، وهذه الصورة عندما حدثت خشعوا وسجدوا وتقبلوا المنهج.

يقول الحق سبحانه وتعالى: {خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ} [البقرة: 63]، الأخذ عادة مقابل للعطاء، أنت تأخذ من معطٍ، والتكليف أخذ من الله حتى تعطي به حركة صلاح في الكون، إذن كل أخذ لابد أن يأتي منه عطاء؛ فأنت تأخذ من الجيل الذي سبقك وتعطي للجيل الذي يليك، ولكنك لا تعطيه كما هو، ولكن لابد أن تضيف عليه.

وهذه الإضافة هي التي تصنع الحضارات.

وقوله تعالى: {بِقُوَّةٍ} [البقرة: 63]، أي لا تأخذوا التكليف بتخاذل، والإنسان عادة يأخذ بقوة ما هو نافع له، ولذلك فطبيعة مناهج الله أن تؤخذ بقوة وبيقين، لتعطي خيراً كثيراً بقوة وبيقين، وإذا أخذت منهج الله بقوة فقد ائتمنت عليه وأن صدرك قد انشرح وتريد أن تأخذ أكثر، لذلك تجد في القرآن الكريم يسألونك عن كذا، دليل على أنهم عشقوا التكليف وعلموا أنه نافع فهم يريدون زيادة النفع.

وما دام الحق سبحانه وتعالى قال: {خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ} [البقرة: 63]، فقد عشقوا التكليف ولم يعد شاقاً على أنفسهم.

وقوله تعالى: {وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63]، اذكروا ما فيه أي ما في المنهج وأنه يعالج كل قضايا الحياة واعرفوا حكم هذه القضايا، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63] أي تطيعون الله وتتقون عقابه وعذابه يوم القيامة. 


ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [٦٤]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن بَيَّنَ الحقُ سبحانه وتعالى لنا كيف أمر اليهود بأن يتذكروا المنهج ولا ينسوه، وكان مجرد تذكرهم للمنهج يجعلهم يؤمنون بالإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مكتوب عندهم في التوراة ومذكورة أوصافه، ماذا فعل اليهود؟

يقول الحق تبارك وتعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ} [البقرة: 64]، أي أعرضتم عن منهج الله ونسيتموه ولم تلتفتوا إليه، {فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64].

ما هو الفضل وما هي الرحمة؟

الفضل هو الزيادة عما تستحق، يقال لك هذا حقك وهذا فضل مني أي زيادة على حقك.

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سدّدوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يُدْخِلُ أحداً الجنةَ عملهُ قالوا: ولا أنت يا رسولَ الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة). 

فإذا تساءلت كيف يتم هذا؟

وكيف أنه لا أحد يدخل الجنة بعمله؟

نقول نعم لأن عمل الدنيا كله لا يساوي نعمة من نعم الله على خلقه؛ فأنت تذكرت العمل ولم تتذكر الفضل، وكل مَنْ يدخل الجنة فبفضل الله سبحانه وتعالى، حتى الشهداء الذين أعطوا حياتهم وهي كل ما يملكون في هذه الدنيا، يقول الحق سبحانه وتعالى عنهم: {فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 170].

فإذا كان هؤلاء الشهداء وهم في أعلى مراتب الجنة قد دخلوا الجنة بفضل الله، فما بالك بمن هم أقل منهم أجراً، والله سبحانه وتعالى له فضل على عباده جميعاً، واقرأ قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243].

أما الرحمة فهي التي فتحت طريق التوبة لغفران الذنوب.

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه لولا هذا الفضل لبني إسرائيل، ولولا أنه فتح لهم باب الرحمة والمغفرة ليعودوا مرة أخرى إلى ميثاقهم ومنهجهم، لولا هذا لكانوا من الخاسرين الذين أصابهم خسران مبين في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى بفضل منه ورحمة قد قادهم إلى الدين الذي حفظه الله سبحانه وتعالى بقدرته من أي تحريف، فرفع عنهم عبء حفظ الكتاب، وما ينتج عن ذلك من حمل ثقيل في الدنيا، ورحمهم برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وأعطاهم فضل هذا الدين الخاتم الذي حسم قضية الإيمان في هذا الكون، ومع هذه الرحمة وهذا الفضل، بأن نزل إليهم في التوراة أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعد بعثه، فتح لهم باباً حتى لا يصبحوا من الخاسرين، ولكنهم تركوا هذا الباب كما تولوا عن دينهم. 


وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [٦٥]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن بَيَّنَ اللهُ جل جلاله لنا كيف أنه فتح باب الفضل والرحمة لليهود فتركوه، أراد أن يُبَيِّنَ لنا بعض الذي فعلوه في مخالفة أوامر الله والتحايل عليها، والله تبارك وتعالى له أوامر في الدين وأوامر تتعلق بشئون الدنيا، وهو لا يحب أن نأخذ أي أمر له يتعلق بالدين أو بالدنيا مأخذ عدم الجد، أو نفضل أمرا على أمر، ولذلك تجد في سورة الجمعة مثلاً قول الحق تبارك وتعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ} [الجمعة: 9-10].

هذان أمران أحدهما في الدين والثاني يتعلق بالدنيا، وكلاهما من منهج الله، فالله لا يريدك أن تتاجر وتعمل وقت الصلاة، ولا أن تترك عملك بلا داع وتبقى في المسجد بعد الصلاة، إذا نودي للصلاة فإلى المسجد، وإذا قضيت الصلاة فإلى السعي للرزق، وهناك يومان في الأسبوع ذُكِرَا في القرآن بالاسم وهما يوم الجمعة والسبت، بينما أيام الأسبوع سبعة، خمسة أيام منها لم تُذكَر في القرآن بالاسم، وهي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس.

الجمعة هي عيد المسلمين الذي شُرِعَ فيه اجتماعهم في المساجد وأداء صلاة الجماعة، ونلاحظ أن يوم الجمعة لم يأخذ اشتقاقه من العدد، فأيام الأسبوع نُسِبَتْ إلى الأعداد فيما عدا الجمعة والسبت.

لذلك تجد الأحد منسوب إلى واحد والاثنين منسوب إلى اثنين، والثلاثاء منسوب إلى ثلاثة والأربعاء منسوب إلى أربعة والخميس منسوب إلى خمسة. 

كان المفروض أن يُنسب يوم الجمعة إلى ستة ولكنه لم يُنسب، لماذا؟

لأنه اليوم الذي اجتمع فيه للكون نظام وجوده، فسمَّاه الله تبارك وتعالى الجمعة وجعله لنا عيداً، والعيد هو اجتماع كل الكون في هذا اليوم، اجتماع نعمة الله في إيجاد الكون وتمامها في ذلك اليوم، فالمؤمنون بالله يجتمعون اجتماع حفاوة بتمام خلق الكون لهم، والسبت، الباء والتاء تفيد معنى القطع، وسبت ويسبت سبتاً إذا انقطع عمله، ونلاحظ أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام مصداقاً لقوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الحديد: 4].

وكان تمام الخلق يوم الجمعة، وفي اليوم السابع وهو يوم السبت، كان كل شيء قد استقر وفرغ من خلق الكون، ولذلك له سبات أي أن هذا اليوم يُسَمَّى سباتاً، لأن فيه سكون الحركة بعد تمام الخلق، فلما أراد اليهود يوماً للراحة أعطاهم الله يوم السبت وأراد الحق تبارك وتعالى أن يبتليهم في هذا اليوم والابتلاء هو امتحانهم فقد كانوا يعيشون على البحر وعملهم كان صيد السمك، وكان الابتلاء في هذا اليوم حيث حَرَّمَ اللهُ عليهم فيه العمل وجعل الحيتان التي يصطادونها تأتي إليهم وقد بدت أشرعتها وكانوا يبحثون عنها طوال الأسبوع وربما لا يجدونها، وفي يوم السبت جاءتهم الحيتانُ ظاهرةً على سطح الماء تسعى إليهم لتفتنهم، واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163].

وهكذا يمتلئ سطح البحر بالأسماك والحيتان يوم السبت، فإذا جاء صباح الأحد اختفت بعيداً وهم يريدون أن يجعلوا السبت عيداً لهم لا يفعلون فيه أي شيء، ولكنهم في الوقت نفسه يريدون أن يحصلوا على هذه الأسماك والحيتان، صنعوا شيئاً اسمه الحياض العميقة ليحتالوا بها على أمر الله بعدم العمل في هذا اليوم، وفي الوقت نفسه يحصلون على الأسماك.

هذه الحياض يدخلها السمك بسهولة، ولأنها عميقة لا يستطيع الخروج منها ويتركونه يبيت الليل وفي الصباح يصطادونه، وكان هذا تحايلاً منهم على مخالفة أمر الله، والله سبحانه وتعالى لا يُحِبُّ مَنْ يحتال في شيء من أوامره.

ويقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، وهذه قصة مشهورة عند اليهود ومتواترة، يُعَلِّمُهَا الأجداد للآباء والآباء للأحفاد، وهي ليست جديدة عليهم وإن كان المُخَاطبُونَ هم اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما سمع: "ولقد علمتم" أي لقد عرفتم ومعنى ذلك أن القصة عندكم معروفة، وكأنها من قصص التراث التي يتناقلونها، وقوله تعالى: {ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ} [البقرة: 65].

المفعول هنا واحد هنا حيلة مذكورة أنهم اعتدوا على أمر الله بالرَّاحة يوم السبت، هم حقيقة لم يصطادوا يوم السبت، ولكنهم تحايلوا على الممنوع بنصب الفِخَاخِ للحيتان والأسماك، وكانوا في ذلك أغبياء، وقد كان الممنوع أن يأخذوا السمك في حيازتهم بالصيد يوم السبت، ولكنهم أخذوه في حيازتهم بالحيلة والفِخَاخ، وقوله تعالى: "اعتدوا" أي تجاوزوا حدود الله المرسومة لهم، وعادة حين يُحَرِّمُ الله شيئاً يأتي بعد التحريم قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187].

لأنه يريد أن يمنعك من الإغراء، حتى لا تقع في المعصية فيقول لك لا تقترب، ولكن بني إسرائيل اعتدوا على حكم الله متظاهرين بالطاعة وهم عاصون، وحَسِبُوا أنهم يستطيعون خداع الله بأنهم طائعون مع أنهم عاصون، وصدر حكم الله عليهم: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].

وعَادَةً أنك لا تأمُرُ إنساناً أمْرَاً إلا إذا كان في قدرته أن يفعله، الأمر هنا أن يكونوا قِرَدَةً، فهل يستطيعون تنفيذه؟

وأن يُغَيِّرُوا خِلقتهم إلى قِرَدَة، إنه أمر في مقدرة الله وحده فكيف يقول لهم كونوا قِرَدَة؟

نقول إن الآمر نفسه هنا هو الذي يستطيع أن يجعلهم قِرَدَة، وهذا الأمر يسمى أمراً تسخيريّاً ولم يقل لهم كونوا قِرَدَة ليكونوا هم بإرادتهم قِرَدَة، ولكنه سبحانه بمجرد أن قال كونوا قِرَدَة كانوا، وهذا يدلنا على انصياع المأمور للأمر وهو غير مختار، ولو كان لا يريد ذلك ولا يلزم أن يكونوا قد سمعوا قول الله أو قال لهم، لأنه لو كان المطلوب منهم تنفيذ ما سمعوه ربما كان ذلك لازماً، ولكن بمجرد صدور الأمر وقبل أن ينتبهوا أو يعلموا شيئاً كانوا قِرَدَة.

ولقد اختلف العلماء كيف تحوَّل هؤلاء اليهود إلى قِرَدَة؟

كيف مُسِخُوا؟

قال بعضهم لقد تم المسخ وهم لا يدرون، فلما وجدوا أنفسهم قد تحوَّلوا إلى خلق أقل من الإنسان، لم يأكلوا ولم يشربوا حتى ماتوا، وقال بعض العلماء إن الإنسان إذا مُسِخَ فإنه لا يتناسل، ولذلك فبمجرد مسخهم لم يتناسلوا حتى انقرضوا، ولماذا لم يتناسلوا؟

لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [الأنعام: 164].

ولو أنهم تناسلوا، لتحمل الأبناء وزر آبائهم، وهذا مرفوض عند الله، إذن فمن رحمة الله أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون، ويبقون فترة ثم ينقرضون بالأمراض والأوبئة وهذا ما حدث لهم.

قد يقول بعض الناس لو أنهم مسخوا قِرَدَة، فمن أين جاء اليهود الموجودون الآن؟

نقول لهم إنه لم يكن كل اليهود عاصين، ولكن كان منهم أقلية هي التي عصت ومسخت، وبقيت الأكثرية ليصل نسلها إلينا اليوم، وقد قال علماء آخرون أن هناك آية في سورة المائدة تقول: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} [المائدة: 60].

إذن هذه قضية قوم غضب الله عليهم ومسخهم قِرَدَة وخنازير وعبدة الطاغوت، ولقد أخبرنا الله جل جلاله أن اليهود مسخوا قِرَدَة، ولكنه لم يقل لنا أنهم مسخوا خنازير.

فهل مُسِخُوا قِرَدَة؟

ثم بعد ذلك ازداد غضب الله عليهم ومُسِخُوا خنازير؟

وهل نقلهم الله من إنسانية إلى بهيمية في القيم والإرادة والخِلْقَة؟

نقول علينا أولاً أن ننظر إلى البهيمية التي نقلهم الله إليها، نجد أن القِرَدَة هي الحيوان الوحيد المفضوح العورة دائماً، وإن عورته لها لون مميز عن جسده، وأنه لا يتأدَّب إلا بالعصا، واليهود كذلك لم يقبلوا المنهج إلا عندما رفع فوقهم جبل الطور، وما هم فيه الآن ليس مسخ خِلْقَه ولكن مسخ خُلُق، والخنازير لا يغارون على أنثاهم وهذه لازمة موجودة في اليهود، وعبدة الطاغوت، الطاغوت هو كل إنسان تجاوز الحد في البغي والظلم، وعباد الطاغوت هم الطائعون لكل ظالم يعينونه على ظلمه وهم كذلك.

إذن فعملية المسخ هذه سواء تمت مرة واحدة أو على مرتين مسألة شكلية، ولكن الله سبحانه وتعالى أعطانا في الآية التي ذكرناها في سورة المائدة سمات اليهود الأخلاقية، فكأنهم مسخوا خلقة ومسخوا أخلاقاً.



سورة البقرة: الآيات من 61-70 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 09 ديسمبر 2019, 11:38 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 61-70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 61-70   سورة البقرة: الآيات من 61-70 Emptyالأحد 31 مارس 2019, 5:05 am

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [٦٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
يريد الله تبارك وتعالى أن يلفتنا إلى أنه بعد أن جعل المُسخة الخلقية والأخلاقية لليهود: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} [البقرة: 66] أي ما معها: {وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: 66] أي ما بعدها: "والنكال" هو العقوبة الشديدة، والعقوبة لابد أن تنشأ عن تجريم أولاً، هذا هو المبدأ الإسلامي والمبدأ القانوني، فرجال القانون يقولون لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص، قبل أن تعاقب لابد أن تقول إنّ هذا الفعل جريمة عقوبتها كذا وكذا، وفي هذه الحالة عندما يرتكبها أي إنسان يكون مستحقاً للعقوبة، وما دام هذا هو الموقف فلابد من تشريع.

والتشريع ليس معناه أن الله شرع العقوبة، ولكن معناه محاولة منع الجريمة بالتخويف حتى لا يفعلها أحد، فإذا تمت الجريمة فلابد من توقيع العقوبة، لأن توقيعها عبرة للغير ومنع له من ارتكابها، وهذا الزجر يسمى نكولاً ومنها النكول في اليمين أي الرجوع فيه.

إذن قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً} [البقرة: 66]، أي جعلناهم زجراً وعقاباً قوياً، حتى لا يعود أحدٌ من بني إسرائيل إلى مثل هذه المُخالفة: {نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} [البقرة: 66]، أي عقوبة حين يرويها الذين عاصروها تكفي لكيلا يقتربوا من هذه المعصية أبداً، وتكون لهم موعظة لا ينسونها: {وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: 66] يعني جعلناها تتوارثها الأجيال من بني إسرائيل جيلاً بعد جيل، كما بيّنا الأب يحكي لابنه حتى لا يعود أحد في المستقبل إلى مثل هذا العمل من شدة العقوبة: {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 66]، أي موعظة لكل الناس الذين سيبلغهم الله تبارك وتعالى بما حدث من بني إسرائيل وما عاقبهم به، حتى يقوا أنفسهم شر العذاب يوم القيامة الذي سيكون فيه ألوان أشد كثيراً من هذا العذاب، على أننا لابد أن نلفت الانتباه إلى أن مبدأ "إنه لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص" هو مبدأ إلهي، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15].

أي يأتي الرسول أولاً ليُجرم هذه الأفعال، فإن ارتكبها أحد من خلق الله حقت عليه العقوبة، ومن هنا فإن كل ما يقال عن قوانين بأثر رجعي مخالف لشريعة الله تبارك وتعالى وعدله، فلا يوجد في عدالة السماء ما يُقال عنه أثر رجعي.


وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [٦٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
تعرضنا إلى هذه الآية الكريمة في بداية سورة البقرة، لأن السورة سميت بهذا الاسم، ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى أتى بحرف: "وإذ"، يعني واذكروا: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67]، ولم يقل لماذا أمرهم بأن يذبحوا البقرة، ولابد أن نقرأ الآيات إلى آخر القصة لنعرف السبب في قوله تعالى: { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة: 72-73].    

والمفروض في كل الأمور أن الأمر تسبقه علته، ولكن هذه عظمة القرآن الكريم، لأن السؤال عن العلة أولاً معناه أن الأمر صادر من مساو لك، فإذا قال لك إنسان افعل كذا، تسأله لماذا حتى أطيع الأمر وأنفذه، إذن الأمر من المساوي هو الذي تسأل عن علته، ولكن الأمر من غير المساوي، كأمر الأب لابنه والطبيب لمريضه والقائد لجنوده، مثل هذا الأمر لا يسأل عن علته قبل تنفيذه، لأن الذي أصدره أحكم من الذي صدر إليه الأمر، ولو أن كل مكلف من الله أقبل على الأمر يسأل عن علته أولاً، فيكون قد فعل الأمر بعلته.    

فكأنه قد فعله من أجل العلة، ومن هنا يزول الإيمان، ويستوي أن يكون الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن، ويكون تنفيذ الأمر بلا ثواب من الله.    

إن الإيمان يجعل المؤمن يتلقى الأمر من الله طائعاً، عرف علته أو لم يعرف، ويقوم بتنفيذه لأنه صادر من الله، ولذلك فإن تنفيذ أي أمر إيماني يتم لأن الأمر صادر من الله، وكل تكليف يأتي، علة حدوثه هي الإيمان بالله، ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يبدأ كل تكليف بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا"، أي يا من آمنت بالله ربا وإلهاً وخالقاً، خذ عن الله وافعل لأنك آمنت بمن أمرك.    

في هذه الآيات التي نحن بصددها أراد اللهتعالى أن يبين لنا ذلك، فجاء بالأمر بذبح البقرة أولاً، وبالعلة في الآيات التي روت لنا علة القصة، وأنت حين تعبد الله فكل ما تفعله هو طاعة لله سبحانه وتعالى، سواء عرفت العلة أو لم تعرفها، فأنت تؤدي الصلاة لأن الله تبارك وتعالى أمرك بأن تصلي، فلو أديت الصلاة على أنها رياضة أو أنها وسيلة للاستيقاظ المبكر، أو أنها حركات لازمة لليونة المفاصل فإن صلاتك تكون بلا ثواب ولا أجر، إن أردت الرياضة فاذهب إلى أحد النوادي وليدربك أحد المدربين لتكون الرياضة على أصولها، وأن أردت اللياقة البدنية فهناك ألف طريقة لذلك، وإن أردت عبادة الله كما أمرك الله فلتكن صلاتك التي فرضها الله عليك لأن الله فرضها، وكذلك كل العبادات الأخرى.    

الصوم ليس شعوراً بإحساس الجائع، ولا هو طريقة لعمل الرجيم ولكنه عبادة، إن لم تصم تنفيذاً لأمر الله بالصوم فلا ثواب لك، وإن جعلت للصيام أي سبب إلا العبادة فإنه صيام لا يقبله الله، والله أغنى الشركاء عن الشرك، فمن أشرك معه أحداً ترك الله عمله لمن أشركه، وكذلك كل العبادات.    

هذا هو المفهوم الإيماني الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه في قصة بقرة بني إسرائيل، ولذلك لم يأت بالعلة أو السبب أولاً، بل أتى بالقصة ثم أخبرنا سبحانه في آخرها عن السبب، وسواء أخبرنا الله عن السبب أو لم يخبرنا فهذا لا يغير في إيماننا بحقيقة ما حدث، وإن القصة لها حكمة وإن خفيت علينا فهي موجودة.    

قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67]، أعطى الله تبارك وتعالى الأمر أولاً ليختبر قوة إيمان بني إسرائيل، ومدى قيامهم بتنفيذ التكليف دون تلكؤ أو تمهل، ولكنهم بدلاً من أن يفعلوا ذلك أخذوا في المساومة والتباطؤ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ} [البقرة: 67]، كلمة قوم تطلق على الرجال فقط، ولذلك يقول القرآن الكريم: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ، } [الحجرات: 11].    

إذن قوم هم الرجال، لأنهم يقومون على شئون أسرهم ونسائهم.

ولذلك يقول الشاعر العربي:
وما أدري ولست أخال أدري أَقَوْمٌ آل حصنٍ أم نساءُ

فالقوامة للرجال، والمرأة حياتها مبنية على الستر في بيتها، والرجال يقومون لها بما تحتاج إليه من شئون، والمفروض أن المرأة سكن لزوجها وبيتها وأولادها وهي في هذا لها مهمة أكبر من مهمة الرجال، قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: 67]، الأمر طلب فعل، وإذا كان الآمر أعلى من المأمور نسميه أمراً، وإذا كان مساوياً له نسميه التماساً، وإذا كان إلى أعلى نسميه رجاء ودعاء، على أننا لابد أن نلتفت إلى قوله تعالى على لسان زكريا: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً، } [آل عمران: 38].    

هل هذا أمر من زكريا؟

طبعاً لا، لأنه دعاء والدعاء رجاء من الأدنى إلى الأعلى، قوله تعالى: {ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: 67]، لو أن إنساناً يعقل أدنى عقل ثم يطلب منه أن يذبح بقرة، أهذه تحتاج إلى إيضاح؟ لو كانوا ذبحوا بقرة لكان كل شيء قد تم دون أي جهد، فما دام الله قد طلب منهم أن يذبحوا بقرة، فكل ما عليهم هو التنفيذ، ولكن انظر إلى الغباء حتى في السؤال، إنهم يريدون أن يفعلوا أي شيء لإبطال التكليف، لقد قالوا لموسى نبيهم إنك تهزأ بنا، أي أنهم استنكروا أن يكلفهم الله تبارك وتعالى بذبح بقرة على إطلاقها دون تحديد، فاتهموا موسى أنه يهزأ بهم، كأنهم يرون أن المسألة صعبة على الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن تحل بمجرد ذبح بقرة، وعندما سمع موسى كلامهم ذهل، فهل هناك نبي يهزأ بتكليف من تكليفات الله تبارك وتعالى، أينقل نبي الله لهم أمراً من أوامر الله جل جلاله على سبيل الهزل؟ هنا عرف موسى أن هؤلاء اليهود هم جاهلون، جاهلون بربهم وبرسولهم وجاهلون بآخرتهم، وأنهم يحاولون أن يأخذوا كل شيء بمقاييسهم وليس بمقاييس الله سبحانه وتعالى، فاتجه إلى السماء يستعيذ بالله من هؤلاء الجاهلين، الذين يأتيهم اليسر فيريدونه عسراً.    

ويأتيهم السهل فيريدونه صعباً، ويطلبون من الله أن يعنتهم وأن يشدد عليهم وأن يجعل كل شيء في حياتهم صعباً وشاقاً.    



سورة البقرة: الآيات من 61-70 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 09 ديسمبر 2019, 11:40 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 61-70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 61-70   سورة البقرة: الآيات من 61-70 Emptyالأحد 31 مارس 2019, 5:06 am

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ [٦٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وكان سؤالهم يبين نقص درجة الإيمان عندهم، لم يقولوا ادع لنا ربنا، بل قالوا ادع لنا ربك، وكأنه رب موسى وحده، ولقد تكررت هذه الطريقة في كلام بني إسرائيل عدة مرات، حتى إنهم قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24].    

ولقد استمر الحوار بينهم وبين موسى فترة طويلة، يوجهون السؤال لموسى فيدعو الله فيأتيه الجواب من الله تبارك وتعالى، فبدلاً من أن ينفذوا الأمر وتنتهي المسألة يوجهون سؤالاً آخر، فيدعو موسى ربه فيأتيه الجواب، ويؤدي الجواب إلى سؤال في غير محله منهم، ثم يقطع الحق سبحانه وتعالى عليهم أسباب الجدل، بأن يعطيهم أوصافاً لبقرة لا تنطبق إلا على بقرة واحدة فقط، فكأنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.    

نأتي إلى أسئلة بني إسرائيل، يقول الحق سبحانه وتعالى: {قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ} [البقرة: 68]، سؤال لا معنى له ولا محل، لأن الله تبارك وتعالى قال لهم إنها بقرة، ولم يقل مثلاً إنها حيوان على إطلاقه فلم يكن هناك محل للسؤال، فجاء الحق تبارك وتعالى يقول لهم: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [البقرة: 68]، الفارض في اللغة هو الواسع والمراد به بقرة غير مُسِنَّة.

ولكن ما العلاقة بين سِنِّ البقرة وبين الواسع؟

البقرة تتعرَّض للحمل كثيراً وأساساً هي للبن وللإنجاب، وما دامت قد تعرَّضت للحمل كثيراً يكون مكان اللبن فيها في اتساع، أي أن بطنها يزداد اتساعاً مع كل حمل جديد، وعندما يكون بطن البقرة واسعاً يُعرف أنها مُسِنَّة وولدت كثيراً وصارت فارضاً.    

وكلمة "بِكر" لها معانٍ متعددة أنه لم يطأها فحل، ومنها أنها بكر ولدت مرَّة واحدة، ومنها أنها ولدت مِراراً ولكن لم يظهر ذلك عليها لأنها صغيرة السِّنِّ.    

وقوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ} [البقرة: 68]، يعني وسط بين هذه الأوصاف كلها، الحق بعد ذلك يقرعهم فيقول: {فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} [البقرة: 68]، يعني كفاكم مُجادلة ونفِّذوا أمْرَ الله واذبحوا البقرة، ولكنهم لم يسكتوا إنهم يريدون أن يحاوروا.    

ولذلك غيَّروا صيغة السؤال.  



سورة البقرة: الآيات من 61-70 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 09 ديسمبر 2019, 11:41 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 61-70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 61-70   سورة البقرة: الآيات من 61-70 Emptyالأحد 31 مارس 2019, 5:07 am

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [٦٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
بحثوا عن سؤال آخر: ما لونها؟

كأن الله تبارك وتعالى حين حدَّثهم عن السِّن فتحوا الأبواب ليسألوا ما لونها؟

مع أنه سبحانه وتعالى قال لهم: { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } [البقرة: 68]، فلم يفعلوا بل سألوا ما لونها؟ {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ} [البقرة: 69] والصفرة لون من الألوان، ثم قال جل جلاله: {فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا} [البقرة: 69]، يعني صُفرة شديدة، ثم قال: {تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ}، يعني أن كل مَنْ ينظر إليها يُسَرُّ لنضارتها ونظافتها وحُسن مظهرها وتناسق جسدها.    

وصف البقرة بأنها صفراء هذا لون معروف، وفي الألوان لا يمكن أن تحدد لوناً إلا برؤيته، ولذلك فإن المُحَسَّات في الألوان لابد أن تسبق معرفتها وبعد ذلك تأتي باللون المطلوب، لذلك لا يُقال صفراء فقط لأنك لا تستطيع تحديده؛ لأن اللون الأصفر له درجات لا نهاية لها، ومزج الألوان يُعطيك عدداً لا نهائياً من درجاتها، ولذلك فإن المشتغلين بدهان المنازل لا يستطيعون أن يقوموا بدهان شقة بلون إلا إذا قام بعمل مزيج اللون كله مرة واحدة، حتى يخرج الدهان كله بدرجة واحدة من اللون، ولكن إذا طلبت منه أن يدهن الشقة باللون نفسه، بشرط أن يدهن حجرة واحدة كل يوم فإنه لا يستطيع، فإذا سمعت صفراء يأتي اللون الأصفر إلى ذهنك، فإذا سمعت "فاقع" فكل لون من الألوان له وصف يناسبه يعطينا دقة اللون المطلوب، "فاقع" أي شديد الصفرة.    

أظن أن المسألة قد أصبحت واضحة، إنها بقرة لونها أصفر فاقع تسر الناظرين، وكان من المفروض أن يكتفي بنو إسرائيل بذلك ولكنهم عادوا إلى السؤال مرة أخرى.  



سورة البقرة: الآيات من 61-70 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 09 ديسمبر 2019, 11:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 61-70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 61-70   سورة البقرة: الآيات من 61-70 Emptyالأحد 31 مارس 2019, 5:08 am

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [٧٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


وبرغم أن ما قيل لبني إسرائيل، واضح تمام الوضوح عن البقرة، وعمرها وشكلها ولونها ومنظرها، فإن الله سبحانه وتعالى أراد أن يؤدبهم فجعلهم ينظرون إلى البقر، وهذا يقول هذه هي والآخر يقول لا بل هي في مكان كذا، والثالث يقول لا بل هي في موقع كذا، وعادوا إلى موسى يسألونه أن يعود إلى ربه ليُبَيِّنَ لهم لأن البقر تشابه عليهم، وهنا ذكروا الله الذي نسوه ولم يُنفِّذوا أمره منذ أن قال لهم اذبحوا بقرة ثم قال لهم: {فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} [البقرة: 68]، فطلبوا منه الهداية بعد أن تاهوا وضاعوا بسبب عنادهم وجدلهم، وجاء الجواب من الله سبحانه وتعالى.



سورة البقرة: الآيات من 61-70 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة البقرة: الآيات من 61-70
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة: الآيات من 46-50
» سورة البقرة: الآيات من 126-130
» سورة البقرة: الآيات من 211-215
» سورة البقرة: الآيات من 51-55
» سورة البقرة: الآيات من 131-140

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: البقرة-
انتقل الى: