الباب الثاني والثلاثون في ذكر الأشرار والفجار وما يرتكبون من الفواحش والوقاحة والسفاهة
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال قبل قيام الساعة يرسل الله ريحا باردةطيبة فتقبض روح كل مؤمن ويبقي شرار الخلق يتهارجون تهارج الحمير وعليهم تقوم الساعة وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى كفى بالمرء شرا أن لايكون صالحا ويقع في الصالحين وقال لقمان لابنه يا بني كذب من قال الشر يطفيء الشر فإن كان صادقا فليوقد نارين ثم ينظر هل تطفيء إحداهما الأخرى وإنما يطفيء الشر الخير كما يطفيء الماء النار ووصف بعضهم رجلا من أهل الشر فقال فلان عري من حلة التقوى ومحى عنه طابع الهدى لا تثنيه يد المراقبة ولا تكفه خيفة المحاسبة وهو لدعائم دينه مضيع ولدواعي شيطانه مطيع شعر
( كأنه التيس قد أودى به هرم ... فلا لحم ولا صوف ولا ثمر )

وقيل من فعل ما شاء لقي ما ساء وقيل زني رجل بجارية فأحبلها فقالوا له يا عدو الله هلا إذا ابتليت بفاحشة عزلت قال قد بلغني أن العزل مكروه قالوا فما بلغك أن الزنا حرام وقيل لأعرابي كان يتعشق قينة ما يضرك لو اشتريتها ببعض ما تنفق عليها قال فمن لي إذ ذاك بلذة الخلسة ولقاء المسارقة وانتظار الموعد وقال أبو العيناء رأيت جارية مع النخاس وهي تحلف أن لا ترجع لمولاها فسألتها عن ذلك فقالت يا سيدي إنه يواقعني من قيام ويصلي من قعود ويشتمني بإعراب ويلحن في القرآن ويصوم الخميس والأثنين ويفطر رمضان ويصلى الضحي ويترك الفرض فقلت لا أكثر الله في المسلمين مثله.

وكانت ظلمة القوادة وهي صغيرة في المكتب تسرق دويات الصبيان وأقلامهم فلما شبت زنت فلما كبرت قادت وقال صاحب المسالك والممالك إن عامة ملوك الهند يرون الزنا مباحا خلا ملك قمار قال الزمخشري رحمه الله أقمت بقمار سنين فلم أر ملكا أغير منه وكان يعاقب على الزنا وشرب الخمر بالقتل وقمار ينسب إليها العود القمارى كما ينسب إلى مندل قال مسكين الدارمي
( ولا ذنب للعود القماري إنه ... يحرق إن نمت عليه روائحه )

وقال ابن عباس رضي الله عنهما عهدت الناس وهواهم تبع لأديانهم وإن الناس اليوم أديانهم تبع لأهوائهم وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسب امرىء من الشر أن يحقره أخاه المسلم.

ما جاء في الوقاحة والسفاهة وذكر الغوغاء
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت وفي ذلك قيل
( إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ... وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع )

وقال ابن سلام العاقل شجاع القلب والأحمق شجاع الوجه وذم رجل قوما فقال وجوههم وأيديهم حديد أي وقاح بخلاء ووصف رجل وقحا فقال لو دق الحجارة بوجهه لرضها ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها قال الشاعر
( لو أن لي من جلد وجهك رفعة ... لجعلت منها حافرا للاشهب )

وقال آخر
( إذا رزق الفتي وجها وقاحا ... تقلب في الأمور كما يشاء )

وقال أبو شروان أربعة قبائح وهي في أربعة أقبح البخل في الملوك والكذب في القضاة والحسد في العلماء والوقاحة في النساء ويقال من جسر أيسر ومن هاب خاب قال الشاعر
( لا تكونن في الأمور هيوبا ... فإلى هيبة يصير الهبوب )

وقال على رضي الله عنه إذا هبت أمرا فقع فيه فإن شر توقيه أعظم مما تخاف منه وقال رضي الله عنه الغوغاء اذا اجتمعوا ضروا وإذا افترقوا نفعوا فقيل قد علمنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم قال يرجع أهل المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم كرجوع البناء إلى بنائه والنساج الى منسجه والخباز إلى مخبزه وقال بعض السلف لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق ويخرجون الغريق وقال الأحنف ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا وقال حكيم لا يخرجن أحد من بيته إلا وقد أخذ في حجره قيراطين من جهل فإن الجاهل لا يدفعه إلا الجهل أراد السفه

قال الشاعر
( ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا )

وقيل الجاهل من لا جاهل له أي من لا سفيه له يدفع عنه وقيل بينما أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه جالس إذ جاء أعرابي فلطمه فقام إليه واقد بن عمرو فجلد به الأرض فقال عمر ليس بعزيز من ليس في قومه سفيه.

وقال الشاعر
( ولا يلبث الجهال أن يتهضموا ... أخا الحلم ما لم يستعن بجهول )

وقال صالح بن جناح
( إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدا ... وخيرت أني شئت فالحلم أفضل )
( ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل )

وقال الأحنف بن قيس
( وذي ضغن أبيت القول عنه ... بحلم فاستمر على المقال )
( ومن يحلم وليس له سفيه ... يلاق المعضلات من الرجال )
( فإن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج )
( ولي فرس للخير بالخير ملجم ... ولي فرس للشر بالشر مسرج )
( فمن رام تقويمي فإني مقوم ... ومن رام تعويجي فإني معوج )

وقال آخر
( فإن قيل حلم قلت للحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل )
اللهم إنا نعوذ بك أن نجهل أو يجهل علينا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.