الباب السابع والعشرون العجب والكبر والخيلاء وما أشبه
اعلم أن الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل وحسبك من رذيله تمنع من سماع النصح وقبول التأديب والكبر يكسب المقت ويمنع من التألف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله اليه وقال الأحنف بن قيس ما تكبر أحد إلا من ذلة يجدها في نفسه ولم تزل الحكماء تتحامي الكبر وتأنف منه ونظر أفلاطون إلى رجل جاهل معجب بنفسه فقال وددت أني مثلك في ظنك وأن أعدائي مثلك في الحقيقة ورأى رجل رجلا يختال في مشيه فقال جعلني الله مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي وقال الأحنف عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر ومر بعض أو لاد المهلب بمالك بن دينار وهو يتبختر في مشيه فقال له مالك يا بني لو تركت هذه الخيلاء لكان أجمل بك فقال أو ما تعرفني قال أعرفك معرفة أكيده أولك نطفة مذره وآخرك جيفة قذرة وأنت بين ذلك تحمل العذرة فأرخي الفتى رأسة وكف عما كان عليه وقالوا لا يدوم الملك مع الكبر وحسبك من رذيلة تسلب الرياسة والسيادة واعظم من ذلك أن الله تعالى حرم الجنة على المتكبرين فقال تعالى ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) فقرن الكبر بالفساد وقال تعالى ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) قال بعض الحكماء ما رأيت متكبرا إلا ما تحول ما به بي يعني اتكبر عليه.

واعلم أن الكبر يوجب المقت ومن مقته رجاله لم يستقم حاله والعرب تجعل جذيمة الأبرش غاية في الكبر يقال إنه كان لا ينادم أحدا لتكبره ويقول إنما ينادمني الفرقدان وكان ابن عوانة من أقبح الناس كبرا روي أنه قال لغلامه اسقني ماء فقال نعم فقال إنما يقول نعم من يقدر أن يقول لا اصفعوه فصفع ودعا أكارا فكلمه فلما فرغ دعا بماء فتمضمض به استقذارا لمخاطبته ويقال فلان وضع نفسه في درجة لو سقط منها لتكسر.

قال الجاحظ المشهورون بالكبر من قريش بنو مخزوم وبنو أمية ومن العرب بنو جعفر بن كلاب وبنو زرارة بن عدى وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدون الناس إلا عبيدا وأنفسهم إلا أربابا وقيل لرجل من بني عبد الدار ألا تأتي الخليفة فقال أخاف أن لا يحمل الجسر شرفي وقيل للحجاج بن أرطأة مالك لا تحضر الجماعة قال أخشي أن يزاحمنى البقالون وقيل أتى وائل بن حجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقطعه أرضا وقال لمعاوية أعرض عن هذه الأرض عليه وأكتبها له فخرج معه معاوية في هاجرة شديدة ومشى خلف ناقته فأحرقه حر الشمس فقال له اردفني خلفك على ناقتك قال لست من أرداف الملوك قال فاعطني نعليك قال ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان ولكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي ولكن أمش في ظل ناقتي فحسبك بها شرفا وقيل أنه لحق زمن معاوية ودخل عليه فأقعده معه على السرير وحدثه وقال المسرور بن هند لرجل أتعرفني قال لا قال أنا المسرور بن هند قال ما أعرفك قال فتعسا ونكسا لمن لم يعرف القمر

قال الشاعر
( قولا لأحمق يلوي التيه أخدعه ... لو كنت تعلم ما في التيه لم تته )
( التيه مفسدة للدين منقصة ... للعقل مهلكة للعرض فانتبه )
وقيل لا يتكبر إلا كل وضيع ولا يتواضع إلا كل رفيع والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.