لا عدوى ولا هامة ولا صفر 73070_10
لا عدوى ولا هامة ولا صفر
علي محمد سلمان العبيدي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

(لا عدوى ولا هامة ولا صفر)

قال الجزري في النهاية:
الهامَة:
الرأس، واسم طائر، وهو المراد في الحديث؛ وذلك أنهم كانوا يتشاءَمون بها، وهي مِن طير الليل، وقيل: هي البومة.


وقيل:
كانت العربُ تزعم أن رُوح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فتقول: اسقوني، فإذا أُدرك بثأره طارت.


وقيل:
كانوا يزعمون أن عظامَ الميت -وقيل: رُوحه- تصير هامة فتطير، ويسمونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه؛ انتهى.


قال الباجي في شرح الموطأ:
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا صَفَرَ)): قال مالك وغيره: معناه أن العرب كانت في الجاهلية تحرِّم صفَرَ عامًا، وتؤخر إليه المحرم، وكانت تحله عامًا آخر وتقدم المحرم إلى وقته، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال ابن وهب: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الصفار التي في الجوف تقتُل صاحبها، وهي التي عدت عليه إذا مات، فرد ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأكذبهم فيه، وقال: لا يموت أحدٌ إلا بأجله، والله أعلم.


(فصل) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا يحل الممرض على المصح)):
الممرض:
ذو الماشية المريضة.

والمُصح:
ذو الماشية الصحيحة.


قال عيسى بن دينار:
معناه: النهي عن أن يأتيَ الرجل بإبله أو غنَمِه الجَرِبة، فيحل بها على ماشية صحيحة، فيؤذيه بذلك، قال: ولكنه عندي منسوخٌ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى))، قال القاضي أبو الوليد رضي الله عنه: وهذا الذي قاله عيسى بن دينار فيه نظر؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى)) إن كان بمعنى الخبر والتكذيب بقول مَن يعتقد العدوى، فلا يكون ناسخًا، وإن كان بمعنى النهي يُريد: لا تكرَهوا دخول البعير الجرب بين إبلِكم غير الجَرِبة، ولا تمنعوا ذلك، ولا تمتنعوا منه؛ فإنا لا نعلَم أيهما قال أولاً، وإن تعلَّقْنا بالظاهر فقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى)) ورَد في أول الحديث، فمُحال أن يكونَ ناسخًا لِما ورَد بعده، أو لِما لا يُدرَى ورَد قبله أو بعده؛ لأن الناسخَ إنما يكون ناسخًا لحُكم قد ثبت قبله.


وقال يحيى بن يحيى في المزنية: سمعت أن تفسيرَه في الرجل يكون به الجذام، فلا ينبغي أن يحلَّ محلَّه الصحيح معه، ولا ينزل عليه يؤذيه؛ لأنه وإن كان لا يعدي، فالنفس تنفِر منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه أذًى))، فهذا تنبيه أنه إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك للأذى لا للعدوى، وأما الصحيح، فلينزل محلة المريض إن صبر على ذلك واحتملته نفسه، قيل له: ولم يرد بهذا أن يأتي الرجل بإبله، أو غنمه الجربة، فيحل بها الموردة على الصحيح الماشية، قال: لعله قد قيل ذلك، وما سمعته، وإني لأكره له أن يؤذيَه إن كان يجد غنًى عن ذلك المورد، وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغي أن يحل موردة الأصحاء، إلا أن يكون لا يجد غنًى عنها فيرِدها.


وقد روى يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوى))، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يورد ممرِض على مصِح))، قال أبو سلَمة: ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: ((لا عدوى))، وأقام على أن ((يورد ممرض على مصح))، فقال الحارث بن أبي رئاب وهو ابن أبي هريرة: قد كنت أسمعك تحدثنا مع هذا الحديث حديثًا آخر، تقول: ((لا عدوى))، فأبى أبو هريرة أن يعرف في ذلك مما رواه الحارث في ذلك، حتى غضب أبو هريرة، فرطن له بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال أبو هريرة: قلت: أتيت، قال أبو سلمة: ولَعَمري، لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوى))، فلا أدري أنسي أبو هريرة، أو نسخ أحد القولين الآخر.


قال القاضي أبو الوليد رضي الله عنه:
وهذا الذي قاله أبو سلَمة يقتضي أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرِض على مصح)) ناسخٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى))، وهذا على قول من قال: إن قولَه صلى الله عليه وسلم على وجهِ النهي، ويصحُّ على هذا التأويل أن يكون أبو هريرة قد عرَف الأول منهما.


قال القاضي أبو الوليد:
والذي عندي في معنى ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى))، إنما نفى به أن يكون لمجاورة المريض تأثيرٌ في مرض الصحيح، وأن ذلك مِن فعل الله -عز وجل- ابتداءً، كما فعله في الأول ابتداءً، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح)) ليس من هذا المعنى، والله أعلم...

لكنه يحتمل معنيين:
أحدهما:
المنع من ذلك؛ لِما فيه من الأذى على ظاهر الحديث، وهذا الذي يذهب إليه يحيى بن يحيى.

والثاني:
أن يكون البارئ -تبارك وتعالى- قد أجرى العادةَ بذلك، وإن كان البارئ -عز وجل- هو الخالقَ للمرض والصحة، فنفى بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى)) اعتقادَ مَن يعتقد أن ذلك ليس من فعلِ الله عز وجل، وأنه متولِّد من مجاورة المريض الصحيحَ، وليس هذا بواضح؛ لأنَّا لا نجد ذلك جاريًا على عادة، فقد يجاور المريض الصحيحَ فلا يمرض، وقد رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وفِرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد))، وظاهر هذا يقتضي أنه يستضر به استضرارًا غيرَ التكرُّه لمجاورته؛ لأنه إذا قدَر على الصبر على مجاورته، فلا معنى لنهيِه صلى الله عليه وسلم إلا أن يريدَ بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنك إذا استضررتَ برائحته وكرهتَ مجاورته، فإنه مباح أن تفرَّ منه فرارَك من الأسد، والله أعلم.


وقد قال يحيى بن يحيى في القومِ يكونون في قريتهم شركاءَ في أرضها ومائِها وجميع أمرها، فيجذم بعضهم، فيرِدون المستقى بآنيتهم، فيتأذَّى بهم أهل القرية، ويريدون منعهم من ذلك: إن كانوا يجِدون عن ذلك الماءِ غنًى من غير ضرر بهم، أو يَقْوَوْنَ على استنباط بئر أو إجراء عين من غير ضررٍ بهم ولا فدح بهم - فأرى أن يؤمَروا بذلك، ولا يضاروا، وإن كان لا يجدون عن ذلك غنًى إلا بما يضرهم، أو يفدحهم، قيل لمن يتأذى بهم ويشتكي ذلك منهم: استنبِطْ لهم بئرًا، أو أجرِ لهم عينًا، أو أقِمْ من يستقي لهم من البئر إن كانوا لا يَقْوَوْنَ على استنباط بئر، أو إجراء، ويُكفَوْن عن الورود عليكم، وإلا فكل امرئٍ أحقُّ بماله، والضرر ممن أراد أن يمنع امرأً من مالِه ولا يقيم له عوضًا منه.


(مسألة):
وإذا جُذِمَ الرجلُ، فُرِّق بينه وبين امرأته إن شاءت ذلك، وقال ابن القاسم: يحال بينه وبين وطء رقيقه إن كان في ذلك ضرر، وقال سحنون: لا يحال بينه وبين وطء إمائه، ولم يختلفوا في الزوجة، وجه قول ابن القاسم: أنها امرأة يلحقها الضررُ بوطء المجذوم، فوجَب أن يحال بينه وبينها؛ كالزوجة، وقد قال ابن القاسم: إنما يحال بينه وبين الزوجة إذا حدَث ذلك به؛ لأجل الضرر، ووجه قول سحنون: أن الجذام في الحرِّ لَمَّا منع الزوجية ونقَضها، منَع الوطء المستحَقَّ بها، ولما لم يمنع مِلك اليمين، لم يمنَع الوطء المستحَق به، ووجه ثانٍ: أن هذا عقد يستباح به الوطء، فوجب أن يكون تأثير الجذام في وطئه كتأثيره في عقده؛ كعقد النكاح، والله أعلَم وأحكَم.


(مسألة):
وهل يُخرَج المرضى من القرى والحواضر؟

قال مطرف وابن الماجشون في الواضحة:
لا يُخرَجون إن كانوا يسيرًا، وإن كثروا رأينا أن يتخذوا لأنفسهم موضعًا، كما صنع مرضى مكة عند التنعيم منزلهم وبه جماعتهم، ولا أرى أن يمنعوا من الأسواق لتجارتهم، والتطرق للمسألة إذا لم يكن إمام عدل يجري عليهم الرزق، وقال أصبغ: ليس على مرضى الحواضر أن يخرجوا منها إلى ناحية بقضاء يحكم به عليهم، ولكن إن أجرى عليهم الإمامُ من الرزق ما يكفيهم، مُنِعوا من مخالطة الناس بلزوم بيوتهم، أو بالسجن إن شاء، وقال ابن حبيب وابن عبدالحكم: يحكَم عليهم بالسجن إذا كثُروا أحبُّ إليَّ، وهذا الذي عليه الناس.


(مسألة):
ويمنع المجذوم من المسجد، ولا يمنع من الجمعة، ولا يمنع من غيرها؛ قاله مطرف وابن الماجشون.


حدثنا قتادة، عن أنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الطيبة، الكلمة الحسنة))؛ هذا حديث متفق على صحته؛ أخرجه مسلم، هداب بن خالد، عن همام بن يحيى، وأخرجه محمد، عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتفاءلُ، ولا يتطيَّر، كان يحب الاسمَ الحسَنَ".


وقد روى مسلم في الصحيح:
(أن معاوية بن الحَكَم السُّلمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن رجالاً يتكهَّنون، فنهاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك).


في الصحيح عن عائشة قلت: "يا رسول الله، إن الكهان كانوا يحدِّثونا بالشيء فنجده حقًّا؟! قال: ((تلك الكلمة الحق يخطَفُها الجني، فيقذفُها في أُذن وليِّه، ويزيد فيها مائة كذبة))".


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفَر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))؛ رواه أبو داود.


وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اقتبس عِلمًا من النجوم، فقد اقتبس شُعبة من السِّحر، زاد ما زاد))؛ رواه أبو داود.


وعن قَطَن بن قبيصة عن أبيه، قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((العِيافة والطِّيَرة والطَّرْق من الجِبْت))؛ أي: من السِّحر، والعيافة: زجر الطير، والتفاؤل والتشاؤم بأسمائها وأصواتها وممرها، والطرق: الخط يُخَط في الأرض، أو الضَّرب بالحصى، وادِّعاء عِلم الغيب.


أخرج الشيخان:
((ليس منا مَن ضرَب الخدودَ، وشقَّ الجيوبَ، ودعا بدَعْوى الجاهلية)).


وأخرجا أيضًا عن أبي موسى الأشعري أنه قال: "أنا بريءٌ ممن برئ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم برِئ من الصالقة؛ أي: الرافعة صوتَها بالندب والنياحة، والحالقة؛ أي: لرأسِها عند المصيبة، والشاقَّة؛ أي: لثوبها"، وفي رواية للنسائي: "أبرأ إليكم كما برِئ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن حلَق ولا خرَق ولا صلَق))".


وأخرج مسلم:
((اثنتان من الناس هما بهم كفرٌ: الطعن في النَّسَب، والنياحة على الميتِ)).


وابن حبان والحاكم وصححه:
((ثلاثة من الكفر بالله: شقُّ الجَيْب - أي: طوق القميص - والنِّياحة، والطَّعْن في النَّسَب)).


وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لعَن الله مَن ذبح لغير الله))؛ حديث صحيح رواه مسلم.


ومن العبادة:
الذَّبح والنذر وتقريب القرابين، فلا يصحُّ أن يتقرَّب الإنسان بسَفْك الدم، أو بتقريب قربانٍ، أو بنذر، إلا لله وحده، ومن ذبَح لغير الله - كمن يذبح للقبر أو للجِنِّ - فقد عبَد غير الله، واستحقَّ لعنة الله؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].


قال تعالى: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 1 - 3]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الأعراف: 29]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 56، 57]، قالت طائفة من السلف: كان أقوامٌ يَدْعون المسيح وعُزَيرًا والملائكة، قال الله تعالى: هؤلاء الذين تَدْعونهم عبادي كما أنتم عبادي، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، ويتقرَّبون إليَّ كما تتقرَّبون إليَّ.

فإذا كان هذا حالَ مَن يدعو الأنبياء والملائكة، فكيف بمن دونهم؟!

وقال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴾ [الكهف: 102]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ: 22، 23]، فبيَّن سبحانه أن مَن دُعي مِن دون الله من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر وغيرهم أنهم لا يملِكون مثقالَ ذرة في مُلكه، وأنه ليس له شريك في مُلكه، بل هو سبحانه له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأنه ليس له عونٌ يعاونه كما يكون للملِك أعوانٌ وظُهَراء، وأن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فنفى بذلك وجوهَ الشرك؛ وذلك أن مَن يَدْعون من دونه إما أن يكون مالكًا، وإما ألا يكون مالكًا، وإذا لم يكن مالكًا، فإما أن يكون شريكًا، وإما ألا يكون شريكًا، وإذا لم يكن شريكًا، فإما أن يكون معاونًا، وإما أن يكونَ سائلاً طالبًا؛ فالأقسام الأُوَل الثلاثة - وهي المُلك والشَّرِكة والمعاونة - منتفية، وأما الرابع، فلا يكون إلا مِن بعد إذنِه؛ كما قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255].


وكما قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]، وقال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [السجدة: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 79، 80]، فإذا جعل مَن اتخذ الملائكة والنبيين أربابًا كافرًا، فكيف مَن اتخذ مِن دونهم من المشايخ وغيرهم أربابًا؟!