محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في طاعته 610
د. محمد ويلالي
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في طاعته
الخطبة الأولى
نحمد الله تعالى حمداً كثيراً أن جعلنا من أهل الإسلام، وهدانا إلى الطريق المستقيم بالقرآن، وجعل قدوتنا ومعلمنا محمداً (صلى الله عليه وسلم) خيرَ الأنام، الذي أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة. وإن الحديث عن سيرته في مثل هذه الأيام لمناسبة طيبة لاستحضار أفضاله الجليلة، وخصاله العظيمة، مما يستوجب عظيم محبته، وجسيمَ إعظامه، وكبير تقديره واحترامه.

كيف لا وهو المنقذ لهذه البشرية من ظلمات الشرك، وبراثن الضلال، الهادي إلى طريق الله القويم، معلم الخير، والجابر - بعد الله - من الضير، الذي قال: "إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه" الصحيحة، والقائل: "إنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ أُمَّتِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ" مسلم.

والقائل:
 "إِنَّمَا بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ" متفق عليه.

قال المناوي:
"ما أمرني الله بقسمته من العلوم والمعارف والفيء والغنيمة".

الذي جاءنا بالقرآن الكريم العاصم من الزلل، المانع من الخطل.

قال تعالى:
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

هذا النبي العظيم، بهذه القامة الغالية، والهامة العالية، يستحق منا المحبة الكاملة، اللائقة بقدره، المعترفة بفضله.

لك يا رسولَ الله صدقُ محبة 
وبفيضها شهِد اللسان وعبَّرا 
لك يا رسولَ الله صدقُ محبة 
فاقت محبةَ من على وجه الثرى 

غير أن هذه المحبة لا تقتصر على التعابير اللفظية، ولا تتحصن في دائرة المناسبات الزمانية أو المكانية، بل هي سلوك قولي وفعلي ينسحب على حياة المسلم في أدق تفاصيلها، وخفي جزئياتها، لأنه خُلِق ليكون نهجُه نهجَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسمتُه سمتَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وخُلقُه خلقَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ" ص. الجامع، إذ لا سبيل إلى الفلاح الحقيقي إلا بسلوك سليم الاعتقاد، وخالص الاتباع.

قال تعالى:
﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

محبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
شعور داخلي صادق، يجعل النفس تسترخص كل غال في سبيل صحبته في الجنة، بل في سبيل تمني الفوز بنظرة واحدة إليه.

قال (صلى الله عليه وسلم):
مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِى لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ" مسلم.

قال القاضي عِياض (رحمه الله):
"ومن محبته (صلى الله عليه وسلم):.. تمنِّي حضورِ حياته، فيبذلُ مالَه ونفسه دونه".

فالمسلم يعيش على أمل لقياه في الآخرة، والتملي بصحبته.
عَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟". قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم): "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قَالَ أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم)، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ" متفق عليه.

محبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
اعتقاد جازم بأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مقدم عندك على كل محبوب. قال الله تعالى: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ".

قال ابن القيم (رحمه الله):
"ولا يتم لهم مقام الإيمان حتى يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم، فضلاً عن أبنائهم وآبائهم".

وهو ما جاء صريحاً في قول الرسول (صلى الله عليه وسلم):
"فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين" متفق عليه.

وفي حديث أنس رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:
"ثلاث مَنْ كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون اللهَ ورسولهُ أحَبَّ إليه مِمَّا سواهما، وأن يُحِبَّ المَرْءَ لا يحبُّهُ إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار" متفق عليه.

أبر بني الدنيا وأعظم من شكر 
وأكرم مخلوق على سائر البَشر 
به الله قد أهدى إلى الناس رحمة 
ومنه ضياء الحق في الكون قد ظهَر 


محبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
تقتضي نصرته والدفاع عنه، فلا يقبل المسلم أن يهان نبيه بسب، أو شتم، أو استنقاص، أو ازدراء، بقول، أو كتابة، أو رسم، أو تمثيل. وقد افتدى الصحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) بكل ما يملكون، بأموالهم، ونفوسهم، وأوقاتهم، وجهدهم، لا يترددون، ولا ينكصون.

هذا النبي (صلى الله عليه وسلم) يُشرِفُ في أُحُدٍ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ خَلْفِ أَبي طَلْحَةَ لِيَنْظُرَ إِلَى مَوَاقِعِ نَبْلِهِ، فَيتَطَاوَلُ أَبُو طَلْحَةَ بِصَدْرِهِ يَقِي بِهِ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) وَيَقُولُ: "يَا نَبِيَّ الله، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ، لاَ يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِى دُونَ نَحْرِكَ".

قال أنس (رضي الله عنه):
"وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجيئان فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ" متفق عليه.

وذكر الواقدي في المغازي
"أن الصحابية السميراء بنت قيس أصيب ابناها في أحد، فلما نُعيا لها قالت: ما فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قالوا: خيراً، هو بحمد الله على ما تحبين. قالت: أرونيه أنظر إليه. فأشاروا لها إليه، فقالت: كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل (أي: صغيرة)".

فإن أبي ووالده وعِرضي :diamonds::diamonds::diamonds:  لعِرض محمد منكم فداء

محبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
تقتضي الاستجابة لأوامره، والوقوف عند نواهيه، والله تعالى إنما بعث نبيه (صلى الله عليه وسلم) ليطاع في كل أمر، وكان ذلك دليلا على خلوص الاتباع، وإخلاص الاعتقاد، فذلك عين الفلاح.

قال تعالى:
﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

وقال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].

 قال الحسن البصري:
"زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية".

فلا يتصور محب للرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يصلي، أو لا يزكي، أو له مال ولا يحج، أو يقتر في النفقة على عياله، أو يشرب الدخان، أو يحتسي الخمر، أو يأكل الربا، أو يكذب، أو يرتشي، أو يضع نفسه موضع الشبهات، أو لا يغار لمحارم الله إذا انتهكت، ولا لحقوقه إذا ضيعت.. فلا تجتمع محبة وعصيان لشيء واحد في وقت واحد.

إني أرى حب النبي عبادةُ 
ينجو بها يوم الحساب المسلمُ 
لكن إذا سلك المحب سبيله 
متأسيا ولهديه يترسمُ 

:diamonds: :diamonds: :diamonds:
الخطبة الثانية
إن حلول رأس السنة الميلادية اختبار مهم لمن سيبرهن عن محبته للرسول (صلى الله عليه وسلم) المحبة الحقيقية، سترى كثيرا من المسلمين يحتفلون بهذه المناسبة الخاصة بالنصارى، احتفال النصارى أنفسهم أو أكثر، بل منهم من يهتم بعيدهم هذا أعظم من اهتمامه بعيد الفطر وعيد الأضحى، اللذَين قال فيهما النبي (صلى الله عليه وسلم) مخاطباً أهل المدينة: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى" ص. النسائي.

وهما مناسبتان دينيتان نتقرب فيهما إلى الله تعالى بشكر النعمة، ودوام الفرحة، فنُعْقِبُ عيد الفطر بالصيام، وعيد الأضحى بالحج.

غير أن بعضنا مُصِرٌّ على مخالفة الحبيب (صلى الله عليه وسلم)، مترصد شهود ليلة النصارى، الذين لا يعرفون فيها سوى شرب الخمور، والرقص على نغمات المجون، وممارسة فنون الفواحش، وألوان الموبقات، وصنوف الفجور، مع اعتقاد أن المولود في هذا التاريخ هو الرب، أو ابن الرب، القائم على الكون خلقاً، وتدبيراً، وتخليصاً –زعموا- .

قال تعالى: 
﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72].

قال ابن سيرين:
"هو الشعانين - وهو عيد من أعياد النصارى -".

وقال مجاهد:
"الزور: أعياد المشركين".

وقال عبد اللهِ بن عمرٍو (رضي الله عنهما):
"من مر ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبَّه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشر معهم يوم القيامة" رواه البيهقي، وقال ابن القيم: إسناده صحيح.

وقال ابن القاسم:
"لا يَحِلُّ للمسلمينَ أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحةِ عيدِهمْ، لا لَحْماً، ولا إداماً، ولا ثوباً.. ولا يعانون على شيءٍ من دينهم، وهو قولُ مالكٍ وغيرهِ، لم أعلمْ أحداً اختلفَ في ذلكَ".

وجاء في معيار الونشريسي عن العلامة سحنون قال:
"ولا تجوز الهدايا في الميلاد من مسلم ولا من نصراني، ولا إجابةُ الدعوة فيه، ولا الاستعداد له، وينبغي أن يجعل كسائر الأيام".

وذهب ابن رشد إلى منع شراء اللعب التي تدل على تعظيم دين النصارى، كشجرة رأس السنة، ومجسم البابا نويل، فضلاً عما فيه تصاليب، فقال: "لا يحل عمل شيء من هذه الصور، ولا يجوز بيعها ولا التجارة بها".

فهل المحتفل بعيد النصارى -إذاً- يحب الله ورسوله حقاً؟.

رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/sharia/0/96613/#ixzz5CoDI16D0