المبحث الأول
الإرهاب تاريخياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً
=========================
أولاً: التطور التاريخي للإرهاب
صاحب الإرهاب البشرية منذ القدم، فقد كان له دور مشهود في كل أنواع الصراع بين الأفكار والإرادات أو المجموعات العرقية في التاريخ.

ويحوى العهد القديم -الذي هو بين أيدينا- كثيراً من القواعد المرجعية للسلوك، هي -وفق كل النوايا والأهداف- يمكن أن توصف بالإرهاب، لأنه كما يقول غلاة اليهود: "أن السيف والتوراة قد نزلا معاً من السماء".

وقد كانت أول منظمة إرهابية عرفها التاريخ هي منظمة السيكاري "Sicari" التي شكلها بعض المتطرفين من اليهود بفلسطين الذين وفدوا إلى البلاد في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، بعد أن كان البابليون قد شتتوهم عام 586 ق.م، وكانت فلسطين في ذلك الوقت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية.

وكان هدف اليهود الوافدين، هو إعادة بناء الهيكل الذي سمى بالمعبد الثاني، وقامت هذه المنظمة بحملة متصلة من الاغتيالات والحرائق والتدمير ضد الرومان، وانتهى الأمر إلى تدمير هيكلهم في عام 70 ميلادية وشردهم الرومان بما يعرف باسم "الدياسبورا".

وفى القرن العاشر، ظهرت منظمة إرهابية ذائعة الصيت في العالم الإسلام، هي جماعة الحشاشين، التي بلغت درجة عالية من التنظيم، واتخذ زعيمها حسن الصباح من قلعة الموت في إيران مركزاً له، وأشاعت هذه المنظمة، التي تنتمي إلى الطائفة الإسماعيلية، الرعب في قلوب الحكام وقادة الجيوش، وقادة الرأي العام الإسلامي، ويرجع إلى هذه المنظمة ابتكار الإرهاب للحرب، فقد كانت هذه الجماعة المتطرفة قليلة العدد، بحيث لا يستطيع رجالها الدخول في حرب ضد خصومهم، ومن ثم فإن فرق الاغتيال كانت توجه إلى القادة وأصحاب الرأي من الخصوم، لإجبارهم على الرضوخ للمطالب السياسية لهذه الجماعة.
 
وعلى مر القرون، عرفت البشرية عصابات الإرهاب التي كان يستخدمها النبلاء في أوروبا في العصور الوسطى للإخلال بالأمن في ربوع إقطاعيات خصومهم، كما عرفت ثورات العبيد، الذين كان يفرون من مقاطعات السادة ويشكلون عصابات الانتقام والقتل والسرقة وإشاعة الفوضى في أراضى الملاك. 

كما جابت البحار مجموعات من القراصنة كانت تهدد الملاحة البحرية، واستخدمت الإمبراطوريات الإنجليزية والأسبانية والفرنسية في حرب غير معلنة في البحار والمحيطات، وظلت القرصنة تقوم بدور هو أقرب ما يكون إلى الإرهاب الدولي في عصرنا الحالي، ورغم كل ما كتب عن تاريخ الإرهاب، فإن القرصنة البحرية تمثل نمطاً منفرداً للإرهاب الدولي، حتى أنه قد أعلن في المجتمع الدولي أن "القرصان عدو مشترك للبشرية".

كما عُدَّت القرصنة جريمة ضد قانون الشعوب، وانعقد الاختصاص القضائي لكل دول العالم بالنسبة لجرائمها، بحيث كان لأية دولة الحق في القبض على القراصنة ومحاكمتهم، حتى ولو لم تقع الجريمة في نطاق اختصاصها الإقليمي، وذلك على أساس أن القرصنة جريمة ضد البشرية والعالم أجمع، وما بين صدور إعلان باريس في عام 1856 واتفاقية جنيف 1958، عقدت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول التي تتناول موضوع العنف الإرهابي في أعالي البحار، وعلى هذا الأساس ينظر البعض إلى قضية خطف الطائرات على أنها البديل العصري للقرصنة البحرية.

وبدأت خطورة الإرهاب في الازدياد مع نشوء الدولة القومية منذ القرن السادس عشر، حيث صاحب ذلك النشوء، تبلور فكرة السيادة المطلعة التي أضافت مبدأً جديداً إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة.

كما أدى الميل إلى المركزية الشديدة في مرحلة تكوين وبناء الدولة القومية وبنائها، إلى تعاظم وامتداد السلطات الملكية على حساب المؤسسات المنافسة مثل الكنيسة والنبلاء وأمراء الإقطاع، كما أدت التغيرات الاقتصادية والسياسية إلى التأثير على الأفكار الدينية والعلاقات الاجتماعية، وظهرت المعارضة القومية التي تحولت بسرعة إلى تبريرات فلسفية لجرائم الاعتداء على شخص الملك باعتباره رمزاً بارزاً للشكل الجديد للدولة.

إلا أن المقارنة بين الإرهاب في العصور القديمة أو الوسطى، وبين الإرهاب الحالي هو أمر بعيد عن الصحة، فيبدو أنه ينتمي إلى نوع "Species" جديد تماماً، ولم يظهر الإرهاب بالصورة القريبة من صورته الحالية، إلا في النصف الثاني من القرن 19، حيث ظهرت على الساحة السياسية بضع فئات مميزة.

وتمثل كل منها نوعاً مختلفاً من أنواع الصراع السياسي:
1. الحركة الثورية الروسية في صراعها مع الأوتوقراطية في الفترة من 1878 – 1881، ثم مرة أخرى في بداية القرن العشرين، وحتى انتصار الثورة البلشفية عام 1917.

2. حركات التحرر الوطني التي مارست أنشطة متطرفة مثل الأيرلنديين والمقدونيين والصربيين والأرمن.

3. الحركة الفوضوية التي سادت فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والولايات المتحدة وغيرها، خاصة في عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر.

4. انتفاضات الطبقة العاملة في صراعها ضد أصحاب رؤوس الأموال إبان الثورة الصناعية، والتي تحولت أحياناً إلى صراع بين الطبقات، واتخذت بعض أساليب العنف مثل الاضطرابات والمظاهرات ثم عمليات القتل والتخريب فيما يسمى بالإرهاب الصناعي "Industrial Terrorism".

وفى نهاية القرن 19، ظهرت أول بوادر الإرهاب الحديث:
بظهور منظمة الأرض والحرية "Zemlya- I – volya" الروسية في عام 1876، ولكن المنظمة الأكثر أهمية كانت منظمة نوردنايا فوليا "Nerdoneya volya"، (منظمة الإرادة الشعبية)، التي تشكلت عام 1879، والتي جعلت الإرهاب جزءاً متكاملا من العملية الاجتماعية الروسية، وتوقف نشاط هذه المنظمة بعد الثورة البلشفية.

ولا يمكن لمن يتصدى لتاريخ الإرهاب أن يغفل بعض الحركات الثورية المتطرفة في أوروبا، والتي لازالت لها انعكاسات على الأنشطة الإرهابية في الوقت الحالي، من أهمها الحركة الأيرلندية من أجل الاستقلال والتي بدأت عام 1891، وأنشطة المنظمات الأرمينية التي قامت ضد الاحتلال التركي عام 1890، وحركة الاستقلال الوطني المقدونية "إمرو" Imro في بداية القرن العشرين، والتي ظل لها بعض بقايا داخل بلغاريا وبعض أجزاء يوغوسلافيا حتى عام 1930، وكذلك حركة تحرير إقليم الباسك الأسبانية التي بدأت منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى ولازالت مستمرة حتى الآن.

وكانت حادثة اغتيال الأمير "رودلف" ولى عهد النمسا، والتي ارتكبتها مجموعة إرهابية صربية، هي السبب المباشر لقيام الحرب العالمية الأولى، كما كانت حادثة اغتيال الملك الكسندر ملك يوغوسلافيا والمسيو برافو زير خارجية فرنسا في مارسليليا عام 1934، من أهم العمليات الإرهابية التي تورطت في نتائجها أربع دول على الأقل، وتدخلت عصبة الأمم، حيث وضعت أول لبنات التعاون الدولي من أجل محاربة الإرهاب.

والحقيقة المؤكدة، أن الحرب العالمية الثانية كانت نقطة تحول، وخطاً فاصلاً عميقاً بين تاريخين للإرهاب، لأن تلك الحرب، غيرت من شكل الحياة على الأرض، ونتج عنها تغييرات جذرية في العلوم والفنون، وثورات علمية في كل المجالات، غيرت أنماط الحياة وأشكال العلاقات السياسية على المستويين المحلى والدولي، لذلك فإن العالم شن في عقد الستينيات من القرن العشرين، حركة غير مسبوقة في التاريخ للتحرر الوطني، وزالت الإمبراطوريات الاستعمارية بشكلها القديم، وتغيرت موازين القوى في العالم، كما تغير إيقاع الحياة وشكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وأصبح الإنسان يلهث خلف التطورات العلمية واستخدامات الحاسب الآلي والإنسان الآلي والمصانع ذاتية الإدارة، وأصبح العالم قرية صغيرة نتيجة التغطية الإعلامية والأقمار الصناعية وغيرها، وعاش الإنسان لأول مرة في التاريخ تحت ظل الرعب النووي الذي يهدد بتدمير كوكب الأرض.

ونتيجة لذلك كله، أصبح للصراع السياسي أشكال وقواعد وقوانين جديدة، لم تكن معروفة من قبل، وتعاظم دور الإرهاب السياسي وأصبح ظاهرة مختلفة تماماً عن تلك الظاهرة الإرهابية التي كانت تعرفها البشرية قبل منتصف القرن، حيث امتد ذلك التغيير السريع إلى نفوس الشباب، وظهرت حركة الشباب العالمي في فرنسا عام 1968 في شكل ثورة غير مفهومة الأسباب، لتمتد عدواها في توافق ذهني إلى أغلب دول العالم، حيث برزت حركات متطرفة في كل مكان من العالم، وهو ما طَوِّع ليأخذ صورته الحالية بوصفه أحد أسباب الصراع السياسي.

هذا وقد أفرزت هذه الحركات، عدداً من المفاهيم الشاذة التي اعتنقها الشباب (مثل فلسفة الهيبز/ والفلسفات الفوضية، والاتجاهات الدينية المتطرفة، وغيرها)، واتجهت بعض هذه الجماعات من الشباب إلى تكوين منظمات إرهابية، تعتقد جميعها في إمكانية تغيير المجتمعات بالقوة إلى ما تؤمن به من مفاهيم غير مقبولة.

وبلغت ظاهرة الإرهاب الدولي أقصى درجات الخطورة في عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين (في مرحلة الحرب الباردة)، إذ قامت الظاهرة خلال هذه الفترة بدور البديل للحرب الباردة في الصراع السياسي بين القوتين العظميين، حتى أن أوروبا وحدها، كان يعمل على أرضها 76 منظمة إرهابية، يعمل بعضها لحساب الإتحاد السوفيتي، والآخر لحساب الغرب، كذلك فإن 45% من الأعمال الإرهابية على مستوى العالم، نفذت على أرض أوروبا.

وانتشرت إلى جانب ذلك عشرات المنظمات الإرهابية في أمريكا اللاتينية وفى آسيا، كما أن نحو 82% من العمليات الإرهابية، كان وراءها مخابرات دول أجنبية.

وكان في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من 15 منظمة إرهابية تمارس أنشطتها الإرهابية مثل (منظمة جيش التحرير المتحد، والبانز، والفريزمان اندروجروند، وجبهة تحرير بورتيريكو، واوميجا- 9، ورابطة الدفاع اليهودية، وغيرها).

كما تُعَدّ أهداف الولايات المتحدة في الداخل والخارج، هي أكثر الأهداف المعرضة لعمليات إرهابية، وأشهرها في عقد التسعينيات (حادث تدمير مبنى التجارة الدولية في أوكلاهوما عام 1993، وحادث نسف سفارتي أمريكا في أفريقيا، كذلك حادث تدمير المدمرة الأمريكية كول في اليمن).

وإذا قارنا كل ذلك بما يحدث من إرهاب على الأرض العربية، فيجب أن يكون معلوماً مسبقاً، أن هناك فرقاً بين الإرهاب بوصفه جريمة منظمة، أو نوعاً من الحروب بالوكالة أو ارتكاب جرائم بدافع القهر.

وما بين الحركات التحررية، مثل المقاومة الفلسطينية، التي تمارس حقها من أجل التحرر والرد على ممارسات إرهاب الدولة، الذي نمارسه إسرائيل ضدهم.

وفى الوقت نفسه، كانت هناك أعمال إرهابية على أرض مصر، خلال حقب مختلفة، منها اغتيالات سياسية، أو أعمال بقصد التأثير على نظام الحكم، أو ضد التوجه الاقتصادي للدولة، ونفذتها جماعة مدعومة من الخارج.

والواقع أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، كانت لهم اليد الطولى في نماء هذا الإرهاب.