لســـــــتُ إرهابيــــــــاً
=============
لاحظت أن تصرفات أحد عملاء شركتنا مِمَّنْ يحملون الهوية الغربية بدأت تتغير تجاهي، فلم يعد يبادلني نفس القدر من الاهتمام والاحترام السابقين، وأصبح يتهرب مني، ويحاول قدر استطاعته اختلاق الأعذار لتفادي مواجهتي، شعرت أن في الأمر سراً، وأن هناك شيئاً قد غيَّره.

فكَّرتُ ملياً كيف لي أن أعرف ذلك وأنا غير قادر على الالتقاء به، فقد أصبحت لا أراه إلا أوقات الضرورة، وعندما يكون في حاجة ماسَّةً إليَّ، حيث يأتي على عجل للتشاور في مصلحة أو عمل  ثم يولّي سريعاً مُدَّعياً أنه لا يملك الوقت الكافي للحديث معي، ويعدني أنه سوف يكون أقل انشغالاً في المرة القادمة ليجلس معي ويحدّثني بما لديه، وهكذا مضت الأيام والشهور دون أن يخبرني بأي شيء.

وفي إحدى المرات وبينما كنت جالساً أفكّر بما يمكنني أن أفعله لمعرفة السبب الحقيقي وراء تصرفاته معي، ومحاولته تجنُّب لقائي والحديث معي، وبعد تفكير عميق قررت أن اتصل به -  فقد عودت نفسي على انتظاره ليأتي إليَّ ويخبرني بما لديه فَلِمَ لا أكون صاحب المُبادرة هذه المرة!.. وبالفعل رفعت سمَّاعة الهاتف على الفور، دون أن أرتب أو أخطّط لِمَا سأقول، وطلبت رقمه، فَرَدَّ عليَّ ورحب بي ولكن ببرود، ودون أن أطيل في الكلام.

قلت له:
إني أرغب زيارتك في منزلك.
رحب مجاملة لي واتفقنا على موعد الزيارة.
حضرت إليه في الموعد المُحدَّد، وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث.

ثم قلت له:
أرى مشاعرك تجاهي تغيَّرت، وتعامُلك معي ليس كما كان، فلم تعد ترغب في لقائي أو الحديث معي؟!..

قال:
بل على العكس من ذلك، ولكن كما تعلم فأنا مشغول، ولا أملك الوقت الكافي لإنجاز أعمالي، وإنهاء مشاغلي، فكيف بالحديث مع الأصدقاء.

قلت له:
ولكني أعرفك منذ زمن بعيد، وارتباطاتك ومشاغلك كانت أكثر مما هي عليه الآن، ومع ذلك لم تكن تمنعك من قضاء بعض الوقت معي.

قال:
كما تعلم أن الزمن قد تغيَّر.

فقاطعته على الفور متسائلاً:
وما الذي غيَّر الزمن؟!..
فالزمن هو نفسه لم يتغيَّر، ولكنـَّا الذين تغيَّرنا وأصبحنا نخفي أحاسيسنا ومشاعرنا الحقيقية تجاه بعضنا، ومن هذا المنطلق يبدأ الواحد منا بالتهرُّب من الآخر، خوفاً من المواجهة والمصارحة، وتلافياً لذلك فقد اتصلت بك وطلبت لقاءك، لا لتجاملني وأجاملك، بل لتخبرني بمشاعرك الحقيقية تجاهي، وما الذي غيَّرك.

قال:
حقيقةً أنت الذي تغيَّرت وليس أنا، ولهذا فقد فضَّلت الابتعاد عنك.

قلت له:
كيف عرفت ذلك؟.

قال:
ببساطة أفعالكم وما تقومون به من أعمال تخريبية تستهدفنا ومواطني بلدنا في كل مكان تدل على ما تُكِنُونَهُ لنا من حقد وكراهية، لذا فقد فضَّلتُ أن أتجنَّبك، خاصةً أنك تنتمي لنفس المُعتقد الذي يدين به أولئك المُخرِّبون ويستمدُّون منه أفكارهم ومبادئهم.

قلت له:
ولكن مَنْ يقومون بكل تلك الأعمال التخريبية لا يستمدُّون أفكارهم من ديني، بل هم يحاولون التستُّر تحت مظلَّة الإسلام، محاولةً منهم لتبرير تصرفاتهم، ولكسب تعاطف الجَهَلَةِ من الناس، ولإيجاد مَسُوغ يستندون إليه للقيام بأفعالهم، فيضلّون به ضِعَافَ النُّفوس والمراهقين والجُهَّال من أتباعهم.

وإلَّا فديني لا يأمر بالقتل والعنف والتدمير، بل على العكس من ذلك، يأمرنا ديننا بالإحسان واستخدام اللين واللطف عند التعامل مع أصحاب الملل الأخرى، حيث يقول ربنا تعالى: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنكبوت: 46).

ثم يا صاحبي إن من يقومون بأعمال العنف والإرهاب هم ثُلَّةٌ لا تتجاوز نسبتهم الواحد بالألف من المسلمين، فلماذا تصفون الإسلام وأهله جميعاً بالإرهاب وأنتم تعلمون ذلك؟!.. مع العلم أن هذا الدّين هو أكثر الأديان دعوةً للسلام والمحبة والإخاء، والدَّليل على ذلك أنك تعيش في بلادنا منذ مدة طويلة دون أن تتعرض لأي مضايقة أو إساءة من أحد.

قال:
ما تقوله صحيح فأنا أحظى بكل مودةٍ واحترامٍ من الجميع منذ أول يوم وطأت قدماي أرض بلادكم، وسوف تسمع نفس الإجابة من جميع أصدقائي المقيمين هنا، بل إن بعضهم يُفَضّلُ البقاء والعيش في بلادكم إلى الأبد، لما يجده من وفرة في جميع الخدمات التي ينشدها أي إنسان في هذا العالم، وكل ذلك مقرون بالأمن والاستقرار وراحة البال.

قلت له:
إذاً لماذا ومن حادث أو حادثين تنقلبون علينا وتتهموننا وديننا بالإرهاب دون أن تفكروا أو تحللوا ما يحدث؟!.. حتى إن وسائل إعلامكم لتحاول وبشتى الصُّور أن ترسم صورةً بشعةً عنَّا وعن ديننا، فتنفّركم منَّا ومنه، وتحاول بشتى الطرق والأساليب أن تصفنا بالمتشددين والأصُوليين، مع أن ديننا ينهانا عن الإساءة للآخرين.

قال:
ولكن لا تنس أن دينكم أنتشر باستخدام القوة والعنف، وهذا نوع من الإرهاب.

قلت له:
أنت تأخذنا إلى موضوع آخر ليس هو موضوعنا، ولكن دعني أخبرك ببعض الحقائق التي يحاول أعلامكم أن يخفيها ويعمل جاهداً لحجبها عنكم.

قال:
وما هي؟

قلت:
أتدري كم مكث المسلمون في الأندلس؟

قال:
أعلم أنهم مَكَثُوا مدة طويلة ولكن بالتحديد لا أعلم.

قلت له:
مكثوا ما يزيد عن ثمانية قرون، كانوا خلالها مسيطرين عليها وعلى أهلها، ولكنهم عاملوهم بكل احترام، فلم يرغموهم على اعتناق الإسلام، ولم يغيّروا لغتهم، ولم يطمسُوا ثقافتهم، بل عرضوا عليهم الدّين فَمَنْ شاء منهم دخله ومَنْ أراد بقي متمسكاً بدينه.

ثُمَّ إنهم عندما غادروا الأندلس تركوا لأهلها من الآثار الشيء الكثير، حتى إن أسبانيا تُعَدُّ اليوم واحدة من كُبريات البلدان السياحية في العالم بسبب ما خَلَّفَهُ المسلمون هناك، هذا من جانب المسلمين الذين تصفونهم بالإرهابيين المغتصبين، ولكنَّكم تغضُّون الطًّرْفَ عن الكيفية التي دخل بها نابليون بونابرت مصر وبلدان المغرب العربي، وكيف حاول طمس هويتها، وتغيير لغة أهلها وثقافتهم، وسَلخهم من دينهم.

ثم إنه لم يكتفِ بذلك، بل قام بسرقة كميَّات كبيرة من آثارها وإرثها الثقافي، وشَحَنَهُ إلى بلاده قبل خروجه منها، وأظنُّكَ زرت باريس ورأيت بنفسك بعض الآثار المصرية المسروقة هناك.

فبالله عليك مَنْ يستحق أن يُوصَمَ بالإرهاب والتَّدمير والتَّخريب، الإسلام وأهله، أم من قاموا بالحملات الصليبية التي توالت على بلدان المسلمين منذ مدة طويلة وما زالت، هدفها الوحيد سرقة أراضي المسلمين والاستيلاء على خيراتهم، شعارهم يختلف بين حملة وأخرى من إنقاذ المضطهدين في بلاد الشرق، إلى حماية بيت المقدس، وأخيراً غرس الديمقراطية في البلدان العربية.

قال:
حقيقةً رأيت كُلَّ ما تحدَّثت عنه في أوروبا، حيث لا يخلو بلد أوروبي من آثار إسلامية، وزُرْتُ أسبانيا بنفسي وشاهدت الكَمَّ الهائل من الآثار والمتاحف التي خلَّفها المسلمون هناك، ولكني كنت غافلاً، أو إن شئت قل مُتجاهل للحضارة العظيمة التي بنت كل ذلك، ولا أعزو أسباب تجاهلي سوى لما غرسه فينا إعلامنا عنكم، وعن دينكم وحضارتكم.

كما أنكم أيضاً مقصّرون جداً في هذا الجانب، حيث لم تقوموا بأي عمل لتوعية شعوبنا بمفاهيم دينكم ومعتقداتكم الحقيقية، بل تركتم المجال لفئة منكم تعمل ما تشاء باسمكم واسم دينكم، فتقتل وتُخرّب وتُدمّر، ثم تأتي وسائل إعلامنا وحتى بعض وسائل إعلامكم فتنسب ذلك لكم ولدينكم، وكان من الأجدر بكم أن تقوموا بتوعية شعوبنا، وإعطائهم الصورة الحقيقية عنكم وعن دينكم، بدلاً من القدوم لبلادنا لأغراض السياحة والترفيه فقط، فَلِمَ لا تعملون من أجل ذلك؟.

وتُظهرون صورة دينكم الحقيقية لكل فردٍ منا، وأجزم أنكم سوف تحصدون نتائج جبَّارة تُغَيّر نظرتنا عنكم وعن دينكم، مثلما قمت أنت بالتأثير عليَّ، وتغيير ما رسمته عنكم، بعد أن مكثت في بلادكم مدةً طويلةً جداً، لم أجد من يُبَصِّرُنِي بالحقيقة، فحتَّى أنت لم تتجرَّأ على مُحادثتي إلا بعد أن أوشكَت علاقتنا على الوصول إلى طريق مسدود، وإلى نهاية مؤسفة، بسبب تقصيري في البحث عن الحقيقة وتقاعُسك عن إيصالها إلي.

سألته:
عن الطريقة المُثلى لإيصال الصورة الحقيقية عن الإسلام إلى شعبهم بشكل خاص، والشعوب الغربية بشكل عام.

فأجابني قائلاً:
إن معظم الشعوب الغربية تحرص كل الحرص على معرفة الحقيقة، وتحاول الوصول إليها، والغالبية منهم ترى أن وسائل الإعلام هي الطريقة الأنسب، فهم يستقون معلوماتهم منها ويُصدّقُونها ويُجزمُون بصحتها.

لذا أرى أن أفضل طريقة للوصول إلى شعوبنا هي وسائل الإعلام، فنشر المعلومات الحقيقية بطريقة مدروسة ومؤثرة تغيّر نظرة الشارع لدينا بشكل عام، وتساعد على فهم الآخر وتقبـُّله وفتح حوارات جادة معه، وهذه سوف تُسفر عن نتائج سارة وغير متوقعة بالنسبة لكم.

فقلت له:
ولكن إعلامكم مُحْتَكَرٌ من قِبَلِ فِئَةٍ لا ترغب في نشر إي شيء يَصُبُّ في مصلحة الإسلام.

قال:
هذا صحيح، ولكن لا تنس أنه إعلام قائم على المال، فبقدر ما تدفع تحصل على ما تريد. ثم إن هناك قنوات تلفزيونية وصُحُفَاً ومجلاتٍ غير مُحْتَكَرَةٍ، وبالإمكان النشر عن طريقها، وبأسعار زهيدة.

صحيح أنها صغيرة ولا تَحظَى بنفس حجم الانتشار الذي تَحظَى به الصُّحُفُ الكبرى، ولكن عملية النشر والتوعية من خلالها ستؤدّي لنتائج طيبة، والبداية بها خير من الوقوف مكتوفي الأيدي والاكتفاء بالفُرجة على ما يجري وما يُقال عن دينكم وما يُحاكُ ضده من مؤامرات يتم تنفيذها في شتى بقاع الأرض.

ثم لا تنس الإنترنت وتأثيرها الفعال في مجتمعاتنا، كل هذه قادرة على عرض الصورة وإظهارها بالشكل الذي ترغبون فيه، ولكن يجب عليكم أن تعملوا وتبذلوا كل ما تملكون في سبيل دينكم ومعتقداتكم، كما يجب أن تتخلّوا عن الشعارات الزائفة والبرَّاقة التي لا تُقَدِّمْ ولا تُؤخّر في هذا العالم المادّي الذي يريد أن يرى أفعالاً، لا أقوالاً وشعارات.

شكرته على مشاعره الطيبة وتفاعُله وتفهُّمه لأبعاد القضية، ومحاولته المساعدة في إبداء النُّصح والمَشورة، والإسهام في إيجاد بعض الحُلول المناسبة لتغيير المفاهيم الغربية عن الإسلام.

ثم غادرت منزله وأنا أفكّر بما سمعت منه، وما سوف نحصل عليه من نتائج لو تكاتفنا معاً أفراداً ومجتمعات وحكومات، وعملنا ما بوسعنا، وقدَّم كُلٌ مِنَّا ما يستطيع لخدمة هذا الدّين العظيم، حتى لو على الأقل بالتَّحلّي بسلوكٍ حسنٍ، والتعامل مع الآخرين باحترام ولطف، لا كما يفعل الجُهَّـالُ عند ذهابهم إلى بعض البلدان الغربية فيتشبَّهون بسفُهائهم، ويُحاكُون أفعالهم ويتخلقُّـون بأخلاقهم.

فلا تجدهم إلا في الأماكن المشبوهة ومستنقعات الرذيلة، أعاذنا الله وإياكم منها، فليت أولئك يعلمون أن جميع تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم وخطواتهم ليست محسوبة عليهم فقط، بل على دينهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، لذا وجب علينا الأخذ بأيديهم، وتوجيههم وإفهامهم أنهم سُفَرَاءُ لبُلدانهم فينبغي عليهم أن يُمَثّلُوهُ بطريقةٍ لائقة، لا أن يسيئوا إليه.

كما أن هناك دور مُهماً مُناطٌ ومُلقى على عَواتق علمائنا وأدبائنا ومثقفينا للتفكير الجاد بالكيفية التي يمكن من خلاها التعامل مع الأوضاع الراهنة، والبحث عن أفضل السبل التي تساعد على مسح الصورة المزيَّفة عن الإسلام، والتي تُظهره قريناً للإرهاب في أعين الشعوب الغربية، مع استخدام جميع الوسائل التي تُوَصِّلُ إلى الشارع الغربي وتعطي صورةً حقيقةً عن ديننا وثقافتنا وحضارتنا.