"وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتخَذُوكَ خَلِيلاً ( 73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُم لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً" الإسراء: 73 - 75.

2  هل كان مصلحاً اجتماعياً؟:
إن محمداً كان رسولاً نبياً، ولا شك أنه أصلح الأوضاع الإنسانية كلها، بصفته رسولاً، أما الذين يفترون من أعداء الإسلام على محمد صلى الله عليه وسلم بأنه إنما احتال باسم الدين ليصلح الأوضاع الاجتماعية التي كان يراها فاسدة.

فهيا لنرى في أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم هل نصدق ما زعموا؟

إن الداعي إلى الإصلاح يوجه مساعيه إلى هدفه، فما بال محمد صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه وأصحابه للهلاك حول قضية الوحدانية وإخلاص العبادة لله التي تبدو بعيدة كل البعد عن الهدف المقصود؟ وكيف يبقى مستمراً في دعوته هذه وهو يرى أنه قد جلب الأذى الشديد لمن تبعه، والحصار في الشعب والمقاطعة والتشريد من الوطن.

أي إصلاح اجتماعي إذاً هذا؟
وما باله يكلف أتباعه قيام الليل، والصلاة كل يوم، والصوم شهراً كاملاً ويعتبر هذه الأمور من أركان الإسلام، فما علاقة هذا كله بدعوة لإصلاح أوضاع اجتماعية محدودة؟!

وما باله يسفه اليهود والنصارى ويحمل عليهم ويدعوهم لترك دينهم، ودخولهم في دينه، وما علاقة هذا بإصلاح أوضاع قريش الاجتماعية؟ ودعوته للعالم وإعلانه أنه خاتم الأنبياء والمرسلين ما دخل هذا كله في محاولة لإصلاح بعض الأوضاع الاجتماعية؟ وهذا الفرض للغسل من الجنابة، والتأكيد على الغسل كل جمعة، والوضوء خمس مرات في اليوم في بيئة صحراوية، ما دخل مثل هذا في محاولة لإصلاح أوضاع اجتماعية؟ ألا إن هذه الأحوال لتشهد أنها أحوال رسول يبلغ عن ربه، ولا يحسب لغير ذلك حساباً.

3  علامات بارزة في أحواله صلى الله عليه وسلم:
*بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم في زمن تهيأت فيه أحوال العالم لظهوره، وزاد فيه إعلان أهل الكتب بمقدم الرسول، فجاء في الوقت الصحيح ولم يأت بعده غيره.

*علامة (ختم النبوة) على كتفه مطابقة لبشارات الكتب السابقة.

*بقي أربعين عاماً بين قومه يلقبونه الصادق الأمين وعجز أعداؤه أن يجدوا كذبة واحدة عرفت عنه.

*عند نزول الوحي ذهب خائفاً مرتعشاً إلى أهله يقول: زملوني زملوني ولو كان مفترياً ما وقفنا على هذا الحادث في تأريخه.

*لقد كان صلى الله عليه وسلم يذهب في غيبوبة عند اتصاله بجبريل، ولقد كان جبينه يتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد، فهل يقدر الإنسان أن يفتعل مثل هذا؟ وما الداعي له؟ غير أن الاتصال بعالم الملائكة يحتاج تهيئة خاصة، وكان إذا غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سجي بثوب حتى ينتهي الوحي.

*كان صلى الله عليه وسلم لا يأمر الناس بأمر إلا كان هو أول العاملين به، ولا ينهاهم عن شيء إلا كان أول التاركين له، فلِمَ إذاً يكلف نفسه أعباء كثيرة إن لم يكن رسول الله؟!

*كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل، ويكثر الصلاة، ويتصدق بما يجد لديه حتى مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهود بقوت أهله.

*عند موت إبراهيم بن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انكسفت الشمس ساعة دفنه، وتصايح المسلمون حول القبر: إنها لآية من آيات الله.. وكسوف الشمس يومئذ خبر من أخبار الفلك الثوابت، أيده حساب الفلكيين في العهد الأخير.

فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين يتصيدون الخوارق ولا ينكرونها ليستطيعوا أن يدعوها لو كان كذلك أستغفر الله لما كلفته هذه الخارقة إلا أن يسكت عنها، فلا يدعيها ولا ينكرها.

ولكنه صلى الله عليه وسلم لم ينس ساعة حزنه أمانة الهداية للمؤمنين بدينهم وبادرهم لساعتها مذكراً لهم بآيات الله قائلاً: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته) حديث صحيح أخرجه الشيخان.. هذا قليل من كثير.

أحواله مع أعدائه وأتباعه:
رأى الكفار الرسول صلى الله عليه وسلم فاستهزءوا بأمره، وسخروا منه.

قال تعالى: "وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَُّه رَسُولاً" الفرقان: 41.

فلم تؤثر فيه السخرية، فاتهموه صلى الله عليه وسلم بالجنون، وذلك لغرابة ما يدعوهم إليه: "وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِين (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (6)" الحجر: 6- 8.

غير أن إعجاز القرآن وآيات الله في كتابه دلت بنفسها على ربها، فما كان أحد من المشركين يسمع كلام الله، حتى يأخذ القرآن بعقله وقلبه، ويدخل في دين الله، فزعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم يسحر الناس بقوله: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)" سبأ: 43.

وأخذوا يعملون على تشويش الحق بما يطلقون من الدعايات والأكاذيب: "قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلام بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأولُونَ" الأنبياء: 5.

"وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأرضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللِّه وَالْمَلائكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً (93)" الإسراء: 90-93.

وهكذا علم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: إن الأمر بيد الله، وهو الذي يؤيدني بالبينات التي يشاء، والتي تكفي لإقناع الناس بصدقي، والله سبحانه لا يقبل شروطاً لإيمان الناس، وإلا لاشترط السفهاء ما يجعل أمر الرسالة والألوهية سخرياً وعبثاً وتفاهة، وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِن َّفِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)" العنكبوت: 51.

وبرغم الآيات الكثيرة التي أيد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بها، إلا أنهم أخذوا يشتطون في معاداته فتارة يقولون: "وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا (57)" القصص: 57.

ومرة أخرى يظهرون كراهيتهم المطلقة للهدى التي يفضلون عليها الموت: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُم َّإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَق َّمِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)" الأنفال: 32.

هؤلاء هم أعداء محمد صلى الله عليه وسلم الذين يفضلون الموت والعذاب على اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فما بالهم قد تحولوا من صف القتال ضده، وصف الكراهية له والحقد عليه، إلى جنود مخلصين في جيشه، وأتباع محبين له، وعباد قانتين لربهم، وزهاد في الدنيا ومتاعها، فعلقت آمالهم بما وعدهم ربهم على لسان رسولهم صلى الله عليه وسلم، متحابين يؤثرون على أنفسهم غيرهم إرضاء لربهم، يقيمون الصلاة في أوقاتها، يقومون الليل لا يفترون عن ذكر الله، يخرجون الزكاة من أموالهم، ويتسابقون في الإنفاق في سبيل الله، ويتدافعون إلى ساحات الاستشهاد حباً في أن يقدموا أرواحهم فداءً لدينهم، راضية بذلك نفوسهم.

كيف دخل أولئك المجاهدون في دين الله أفراداً وأفواجاً؟ كيف دخلوا في دين الله؟ وما الذي جعلهم في غاية الحرص عليه ينشرونه في الآفاق، يقدمون الأموال والأنفس في سبيل أتباع رسولهم صلى الله عليه وسلم الذي طالما وصفوه بالجنون، وطالما سخروا منه واتهموه بالسحر؟!

كيف حدث هذا؟ لا جواب إلا ما كانوا يرددونه كل يوم قائلين: نشهد أن محمداً رسول الله، فلم يطرأ على الأمر أنهم تحققوا من صدق رسولهم، وشهدوا له بالرسالة، بعد أن رأوا من بينات رسالته عليه الصلاة والسلام.

الخلاصة:
*لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم أمياً لم يقرأ ولم يكتب طوال عمره وسجل القرآن أميته وسمع بذلك أصحابه، وأعداؤه فما كذَّبوا، وجعل القرآن أمية محمد صلى الله عليه وسلم دلالة على أنه رسول الله من عند الله، فما عارضوا القرآن لأنهم يعرفون حقاً أنه النبي الأمي.

*اشتهر العرب بالفصاحة في الأقوال، فكانوا يقيمون المباراة بين الشعراء والخطباء، وكانوا يكتبون أحسن أقوالهم بماء الذهب، فجاء القرآن معجزاً لهم في الأمر الذي اشتهروا به ليكون الإعجاز بيناً وأجراه الله على لسان أمي ليكون أبلغ في الإعجاز، وتحدى القرآن العرب والإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعضه، أو حتى بمثل سورة منه فعجزوا عن الإتيان بمثل سورة منه، ولجأوا إلى القتال وإهلاك أموالهم وأنفسهم بعد أن أخرستهم بلاغة القرآن.

*يحمل القرآن العلامة الإلهية التي تدل على أنه من عند الله ومنها:
-1 كلام الله جديد لا يبلى مهما كرره الناس.

-2 إذا كان الكلام يدل على شخصية صاحبه فإن قارئ القرآن يشعر أن الله هو الذي يُحدثه.

-3 كل كلام يمكن إدماجه في غيره، إلا القرآن فإنه يتميز عن أي كلام لأنه كلام الله الذي لا يشبهه كلام.

-4 للقرآن تأثير كبير على المستمع الواعي، لا يشبهه في ذلك كلام من كلام البشر لأنه كلام الله.

-5 احتوى القرآن على علوم لا يعلمها إلا الله منها:
أ) أخبار السابقين التي ما سمعها المنصفون من الأحبار والرهبان حتى آمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

ب) أخبار ما كان يدور في صدور الناس، ولا يعلمها إلا الله، كما حدث بالنسبة لبني حارثة، وبني سلمة، وكما حدث لليهود وما كانوا يخفون من كلام فيما بينهم.

ج) ولقد أخبر القرآن بأمور تكون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده فجاءت الأيام بما كان قد أخبر القرآن به من قبل، ومن ذلك:
-1 انتصار الروم في أقل من عشر سنوات.

-2 أن أبا لهب سيموت هو وامرأته على الكفر، وكذلك الوليد بن المغيرة والأخنس بن شريق.

-3 إحاطة الله بالناس، ودفع أذاهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-4 هزيمة كفار قريش وجمعهم في غزوة بدر وفرارهم أمام المسلمين.

-5 حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم من محاولة الاغتيال وتركه للحراسة وفشل كل المحاولات.

-6 الإعلان عن القوم الذين سيحملون الرسالة ولا يكفرون بها عندما كفرت قريش بالرسالة.

-7 استخلاف المسلمين في الأرض، وتمكينهم من دينهم بعد محاصرتهم وخوفهم.

-8 الإخبار عن الفتح الذي كان في صلح الحديبية، وظنه المسلمون هزيمة ولكنه كان فتحاً كما أخبر القرآن.

-9 الإخبار بأن المسلمين سيدخلون المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين.

-10 الإخبار عن فتح خيبر، والمغانم الكثيرة التي نالها المسلمون.

-11 الإخبار بحفظ القرآن من كل تحريف.

-12 الإخبار بأن محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.

-13 الإخبار بالعذاب الذي ينزل على المسلمين عند عصيانهم من السماء ومن تحت أرجلهم واختلافهم شيعاً، وتسليط بعضهم على بعض.

د) لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة أصلحت وحدها أحوال الإنسان في كل زمان ومكان، وأخرجت للناس خير أمة، وشهد المتخصصون بأفضليتها على كل القوانين والشرائع التي عرفها الإنسان إلى يومنا هذا.

ومنهم: (سانتيلانا) و (فمبري) و (سليم باز) و (كهلر) و (كنتج) و (شيرل) و (لامبير)، والمؤتمر الدولي القانوني في (لاهاي) المنعقد في عام 1937 م، ومؤتمر المحامين الدوليين المنعقد في لاهاي عام 1948 م، وجمعية القانون الدولي العام، ونقيب المحامين الفرنسيين، والقانونيين العالميون الحاضرون في أسبوع الفقه الإسلامي المنعقد في باريس عام 1953م.

*وفي زمن العلوم الكونية اكتشف الباحثون حقائق في الكون، ووجد العلماء المسلمون أن القرآن كان قد أخبر بهذه الحقائق في وقت لم تكن البشرية تعرف عن هذه الحقائق شيئاً، فكان ذلك شاهداً جديداً بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته.

*ومن أمثلة ذلك تحريم القرآن للتزوج من الأخت في الرضاعة، لأن الرضاعة تكسب خصائص واحدة في الراضعين كما تكسب الأخوة الأصلية خصائص وراثية في الإخوة، وإخبار القرآن عن الأعمدة التي لا ترى بين أجرام السماء، وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن النار السوداء، وإخبار القرآن عن الحاجز بين البحرين الملتقيين.

*أما العرب الذي تحداهم القرآن فما كان أحد منهم يسمع القرآن، حتى يشهد بأن كلام الله، فتواصى الكفار بعدم الاستماع إليه، وأخيراً لم يجدوا إلا أن وصفوه فقالوا: إنه سحر، من سمعه سحر قلبه، فكان قولهم هذا شاهداً بأنه ليس من كلام البشر.

*وهناك بينات أخرى لمحمد صلى الله عليه وسلم، منها:-
-1 ما ذكره القرآن من خوارق العادات: كالإسراء والمعراج وانشقاق القمر، وإنزال النعاس لتأمين المسلمين، والمطر لتثبيت أقدامهم وتطيرهم، وتقليل عدد الكافرين، وزيادة عدد المؤمنين، وإنزال الملائكة لتأييد المسلمين، وجنود لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته، وتسخير الرياح للمسلمين ضد الأحزاب.

-2 ماذكرته الأحاديث النبوية، وكتب السيرة من تفصيل للخوارق السابقة، وذكر لخوارق أخرى منها: كلام الشجر، والحجر، والحيوان وشهاداتها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وإبراؤه صلى الله عليه وسلم لذوي العاهات، وظهور الآثار العجيبة فيما يلمسه عليه الصلاة والسلام.

ولم تكن هذه الخوارق إلا تثبيتاً وتدعيماً للمعجزة القرآنية، وبينات للرسالة الأخرى.

*إن أحوال أي إنسان طوال حياته لتكشف حقيقته، ولقد كانت ولا تزال أحوال محمد صلى الله عليه وسلم أوضح وأظهر من أحوال أي إنسان عرف حتى هذا الزمان، فليس في سيرته صلى الله عليه وسلم غموض أو إخفاء.

وإن أحواله لتشهد:
-1 أنه لم يكن زعيماً سياسياً يريد توحيد قومه، وإعلاء ذكره فلقد رفض كل محاولة لتوحيد كلمته وأتباعه مع قبيلة إلا أن يكون ذلك تبعاً لهدي الله، وتحمل هو وأتباعه لصنوف العذاب ما لا يطيقه الناس، ولما جاء النصر والفتح زهد عن متاع الدنيا فما كانت حالته إلا شاهدة بنبوته، ولم يقصر في تبليغ الوحي الذي يتضمن التقريع الشديد له.

-2 وما كان ينوي الإصلاح الاجتماعي فقط، فلقد كان حرصه الأول على الصلاة والصيام والزكاة والحج، وكل ما يقرب الإنسان من ربه وإن كان الإصلاح الاجتماعي والسياسي قد تحقق على يده إلا أنه لم يكن جزءاً من دعوته.

-3 وباقي أحواله صلى الله عليه وسلم تشهد بأن أحواله لم تكن إلا أحوال نبي مرسل.

*ومن تأمل في أحواله صلى الله عليه وسلم مع قومه، وجدها مصدقة لرسالته، فلقد عاداه قومه أشد العداء، وكانوا يتمنون الموت له على أن يتبعوه، فعرض عليهم بيناته فإذا هم الأتباع، الذين يؤثرون الموت على الحياة في سبيل إرضائه.
يتبع إن شاء الله...