مشكلات كبرى:
وهنا تبرز أمامنا ثلاث معضلات كبرى:
1 - من أين نتحصل على هذه المواد الخاصة التي يمكن لخلايا أجسامنا أن تتغذى عليها.
2 – من أين لنا كميات هائلة من هذه المواد تكفي لغذاء كل خلية من ملايين الملايين الخلايا في جسم الإنسان باستمرار؟ ثم من أين لبني الإنسان جميعاً وكذا سائر الحيوانات غذاء لكل خلية في كل جسد باستمرار؟ إن الحاجة ماسة إلى كميات خيالية تتوفر باستمرار من المواد الغذائية الصالحة لتغذية الخلايا.

3 – كيف يمكن إمداد كل خلية في جسم الإنسان بهذه المواد سواء كانت تلك الخلية في وسط المخ أو في غلاف الكلية أو في باطن القلب أو في مخ العظام أو في سطح الجلد؟ وكم من الملايين الملايين من الأنابيب الرئيسية والفرعية والشعرية التي يجب أن تمد كل خلية في جسم الإنسان؟ هذه مشاكل كبرى بغير تدبير حل لها نموت.. ويموت كل كائن حي.

أين الحل ومن يصنعه؟
المشكلة الأولى تتمثل في إيجاد المواد الصالحة لغذاء الخلايا وهذه المواد هي:
أ- الأحماض الأمينية «البروتينيات».

ب- المواد السكرية «نشويات».

ج- أحماض دهنية وجلسرين «مواد دهنية».

د- فيتامينات.. وهذه جميعاً لا توجد مستقلة على وجه الأرض، لنذهب إلى مكانها ونأخذ منها حاجتنا.

و- الأملاح، وهذه لا توجد مستقلة وإنما توجد مختلطة بالتربة.

ز- أما الماء فهو يوجد مستقلاً في الآبار والينابيع والأنهار والمياه الجوفية فأين نجد هذه المواد الضرورية لحياتنا؟

إن معظم المواد السابقة توجد في صورة مركبة معقدة في مختلف النباتات أو لحوم الحيوانات، التي تغذت على هذه النباتات، أو على حيوانات تغذت بالنباتات. فالمصدر الأصلي  الخام  للمواد السابقة هو هذه النباتات التي تكسو الأرض.

ولكن الموجود في النباتات مواد خام، لا تصلح رأساً لتغذية خلايا الجسم مباشرة.

مما يبعث مشكلة جديدة، وهي: الحاجة إلى أجهزة خاصة ومواد خاصة تقوم بإعداد هذه المواد الخام، وتحويلها إلى مواد صالحة مناسبة لغذاء الخلايا.

أما المواد الخاصة التي تقوم بتحويل الطعام (الخام) إلى طعام صالح للجسم فهي:
أ- إنزيمات: الببسين، الرنين، التربسين، الأربسين، وذلك لتحويل المواد البروتينية إلى أحماض أمينية صالحة لغذاء الخلايا وذلك مثال.

وهناك إنزيمات أخرى لتحويل المواد النشوية والدهنية إلى سكر، وأحماض دهنية وجلسرين.

فأين نجد هذه المواد الكيماوية المخصصة بكميات كافية؟

ما هو الجهاز الذي سيقوم بعملية التحويل هذه؟
ولن نطيل البحث كثيراً عن هذه المواد (الإنزيمات) والجهاز المحول للطعام الخام إلى غذاء مناسب للخلايا لأن الجواب موجود في أنفسنا.

إن هذه المواد الكيماوية المخصوصة (الإنزيمات) موجودة في لعابنا، ومعدنا، وأمعائنا.

ولقد خلقت لنا خلايا خاصة (غدد) ونحن في الأرحام، لتقوم بإنتاج هذه المواد بالكميات الكافية.

وأما الجهاز المحول فهو (الجهاز الهضمي) الذي توجد فيه هذه الغدد المفرزة
للإنزيمات الهاضمة.

وهو جهاز محكم دقيق قد أعد لوظيفته في غاية الدقة والإتقان، ونحن لا نزال أجنة في بطون الأمهات، ومن دقائق صنع هذا الجهاز أن معدتك تفرز إنزيمات تذيب اللحم.

وبالرغم أن المعدة من اللحم إلا أنها قد غطيت بغشاء مخاطي، يمنع وصول هذه الإنزيمات للحم المعدة.

نحن والنبات:
إذن فمصدر غذائنا الخام هو النبات، ومصدر المواد الكيماوية الهاضمة التي تعد الطعام الخام، وتحوله ليكون صالحاً لخلايانا هو تلك الغدد المفرزة للإنزيمات الموجودة في الجهاز الهضمي، الذي أحكم صنعه، ونحن لا نزال أجنة نتغذى من دماء أمهاتنا.

صنع الغذاء في النبات وتوفيره:
قد علمنا كيف تحصل الخلايا في أجسادنا على المواد الغذائية المناسبة بأخذ الطعام الخام من النبات، وهضمه بواسطة مواد خاصة في جهازنا الهضمي، وبقيت المشكلة الثانية: وهي من أين للنبات كميات الغذاء الهائلة اللازمة لتغذية كل كائن حي؟

وهيا لنتفكر في طعامنا ونتأمل كيف أوجد الرزاق الرحيم الحل لهذه المشكلة:
1 – البذور (الأصول النباتية): نحصل على هذه البذور، والأصول النباتية من نباتات سابقة، والنباتات السابقة من بذور وأصول سابقة وهكذا حتى نقف وجهاً لوجه مع الأصل الأول لهذه النباتات المتنوعة، ثم نرى الروعة في إعادة خلقها، وتكوينها مرة بعد أخرى، وتوفيرها بكميات هائلة كافية لحاجات كل ما يتغذى على النباتات.

قال تعالى: "وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَب َّالْحَصِيدِ" ق: 7- 9.

المواد الخام:

أ- التربة:

لقد وفرت التربة الصالحة للزراعة بكميات هائلة تكفي لحاجة كل الكائنات الحية.

قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأرض كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيم إِن َّفِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ" الشعراء: 7، 8.

ب- الماء:
ولقد وفر الخالق الماء الذي لا يكون زرع إلا به بكميات تكفي حاجة كل الكائنات الحية، ويسره لنا فنأخذه من الأنهار الجارية, أو العيون، أو الآبار، أو المياه الجوفية المخزونة قريباً من سطح الأرض.

وأصل هذا الماء تلك الأمطار التي تنزل من السحب على الأرض باستمرار بمعدل
(16 مليون طن في كل ثانية):
ومن رحمة منزل المطر أنها تنزل سيولاً هائلة في شكل نطف صغيرة، لا تضر زرعاً، ولا إنساناً ولا حيواناً، وتلك السحب هي: مياه متحركة تحركها الرياح من فوق البحار إلى القارات حيث توجد البذور والتربة.

قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرض الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ
أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ" السجدة: 27.

ج- وبغير الهواء لا تنبت نبتة على وجه الأرض:
والهواء الصالح لتكوين الغذاء هو (ثاني أكسيد الكربون) الذي نخرجه من أجسامنا ومن أجسام كل الحيوانات، وبهذا يكون الإنسان والحيوانات مصدراً لمادة من المواد الخام اللازمة لصناعة الطعام، ومن دقائق الخلق والتقدير أن (ثاني أكسيد الكربون) لو بقي في الجو لخنق كل كائن حي، ولكن النباتات تأخذه باستمرار، وتخرج لنا (أكسجين) عوضاً عن الذي استهلكناه في أجسامنا.

د- ومادة الخام الأخيرة هي ضوء الشمس:
الذي يأخذه النبات من الشمس بواسطة المادة الخضراء الموجودة في خلايا النباتات، والذي يصل إلى وجه الأرض بالقدر الكافي، المناسب للحياة، فلو بعدت عنا الشمس نصف المسافة لتجمد كل نبات وكل حي، ولو قربت نصف المسافة بيننا وبينها لاحترق كل كائن حي.

قال تعالى: "وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ" إبراهيم: 33.

هـ- المصانع الخضراء في النبات:
وفي النبات المصنع الوحيد الذي تدخل إليه هذه المواد الخام (أملاح التربة، الماء، الهواء، ضوء الشمس) فيصنع من هذه المواد سكراً يتحول إلى مختلف المواد الغذائية: نشويات، دهون، بروتينات، فيتامينات.

ذلك بواسطة إنزيمات مركبة خاصة، وتفاعلات كيماوية دقيقة مرتبة، وهذه المصانع الخضراء عبارة عن نقط خضراء صغيرة تسبح في بعض خلايا النبات وخاصة خلايا الأوراق.

وينتج النبات من هذه المصانع الخضراء كميات وفيرة هائلة تكفي لتصنيع المواد الخام السابقة إلى أغذية مناسبة صالحة كافية لغذاء كل الكائنات الحية.

قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا
مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِن َّفِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" الأنعام: 99.

توصيل المواد الخام إلى المصنع:
إذا عرفنا أن مصانع الغذاء في النبات تتركز في الأوراق والأجزاء الخضراء منه، فإن علينا أن نعرف الآن أن هذه المصانع بحاجة إلى المواد الخام.

كما أنها بحاجة إلى وضع تصميم، وترتيب، وتنظيم يتم به وصول هذه المواد الخام إلى المصانع الخضراء (البلاستيدات الخضراء) فكيف حل الخالق هذه المشكلة؟

1 – الماء:
قد عرفنا كيف يصل الماء إلى التربة التي تتشربه.


2 – الأملاح:
تذوب الأملاح الموجودة في التربة مكونة محلولاً مائياً في الماء والأملاح، وتقوم الماصات الجذرية الموجودة في البذور النباتية، بامتصاص الماء والأملاح الذائبة فيه بقوة أودعها الله فيها وتسمى بقوة (الضغط الأسموزي)، ثم تقوم هذه الماصات الجذرية (الشعيرات الجذرية) بتوصيل الماء والأملاح الذائبة إلى أنابيب خاصة موجودة في الجذور قد أعدت لاستقبال الماء والأملاح، ورفعه إلى شتى أجزاء النبات، حيث يصل في فروع صغيرة إلى المصانع الخضراء الصغيرة.

3 – الهواء:
ويدخل الهواء إلى المصانع النباتية بواسطة ثغور صغيرة قد أعدت بإحكام، وتنتشر في الطبقة السطحية للأوراق، وقد خلق الخالق سبحانه خليتين حارستين أو أكثر تقوم هذه الخلايا بدور البواب الذي يفتح ويقفل بنظام، وبحسب الحاجة.

4 – الضوء:
أما الضوء فيصل رأساً إلى المصانع الخضراء المنتشرة في أجزاء
النبات فوق سطح الأرض، وقد كان تصميم وضع النبات متناسباً مع هذا الطلب منذ أن خرج ذلك الجزء النباتي من البذرة المنبتة الذي شق الأرض وترابها إلى أعلى، لا إلى أسفل كما يفعل الجزء الثاني الذي سيكون الجذر، ويحمل معه أصول الأجزاء النباتية العليا من ساق، وأغصان، وأوراق، وأزهار، وثمار، ولا يخطئ حامل الأوراق هذا في اتجاهه، كما لا يخطئ الجزء الذي سيكون الجذر حتى لو وضعت البذرة مقلوبة، فإن حامل المصانع الخضراء يعرف طريقه دائماً إلى أعلى، حيث يوجد ضوء الشمس.

الصناعة والتخزين:
بعد أن وصلت المواد الخام إلى المصانع، لم تجد أمامها مصنعاً، أو مصنعين بل استقبلتها ملايين الملايين من المصانع التي تقوم بأخطر إنتاج في العالم وأعظمه، إنه الإنتاج الوحيد، من المصانع الوحيدة، القادرة على إنتاج البروتينات، والدهنيات، والنشويات، والفيتامينات، والأملاح من ماء + أملاح + ثاني أكسيد الكربون (هواء) + ضوء الشمس.

ومن بديع صنع هذه المصانع أنها تقوم بعملها دون ضجيج أو إزعاج، وتقوم هذه المصانع بعملها في عمليات كيماوية طويلة متلاحقة، وفي سلسلة متتابعة في الخطوات حتى يكون الناتج هي تلك الثمار اللذيذة الشهية التي ليست إلا مخازن، خزن فيها الغذاء وأحكم حفظه فيها.

فجئنا نحن نجني هذه الثمار، ونفتح هذه المخازن وتتغذى عليها، كما يتغذى كل حي على ما يعده الله في النبات من غذاء.

المعضلة الثالثة:
قد علمنا كيف حلت المعضلتان السابقتان: معضلة إعداد المواد المخصوصة لغذاء الخلايا، ومعضلة توفير هذه المواد باستمرار وبكميات هائلة وبقيت المعضلة الثالثة وهي: كيف يمكن إيصال هذه المواد إلى كل خلية في جسم الإنسان، سواء في وسط المخ أو في قشرة الكلية، أو في سطح الجلد؟ إذ إنه لا معنى لتوفير المواد المطلوبة دون توصيلها إلى المكان المطلوب.

ويجب أن يعرف كل عاقل أن رازقه المقيت الرحيم قد أعد أجهزة كاملة تتعاون لحل هذه المعضلة.

أولاً: الجهاز الهضمي:
فالجهاز الهضمي الذي يبدأ بالفم الذي بغيره ما دخل طعام قط إلى الجوف والذي فيه يقطع الطعام (الخام) إلى قطع صغيرة بواسطة الأسنان التي تحركها عضلات المضغ ثم يطحن الطعام لكي يسهل هضمه، كما أن هضماً جزئياً يبدأ بواسطة اللعاب الذي تفرزه غدد خاصة موجودة في الفم، والذي يساعد بلزوجته على انزلاق اللقمة، في المريء إلى المعدة ويقوم اللسان بعملية تقليب الطعام في الفم ليتم خلطه باللعاب ثم قذف اللقمة إلى البلعوم.

ثم ترمي اللقمة إلى الحنجرة حيث يفتح لها لسان المزمار (اللهاة أو شرطي المرور) باب المريء ويسد عليها باب القصبة الهوائية، وتنزلق اللقمة إلى المعدة بواسطة حركات دودية في المريء كما يساعدها على الانزلاق ما يفرزه المريء من إفرازات مخاطية.

وفي المعدة تستمر عملية الهضم، حيث يتحول الطعام إلى سائل يسمى (سائل الكيموس) الذي تفتح له فتحة البواب في المعدة ويتجه إلى الاثنى عشر حيث تستمر عملية الهضم التي هي تحويل المادة الخام من الطعام إلى مادة مناسبة صالحة لتغذية خلايا الجسم، ثم منها إلى الأمعاء الدقيقة، حيث تستكمل عمليات الهضم النهائية، فتصبح المواد الزلالية أحماضاً أمينية، والمواد النشوية سكراً، والمواد الدهنية أحماضاً دهنية وجلسرين.

ويصبح الطعام بهذه الصورة صالحاً لأن يمتص بواسطة (الخملات) الموجود في الأمعاء ليجري مع تيار الدم.

ثانياً: الجهاز الدوري:
إن دوريات هائلة، مستمرة في الدماء، تقوم بالدوران على كل جزء، وكل نقطة في الجسم، فتأخذ من كل نقطة ومن كل جهاز ما هو مكلف بإعداده.

وتقوم هذه الدوريات بإيصاله إلى المكان الخاص الذي أعد له في الجسم.

ولذلك فهذه الدوريات تمر على الأمعاء الدقيقة، كما تمر على المعدة والمرئ والفم.

ولكنها لا تأخذ الطعام إلا من الأمعاء الدقيقة حيث تمت عمليات الهضم، أو بعبارة أخرى:
إن الطعام بعد تمام هضمه قد جرى في تيار الدم بواسطة أجهزة خاصة (الخملات) قد أعدت في المكان المناسب الذي تمت فيه كل التفاعلات والتحولات.

ولهذا الجهاز الدوري محطة ضخ مركزية، هي: القلب الذي يقوم بإرسال هذه الدماء المتدفقة باستمرار.

ويمكنك أن تضع يدك الآن على قلبك لتحس عمله الجاد في إرسال هذه الدماء الدائرة إلى استقبالها مرة ثانية وذلك في أضخم شبكة مواصلات على الأرض.

ثالثاً: الجهاز اللمفاوي:
إن المواد الغذائية التي انتقلت من الأمعاء إلى الدم وأرسلها القلب مع تيار الدم إلى كل نقطة في الجسم في حبس داخل الشعيرات الدموية، وحقاً لقد قطعت هذه المواد الغذائية رحلة طويلة من المصانع الخضراء في النبات إلى أن وصلت الآن إلى قرب الخلية، ولكن ليس إلى داخلها لأن جدار الشعيرة الدموية يمنع انتقالها من الشعيرة إلى الخلية، فخلق الرزاق المقيت حلاً لهذه المشكلة بخلق جهاز لمفاوي ونحن لا نزال أجنة في بطون الأمهات، ويقوم هذا الجهاز بإعداد سائل اللمف بعملية الوساطة بين الشعيرة الدموية والخلية فيترشح الطعام من الشعيرة الدموية إلى السائل الذي يربط بين الشعيرة الدموية والخلية (سائل اللمف) ويقوم هذا السائل بدوره بإيصال هذه المواد الغذائية إلى الخلية، وأخذ الفضلات، والمواد المتبقية من الخلية وتسليمها للشعيرة الدموية التي تقوم بنقلها إلى أجهزة الإخراج المعدة لهذا الغرض.

لهذا كان ذلك الإعداد:
وكل ما سبق ذكره ابتداء من حركات السحب بالماء، وسطوع الشمس بالضوء، وامتصاص الجذور للماء والأملاح ودخول الهواء من ثغور الأوراق وعملية التصنيع في المصانع الخضراء، وانتهائه بدخول (الأحماض الأمينية والسكر والأحماض الدهنية والجليسرين والأملاح الذائبة والفيتامينات) من سائل اللمف إلى الخلية، كل ذلك ليس إلا توصيلاً للمادة الخام إلى مكان التصنيع الجديد.

حيث تحول تلك المواد الغذائية إما إلى عظام أو لحم أو دم أو مخاط أو شمع في الأذن أو مني يمنى أو شعر أو أظافر أو إنزيمات هاضمة أو هرمونات، أو أي نوع آخر مما يحتوي عليه جسم الإنسان.

رابعاً: الجهاز الإخراجي:
إن عملية التصنيع السابقة التي تتم في الجسم أو في داخل الخلايا يتخلف عنها فضلات وبقايا.

وما لم تطرح هذه الفضلات والبقايا يتعرض الإنسان للهلاك.

فخلق الرزاق الرحيم جهازاً خاصاً يقوم بعملية إخراج لهذه المواد المتبقية التي لا فائدة من بقائها.

وتبدأ عملية الإخراج عن طريق المعي الغليظ الذي يحمل بقايا الطعام الذي لم يذب في الإنزيمات الهاضمة ويخرجه غائطاً من فتحة الشرج، وتقوم الرئتان بإخراج ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء المتولد في عمليات التصنيع والبناء داخل الخلايا.

وأما الغدد العرقية الموجودة على الجلد فمنها يخرج (الملح والبولينا والماء) كما أن
هناك كليتين وما يتصل بهما من حالب ومثانة ومجرى بول وعن طريقها ترشح (البولينا وحامض البوليك والماء) من الدماء وتخرج إلى الخارج بواسطة مجرى البول.

خامساً: الجهاز الهضمي:
وهناك جهاز عصبي في جسم الإنسان يقوم بالإشراف على سير وتنظيم كل عملية من العمليات السابقة وكل عملية أخرى من عمليات الجسم.

تفكروا يا أولي الألباب:
* مَنْ أوجد المواد الخام بكميات وافرة تكفي لحاجة كل كائن حي؟ مَنْ قدَّر كميات هذه المواد بما يناسب حياة مَنْ عليها؟ مَنْ خلق هذه المواد الخام؟: (البذور، الماء، التربة الصالحة للزراعة، ضوء الشمس، ثاني أكسيد الكربون، المصانع الخضراء)؟ ومَنْ وفرها؟ وما الذي كان يحدث لو كونت الأرض مع نفس مادة من المواد السابقة؟

قال تعالى: "وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ" فصلت: 10.

إنه لو زاد سمك الطبقة العليا من الأرض بضعة كليو مترات لاستهلك الأكسجين الموجود الآن كله في تكوين الزيادة في قشرة الأرض، وإذاً لما وجد نبات أو حيوان أو ثاني أكسيد الكربون.

كما أن الأكسجين يكون 8و 88 % من وزن الإنسان في العالم، والباقي أيدروجين، فلو أن كمية الأيدروجين زادت الضعف عند انفصال الأرض لما وجد إذن أكسجين، ولكان الماء غامراً الآن كل نقطة في الأرض.

ولو يطول اليوم قدر ما هو عليه عشر مرات لأحرقت الشمس كل نبات على وجه الأرض، فمَنْ قدَّر الليل والنهار على الأرض ليناسب حياة مَنْ عليها؟!!

مع العلم أن بعض الكواكب نهارها أطول من نهارنا عشرات المرات، وبعضها قد أصبح جزء منها نهاراً دائماً، والجزء الآخر ليلاً دائماً.

"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَُّه عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَِّه يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَُّه عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَِّه يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ" القصص: 71 ، 72.

ومَنْ ينظم حركة الأرض مع الشمس بحيث استمرت المحافظة على أصول الأشعة الضوئية بالقدر المناسب للنبات، وما على الأرض من أحياء، فلو تبعد عنا الشمس نصف المسافة بيننا وبينها لتجمد كل كائن حي ولو تقرب نصف المسافة لاحترق كل حي؟!.

*ومَنْ يتقن صناعة النبات بحيث يتمكن من استقبال المواد الخام في يسر وسهولة؟

ومن يوصل إليه هذه المواد الخام كما يحدث بالنسبة لنقل الماء إلى البخار، وتصعيده، وتكثيفه، وسوقه، وإنزاله، وحفظه، وإيصاله إلى حيث توجد الماصات الجذرية للنبات؟

*مَنْ سخر النبات وأمره أن يصنع المواد الوحيدة المعدومة التي تصلح لغذاء الحيوان والإنسان (بروتينات، نشويات، دهون، فيتامينات، أملاح).

قال تعالى: "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" الملك: 21.

*مَنْ أنشأ الملايين الملايين من تلك المصانع الخضراء الصغيرة التي تكسو وجه الأرض بلونها الأخضر الجميل؟ ومَنْ يخلق هذه المصانع الفريدة في كل يوم مع كل نبات ينبت وكل ورقة تتكون؟ ومَنْ منح ذلك المصنع الصغير تلك القدرة العجيبة على تحويل (أملاح التربة، والماء، وثاني أكسيد الكربون، وضوء الشمس) إلى سكر؟! ثم تحويله إلى المواد المطلوبة لغذاء الإنسان والحيوان؟ ومَنْ أخرج تلك المواد المصنوعة إلى تلك المخازن الغذائية (اللذيذة ليسهل على الإنسان الحصول على أكبر كمية من الغذاء في أصغر حيز)؟

*ومَنْ شق لك فمك وعلم أنه في بداية الجهاز الهضمي فزوده بأسنان عظيمة بارزة، قاطعة، وممزقة، وطاحنة.. والعظام في الجسم مغطاة بلحم إلا في الفم حيث يجب أن تكون العظام مكشوفة؟!

وعلم أن تقطيع الطعام وتمزيقه وطحنه وتليينه أمر ضروري لتسهيل انزلاقه في المريء إلى المعدة فخلق العضلات المحركة للأسنان، وخلق ذلك القلاب الخلاط الماهر: ذلك اللسان، وأنشأ تلك الغدد اللعابية التي تسكب في الفم لعاباً، يقوم بجزء من الهضم كما يلين البلعة الغذائية، ويرابط بلزوجته بين أجزائها؟ مَنْ يا ذوي الألباب؟

قال تعالى: "أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ" البلد: 8، 9.

مَنْ خلق ذلك الفم بما فيه من أدوات في مكانه الصحيح بداية الجهاز الهضمي بالمواصفات المناسبة؟ مَنْ يا أولي الأبصار؟!!

*وهيا لنقف قليلاً عند شرطي المرور (لسان المزمار الغلصمة) الذي وقف في الحنجرة لينظم دخول الهواء إلى قصبته، ودخول الطعام إلى المريء، وبغير خلق هذا الشرطي يحدث الخلل في سير الجهاز الهضمي، والجهاز التنفسي، ويموت الإنسان (بشرغة)!!

فمن علم بتلك الحاجة الماسة لتلك الزيادة البارزة من لحم ودم (لسان المزمار الغلصمة) ووضعها في المكان الوحيد في جسم الإنسان الصالح لأداء وظيفتها؟

مَنْ علم ذلك الإنسان حيث لا يزال جنيناً في بطن أمه وأحاط علمه بأن ذلك الجنين سيخرج من ضيق الرحم إلى سعة الأرض، وأنه سيأكل ويتنفس، وأن الأكل والهواء سيمران من مكان واحد، وأنه لابد من إنشاء (لسان المزمار الغلصمة)، ليقوم بتنظيم سير الطعام والهواء فامتدت به قدرته الرحيمة، وأنشأت ذلك الشرطي الماهر من لحم ودم حسب الوصف المطلوب (تركيباً، وحجماً، ووزناً، ووضعاً) في المكان المحدد المطلوب؟

ألا ترى أن ذلك كله قد تم بعلم وتدبير وحكمة، وتقدير دقيق؟ أم أن في عقلك خللاً كخلل عقول عصبية الجاهلية الذين زعموا أن ذلك قد حدث صدفة، ونشأ بدون علم أو فهم لما يقوم به من وظيفة ودور خطير!!

وهل للحم والدم، أو القصبة الهوائية والمريء حكمة أو تدبير، أم أن رحم الأم ، هو صاحب تلك الحكمة البديعة والصنع الحكيم، والتصوير الدقيق، وأنه قد علم بما سيؤول إليه أمر الجنين بعد خروجه منه وعلم بحاجته إلى (لسان المزمار الغلصمة) فأنشأه مقدماً؟!

وهل يصح في الأفهام وصف الرحم بالعلم، والتفكير، والتدبير؟
قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الإنِسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ" الانفطار: 6- 8.

*والمريء قصبة ذات حركات دورية وإفرازات مخاطية، تعمل بإتقان لتسهيل نزول اللقمة البلعة إلى المكان المعد لها في المعدة، فمن ربط هذه القصبة (المريء) بالمعدة؟ ولم يربطها بالكبد المجاور للمعدة أو غدة البنكرياس أو إحدى الرئتين؟ ألا يدل ذلك الربط الهادف أن خالق تلك القصبة خبير بما يخلق؟ وليس في الجلد أو العضلات حركات دورية ومخاط يفرز باستمرار، أما في قصبة المريء من الداخل فذلك موجود لأنه بهذه الحركات الدورية المتجهة إلى المعدة وبتلك الإفرازات المخاطية، تصل البلعة الغذائية بيسر وسهولة.

فهل تم ذلك خبطاً عشوائياً؟ أم أنشئ المريء بعلم وخبرة ليقوم بوظيفة محدودة، وهل حدد المريء لنفسه هذه المهمة؟ وهل له علم أو خبرة أو فكر أو تدبير؟ وهل يقدر أن يغير وظيفته حتى تقول: إن له حرية في ترك أو فعل؟

*وهذه المعدة تفرز (إنزيماً) يذيب اللحم، فمَنْ علم أن لحماً سيأتي إليها فخلق معها تلك الغدد المفرزة لهذا الإنزيم، وهي بعد قطعة صغيرة من ذلك الجنين الذي يصل إليه غذاؤه جارياً ذائباً مهضوماً مع دماء الأم؟ ومع ذلك فالمعدة أيضاً تتكون من لحم.

وإذاً فهذا الإنزيم يشكل تهديداً خطيراً للمعدة نفسها.

فمن الخبير بخصائص هذا الإنزيم الذي صنع حائلاً من غشاء مخاطي بين لحم المعدة المخاطي، من أنشأ هذا الاحتياط العجيب؟

فهل المعدة هي صاحبة هذا التدبير الحكيم، وهل تملك المعدة تفكيراً تحل به المشكلات، وتصمم الاحتياطات، وهل يعي ذلك الغشاء المخاطي دوره؟ أم أنه يقوم به كما حدد له خالقه، لا يملك لنفسه تبديلاً ولا تحويلاً.

أم أن الخبط الأهوج، والصدف العمياء، هي التي حددت الوظائف كل جزء في
الإنسان، ووضعت كل شيء في موضعه المناسب، وأقامت هذا النظام المحكم الدقيق كما يتوهم الكافرون؟
 
 
انظر ما يقول أحد أساطين العلوم الحديثة..
إنه «أ. كريسي موريسون» رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك، وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي بالولايات المتحدة سابقاً في كتابه المترجم إلى العربية «العلم يدعو للإيمان»: فأولاً نضع في هذا المعمل أنواعاً من الطعام كمادة غفل (خام) دون أي مراعاة للمعمل نفسه، أو تفكير في كيفية معالجة كيميا الهضم له! فنحن نأكل شرائح اللحم، والكرنب، والحنطة، والسمك المقلي، وندفعها بأي قدر من الماء.. وقد نضيف إلى كل ذلك كبريتا وعسلاً أسود، كدواء في الربيع.

ومن بين هذا الخليط تختار المعدة تلك الأشياء التي هي ذات فائدة، وذلك بتحطيم كل صنف من الطعام إلى أجزائه الكيماوية، دون مراعاة للفضلات، ويعيد تكوين الباقي إلى بروتينات جديدة تصبح غذاءً لمختلف الخلايا، وتختار أداة الهضم الجير والكبريت واليود، والحديد وكل المواد الأخرى الضرورية وتعنى بعدم ضياع الأجزاء الجوهرية، وبإمكان إنتاج الهرمونات, وبأن تكون جميع الحاجات الحيوية للحياة حاضرة في مقادير منتظمة، ومستعدة لمواجهة كل ضرورة.

وهي تخزن الدهن والمواد الاحتياطية الأخرى، للقاء كل حالة طارئة، مثل الجوع.. وحين تتحلل هذه الأطعمة وتجهز من جديد، تقدم باستمرار إلى كل خلية من بلايين الخلايا، التي تبلغ في العدد أكثر من عدد الجنس البشري كله على وجه الأرض.

ويجب أن يكون التوريد إلى كل خلية فردية مستمراً وأن لا يورد سوى تلك المواد التي تحتاج إليها تلك الخلية المعينة لتحويلها إلى عظام، وأظافر، ولحم، وشعر وعينين، وأسنان، كما تتلقاها الخلية المختصة.

فها هنا إذن معمل كيماوي ينتج عن المواد أكثر مما ينتجه أي معمل ابتكره ذكاء الإنسان.

وها هنا نظام للتوريد أعظم من أي نظام للنقل أو التوزيع عرفه العالم، ويتم كل شيء فيه بمنتهى النظام!.. ومثل هذه المجموعة من المعجزات لا يوجد، ولا يمكن أن يحدث بأي حال، في غيبة الحياة، وكل ذلك يتم في نظام كامل، والنظام مضاد إطلاقاً للمصادفة.

أليس ذلك كله من صنع الخالق؟ بلى.
*والأمعاء الدقيقة تستلم الغذاء من المعدة وبعضه نصف مهضوم كالمواد الزلالية (البروتينات) التي بدأ هضمها في المعدة ولم يتم، فيفرز البنكرياس المادة الكيماوية الوحيدة على وجه الأرض التي تتم هضم المواد الزلالية وتحولها إلى أحماض أمينية.

فمَنْ الذي علم أن الأمعاء التي تخلق الآن في ظلمات الأرحام سيصلها في المستقبل غذاء نصف مهضوم من المواد الزلالية والنشوية، فأقام ترتيبات بين النكرياس وهذه الأمعاء تنظم التعاون بينهما لإكمال هضم المواد الناقصة بواسطة إفراز كيماوي (إنزيم) هو الوحيد الذي يعمل على إتمام الهضم؟ وهل يصدق عاقل إذا قيل له إن ذلك الاستعداد المناسب الذي هيئت به الأمعاء في ظلمات الأرحام قد كان بدون علم أو دراية لما سيأتي من المعدة من غذاء؟ وهل تعي الأمعاء هذا الدور الهام الذي تقوم به في سلسلة ترتيبات محكمة قد صممت لإيصال الغذاء الصالح إلى كل خلية في جسمك؟

*والدم يستلم الغذاء من جدر الأمعاء الدقيقة، حيث الهضم قد تم بعد وصول الغذاء إلى الكبد ولا يأخذه من جدر المعدة مع أن العروق الدموية منتشرة في جدرها أيضاً فهل لدى الدم إدراك بأن الهضم لم يتم بعد، وأن عليه أن ينتظر إتمام الهضم الذي سيتم في الأمعاء الدقيقة؟

وما الذي كان يحدث لو طال انتظار الدم لإتمام الهضم حتى يخرج من فتحة الشرج دون أن يؤخذ منه الغذاء؟ فهل عرف الدم المكان الصحيح للامتصاص فوضع أجهزة الامتصاص في المكان المناسب؟ عجباً!!

وهل للدم تفكير أو تدبير.
وهل يوصف بعقل أو فهم؟ لا شك أن وصف الدم أو طبيعته أو وصف أي جزء من
أجزاء جسم الإنسان أو طبيعته بشيء من هذه الصفات لا يختلف عن وصف الأوثان الصماء بالفهم والإدراك والإرادة، لأن الجميع لا يملك لنفسه تبديلاً ولا تحويلاً.

ولا ضراً ولا نفعاً.

*وتلك العروق الدموية التي تكون أضخم وأعقد شبكة في العالم، مَنْ مدها إلى كل نقطة من الجسم؟ ومن ربطها بمحطة الضخ العاملة المجدة (القلب) وفروعها دون أن ينسى نقطة في الجسم؟ وهل تم مد تلك الشبكة الدموية في أجزاء جسم الإنسان بوعي أو إدراك أم تخبط ومصادفات؟!

وهل تصدق إذا رأيت صورة لهذه الشبكة الدموية وقيل لك: إن هذه الخطوط المترابطة التي تشهدها قد ارتبطت مع بعضها في الصورة بواسطة تفاعلات كيماوية تمت بين الألوان وورق الصورة أو بمصادفات وضعت كل خط في مكانه؟

إن مد شبكة مياه في إحدى القرى يحتاج إلى مهندسين وفنيين فمَنْ مد هذه الشبكة الكبرى إلى كل نقطة في جسمك وأنت لا تزال جنيناً في ظلمات الرحم؟ وهل قام بذلك التوصيل المحكم الدم واللحم في عضلة القلب؟

وهل للدم أو اللحم وعي أو إدراك؟ أم أن ذلك جاء مصادفة؟ وهل يعي الدم لدوره وما يقوم به من أعمال؟ هل يعلم لماذا يدفعه القلب ليدور على كل نقطة في الجسم ولماذا يدور في الرئة فيأخذ منها (الأكسجين) ويلقي فيها (ثاني أكسيد الكربون) ويمر على الكبد فيأخذ منه (الأنسولين) المنظم لتركيز السكر في الجسم، ويمر على الغدد الصماء فيستلم منها إفرازاتها الدقيقة.

ويمر على الأمعاء فيأخذ منها الطعام ويمر على الكلية فيسلمها البول، ويمر على الغدد العرقية فيسلمها العرق لتبريد الجسم عند ارتفاع حرارته ويمر على كل جزء من جسم الإنسان فيعطيه حاجته.

ويأخذ منه ما يجب توصيله من ذلك الجزء إلى أماكن أخرى في الجسم.

فمَنْ جعل هذا السائل الدموي يقوم بوظيفة موزع البريد الماهر؟ ومن حدد له العناوين؟ ومَنْ ربط أعضاء الجسم وأجزاءه به، وألهمها أنه المؤتمن على إفرازاتها، وأنه الأمين الذي سيؤدي دوره، ومن قرر المعاش للدم الذي يمكنه من القيام بعمله؟ وأمده بالقوة المحركة الدائمة؟ ومن صمم القلب في غاية الإحكام ليقوم بتحريك الدم؟ وهل يعرف القلب الدور الخطير الذي يقوم به؟ وهل بيده أن يغير وظيفته؟ وإذن فمَنْ الذي يحركه؟! إنه الله.
يتبع إن شاء الله...