منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 المجلد الثالث

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالأحد 13 مارس 2016, 10:42 pm

التقدير الأول: فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
فإن القسم الأول وإن قاله من قال من الفقهاء فلا يتوجه ههنا لأن هذا الذي قالوه متوجه فيمن أمكنها الطواف ولم تطف والكلام في امرأة لا يمكنها الطواف ولا المقام لأجله وكلام الأئمة والفقهاء هو مطلق كما يتكلمون في نظائره ولم يتعرضوا لمثل هذه الصور التي عمت بها البلوى ولم يكن ذلك في زمن الأئمة بل قد ذكروا أن المكرى يلزمه المقام والاحتباس عليها لتطهر ثم تطوف فإنه كان ممكنا بل واقعا في زمنهم فأفتوا بأنها لا تطوف حتى تطهر لتمكنها من ذلك وهذا لا نزاع فيه ولا إشكال فأما في هذه الأزمان فغير ممكن وإيجاب سفرين كاملين في الحج من غير تفريط من الحاج ولا سبب صدر منه يتضمن إيجاب حجتين إلى البيت والله تعالى إنما أوجب حجة واحدة بخلاف من أفسد الحج فإنه قد فرط بفعل المحظور وبخلاف من ترك طواف الزيارة أو الوقوف بعرفة فإنه لم يفعل ما يتم حجته.

وأما هذه فلم تفرط ولم تترك ما أمرت به فإنها لم تؤمر بما لا تقدر عليه وقد فعلت ما تقدر عليه فهي بمنزلة الجنب إذا عجز عن الطهارة الأصلية والبدلية وصلى حسب حاله فإنه لا اعادة عليه في أصح الأقوال وأيضا فهذه قد لا يمكنها السفر مرة ثانية فإذا قيل إنها تبقي محرمة إلى أن تموت فهذا ضرر لا يكون مثله في دين الإسلام بل يعلم بالضرورة أن الشريعة لا تأتي به.

فصل: التقدير الثاني فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
وأما التقدير الثاني وهو سقوط طواف الإفاضة فهذا مع أنه لا قائل به فلا يمكن القول به فإنه ركن الحج الأعظم وهو الركن المقصود لذاته والوقوف بعرفة وتوابعه مقدمات له.

فصل: التقدير الثالث فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
وأما التقدير الثالث وهو أن تقدم طواف الإفاضة على وقته إذا خشيت لحيض في وقته فهذا لا يعلم به قائل والقول به كالقول بتقديم الوقوف بعرفة على يوم عرفة وكلاهما مما لا سبيل إليه.

فصل: التقدير الرابع فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
وأما التقدير الرابع وهو أن يقال يسقط عنها فرض الحج إذا خشيت ذلك فهذا وإن كان أفقه مما قبله من التقديرات فإن الحج يسقط لما هو دون هذا من الضرر كما لو كان بالطريق أو بمكة خوف أو أخذ خفارة مجحفة أو غير مجحفة على أحد القولين أو لم يكن لها محرم ولكنه ممتنع لوجهين أحدهما أن لازمه سقوط الحج عن كثير من النساء أو أكثرهن فإنهن يخفن من الحيض وخروج الركب قبل الطهر وهذا باطل فإن العبادات لا تسقط بالعجز عن بعض شرائطها ولا عن بعض أركانها وغاية هذه أن تكون عجزت عن شرط أو ركن وهذا لا يسقط المقدور عليه قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ولهذا وجبت الصلاة بحسب الإمكان وما عجز عنه من فروضها أو شروطها سقط عنه والطواف والسعي إذا عجز عنه ماشيا فعله راكبا اتفاقا والصبي يفعل عنه وليه ما يعجز عنه الوجه الثاني أن يقال في الكلام فيمن تكلفت وحجت وأصابها هذا العذر فما يقول صاحب هذا التقدير حينئذ فإما أن يقول تبقى محرمة حتى تعود إلى البيت أو يقول تتحلل كالمحصر وبالجملة فالقول بعدم وجوب الحج على من تخاف الحيض لا يعلم به قائل ولا تقتضيه الشريعة فإنها لا تسقط مصلحة الحج التي هي من أعظم المصالح لأجل العجز عن أمر غايته أن يكون واجبا في الحج أو شرطا فيه فأصول الشريعة تبطل هذا القول.

فصل: التقدير الخامس فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
وأما التقدير الخامس وهي أن ترجع وهي على إحرامها ممتنعة من النكاح والوطء إلى أن تعود في العام المقبل ثم إذا أصابها الحيض رجعت كذلك وهكذا كل عام فمما ترده أصول الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة والإحسان فإن الله لم يجعل على الأمة مثل هذا الحرج ولا ما هو قريب منه>



فصل: التقدير السادس فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
وأما التقدير السادس وهو أنها تتحلل كما يتحلل المحصر فهذا أفقه من التقدير الذي قبله فإن هذه منعها خوف المقام من إتمام النسك فهى كمن منعها عدو عن الطواف بالبيت بعد التعريف ولكن هذا التقدير ضعيف فإن الإحصار أمر عارض للحاج يمنعه من الوصول إلى البيت في وقت الحج وهذه متمكنة من البيت ومن الحج من غير عدو ولا مرض ولا ذهاب نفقة وإذا جعلت هذه كالمحصر أوجبنا عليها الحج مرة ثانية مع خوف وقوع الحيض منها والعذر الموجب للتحلل بالإحصار إذا كان قائما به منع من فرض الحج ابتداء كإحاطة العدو بالبيت وتعذر النفقة وهذه عذرها لا يسقط فرض الحج عليها ابتداء فلا يكون عروضه موجبا للتحلل كالإحصار فلازم هذا التقدير أنها إذا علمت أن هذا العذر يصيبها أو غلب على ظنها أن يسقط عنها فرض الحج فهو رجوع إلى التقدير الرابع.

فصل: التقدير السابع فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
وأما التقدير السابع وهو أن يقال يجب عليها أن تستنيب من يحج عنها إذا خافت الحيض وتكون كالمعضوب العاجز عن الحج بنفسه فما أحسنه من تقدير لو عرف به قائل فإن هذه عاجزة عن إتمام نسكها ولكن هو باطل أيضا فإن المعضوب الذي يجب عليه الاستنابة هو الذي يكون آيسا من زوال عذره فلو كان يرجو زوال عذره كالمرض العارض والحبس لم يكن له أن يستنيب وهذه لا تيأس من زوال عذرها لجواز أن تبقى إلى زمن اليأس وانقطاع الدم أو أن دمها ينقطع قبل سن اليأس لعارض بفعلها أو بغير فعلها فليست كالمعضوب حقيقة ولا حكماً.

فصل: أصح التقديرات فيمن حاضت قبل طواف الإفاضة
فإذا بطلت هذه التقديرات تعين التقدير الثامن وهو أن يقال تطوف بالبيت والحالة هذه وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض والطواف معه وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة بل يوافقها كما تقدم إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه ولا واجب في الشريعة مع عجز ولا حرام مع ضرورة فإن قيل في ذلك محذوران.

المحذور الأول
أحدهما: دخول الحائض المسجد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" فكيف بأفضل المساجد الثاني طوافها في حال الحيض وقد منعها الشارع منه كما منعها من الصلاة فقال اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت فالذي منعها من الصلاة مع الحيض هو الذي منعها من الطواف معه.

فالجواب عن الأول من أربعة أوجه: أحدها:
أن الضرورة تبيح دخول المسجد للحائض والجنب فإنها لو خافت العدو أو من يستكرهها على الفاحشة أو أخذ مالها ولم تجد ملجأ إلا دخول المسجد جاز لها دخوله مع الحيض وهذه تخاف ما هو قريب من ذلك فإنها تخاف إن أقامت بمكة أن يؤخذ مالها إن كان لها مال وإلا أقامت بغربة ضرورة وقد تخاف في إقامتها ممن يتعرض لها وليس لها من يدفع عنها.

الجواب الثاني:
أن طوافها بمنزلة مرورها في المسجد ويجوز للحائض المرور فيه إذا أمنت التلويث وهي في دورانها حول البيت بمنزله مرورها ودخولها من باب وخروجها من آخر فإذا جاز مرورها للحاجة فطوافها للحاجة التي هي أعظم من حاجة المرور أولى بالجواز.

يوضحه الوجه الثالث:
أن دم الحيض في تلويثه المسجد كدم الاستحاضة والمستحاضة يجوز لها دخول المسجد للطواف إذا تلجمت اتفاقا وذلك لأجل الحاجة وحاجة هذه أولى.

يوضحه الوجه الرابع:
أن منعها من دخول المسجد للطواف كمنع الجنب فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّنهما في تحريم المسجد عليهما وكلاهما يجوز له الدخول عند الحاجة وسر المسألة أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تطوفي بالبيت هل ذلك لأن الحائض ممنوعة من المسجد والطواف لا يكون إلا في المسجد أو أن عبادة الطواف لا تصح مع الحيض كالصلاة أو لمجموع الأمرين أو لكل واحد من الأمرين فهذه أربعة تقادير.

فإن قيل بالمعنى الأول لم يمنع صحة الطواف مع الحيض كما قاله أو حنيفة ومن وافقه وكما هو إحدى الروايتين عن احمد وعلى هذا فلا يمتنع الإذن لها في دخول المسجد لهذه الحاجة التي تلتحق بالضرورة ويقيد بها مطلق نهى النبي صلى الله عليه وسلم وليس بأول مطلق قيد بأصول الشريعة وقواعدها وإن قيل بالمعنى الثاني فغايته أن تكون الطهارة شرطا من شروط الطواف فإذا عجزت عنها سقط اشتراطها كما لو انقطع دمها وتعذر عليها الاغتسال والتيمم فإنها تطوف على حسب حالها كما تصلي بغير طهور.

فصل: المحذور الثاني
وأما المحذور الثاني وهو طوافها مع الحيض والطواف كالصلاة فجوابه من وجوه أحدها أن يقال لا ريب أن الطواف تجب فيه الطهارة وستر العورة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "لا يطوف بالبيت عريان وقال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وفي السنن مرفوعا وموقوفا الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير.

ولا ريب أن وجوب الطهارة وستر العورة في الصلاة آكد من وجوبها في الطواف فإن الصلاة بلا طهارة مع القدرة باطلة بالاتفاق وكذلك صلاة العريان وأما طواف الجنب والحائض والمحدث والعريان بغير عذر ففي صحته قولان مشهوران وإن حصل الاتفاق على أنه منهى عنه في هذا الحال بل وكذلك أركان الصلاة وواجباتها آكد من أركان الحج وواجباته فإن واجبات الحج إذا تركها عمدا لم يبطل حجه وواجبات الصلاة إذا تركها عمدا بطلت صلاته وإذا نقص من الصلاة ركعة عمدا لم تصح ولو طاف ستة أشواط صح ووجب عليه دم عند أبي حنيفة وغيره ولو نكس الصلاة لم تصح ولو نكس الطواف ففيه خلاف.

ولو صلى محدثا لم تصح صلاته ولو طاف محدثا أو جنبا صح في أحد القولين وغاية الطواف أن يشبه بالصلاة وإذا تبين هذا فغاية هذه إذا طافت مع الحيض للضرورة أن تكون بمنزلة من طافت عريانة للضرورة فإن نهى الشارع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عن الأمرين واحد بل الستارة في الطواف آكد من وجوه أحدها أن طواف العريان منهى عنه بالقرآن والسنة وطواف الحائض منهى عنه بالسنة وحدها الثاني أن كشف العورة حرام في الطواف وخارجه الثالث أن طواف العريان أقبح شرعا وعقلا وفطرة من طواف الحائض والجنب فإذا صح طوافها مع العري للحاجة فصحة طوافها مع الحيض للحاجة أولى وأحرى ولا يقال فيلزمكم على هذا أن تصح صلاتها وصومها مع الحيض للحاجة.

لأنا نقول هذا سؤال فاسد فإن الحاجة لا تدعوها إلى ذلك بوجه من الوجوه وقد جعل الله سبحانه صلاتها زمن الطهر مغنية لها عن صلاتها في الحيض وكذلك صيامها وهذه لا يمكنها التعويض في حال طهرها بغير البيت وهذا يبين سر المسألة وفقهها وهو أن الشارع قسم العبادات بالنسبة إلى الحائض إلى قسمين قسم يمكنها التعوض عنه في زمن الطهر فلم يوجبه عليها في الحيض بل أسقطه إما مطلقا كالصلاة وإما إلى بدله زمن الطهر كالصوم.

وقسم لا يمكنها التعوض عنه ولا تأخيره إلى زمن الطهر فشرعه لها مع الحيض أيضا كالإحرام والوقوف بعرفة وتوابعه ومن هذا جواز قراءة القرآن لها وهي حائض إذ لا يمكنها التعوض عنها زمن الطهر لأن الحيض قد يمتد بها غالبه أو أكثره فلو منعت من القراءة لفاتت عليها مصلحتها وربما نسيت ما حفظته زمن طهرها وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولى الشافعي والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض من قراءة القرآن وحديث لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن لم يصح فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة وسمعت محمد بن إسماعيل يقول إن إسماعيل بن عياش يروى عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير كأنه يضعف روايته عنهم فيما ينفرد به وقال إنما هو حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام انتهى وقال البخاري أيضا إذا حدث عن أهل بلده فصحيح وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر وقال على بن المديني ما كان أحد أعلم بحديث أهل الشام من إسماعيل بن عياش لو ثبت في حديث أهل الشام ولكنه خلط في حديث أهل العراق.

وحدثنا عنه عبد الرحمن ثم ضرب على حديثه فإسماعيل عندي ضعيف وقال عبد الله بن أحمد عرضت على أبي حديثا حدثناه الفضل بن زياد الضبى حدثنا ابن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فقال أبي هذا باطل يعنى أن إسماعيل وهم وإذا لم يصح الحديث لم يبق مع المانعين حجة إلا القياس على الجنب والفرق الصحيح بينها وبين الجنب مانع من الإلحاق وذلك من وجوه أحدها أن الجنب يمكنه التطهر متى شاء بالماء أو بالتراب فليس له عذر في القراءة مع الجنابة بخلاف الحائض والثاني أن الحائض يشرع لها الإحرام والوقوف بعرفة وتوابعه مع الحيض بخلاف الجنب الثالث أن الحائض يشرع لها أن تشهد العيد مع المسلمين وتعتزل المصلي بخلاف الجنب.

وقد تنازع من حرم عليها القراءة هل يباح لها أن تقرأ بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال على ثلاثة أقوال أحدها المنع مطلقا وهو المشهور من مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد لأنها بعد انقطاع الدم تصير كالجنب الثاني الجواز مطلقا وهو اختيار القاضي أبي يعلى قال وهو ظاهر كلام احمد والثالث إباحته للنفساء وتحريمه على الحائض وهو اختيار الخلال فالأقوال الثلاثة في مذهب احمد فإذا لم تمنع الحائض من قراءة القرآن لحاجتها إليه فعدم منعها في هذه الصورة عن الطواف الذي هي أشد حاجة إليه بطريق الأولى والأحرى.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:22 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالأحد 13 مارس 2016, 10:58 pm

فصل: مناقشة أدلة المانعين
هذا إذا كان المنع من طوافها لأجل المنع من دخول المسجد أو لأجل الحيض ومنافاته للطواف فإن قيل بالتقدير الثالث وهو أنه لمجموع الأمرين بحيث إذا انفرد أحدهما لم يستقل بالتحريم أو بالتقدير الرابع وهو أن كلا منهما علة مستقلة كان الكلام على هذين التقديرين كالكلام على التقديرين الأولين وبالجملة فلا يمتنع تخصيص العلة لفوات شرط أو لقيام مانع وسواء قيل إن وجود الشرط وعدم المانع من أجزاء العلة أو هو أمر خارج عنها فالنزاع لفظي فإن أريد بالعلة التامة فهما من أجزائها وإن أريد بها المقتضية كانا خارجين عنها.

فإن قيل الطواف كالصلاة ولهذا تشترط له الطهارة من الحدث وقد أشار إلى هذا بقوله في الحديث الطواف بالبيت صلاة والصلاة لا تشرع ولا تصح مع الحيض فهكذا شقيقها ومشبهها ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فلم تصح مع الحيض كالصلاة وعكسه الوقوف بعرفة وتوابعه.

فالجواب: أن القول باشتراط طهارة الحدث للطواف لم يدل عليه نص ولا إجماع بل فيه النزاع قديما وحديثا فأبو حنيفة وأصحابه لا يشترطون ذلك وكذلك احمد في إحدى الروايتين عنه قال أبو بكر في الشافي باب في الطواف بالبيت غير طاهر قال أبو عبد الله في رواية أبي طالب لا يطوف أحد بالبيت إلا طاهراً والتطوع أيسر ولا يقف مشاهد الحج إلا طاهراً.

وقال في رواية محمد بن الحكم إذا طاف طواف الزيارة وهو ناس لطهارته حتى رجع فإنه لا شيء عليه واختار له أن يطوف وهو طاهر وقد نص احمد في إحدى الروايتين عنه على أن الرجل إذا طاف جنبا ناسيا صح طوافه ولا دم عليه وعنه رواية أخرى عليه دم وثالثه أنه لا يجزيه الطواف وقد ظن بعض أصحابه أن هذا الخلاف عنه إنما هو في المحدث والجنب فأما الحائض فلا يصح طوافها قولا واحدا قال شيخنا وليس كذلك بل صرح غير واحد من أصحابنا بأن الخلاف عنه في الحيض والجنابة وقال وكلام أحمد يدل على ذلك ويبين انه كان متوقفاً في طواف الحائض وفي طواف الجنب.

قال عبد الملك الميموني في مسائله قلت لأحمد من طاف طواف الواجب على غير وضوء وهو ناس ثم واقع أهله قال أخبرك مسألة فيها وهم مختلفون وذكر قول عطاء والحسن قلت ما تقول أنت قال دعها أو كلمة تشبهها وقال الميموني في مسائله أيضا قلت له من سعى وطاف على غير طهارة ثم واقع أهله فقال لي مسألة الناس فيها مختلفون.

وذكر قول ابن عمر وما يقول عطاء مما يسهل فيها وما يقول الحسن وان عائشة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم حين حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" ثم قال لي ألا إن هذا أمر بليت به نزل عليها ليس من قبلها قلت فمن الناس من يقول عليها الحج من قابل فقال لي نعم كذا أكبر علمي.

قلت ومنهم من يذهب إلى أن عليها دما فذكر تسهيل عطاء فيها خاصة قال لي أبو عبد الله أولا وآخرا هي مسألة مشتبهة فيها موضع نظر فدعني حتى انظر فيها قال ذلك غير مرة ومن الناس من يقول وان رجع إلى بلده يرجع حتى يطوف قلت والنسيان قال والنسيان أهون حكما بكثير يريد أهون ممن يطوف على غير طهارة متعمداً هذا لفظ الميموني.

قلت وأشار أحمد إلى تسهيل عطاء إلى فتواه أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف فإنها تتم طوافها وهذا تصريح منه أن الطهارة ليست شرطا في صحة الطواف وقد قال إسماعيل بن منصور ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء قال حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين فحاضت في الطواف فأتمت بها عائشة بقية طوافها.

هذا والناس إنما تلقوا منع الحائض من الطواف من حديث عائشة وقد دلت أحكام الشريعة على أن الحائض أولى بالعذر وتحصيل مصلحة العبادة التي تفوتها إذا تركتها مع الحيض من الجنب وهكذا إذا حاضت في صوم شهري التتابع لم ينقطع تتابعها بالاتفاق وكذلك تقضي المناسك كلها من أولها إلى آخرها مع الحيض بلا كراهة بالاتفاق سوى الطواف وكذلك تشهد العيد مع المسلمين بلا كراهة بالنص وكذلك تقرأ القرآن إما مطلقا وإما عند خوف النسيان وإذا حاضت وهي معتكفة لم يبطل اعتكافها بل تتمه في رحبة المسجد.

وسر المسألة ما أشار إليه صاحب الشرع بقوله إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم وكذلك قال الإمام أحمد: هذا أمر بليت به نزل عليها ليس من قبلها والشريعة قد فرقت بينها وبين الجنب كما ذكرناه فهي أحق بأن تعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة ناسيا أو ذاكرا فإذا كان فيه النزاع المذكور فهى أحق بالجواز منه فإن الجنب يمكنه الطهارة وهي لا يمكنها فعذرها بالعجز والضرورة أولى من عذره بالنسيان فإن الناسي لما أمر به من الطهارة والصلاة يؤمر بفعله إذا ذكره بخلاف العاجز عن الشرط أو الركن فإنه لا يؤمر بإعادة العبادة معه إذا قدر عليه.

فهذه إذا لم يمكنها إلا الطواف على غير طهارة وجب عليها ما تقدر عليه وسقط عنها ما تعجز عنه كما قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وهذه لا تستطيع إلا هذا وقد أتقت الله ما استطاعت فليس عليها غير ذلك بالنص وقواعد الشريعة والمطلق يقيد بدون هذا بكثير ونصوص أحمد وغيره من العلماء صريحة في أن الطواف ليس كالصلاة في اشتراط الطهارة.

وقد ذكرنا نصه في رواية محمد بن الحكم إذا طاف طواف الزيارة وهو ناس لطهارته حتى رجع فلا شيء عليه واختار له أن يطوف وهو طاهر وإن وطئ فحجه ماض ولا شيء عليه وقد تقدم قول عطاء ومذهب أبى حنيفة صحية الطواف بلا طهارة.

وأيضا فإن الفوارق بين الطواف والصلاة أكثر من الجوامع فإنه يباح فيه الكلام والأكل والشرب والعمل الكثير وليس فيه تحريم ولا تحليل ولا ركوع ولا سجود ولا قراءة ولا تشهد ولا تجب له جماعة وإنما اجتمع هو والصلاة في عموم كونه طاعة وقربة وخصوص كونه متعلقا بالبيت وهذا لا يعطيه شروط الصلاة كما لا يعطيه واجباتها وأركانها.

وأيضا فيقال لا نسلم أن العلة في الأصل كونها عبادة متعلقة بالبيت ولم يذكروا على ذلك حجة واحدة والقياس الصحيح ما تبين فيه أن الوصف المشترك بين الأصل والفرع وهو علة الحكم في الأصل أو دليل العلة فالأول قياس العلة والثاني قياس الدلالة.

وأيضا فالطهارة إنما وجبت لكونها صلاة سواء تعلقت بالبيت أو لم تتعلق ولهذا وجبت النافلة في السفر إلى غير القبلة ووجبت حين كانت مشروعة إلى بيت المقدس ووجبت لصلاة الخوف إذا لم يمكن الاستقبال.

وأيضا فهذا القياس ينتقض بالنظر إلى البيت فإنه عبادة متعلقة بالبيت وأيضا فهذا قياس معارض بمثله وهو أن يقال عبادة من شرطها المسجد فلم تكن الطهارة شرطا فيها كالاعتكاف وقد قال الله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وليس إلحاق الطائفين بالركع السجود أولى من إلحاقهم بالعاكفين بل إلحاقهم بالعاكفين أشبه فإن المسجد شرط في كل منهما بخلاف الركع السجود.

فإن قيل الطائف لا بد أن يصلي ركعتي الطواف والصلاة لا تكون إلا بطهارة قيل وجوب ركعتى الطواف فيه نزاع وإذا قيل بوجوبهما لم تجب الموالاة بينهما وبين الطواف وليس اتصالهما بأعظم من اتصال الصلاة بالخطبة يوم الجمعة ولو خطب محدثا ثم توضأ وصلى الجمعة جاز فجواز طوافه محدثا ثم يتوضأ ويصلى ركعتي الطواف أولى بالجواز وقد نص احمد على انه إذا خطب جنبا جاز.

فصل: الواجب على مَنْ طاف غير طاهر
وإذا ظهر أن الطهارة ليست شرطاً في الطواف فإما أن تكون واجبة وإما أن تكون سنة وهما قولان للسلف والخلف ولكن من يقول هي سنة من أصحاب أبي حنيفة يقول عليها دم وأحمد يقول: ليس عليها دم ولا غيره كما صرح به فيمن طاف جنباً هو ناس قال شيخنا فإذا طافت حائضا مع عدم العذر توجه القول بوجوب الدم عليها وأما مع العجز فهنا غاية ما يقال عليها دم والأشبه انه لا يجب الدم لان الطهارة واجب يؤمر به مع القدرة لا مع العجز.

فإن لزوم الدم إنما يكون مع ترك المأمور أو مع فعل المحظور وهذه لم تترك مأمورا في هذه الحال ولا فعلت محظوراً فإنها إذا رمت الجمرة وقصرت حل لها ما كان محظوراً عليها بالإحرام عير النكاح فلم يبق بعد التحلل الأول محظور يجب بفعله دم وليست الطهارة مأمورا بها مع العجز فيجب بتركها دم.

فإن قيل لو كان طوافها مع الحيض ممكنا أمرت بطواف القدوم وطواف الوداع فلما سقط عنها طواف القدوم والوداع علم أن طوافها مع الحيض غير ممكن.

قيل: لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم اسقط طواف القدوم عن الحائض وأمر عائشة لما قدمت وهي متمتعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة وتحرم بالحج فعلم أن الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد أو للطواف أو لها والمحظورات لا تباح إلا في حالة الضرورة ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد ولا إلى طواف الوادع فإنه ليس من تمام الحج ولهذا لا يودع المقيم بمكة وإنما يودع المسافر عنها فيكون آخر عهده في البيت فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما إما أمر إيجاب فيهما أو في إحداهما أو استحباب كما هي أقوال معروفة وليس واحد منهما ركنا يقف صحة الحج عليه بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه وهذا كما يباح لها الدخول إلى المسجد واللبث فيه للضرورة ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه وان كان منذورا ولو حاضت المعتكفة خرجت من المسجد إلى فنائه فأتمت اعتكافها ولم يبطل.

وهذا يدل على أن منع الحائض من الطواف كمنعها من الاعتكاف وإنما هو لحرمة المسجد لا لمنافاة الحيض لعبادة الطواف والاعتكاف ولما كان الاعتكاف يمكن أن يفعل في رحبة المسجد وفنائه جوز لها إتمامه فيها لحاجتها والطواف لا يمكن إلا في المسجد وحاجتها في هذه الصورة إليه أعظم من حاجتها إلى الاعتكاف بل لعل حاجتها لى ذلك اعظم من حاجتها إلى دخول المسجد واللبث فيه لبرد أو مطر أو نحوه.

وبالجملة فالكلام في هذه الحادثة في فصلين أحدهما في اقتضاء قواعد الشريعة لها لا لمنافاتها وقد تبين ذلك بما فيه كفاية والثاني في أن كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط والوجوب إنما هو في حال القدرة والسعة لا في حال الضرورة والعجز فالإفتاء بها لا ينافي نص الشارع ولا قول الأئمة وغاية المفتى بها انه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته وأصولها ومطلق كلام الأئمة بقواعدهم وأصولهم فالمفتى بها موافق لأصول الشرع وقواعده ولقواعد الأئمة وبالله التوفيق.

فصل: حكم جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد
المثال السابع أن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن خليفته أبي بكر وصدرا من خلافة عمر كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس فروى مسلم في صحيحه عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: "كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضناه عليهم" وفي صحيحه أيضاً عن طاوس أن أبا الصهباء قال لابن عباس: "ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وثلاثاً من إمارة عمر فقال ابن عباس نعم".

وفي صحيحه أيضاً عنه أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة فقال: "قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم" وفي سنن أبي داود عن طاوس أن رجلا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس فقال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنه قال ابن عباس: بلى كان الرجل إذا طلق امرأة ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدراً من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم.

وفي مستدرك الحاكم من حديث عبد الله بن المؤمل عن ابن أبى ملكية أن أبا الجوزاء أتى ابن عباس فقال أتعلم أن الثلاث كن يرددن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى واحدة قال نعم قال الحاكم هذا حديث صحيح وهذه غير طريق طاوس عن أبي الصهباء وقال الإمام أحمد في مسنده ثنا سعد بن إبراهيم ثنا أبي محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف طلقتها" قال: طلقتها ثلاثا قال: فقال: "في مجلس واحد" قال: نعم قالك "فإنما تملك واحدة فأرجعها إن شئت" قال فراجعها فكان ابن عباس يرى أنما الطلاق عند كل طهر.

وقد صحح الإمام أحمد هذا الإسناد وحسنه فقال في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على ابن ابي العاص بمهر جديد ونكاح جديد هذا" حديث ضعيف أو قال واه لم يسمعه الحجاج من عمر بن شعيب وإنما سمعه من محمد بن عبد الله العزرمي والعزرمي لا يساوي حديثه شيئا والحديث الذي رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول وإسناده عنده هو إسناد حديث ركانة بن عبد يزيد هذا وقد قال الترمذي فيه ليس بإسناده بأس فهذا إسناد صحيح عند أحمد وليس به بأس عند الترمذي فهو حجة ما لم يعارضه ما هو أقوى منه فكيف إذا عضده ما هو نظيره أو أقوى منه.

وقال أبو داود حدثنا احمد بن صالح ثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما يغنى عني إلا كما تغنى هذ الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية: فدعا بركانة وإخوته ثم قال لجلسائه: "أترون فلاناً يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلاناً منه كذا وكذا" قالوا: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد: "طلقها" ففعل فقال: "راجع امرأتك أم ركانة وإخوته" فقال: إني طلقتها ثلاثاً يا رسول الله قال: "قد علمت راجعها وتلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ}".

وقال أبو داود حديث نافع بن جبير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده: أن ركانة طلق امرأته فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم أصح لأنهم ولد الرجل وأهله أعلم به وأن ركانة إنما طلق امرأته البتة فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة قال شيخنا رضي الله عنه: وأبو داود لما لم يرو في سننه الحديث الذي في مسند أحمد يعني الذي ذكرناه آنفا فقال حديث ألبتة أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثا لأنهم أهل بيته ولكن الأئمة الأكابر العارفون بعلل الحديث والفقه كالإمام احمد وأبي عبيد والبخاري ضعفوا حديث البتة وبينوا أنه رواية قوم مجاهيل لم تعرف عدالتهم وضبطهم وأحمد أثبت حديث الثلاث وبين انه الصواب وقال حديث ركانة لا يثبت أنه طلق امرأته البتة وفي رواية عنه حديث ركانه في البتة ليس بشيء لأن ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أن ركانة طلق امرأته ثلاثا وأهل المدينة يسمون الثلاث ألبتة قال الأثرم قلت لأحمد حديث ركانة في ألبتة فضعفه.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:23 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالأحد 13 مارس 2016, 11:13 pm

والمقصود:
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يخف عليه أن هذا هو السنة وأنه توسعة من الله لعباده إذ جعل الطلاق مرة بعد مرة وما كان مرة بعد مرة لم يملك المكلف إيقاع امرأته كلها جملة واحدة كاللعان فإنه لو قال أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين كان مرة واحدة ولو حلف في القسامة وقال أقسم بالله خمسين يميناً أن هذا قاتله كان ذلك يميناً واحدة ولو قال المقر بالزنا أنا أقر أربع مرات أني زنيت كان مرة واحدة فمن يعتبر الأربع لا يجعل ذلك إلا إقراراً واحداً.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قال في يومه سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر" فلو قال سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يحصل له هذا الثواب حتى يقولها مرة بعد مرة وكذلك قوله: "مَنْ سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمده ثلاثاً وثلاثين وكبره ثلاثاً وثلاثين" الحديث لا يكون عاملاً به حتى يقول ذلك مرة بعد مرة ولا يجمع الكل بلفظ واحد وكذلك قوله: "مَنْ قال في يومه لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد هو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسى" لا يحصل هذا إلا بقولها مرة بعد مرة وهكذا قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} وهكذا قوله في الحديث: "الاستئذان ثلاث مرات فإن أذن ذلك وإلا فارجع" لو قال الرجل ثلاث مرات هكذا كانت مرة واحدة حتى يستأذن مرة بعد مرة.

وهذا كما أنه في الأقوال والألفاظ فكذلك هو في الأفعال سواء كقوله تعالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} إنما هو مرة بعد مرة وكذلك قول ابن عباس رأى محمد ربه بفؤاده مرتين إنما هو مرة بعد مرة وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فهذا المعقول من اللغة والعرف في الأحاديث المذكورة وهذه النصوص المذكورة وقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} كلها من باب واحد ومشكاة واحدة والأحاديث المذكورة تفسر المراد من قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} كما أن حديث اللعان تفسير لقوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}.

فهذا كتاب الله وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه لغة العرب وهذا عرف التخاطب وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر عمر على هذا المذهب فلو عدهم العاد بأسمائهم واحداً واحداً لوجد أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى وإما بإقرار عليها ولو فرض فيهم من لم يكن يرى ذلك فإنه لم يكن منكراً للفتوى به بل كانوا ما بين مفت ومقر بفتيا وساكت غير منكر.

وهذا حال كل صحابي من عهد الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر وهم يزيدون على الألف قطعا كما ذكره يونس بن بكير عن أبى إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال استشهد من المسلمين في وقعة اليمامة ألف ومائتا رجل منهم سبعون من القراء كلهم قد قرءوا القرآن وتوفي في خلافة الصديق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي بكر قال محمد بن إسحاق فلما أصيب المسلمون من المهاجرين والأنصار باليمامة وأصيب فيهم عامة فقهاء المسلمين وقرائهم فزع أبو بكر إلى القرآن وخاف أن يهلك منه طائفة وكل صحابي من لدن خلافة الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر كان على أن الثلاث واحدة فتوى أو إقراراً أو سكوتاً.

ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه بل لم يزل فيهم من يفتى به قرنا بعد قرن والى يومنا هذا فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة وأفتى أيضا بالثلاث أفتى بهذا وهذا وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام وعبد الرحمن ابن عوف حكاه عنهما ابن وضاح وعن على كرم الله وجهه وابن مسعود روايتان كما عن ابن عباس وأما التابعون فأفتى به عكرمة رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عنه وأفتى به طاوس وأما تابعو التابعين فأفتى به محمد ابن إسحاق حكاه الإمام احمد وغيره عنه.

وأفتى به خلاس بن عمرو والحارث العكلي وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه حكاه عنهم أبو المفلس وابن حزم وغيرهما وأفتى به بعض أصحاب مالك حكاه التلمساني في شرح تفريع ابن الجلاب قولا لبعض الماليكة وأفتى به بعض الحنفية حكاه أبو بكر الرازي عن محمد بن مقاتل وأفتى به بعض أصحاب احمد حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه قال قال وكان الجد يفتى به أحيانا وأما الإمام احمد نفسه فقد قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر واحدة بأي شيء تدفعه قال براوية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه.

ثم ذكر عن عدة عن ابن عباس أنها ثلاث فقد صرح بأنه إنما ترك القول به لمخالفة رواية له وأصل مذهبه وقاعدته التي بنى عليها أن الحديث إذا صح لم يرده لمخالفة رواية له بل الأخذ عنده بما رواه كما فعل في رواية ابن عباس وفتواه في بيع الأمة فأخذ بروايته أنه لا يكون طلاقا وترك رأيه وعلى أصله يخرج له قول إن الثلاث واحدة فإنه إذا صرح بأنه إنما ترك الحديث لمخالفة الراوي وصرح في عدة مواضع أن مخالفة الراوي لا توجب ترك الحديث خرج له في المسألة قولان وأصحابه يخرجون على مذهبه أقوالا دون ذلك بكثير.

والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم ولم يأت بعده إجماع يبطله ولكن رأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم ليعلموا أن أحدهم إذا أوقعه جملة بانت منه المرأة وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة يراد للدوام لا نكاح تحليل فإنه كان من أشد الناس فيه فإذا علموا ذلك كفوا عن الطرق المحرم فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه ورأى أن ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وصدرا من خلافته كان الأليق بهم لأنهم لم يتتابعوا فيه وكانوا يتقون الله في الطلاق وقد جعل الله لكل من اتقاه مخرجا فلما تركوا تقوى الله وتلاعبوا بكتاب الله وطلقوا على غير ما شرعه الله ألزمهم بما التزموه عقوبة لهم.

فإن الله تعالى إنما شرع الطلاق مرة بعد مرة ولم يشرعه كله مرة واحدة فمن جمع الثلاث في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله وظلم نفسه ولعب بكتاب الله فهو حقيق أن يعاقب ويلزم بما التزمه ولا يقر على رخصة الله وسعته وقد صعبها على نفسه ولم يتق الله ولم يطلق كما أمره الله وشرعه له بل استعجل فيما جعل الله له الأناة فيه رحمة منه وإحسانا ولبس على نفسه واختار الأغلظ والأشد فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان وعلم الصحابة رضي الله عنهم حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك فوافقوه على ما ألزم به وصرحوا لمن استفتاهم بذلك فقال عبد الله بن مسعود من أتى الأمر على وجهه فقد بين له ومن لبس على نفسه جعلنا عليه لبسه والله لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله منكم هو كما تقولون فلو كان وقوع الثلاث ثلاثا في كتاب الله وسنة رسوله لكان المطلق قد أتى الأمر على وجهه ولما كان قد لبس على نفسه ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك تلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ولما توقف عبد الله بن الزبير في الإيقاع وقال للسائل إن هذا الأمر مالنا فيه قول فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فلما جاء إليهما قال ابن عباس لأبي هريرة أفته فقد جدءتك معضلة ثم أفتياه بالوقوع.

فالصحابة رضي الله عنهم ومقدمهم عمر بن الخطاب لما رأوا الناس قد استهانوا بأمر الطلاق وأرسلوا ما بأيديهم منه ولبسوا على أنفسهم ولم يتقوا الله في التطليق الذي شرعه لهم وأخذوا بالتشديد على أنفسهم ولم يقفوا على ما حد لهم ألزموهم بما التزموه وأمضوا عليهم ما اختاروه لأنفسهم من التشديد الذي وسع الله عليهم ما شرعه لهم بخلافه ولا ريب أن من فعل هذا حقيق بالعقوبة بأن ينفذ عليه ما أنفذه على نفسه إذ لم يقبل رخصة الله وتيسيره ومهلته ولهذا قال ابن عباس لمن طلق مائة عصيت ربك وبانت منك امرأتك إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا ومن يتق الله يجعل له مخرجا وأتاه رجل فقال إن عمي طلق ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا فقال أفلا تحللها له فقال من يخادع الله يخدعه.

فليتدبر العالم الذي قصده معرفة الحق واتباعه من الشرع والقدر في قبول الصحابة هذه الرخصة والتيسير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقواهم ربهم تبارك وتعالى في التطليق فجرت عليهم رخصة الله وتيسيره شرعا وقدرا فلما ركب الناس الأحموقة وتركوا تقوى الله ولبسوا على أنفسهم وطلقوا على غير ما شرعه الله لهم أجرى الله على لسان الخليفة الراشد والصحابة معه شرعا وقدرا إلزامهم بذلك وإنفاذه عليهم وإبقاء الإصر الذي جعلوه هم في أعناقهم كما جعلوه وهذه أسرار من أسرار الشرع والقدر لا تناسب عقول أبناء الزمن فجاء أئمة الإسلام فمضوا على آثار الصحابة سالكين مسلكهم قاصدين رضاء الله ورسوله وإنفاذ دينه.

فمنهم من ترك القول بحديث ابن عباس لظنه انه منسوخ وهذه طريقة الشافعي قال فإن كان معنى قول ابن عباس إن الثلاث كانت تحسب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة بمعنى أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فالذي يشبه أن يكون ابن عباس قد علم شيئا فنسخ.

فإن قيل فما دل على ما وصفت؟
قيل لا يشبه أن يكون ابن عباس قد يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم يخالفه بشيء ولم يعلمه كان من النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف.

فإن قيل هذا شيء روى عن عمر فقال فيه ابن عباس بقول عمر قيل قد علمنا أن ابن عباس يخالف عمر في نكاح المتعة وبيع الدينار بالدينار وبيع أمهات الأولاد فكيف يوافقه في شيء روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه الأخذ برواية الراوي دون رأيه قال المانعون من لزوم الثلاث النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا ترك الحديث الصحيح المعصوم لمخالفة رواية له فإن مخالفته ليست معصومة وقد قدم الشافعي رواية ابن عباس في شأن بريرة على فتواه التي تخالفها في كون بيع الأمة طلاقها وأخذ هو وأحمد وغيرهما بحديث أبي هريرة من استقاء فعليه القضاء وقد خالفة أبو هريرة وأفتى بأنه لا قضاء عليه وأخذوا برواية ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين" وصح عنه أنه قال ليس الرمل بسنة وأخذوا برواية عائشة في منع الحائض من الطواف وقد صح عنها أن امرأة حاضت وهي تطوف معها فأتمت بها عائشة بقية طوافها رواه سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء فذكره وأخذوا برواية ابن عباس في تقديم الرمي والحلق والنحر بعضها البعض وأنه لا حرج في ذلك وقد أفتى أبن عباس أن فيه وما فلم يلتفتوا إلى قوله وأخذوا بروايته.

وأخذت الحنفية بحديث أبن عباس كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه قالوا وهذا صريح في طلاق المكره وقد صح عن ابن عباس ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق وأخذوا هم والناس بحديث ابن عمر أنه أشترى جملا شاردا بأصح سند يكون وأخذ الحنفية والحنابلة بحديث علي كرم الله وجهه وابن عباس صلاة الوسطى صلاة العصر وقد ثبت عن علي كرم الله وجهه وابن عباس صلاة الصبح واخذ الأئمة الأربعة وغيرهم بخبر عائشة في التحريم بلبن الفحل وقد صح عنها خلافه وأنه كان يدخل عليها من أرضعته بنات إخوتها ولا يدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها وأخذ الحنفية برواية عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين وصح عنها أنها أتمت الصلاة في السفر فلم يدعوا روايتها لرأيها واحتجوا بحديث جابر وأبي موسى في الأمر بالوضوء من الضحك في الصلاة وقد صح عنهما أنهما قالا لا وضوء من ذلك وأخذ الناس بحديث عائشة في ترك إيجاب الوضوء مما مست النار.

وقد صح عن عائشة بأصح إسناد إيجاب الوضوء للصلاة من أكل كل ما مست النار وأخذ الناس بأحاديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة في المسح على الخفين وقد صح عن ثلاثتهم المنع من المسح جملة فأخذوا بروايتهم وتركوا رأيهم واحتجوا في إسقاط القصاص عن الأب بحديث عمر لا يقتص لولد من والده وقد قال عمر: لأقصن للولد من الوالد" فلم يأخذوا برأيه بل بروايته واحتجت الحنفية والمالكية في أن الخلع طلاق بحديثين لا يصحان عن ابن عباس وقد صح عن ابن عباس بأصح إسناد يكون أن الخلع فسخ لا طلاق وأخذت الحنفية بحديث لا يصح بل هو وضع حزام بن عثمان ومبشر بن عبيد الحلبي وهو حديث جابر لا يكون صداق أقل من عشرة دراهم.

وقد صح عن جابر جواز النكاح بما قل أو كثر واحتجوا هم وغيرهم على المنع من بيع أمهات الأولاد بحديث ابن عباس المرفوع وقد صح عنه جواز بيعهن فقدموا روايته التي لم تثبت على فتواه الصحيحة عنه وأخذت الحنابلة وغيرهم بخبر سعيد بن المسيب عن عمر أنه الحق الولد بأبوين وقد خالفه سعيد بن المسيب فلم يعتدوا بخلافه وقد صح عن عمر وعثمان ومعاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج وصح عنهم النهي عن التمتع فأخذ الناس بروايتهم وتركوا رأيهم وأخذ الناس بحديث أبي هريرة في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي هريرة أنه قال: ماءان لا يجزئان في غسل الجنابة ماء البحر وماء الحمام.

وأخذت الحنابلة والشافعية بحديث أبي هريرة في الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب وقد صح عن أبي هريرة ما رواه سعيد بن منصور في سننه أن أبا هريرة سئل عن الحوض يلغ فيه الكلب ويشرب منه الحمار فقال لا يحرم الماء شيء وأخذت الحنفية بحديث على كرم الله وجهه لا زكاة فيما زاد على المائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما مع ضعف الحديث بالحسن بن عمارة وقد صح عن علي كرم الله وجهه أن ما زاد على المائتين ففيه الزكاة بحسابه رواه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عنه.

وهذا باب يطول تتبعه وترى كثيرا من الناس إذا جاء الحديث يوافق قول من قلده وقد خالفه راويه يقول الحجة فيما روى لا في قوله فإذا جاء قول الراوي موافقا لقول من قلده والحديث بخلافه قال لم يكن الراوي يخالف ما رواه إلا وقد صح عنده نسخه وإلا كان قدحا في عدالته فيجمعون في كلامهم بين هذا وهذا بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد وهذا من أقبح التناقض والذي ندين الله به ولا يسعنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان لا راوية ولا غيره.

إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث أو لا يحضره وقت الفتيا أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه ولو قدر انتفاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه لم يكن الراوي معصوما ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:23 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالأحد 13 مارس 2016, 11:53 pm

الحكمة في تغير الفتوى بتغير الأحوال
إذا عرف هذا فهذه المسألة مما تغيرت الفتوى بها بحسب الأزمنة كما عرفت لما رأته الصحابة من المصلحة لأنهم رأوا مفسدة تتابع الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع ولم يكن باب التحليل الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله مفتوحا بوجه ما بل كانوا اشد خلق الله في المنع منه وتوعد عمر فاعله بالرجم وكانوا عالمين بالطلاق المأذون فيه وغيره.

وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروج فيها إلى ربها من مفسدة التحليل وقبح ما يرتكبه المحللون مما هو رمد بل عمى في عين الدين وشجى في حلوق المؤمنين من قبائح تشمت أعداء الدين به وتمنع كثيراً ممن يريد الدخول فيه بسببه بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب ولا يحصرها كتاب يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح ويعدونها من أعظم الفضائح قد قلبت من الدين رسمه وغيرت منه اسمه وضمخ التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل وقد زعم أنه قد طيبها للحليل فيا لله العجب أي طيب اعارها هذا التيس الملعون وأي مصلحة حصلت لها ولمطلقها بهذا الفعل الدون اترى وقوف الزوج المطلق أو الولي على الباب والتيس الملعون قد حل إزارها وكشف النقاب واخذ في ذلك المرتع والزوج أو الولي يناديه لم يقدم إليك هذا الطعام لتشبع فقد علمت أنت والزوجة ونحن والشهود والحاضرون والملائكة الكاتبون ورب العالمين أنك لست معدوداً من الأزواج ولا للمرأة أو أوليائها بك رضا ولا فرح ولا ابتهاج وإنما أنت بمنزلة التيس المستعار للضراب الذي لولا هذه البلوي لما رضينا وقوفك على الباب.

فالناس يظهرون النكاح ويعلنونه فرحاً وسروراً ونحن نتواصى بكتمان هذا الداء العضال ونجعله أمرا مستورا بلا نثار ولا دف ولا خوان ولا إعلان بل التواصي بهس ومس والإخفاء والكتمان فالمرأة تنكح لدينها وحسبها ومالها وجمالها والتيس المستعار لا يسأل عن شيء من ذلك فإنه لا يمسك بعصمتها بل قد دخل على زوالها والله تعالى قد جعل كل واحد من الزوجين سكنا لصاحبه وجعل بينهما مودة ورحمة ليحصل بذلك مقصود هذا العقد العظيم وتتم بذلك المصلحة التي شرعه لأجلها العزيز الحكيم فسل التيس المستعار هل له من ذلك نصيب أو من حكمة هذا العقد ومقصوده ومصلحته أجنبي غريب وسله هل اتخذ هذه المصابة حليلة وفراشاً يأوى إليه.

ثم سلها هل رضيت به قط زوجاً وبعلاً تعول في نوائبها عليه وسل أولى التمييز والعقول هل تزوجت فلانة بفلان وهل يعد هذا نكاحاً في شرع أو عقل أو فطرة إنسان وكيف يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أمته نكح نكاحاً شرعياً صحيحاً ولم يرتكب في عقده محرماً ولا قبيحاً وكيف يشبهه بالتيس المستعار وهو من جملة المحسنين الأبرار وكيف تعير به المرأة طول دهرها بين أهلها والجيران وتظل ناكسة رأسها إذا ذكر ذلك التيس بين النسوان وسل التيس المستعار هل حدث نفسه وقت هذا العقد الذي هو شقيق النفاق بنفقة أو كسوة أو وزن صداق وهل طمعت المصابة منه في شيء من ذلك أو حدثت نفسها به هنالك وهل طلب منها ولداً نجيباً واتخذته عشيراً وحبيباً.

وسل عقول العالمين وفطرهم هل كان خير هذه الامه أكثرهم تحليلا وكان المحلل الذي لعنه الله ورسوله أهداهم سبيلا وسل التيس المستعار ومن ابتليت به هل تجمل أحد منهما بصاحبه كما يتجمل الرجال بالنساء والنساء بالرجال أو كان لأحدهما رغبه في صاحبه بحسب أو مال أو جمال وسل المرأة هل تكره أن يتزوج عليها هذا التيس المستعار أو يتسرى أو تكره أن تكون تحته امرأة غيرها أخرى أو تسأله عن ماله وصنعته أو حسن عشرته وسعة نفقته.

وسل التيس المستعار هل سأل قط عما يسأله عنه من قصد حقيقة النكاح أو يتوسل إلى بيت أحمائه بالهدية والحمولة والنقد الذي يتوسل به خاطب الملاح وسله هل أبو يأخذ أو أبو يعطى وهل قوله عند قراءة أبي جاد هذا العقد خذى نفقة هذا العرس أو حطى.

وسله هل تحمل من كلفة هذا العقد خذي نفقة هذا العرس أو حطى وسله عن وليمة عرسه هل أولم ولو بشاة وهل دعا إليها أحدا من أصحابه فقضى حقه وأتاه وسله هل تحمل من كلفة هذا العقد ما يتحمله المتزوجون أم جاءه كما جرت به عادة الناس الأصحاب والمهنئون وهل قيل له بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية أم لعن الله المحلل والمحلل له لعنة تامة وافية.

فصل: مساوئ التحليل والتشنيع على فاعله
ثم سل من له أدنى اطلاع على أحوال الناس كم من حرة مصونة أنشب فيها المحلل مخالب إرادته فصارت له بعد الطلاق من الأخدان وكان بعلها منفردا بوطئها فإذا هو والمحلل فيها ببركة التحليل شريكان فلعمر الله كم أخرج التحليل مخدرة من سترها إلى البغاء وألقاها بين براثن العشراء والحرفاء ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها وعناق القنا دون عناقها والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها وسل أهل الخبرة كم عقد المحلل على أم وابنتها وكم جمع ماءه في أرحام ما زاد على الأربع وفي رحم الأختين وذلك محرم باطل في المذهبين وهذه المفسدة في كتب مفاسد التحليل لا ينبغي أن تفرد بالذكر وهي كموجة واحدة من الأمواج ومن يستطيع عد أمواج البحر وكم من امرأة كانت قاصرة الطرف على بعلها فلما ذاقت عسيلة المحلل خرجت على وجهها فلم يجتمع شمل الإحصان والعفة بعد ذلك بشملها وما كان هذا سبيله فكيف يحتمل أكمل الشرائع واحكمها تحليله.

فصلوات الله وسلاماً على مَنْ صرح بلعنته وسماه بالتيس المستعار من بين فساق أمته كما شهد به علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وعبد الله بن عباس وأخبر عبد الله بن عمر أنهم كانوا يعدونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً أما ابن مسعود ففي مسند الإمام احمد وسنن النسائي وجامع الترمذي عنه قال لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحلِّل والمُحلَّل له قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال سفيان الثوري حدثني أبو قيس الاودي عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الواشمة والمستوشمة والواصلة والموصولة والمحلل والمحلل له وآكل الربا وموكله" ورواه النسائي والإمام احمد وروى الترمذي عنه لعن المحلل وصححه ثم قال والعمل عليه عنه أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين ورواة الإمام احمد من حديث أبي الواصل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن المحلل والمحلل له".

وفي مسند الإمام احمد والنسائي من حديث الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث عن ابن مسعود قال: "آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا به والواصلة والمستوصلة ولاوي الصدقة والمعتدى فيها والمرتد على عقبيه أعرابياً بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة" وأما حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ففي المسند وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة من حديث الشعبي عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلل له وأما حديث أبي هريرة ففي المسند للإمام احمد ومسند أبي بكر بن أبي شيبة من حديث عثمان بن الأخنس عن المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلل والمحلل له" قال يحيى بن معين عثمان بن الأخنس ثقة والذي رواه عنه عبد الله بن جعفر المخرمي ثقة من رجال مسلم وثقه احمد ويحيى وعلى غيرهم فالإسناد جيد وفي كتاب ألعلل للترمذي ثنا محمد بن يحيى ثنا معلى بن منصور عن عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد الأخنس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له" قال الترمذي سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وعبد الله بن جعفر الخرمي صدوق وعثمان بن محمد الأخنس ثقة وكنت أظن أن عثمان لم يسمع من سعيد المقبري.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا إسناد جيد وأما حديث جابر بن عبد الله ففي جامع الترمذي من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن المحلل والمحلل له" ومجالد وإن كان غيره أقوى منه فحديثه شاهد ومقو وأما حديث عقبة بن عامر ففي سنن ابن ماجة عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له" رواه الحاكم في صحيحه من حديث الليث بن سعد عن مشرح بن عاهان عن عقبة بن عامر فذكره.

وقد أعل هذا الحديث بثلاث علل إحداها ان أبا حاتم البستي ضعف مشرح بن عاهان والعلة الثانية ما حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري فقال سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث عبد الله بن صالح حدثني الليث عن مشرح بن عاهان عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار هو المحلل والمحلل له ولعن الله المحلل والمحلل له" فقال عبد الله بن صالح لم يكن أخرجه في أيامنا ما أرى الليث سمعه من مشرح بن عاهان لأن حيوة يروى عن بكر بن عمرو عن مشرح.

والعلة الثالثة ما ذكرها الجوزجاني في ترجمته فقال كانوا ينكرون على عثمان هذا الحديث إنكارا شديدا فأما العلة الأولى فقال محمد بن عبد الواحد المقدسي مشرح قد وثقه يحيى بن معين في رواية عثمان بن سعيد وابن معين أعلم بالرجال من ابن حبان قلت وهو صدوق عند الحفاظ لم يتهمه أحد ألبتة ولا أطلق عليه أحد من أهل الحديث قط أنه ضعيف ولا ضعفه ابن حبان وإنما يقال يروى عن عقبة بن عامر مناكير لا يتابع عليها فالصواب ترك ما انفرد به وانفرد ابن حبان من بين أهل الحديث بهذا القول فيه وأما العلة الثانية فعبد الله ابن صالح قد صرح بأنه سمعه من الليث وكونه لم يخرجه وقت اجتماع البخاري به لا يضره شيئا وأما قوله إن حيوة يروى عن بكر بن عمرو بن شريح المصري عن مشرح فإنه يريد به أن حيوة من أقران الليث أو أكبر منه وإنما روى عن بكر بن عمرو عن مشرح وهذا تعليل قوى ويؤكده أن الليث قال قال مشرح ولم يقل حدثنا وليس بلازم فإن الليث كان معاصراً لمشرح في بلده وطلب الليث العلم وجمعه لم يمنعه أن لا يسمع من مشرح حديثه عن عقبة بن عامر وهو معه في البلد.

وأما التعليل الثالث فقال شيخ الإسلام إنكار من أنكر هذا الحديث على عثمان غير جيد وإنما هو لتوهم انفراده به عن الليث وظنهم أنه لعله أخطأ فيه حيث لم يبلغهم عن غيره من أصحاب الليث كما قد يتوهم بعض من يكتب الحديث أن الحديث إذا انفرد به عن الرجل من ليس بالمشهور من أصحابه كان ذلك شذوذا فيه وعلة قادحة وهذا لا يتوجه ههنا لوجهين أحدهما أنه قد تابعه عليه أبو صالح كاتب الليث عنه رويناه من حديث أبي بكر القطيعي ثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثني العباس المعروف بأبي فريق ثنا أبو صالح حدثني الليث به فذكره ورواه أيضا الدارقطني في سننه ثنا أبو بكر الشافعي ثنا إبراهيم بن الهيثم أخبرنا أبو صالح فذكره الثاني أن عثمان بن صالح هذا المصري نفسه روى عنه البخاري في صحيحه وروى عنه ابن معين وأبو حاتم الرازي وقال هو شيح صالح سليم التأدية قيل له كان يلقن قال لا ومن كان بهذه المثابة كان ما ينفرد به حجة وإنما الشاذ ما خالف به الثقات لا ما انفرد به عنهم فكيف إذا تابعة مثل أبي صالح وهو كاتب الليث وأكثر الناس حديثاً عنه وهو ثقة أيضاً وإن كان قد وقع في بعض حديثه غلط ومشرح بن عاهان قال فيه ابن معين ثقة وقال فيه الإمام احمد هو معروف فثبت أن هذا الحديث حديث جيد وإسناده حسن انتهى.

وقال الشافعي ليس الشاذ أن ينفرد الثقة عن الناس بحديث إنما الشاذ أن يخالف ما رواه الثقات وأما حديث عبد الله بن عباس فرواه ابن ماجة في سننه عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له" وفي إسناده زمعة بن صالح وقد ضعفه قوم ووثقة آخرون وأخرج له مسلم في صحيحه مقرونا بآخر وعن ابن معين فيه روايتان وأما حديث عبد الله بن عمر ففي صحيح الحاكم من حديث ابن أبي مريم حدثنا أبو غسان عن عمرو بن نافع عن أبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة بينه ليحلها لأخيه هل تحل للأول قال لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وقال سعيد في سننه ثنا محمد بن نشيط البصري قال قال بكر بن عبد الله المزني لعن المحلل والمحلل له وكان يسمى في الجاهلية التيس المستعار وعن الحسن البصري قال كان المسلمون يقولون هذا التيس المستعار.

فصل: رأي الإسلام في التحليل
فسل هذا التيس هل دخل في قوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، وهل دخل في قوله تعالى: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله"، وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"، وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "أربع من سنن المرسلين النكاح والتعطر والختان"، وذكر الرابعة وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني"، وهل دخل في قول ابن عباس: خير هذه الأمة أكثرها نساء"، وهل له نصيب من قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء وذكر الثالث" أم حق على الله لعنته تصديقاً لرسوله فيما أخبر عنه.

وسله هل يلعن الله ورسوله من يفعل مستحباً أو جائزاً أو مكروهاً أو صغيرةً أم لعنته مختصةٌ بمَنْ ارتكب كبيرة أو ما هو أعظم منها كما قال ابن عباس كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو عذاب أو نار فهو كبيرة، وسله هل كان في الصحابة محلل واحد أو أقر رجل منهم على التحليل، وسله لأي شيء قال عمر بن الخطاب لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما، وسله كيف تكون المتعة حراماً نصاً مع أن المستمتع له غرض في نكاح الزوجة إلى وقت لكن لما كان غير داخل على النكاح المؤبد كان مرتكباً للحرام فكيف يكون نكاح المحلل الذي إنما قصده أن يمسكها ساعة من زمان أو دونها ولا غرض له في النكاح ألبتة، بل قد شرط انقطاعه وزواله إذا أخبثها بالتحليل.

فكيف يجتمع في عقل أو شرع تحليل هذا وتحريم المتعة هذا مع أن المتعة أبيحت في أول الإسلام وفعلها الصحابة وأفتى بها بعضهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ونكاح المحلل لم يبح في ملة من الملل قط ولم يفعله أحد من الصحابة ولا أفتى به واحد منهم.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:25 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالإثنين 14 مارس 2016, 12:07 am

الحكمة في جعل الطلقات الثلاث المجموعة طلقة واحدة:
وليس الغرض بيان تحريم هذا العقد وبطلانه وذكر مفاسده وشره فإنه يستدعي سفرا ضخما نختصر فيه الكلام وإنما المقصود أن هذا شأن التحليل عند الله ورسوله وأصحاب رسوله فألزمهم عمر بالطلاق الثلاث إذا جمعوها ليكفوا عنه إذا علموا أن المرأة تحرم به وأنه لا سبيل إلى عودها بالتحليل فلما تغير الزمان وبعد العهد بالسنة وآثار القوم وقامت سوق التحليل ونفقت في الناس فالواجب أن يرد الأمر الى ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته من الإفتاء بما يعطل سوق التحليل أو يقللها ويخفف شرها وإذا عرض على من وفقه الله وبصره بالهدى وفقهه في دينه مسألة كون الثلاث واحدة ومسألة التحليل ووازن بينهما تبين له التفاوت وعلم أي المسألتين أولى بالدين وأصلح للمسلمين.

فهذه حجج المسألتين قد عرضت عليك وقد أهديت إن قبلتها إليك وما أظن عمى التقليد إلا يزيد الأمر على ما هو عليه ولا يدع التوفيق يقودك اختيارا إليه وإنما اشرنا إلى المسألتين إشارة تطلع العالم على ما وراءها وبالله التوفيق.

فصل: منع التحليل بما هو أخف منه ضرراً
فقد تبين لك أمر مسألة من المسائل التي تمنع التحليل أفتى بها المفتي وقد قال بها بعض أهل العلم فهي خير من التحليل حتى لو أفتى المفتي بحلها بمجرد العقد من غير وطء لكان أعذر عند الله من أصحاب التحليل وإن اشترك كل منهما في مخالفة النص فإن النصوص المانعة من التحليل المصرحة بلعن فاعله كثيرة جداً والصحابة والسلف مجمعون عليها والنصوص المشترطة للدخول لا تبلغ مبلغها.

وقد اختلف فيها التابعون فمخالفتها أسهل من مخالفة أحاديث التحليل والحق موافقة جميع النصوص وأن لا يترك منها شيء وتأمل كيف كان الأمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر الصديق من كون الثلاث واحدة والتحليل ممنوع منه ثم صار في بقية خلافة عمر الثلاث ثلاث والتحليل ممنوع منه وعمر من أشد الصحابة فيه وكلهم على مثل قوله فيه ثم صار في هذه الأزمنة التحليل كثيراً مشهوراً والثلاث ثلاثاً.

وعلى هذا فيمتنع في هذه الأزمنة معاقبة الناس بما عاقبهم به عمر من وجهين أحدهما أن أكثرهم لا يعلم أن جمع الثلاث حرام لا سيما وكثير من الفقهاء لا يرى تحريمه فكيف يعاقب من لم يرتكب محرماً عند نفسه.

الثاني أن عقوبتهم بذلك تفتح عليهم باب التحليل الذي كان مسدودا على عهد الصحابة والعقوبة إذا تضمنت مفسدة أكثر من الفعل المعاقب عليه كان تركها أحب إلى الله ورسوله ولو فرضنا أن التحليل مما أباحته الشريعة ومعاذ الله لكان المنع منه إذا وصل الى هذا الحد الذي قد تفاحش قبحه من باب سد الذرائع وتعين على المفتين والقضاة المنع منه جملة وإن فرض أن بعض أفراده جائز إذ لا يستريب أحد في أن الرجوع الى ما كان عليه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وصدر من خلافه عمر أولى من الرجوع إلى التحليل والله الموفق.

فصل: موجبات الأيمان والأقارير والنذور
المثال الثامن مما تتغير به الفتوى لتغير العرف والعادة موجبات الأيمان والإقرار والنذور وغيرها فمن ذلك ان الحالف اذا حلف لا ركبت دابة وكان في بلد عرفهم في لفظ الدابة الحمار خاصة اختصت يمينه به ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل وإن كان عرفهم في لفظ الدابة الفرس خاصة حملت يمينه عليها دون الحمار وكذلك إن كان الحالف ممن عادته ركوب نوع خاص من الدواب كالأمراء ومن جرى مجراهم حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدواب فيفتي في كل بلد بحسب عرف أهله ويفتي كل احد بحسب عادته.

وكذلك إذا حلف لا أكلت رأساً في بلد عادتهم أكل رؤوس الضأن خاصة لم يحنث بأكل رؤوس الطير والسمك ونحوها وإن كان عادتهم أكل رؤوس السمك حنث بأكل رؤوسها وكذلك إذا حلف لا اشتريت كذا ولا بعته ولا حرثت هذه الأرض ولا زرعتها ونحو ذلك وعادته أن لا يباشر ذلك بنفسه كالملوك حنث قطعا بالإذن والتوكيل فيه فإنه نفس ما حلف عليه وإن كان عادته مباشرة ذلك بنفسه كآحاد الناس فان قصد منع نفسه من المباشرة لم يحنث بالتوكيل وان قصد عدم الفعل والمنع منه جملة حنث بالتوكيل وإن أطلق اعتبر سبب اليمين وبساطها وماهيجها وعلى هذا إذا أقر الملك أو أغنى أهل البلد لرجل بمال كثير لم يقبل تفسيره بالدرهم والرغيف ونحوه مما يتمول فإن أقر به فقير يعد عنده الدرهم والرغيف كثيرا قبل منه.

وعلى هذا إذا قيل له جاريتك أو عبدك يرتكبان الفاحشة فقال ليس كذلك بل هما حران لا أعلم عليهما فاحشة فالحق المقطوع به أنهما لا يعتقان بذلك لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى فإنه لم يرد ذلك قطعاً واللفظ مع القرائن المذكورة ليس صريحاً في العتق ولا ظاهراً فيه ولا محتملاً له فإخراج عبده أو أمته عن ملكه بذلك غير جائز.

ومن ذلك ما أخبرني به بعض أصحابنا انه قال لامرأته إن أذنت لك في الخروج إلى الحمَّام فأنتِ طالق فتهيأت للخروج إلى الحمَّام فقال لها أخرجي وأبصري فاستفتى بعض الناس فأفتوه بأنها قد طُلقت منه، فقال للمفتي بأي شيء أوقعت على الطلاق؟ قال بقولك لها أخرجي، فقال إني لم أقل لها ذلك إذناً وإنما قلته تهديداً أي إنك لا يمكنك الخروج، وهذا كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فهل هذا إذن لهم أن يعملوا ما شاءوا؟ فقال لا أدري أنت لفظت بالإذن، فقال له ما أردت الإذن.

فلم يفقه المفتي هذا وغلظ حجابه عن إدراكه وفرق بينه وبين امرأته بما لم يأذن به الله ورسوله ولا أحد من أئمة الإسلام وليت شعري هل يقول هذا المفتى إن قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إذن له في الكفر وهؤلاء أبعد الناس عن الفهم عن الله ورسوله وعن المطلقين مقاصدهم ومن هذا اذا قال العبد لسيده وقد استعمله في عمل يشق عليه أعتقني من هذا العمل فقال أعتقتك ولم ينو إزالة ملكه عنه لم يعتق بذلك وكذلك إذا قال عن امرأته هذه أختي ونوى أختى في الدين لم تحرم بذلك ولم يكن مظاهرا والصريح لم يكن موجبا لحكمه لذاته وإنما أوجبه لأنا نستدل على قصد المتكلم به لمعناه لجريان اللفظ على لسانه اختياراً.

فإذا ظهر قصده بخلاف معناه لم يجز ان يلزم بما لم يرده ولا التزمه ولا خطر بباله بل إلزامه بذلك جناية على الشرع وعلى المكلف والله سبحانه وتعالى رفع المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مكرها لما لم يقصد معناها ولا نواها فكذلك المتكلم بالطلاق والعتاق والوقف واليمين والنذر مكرها لا يلزمه شيء من ذلك لعدم نيته وقصده وقد اتى باللفظ الصريح فعلم أن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به والله تعالى رفع المؤاخذة عمن حدث نفسه بأمر بغير تلفظ أو عمل كما دفعها عمن تلفظ باللفظ من غير قصد لمعناه ولا إرادة ولهذا لا يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقا من غير قصد لفرح أو دهش وغير ذلك.

كما في حديث الفرح الإلهي بتوبة العبد وضرب مثل ذلك بمن فقد راحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة فأيس منها ثم وجدها فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ولم يؤاخذ بذلك وكذلك إذا أخطأ من شدة الغضب لم يؤاخذ بذلك ومن هذا قوله تعالى ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم قال السلف هو دعاء الانسان على نفسه وولده وأهله في حال الغضب ولو استجابه الله تعالى لأهلكه وأهلك من يدعو عليه ولكنه لا يستجيبه لعلمه بأن الداعي لم يقصده لا طلاق لغضبان ومن هذا رفعه صلى الله عليه وسلم حكم الطلاق عمن طلق في إغلاق وقال الامام أحمد في رواية حنبل هو الغضب.

وكذلك فسره ابو داود وهو قول القاضي إسماعيل بن إسحاق أحد أئمة الماليكة ومقدم فقهاء أهل العراق منهم وهي عنده من لغو اليمين أيضا فأدخل يمين الغضبان في لغو اليمين وفي يمين الإغلاق وحكاه شارح أحكام عبد الحق عنه وهو ابن بزيزة الأندلسي قال وهذا قول على وابن عباس وغيرهما من الصحابة إن الأيمان المنعقدة كلها في حال الغضب لا تلزم وفي سنن الدارقطني بإسناد فيه لين من حديث ابن عباس يرفعه لا يمين في غضب ولا عتاق فيما لا يملك وهو وإن لم يثبت رفعه فهو قول ابن عباس وقد فسر الشافعي لاطلاق في اغلاق بالغضب وفسره به مسروق فهذا مسروق والشافعي واحمد وابو داود والقاضي إسماعيل كلهم فسروا الإغلاق بالغضب وهو من أحسن التفسير.

لأن الغضبان غلق عليه باب القصد بشدة غضبه وهو كالمكره بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكره لان المكره قد قصد رفع الشر الكثير بالشر القليل الذي هو دونه فهو قاصد حقيقة ومن هنا أوقع عليه الطلاق من أوقعه وأما الغضبان فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه كانغلاقه عن السكران والمجنون فإن الغضب غول العقل يغتاله كما يغتال الخمر بل أشد وهو شعبة من الجنون ولا يشك فقيه النفس في أن هذا لا يقع طلاقه.

ولهذا قال حبر الأمة الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين إنما الطلاق عن وطر ذكره البخاري في صحيحه أي عن غرض من المطلق في وقوعه وهذا من كمال فقهه رضى الله عنه وإجابة الله دعاء رسوله له إذا الألفاظ إنما يترتب عليها موجباتها لقصد اللافظ بها ولهذا لم يؤاخذنا الله باللغو في أيماننا ومن اللغو ما قالته أم المؤمنين عائشة وجمهور السلف انه قول الحالف لا والله وبلى والله في عرض كلامه من غير عقد اليمين وكذلك لا يؤاخذ الله باللغو في أيمان الطلاق كقول الحالف في عرض كلامه عليَّ الطلاق لا أفعل والطلاق يلزمني لا أفعل من غير قصد لعقد اليمين.

بل إذا كان اسم الرب جل جلاله لا ينعقد به يمين اللغو فيمين الطلاق أولى ألا ينعقد ولا يكون أعظم حرمة من الحلف بالله وهذا أحد القولين من مذهب احمد وهو الصواب وتخريجه على نص احمد صحيح فإنه نص على اعتبار الاستثناء في يمين الطلاق لأنها عنده يمين ونص على ان اللغو ان يقول لا والله وبلى والله من غير قصد لعقد اليمين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم" وصح عنه أنه قال: "أفلح وأبيه إن صدق" ولا تعارض بينهما.

ولم يعقد النبي صلى الله عليه وسلم اليمين بغير الله قط وقد قال حمزة للنبي صلى الله عليه وسلم هل أنتم إلا عبيد لأبي وكان نشوانا من الخمر فلم يكفره بذلك وكذلك الصحابي الذي قرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون وكان ذلك قبل تحريم الخمر ولم يعد بذلك كافرا لعدم القصد وجريان اللفظ على اللسان من غير إرادة لمعناه فإياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته وعرفه فتجنى عليه وعلى الشريعة وتنسب إليها ما هي بريئة منه وتلزم الحالف والمقر والناذر والعاقد ما لم يلزمه الله ورسوله به.

ففقيه النفس يقول ما أردت ونصف الفقيه يقول ما قلت فاللغو في الأقوال نظير الخطأ والنسيان في الأفعال وقد رفع الله المؤاخذة بهذا وهذا كما قال المؤمنون: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فقال ربهم تبارك وتعالى: قد فعلت.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:25 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالخميس 17 مارس 2016, 7:37 am

فصل: كيف يقع الطلاق
ومن هذا الباب اليمين بالطلاق والعتاق فإن إلزام الحالف بهما إذا حنث بطلاق زوجته وعتق عبده مما حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة فلا يحفظ عن صحابي في صيغة القسم إلزام الطلاق به أبداً وإنما المحفوظ إلزام الطلاق بصيغة الشرط والجزاء الذي قصد به الطلاق عند وجود الشرط كما في صحيح البخاري عن نافع قال طلق رجل امرأته ألبتة إن خرجت فقال ابن عمر إن خرجت فقد بانت منه وإن لم تخرج فليس بشيء فهذا لا ينازع فيه إلا من يمنع وقوع الطلاق المعلق بالشرط مطلقا وأما من يفصل بين القسم المحض والتعليق الذي يقصد به الوقوع فإنه يقول بالآثار المروية عن الصحابة كلها في هذا الباب فإنهم صح عنهم الإفتاء بالوقوع في صور وصح عنهم عدم الوقوع في صور والصواب ما أفتوا به في النوعين ولا يؤخذ ببعض فتاويهم ويترك بعضها فأما الوقوع فالمحفوظ عنهم ما ذكره البخاري عن ابن عمر وما رواه الثوري عن الزبير بن عربي عن ابراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه في رجل قال لامرأته إن فعلت كذا وكذا فهى طالق ففعلته قال هي واحدة وهو أحق بها على أنه منقطع وكذلك ما ذكره البيهقي وغيره عن ابن عباس في رجل قال لامرأته هي طالق إلى سنة قال يستمتع بها الى سنة ومن هذا قول أبي ذر لامرأته وقد ألحت عليه في سؤاله عن ليلة القدر فقال إن عدت سألتني فأنت طالق.

وههنا نكتة لطيفة يحسن التنبيه عليها وهى أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وألح عليه حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: في آخر مسألته: "التمسوها في العشر الأواخر ولا تسألني عن شيء بعد هذا" ثم حدث النبي صلى الله عليه وسلم وحدث قال فاهتبلت غفلته فقلت أقسمت عليك يا رسول الله بحقي عليك لتحدثني في أي العشر هي قال فغضب عليَّ غضباً ما غضب على من قبل ولا من بعد ثم قال: "التمسوها في السبع الأواخر ولا تسألني عن شيء بعد" ذكره النسائي والبيهقي فأصاب أبا ذر من امرأته وإلحاحها عليه ما أوجب غضبه وقال إن عدت سألتني فأنت طالق"، فهذه جميع الآثار المحفوظة عن الصحابة في وقوع الطلاق المعلق.

وأما الآثار عنهم في خلافه فصح عن عائشة وابن عباس وحفصة وأم سلمة فيمن حلفت بأن كل مملوك لها حر إن لم تفرق بين عبدها وبين امرأته أنها تكفر عن يمينها ولا تفرق بينهما قال الأثرم في سننه ثنا عارم بن الفضل ثنا معمر بن سليمان قال قال أبي ثنا بكر بن عبد الله قال اخبرني ابو رافع قال قالت مولاتي ليلى بنت العجماء كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدى وهي يهودية وهي نصرانية إن لم تطلق امرأتك أو تفرق بينك وبين امرأتك قال فأتيت زينب بنت أم سلمة كانت إذا ذكرت امرأة بالمدينة فقيهة ذكرت زينب قال فأتيتها فجاءت معي إليها فقالت في البيت هاروت وماروت فقالت يا زينب جعلني الله فداك إنها قالت إن كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدى وهي يهودية وهي نصرانية فقالت يهودية ونصرانية خل بين الرجل وامرأته فأتيت حفصة ام المؤمنين فارسلت إليها فأتتها فقالت يا أم المؤمنين جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدى وهي يهودية ونصرانية فقالت يهودية ونصرانية خل بين الرجل وامرأته قالت فأتيت عبد الله بن عمر فجاء معي إليها فقام معي على الباب فسلم فقالت بيبى أنت وبيبى أبوك فقال أمن حجارة أنت أم من حديد أنت أم أي شيء أنت أفتتك زينب وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي فتياهما فقالت يا أبا عبد الرحمن جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهي يهودية وهي نصرانية فقال يهودية ونصرانية كفرى عن يمينك وخلى بين الرجل وامرأته وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في المترجم له ثنا صفوان بن صالح ثنا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال حدثنى حسن بن الحسن قال حدثني بكر بن عبد الله المزني قال حدثني رفيع قال كنت أنا وامرأتي مملوكين لامرأة من الانصار فحلفت بالهدى والعتاقة أن تفرق بيننا فأتيت امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت لها ذلك فأرسلت إليها أن كفرى عن يمينك فأبت ثم أتيت زينب وأم سلمة فذكرت ذلك لهما فأرسلتا إليها أن كفرى عن يمينك فأبت فأتيت ابن عمر فذكرت له فأرسل إليها ابن عمر أن كفرى عن يمينك فأبت فقام ابن عمر فأتاها فقال أرسلت إليك فلانة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وزينب أن تكفرى عن يمينك فأبيت قالت يا أبا عبد الرحمن إني حلفت بالهدى والعتاقة قال وإن كنت قد حلفت بهما وقال الدارقطني ثنا ابو بكر النيسابوري ثنا محمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري ثنا أشعث ثنا بكر بن عبد الله المزني عن ابي رافع أن مولاة له أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته فقالت هي يوما يهودية ويوما نصرانية وكل مملوك لها حر إن لم تفرق بينهما فسألت عائشة وابن عباس وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم فكلهم قالوا لها أتريدين ان تكفري مثل هاروت وماروت فأمروها أن تكفر عن يمينها وتخلى بينهما.

وقد رواه البيهقي من طريق الانصاري ثنا أشعث ثنا بكر عن ابي رافع ان مولاته ارادت ان تفرق بينه وبين امرأته فقالت هي يوما يهودية ويوما نصرانية وكل مملوك لها حر وكل مال لها في سبيل الله وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما فسألت عائشة وابن عمر وابن عباس وحفصة وام سلمة فكلهم قالوا لها أتريدين تكفري مثل هاروت وماروت وامروها ان تكفر عن يمينها وتخلى بينهما رواه روح والأنصاري واللفظ له وحديث روح مختصر وقال النضر بن شميل ثنا أشعث عن بكر بن عبد الله عن ابي رافع عن ابن عمر وعائشة وأم سلمة في هذه القصة قالوا تكفر يمينها وقال يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي ثنا بكر بن عبد الله عن أبي رافع: أن ليلى بنت العجماء مولاته قالت هي يهودية وهي نصرانية وكل مملوك لها حر وكل مال لها هدى إن لم يطلق امرأته إن لم تفرق بينهما فذكر القصة وقال فأتيت ابن عمر فجاء معي فقام بالباب فلما سلم قالت بأبي انت وابوك فقال أمن حجارة انت أم من حديد أتتك زينب وأرسلت إليك حفصة قالت وقد حلفت بكذا وكذا قال كفرى عن يمينك وخلى بين الرجل وامرأته.

فقد تبين بسياق هذه الطرق انتفاء العلة التي أعل بها حديث ليلى هذا وهي تفرد التيمي فيه بذكر العتق كذا قال الإمام احمد: لم يقل وكل مملوك لها حر الا التيمى وبريء التيمي من عهدة التفرد وقاعدة الإمام أحمد أن ما أفتى به الصحابة لا يخرج عنه إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه فعلى أصله الذي بني مذهبه عليه يلزمه القول بهذا الأثر لصحته وانتفاء علته.

فإن قيل للحديث علة اخرى وهي التي منعت الإمام احمد من القول به وقد أشار اليها في رواية الأثرم فقال الاثرم سمعت أبا عبد الله يقول في حديث ليلى بنت العجماء حين حلفت بكذا وكذا وكل مملوك لها حر فأفتيت بكفارة يمين فاحتج بحديث ابن عمر وابن عباس حين افتيا فيمن حلف بعتق جاريته وأيمان فقال أما الجارية فتعتق.

قلت: يريد بهما ما رواه معمر عن اسماعيل بن امية عن عثمان بن ابي حاضر قال حلفت امرأة من آل ذي أصبح فقالت مالها في سبيل الله وجاريتها حرة إن لم تفعل كذا وكذا لشيء يكرهه زوجها فحلف زوجها أن لا تفعله فسأل عن ذلك ابن عباس وابن عمر فقالا أما الجارية فتعتق وأما قولها مالي في سبيل الله فتتصدق بزكاة مالها فقيل لا ريب أنه قد روى عن ابن عمر وابن عباس.

ذلك ولكنه أثر معلول تفرد به عثمان هذا وحديث ليلى بنت العجماء أشهر إسنادا وأصح من حديث عثمان فإن رواته حفاظ أئمة وقد خالفوا عثمان وأما ابن عباس فقد روى عنه خلاف ما رواه عثمان فيمن حلف بصدقة ماله قال يكفر يمينه وغاية هذا الأثر إن صح أن يكون عن ابن عمر روايتان ولم يختلف على عائشة وزينب وحفصة وأم سلمة قال أبو محمد بن حزم وصح عن ابن عمر وعائشة وام سلمة امي المؤمنين وعن ابن عمر أنهم جعلوا في قول ليلى بنت العجماء كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق امرأتك كفارة يمين واحدة فإذا صح هذا عن الصحابة ولم يعلم لهم مخالف سوى هذا الأثر المعلول أثر عثمان بن أبي حاضر في قول الحالف عبده حر إن فعل انه يجزيه كفارة يمين وإن لم يلزموه بالعتق المحبوب إلى الله تعالى فإن لا يلزموه بالطلاق البغيض الى الله أولى وأحرى كيف وقد أفتى أمير المؤمنين على بن ابي طالب عليه السلام الحالف بالطلاق أنه لا شيء عليه ولم يعرف له في الصحابة مخالف قاله عبد العزيز بن ابراهيم بن احمد بن علي التيمي المعروف بابن بزيزة في شرحه لأحكام عبد الحق

الباب الثالث: في حكم اليمين بالطلاق أو الشك فيه
وقد قدمنا في كتاب الأيمان اختلاف العلماء في اليمين بالطلاق والعتق والمشي وغير ذلك هل يلزم أم لا فقال أمير المؤمنين على كرم الله وجهه وشريح وطاوس لا يلزم من ذلك شيء ولا يقضى بالطلاق على من حلف به بحنث ولا يعرف لعلى في ذلك مخالف من الصحابة هذا لفظه بعينه فهذه فتوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلف بالعتق والطلاق وقد قدمنا فتاويهم في وقوع الطلاق المعلق بالشرط ولا تعارض بين ذلك فإن الحالف لم يقصد وقوع الطلاق وإنما قصد منع نفسه بالحلف مما لا يريد وقوعه فهو كما لو خص منع نفسه بالتزام التطليق والاعتاق والحج والصوم وصدقة المال وكما لو قصد منع نفسه بالتزام ما يكرهه من الكفر فإن كراهته لذلك كله وإخراجه مخرج اليمين بما لا يريد وقوعه منع من ثبوت حكمة وهذه علة صحيحة فيجب طردها في الحلف بالعتق والطلاق إذ لا فرق ألبتة والعلة متى تخصصت بدون فوات شرط أو وجود مانع دل ذلك على فسادها كيف والمعنى الذي منع لزوم الحج والصدقة والصوم بل لزوم الإعتاق والتطليق بل لزوم اليهودية والنصرانية هو في الحلف بالطلاق أولى أما العبادات المالية والبدنية فإذا منع لزومها قصد اليمين وعدم قصد وقوعها فالطلاق أولى وكل ما يقال في الطلاق فهو بعينه في صور الإلزام سواء بسواء وأما الحلف بالتزام التطليق والاعتاق فإذا كان قصد اليمين قد منع ثلاثة أشياء وهي وجوب التطليق وفعله وحصول أثره وهو الطلاق فلأن يقوى على منع واحد من الثلاثة وهو وقوع الطلاق وحده أولى وأحرى وأما الحلف بالتزام الكفر الذي يحصل بالنية تارة وبالفعل تارة وبالقول تارة وبالشك تارة ومع هذا فقصد اليمين منع من وقوعه فلأن يمنع من وقوع الطلاق أولى وأحرى وإذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى الله ويسرى في ملك الغير وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره ويحصل بالملك والفعل قد منع قصد اليمين من وقوعه كما فتى به الصحابة فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع وإذا كانت اليمين بالطلاق قد دخلت في قول الملكف أيمان المسلمين تلزمني عند من ألزمه بالطلاق فدخولها في قول رب العالمين قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم أولى وأحرى وإذا دخلت في قول الحالف إن حلفت يمينا فعبدي حر فدخولها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف علي يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير" أولى وأحرى وإذا دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال إن شاء الله فأن شاء فعل وإن شاء ترك" فدخولها في قوله من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه أولى وأحرى فإن الحديث أصح وأصرح وإذا دخلت في قوله من حلف على يمين فأجره يقتطع بها مال امريء مسلم لقى الله وهو عليه غضبان فدخولها في قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} أولى وأحرى بالدخول أو مثله وإذا دخلت في قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فلو حلف بالطلاق كان موليا فدخولها في نصوص الأيمان أولى وأحرى لأن الإيلاء نوع من اليمين فإذا دخل الحلف بالطلاق في النوع فدخوله في الجنس سابق عليه فإن النوع مستلزم الجنس ولا ينعكس وإذا دخلت في قوله يمينك على ما يصدقك به صاحبك فكيف لا يدخل في بقية نصوص الأيمان وما الذي أوجب هذا التخصيص من غير مخصص وإذا دخلت في قوله إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق فهلا دخلت في غيره من نصوص اليمين وما الفرق المؤثر شرعا او عقلا او لغة وإذا دخلت في قوله واحفظوا أيمانكم فهلا دخلت في قوله ذلك كفارة أيمانكم اذا حلفتم وإذا دخلت في قول الحالف أيمان البيعة تلزمني وهي الأيمان التي رتبها الحجاج فلم لا تكون أولى بالدخول في لفظ الايمان في كلام الله تعالى ورسوله فإن كانت يمين الطلاق يمينا شرعية بمعنى ان الشرع اعتبرها وجب ان تعطى حكم الايمان وان لم تكن يمينا شرعية كانت باطلة في الشرع فلا يلزم الحالف بها شيء كما صح عن طاوس من رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عنه ليس الحلف بالطلاق شيئا وصح عن عكرمة من رواية سنيد بن داود بن علي في تفسيره عنه أنها من خطوات الشيطان لا يلزم بها شيء وصح عن شريح قاضي امير المؤمنين علي وابن مسعود أنها لا يلزم بها طلاق وهو مذهب داود ابن علي وجميع أصحابه وهو قول بعض أصحاب مالك في بعض الصور فيما إذا حلف عليها بالطلاق على شيء لا تفعله هي كقوله إن كلمت فلانا فأنت طالق فقال لا تطلق إن كلمته لأن الطلاق لا يكون بيدها إن شاءت طلقت وإن شاءت أمسكت وهو قول بعض الشافعية في بعض الصور كقوله الطلاق يلزمني او لازم لي لا أفعل كذا وكذا فإن لهم فيه ثلاثة أوجه.

أحدها أنه إن نوى وقوع الطلاق بذلك لزمه وإلا فلا يلزمه وجعله هؤلاء كناية والطلاق يقع بالكناية مع النية الوجه الثاني أنه صريح فلا يحتاج الى نيته وهذا اختيار الروياني ووجهه أن هذا اللفظ قد غلب في إرادة الطلاق فلا يحتاج الى نية الوجه الثالث أنه ليس بصريح ولا كناية ولا يقع به طلاق وإن نواه وهذا اختيار القفال في فتاويه ووجهه ان الطلاق لا بد فيه من إضافته إلى المرأة كقوله أنت طالق أو طلقتك أو قد طلقتك أو يقول امرأتي طالق أو فلانه طالق ونحو هذا ولم توجد هذه الإضافة في قوله الطلاق يلزمني ولهذا قال ابن عباس فيمن قال لامرأته طلقي نفسك فقالت أنت طالق فإنه لا يقع بذلك طلاق وقال خطأ الله نوأها وتبعه على ذلك الأئمة فإذا قال الطلاق يلزمني لم يكن لازما له إلا أن يضيفه الى محله ولم يضفه فلا يقع والموقعون يقولون إذا التزمه فقد لزمه ومن ضرورة لزومه إضافته إلى المحل فجاءت الإضافة من ضرورة اللزوم ولمن نصر قول القفال ان يقول إما ان يكون قائل هذا اللفظ قد التزم التطليق او وقوع الطلاق الذي هو أثره فإن كان الاول لم يلزمه لانه نذر ان يطلق ولا تطلق المرأة بذلك وان كان قد التزم الوقوع فالتزامه بدون سبب الوقوع ممتنع وقوله الطلاق يلزمني التزام لحكمه عند وقوع سببه وهذا حق فأين في هذا اللفظ وجود سبب الطلاق وقوله الطلاق يلزمني لا يصلح ان يكون سببا إذ لم يضف فيه الطلاق إلى محله فهو كما لو قال العتق يلزمني ولم يضف فيه العتق الى محله بوجه ونظير هذا ان يقول له بعنى او آجرني فيقول البيع يلزمني أو الإجارة تلزمني فإنه لا يكون بذلك موجبا لعقد البيع أو الاجارة حتى يضيفهما الى محلهما وكذلك لو قال الظهار يلزمني لم يكن بذلك مظاهرا حتى يضيفه الى محله وهذا بخلاف ما لو قال الصوم يلزمني أو الحج أو الصدقة فإن محله الذمة وقد أضافه إليها.

فإن قيل وههنا محل الطلاق والعتاق الذمة محل الطلاق الزوجة ومحل العتاق العبد:
قيل هذا غلط بل محل الطلاق والعتاق نفس الزوجة والعبد وإنما الذمة محل وجوب ذلك وهو التطليق والاعتاق وحيئذ فيعود الالتزام الى التطليق والإعتاق وذلك لا يوجب الوقوع والذي يوضح هذا أنه لو قال أنا منك طالق لم تطلق بذلك لإضافة الطلاق الى غير محله وقيل تطلق إذا نوى طلاقها هي بذلك تنزيلا لهذا اللفظ منزلة الكنايات فهذا كشف سر هذه المسألة وممن ذكر هذه الاوجه الثلاثة ابو القاسم بن يونس في شرح التنبيه وأكثر أيمان الطلاق بهذه الصيغة فكيف يحل لمن يؤمن بأنه موقوف بين يدى الله ومسئول أن يكفر أو يجهل من يفتى بهذه المسألة ويسعى في قتله وحبسه ويلبس على الملوك والأمراء والعامة أن المسألة مسألة إجماع ولم يخالف فيها أحد من المسلمين وهذه أقوال أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد علم الله ورسوله وملائكته وعباده أن هذه المسألة لم ترد بغير الشكاوي إلى الملوك ودعوى الإجماع الكاذب والله المستعان وهو عند كل لسان قائل وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون.

اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ
وهذا الذي قلناه من اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ وانها لا تلزم بها أحكامها حتى يكون المتكلم بها قاصدا لها مريدا لموجباتها كما أنه لا بد أن يكون قاصدا للتكلم باللفظ مريدا له فلا بد من إرادتين إرادة التكلم باللفظ اختيارا وإرادة موجبه ومقتضاه بل إرادة المعنى آكد من إرادة اللفظ فإنه المقصود واللفظ وسيلة هو قول أئمة الفتوى من علماء الإسلام وقال مالك واحمد فيمن قال أنت طالق ألبتة وهو يريد ان يحلف على شيء ثم بدا له فترك اليمين لا يلزمه شيء لأنه لم يرد ان يطلقها وكذلك قال اصحاب احمد وقال أبو حنيفة من أراد أن يقول كلاما فسبق لسانه فقال أنت حرة لم تكن بذلك حرة وقال اصحاب احمد لو قال الأعجمي لامرأته أنت طالق وهو لا يفهم معنى هذه اللفظة لم تطلق لأنه ليس مختارا للطلاق فلم يقع طلاقه كالمكره قالوا فلو نوى موجبه عند أهل العربية لم يقع ايضا لانه لا يصح منه اختيار ما لا يعلمه وكذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر وفي مصنف وكيع ان عمر بن الخطاب قضى في امرأة قالت لزوجها سمني فسماها الطيبة فقالت لا فقال لها ما تريدين ان اسميك قالت سمني خلية طالق فقال لها فأنت خلية طالق فأتت عمر بن الخطاب فقالت إن زوجي طلقني فجاء زوجها فقص عليه القصة فأوجع عمر رأسها وقال لزوجها خذ بيدها وأوجع رأسها وهذا هو الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان وإن تلفظ بصريح الطلاق وقد تقدم أن الذي قال لما وجد راحلته اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر لكونه لم يرده والمكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته بخلاف المستهزئ والهازل فإنه يلزمه الطلاق والكفر وإن كان هازلا لأنه قاصد للتكلم باللفظ وهزله لا يكون عذرا له بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله أو مأذون له فيه والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا بل صاحبه أحق بالعقوبة ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولم يعذر الهازل بل قال ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم وكذلك رفع المؤاخذة على المخطئ والناسى.

فصل: تعليق الطلاق بالشرط المنوي
ومن ذلك أنه لو قال أنت طالق وقال أردت إن كلمت رجلا أو خرجت من داري لم يقع به الطلاق في احد الوجهين لأصحاب احمد والشافعي وكذلك لو قال أردت إن شاء الله ففيه وجهان لهم ونص الشافعي فيما لو قال إن كلمت زيدا فأنت طالق ثم قال أردت به إلى شهر فكلمة بعد شهر لم تطلق باطنا وفرق بين هذه الصورة والصورتين اللتين قبلها فإن التقييد بالغاية المنوية كالتقييد بالمشيئة المنوية وهو أولى بالجواز من تخصيص العام بالنية كما إذا قال نسائي طوالق واستثنى بقلبه واحدة منهن فإنه إذا صح الاستثناء بالنية في إخراج ما يتناوله اللفظ صح التقييد بالنية بطريق الأولى فإن اللفظ لا دلالة له بوضعه على عموم الأحوال والأزمان ولو دل عليها بعمومه فإخراج بعضها تخصيص للعام وهذا ظاهر جدا وغايته استعمال العام في الخاص أو المطلق في المقيد وذلك غير بدع لغة وشرعا وعرفا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه فالصواب قبول مثل هذا فيما بينه وبين الله وفي الحكم أيضاً.

فصل: الحلف بالطلاق وبالحرام له صيغتان
قد عرف أن الحلف بالطلاق له صيغتان إحداهما إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق والثانية الطلاق يلزمني لا أفعل كذا وأن الخلاف في الصيغتين قديما وحديثا وهكذا الحلف بالحرام له صيغتان إحداهما إن فعلت كذا فأنت على حرام أو ما أحل الله على حرام والثانية الحرام يلزمني لا أفعل كذا فمن قال في الطلاق يلزمني إنه ليس بصريح ولا كناية ولا يقع به شيء ففي قوله الحرام يلزمني أولى ومن قال إنه كناية إن نوى به الطلاق كان طلاقا وإلا فلا فهكذا يقول في الحرام يلزمني ان نوى به التحريم كان كما لو نوى بالطلاق التطليق فكأنه التزم ان يحرم كما التزم ذلك أن يطلق فهذا التزام للتحريم وذاك التزام للتطليق وان نوى به ما حرم الله على يلزمني تحريمه لم يكن يمينا ولا تحريما ولا طلاقا ولا ظهارا ولا يجوز ان يفرق بين المسلم وبين امرأته بغير لفظ لم يوضع للطلاق ولا نواه وتلزمه كفارة يمين حرمة لشدة اليمين إذ ليست كالحلف بالمخلوق التي لا تنعقد ولا هي من لغو اليمين وهي يمين منعقدة ففيها كفارة يمين.

وبهذا أفتى ابن عباس ورفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم فصح عنه بأصح إسناد الحرام يمين يكفرها ثم قال لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

وهكذا حكم قوله إن فعلت كذا فأنت على حرام وهذا أولى بكفارة يمين من قوله أنت علي حرام وفي قوله أنت على حرام أو ما احل الله على حرام أو أنت على حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير مذاهب.

المذهب الأول فيمن قال لزوجته أنت علي حرام
أحدها أنه لغو وباطل ولا يترتب عليه شيء وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وبه قال مسروق وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء والشعبي وداود وجميع أهل الظاهر وأكثر أصحاب الحديث وهو أحد قولى المالكية اختاره اصبغ ابن الفرج.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:26 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالخميس 17 مارس 2016, 7:53 am

وفي الصحيح عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول إذا حرم امرأته فليس بشيء لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وصح عن مسروق أنه قال ما أبالي أحرمت امرأتي أو قصعة من ثريد وصح عن الشعبي في تحريم المرأة لهو أهون على من نعلى وقال أبو سلمة ما أبالي أحرمت امرأتي أو حرمت ماء النهر.

وقال الحجاج بن منهال إن رجلاً جعل امرأته عليه حراماً فسأل عن ذلك حميد بن عبد الرحمن فقال له حميد قال الله تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب وأنت رجل تلعب فاذهب فالعب.

فصل: المذهب الثاني
المذهب الثاني أنها ثلاث تطليقات وهو قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وزيد بن ثابت وابن عمر والحسن البصري ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وقضى فيها أمير المؤمنين على بالثلاث في عدي بن قيس الكلابي وقال له والذي نفسي بيده لئن مسستها قبل ان تتزوج غيرك لأرجمنك وحجة هذا القول أنها لا تحرم عليها إلا بالثلاث فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراما عليه.

المذهب الثالث:
المذهب الثالث أنها بهذا القول حرام عليه صح أيضا عن أبي هريرة والحسن وخلاس بن عمرو وجابر بن زيد وقتادة ولم يذكر هؤلاء طلاقا بل أمروه باجتنابها فقط وصح ذلك ايضا عن علي عليه السلام فإما أن يكون عنه روايتان أو يكون أراد تحريم الثلاث وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ولم يتعرض لعدد الطلاق فحرمت عليه بمقتضى تحريمه.

المذهب الرابع:
المذهب الرابع الوقف فيها صح ذلك عن أمير المؤمنين على أيضا وهو قول الشعبي قال يقول رجال في الحلال حرام إنها حرام حتى تنكح زوجا غيره وينسبونه إلى علي والله ما قال ذلك علي إنما قال ما أنا بمحلها ولا بمحرمها عليك إن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر وحجة هؤلاء أن التحريم ليس بطلاق وهو لا يملك تحريم الحلال وإنما يملك إنشاء السبب الذي يحرم به وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ولا هو مما ثبت له عرف الشرع في تحريم الزوجة فاشتبه الأمر فيه.

المذهب الخامس:
المذهب الخامس إن نوى به الطلاق فهو طلاق وإلا فهو يمين وهذا قول طاوس والزهري والشافعي ورواية عن الحسن وحجة هذا القول أنه كناية في الطلاق فإن نواه به كان طلاقا وإن لم ينوه كان يمينا لقوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}.

المذهب السادس:
المذهب السادس أنه إن نوى بها الثلاث فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى يمينا فهو يمين وإن لم ينو شيئا فهي كذبة لا شيء فيها قاله سفيان وحكاه النخعي عن أصحابه وحجة هذا القول ان اللفظ يحتمل لما نواه من ذلك فيتبع نيته.

المذهب السابع:
المذهب السابع مثل هذا إلا أنه إن لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها وهو قول الأوزاعي وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فإذا نوى به الطلاق لم يكن يمينا فإذا طلق ولم ينو الطلاق كان يميناً.

المذهب الثامن:
المذهب الثامن مثل هذا أيضاً إلا أنه إن لم ينو شيئاً فواحدة بائنة إعمالاً للفظ التحريم.

المذهب التاسع
المذهب التاسع: أن فيه كفارة الظهار وصح ذلك عن ابن عباس أيضا وأبي قلابة وسعيد بن جبير ووهب بن منبة وعثمان التيمي وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد وحجة هذا القول إن الله تعالى جعل تشبيه المرأة بأمه المحرمة عليه ظهارا وجعله منكرا من القول وزورا فإن كان التشبيه بالمحرمة يجعله مظاهرا فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار.

وهذا أقيس الأقوال وافقهها ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحريم والتحليل وإنما ذلك إليه تعالى وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال التي يترتب عليها التحريم والتحليل فالسبب إلى العبد وحكمه إلى الله تعالى فإذا قال أنت على كظهر أمي أو قال أنت على حرام فقد قال المنكر من القول والزور وكذب فإن الله لم يجعلها كظهر أمه ولا جعلها عليه حراما فأوجب عليه بهذا القول من المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار.

المذهب العاشر:
المذهب العاشر أنها تطليقة واحدة وهي أحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وحجة هذا القول أن تطليق التحريم لا يقتضى التحريم بالثلاث بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة فحمل اللفظ عليها لأنها اليقين فهو نظير التحريم بانقضاء العدة.

المذهب الحادي عشر:
المذهب الحادي عشر: أنه ينوي ما أراده من ذلك في إرادة أصل الطلاق وعدده وإن نوى تحريما بغير طلاق فيمين مكفرة وهو قول الشافعي وحجة هذا القول أن اللفظ صالح لذلك كله فلا يتعين واحد منها إلا بالنية فإن نوى تحريما مجردا كان امتناعا منها بالتحريم كامتناعه باليمين ولا تحرم عليه في الموضعين.

المذهب الثاني عشر:
المذهب الثاني عشر انه ينوي أيضا في اصل الطلاق وعدده إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة وإن لم ينو طلاقا فهو مول وإن نوى الكذب فليس بشيء وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وحجة هذا القول احتمال اللفظ لما ذكره إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة لاقتضاء التحريم للبينونة وهي صغرى وكبرى والصغرى هي المتحققة فأعتبرت دون الكبرى وعنه رواية أخرى إن نوى الكذب دين ولم يقبل في الحكم بل يكون موليا ولا يكون مظاهرا عنده نواه أو لم ينوه ولو صرح به فقال أعنى به الظهار لم يكن مظاهراً.

المذهب الثالث عشر:
المذهب الثالث عشر: أنه يمين يكفره ما يكفر اليمين على كل حال صح ذلك أيضا عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابث وابن مسعود وعبد الله بن عمر وعكرمة وعطاء ومكحول وقتادة والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ونافع والأوزاعي وأبي ثور وخلق سواهم وحجة هذا القول ظاهر القرآن فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال فلا بد ان يتناوله يقينا فلا يجوز جعل تحلة الأيمان لغير المذكور قبلها ويخرج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله.

المذهب الرابع عشر
المذهب الرابع عشر أنه يمين مغلظة يتعين فيها عتق رقبة صح ذلك أيضا عن ابن عباس وأبي بكر وعمر وابن مسعود وجماعة من التابعين وحجة هذا القول أنه لما كان يمينا مغلظة غلظت كفارتها بتحتم العتق ووجه تغليظها تضمنها تحريم ما احل الله وليس إلى العبد وقول المنكر والزور ان اراد الخبر فهو كاذب في إخباره معتد في إقسامه فغلظت كفارته بتحتم العتق كما غلظت كفارة الظهار به أو بصيام شهرين أو بإطعام ستين مسكيناً.

المذهب الخامس عشر
المذهب الخامس عشر أنه طلاق ثم إنها إن كانت غير مدخول بها فهو مانواه من الواحدة وما فوقها وان كانت مدخولا بها فهو ثلاث وان نوى اقل منها وهو إحدى الروايتين عن مالك وحجة هذا القول ان اللفظ لما اقتضى التحريم وجب ان يترتب عليه حكمه وغير المدخول بها تحرم بواحدة والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث.

خمسة أقوال للمالكية في هذه المسألة:
وبعد ففي مذهب مالك خمسة أقوال هذا أحدها وهو مشهورها والثاني أنه ثلاث بكل حال نوى الثلاث أو لم ينوها اختارها عبد الملك في مبسوطه والثالث أنه واحدة بائنة مطلقا حكاه ابن خويز منداذ رواية عن مالك الرابع انه واحدة رجعية وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة الخامس أنه ما نواه من ذلك مطلقا سواء قبل الدخول وبعده وقد عرفت توجيه هذه الأقوال.

فصل: مذهب الشافعية
وأما تحرير مذهب الشافعي فإنه إن نوى به الظهار كان ظهارا وإن نوى به التحريم كان تحريما لا يترتب عليه إلا تقدم الكفارة وإن نوى الطلاق كان طلاقا وكان ما نواه وإن أطلق فلأصحابه فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه صريح في إيجاب الكفارة والثاني لا يتعلق به شيء والثالث أنه في حق الأمة صريح في التحريم الموجب للكفارة وفي حق الحرة كناية قالوا لان أصل الآية إنما وردت في الأمة قالوا فلو قال أنت علي حرام وقال أردت بها الظهار والطلاق فقال ابن الحداد يقال له عين أحد الأمرين لأن اللفظة الواحدة لا تصلح للظهار والطلاق معا وقيل يلزمه ما بدأ به منهما قالوا ولو ادعى رجل على رجل حقا فأنكره فقال الحل عليك حرام والنية نيتي لا نيتك مالي عليك شيء فقال الحل على حرام والنية في ذلك نيتك مالك عندي شيء كانت النية نية الحالف لا المحلف لأن النية إنما تكون ممن إليه الإيقاع.

فصل: مذهب الحنابلة
وأما تحرير مذهب الإمام احمد فهو أنه ظهار بمطلقه وإن لم ينوه إلا أن ينوي به الطلاق أو اليمين فيلزمه ما نواه وعنه رواية ثانية أنه يمين بمطلقه إلا أن ينوي به الطلاق أو الظهار فيلزمه ما نواه وعنه رواية ثالثه أنه ظهار بكل حال ولو نوى به الطلاق أو اليمين لم يكن يمينا ولا طلاقا كما لو نوى الطلاق أو اليمين بقوله انت علي كظهر امي فإن اللفظين صريحان في الظهار فعلى هذه الرواية لو وصله بقوله أعنى به الطلاق فهل يكون طلاقا أو ظهارا على روايتين إحداهما يكون ظهارا كما لو قال أنت على كظهر امي أعني به الطلاق أو التحريم إذ التحريم صريح في الظهار والثانيه انه طلاق لانه قد صرح بإرادته بلفظ يحتمله وغايته انه كناية فيه فعلى هذه الرواية ان قال أعني به طلاقا طلقت واحدة وان قال أعني به الطلاق فهل تطلق ثلاثا أو واحدة على روايتين مأخذهما حمل اللام على الجنس أو العموم هذا تحرير مذهبه وتقريره.

مذهب ابن تيمية:
وفي المسألة مذهب آخر وراء هذا كله وهو انه ان أوقع التحريم كان ظهارا ولو نوى به الطلاق وان حلف به كان يمينا مكفرة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وعليه يدل النص والقياس فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكرا من القول وزورا وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرمة وإذا حلف به كان يمينا من الأيمان كما لو حلف بالتزام العتق والحج والصدقة وهذا محض القياس والفقه ألا ترى أنه إذا قال لله على أن أعتق أو أحج أو اصوم لزمه ولو قال إن كلمت فلانا فالله على ذلك على وجه اليمين فهو يمين وكذلك لو قال هو يهودي أو نصراني كفر بذلك ولو قال إن فعلت كذلك فهو يهودي أو نصراني كان يمينا وطرد هذا بل نظيره من كل وجه أنه إذا قال أنت على كظهر امي كان ظهارا فلو قال ان فعلت كذا فأنت على كظهر امي كان يمينا وطرد هذا أيضا اذا قال انت طالق كان طلاقا وان قال ان فعلت كذا فانت طالق كان يمينا فهذه هي الأصول الصحيحة المطردة المأخوذة من الكتاب والسنة والميزان وبالله التوقيق.

فصل: أيمان البيعة
ومن هذه الالتزامات التي لم يلزم بها الله ولا رسوله لمن حلف بها الأيمان التي رتبها الفاجر الظالم الحجاج بن يوسف وهي أيمان البيعة.

بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للناس
وكانت البيعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصافحة وبيعة النساء بالكلام وما مست يده الكريمة صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا يملكها فيقول لمن يبايعه بايعتك أو أبايعك على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره كما في الصحيحين عن ابن عمر كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيقول فيما استطعت وفي صحيح مسلم عن جابر: "كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت".

وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا تأخذنا في الله لومة لائم"
وفي الصحيحين أيضا عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ننتفع به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وكان فيما اخذ علينا ان بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان".

وفي الصحيحين عن عائشة قالت: كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} إلى آخر الآية قالت عائشة: فمن أقرت بهذا من المؤمنات فقد أقرت بالمحنة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلقن فقد بايعتكن" ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام.

قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً.

فهذه هي البيعة النبوية التي قال الله عز وجل فيها: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} وقال فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}.

الحجاج الثقفي
وأيمان البيعة فأحدث الحجاج في الإسلام بيعة غير هذه تتضمن اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال والحج فاختلف علماء الإسلام في ذلك على عدة أقوال ونحن نذكر تحرير هذه المسألة وكشفها فإن كان مراد الحالف بقوله: "أيمان البيعة تلزمني البيعة النبوية التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عليها أصحابه لم يلزمه الطلاق والإعتاق ولا شيء مما رتبه الحجاج وإن لم ينو تلك البيعة ونوى البيعة الحجاجية فلا يخلو إما ان يذكر في لفظه طلاقا أو عتاقا أو حجا أو صدقة أو يمينا بالله أو لا يذكر شيئا من ذلك فإن لم يذكر في لفظه شيئا فلا يخلو إما أن يكون عارفا بمضمونها أو لا وعلى التقديرين فإما ان ينوي مضمونها كله أو بعض ما فيها أو لا ينوى شيئا من ذلك تقاسيم هذه المسألة.

مذهب الشافعية:
فقال الشافعي واصحابه ان لم يذكر في لفظه طلاقها أو عتاقها أو حجها أو صدقتها لم يلزمه شيء نواه أو لم ينوه إلا ان ينوى طلاقها أو عتاقها فاختلف أصحابه فقال العراقيون يلزمه الطلاق والعتاق فإن اليمين بهما تنعقد بالكناية مع النية وقال صاحب التتمة لا يلزمه ذلك وإن نواه مالم يتلفظ به لأن الصريح لم يوجد والكناية إنما يترتب عليها الحكم فيما يتضمن الإيقاع فأما الالتزام فلا ولهذا لم يجعل الشافعي الإقرار بالكناية مع النية إقرارا لأنه التزام ومن ههنا قال من قال من الفقهاء كالقفال وغيره اذا قال الطلاق يلزمني لا أفعل لم يقع به الطلاق وان نواه لأنه كناية والكناية إنما يترتب عليها الحكم في غير الالتزامات ولهذا لا تنعقد اليمين بالله بالكناية مع النية.

مذهب الحنابلة:
وأما أصحاب أحمد فقد قال أبو عبد الله بن بطة كنت عند أبي القاسم الخرقي وقد سأله رجل عن أيمان البيعة فقال لست أفتي فيها بشيء ولا رأيت أحدا من شيوخنا يفتي فيها بشيء قال وكان أبي رحمه الله يعني أبا على يهاب الكلام فيها ثم قال أبو القاسم إلا ان يلتزم الحالف بها جميع ما فيها من الايمان فقال له السائل عرفها ام لم يعرفها قال نعم ووجه هذا القول أنه بالتزامه لموجبها صار ناويا له مع التلفظ وذلك مقتضى اللزوم ومتى وجد سبب اللزوم والوجوب ثبت موجبه وان لم يعرفه كما لو قال ان شفى الله مريضى فثلث مالى صدقة أو أوصى به ولم يعرفه أو قال انا مقر بما في هذا الكتاب وإن لم يعرفه أو قال ما أعطيت فلانا فأنا ضامن له أو مالك عليه فأنا ضامنه صح ولزمه وان لم يعرفه أو قال ضمان عهدة هذا المبيع على صح ولزمه وان لم يعرفه.

وقال أكثر أصحابنا منهم صاحب المغني وغيره إن لم يعرفها لم تنعقد يمينه بشيء مما فيها لأنها لسيت بصريحة في القسم والكناية لا يترتب عليها مقتضاها إلا بالنية فمن لم يعرف شيئا لم يصح ان ينويه قالوا وإن عرفها ولم ينو عقد اليمين بما فيها لم تصح أيضا لانها كناية فلا يلزم حكمها إلا بالنية وان عرفها ونوى اليمين بما فيها صح في الطلاق والعتاق لأن اليمين بهما تنعقد بالكناية دون غيرهما لأنها لا تنعقد بالكناية.

وقال طائفة من أصحابنا تنعقد في الطلاق والعتاق وصدقة المال دون اليمين بالله تعالى فإن الكفارة إنما وجبت فيها لما اشتملت عليه من حرمة الاسم المعظم الذي تعظيمه من لوازم الايمان وهذا لا يوجد فيما عداه من الايمان.

فصل: مذهب المالكية
وأما أصحاب مالك فليس عن مالك ولا عن أحد من قدماء أصحابه فيها قول واختلف المتأخرون فقال ابو بكر بن العربي أجمع هؤلاء المتأخرون على أنه يحنث فيها بالطلاق في جميع نسائه والعتق في جميع عبيده وإن لم يكن له رقيق فعليه عتق رقبة واحدة والمشي إلى مكة والحج ولو من أقصى المغرب والتصدق بثلث جميع أمواله وصيام شهرين متتابعين ثم قال جل الاندلسيين إن كل امرأة له تطلق ثلاثا ثلاثا وقال القرويون إنما تطلق واحدة واحدة وألزمه بعضهم صوم سنة إذا كان معتادا للحلف بذلك فتأمل هذا التفاوت العظيم بين هذا القول وقول أصحاب الشافعي.

فصل: الحلف بأيمان المسلمين والأيمان اللازمة
وهكذا اختلافهم فيما لو حلف بأيمان المسلمين أو بالأيمان اللازمة أو قال جميع الأيمان تلزمني أو حلف بأشد ما اخذ احد على احد قالت المالكية أنما ألزمناه بهذه المذكورات دون غيرها من كسوة العريان وإطعام الجياع والاعتكاف وبناء الثغور ونحوها ملاحظة لما غلب الحلف به عرفا فألزمناه به لأنه المسمى العرفي فيقدم على المسمى اللغوي واختص حلفه بهذه المذكورات دون غيرها لأنها هي المشتهرة ولفظ الحلف واليمين إنما يستعمل فيها دون غيرها وليس المدرك أن عادتهم أنهم يفعلون مسمياتها وأنهم يصومون شهرين متتابعين أو يحجون بل غلبة استعمال الألفاظ في هذه المعاني دون غيرها قالوا وقد صرح الأصحاب بأنه من كثرت عادته بالحلف بصوم سنة لزمه صوم سنة فجعلوا المدرك الحلف اللفظي دون العرفي النقلى قالوا وعلى هذا لو اتفق في وقت آخر انه اشتهر حلفهم ونذرهم بالاعتكاف والرباط واطعام الجائع وكسوة العريان وبناء المساجد دون هذه الحقائق المتقدم ذكرها لكان اللازم لهذا الحالف إذا حنث الاعتكاف وما ذكر معه دون ما هو مذكور قبلها لأن الأحكام المترتبة على القرائن تدور معها كيفما دارت وتبطل معها اذا بطلت كالعقود في المعاملات والعيوب في الاعواض في المبايعات ونحو ذلك فلو تغيرت العادة في النقد والسكة إلى سكة اخرى لحمل الثمن في المبيع عند الاطلاق على السكة والنقد المتجدد دون ما قبله كذلك إذا كان الشيء عيبا في العادة رد به المبيع فإن تغيرت العادة بحيث لم يعد عيبا لم يرد به المبيع قالوا وبهذا تعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد وهذا مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه وان وقع الخلاف في تحقيقه هل وجد ام لا قالوا وعلى هذا فليس في عرفنا اليوم الحلف بصوم شهرين متتابعين فلا تكاد تجد أحدا يحلف به فلا تسوغ الفتيا بإلزامه قالوا وعلى هذا أبدا تجيء الفتاوي في طول الأيام فمهما تجدد في العرف فاعتبره ومهما سقط فألغه ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك وسله عن عرف بلده فأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمذكور في كتبك قالوا فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين قالوا وعلى هذه القاعدة تخرج أيمان الطلاق والعتاق وصيغ الصرائح والكنايات فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية وقد تصير الكناية صريحا تستغنى عن النية قالوا وعلى هذه القاعدة فاذا قال ايمان البيعة تلزمني خرج ما يلزمه على ذلك وما جرت به العادة في الحلف عند الملوك المعاصرة إذا لم يكن له نية فأي شيء جرت به عادة ملوك الوقت في التحليف به في بيعتهم واشتهر ذلك عند الناس بحيث صار عرفا متبادرا إلى الذهن من غير قرينة حملت يمينه عليه فإن لم يكن شيء من ذلك اعتبرت نيته أو بساط يمينه فإن لم يكن شيء من ذلك فلا شيء عليه انتهى.

وهذا محض الفقه ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم واحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل اضر ما على أديان الناس وابدانهم والله المستعان.

آراء أخر في الحلف بالأيمان اللازمة:
ولم يكن الحلف بالايمان معتادا على عهد السلف الطيب بل هي من الأيمان الحادثة المبتدعة التي أحدثها الجهلة الأول ولهذا قال جماعة من أهل العلم إنها من الأيمان اللاغية التي لا يلزم بها شيء ألبتة أفتى بذلك جماعة من العلماء ومن متأخري من أفتى بها تاج الدين أبو عبد الله الارموي صاحب كتاب الحاصل قال ابن بزيزة في شرح الأحكام سأله عنها بعض أصحابنا فكتب له بخطه تحت الاستفتاء هذه يمين لاغية لا يلزم فيها شيء ألبتة وكتب محمد الارموي قال ابن بزيزة وقفت على ذلك بخطه وثبت عندي انه خطه ثم قال وقال جماعة من العلماء لا يلزم فيها شيء سوى كفارة اليمين بالله تعالى بناء على ان لفظ اليمين لا ينطلق إلا على اليمين بالله تعالى وما عداه التزامات لا أيمان قال والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" والقائلون بأن فيها كفارة يمين اختلفوا هل تتعدد فيها كفارة اليمين بناء على أقل الجمع أو ليس عليه إلا كفارة واحدة لانها إنما خرجت مخرج اليمين الواحدة.

كما أفتى به أبو عمر ابن عبدالبر وابو محمد بن حزم وقد كان ابو عمر يفتى بأنه لا شيء فيها ألبتة حكاه عنه القاضي ابو الوليد الباجي وعاب عليه ذلك قال ومن العلماء من رأى أنه يختلف بحسب اختلاف الأحوال والمقاصد والبلاد فمن حلف بها قاصدا للطلاق اوالعتاق لزمه ما ألزمه نفسه ومن لم يعلم بمقتضى ذلك ولم يقصده ولم يقيده العرف الغالب الجاري لزمه فيها كفارة ثلاثة أيمان بالله بناء على ان اقل الجمع ثلاثة وبه كان يفتى ابو بكر الطرطوشي ومن بعده من شيوخنا الذين حملنا عنهم ومن شيوخ عصرنا من كان يفتى بها بالطلاق الثلاث بناء على انه العرف المستمر الجاري الذي حصل علمه والقصد إليه عند كل حالف بها ثم ذكر اختلاف المغاربة هل يلزم فيها الطلاق الثلاث أو الواحدة ثم قال والمعتمد عليه فيها الرجوع إلى عرف الناس وما هو المعلوم عندهم في هذه الايمان فإذا ثبت فيها عندهم شيء وقصدوه وعرفوه واشتهر بينهم وجب ان يحملوه عليه ومع الاحتمال يرجع إلى الاصل الذي هو اليمين بالله إذ لا يسمى غير ذلك يمينا فيلزم الحالف بها كفارة ثلاثة أيمان قال وعلى هذا كان يقول أهل التحقيق والإنصاف من شيوخنا.

قلت ولإجزاء الكفارة الواحدة فيها مدرك آخر أفقه من هذا وعليه تدل فتاوي الصحابة رضي الله عنهم صريحا في حديث ليلى بنت العجماء المتقدم وهذه الالتزامات الخارجة مخرج اليمين إنما فيها كفارة يمين بالنص والقياس واتفاق الصحابة كما تقدم فموجبها كلها شيء واحد ولو تعدد المحلوف به وصار هذا نظير ما لو حلف بكل سورة من القرآن على شيء واحد فعليه كفارة يمين لاتحاد الموجب وإن تعدد السبب ونظيره ما لو حلف بأسماء الرب تعالى وصفاته فكفارة واحدة فإذا حلف بأيمان المسلمين أو الايمان كلها أو الأيمان اللازمة أو أيمان البيعة أو بما يحلف به المسلمون لم يكن ذلك بأعظم مما لو حلف بكل كتاب أنزله الله أو بكل اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله فإذا أجزأ في هذه كفارة يمين مع حرمة هذه اليمين وتأكدها فلان تجزيء الكفارة في هذه الايمان بطريق الأولى والأحرى ولا يليق بهذة الشريعة الكاملة الحكيمة التي لم يطرق العالم شريعة اكمل منها غير ذلك وكذلك افتى به افقه الامة وأعلمهم بمقاصد الرسول ودينه وهم الصحابة واختلف الفقهاء بعدهم فمنهم من يلزم الحالف بما التزمه من جميع الالتزامات كائنا ما كان ومنهم من لا يلزمه بشئ منها ألبتة لانها أيمان غير شرعية ومنهم من يلزمه الطلاق والعتاق ويخيره في الباقي بين التكفير والالتزام ومنهم من يحتم عليه التكفير ومنهم من يلزمه بالطلاق وحده دون ما عداه ومنهم من يلزمه بشرط كون الصيغة شرطا فإن كانت صيغة التزام فيمين كقوله الطلاق يلزمني لم يلزمه بذلك ومنهم من يتوقف في ذلك ولا يفتى فيه بشيء فالأول قول مالك وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة والثاني قول اهل الظاهر وجماعة من السلف والثالث قول احمد بن حنبل والشافعي في ظاهر مذهبه وابي حنيفة في إحدى الروايتين عنه ومحمد بن الحسن والرابع قول بعض اصحاب الشافعي ويذكر قولا له ورواية عن احمد والخامس قول أبي ثور وابراهيم بن خالد والسادس قول القفال من الشافعية وبعض أصحاب أبي حنيفة ويحكى عنه نفسه والسابع قول جماعة من أهل الحديث وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح وافقه واقرب هذه الاقوال إلى الكتاب والسنة وبالله التوفيق.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:27 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالخميس 17 مارس 2016, 8:04 am

فصل: تأجيل جزء من المهر وحكم المؤجل
المثال التاسع: الالزام بالصداق الذي اتفق الزوجان على تأخير المطالبة به وان لم يسميا أجلا بل قال الزوج مائة مقدمة ومائة مؤخرة فان المؤخر لا يستحق المطالبة به إلا بموت أو فرقة هذا هو الصحيح وهو منصوص أحمد فإنه قال في رواية جماعة من أصحابه إذا تزوجها على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة واختاره قدماء شيوخ المذهب والقاضي ابو يعلى وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو قول النخعي والشعبي والليث بن سعد وله فيه رسالة كتبها إلى مالك ينكر عليه خلاف هذا القول سنذكرها بإسنادها ولفظها وقال الحسن وحماد ابن أبي سليمان وابو حنيفة وسفيان الثوري وابو عبيدة يبطل الآجل لجهالة محله ويكون حالا وقال إياس بن معاوية يصح الأجل ولا يحل الصداق إلا ان يفارقها أو يتزوج عليها أو يخرجها من بلدها فلها حينئذ المطالبة به وقال مكحول والاوزاعي يحل بعد سنة من وقت الدخول وقال الشافعي وابو الخطاب تفسد التسمية ويجب مهر المثل لجهالة العوض بجهالة اجله فترجع إلى مهر المثل وأما مذهب مالك فقال عبد الملك كان مالك واصحابه يكرهون ان يكون شيء من المهر مؤخرا وكان مالك يقول انما الصداق فيما مضى ناجز كله فإن وقع منه شيء مؤخرا فلا أحب أن يطول الأجل في ذلك وحكى عن ابن القاسم تأخيره إلى السنتين والاربع وعن ابن وهب إلى السنة وعنه ان زاد الأجل على اكثر من عشرين سنة فسخ وعن ابن القاسم إذا جاوز الاربعين فسخ وعنه إلى الخمسين والستين حكى ذلك كله فضل بن سلمة عن ابن المواز ثم قال لأن الأجل الطويل مثل ما لو تزوجها إلى موت أو فراق قال عبدالملك وقد اخبرني اصبغ انه شهد ابن وهب وابن القاسم تذاكرا الأجل في ذلك فقال ابن وهب أرى فيه العشرين فدون فما جاوز ذلك فمفسوخ فقال له ابن القاسم وأنا معك على هذا فأقام ابن وهب على رأيه ورجع ابن القاسم فقال لا افسخه إلى اربعين وأفسخه فيما فوق ذلك فقال أصبغ وبه آخذ ولا أحب ذلك ندبا إلى العشر ونحوها وقد شهدت أشهب زوج ابنته وجعل مؤخر مهرها إلى اثنتي عشرة سنة قال عبد الملك وما قصر من الأجل فهو افضل وان بعد لم أفسخه إلا ان يجاوز ما قال ابن القاسم وان كانت الأربعون في ذلك كثيرة جدا قال عبد الملك وان كان بعض الصداق مؤخرا إلى غير أجل فإن مالكا كان يفسخه قبل البناء ويمضيه بعده ويرد المرأة إلى صداق مثلها معجلا كله إلا ان يكون صداق مثلها اقل من المعجل فلا ينقص منه أو اكثر من المعجل والمؤجل فيوفى تمام ذلك إلا ان يرضى الناكح بأن يجعل المؤخر معجلا كله مع النقد فيمضى النكاح ولا يفسخ لا قبل البناء ولا بعده ولا ترد المرأة إلى صداق مثلها ثم أطالوا بذكر فروع تتعلق بذلك.

بعض فتاوي الصحابة في هذه المسألة:
والصحيح ما عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحة التسمية وعدم تمكين المرأة من المطالبة به إلا بموت أو فوقة حكاه الليث إجماعا منهم وهو محض القياس والفقه فإن المطلق من العقود ينصرف إلى العرف والعادة عند المتعاقدين كما في النقد والسكة والصفة والوزن والعادة جارية بين الازواج بترك المطالبة بالصداق إلا بالموت أو الفراق فجرت العادة مجرى الشرط كما تقدم ذكر الأمثلة بذلك وأيضا فإن عقد النكاح يخالف سائر العقود ولهذا نافاه التوقيت المشترط في غيره من العقود على المنافع بل كانت جهالة مدة بقائه غير مؤثرة في صحته والصداق عوضه ومقابله فكانت جهالة مدته غير مؤثرة في صحته فهذا محض القياس ونظير هذا لو اجره كل شهر بدرهم فإنه يصح وان كانت جملة الأجرة غير معلومة تبعا لمدة الإجارة فقد صح عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنه انه اجر نفسه كل دلو بتمرة واكل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك التمر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا" وهذا لا يتضمن واحدا من الامرين فإن ما احل الحرام وحرم الحلال لو فعلاه بدون الشرط لما جاز وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشرط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" وأما تلك التقديرات ألمذكورة فيكفي في عدم اعتبارها عدم دليل واحد يدل عليها ثم ليس تقدير منها بأولى من تقدير أزيد عليه أو أنقص منه وما كان هذا سبيله فهو غير معتبر.

وقال الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي في كتاب التاريخ والمعرفة له وهو كتاب جليل غزير العلم جم الفوائد حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس.

رسالة الليث إلى مالك:
سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد عافانا الله وإياك وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة قد بلغني كتابك تذكر فيه من صلاح حالكم الذي يسرني فأدام الله ذلك لكم وأتمه بالعون على شكره والزيادة من إحسانه وذكرت نظرك في الكتب التي بعثت بها إليك وإقامتك وإياها وختمك عليها بخاتمك وقد أتتنا فجزاك الله عما قدمت منها خيراً فإنها كتب انتهت إلينا عنك فأحببت أن أبلغ حقيقتها بنظرك فيها وذكرت أنه قد أنشطك ما كتبت إليك فيه من تقويم ما أتاني عنك إلى ابتدائي بالنصيحة ورجوت أن يكون لها عندي موضع وأنه لم يمنعك من ذلك فيما خلا إلا أن يكون رأيك فينا جميلا إلا لاني لم أذاكرك مثل هذا وأنه بلغك أني أفتى بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندكم وأني يحق على الخوف على نفسي لاعتماد من قبلي على ما أفتيتهم به وأن الناس تبع لأهل المدينة التي إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن وقد أصبت بالذى كتبت به من ذلك إن شاء الله تعالى ووقع منى بالموقع الذي تحب وما أجد أحدا ينسب إليه العلم أكره لشواذ الفتيا ولا أشد تفضيلا لعلماء أهل المدينة الذين مضوا ولا آخذ لفتياهم فيما اتفقوا عليه مني والحمد لله رب العالمين لا شريك له وأما ما ذكرت من مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ونزول القرآن بها عليه بين ظهري أصحابه وما علمهم الله منه وأن الناس صاروا به تبعا لهم فيه فكما ذكرت وأما ما ذكرت من قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

فإن كثيرا من أولئك السابقين الأولين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله فجندوا الأجناد واجتمع إليهم الناس فأظهروا بين ظهرانيهم كتاب الله وسنة نبيه ولم يكتموهم شيئا علموه وكان في كل جند منهم طائفة يعلمون كتاب الله وسنة نبيه ويجتهدون برأيهم فيما لم يفسره لهم القرآن والسنة وتقدمهم عليه أبو بكر وعمر وعثمان الذين اختارهم المسلمون لأنفسهم ولم يكن أولئك الثلاثة مضيعين لا جناد المسلمين ولا غافلين عنهم بل كانوا يكتبون في الأمر اليسير لاقامة الدين والحذر من الاختلاف بكتاب الله وسنة نبيه فلم يتركوا امرا فسره القرآن أو عمل به النبي صلى الله عليه وسلم أو ائتمروا فيه بعده إلا علمو هموه فإذا جاء أمر عمل فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر والشام والعراق على عهد أبي بكر وعمر وعثمان ولم يزالوا عليه حتى قبضوا لم يأمروهم بغيره فلا نراه يجوز لاجناد المسلمين ان يحدثوا اليوم امرا لم يعمل به سلفهم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم مع ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا بعد في الفتيا في أشياء كثيرة ولولا أني قد عرفت ان قد علمتها كتبت بها إليك ثم اختلف التابعون في أشياء بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن المسيب ونظراؤه اشد الاختلاف ثم اختلف الذين كانوا بعدهم فحضرتهم بالمدينة وغيرها ورأسهم يومئذ ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن وكان من خلاف ربيعة لبعض ما قد مضى ما قد عرفت وحضرت وسمعت قولك فيه وقول ذوي الرأي من أهل المدينة يحيى بن سعيد وعبيدالله ابن عمر وكثير بن فرقد وغير كثير ممن هو أسن منه حتى اضطرك ما كرهت من ذلك إلى فراق مجلسه وذاكرتك أنت وعبد العزيز بن عبد الله بعض ما نعيب على ربيعة من ذلك فكنتما من الموافقين فيما أنكرت تكرهان منه ما أكرهه ومع ذلك بحمد الله عند ربيعه خير كثير وعقل أصيل ولسان بليغ وفضل مستبين وطريقة حسنة في الاسلام ومودة لإخوانه عامة ولنا خاصة رحمه الله وغفر له وجزاه بأحسن من عمله وكان يكون من ابن شهاب اختلاف كثير اذا لقيناه واذا كاتبه بعضنا فربما كتب إليه في الشيء الواحد على فضل رأيه وعلمه بثلاثة أنواع ينقض بعضها بعضا ولا يشعر بالذي مضى من رأيه في ذلك فهذا الذي يدعوني إلى ترك ما أنكرت تركي إياه.

وقد عرفت أيضا عيب إنكاري إياه أن يجمع أحد من أجناد المسلمين بين الصلاتين ليلة المطر ومطر الشام أكثر من مطر المدينة بما لا يعلمه الا الله لم يجمع منهم إمام قط في ليلة مطر وفيهم ابو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ويزيد ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وقد بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وقال يأتى معاذ يوم القيامة بين يدى العلماء برتوة وشرحبيل بن حسنة وابو الدرداء وبلال بن رباح وكان ابو ذر بمصر والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وبحمص سبعون من أهل بدر وبأجناد المسلمين كلها وبالعراق ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين ونزلها امير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة سنين وكان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجمعوا بين المغرب والعشاء قط.

ومن ذلك القضاء بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق وقد عرفت انه لم يزل يقضي بالمدينة به ولم يقض به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشام وبحمص ولا بمصر ولا بالعراق ولم يكتب به إليهم الخلفاء الراشدون ابو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم ولي عمر بن عبد العزيز وكان كما قد علمت في إحياء السنن والجد في إقامة الدين والاصابة في الرأي والعلم بما مضى من امر الناس فكتب إليه رزيق بن الحكم إنك كنت تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد الواحد ويمين صاحب الحق فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إنا كنا نقضي بذلك بالمدينة فوجدنا اهل الشام على غير ذلك فلا نقضي إلا بشهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ولم يجمع بين العشاء والمغرب قط ليلة المطر والمطر يسكب عليه في منزله الذي كان فيه بخناصرة ساكناً.

ومن ذلك أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء أنها متى شاءت أن تتكلم في مؤخر صداقها تكلمت فدفع إليها وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك وأهل الشام وأهل مصر ولم يقض احد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعدهم لامرأة بصداقها المؤخر إلا أن يفرق بينهما موت أو طلاق فتقوم على حقها.

ومن ذلك قولهم في الايلاء إنه لا يكون عليه طلاق حتى يوقف وان مرت أربعة الاشهر وقد حدثني نافع عن عبد الله بن عمر وهو الذي كان يروي عنه ذلك التوقيف بعد الاشهر انه كان يقول في الايلاء الذي ذكر الله في كتابه لا يحل للمولي اذا بلغ الاجل الا ان يفئ كما امر الله أو يعزم الطلاق وانتم تقولون إن لبث بعد أربعة الاشهر التي سمى الله في كتابه ولم يوقف لم يكن عليه طلاق وقد بلغنا ان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وقبيصة بن ذؤيب وابا سلمة بن عبدالرحمن بن عوف قالوا في الايلاء إذا مضت اربعة الاشهر فهى تطليقة بائنة وقال سعيد بن المسيب وابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن شهاب اذا مضت اربعة الأشهر فهي تطليقة وله الرجعة في العدة.

ومن ذلك ان زيد بن ثابت كان يقول اذا ملك الرجل امرأته فأختارت زوجها فهي تطليقة وان طلقت نفسها ثلاث فهي تطليقة وقضى بذلك عبد الملك بن مروان وكان ربيعه بن عبد الرحمن يقوله وقد كاد الناس يجتمون على انها ان اختارت زوجها لم يكن فيه طلاق وان اختارت نفسها واحدة أو اثنتين كانت له عليها الرجعة وان طلقت نفسها ثلاثا بانت منه ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيدخل بها ثم يموت أو يطلقها إلا ان يرد عليها في مجلسه فيقول انما ملكتك واحدة فيستحلف ويخلى بينه وبين امرأته ومن ذلك ان عبد الله بن مسعود كان يقول ايما رجل تزوج أمة ثم اشتراها زوجها فاشتراؤه إياها ثلاث تطليقات وكان ربيعة يقول ذلك وان تزوجت المرأة الحرة عبدا فاشترته فمثل ذلك.

وقد بلغنا عنكم شيئا من الفتيا مستكرها وقد كنت كتبت اليك في بعضها فلم تجبني في كتابي فتخوفت ان تكون استثقلت ذلك فتركت الكتاب إليك في شيء مما أنكره وفيما أوردت فيه على رأيك وذلك انه بلغني انك امرت زفر بن عاصم الهلالي حين أراد أن يستسقي أن يقدم الصلاة قبل الخطبة فأعظمت ذلك لأن الخطبة والاستسقاء كهيئة يوم الجمعة إلا أن الإمام إذا دنا من فراغه من الخطبة فدعا حول رداءه ثم نزل فصلى وقد استسقى عمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما فكلهم يقدم الخطبة والدعاء قبل الصلاة فاستهتر الناس كلهم فعل زفر بن عاصم من ذلك واستنكروه.

ومن ذلك انه بلغني انك تقول في الخليطين في المال إنه لا تجب عليهما الصدقة حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة وفي كتاب عمر بن الخطاب انه يجب عليهما الصدقة ويترادان بالسوية وقد كان ذلك يعمل به في ولاية عمر بن عبد العزيز قبلكم وغيره والذي حدثنا به يحيى بن سعيد ولم يكن بدون افاضل العلماء في زمانه فرحمه الله وغفر له وجعل الجنة مصيره
ومن ذلك انه بلغني انك تقول اذا افلس الرجل وقد باعه الرجل سلعة فتقاضى طائفة من ثمنها أو انفق المشتري طائفة منها أنه يأخذ ما وجد من متاعه وكان الناس على ان البائع اذا تقاضى من ثمنها شيئا أو انفق المشتري منها شيئا فليست بعينها.

ومن ذلك انك تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير بن العوام إلا لفرس واحد والناس كلهم يحدثون انه أعطاه أربعة أسهم لفرسين ومنعه الفرس الثالث والأمة كلهم على هذا الحديث أهل الشام وأهل مصر وأهل العراق وأهل إفريقية لا يختلف فيه اثنان فلم يكن ينبغي لك وان كنت سمعته من رجل مرضي أن تخالف الأمة أجمعين.

وقد تركت أشياء كثيرة من أشباه هذا وأنا أحب توفيق الله إياك وطول بقائك لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة وما أخاف من الضيعة اذا ذهب مثلك مع استئناسي بمكانك وإن نأت الدار فهذه منزلتك عندي ورأي فيك فاستيقنه ولا تترك الكتاب إلي بخبرك وحالك وحال ولدك واهلك وحاجة ان كانت لك أو لاحد يوصل بك فإني اسر بذلك كتبت إليك ونحن صالحون معافون والحمد لله نسأل الله ان يرزقنا وإياكم شكر ما أولانا وتمام ما انعم به علينا والسلام عليك ورحمة الله.

مهر السر ومهر العلانية:
فإن قيل فما تقولون فيما لو تجملوا وجعلوه حالا وقد اتفقوا في الباطن على تآخيره كصدقات النساء في هذه الأزمنة في الغالب هل للمرأة أن تطالب به قبل الفرقة أو الموت؟

قيل هذا ينبني على أصل وهو إذا اتفقا في السر على مهر وسموا في العلانية أكثر منه هل يؤخذ بالسر أو بالعلانية فهذه المسألة مما اضطربت فيها أقوال المتأخرين لعدم أحاطتهم بمقاصد الأئمة ولابد من كشف غطائها ولها في الأصل صورتان:
إحداهما أن يعقدوه في العلانية بألفين مثلا وقد اتفقوا قبل ذلك ان المهر الف وان الزيادة سمعة من غير ان يعقدوه في العلانية بالأقل فالذي عليه القاضي ومن بعده من أصحاب أحمد ان المهر هو المسمى في العقد ولا اعتبار بما اتفقوا عليه ذلك وان قامت به البينة أو تصادقوا عليه وسواء كان مهر العلانية من جنس مهر السر أو من جنس غيره أو اقل منه أو اكثر قالوا وهو ظاهر كلام احمد في مواضع قال في رواية ابن بدينا في الرجل يصدق صداقا في السر وفي العلانيه شيئا آخر يؤخذ بالعلانية وقال في رواية ابن الحرث إذا تزوجها في العلانية على شيء واسر غير ذلك أخذنا بالعلانية وان كان قد اشهد في السر بغير ذلك وقال في رواية الأثرم في رجل اصدق صداقا سرا وصداقا علانيه يؤخذ بالعلانية اذا كان قد اقر به قيل له فقد اشهد شهودا في السر بغيره قال وان اليس قد اقر بهذا عند شهود يؤخذ بالعلانية قال شيخنا ومعنى قوله اقر به أي رضى به والتزمه لقوله تعالى أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري وهذا يعمم التسمية في العقد والاعتراف بعده ويقال اقر بالجزية واقر للسلطان بالطاعة وهذا كثير في كلامهم وقال في رواية صالح في الرجل يعلن مهرا ويخفي آخر آخذ بما يعلن لان العلانية قد أشهد على نفسه بها وينبغي لهم ان يفوا له بما كان اسره وقال في رواية ابن منصور اذا تزوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا مهرا آخر ينبغي لهم ان يفوا واما هو فيؤخذ بالعلانية قال القاضي وغيره فقد اطلق القول بمهر العلانية وإنما قال ينبغي لكم ان يفوا بما اسروا على طريق الاختيار لئلا يحصل منهم غرور له في ذلك وهذا القول هو قول الشعبي وأبي قلابة وابن أبي ليلى وابن شبرمة والأوزاعي وهو قول الشافعي المشهور عنه وقد نص في موضع آخر انه يؤخذ بمهر السر فقيل في هذه المسألة قولان وقيل بل ذلك في الصورة الثانية كما سيأتي وقال كثير من أهل العلم أو اكثرهم اذا علم الشهود ان المهر الذي يظهره سمعة وان اصل المهر كذا وكذا ثم تزوج واعلن الذي قال فالمهر هو السر والسمعة باطلة وهذا هو قول الزهري والحكم بن عتيبة ومالك والثوري والليث وابي حنيفة واصحابه واسحاق وعن شريح والحسن كالقولين وذكر القاضي عن أبي حنيفة انه يبطل المهر ويجب مهر المثل وهو خلاف ما حكاه عنه اصحابه وغيرهم وقد نقل عن احمد ما يقتضي ان الاعتبار بالسر اذا ثبت ان العلانية تلجئة فقال اذا كان رجل قد اظهر صداقا واسر غير ذلك نظر في البينات والشهود وكان الظاهر أوكد إلا ان تقوم بينة تدفع العلانيه قال القاضي وقد تأول ابو حفص العكبري هذا على ان بينة السر عدول وبينة العلانية غير عدول فحكم بالعدول قال القاضي وظاهر هذا انه يحكم بمهر السر اذا لم تقم بينة عادلة بمهر العلانية.

وقال ابو حفص اذا تكافأت البينات وقد شرطوا في السر ان الذي يظهر في العلانية الرياء والسمعة فينبغي لهم ان يفوا له بهذا الشرط ولا يطالبوه بالظاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون على شروطهم" قال القاضي: وظاهر هذا الكلام من أبي حفص انه قد جعل السر حكما قال والمذهب على ما ذكرناه قال شيخنا كلام أبي حفص الأول فيما اذا قامت البينة بأن النكاح عقد في السر بالمهر القليل ولم يثبت نكاح العلانية وكلامه الثاني فيما اذا ثبت نكاح العلانية ولكن تشارطوا ان ما يظهرون من الزيادة على ما اتفقوا عليه للرياء والسمعة قال شيخنا وهذا الذي ذكره ابو حفص اشبه بكلام الامام احمد وأصوله فأن عامة كلامه في هذه المسألة إنما هو إذا اختلف الزوج والمرأة ولم تثبت بينة ولا اعتراف ان مهر العلانية سمعة بل شهدت البينة انه تزوجها بالا كثر وادعى عليه ذلك فانه يجب ان يؤخذ بما اقر به إنشاء أو إخبارا فإذا اقام شهودا يشهدون أنهم تراضوا بدون ذلك عمل على البينة الاولى لان التراضي بالأقل في وقت لا يمنع التراضي بما زاد عليه في وقت آخر ألا ترى انه قال آخذ بالعلانية لانه قد اشهد على نفسه وينبغي لهم ان يفوا بما كان اسره فقوله لانه قد اشهد على نفسه دليل على انه انما يلزمه في الحكم فقط والا فما يجب بينه وبين الله لا يعلل بالإشهاد وكذلك قوله ينبغي لهم ان يفوا له واما هو فيؤخذ بالعلانية دليل على انه يحكم عليه به وان اولئك يجب عليهم الوفاء وقوله ينبغي يستعمل في الواجب اكثر مما يستعمل في المستحب ويدل على ذلك انه قد قال أيضا في امرأة تزوجت في العلانية على الف وفي السر على خمسمائة فاختلفوا في ذلك فان كانت البينة في السر والعلانية سواء اخذ بالعلانية لانه احوط وهو فرج يؤخذ بالاكثر وقيدت المسألة بانهم اختلفوا وان كليهما قامت به بينة عادلة.

وإنما يظهر ذلك بالكلام في الصورة الثانية وهو ما إذا تزوجها في السر بألف ثم تزوجها في العلانية بألفين مع بقاء النكاح الأول فهنا قال القاضي في المجرد والجامع إن تصادقا على نكاح السر لزم نكاح السر بمهر السر لان النكاح المتقدم قد صح ولزم والنكاح المتأخر عنه لا يتعلق به حكم ويحمل مطلق كلام احمد والخرقي على مثل هذه الصورة وهذا مذهب الشافعي وقال الخرقي: إذا تزوجها على صداقين سر وعلانية اخذ بالعلانية وإن كان السر قد انعقد النكاح به وهذا منصوص كلام احمد في قوله ان تزوجت في العلانية على ألف وفي السر على خمسمائة وعموم كلامه المتقدم يشمل هذه الصورة والتي قبلها وهذا هو الذي ذكره القاضي في خلافه وعليه اكثر الأصحاب ثم طريقته وطريقة جماعة في ذلك أن ما أظهراه زيادة في المهر والزيادة فيه بعد لزومه لازمة وعلى هذا فلو كان السر هو الاكثر اخذ به أيضا وهو معنى قول الإمام أحمد آخذ بالعلانية أي يؤخذ بالأكثر ولهذا القول طريقة ثانية وهو ان نكاح السر إنما يصح اذا لم يكتموه على احدى الروايتين بل انصهما فاذا تواصوا بكتمان النكاح الاول كانت العبرة انما هي بالنكاح الثاني هذا كلام شيخ الإسلام في مسألة مهر السر والعلانية في كتاب أبطال التحليل نقلته بلفظه



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:28 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49202

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالخميس 07 أبريل 2016, 5:43 am

ولهذه المسألة عدة صور هذه إحداها:
الصورة الثانية:
أن يتفقا في السر على أن ثمن المبيع ألف ويظهرا في العلانية أن ثمنه ألفان فقال القاضي في التعليق القديم والشريف أبو جعفر وغيرهما الثمن ما أظهراه على قياس المشهور عنه في المهر أن العبرة بما أظهراه وهو الأكثر وقال القاضي في التعليق الجديد وأبو الخطاب وأبو الحسين وغيرهم من أصحاب القاضي الثمن ما أسراه والزيادة سمعة ورياء بخلاف المهر وإلحاقا للعوض في البيع بنفس البيع وإلحاقا للمهر بالنكاح وجعلا الزيادة فيه بمنزلة الزيادة بعد العقد وهي غير لاحقة وقال ابو حنيفة عكس هذا بناء على ان تسمية العوض شرط في صحة البيع دون النكاح وقال صاحباه العبرة في الجميع بما أسراه.

الصورة الثالثة:
ان يتفقا في عقد البيع على ان يتبايعا شيئا بثمن ذكراه على نه بيع تلجئه لا حقيقة له تخلصا من ظالم يريد أخذه فهذا عقد باطل وإن لم يقولا في صلب العقد قد تبايعناه تلجئه قال القاضي هذا قياس قول احمد لانه قال فيمن تزوج امرأة واعتقد انه يحلها للأول لم يصح هذا النكاح وكذلك اذا باع عنبا ممن يعتقد انه يعصره خمرا قال وقد قال احمد في رواية ابن منصور إنه إذا أقر لامرأة بدين في مرضه ثم تزوجها ومات وهي وارثة فهذه قد أقر لها وليست بزوجة يجوز ذلك إلا ان يكون أراد تلجئة فيرد ونحو هذا نقل إسحاق بن ابراهيم والمروزي وهذا قول أبي يوسف ومحمد وهو قياس قول مالك وقال ابو حنيفة والشافعي لا يكون تلجئه حتى يقولا في العقد قد تبايعنا هذا العقد تلجئة ومأخذ من أبطله انهما لم يقصدا العقد حقيقه والقصد معتبر في صحته ومأخذ من يصححه أن هذا شرط مقدم على العقد والمؤثر في العقد انما هو الشرط المقارن والأولون منهم من يمنع المقدمة الأولى ويقول لا فرق بين الشرط المتقدم والمقارن ومنهم من يقول انما ذلك في الشرط الزائد على العقد بخلاف الرافع له فان الشارط هنا يجعل العقد غير مقصود وهناك هو مقصود وقد اطلق عن شرط مقارن.

الصورة الرابعة:
أن يظهرا نكاحاً تلجئة لا حقيقة له فاختلف الفقهاء في ذلك فقال القاضي وغيره من الأصحاب إنه صحيح كنكاح الهازل لان أكثر ما فيه انه غير قاصد للعقد بل هازل به ونكاح الهازل صحيح قال شيخنا ويؤيد هذا المشهور عندنا انه لو شرط في العقد رفع موجبه مثل أن يشترط أنه لا يطأها أو أنها لا تحل له أو أنه لا ينفق عليها ونحو ذلك صح العقد دون الشرط فالاتفاق على التلجئة حقيقته أنهما اتفقا على ان يعقدا عقدا لا يقتضى موجبه وهذا لا يبطله قال شيخنا ويتخرج في نكاح التلجئة انه باطل لان الاتفاق الموجود قبل العقد بمنزلة المشروط في العقد في أظهر الطريقين لأصحابنا ولو شرطا في العقد انه نكاح تلجئة لا حقيقة لكان نكاحا باطلا وان قيل ان فيه خلافا فإن أسوأ الاحوال ان يكون كما لو شرطا انها لا تحل له وهذا الشرط يفسد العقد على الخلاف المشهور.

الصورة الخامسة:
أن يتفقا على أن العقد عقد تحليل لا نكاح رغبة وانه متى دخل بها طلقها أو فهى طالق أو أنها متى اعترفت بأنه وصل إليها فهي طالق ثم يعقداه مطلقاً وهو في الباطن نكاح تحليل لا نكاح رغبة فهذا محرم باطل لا تحل به الزوجة للمطلق وهو داخل تحت اللعنة مع تضمن زيادة الخداع كما سماه السلف بذلك وجعلوا فاعله مخادعاً لله وقالوا مَنْ يخادع الله يخدعه وعلى بطلان هذا النكاح نحو ستين دليلاً.

والمقصود:
أن المتعاقدين وان أظهرا خلاف ما اتفقا عليه في الباطن فالعبرة لما أضمراه واتفقا عليه وقصداه بالعقد وقد أشهد الله على ما في قلوبهما فلا ينفعهما ترك التكلم به حالة العقد وهو مطلوبهما ومقصودهما.

الصورة السادسة:
أن يحلف الرجل في شيء في الظاهر وقصده ونيته خلاف ما حلف عليه وهو غير مظلوم فهذا لا ينفعه ظاهر لفظه ويكون يمينه على ما يصدقه عليه صاحبه اعتبارا بمقصده ونيته.

الصورة السابعة:
إذا اشترى أو استأجر مكرها لم يصح وان كان في الظاهر قد حصل صورة العقد لعدم قصده وإرادته فدل على أن القصد روح العقد ومصححه ومبطله فاعتبار القصود في العقود أولى من اعتبار الألفاظ فإن الألفاظ مقصودة لغيرها ومقاصد العقود هي التي تراد لأجلها فإذا ألغيت واعتبرت الألفاظ التي لا تراد لنفسها كان هذا إلغاء لما يجب اعتباره واعتبارا لما قد يسوغ إلغاؤه وكيف يقدم اعتبار اللفظ الذي قد ظهر كل الظهور ان المراد خلافه بل قد يقطع بذلك على المعنى الذي قد ظهر بل قد يتيقن انه المراد وكيف ينكر على أهل الظاهر من يسلك هذا وهل ذلك إلا من ايراد الظاهرية فإن أهل الظاهر تمسكوا بألفاظ النصوص وأجروها على ظواهرها حيث لا يحصل القطع بأن المراد خلافها وأنتم تمسكتم بظواهر ألفاظ غير المعصومين حيث يقع القطع بأن المراد خلافها فأهل الظاهر أعذر منكم بكثير وكل شبهة تمسكتم بها في تسويغ ذلك فأدلة الظاهرية في تمسكهم بظواهر النصوص أقوى وأصح والله تعالى يحب الانصاف بل هو افضل حلية تحلى بها الرجل خصوصا من نصب نفسه حكما بين الاقوال والمذاهب وقد قال الله تعالى لرسوله وأمرت لأعدل بينكم فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف وألا يميل احدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه بل يكون الحق مطلوبه يسير بسيره وينزل ينزوله يدين بدين العدل والإنصاف ويحكم الحجة وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو العلم الذي قد شمر إليه ومطلوبه الذي يحوم بطلبه عليه لا يثنى عنانه عنه عذل عاذل ولا تأخذه فيه لومة لائم ولا يصده عنه قول قائل.

ومن تدبر مصادر الشرع وموارده تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها بل جرت على غير قصد منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطيء من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم ولم يكفر من قال من شدة فرحه براحلته بعد يأسه منها اللهم أنت عبدي وأنا ربك فكيف يعتبر الألفاظ التي يقطع بأن مراد قائلها خلافها ولهذا المعنى رد شهادة المنافقين ووصفهم بالخداع والكذب والاستهزاء وذمهم على أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم وان بواطنهم تخالف ظواهرهم وذم تعالى من يقول مالا يفعل وأخبر أن ذلك من أكبر المقت عنده ولعن اليهود إذ توسلوا بصورة عقد البيع على ما حرمه عليهم إلى أكل ثمنه وجعل أكل ثمنه لما كان هو المقصود بمنزلة أكله في نفسه وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عاصرها ومعتصرها ومن المعلوم ان العاصر إنما عصر عنبا ولكن لما كانت إنما نيته هي تحصيل الخمر لم ينفعه ظاهر عصره ولم يعصمه من اللعنة لباطن قصده ومراده.

فعلم أن الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها دون ظواهر ألفاظها وأفعالها ومن لم يراع القصود في العقود وجرى مع ظواهرها يلزمه أن لا يلعن العاصر وان يجوز له عصر العنب لكل أحد وإن ظهر له أن قصده الخمر وان يقضى له بالأجرة لعدم تأثير القصد في العقد عنده ولقد صرحوا بذلك وجوزوا له العصر وقضوا له بالاجرة وقد روى في اثر مرفوع من حديث ابن بريده عن أبيه من حبس العنب ايام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو من يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة ذكره عبدالله بن بطة ومن لم يراع القصد في العقد لم ير بذلك بأسا وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها ان المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات كما هي معتبره في التقربات والعبادات فالقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالا أو حراما وصحيحا أو فاسدا وطاعة أو معصية كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة أو صحيحة أو فاسدة.

ودلائل هذه القاعدة تفوت الحصر فمنها قوله تعالى في حق الأزواج إذا طلقوا أزواجهم طلاقاً رجعياً: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} وقوله: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} وذلك نص في ان الرجعة انما ملكها الله تعالى لمن قصد الصلاح دون من قصد الضرار وقوله في الخلع: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فبين تعالى أن الخلع المأذون فيه والنكاح المأذون فيه إنما يباح اذا ظنا أن يقيما حدود الله وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارّ} فإنما قدم الله الوصية على الميراث إذا لم يقصد بها الموصي الضرار فإن قصده فللورثة إبطالها وعدم تنفيذها وكذلك قوله فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه فرفع الإثم عليه فرفع الإثم عمن أبطل الجنف الإثم من وصية الموصي ولم يجعلها بمنزلة نص الشارع الذي تحرم مخالفته.

شرط الواقف ليس بمنزلة نص الشارع:
وكذلك الإثم مرفوع عمن أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحا وما كان فيه جنف أو إثم ولا يحل لأحد ان يجعل هذا الشرط الباطل المخالف لكتاب الله بمنزلة نص الشارع ولم يقل هذا احد من أئمة الاسلام بل قد قال إمام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله احق وشرط الله أوثق فإنما ينفذ من شروط الواقفين ما كان لله طاعة وللمكلف مصلحة وأما ما كان بضد ذلك فلا حرمة له كشرط التعزب والترهب المضاد لشرع الله ودينه فإنه تعالى فتح للامة باب النكاح بكل طريق وسد عنهم باب السفاح بكل طريق وهذا الشرط باطل مضاد لذلك فإنه يسد على من التزمه باب النكاح ويفتح له باب الفجور فإن لوازم البشرية تتقضاها الطباع أتم تقاض فإذا سد عنها مشروعها فتحت له ممنوعها ولابد.

والمقصود:
أن الله تعالى رفع الاثم عمَّنْ أبطل الوصية الجانفة الاثمة وكذلك هو مرفوع عمن أبطل شروط الواقفين التي هي كذلك فإذا شرط الواقف القراءة على القبر كانت القراءة في المسجد أولى وأحب إلى الله ورسوله وأنفع للميت فلا يجوز تعطيل الاحب إلى الله الانفع لعبده واعتبار ضده وقد رام بعضهم الانفصال عن هذا بأنه قد يكون قصد الواقف حصول الاجر له باستماعه للقرآن في قبره وهذا غلط فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة فإنه عمل اختياري وقد انقطع بموته ومن ذلك اشتراطه ان يصلى الصلوات الخمس في المسجد الذي بناه على قبره فإنه شرط باطل لا يجب بل لا يحل الوفاء به وصلاته في المسجد الذي لم يوضع على قبره احب إلى الله ورسوله فكيف يفتى أو يقضى بتعطيل الاحب إلى الله والقيام بالاكراه اليه اتباعا لشرط الواقف الجانف الاثم، ومن ذلك ان يشرط عليه ايقاد قنديل على قبره أو بناء مسجد عليه فإنه لا يحل تنفيذ هذا الشرط ولا العمل به فكيف ينقله شرط لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله.

أقسام شروط الواقفين وحكمها:
وبالجملة فشروط الواقفين اربعة أقسام شروط محرمة في الشرع وشروط مكروهة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشروط تتضمن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله وشروط تتضمن فعل ما هو أحب إلى الله ورسوله فالأقسام الثلاثة الأول لا حرمة لها ولا اعتبار والقسم الرابع هو الشرط المتبع الواجب الاعتبار وبالله التوفيق.

وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشروط كلها بقوله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز لأحد اعتباره ولا الإلزام به وتنفيذه ومن تفطن لتفاصيل هذه الجملة التي هي من لوازم الإيمان تخلص بها من آصار وأغلال في الدنيا وإثم وعقوبة ونقص ثواب في الآخرة وبالله التوفيق.

فصل: المقاصد تغير أحكام التصرفات
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم" كيف حرم على المحرم الأكل مما صاده الحلال إذا كان قد صاده لأجله فانظر كيف أثر القصد في التحريم ولم يرفعه ظاهر الفعل ومن ذلك الأثر المرفوع من حديث أبي هريرة من تزوج امرأة بصداق ينوي ان لا يؤديه اليها فهو زان ومن أدان دينا ينوى ان لا يقضيه فهو سارق ذكره أبو حفص بإسناده فجعل المشتري والناكح إذا قصد ان لا يؤديا العوض بمنزلة من استحل الفرج والمال بغير عوض فيكون كالزاني والسارق في المعنى وإن خالفهما في الصورة ويؤيد ذلك ما في صحيح البخاري مرفوعا: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".

فهذه النصوص وأضعافها تدل على أن المقاصد تغير أحكام التصرفات من العقود وغيرها وأحكام الشريعة تقتضي ذلك أيضا فإن الرجل إذا اشترى أو استأجر أو اقترض أو نكح ونوى أن ذلك لموكله أو لموليه كان له وان لم يتكلم به في العقد وان لم ينوه له وقع الملك للعاقد وكذلك لو تملك المباحات من الصيد والحشيش وغيرها ونواه لموكله وقع الملك له عند جمهور الفقهاء نعم لا بد في النكاح من تسمية الموكل لانه مقعود عليه فهو بمنزلة السلعة في البيع فافتقر العقد إلى تعيينه لذلك لا انه معقود له وإذا كان القول والفعل الواحد يوجب الملك لمالكين مختلفين عند تغير النية ثبت أن للنية تأثيرا في العقود والتصرفات.

ومن ذلك أنه لو قضى عن غيره دينا أو أنفق عليه نفقة واجبة أو نحو ذلك ينوي التبرع والهبة لم يملك الرجوع بالبدل وإن لم ينو فله الرجوع ان كان بإذنه اتفاقا وإن كان بغير إذنه ففيه النزاع المعروف فصورة العقد واحدة وانما اختلف الحكم بالنية والقصد ومن ذلك ان الله تعالى حرم ان يدفع الرجل إلى غيره مالا ربويا بمثله على وجه البيع إلا أن يتقابضا وجوز دفعه بمثله على وجه القرض وقد اشتركا في ان كلا منهما يدفع ربويا ويأخذ نظيره وإنما فرق بينهما القصد فإن مقصود المقرض إرفاق المقترض ونفعه وليس مقصوده المعارضة والربح ولهذا كان القرض شقيق العارية كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة الورق فكأنه أعاره الدراهم ثم استرجعها منه لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثل وكذلك لو باعه درهما بدرهمين كان ربا صريحا ولو باعه إياه بدرهم ثم وهبه درهما آخر جاز والصورة واحدة وإنما فرق بينهما القصد فكيف يمكن أحدا أن يلغي القصود في العقود ولا يجعل لها اعتبارا.

الأحكام لا تجري على الظواهر:
فإن قيل قد أطلتم الكلام في مسألة القصود في العقود ونحن نحاكمكم إلى القرآن والسنة وأقوال الأئمة قال الله تعالى حكاية عن نبيه نوح: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} فرتب الحكم على ظاهر إيمانهم ورد علم ما في أنفسهم إلى العالم بالسرائر تعالى المنفرد بعلم ذات الصدور وعلم ما في النفوس من علم الغيب وقد قال تعالى لرسوله: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم" وقد قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله فأكتفى منهم بالظاهر ووكل سرائرهم إلى الله" وكذلك فعل بالذين فعل بالذين تخلفوا عنه واعتذروا إليه فيل منهم علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله عز وجل وكذلك كانت سيرته في المنافقين قبول ظاهر إسلامهم ويكل سرائرهم إلى الله عزوجل وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ولم يجعل لنا علما بالنيات والمقاصد تتعلق الأحكام الدنيوية بها فقولنا لا علم لنا به قال الشافعي فرض الله تعالى على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم من الأمر شيئا فأولى ألا يتعاطوا حكما على غيب أحد بدلالة ولا ظن لقصور علمهم عن علوم أنبيائه الذين فرض عليهم الوقوف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره فإنه تعالى ظاهر عليهم الحجج فما جعل إليهم الحكم في الدنيا إلا بما ظهر من المحكوم عليه ففرض على نبيه ان يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا فتحقن دماؤهم إذا أظهروا الإسلام.

واعلم انه لا يعلم صدقهم بالإسلام إلا الله ثم اطلع الله رسوله على قوم يظهرون الإسلام ويسرون غيره فلم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام ولم يجعل له أن يقضى عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا فقال لنبيه قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا يعني أسلمنا بالقول مخافة القتل والسبي ثم اخبرهم انه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله يعني إن أحدثوا طاعة الله ورسوله وقال في المنافقين وهم صنف ثان {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} إلى قوله {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يعني جنة من القتل وقال سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم فأمر بقبول ما أظهروا ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم بخلاف حكم الأيمان وقد اعلم الله نبيه أنهم في الدرك الاسفل من النار فجعل حكمه تعالى عليهم على سرائرهم وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم باظهار التوبة وما قامت عليه بينة من المسلمين وبما أقروا بقوله وما جحدوا من قول الكفر ما لم يقروا به ولم يقم به بينة عليهم وقد كذبهم في قولهم في كل ذلك وكذلك أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الله اخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن يزيد عن عدي ابن الخيار ان رجلا سار النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدر ما ساره حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله" قال: بلى ولا شهادة له فقال: "أليس يصلى قال بلى ولا صلاة له" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم" ثم ذكر حديث: "أمرت أن أقاتل الناس" ثم قال: "فحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم إلى الله العالم بسرائرهم المتولى الحكم عليهم دون أنبيائه وحكام خلقه".

وبذلك مضت أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق أعلمهم أن جميع أحكامه على ما يظهرون والله يدين بالسرائر ثم ذكر حديث عويمر العجلاني في لعانه امرأته ثم قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فيما بلغنا لولا ما قضى الله لكان لي فيها قضاء غيره" يعنى لولا ما قضى الله من ألا يحكم على أحد إلا باعتراف على نفسه أو بينة ولم يعرض لشريك ولا للمرأة وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب ثم علم بعد ان الزوج هو الصادق.
يتبع إن شاء الله...



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:29 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالخميس 07 أبريل 2016, 5:51 am

ثم ذكر حديث ركانة أنه طلق امرأته ألبتة وان النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه ما اردت إلا واحدة فحلف له فردها اليه قال وفي ذلك وغيره دليل على ان حراما على الحاكم ان يقضي ابدا على احد من عباد الله إلا بأحسن ما يظهر وإن احتمل ما يظهر غير أحسنه وكانت عليه دلالة على ما يخالف احسنه ومن قوله بلى لما حكم الله الاعراب الذين قالوا آمنا وعلم الله ان الايمان لم يدخل في قلوبهم لما أظهروا من الاسلام ولما حكم في المنافقين الذين علم أنهم آمنوا ثم كفروا وانهم كاذبون بما أظهروا من الايمان بحكم الاسلام وقال في المتلاعنين: "أبصروها فإن جاءت به كذا وكذا فلا أراه إلا وقد صدق عليها فجاءت به كذلك ولم يجعل له إليها سبيلا" إذ لم تقر ولم تقم عليها بينة وأبطل في حكم الدنيا عنهما استعمال الدلالة التي لا توجد في الدنيا بعد دلالة الله على المنافقين والأعراب أقوى مما اخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في امرأة العجلاني على ان يكون ثم كان كما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والأغلب على من سمع الفزازي يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ان امرأتي ولدت غلاما اسود وعرض بالقذف انه يريد القذف ثم لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم اذ لم يكن التعريض ظاهرا قذف فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم القذف والأغلب على من سمع قول ركانة لامرأته انت طالق ألبتة انه قد أوقع الطلاق بقوله أنت طالق وان ألبتة إرادة شيء غير الأول انه أراد الابتات بثلاث ولكنه لما كان ظاهرا في قوله واحتمل غيره لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم الا بظاهر الطلاق واحدة.


فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالا على ان ما اظهروا خلاف ما ابطنوا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة وذلك مثل أن يقول قائل من رجع عن الإسلام ممن ولد عليه قتلته ولم استتبه ومن رجع عنه ممن لم يولد عليه استتبه ولم يحكم الله على عباده الا حكما واحدا ومثله ان يقول من رجع عن الإسلام ممن اظهر نصرانية أو يهودية أو دينا يظهره كالمجوسية أستتبه فإن أظهر التوبة قبلت منه ومن رجع إلى دين خفية لم أستتبه وكل قد بدل دين الحق ورجع إلى الكفر فكيف يستتاب بعضهم ولا يستتاب بعض فإن قال لا أعرف توبة الذي يسر دينه قيل ولا يعرفها إلا الله وهذا مع خلافه حكم الله ثم رسوله كلام محال يسأل من قال هذا هل تدري لعل الذي كان أخفى الشرك يصدق بالتوبة والذي كان أظهر الشرك يكذب بالتوبة فإن قال نعم قيل فتدرى لعلك قتلت المؤمن الصادق الإيمان واستحييت الكاذب بإظهار الايمان فإن قال ليس علي إلا الظاهر قيل فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة محالة والمنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية بل كانوا يستسرون بدينهم فيقبل منهم ما يظهرون من الايمان فلو كان قائل هذا القول حين خالف السنة أحسن أن يقول شيئا له وجه ولكنه يخالفها ويعتل بما لا وجه له كأنه يرى أن اليهودية والنصرانية لا تكون إلا بإتيان الكنائس أرأيت إن كانوا ببلاد لا كنائس فيها أما يصلون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم قال وما وصفت من حكم الله ثم حكم رسوله في المتلاعنين يبطل حكم الدلالة التي هي اقوى من الذرائع واذا بطل الاقوى من الدلائل بطل الأضعف من الذارئع كلها وبطل الحد في التعريض بالقذف فإن من الناس من يقول إذا تشاتم الرجلان فقال أحدهما ما أنا بزان ولا أمي بزانية حد لانه إذا قاله على المشاتمة فالأغلب أنه إنما يريد به قذف الذي يشاتم وأمه وإن قاله على غير المشاتمة لم أحده إذا قال لم أرد القذف مع إبطال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم التعريض في حديث الفزاري الذي ولدت امرأته غلاما أسود فإن قال قائل فإن عمر حد في التعريض في مثل هذا قيل استشار أصحابه فخالفه بعضهم ومع من خالفه ما وصفنا من الدلالة ويبطل مثله قول الرجل لامرأته أنت طالق ألبتة لأن الطلاق إيقاع طلاق ظاهر والبتة تحتمل زيادة في عدد الطلاق وغير زيادة والقول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر حتى لا يحكم عليه أبدا إلا بظاهر ويجعل القول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر فهذا يدل على أنه لا يفسد عقد إلا بالعقد نفسه ولا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره ولا بتوهم ولا بالأغلب وكذلك كل شيء لا يفسد إلا بعقده ولا يفسد البيوع بأن يقول هذه ذربعة وهذه نية سوء ولو كان أن يبطل البيوع بأن تكون ذريعة إلى الربا كان اليقين في البيوع بعقد ما لا يحل أولى أن يريد به من الظن ألا ترى أن رجلا لو اشترى سيفا ونوى بشرائه أن يقتل به مسلما كان الشراء حلالا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها البيع وكذلك لو باع سيفا من رجل يريد أن يقتل به رجلا كان هذا هكذا ولو أن رجلا شريفا نكح دنية أعجمية أو شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد منهما أن يثبت على النكاح أكثر من ليلة لم يحرم النكاح بهذه النية لأن ظاهر عقده كان صحيحا إن شاء الزوج حبسها وإن شاء طلقها فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الإسلام على أن العقود إنما تثبت بظاهر عقدها لا تفسدها نية العاقدين كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة ولا تفسد بتوهم غير عاقدها على عاقدها ولا سيما إذا كان توهما ضعيفا انتهى كلام الشافعي.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الهازل بالنكاح والطلاق والرجعة كالجاد بها مع انه لم يقصد حقائق هذه العقود وابلغ من هذا قوله صلى الله عليه وسلم إنما أقضى بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحكم بالظاهر وإن كان في نفس الأمر لا يحل للمحكوم له ما حكم له به وفي هذا كله دلالة على إلغاء المقاصد والنيات في العقود وإبطال سد الذرائع واتباع ظواهر عقود الناس وألفاظهم وبالله التوفيق.

فانظر ملتقى البحرين ومعترك الفريقين فقد أبرز كل منهما حجته وخاض بحر العلم فبلغ منه لجته وأدلى من الحجج والبراهين بما لا يدفع وقال ما هو حقيق بأن يقول له اهل العلم قل يسمع وحجج الله لا تتعارض وأدلة الشرع لا تتناقض والحق يصدق بعضه بعضا ولا يقبل معارضة ولا نقضا وحرام على المقلد المتعصب أن يكون من أهل هذا الطراز الأول أو يكون على قوله وبحثه إذا حقت الحقائق المعول فليجرب المدعى ما ليس له والمدعى في قوم ليس منهم نفسه وعلمه وما حصله في الحكم بين الفريقين والقضاء للفصل بين المتغالبين وليبطل الحجج والأدلة من أحد الجانبين ليسلم له قول إحدى الطائفتين وإلا فيلزم حده ولا يتعدى طوره ولا يمد إلى العلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باعا يقصر عن الوصول إليه ولا يتجر بنقد زائف لا يروج عليه ولا يتمكن من الفصل بين المقالين إلا من تجرد لله مسافرا بعزمه وهمته إلى مطلع الوحي منزلا نفسه منزلة من يتلقاه غضا طريا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه آراء الرجال ولا يعرضه عليها ويحاكمها إليه ولا يحاكمه إليها فنقول وبالله التوفيق.

الألفاظ موضوعة للدلالة على ما في النفس:
إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفا ودلالة على ما في نفوسهم فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئا عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول ولا على مجرد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيها ولم يحط بها علما بل تجاوز للأمة عما حدثت به انفسها ما لم تعمل به أو تكلم به وتجاوز لها عما تكلمت به مخطئة أو ناسية أو مكرهة أو غير عالمة به إذا لم تكن مريدة لمعنى ما تكلمت به أو قاصدة اليه فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم هذه قاعدة الشريعة وهي من مقتضيات عدل الله وحكمته ورحمته فإن خواطر القلوب وإرادة النفوس لا تدخل تحت الاختيار فلو ترتبت عليها الاحكام لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الامة ورحمة الله تعالى وحمكته تأبى ذلك والغلط والنسيان والسهو وسبق اللسان بما لا يريده العبد بل يريد خلافه والتكلم به مكرها وغير عارف لمقتضاه من لوازم البشرية لا يكاد ينفك الانسان من شيء منه فلو رتب عليه الحكم لحرجت الامة واصابها غاية التعب والمشقة فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر كما تقدمت شواهده وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى وسبق اللسان بما لم يرده والتكلم في الإغلاق ولغو اليمين فهذه عشرة اشياء لا يؤاخذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها لعدم قصده وعقد قلبه الذي يؤاخذه به.

أما الخطأ من شدة الفرح فكما في الحديث الصحيح حديث فرح الرب بتوبة عبده وقول الرجل أنت عبدى وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح.

وأما الخطأ من شدة الغضب فكما في قوله تعالى: "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم" قال السلف هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله حال الغضب لو أجابه الله تعالى لأهلك الداعي ومن دعى عليه فقضى إليهم أجلهم وقد قال جماعة من الآئمة الإغلاق الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم من وقوع الطلاق والعتاق فيه هو الغضب وهذا كما قالوه فإن للغضب سكرا كسكر الخمر أو أشد.

وأما السكران فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فلم يرتب على كلام السكران حكما حتى يكون عالما بما يقول ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يشكك المقر بالزنا ليعلم هل هو عالم بما يقول أو غير عالم بما يقول ولم يؤاخذ حمزة بقوله في حال السكر هل أنتم إلا لأبي ولم يكفر من قرأ في حال سكره في الصلاة أعد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون وأما الخطأ والنيسان فقد قال تعالى حكاية عن المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وقال الله تعالى قد فعلت وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

وأما المكره فقد قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ} والإكراه داخل في حكم الإغلاق
وأما اللغو فقد رفع الله تعالى المؤاخذة به حتى يحصل عقد القلب وأما سبق اللسان بما لم يرده المتكلم فهو دائر بين الخطأ في اللفظ والخطأ في القصد فهو أولى أن لا يؤاخذ به من لغو اليمين وقد نص الأئمة على مسائل من ذلك تقدم ذكر بعضها.

وأما الاغلاق فقد نص عليه صاحب الشرع والواجب حمل كلامه فيه على عمومه اللفظي والمعنوي فكل من أغلق عليه باب قصده وعلمه كالمجنون والسكران والمكره والغضبان فقد تكلم في الاغلاق ومن فسره بالجنون أو بالسكر أو بالغصب أو بالاكراه فإنما قصد التمثيل لا التخصيص ولو قدر ان اللفظ يختص بنوع من هذه الأنواع لوجب تعميم الحكم بعموم العلة فإن الحكم إذا ثبت لعلة تعدى بتعديها وانتفى بانتفائها.

فصل: أقسام الألفاظ الثلاثة
فإذا تمهدت هذه القاعدة فنقول الالفاظ بالنسبة إلى مقاصد المتكلمين ونياتهم وإراداتهم لمعانيها ثلاثة أقسام.

القسم الأول من أقسام الألفاظ
أحدها أن تظهر مطابقة القصد للفظ وللظهور مراتب تنتهي إلى اليقين والقطع بمراد المتكلم بحسب الكلام في نفسه وما يقترن به من القرائن الحالية واللفظية وحال المتكلم به وغير ذلك كما إذا سمع العاقل والعارف باللغة قوله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب وكما ترون الشمس في الظهيرة صحوا ليس دونها سحاب لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤيتها فإنه لا يستريب ولا يشك في مراد المتكلم وأنه رؤية البصر حقيقة وليس في الممكن عبارة أوضح ولا أنص من هذه ولو اقترح على أبلغ الناس أن يعبر عن هذا المعنى بعبارة لا تحتمل غيره لم يقدر على عبارة أوضح ولا أنص من هذه وعامة كلام الله ورسوله من هذا القبيل فإنه مستول على الأمد الأقصى من البيان.

فصل: القسم الثاني من أقسام الألفاظ
القسم الثاني: ما يظهر بأن المتكلم لم يرد معناه وقد ينتهي هذا الظهور إلى حد اليقين بحيث لا يشك السامع فيه وهذا القسم نوعان أحدهما أن لا يكون مريدا لمقتضاه ولا لغيره والثاني أن يكون مريدا لمعنى يخالفه فالأول كالمكره والنائم والمجنون ومن اشتد به الغضب والسكران والثاني كالمعرض والمورى والملغز والمتأول.

فصل: القسم الثالث من أقسام الألفاظ
القسم الثالث ما هو ظاهر في معناه ويحتمل إرادة المتكلم له ويحتمل إرادته غيره ولا دلالة على واحد من الأمرين واللفظ دال على المعنى الموضوع له وقد أتى به اختياراً.

متى يحمل الكلام على ظاهره:
فهذه أقسام الألفاظ بالنسبة إلى إرادة معانيها ومقاصد المتكلم بها وعند هذا يقال إذا ظهر قصد المتكلم لمعنى الكلام أو لم يظهر قصد يخالف كلامه وجب حمل كلامه على ظاهره والأدلة التي ذكرها الشافعي رضي الله عنه وأضعافها كلها إنما تدل على ذلك وهذا حق لا ينازع فيه عالم والنزاع إنما هو في غيره.

إذا عرف هذا فالواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاظب ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك ومدعي غير ذلك على المتكلم القاصد للبيان والتفهيم كاذب عليه.

قال الشافعي:
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظاهره بت ومن ادعى أنه لا طريق لنا إلى اليقين بمراد المتكلم لان العلم بمراده موقوف على العلم بانتفاء عشرة أشياء فهو ملبوس عليه ملبس على الناس فإن هذا لو صح لم يحصل لأحد العلم بكلام المتكلم قط وبطلت فائدة التخاطب وانتفت خاصية الإنسان وصار الناس كالبهائم بل أسوأ حالا ولما علم غرض هذا المصنف من تصنيفه وهذا باطل بضرورة الحس والعقل وبطلانه من أكثر من ثلاثين وجها مذكورة في غير هذا الموضع ولكن حمل كلام المتكلمين على ظاهره لا ينبغي صرفه عن ذلك لدلالة تدل عليه كالتعريض ولحن الخطاب والتورية وغير ذلك وهذا أيضا مما لا ينازع فيه العقلاء.

متى يحمل الكلام على غير ظاهره؟
وإنما النزاع في الحمل على الظاهر حكما بعد ظهور مراد المتكلم والفاعل بخلاف ما أظهره فهذا هو الذي وقع فيه النزاع وهو هل الاعتبار بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد والنيات بخلافها ام للقصود والنيات تأثير يوجب الالتفات إليها ومراعاة جانبها وقد تظاهرت أدلة الشرع وقواعده على أن القصود في العقود معتبرة وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده وفي حله وحرمته بل أبلغ من ذلك وهي أنها تؤثر في الفعل الذي ليس بعقد تحليلا وتحريما فيصير حلالا تارة وحراما تارة أخرى باختلاف النية والقصد كما يصير صحيحا تارة وفاسدا تارة باختلافها وهذا كالذبح فإن الحيوان يحل إذا ذبح لأجل الأكل ويحرم إذ ذبح لغير الله وكذلك الحلال يصيد الصيد للمحرم فيحرم عليه ويصيده للحلال فلا يحرم على المحرم وكذلك الرجل يشتري الجارية ينوى أن تكون لموكله فتحرم على المشتري وينوى أنها له فتحل له وصورة العقد واحدة وإنما اختلفت النية والقصد وكذلك صورة القرض وبيع الدرهم بالدرهم إلى اجل صورتهما واحدة وهذا قربة صحيحة وهذا معصية باطلة بالقصد وكذلك عصر العنب بنية أن يكون خمرا معصية ملعون فاعله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصره بنية أن يكون خلا أو دبسا جائز وصورة الفعل واحدة وكذلك السلاح يبيعه الرجل لمن يعرف انه يقتل به مسلما حرام باطل لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان وإذا باعه لمن يعرف انه يجاهد به في سبيل الله فهو طاعة وقربة وكذلك عقد النذر المعلق على شرط ينوي به التقرب والطاعة فيلزمه الوفاء بما نذره وينوي به الحلف والامتناع فيكون يمينا مكفرة وكذلك تعليق الكفر بالشرط ينوي به اليمين والامتناع فلا يكفر بذلك وينوي به وقوع الشرط فيكفر عند وجود الشرط ولا يكفر إن نوى به اليمين وصورة اللفظ واحدة وكذلك ألفاظ الطلاق صريحها وكنايتها ينوى بها الطلاق فيكون ما نواه وينوى به غيره فلا تطلق وكذلك قوله أنت عندي مثل أمي ينوي بها الظهار فتحرم عليه وينوي به أنها مثلها في الكرامة فلا تحرم عليه وكذلك من أدى عن غيره واجبا ينوي به الرجوع ملكه وإن نوى به التبرع لم يرجع.

وهذه كما أنها أحكام الرب تعالى في العقود فهي أحكامه تعالى في العبادات والمثوبات والعقوبات فقد اطردت سنته بذلك في شرعه وقدره أما العبادات فتأثير النيات في صحتها وفسادها أظهر من أن يحتاج إلى ذكره فإن القربات كلها مبناها على النيات ولا يكون الفعل عبادة إلا بالنية والقصد ولهذا لو وقع في الماء ولم ينو الغسل أو دخل الحمام للتنظيف أو سبح للتبرد لم يكن غسله قربة ولا عبادة بالاتفاق فإنه لم ينو العبادة فلم تحصل له وإنما لامرئ ما نوى ولو امسك عن المفطرات عادة واشتغالا ولم ينو القربة لم يكن صائما ولو دار حول البيت يلتمس شيئا سقط منه لم يكن طائفا ولو أعطى الفقير هبة أو هدية ولم ينو الزكاة لم يحسب زكاة ولو جلس في المسجد ولم ينو الاعتكاف لم يحصل له وهذا كما أنه ثابت في الإجزاء والامتثال فهو ثابت في الثواب والعقاب ولهذا لو جامع أجنبية يظنها زوجته أو أمته لم يأثم بذلك وقد يثاب بنيته ولو جامع في ظلمة من يظنها أجنبية فبانت زوجته أو أمته أثم على ذلك بقصده ونيته للحرام ولو أكل طعاما حراما يظنه حلالا لم يأثم به ولو أكله وهو حلال يظنه حراما وقد أقدم عليه أثم بنيته وكذلك لو قتل من يظنه مسلما معصوما فبان كافرا حربيا أثم بنيته ولو رمى صيدا فأصاب معصوما لم يأثم ولو رمى معصوما فأخطأه وأصاب صيدا أثم ولهذا كان القاتل والمقتول من المسلمين في النار لنية كل واحد منهما قتل صاحبه.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:30 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالخميس 07 أبريل 2016, 6:01 am

العمل تابع للنية:
فالنية روح العمل ولبه وقوامه وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما قوله إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية ولهذا لا يكون عمل إلا بنية ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا ولا يعصمه من ذلك صورة البيع وأن من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ولا يخرجه من ذلك صورة عقد النكاح لأنه قد نوى ذلك وإنما لامريء ما نوى فالمقدمة الأولى معلومة بالوجدان والثانية معلومة بالنص وعلى هذا فإذا نوى بالعصر حصول الخمر كان له ما نواه ولذلك استحق اللعنة وإذا نوى بالفعل التحيل على ما حرمه الله ورسوله كان له ما نواه فإنه قصد المحرم وفعل مقدوره في تحصيله.

ولا فرق في التحيل على المحرم بين الفعل الموضوع له وبين الفعل الموضوع لغيره إذا جعل ذريعة له لا في عقل ولا في شرع ولهذا لو نهى الطبيب المريض عما يؤذيه وحماه منه فتحيل على تناوله عد متناولا لنفس ما نهى عنه ولهذا مسخ الله اليهود قردة لما تحيلوا على فعل ما حرمه الله ولم يعصمهم من عقوبته إظهار الفعل المباح لما توسلوا به إلى ارتكاب محارمه ولهذا عاقب أصحاب الجنة بأن حرمهم ثمارها لما توسلوا بجذاذها مصبحين إلى إسقاط نصيب المساكين ولهذا لعن اليهود لما أكلوا ثمن ما حرم الله عليهم أكله ولم يعصمهم التوصل إلى ذلك بصورة البيع وأيضا فإن اليهود لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم وتنتقل إلى اسم الودك فلما تحيلوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم.

ذلك بطلان الحيل والدلالة على تحريمها:
قال الخطابي في هذا الحديث بطلان كل حيلة يحتال بها المتوسل إلى المحرم فإنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه.

قال شيخنا رضي الله عنه:
ووجه الدلالة ما أشار إليه أحمد أن اليهود لما حرم الله عليهم الشحوم أرادوا الاحتيال على الانتفاع بها على وجه لا يقال في الظاهر إنهم انتفعوا بالشحم فجملوه وقصدوا بذلك ان يزول عنه اسم الشحم ثم انتفعو بثمنه بعد ذلك لئلا يكون الانتفاع في الظاهر بعين المحرم ثم مع كونهم احتالوا بحيلة خرجوا بها في زعمهم من ظاهر التحريم من هذين الوجهين لعنهم الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الاستحلال نظرا إلى المقصود وان حكمة التحريم لا تختلف سواء كان جامدا أو مائعا وبذل الشيء يقوم مقامه ويسد مسده فإذا حرم الله الانتفاع بشيء حرم الاعتياض عن تلك المنفعة واما ما ابيح الانتفاع به من وجه دون وجه كالخمر مثلا فإنه يجوز بيعها لمنفعة الظهر المباحة لا لمنفعة اللحم المحرمة وهذا معنى حديث ابن عباس الذي رواه ابو داود وصححه الحاكم وغيره لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه يعنى ثمنه المقابل لمنفعة الأكل فإذا كان فيه منفعة أخرى وكان الثمن في مقابلتها لم يدخل في هذا إذا تبين هذا فمعلوم أنه لو كان التحريم معلقا بمجرد اللفظ وبظاهر من القول دون مراعاة المقصود للشيء المحرم ومعناه وكيفيته لم يستحقوا اللعنة لوجهين: أحدهما أن الشحم خرج بجملة عن أن يكون شحما وصار ودكا كما يخرج الربا بالاحتيال فيه عن لفظ الربا إلى أن يصير بيعا عند من يستحل ذلك فإن من أراد أن يبيع مائة بمائة وعشرين إلى اجل فأعطى سلعة بالثمن المؤجل ثم اشتراها بالثمن الحال ولا غرض لواحد منهما في السلعة بوجه ما وإنما هي كما قال فقيه الأمة دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة فلا فرق بين ذلك وبين مائة بمائة وعشرين درهما بلا حيلة ألبتة لا في شرع ولا في عقل ولا عرف بل المفسدة التي لأجلها حرم الربا بعينها قائمة مع الاحتيال أو أزيد منها فإنها تضاعفت بالاحتيال لم تذهب ولم تنقص فمن المستحيل على شريعة أحكم الحاكمين أن يحرم ما فيه مفسدة ويلعن فاعله ويؤذنه بحرب منه ورسوله ويوعده أشد الوعيد ثم يبيح التحيل على حصول ذلك بعينه سواء مع قيام تلك المفسدة وزيادتها بتعب الاحتيال في معصية ومخادعة الله ورسوله هذا لا يأتي به شرع فإن الربا على الأرض أسهل وأقل مفسدة من الربا بسلم طويل صعب التراقي يترابى المترابيان على رأسه.

فيالله العجب أي مفسدة من مفاسد الربا زالت بهذا الاحتيال والخداع فهل صار هذا الذنب العظيم عند الله الذي هو من اكبر الكبائر حسنة وطاعة بالخداع والاحتيال ويالله كيف قلب الخداع والاحتيال حقيقته من الخبيث إلى الطيب ومن المفسدة إلى المصلحة وجعله محبوبا للرب تعالى بعد أن كان مسخوطا له ولئن كان هذا الاحتيال يبلغ هذا المبلغ فإنه عند الله ورسوله بمكان ومنزلة عظيمة وإنه من أقوى دعائم الدين وأوثق عراه وأجل أصوله.

ويالله العجب كيف تزول مفسدة التحليل الذي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعن فاعله مرة بعد أخرى بتسبيق شرطه وتقديمه على صلب العقد وخلاء صلب العقد من لفظه وقد وقع التواطؤ والتوافق عليه واي غرض للشارع وأي حكمة في تقديم الشرط وتسبيقه حتى تزول به اللعنة وتنقلب به خمرة هذا العقد خلا وهل كان عقد التحليل مسخوطا لله ورسوله لحقيقته ومعناه أم لعدم مقارنة الشرط له وحصول صورة نكاح الرغبة مع القطع بانتفاء حقيقته وحصول حقيقة نكاح التحليل وهكذا الحيل الربوية فإن الربا لم يكن حراما لصورته ولفظة وإنما كان حراما لحقيقته التي أمتاز بها عن حقيقة البيع فتلك الحقيقة حيث وجدت وجد التحريم في أي صورة ركبت وبأي لفظ عبر عنها فليس الشأن في الأسماء وصور العقود وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له.

الوجه الثاني:
أن اليهود لم ينتفعوا بعين الشحم وإنما انتفعوا بثمنه ويلزم من راعى الصور والظواهر والألفاظ دون الحقائق والمقاصد أن يحرم ذلك فلما لعنوا على استحلال الثمن وإن لم ينص لهم على تحريمه علم أن الواجب النظر إلى الحقيقة والمقصود لا إلى مجرد الصورة ونظير هذا أن يقال لرجل لا تقرب مال اليتيم فيبيعه ويأخذ عوضه ويقول لم أقرب ماله وكمن يقول لرجل لا تشرب من هذا النهر فيأخذ بيديه ويشرب بكفيه ويقول لم أشرب منه وبمنزلة من يقول لا تضرب زيدا فيضربه فوق ثيابه ويقول إنما ضربت ثيابه وبمنزلة من يقول لا تأكل مال هذا الرجل فإنه حرام فيشتري به سلعة ولا يعينه ثم ينقده للبائع ويقول لم آكل ماله إنما أكلت ما اشتريته وقد ملكت ظاهرا وباطنا وأمثال هذه الأمور التي لو استعملها الطبيب في معالجة المرضى لزاد مرضهم ولو استعملها المريض لكان مرتكبا لنفس ما نهاه عنه الطبيب كمن يقول له الطبيب: لا تأكل اللحم فإنه يزيد في مواد المرض فيدقه ويعمل منه هريسة ويقول لم آكل اللحم وهذا المثال مطابق لعامة الحيل الباطلة في الدين.

ويالله العجب أي فرق بين بيع مائة بمائة وعشرين درهما صريحا وبين إدخال سلعة لم تقصد أصلا بل دخولها كخروجها ولهذا لا يسأل العاقد عن جنسها ولا صفتها ولا قيمتها ولا عيب فيها ولا يبالي بذلك ألبتة حتى لو كانت خرقة مقطعة أو أذن شاة أو عودا من حطب ادخلوه محللا للربا ولما تفطن المحتالون أن هذه السلعة لا اعتبار بها في نفس الامر وانها ليست مقصودة بوجه وأن دخولها كخروجها تهاونوا بها ولم يبالوا بكونها مما يتمول عادة أولا يتمول ولم يبال بعضهم بكونها مملوكة للبائع أو غير مملوكة بل لم يبال بعضهم بكونها مما يباع أو مما لا يباع كالمسجد والمنارة والقلعة وكل هذا وقع من أرباب الحيل وهذا لما علموا أن المشتري لاغرض له في السلعة فقالوا أي سلعة اتفق حضورها حصل بها التحليل كأي تيس اتفق في باب محلل النكاح.

مثل من وقف مع الظواهر ولم يراع الحقائق:
وما مثل من وقف مع الظواهر والألفاظ ولم يراع المقاصد والمعاني إلا كمثل رجل قيل له لا تسلم على صاحب بدعة فقبل يده ورجله ولم يسلم عليه أو قيل له اذهب فاملأ هذه الجرة فذهب فملأها ثم تركها على الحوض وقال لم تقل ايتني بها وكمن قال لوكيله بع هذه السلعة فباعها بدرهم وهي تساوي مائة ويلزم من وقف مع الظواهر أن يصحح هذا البيع ويلزم به الموكل وإن نظر إلى المقاصد تناقض حيث ألقاها في غير موضع وكمن أعطاه رجل ثوبا فقال والله لا ألبسه لما له فيه من المئة فباعه وأعطاه ثمنه فقبله وكمن قال والله لا أشرب هذا الشراب فجعله عقيدا أو ثرد فيه خبزا وأكله ويلزم من وقف مع الظواهر والألفاظ أن لا يحد من فعل ذلك بالخمر وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ان من الامة من يتناول المحرم ويسميه بغير اسمه فقال: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير" رواه احمد وأبو داود وفي مسند الإمام احمد مرفوعا يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها وفيه عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يشرب ناس من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه" وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي امامة يرفعه: "لا تذهب الليالي والأيام حتى بشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" قال شيخنا رضي الله عنه وقد جاء حديث آخر يوافق هذا مرفوعا وموقوفا من حديث ابن عباس يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء يستحلون الخمر باسم يسمونها إياه والسحت بالهدية والقتل بالرهبة والزنا بالنكاح والربا بالبيع وهذا حق فان استحلال الربا باسم البيع ظاهر كالحيل الربوية التي صورتها صورة البيع وحقيقتها حقيقة الربا ومعلوم ان الربا إنما حرم لحقيقته ومفسدته لا لصورته واسمه فهب ان المرابي لم يسمه ربا وسماه بيعا فذلك لا يخرج حقيقته وماهيته عن نفسها وأما استحلال الخمر باسم آخر فكما استحل المسكر من غير عصير العنب وقال لا أسميه خمرا وإنما هو نبيذ وكما يستحلها طائفة من المجان إذا مزجت ويقولون خرجت عن اسم الخمر كما يخرج الماء بمخالطة غيره له عن اسم الماء المطلق وكما يستحلها من يستحلها اذا اتخذت عقيدا ويقول هذه عقيد لا خمر ومعلوم ان التحريم تابع للحقيقة والمفسدة لا للاسم والصورة فإن إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة لا تزول بتبديل الاسماء والصور عن ذلك وهل هذا إلا من سوء الفهم وعدم الفقه عن الله ورسوله وأما استحلال السحت باسم الهدية وهو أظهر من ان يذكر كرشوة الحاكم والوالي وغيرهما فإن المرتشي ملعون هو والراشي لما في ذلك من المفسدة ومعلوم قطعا انهما لا يخرجان عن الحقيقة وحقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية.

وقد علمنا وعلم الله وملائكته ومن له إطلاع على الحيل أنها رشوة وأما استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسميه ولاة الجور سياسة وهيبة وناموسا وحرمة للملك فهو اظهر من أن يذكر وأما استحلال الزنا باسم النكاح فهو الزنا بالمرأة التي لا غرض له أن يقم معها ولا أن تكون زوجته وإنما غرضه أن يقضي منها وطره أو بأخذ جعلا على الفساد بها ويتوصل إلى ذلك باسم النكاح وإظهار صورته وقد علم الله ورسوله والملائكة والزوج والمرأة انه محلل لا ناكح وانه ليس بزوج وإنما هو تيس مستعار للضراب بمنزلة حمار العشريين.

أسماء ما أنزل الله بها من سلطان:
فيالله العجب اى فرق في نفس الأمر بين الزنا وبين هذا نعم هذا زنا بشهود من البشر وذلك زنا بشهود من الكرام الكاتبين كما صرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: "لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة" إذا علم الله انه إنما يريد أن يحللها والمقصود ان هذا المحلل اذا قيل: له هذا زنا قال: ليس بزنا بل نكاح كما أن المرابي إذا قيل: له هذا ربا قال: بل هو بيع وكذلك كل من استحل محرما بتغيير اسمه وصورته كمن يستحل الحشيشة باسم لقيمة الراحة ويستحل المعازف كالطنبور والعود والبربط باسم يسميها به وكما يسمى بعضهم المغني بالحادي والمطرب والقوال وكما يسمي الديوث بالمصلح والموفق والمحسن ورأيت من يسجد لغير الله من الأحياء والأموات ويسمى ذلك وضع الرأس للشيخ قال: ولا أقوال هذا سجود.

وهكذا الحيل سواء فإن أصحابها يعمدون إلى الأحكام فيعقلونها بمجرد اللفظ ويزعمون ان الذي يستحلونه ليس بداخل في لفظ الشيء المحرم مع القطع بأن معناها معنى الشيء المحرم فإن الرجل إذا قال: لمن له عليه ألف اجعلها ألفا ومائة إلى سنة بإدخال هذه الخرقة وإخراجها صورة لا معنى لم يكن فرق بين توسطها وعدمه وكذلك اذا قال: مكنيني من نفسك اقض منك وطرا يوما أو ساعة بكذا وكذا لم يكن فرق بين إدخال شاهدين في هذا أو عدم إدخالهما وقد تواطئا على قضاء وطر ساعة من زمان.

ولو أوجب تبديل الاسماء والصور تبدل الأحكام والحقائق لفسدت الديانات وبدلت الشرائع واضمحل الإسلام وأي شيء نفع المشركين تسميتهم أصنامهم آلهة وليس فيها شيء من صفات الإلهية وحقيقتها وأي شيء نفعهم تسمية الإشراك بالله تقربا إلى الله وأي شيء نفع المعطلين لحقائق أسماء الله وصفاته تسميه ذلك تنزيها وأي شيء نفع الغلاة من البشر واتخاذهم طواغيت يعبدونها من دون الله تسمية ذلك تعظيما واحتراما وأي شيء نفع نفاة القدر المخرجين لأشرف ما في مملكة الرب تعالى من طاعات أنبيائه ورسله وملائكته وعباده عن قدرته تسمية ذلك عدلا وأي شيء نفعهم نفيهم لصفات كما له تسمية ذلك توحيدا وأي شيء نفع أعداء الرسل من الفلاسفة القائلين بأن الله لم يخلق السموات والأرض في ستة ايام ولا يحيي الموتى ولا يبعث من في القبور ولا يعلم شيئا من الموجودات ولا أرسل إلى الناس رسلا يأمرونهم بطاعته تسمية ذلك حكمة وأي شيء نفع أهل النفاق تسمية نفاقهم عقلا معيشيا وقدحهم في عقل من لم ينافق نفاقهم ويداهن في دين الله واي شيء نفع المكسة تسمية ما يأخذونه ظلما وعدوانا حقوقا سلطانية وتسمية أوضاعهم الجائرة الظالمة المناقضة لشرع الله ودينه شرع الديوان واي شيء نفع أهل البدع والضلال تسمية شبههم الداحضة عند ربهم وعند اهل العلم والدين والايمان عقليات وبراهين وتسمية كثير من المتصوفة الخيالات الفاسدة والشطحات حقائق فهؤلاء كلهم حقيق ان يتلى عليهم: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:30 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالإثنين 25 أبريل 2016, 8:59 pm

العبرة في العقود القصد دون اللفظ المجرد
ومما يوضح ما ذكرناه من ان القصود في العقود معتبرة دون الألفاظ المجردة التي لم تقصد بها معانيها وحقائقها أو قصد غيرها ان صيغ العقود كبعت واشتريت وتزوجت واجرت إما إخبارات وإما إنشاءات وإما أنها متضمنة للأمرين فهي إخبارات عما في النفس من المعاني التي تدل على العقود وإنشاءات لحصول العقود في الخارج فلفظها موجب لمعناها في الخارج وهي أخبار عما في النفس من تلك المعاني ولا بد في صحتها من مطابقة خبرها لمخبرها فإذا لم تكن تلك المعاني في النفس كانت خبرا كاذبا وكانت بمنزلة قول المنافق أشهد أن محمدا رسول الله وبمنزلة قوله آمنت بالله وباليوم الاخر وكذلك المحلل إذا قال: تزوجت وهو لا يقصد التزوج المعني الذي جعله الله في الشرع كان إخباراً كاذباً وإنشاءً باطلاً.

فإنا نعلم ان هذه اللفظة لم توضح في الشرع ولا في العرف ولا في اللغة لمن قصد رد المطلقة إلى زوجها وليس له قصد في النكاح الذي وضعه الله بين عباده وجعله سببا للمودة والرحمة بين الزوجين وليس له قصد في توابعه حقيقة ولا حكما فمن ليس له قصد في الصحبة ولا في العشرة ولا في المصاهرة ولا في الولد ولا المواصلة ولا المعاشرة ولا الإيواء بل قصده ان يفارق لتعود إلى غيره.

فالله جعل النكاح سبباً للمواصلة والمصاحبة والمحلل جعله سبباً للمفارقة فإنه تزوج ليطلق فهو مناقض لشرع الله ودينه وحكمته فهو كاذب في قوله تزوجت بإظهاره خلاف ما في قلبه وبمنزلة من قال: لغيره وكلتك أو شاركتك أو ضاربتك أو ساقيتك وهو يقصد رفع هذه العقود وفسخها.

وقد تقدم ان صيغ العقود اخبارات عما في نفس من المعاني التي هي أصل العقود ومبدأ الحقيقة التي بها يصير اللفظ كلاما معتبرا فإنها لا تصير كلاما معتبرا إلا إذا قرنت بمعانيها فتصير انشاء للعقود والتصرفات من حيث إنها هي التي اثبتت الحكم وبها وجد وإخبارات من حيث دلالتها على المعاني التي في النفس فهى تشبه في اللفظ احببت أو ابغضت وكرهت وتشبه في المعنى قم واقعد وهذه الاقوال انما تفيد الأحكام اذا قصد المتكلم بها حقيقة أو حكما ما جعلت له وإذا لم يقصد بها ما يناقض معناها وهذا فيما بينه وبين الله تعالى فأما في الظاهر فالأمر محمول على الصحة وإلا لما تم عقد ولا تصرف فاذا قال: بعت أو تزوجت كان هذا اللفظ دليلا على انه قصد معناه المقصود به وجعله الشارع بمنزلة القاصد إن كان هازلا وباللفظ والمعنى جميعا يتم الحكم فكل منهما جزء السبب وهما مجموعه وإن كانت العبرة في الحقيقة بالمعنى واللفظ دليل ولهذا يصار إلى غيره عند تعذره وهذا شأن عامة أنواع الكلام فإنه محمول على معناه المفهوم منه عند الإطلاق لاسيما الأحكام الشرعية التي علق الشارع بها احكامها.

فإن المتكلم عليه ان يقصد بتلك الالفاظ معانيها والمستمع عليه ان يحملها على تلك المعاني فإن لم يقصد المتكلم بها معانيها بل تكلم بها غير قاصد لمعانيها أو قاصدا لغيرها أبطل الشارع عليه قصده فإن كان هازلا أولاعبا لم يقصد المعنى ألزمه الشارع المعنى كمن هزل بالكفر والطلاق والنكاح والرجعة بل لو تكلم الكافر بكلمة الاسلام هازلا ألزم به وجرت عليه أحكامه ظاهرا وإن تكلم بها مخادعاً ماكراً محتالاً مظهراً خلاف ما أبطن لم يعطه الشارع مقصوده كالمحلل والمرابي بعقد العينة وكل من احتال على إسقاط واجب أو فعل محرم بعقد أو قول أظهره وأبطن الامر الباطل وبهذا يخرج الجواب عن الالزام بنكاح الهازل وطلاقه ورجعته وان لم يقصد حقائق هذه الصيغ ومعانيها.

تقسيمات لصيغ العقود:
ونحن نذكر تقسيما جامعا نافعا في هذا الباب نبين به حقيقة الامر فنقول المتكلم بصيغ العقود إما أن يكون قاصدا للتكلم بها أو لا يكون قاصدا فإن لم يقصد التكلم بها كالمكره والنائم والمجنون والسكران والمغلوب على عقله لم يترتب عليها شيء وإن كان في بعض ذلك نزاع وتفصيل فالصواب ان اقول هؤلاء كلها هدر كما دل عليه الكتاب والسنة والميزان واقوال الصحابة وإن كان قاصدا للتكلم بها فإما ان يكون عالما بغاياتها متصورا لها أو لا يدري معانيها ألبتة بل هي عنده كأصوات ينعق بها.

فإن لم يكن عالما بمعناها ولا متصورا له لم يترتب عليه أحكامها أيضا ولا نزاع بين أئمة الإسلام في ذلك وإن كان متصورا لمعانيها عالما بمدلولها فإما أن يكون قاصدا لها أو لا فإن كان قاصدا لها ترتبت أحكامها في حقه ولزمته وإن لم يكن قاصدا لها فإما ان يقصد خلافها أو لا يقصد لا معناها ولا غير معناها فإن لم يقصد غير التكلم بها فهو الهازل ونذكر حكمه وإن قصد غير معناها فإما أن يقصد ما يجوز له قصده أو لا فإن قصد ما يجوز له قصده نحو أن يقصد بقوله أنت طالق من زوج كان قبلي أو يقصد بقوله أمتي أو عبدي حر أنه عفيف عن الفاحشة أو يقصد بقوله امرأتي عندي مثل أمي في الكرامة والمنزلة ونحو ذلك لم تلزمه احكام هذه الصيغ فيما بينه وبين الله تعالى.

واما في الحكم فإن اقترن بكلامه قرينة تدل على ذلك لم يلزمه أيضا لان السياق والقرينة بينة تدل على صدقه وإن لم يقترن بكلامه قرينه أصلا وادعى ذلك دعوى مجردة لم تقبل منه وإن قصد بها ما لا يجوز قصده كالتكلم بنكحت وتزوجت بقصد التحليل وبعت واشتريت بقصد الربا وبخالعتها بقصد الحيلة على فعل المحلوف عليه وبملكت بقصد الحيلة على إسقاط الزكاة أو الشفعة وما أشبه ذلك فهذا لا يحصل له مقصوده الذي قصده وجل ظاهر اللفظ والفعل وسيلة اليه فإن في تحصيل مقصوده تنفيذا للمحرم واسقاطا للواجب وإعانة على معصية الله ومناقضة لدينه وشرعه فإعانته على ذلك إعانة على الاثم والعدوان ولا فرق بين اعانته على ذلك بالطريق التي وضعت مفضية اليه وبين إعانته على ذلك بالطريق التي وضعت مفضية إلى غيره فالمقصود إذا كان واحدا لم يكن اختلاف الطرق الموصلة اليه بموجب لاختلاف حكمه فيحرم من طريق ويحل بعينه من طريق اخرى.

والطرق وسائل وهي مقصودة لغيرها فأي فرق بين التوسل إلى الحرام بطريق الاحتيال والمكر والخداع والتوسل إليه بطريق المجاهرة التي يوافق فيها السر الإعلان والظاهر الباطن والقصد اللفظ بل سالك هذه الطريقة قد تكون عاقبته أسلم وخطره أقل من سالك تلك من وجوه كثيرة كما ان سالك طريق الخداع والمكر عند الناس امقت وفي قلوبهم أوضع وهم عنه اشد نفرة ممن أتى الامر على وجهه ودخله من بابه ولهذا قال: ايوب السختياني وهو من كبار التابعين وساداتهم وأئمتهم في هؤلاء يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الامر على وجهه كان اسهل عليهم.

أنهما لم يقصدا بالسبب حكمه ولا باللفظ معناه وانما قصدا التوسل بذلك اللفظ وبظاهر ذلك السبب إلى شيء آخر غير حكم السبب لكن احدهما راهب قصده دفع الضرر عن نفسه ولهذا يحمد أو يعذر على ذلك والآخر راغب قصده إبطال حق وإيثار باطل ولهذا يذم على ذلك فالمكره يبطل حكم السبب فيما عليه وفيما له لانه لم يقصد واحدا منهما والمحتال يبطل حكم السبب فيما احتال عليه وأما فيما سواه فيجب فيه التفصيل.

وههنا امر لابد منه وهو ان من ظهر لنا انه محتال فكمن ظهر لنا انه مكره ومن ادعى انه انما قصد الاحتيال فكمن ادعى انه مكره وان كان ظهور امر المكره ابين من ظهور امر المحتال.

فصل: حكم عقود الهازل
وأما الهازل فهو الذي يتكلم بالكلام من غير قصد لموجبه وحقيقته بل على وجه اللعب ونقيضه الجاد فاعل من الجد بكسر الجيم وهو نقيض الهزل وهو مأخوذ من جد فلان إذا عظم واستغنى وصار ذا حظ والهزل من هزل إذا ضعف وضؤل نزل الكلام الذي يراد معناه وحقيقته بمنزلة صاحب الحظ والبخت والغنى والذي لم يرد معناه وحقيقته بمنزلة الخالي من ذلك إذ قوام الكلام بمعناه وقوام الرجل بحظه وماله وقد جاء فيه حديث أبي هريرة المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة" رواه أهل السنن وحسنه الترمذي وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من نكح لاعباً أو طلق لاعباً أو اعتق لاعباً فقد جاز".

وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "أربع جائزات اذا تكلم بهن الطلاق والعتاق والنكاح والنذر" وقال امير المؤمنين علي كرم الله وجهه: "ثلاثة لا لعب فيهن الطلاق والعتاق والنكاح" وقال ابو الدرداء: ثلاث اللعب فيهن كالجد الطلاق والعتاق والنكاح" وقال ابن مسعود النكاح جده ولعبه سواء ذكر ذلك ابو حفص العكبري.

فصل: عقود الهازل واختلاف الفقهاء في نفاذها
فأما طلاق الهازل فيقع عند الجمهور وكذلك نكاحه صحيح كما صرح به النص وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين وهو قول الجمهور وحكاه ابو حفص أيضا عن احمد وهو قول أصحابه وقول طائفة من أصحاب الشافعي وذكر بعضهم ان الشافعي نص على ان نكاح الهازل لا يصح بخلاف طلاقه ومذهب مالك الذي رواه ابن القاسم عنه وعليه العمل عند أصحابه ان هزل النكاح والطلاق لازم بخلاف البيع وروى عنه علي بن زياد ان نكاح الهازل لا يجوز قال: بعض اصحابه فان قام دليل على الهزل لم يلزمه عتق ولا نكاح ولا طلاق ولا شيء عليه من الصداق واما بيع الهازل وتصرفاته المالية فإنه لا يصح عند القاضي أبي يعلى واكثر اصحابه وهو قول الحنفية والمالكية وقال ابو الخطاب في انتصاره يصح بيعه كطلاقه وخرجها بعض الشافعية على وجهين ومن قال: بالصحة قاس سائر التصرفات على النكاح والطلاق والرجعة.

والفقه فيه ان الهازل اتى بالقول غير ملتزم لحكمه وترتيب الاحكام على الاسباب للشارع لا للعاقد فاذا اتى بالسبب لزمه حكمه شاء ام ابى لان ذلك لا يقف على اختياره وذلك ان الهازل قاصد للقول مريد له مع علمه بمعناه وموجبه وقصد اللفظ المتضمن للمعنى قصد لذلك المعنى لتلازمهما إلا ان يعارضه قصد آخر كالمكره والمخادع المحتال فإنهما قصدا شيئا آخر غير معني القول وموجبه ألا ترى ان المكره قصد دفع العذاب عن نفسه ولم يقصد السبب ابتداء والمحلل قصد إعادتها إلى المطلق وذلك مناف لقصده موجب السبب وأما الهازل فقصد السبب ولم يقصد حكمه ولا ما ينافى حكمه فترتب عليه أثره.

فإن قيل:

هذا ينتقض عليكم بلغو اليمين فإنه لا يترتب عليه حكمه.

قيل:

اللاغي لم يقصد السبب وانما جرى على لسانه من غير قصده فهو بمنزلة كلام النائم والمغلوب على عقله وأيضا فالهزل امر باطن لا يعرف إلا من جهة الهازل فلا يقبل قوله في ابطال حق العاقد الآخر ومن فرق بين البيع وبابه والنكاح وبابه قال: الحديث والآثار تدل على ان العقود ما يكون جده وهزله سواء ومنها ما لا يكون كذلك وإلا لقال العقود كلها أو الكلام كله جده وهزله سواء واما من جهة المعنى فان النكاح والطلاق والرجعة والعتق فيها حق لله تعالى اما العتق فظاهر واما الطلاق فإنه يوجب تحريم البضع ولهذا تجب إقامة الشهادة فيه وان لم تطلبها الزوجة وكذلك في النكاح فإنه يفيد حل ما كان حراما وحرمة ما كان حلالا وهو التحريم الثابت بالمصاهرة ولهذا لا يستباح إلا بالمهر وإذا كان كذلك لم يكن للعبد مع تعاطي السبب الموجب لهذه الأحكام أن لا يرتب عليها موجباتها كما ليس له ذلك في كلمات الكفر إذا هزل بها كما صرح به القرآن فإن الكلام المتضمن لحق الله لا يمكن قوله مع رفع ذلك الحق إذ ليس للعبد ان يهزل مع ربه ولا يستهزيء بآياته ولا يتلاعب بحدوده وفي حديث أبي موسى ما بال اقوام يلعبون بحدود الله ويستهزوءن بآياته وذلك في الهازلين يعني والله اعلم يقولونها لعبا غير ملتزمين لاحكامها وحكمها لازم لهم وهذا بخلاف البيع وبابه فإنه تصرف في المال الذي هو محض حق الآدمي ولهذا يملك بذله بعوض وغير عوض والانسان قد يلعب مع الانسان وينبسط معه فإذا تكلم على هذا الوجه لم يلزمه حكم الجاد لان المزاح معه جائز.

وحاصل الامر ان اللعب والهزل والمزاح في حقوق الله تعالى غير جائز فيكون جد القول وهزله سواء بخلاف جانب العباد ألا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح مع الصحابة ويباسطهم وأما مع ربه تعالى فيجد كل الجد ولهذا قال: للأعرابي يمازحه: "من يشتري مني العبد" فقال: تجدني رخيصاً يا رسول الله فقال: "بل انت عند الله غال" وقصد صلى الله عليه وسلم انه عبد الله والصيغة صيغة استفهام وهو صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقاً ولو ان رجلاً قال: من يتزوج امي أو اختي لكان من أقبح الكلام وقد كان عمر رضي الله عنه يضرب من يدعو امرأته اخته وقد جاء في ذلك حديث مرفوع رواه ابو داود ان رجلاً قال: لامرأته يا أخته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أختك هي إنما جعل ابراهيم ذلك حاجة لا مزاحاً.

ومما يوضحه ان عقد النكاح يشبه العبادات في نفسه بل هو مقدم على نفلها ولهذا يستحب عقده في المساجد وينهى عن البيع فيها ومن يشترط له لفظ بالعربية راعى فيه ذلك الحاقا له بالاذكار المشروعة ومثل هذا لا يجوز الهزل به فاذا تكلم به رتب الشارع عليه حكمه وإن لم يقصده بحكم ولاية الشارع على العبد فالمكلف قصد السبب والشارع قصد الحكم فصار مقصودين كلاهما.

شريعة الاسلام خير الشرائع
وقد ظهر بهذا ان ما جاء به الرسول هو أكمل ما تأتي به شريعة فإنه صلى الله عليه وسلم أمر ان يقاتل الناس حتى يدخلوا في الاسلام ويلتزموا طاعة لله ورسوله ولم يؤمر ان ينقب عن قلوبهم ولا أن يشق بطونهم بل يجرى عليهم احكام الله في الدنيا إذا دخلوا في دينه ويجرى أحكامه في الآخرة على قلوبهم ونياتهم فأحكام الدنيا على الاسلام وأحكام الآخرة على الإيمان ولهذا قبل إسلام الأعراب ونفى عنهم ان يكونوا مؤمنين وأخبر أنه لا ينقصهم مع ذلك من ثواب طاعتهم لله ورسوله شيئا وقبل إسلام المنافقين ظاهرا وأخبر أنه لا ينفعهم يوم القيامة شيئا وأنهم في الدرك الأسفل من النار.

فأحكام الرب تعالى جارية على ما يظهر للعباد ما لم يقم دليل على ان ما أظهروه خلاف ما أبطنوه كما تقدم تفصيله وأما قصة الملاعن فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال بعد ان ولدت الغلام على شبه الذي رميت به: "لولا مامضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن" فهذا والله أعلم إنما أراد به لولا حكم الله بينهما باللعان لكان شبه الولد بمن رميت به يقتضى حكما آخر غيره ولكن حكم الله باللعان ألغي حكم الشبه فإنهما دليلان وأحدهما أقوى من الآخر فكان العمل به واجبا وهذا كما لو تعارض دليل الفراش ودليل الشبه فإنا نعمل دليل الفراش ولا نلتفت إلى الشبه بالنص والاجماع فأين في هذا ما يبطل المقاصد والنيات والقرائن التي لا معارض لها وهل يلزم من بطلان الحكم بقرينة قد عارضها ما هو أقوى منها بطلان الحكم بجميع القرائن وسيأتي دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وجمهور الأئمة على العمل بالقرائن واعتبارها في الأحكام.

وأما إنفاذه للحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب فليس في الممكن شرعا غير هذا وهذا شأن عامة المتداعيين لا بد أن يكون أحدهما محقا والآخر مبطلا وينفذ حكم الله عليهما تارة بإثبات حق المحق وإبطال باطل المبطل وتارة بغير ذلك إذا لم يكن مع المحق دليل.

وأما حديث ركانة لما طلق امرأته ألبتة وأحلفه النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما أراد واحدة فمن أعظم الادلة على صحة هذه القاعدة وان الاعتبار في العقود بنيات أصحابها ومقاصدهم وإن خالفت ظواهر ألفاظهم فإن لفظ ألبتة يقتضى أنها قد بانت منه وانقطع التواصل الذي كان بينهما بالنكاح وأنه لم يبق له عليها رجعة بل بانت منه ألبتة كما يدل عليه لفظ ألبتة لغة وعرفا ومع هذا فردها عليه وقبل قوله أنها واحدة مع مخالفة الظواهر اعتمادا على قصده ونيته فلولا اعتبار القصود في العقود لما نفعه قصده الذي يخالف ظاهر لفظه مخالفة ظاهرة بينة فهذا الحديث أصل لهذه القاعدة وقد قيل: منه في الحكم ودينه فيما بينه وبين الله فلم يقض عليه بما أظهر من لفظه لما أخبره بأن نيته وقصده كان خلاف ذلك.

وأما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل في حكم الدنيا استعمال الدلالة التي لا يوجد أقوى منها يعني دلالة الشبه فإنما أبطلها بدلالة أقوى منها وهي اللعان كما أبطلها مع قيام دلالة الفراش واعتبرها حيث لم يعارضها مثلها ولا أقوى منها في إلحاق الولد بالقافة وهي دلالة الشبه فأين في هذا إلغاء الدلالات والقرائن مطلقاً.

أحكام الدنيا تجري على الاسباب:
وأما قوله:

إنه لم يحكم في المنافقين بحكم الكفر مع الدلالة التي لا أقوى منها وهي خبر الله تعالى عنهم وشهادته عليهم.

فجوابه:
أن الله تعالى لم يجر أحكام الدنيا على علمه في عباده وإنما أجراها على الأسباب التي نصبها أدلة عليها وإن علم سبحانه وتعالى أنهم مبطلون فيها مظهرون لخلاف ما يبطنون وإذا أطلع الله رسوله على ذلك لم يكن ذلك مناقضا لحكمه الذي شرعه ورتبه على تلك الاسباب كما رتب على المتكلم بالشهادتين حكمه وأطلع رسوله وعباده المؤمنين على أحوال كثير من المنافقين وأنهم لم يطابق قولهم اعتقادهم وهذا كما اجرى حكمه على المتلاعنين ظاهرا ثم أطلع رسوله والمؤمنين على حال المرأة بشبه الولد لمن رميت به وكما قال: إنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار وقد يطلعه الله على حال آخذ ما لا يحل له أخذه ولا يمنعه ذلك من إنفاذ الحكم وأما الذي قال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود فليس فيه ما يدل على القذف لا صريحا ولا كناية وإنما أخبره بالواقع مستفتيا عن حكم هذا الولد أيستلحقه مع مخالفة لونه للونه ام ينفيه فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم وقرب له الحكم بالشبه الذي ذكره ليكون أذعن لقبوله وانشراح الصدر له ولا يقبله على إغماض فأين في هذا ما يبطل حد القذف بقول من يشاتم غيره أما أنا فلست بزان وليست امي بزانية ونحو هذا من التعريض الذي هو أوجع وانكى من التصريح وأبلغ في الأذى وظهوره عند كل سامع بمنزلة ظهور الصريح فهذا لون وذلك لون.

وقد حد عمر بالتعريض في القذف ووافقه الصحابة رضى الله عنهم أجمعين وأما قوله رحمه الله إنه استشار الصحابة فخالفه بعضهم فإنه يريد ما رواه عن مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما للآخر والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قائل: مدح أباه وأمه وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين وهذا لا يدل على أن القائل الأول خالف عمر فإنه لما قيل: له إنه قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا فهم أنه أراد القذف فسكت وهذا إلى الموافقة أقرب منه إلى المخالفة وقد صح عن عمر من وجوه أنه حد في التعريض فروى.

معمر عن الزهري عن سالم عن ابيه أن عمر كان يحد في التعريض بالفاحشة وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن صفوان وأيوب عن عمر أنه حد في التعريض وذكر أبو عمر ان عثمان كان يحد في التعريض وذكره ابن أبي شيبة وكان عمر بن عبد العزيز يرى الحد في التعريض وهو قول أهل المدينة والاوزاعي وهو محض القياس كما يقع الطلاق والعتق والوقف والظهار بالصريح والكتابة واللفظ إنما وضع لدلالته على المعنى فإذا ظهر المعنى غاية الظهور لم يكن في تغيير اللفظ كثير.

فائدة
وأما قوله: من حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم لم يسلم من خلاف التنزيل والسنة فإنه يشير بذلك إلى قبول توبة الزنديق وحقن دمه بإسلامه وقبول توبة المرتد وإن ولد على الاسلام وهاتان مسألتان فيهما نزاع بين الامة مشهور وقد ذكر الشافعي الحجة على قبول توبتهما ومن لم يقبل توبتهما يقول إنه لا سبيل إلى العلم بها فإن الزنديق قد علم أنه لم يزل مظهرا للإسلام فلم يتجدد له بإسلامه الثاني حال مخالفة لما كان عليه بخلاف الكافر الاصلي فإنه إذا أسلم تجدد له بالإسلام حال لم يكن عليها والزنديق إنما رجع إلى إظهار الإسلام وأيضا فالكافر كان معلنا لكفره غير مستتر به ولا مخف له فإذا أسلم تيقنا أنه أتى بالاسلام رغبة فيه لا خوفا من القتل والزنديق بالعكس فإنه كان مخفيا لكفره مستترا به فلم تؤاخذه بما في قلبه إذا لم يظهر عليه فاذا ظهر على لسانه وآخذناه به فإذا رجع عنه لم يرجع عن أمر كان مظهرا له غير خائف من إظهاره وإنما رجع خوفا من القتل وأيضا فإن الله تعالى سن في عباده انهم اذا رأوا بأسه لم ينفعهم الاسلام وهذا إنما أسلم عند معاينة البأس ولهذا لو جاء من تلقاء نفسه وأقر بأنه قال: كذا وكذا وهو تائب منه قبلنا توبته ولم نقتله وأيضا فإن الله تعالى سن في المحاربين أنهم إن تابوا من قبل القدرة عليهم قبلت توبتهم ولا تنفعهم التوبة بعد القدرة عليهم ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه فإن فتنة هذا في الاموال والابدان وفتنة الزنديق في القلوب والايمان فهو اولى ألا تقبل توبته بعد القدرة عليه وهذا بخلاف الكافر الاصلي فإن أمره كان معلوما وكان مظهرا لكفره غير كاتم له والمسلمون قد أخذوا حذرهم منه وجاهروه بالعداوة والمحاربة وأيضا فإن الزنديق هذا دأبه دائما فلو قبلت توبته لكان تسليطا له على بقاء نفسه بالزندقة والالحاد وكلما قدر عليه أظهر الاسلام وعاد إلى ما كان عليه ولا سيما وقد علم انه امن بإظهار الاسلام من القتل فلا يزعه خوفه من المجاهرة بالزندقة والطعن في الدين ومسبة الله ورسوله فلا ينكف عدوانه عن الاسلام إلا بقتله وأيضا فإن من سب الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا فجزاؤه القتل حدا والحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقا.

ولا ريب ان محاربة هذا الزنديق لله ورسوله وإفساده في الارض أعظم محاربة وإفسادا فكيف تأتي الشريعة بقتل من صال عل عشرة دراهم لذمي أو على بدنه ولا تقبل توبته ولا تأتى بقتل من دأبه الصول على كتاب الله وسنة رسوله والطعن في دينه وتقبل توبته بعد القدرة عليه وأيضا فالحدود بحسب الجرائم والمفاسد وجريمة هذا أغلظ الجرائم ومفسدة بقائه بين أظهر المسلمين من أعظم المفاسد.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:31 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالإثنين 25 أبريل 2016, 9:07 pm

السر في قبول توبة الكافر دون الزنديق:
وههنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها وهي ان الشارع انما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره بالإسلام لأنه ظاهر لم يعارضه ما هو أقوى منه فيجب العمل به لانه مقتض لحقن الدم والمعارض منتف فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه فإظهاره بعد القدرة عليه للتوبة والاسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولا ظنية أما انتفاء القطع فظاهر وأما انتفاء الظن فلأن الظاهر انما يكون دليلا صحيحا إذا لم يثبت ان الباطن بخلافه فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم ان الباطن بخلافه ولهذا اتفق الناس على انه لا يجوز للحاكم ان يحكم بخلاف علمه وان شهد عنده بذلك العدول وإنما يحكم بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها وكذلك لو أقر إقرارا علم أنه كاذب فيه مثل ان يقول لمن هو أسن منه وهذا ابني لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقا وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العدل والأمر والنهى والعموم والقياس إنما يجب إتباعها إذا لم يقم دليل أقوى منها يخالف ظاهرها.

وإذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته وتكذيبه واستهانته بالدين وقدحه فيه فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة فلا يجوز الاعتماد عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الدليل الضعيف الذي قد أظهر بطلان دلالته ولا يخفى على المنصف قوة هذا النظر وصحة هذا المأخذ وهذا مذهب أهل المدينة ومالك واصحابه والليث بن سعد وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة وهو إحدى الروايات عن أحمد نصرها كثير من اصحابه بل هي أنص الروايات عنه وعن أبي حنيفة واحمد انه يستتاب وهو قول الشافعي وعن أبي يوسف روايتان إحداهما انه يستتاب وهي الرواية الاولى عنه ثم قال: آخرا أقتله من غير استتابه لكن إن تاب قبل ان يقدر عليه قبلت توبته وهذا هو الرواية الثالثة عن احمد.

ويالله العجب كيف يقاوم دليل إظهاره للاسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة وإظهاره كل وقت للاستهانة بالاسلام والقدح في الدين والطعن فيه في كل مجمع مع استهانته بحرمات الله واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الادلة ولا ينبغي لعالم قط ان يتوقف في قتل مثل هذا ولا تترك الادلة القطعية لظاهر قد تبين عدم دلالته وبطلانها ولا تسقط الحدود عن أرباب الجرائم بغير موجب.

نعم لو أنه قبل رفعه إلى السلطان ظهر منه من الاقوال والاعمال ما يدل على حسن الاسلام وعلى التوبة النصوحة وتكرر ذلك منه لم يقتل كما قاله ابو يوسف واحمد في إحدى الروايات وهذا التفصيل أحسن الاقوال في المسألة.

ومما يدل على ان توبة الزنديق بعد القدرة لا تعصم دمه قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} قال: السلف في هذه الآية أو بأيدينا بالقتل إن أظهرتم ما في قلوبكم وهو كما قالوا: لان العذاب على ما يبطنونه من الكفر بأيدي المؤمنين لا يكون إلا بالقتل فلو قبلت توبتهم بعد ما ظهرت زنذقتهم لم يمكن المؤمنين ان يتربصوا بالزنادقة ان يصيبهم الله بأيديهم لانهم كلما أرادوا ان يعذبوهم على ذلك أظهروا الاسلام فلم يصابوا بأيديهم قط والادلة على ذلك كثيرة جدا وعند هذا فأصحاب هذا القول يقولون نحن أسعد بالتنزيل والسنة من مخالفينا في هذه المسألة المشنعين علينا بخلافها وبالله التوفيق.

واما قوله ولا يفسد عقد إلا بالعقد نفسه ولا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره ولا بتوهم ولا أمارة عليه يريد ان الشرط المتقدم لا يفسد العقد إذا عرى صلب العقد عن مقارنته وهذا اصل قد خالفه فيه جمهور اهل العلم وقالوا لا فرق بين الشرط المتقدم والمقارن إذ مفسدة الشرط المتقدم لم تزل بتقدمه وإسلافه بل مفسدته مقارنا كمفسدته متقدما وأي مفسدة زالت بتقدم الشرط إذا كانا قد علما وعلم الله تعالى والحاضرون أنهما إنما عقدا على ذلك الشرط الباطل المحرم وأظهرا صورة العقد مطلقا وهو مقيد في الامر بذلك الشرط المحرم.

فإذا اشترطا قبل العقد ان النكاح نكاح تحليل أو متعة أو شغار وتعاهدا على ذلك وتواطئا عليه ثم عقدا على ما اتفقا عليه وسكتا عن إعادة الشرط في صلب العقد اعتمادا على تقدم ذكره والتزامه لم يخرج العقد بذلك عن كونه عقد تحليل ومتعة وشغار حقيقة وكيف يعجز المتعاقدان اللذان يريدان عقدا قد حرمه الله ورسوله لوصف أن يشترطا قبل العقد إرادة ذلك الوصف وأنه هو المقصود ثم يسكتا عن ذكره في صلب العقد ليتم غرضهما وهل إتمام غرضهما إلا عين تفويت مقصود الشارع وهل هذه القاعدة وهى أن الشرط المتقدم لا يؤثر إلا فتح لباب الحيل بل هي أصل الحيل وأساسها وكيف تفرق الشريعة بين متماثلين من كل وجه لافتراقهما في تقدم لفظ وتأخره مع استواء العقدين في الحقيقة والمعنى والقصد وهل هذا الا من اقرب الوسائل والذرائع إلى حصول ما قصد الشارع عدمه وإبطاله واين هذه القاعدة من قاعدة سد الذرائع إلى المحرمات ولهذا صرح اصحابها ببطلان سد الذارئع لما علموا انها مناقضة لتلك فالشارع سد الذرائع إلى المحرمات بكل طريق وهذه القاعدة توسع الطرق اليها وتنهجها واذا تأمل اللبيب هذه القاعدة وجدها ترفع التحريم أو الوجوب مع قيام المعنى المقتضى لهما حقيقة وفي ذلك تأكيد للتحريم من وجهين من جهة ان فيها فعل المحرم وترك الواجب ومن جهة اشتمالها على التدليس والمكر والخداع والتوسل بشرع الله الذي أحبه ورضيه لعباده إلى نفس ما حرمه ونهى عنه.

ومعلوم انه لا بد ان يكون بين الحلال والحرام فرق بين في الحقيقة بحيث يظهر للعقول مضادة احدهما للآخر والفرق في الصورة غير معتبر ولا مؤثر إذ الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الاقوال والافعال فان الالفاظ اذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد كان حكمها واحدا ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفا وكذلك الاعمال ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار فالامر المحتال عليه بتقدم الشرط دون مقارنة صورته صورة الحلال المشروع ومقصوده الحرام الباطل فلا تراعى الصورة وتلغى الحقيقة والمقصود بل مشاركة هذا للحرام صورة ومعنى وإلحاقه به لاشتراكهما في القصد والحقيقة اولى من إلحاقه بالحلال المأذون فيه بمشاركته له في مجرد الصورة.

فصل: فيمن لا يعتبر سد الذرائع والقصد في العقود
وقوله ولا تفسد العقود بأن يقال هذه ذريعة وهذه نية سوء إلى آخره فإشارة منه إلى قاعدتين إحداهما ان لا اعتبار بالذرائع ولا يراعى سدها والثانية أن القصود غير معتبرة في العقود والقاعدة المتقدمة ان الشرط المتقدم لا يؤثر وإنما التأثير للشرط الواقع في صلب العقد وهذه القواعد متلازمة فمن سد الذرائع اعتبر المقاصد وقال يؤثر الشرط متقدما ومقارنا ومن لم يسد الذرائع لم يعتبر المقاصد ولا الشروط المتقدمة ولا يمكن ابطال واحدة منها إلا بإبطال جميعها ونحن نذكر قاعدة سد الذرائع ودلالة الكتاب والسنة واقوال الصحابة.

والميزان الصحيح عليها في سد الذرائع لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضى إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منا بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود لكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة قصد الوسائل فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي اليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية اليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به وحكمته تعالى وعلمه يأبي ذلك كل الإباء بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح له الطرق والاسباب والذرائع الموصلة اليه لعد متناقضا ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده وكذلك الاطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه والا فسد عليهم ما يرومون اصلاحه فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها والذريعة ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء ولابد من تحرير هذا الموضع قبل تقريره ليزول الالتباس فيه فنقول.

حكم الوسائل المؤدية إلى المقاصد:
الفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان أحدهما أن يكون وضعه للإفضاء إليها كشرب المسكر المفضى إلى مفسدة السكر وكالقذف المفضى إلى مفسدة الفرية والزنا المفضى إلى اختلاط المياه وفساد الفراش ونحو ذلك فهذه افعال وأقوال وضعت مفضية لهذه المفاسد وليس لها ظاهرا غيرها والثاني ان تكون موضوعة للإفضاء إلى امر جائز أو مستحب فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده أو بغير قصد منه فالاول كمن يعقد النكاح قاصدا به التحليل أو يعقد البيع قاصدا به الربا أو يخالع قاصدا به الحنث ونحو ذلك:

والثاني كمن يصلى تطوعا بغير سبب في اوقات النهي أو يسب ارباب المشركين بين اظهرهم أو يصلى بين يدى القبر لله ونحو ذلك ثم هذا القسم من الذرائع نوعان أحدهما ان تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته والثاني ان تكون مفسدته راجحة على مصلحته فههنا أربعة أقسام الاول وسيلة موضوعة للافضاء إلى المفسدة الثاني وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة الثالث وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية اليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها الرابع وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضى إلى المفسدة ومصلحتها ارجح من مفسدتها.

فمثال القسم الاول والثاني قد تقدم ومثال الثالث الصلاة في اوقات النهى ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم وتزين المتوفي عنها في زمن عدتها وامثال ذلك ومثال الرابع النظر إلى المخطوبة والمستامة والمشهود عليها ومن يطؤها ويعاملها وفعل ذوات الاسباب في اوقات النهي وكلمة الحق عند ذي سلطان جائر ونحو ذلك فالشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه بحسب درجات في المصلحة وجاءت بالمنع من القسم الاول كراهة أو تحريما بحسب درجاته في المفسدة بقى النظر في القسمين الوسط هل هما مما جاءت الشريعة بإباحتهما أو المنع منهما فنقول الدلالة على المنع من وجوه:

منع ما يؤدي إلى الحرام:
الوجه الاول:
 قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم لله تعالى وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز.

الوجه الثاني:
 قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ} فمنعهن من الضرب بالأرجل وإن كان جائزا في نفسه لئلا يكون سببا إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن.

الوجه الثالث:
 قوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} الآية أمر تعالى مماليك المؤمنين ومن لم يبلغ منهم الحلم أن يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة لئلا يكون دخولهم هجما بغير استئذان فيها ذريعة إلى اطلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم واليقظة ولم يأمرهم بالإستئذان في غيرها وإن أمكن في تركه هذه المفسدة لندورها وقلة الإفضاء إليها فجعلت كالمقدمة.

الوجه الرابع:
 قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها السب يقصدون فاعلا من الرعونة فنهى المسلمون عن قولها سدا لذريعة المشابهة ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبها بالمسلمين يقصدون بها غير ما يقصده المسلمون.

الوجه الخامس:
 قوله تعالى لكليمه موسى وأخيه هارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} فأمر تعالى أن يلينا القول لأعظم أعدائه وأشدهم كفرا وأعتاهم عليه لئلا يكون إغلاظ القول له مع أنه حقيقي به ذريعة إلى تنفيره وعدم صبره لقيام الحجة فنهاهما عن الجائز لئلا يترتب عليه ما هو أكره إليه تعالى.

الوجه السادس:
أنه تعالى نهى المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد وأمرهم بالعفو والصفح لئلا يكون انتصارهم ذريعة إلى وقوع ما هو أعظم مفسدة من مفسدة الإغضاء واحتمال الضيم ومصلحة حفظ نفوسهم ودينهم وذريتهم راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة.

الوجه السابع:
أنه تعالى نهى عن البيع وقت نداء الجمعة لئلا يتخذ ذريعة إلى التشاغل بالتجارة عن حضورها.

الوجه الثامن:
 ما رواه حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه متفق عليه ولفظ البخاري إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه" فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل ساباً لاعناً لأبويه بتسببه إلى ذلك وتوسله إليه وإن لم يقصده.

الوجه التاسع:
 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه وقولهم إن محمدا يقتل أصحابه فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه ومن لم يدخل فيه ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم ومصلحة التأليف أعطم من مصلحة القتل.

الوجه العاشر:
 أن الله حرم الخمر لما فيها من المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل وهذا ليس مما نحن فيه لكن حرم القطرة الواحدة منها وحرم إمساكها للتخليل ونجسها لئلا تتخذ القطرة ذريعة إلى الحسوة ويتخذ إمساكها للتخليل ذريعة إلى إمساكها للشرب ثم بالغ في سد الذريعة فنهى عن الخليطين وعن شرب العصير بعد ثلاث وعن الانتباذ في الأوعية التي قد يتخمر النبيذ فيها ولا يعلم به حسما لمادة قربان المسكر وقد صرح صلى الله عليه وسلم بالعلة في تحريم القليل فقال: "لو رخصت لكم في هذه لأوشك أن تجعلوها مثل هذه".

الوجه الحادي عشر:
أنه صلى الله عليه وسلم حرم الخلوة بالأجنبية ولو في إقراء القرآن والسفر بها ولو في الحج وزيارة الوالدين سدا لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع.

الوجه الثاني عشر:
أن الله تعالى أمر بغض البصر وإن كان إنما يقع على محاسن الخلقة والتفكر في صنع الله سدا لذريعة الإرادة والشهوة المفضية إلى المحظور.

الوجه الثالث عشر:
 أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك ونهى عن تجصيص القبور وتشريفها واتخاذها مساجد وعن الصلاة إليها وعندها وعن إبقاد المصابيح عليها وأمر بتسويتها ونهى عن اتخاذها عيدا وعن شد الرحال اليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والإشراك بها وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا للذريعة.

الوجه الرابع عشر:
أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وكان من حكمة ذلك أنهما وقت سجود المشركين للشمس وكان النهي عن الصلاة لله في ذلك الوقت سدا لذريعة المشابهة الظاهرة التي هي ذريعة إلى المشابهة في القصد مع بعد هذه الذريعة فكيف بالذرائع القريبة.

الوجه الخامس عشر:
 أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة كقوله إن اليهود والنصارى لايصبغون فخالفوهم وقوله إن اليهود لا يصلون فى نعالهم فخالفوهم وقوله في عاشوراء خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده وقوله لا تشبهوا بالأعاجم وروىالترميذي عنه ليس منا من تشبه بغيرنا وروى الإمام أحمد عنه: "من تشبه بقوم فهو منهم" وسر ذلك أن المشابهة في الهدى الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل.

الوجه السادس عشر:
 أنه صلى الله عليه وسلم حرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وقال إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم حتى لو رضيت المرأة بذلك لم يجز لأن ذلك ذريعة إلى القطيعة المحرمة كما علل به النبي صلى الله عليه وسلم.

الوجه السابع عشر:
أنه حرم نكاح أكثر من أربع لأن ذلك ذريعة إلى الجور وقيل العلة فيه أنه ذريعة إلى كثرة المؤنة المفضية إلى أكل الحرام وعلى التقديرين فهو من باب سد الذرائع وأباح الأربع وإن كان لا يؤمن الجور في اجتماعهن لأن حاجته قد لا تندفع بما دونهن فكانت مصلحة الإباحة أرجح من مفسدة الجور المتوقعة.

الوجه الثامن عشر:
أن الله تعالى حرم خطبة المعتدة صريحا حتى حرم ذلك في عدة الوفاة وإن كان المرجع في انقضائها ليس إلى المرأة فإن إباحة الخطبة قد تكون ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة والكذب في انقضاء عدتها.

الوجه التاسع عشر:
أن الله حرم عقد النكاح في حال العدة وفي الإحرام وإن تأخر الوطء إلى وقت الحل لئلا يتخذ العقد ذريعة إلى الوطء ولا ينتقض هذا بالصيام فإن زمنه قريب جدا فليس عليه كلفة في صبره بعض يوم إلى الليل.

الوجه العشرون:
أن الشارع حرم الطيب على المحرم لكونه من أسباب دواعي الوطء فتحريمه من سد باب الذريعة.

الوجه الحادي والعشرون:
أن الشارع اشترط للنكاح شروطا زائدة على العقد تقطع عنه شبه السفاح كالاعلام والولي ومنع المرأة أن تليه بنفسها وندب إلى إظهاره حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة لأن في الإخلال بذلك ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح وزوال بعض مقاصد النكاح من جحد الفراش ثم أكد ذلك بأن جعل للنكاح حريما من العدة تزيد على مقدار الاستبراء وأثبت له أحكاما من المصاهرة وحرمتها ومن الموارثة زائدة على مجرد الاستمتاع فعلم أن الشارع جعله سببا ووصله بين الناس بمنزلة الرحم كما جمع بينهما في قوله وجعله نسبا وصهرا وهذه المقاصد تمنع شبهة بالسفاح وتبين أن نكاح المحلل بالسفاح أشبه منه بالنكاح.

الوجه الثاني والعشرون:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفا ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثمانمائة ليأخذ منه ألفين وهذا هو معنى الربا فانظر إلى حمايته الذريعة إلى ذلك بكل طريق وقد احتج بعض المانعين لمسألة مد عجوة بأن قال: إن من جوزها يجوز أن يبيع الرجل ألف دينار في منديل بألف وخمسمائة مفردة قال: وهذا ذريعة إلى الربا ثم قال: يجوز أن يقرضه ألفا ويبيعه المنديل بخمسمائة وهذا هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أقرب الذرائع إلى الربا ويلزم من لم يسد الذرائع أن يخالف النصوص ويجيز ذلك فكيف يترك أمرا ويرتكب نظيره من كل وجه.

الوجه الثالث والعشرون
أن الآثار المتظاهرة في تحريم العينة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة تدل على المنع من عود السلعة إلى البائع وإن لم يتواطئا على الربا وما ذاك إلا شدا للذريعة.

الوجه الرابع والعشرون
أن النبي صلى الله عليه وسلم منع المقرض من قبول الهدية وكذلك أصحابه حتى يحسبها من دينه وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تأخير الدين لأجل الهدية فيكون ربا فإنه يعود إليه ماله وأخذ الفضل الذي استفاده بسبب القرض.

الوجه الخامس والعشرون
أن الوالي والقاضي والشافع ممنوع من قبول الهدية وهو أصل فساد العالم وإسناد الأمر إلى غير أهله وتولية الخونة والضعفاء والعاجزين وقد دخل بذلك من الفساد مالا يحصيه إلا الله وما ذاك إلا لأن قبول الهدية ممن لم تجر عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء حاجته وحبك الشيء يعمى ويصم فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته مكافأة له مقرونة بشره وإغماض عن كونه لا يصلح.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:31 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالإثنين 25 أبريل 2016, 9:13 pm

الوجه السادس والعشرون:
 أن السنة مضت بأنه ليس للقاتل من الميراث شيء إما عمدا كما قال: مالك وإما مباشرة كما قال: ابو حنيفة وإما قتلا مضمونا بقصاص أودية أو كفارة وإما قتلا بغير حق وإما قتلا مطلقا كما هي أقوال في مذهب الشافعي وأحمد والمذهب الأول وسواء قصد القاتل أن يتعجل الميراث أو لم يقصده فإن رعاية هذا القصد غير معتبرة في المنع وفاقا وما ذاك لأن توريث القاتل ذريعة إلى وقوع هذا الفعل فسد الشارع الذريعة بالمنع.

الوجه السابع والعشرون:
 أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض الموت حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث بلا تردد إن لم يقصد الحرمان لأن الطلاق ذريعة وأما إذا لم يتهم ففيه خلاف معروف مأخذه أن المرض أوجب تعلق حقها بماله فلا يمكن من قطعه أو سدا للذريعة بالكلية وإن كان في اصل المسألة خلاف متأخر عن إجماع السابقين.

الوجه الثامن والعشرون:
 أن الصحابة وعامة الفقهاء اتفقوا على قتل الجميع بالواحد وإن كان أصل القصاص يمنع ذلك لئلا يكون عدم القصاص ذريعة إلى التعاون على سفك الدماء.

الوجه التاسع والعشرون:
 أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو لئلا يكون ذريعة إلى إلحاق المحدود بالكفار ولهذا لاتقام الحدود في الغزو كما تقدم.

الوجه الثلاثون:

أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن تكون له عادة توافق ذلك اليوم ونهى عن صوم يوم الشك وما ذاك إلا لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه وكذلك حرم صوم يوم العيد تمييزا لوقت العبادة عن غيره لئلا يكون ذريعة إلى الزيادة في الواجب كما فعلت النصارى ثم أكد هذا الغرض باستحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور واستحباب تعجيل الفطر في يوم العيد قبل الصلاة وكذلك ندب إلى تمييز فرض الصلاة عن نفلها فكره للإمام أن يتطوع في مكانه وأن يستديم جلوسه مستقبل القبلة كل هذا سدا للباب المفضى إلى أن يزاد في الفرض ما ليس منه.

الوجه الحادي والثلاثون:

أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله تعالى وأحب لمن صلى إلى عود أو عمود أو شجرة أو نحو ذلك أن يجعله على أحد جانبيه ولا يصمد إليه صمدا قطعا لذريعة التشبه بالسجود إلى غير الله تعالى.

الوجه الثاني والثلاثون

انه شرع الشفعة و سلط الشريك على انتزاع الشقص من يد المشترى سد لذريعة المفسدة المتعلقة بالشركة والقسمة.

الوجه الثالث والثلاثون

ان الحاكم منهى عن رفع احد الخصمين على الآخر وعن الاقبال عليه دونه وعن مشاورته والقيام له دون خصمه لئلا يكون ذريعة إلى انكسار قلب الآخر وضعفه عن القيام بحجته وثقل لسانه بها.

الوجه الرابع والثلاثون

أنه ممنوع من الحكم بعلمه لئلا يكون ذلك ذريعة إلى حكمه بالباطل ويقول حكمت بعلمي.

الوجه الخامس والثلاثون

ان الشريعة منعت من قبول شهادة العدو على عدوه لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى بلوغ غرضه من عدوه بالشهادة الباطلة.

الوجه السادس والثلاثون

ان الله تعالى منع رسوله حيث كان بمكة من الجهر بالقرآن حيث كان المشركون يسمعونه فيسبون القرآن ومن انزله ومن جاء به ومن انزل عليه.

الوجه السابع والثلاثون

ان الله تعالى اوجب الحدود على مرتكبي الجرائم التي تتقضاها الطباع وليس عليها وازع طبعى والحدود عقوبات لارباب الجرائم في الدنيا كما جعلت عقوبتهم في الآخرة بالنار إذا لم يتوبوا ثم إنه تعالى جعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له فمن لقيه تائبا توبة نصوحاً لم يعذبه مما تاب منه وهكذا في أحكام الدنيا إذا تاب توبة نصوحاً قبل رفعه إلى الإمام سقط عنه في أصح قولى العلماء فإذا رفع إلى الامام لم تسقط توبته عنه الحد لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود الله إذ لا يعجز كل من وجب عليه الحد ان يظهر التوبة ليتخلص من العقوبة وإن تاب توبة نصوحا سدا لذريعة السكوت بالكلية.

الوجه الثامن والثلاثون:

ان الشارع امر بالاجتماع على إمام واحد في الامامة الكبرى وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الخوف مع كون صلاة الخوف بإمامين أقرب إلى حصول صلاة الامن وذلك سدا لذريعة التفريق والاختلاف والتنازع وطلبا لاجتماع القلوب وتألف الكلمة وهذا من اعظم مقاصد الشرع وقد سد الذريعة إلى ما يناقضه بكل طريق حتى في تسوية الصف في الصلاة لئلا تختلف القلوب وشواهد ذلك أكثر من أن تذكر.

الوجه التاسع والثلاثون:

أن السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم وكراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم وليلتها بالقيام سدا لذريعة اتخاذ شرع لم يأذن به الله من تخصيص زمان أو مكان بما لم يخصه به ففي ذلك وقوع فيما وقع فيه أهل الكتاب.

الوجه الاربعون

أن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب وغيرها لئلا تفضى مشابهتهم إلى ان يعامل الكافر معاملة المسلم فسدت هذه الذريعة بإلزامهم التميز عن المسلمين.

الوجه الحادى والاربعون:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ناجية بن كعب الاسلمى وقد أرسل معه هدية إذا عطب منه شيء دون المحل ان ينحره ويصبغ نعله التي قلده بها في دمه ويخلى بينه وبين الناس ونهاه ان ياكل منه هو أو أحد من اهل رفقته قالوا: وما ذاك إلا لأنه لو جاز ان يأكل منه أو يطعم أهل رفقته قبل بلوغ المحل فربما دعاه ذلك إلى ان يقصر في علفها وحفظها لحصول غرضه من عطبها دون المحل كحصوله بعد بلوغ المحل من أكله هو ورفقته وإهدائهم إلى أصحابهم فإذا أيس من حصول غرضه في عطبها كان ذلك أدعى إلى حفظها حتى تبلغ محلها وأحسم لمادة هذا الفساد وهذا من ألطف أنواع سد الذرائع.

الوجه الثاني والاربعون:

ان النبي صلى الله عليه وسلم امر الملتقط ان يشهد على اللقطة وقد علم انه امين وما ذاك إلا سداً لذريعة الطمع والكتمان فإذا بادر وأشهد كان احسم لمادة الطمع والكتمان وهذا أيضا من ألطف أنواعها.

الوجه الثالث والاربعون:

انه صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد وذم الخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن عصاهما فقد غوى سدا لذريعة التشريك في المعنى بالتشريك في اللفظ وحسما لمادة الشرك حتى في اللفظ ولهذا قال: للذي قال: له ما شاء الله وشئت أجعلتني لله ندا فحسم مادة الشرك وسد الذريعة اليه في اللفظ كما سدها في الفعل والقصد فصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله أكمل صلاة وأتمها وأزكاها وأعمها.

الوجه الرابع والاربعون:

انه صلى الله عليه وسلم وآله وسلم امر المأمومين ان يصلوا قعودا اذا صلى إمامهم قاعدا وقد تواتر عنه ذلك ولم يجيء عنه ما ينسخه وما ذاك إلا سدا لذريعة مشابهة الكفار حيث يقومون على ملوكهم وهم قعود كما علله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وهذا التعليل منه يبطل قول من قال: إنه منسوخ مع ان ذلك دعوى لا دليل عليها.

الوجه الخامس والأربعون

انه صلى الله عليه وسلم أمر المصلي بالليل اذا نعس ان يذهب فليرقد وقال لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه فأمره بالنوم لئلا تكون صلاته في تلك الحال ذريعة إلى سبه لنفسه وهو لا يشعر لغلبه النوم.

الوجه السادس والأربعون:

ان الشارع صلوات الله عليه نهى ان يخطب الرجل على خطبة اخيه أو يستام على سوم أخيه أو يبيع أخيه وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى التباغض والتعادي فقياس هذا انه لايستأجر على إجارته ولا يخطب ولاية ولا منصبا على خطبته وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى وقوع العداوة والبغضاء بينه وبين اخيه.

الوجه السابع والأربعون

انه نهى عن البول في الجحر وما ذاك إلا لأنه قد يكون ذريعة إلى خروج حيوان يؤذيه وقد يكون من مساكن الجن فيؤذيهم بالبول فربما آذوه.

الوجه الثامن والأربعون

انه نهى عن البراز في قارعة الطريق والظل والموارد لأنه ذريعة لاستجلاب اللعن كما علل به صلى الله عليه وسلم بقوله اتقوا الملاعن الثلاث وفي لفظ اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله قال: "الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم".

الوجه التاسع والأربعون

انه نهاهم اذا أقيمت الصلاة ان يقوموا حتى يروه قد خرج لئلا يكون ذلك ذريعة إلى قيامهم لغير الله ولو كانوا إنما يقصدون القيام للصلاة لكن قيامهم قبل خروج الإمام ذريعة ولا مصلحة فيها فنهوا عنه.

الوجه الخمسون

انه نهى ان توصل صلاة بصلاة الجمعة حتى يتكلم أو يخرج لئلا يتخذ ذريعة إلى تغيير الفرض وان يزاد فيه ما ليس منه قال السائب بن يزيد: "صليت الجمعة في المقصورة فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت فلما دخل معاوية ارسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت اذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ألا توصل الصلاة حتى يتكلم أو يخرج".

الوجه الحادي والخمسون:

انه امر من صلى في رحله ثم جاء إلى المسجد ان يصلي مع الامام وتكون له نافلة لئلا يتخذ قعوده والناس يصلون ذريعة إلى إساءة الظن به ويحسبون أنه من غير المصلين.

الوجه الثاني والخمسون

انه نهى ان يسمر بعد العشاء الآخرة إلى المصل أو مسافر وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها وما ذاك إلا لأن النوم قبلها ذريعة إلى تفويتها والسمر بعدها ذريعة إلى تفويت قيام الليل فإن عارضه مصلحة راجحة كالسمر في العلم ومصالح المسلمين لم يكره.

الوجه الثالث والخمسون

انه نهى النساء اذا صلين مع الرجال ان يرفعن رءوسهن قبل الرجال لئلا يكون ذريعة منهن إلى رؤية عورات الرجال من وراء الأزر كما جاء التعليل بذلك في الحديث.

الوجه الرابع والخمسون

انه نهى الرجل ان يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليصل احدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره" وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه وإيحاش صدر الإمام وإن كان الإمام لايتم الصلاة أو يرمي ببدعة أو يعلن بفجور فلا بأس بتخطيه إلى غيره.

الوجه الخامس والخمسون

انه نهى الرجل بعد الاذان ان يخرج من المسجد حتى يصلي لئلا يكون خروجه ذريعة الى اشتغاله عن الصلاة جماعة كما قال: عمار لرجل رآه قد خرج بعد الاذان اما هذا فقد عصى ابا القاسم.

الوجه السادس والخمسون

انه نهى عن الاحتباء يوم الجمعة كما رواه احمد في مسنده من حديث سهل بن معاذ عن ابيه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة" وما ذاك إلا انه ذريعة إلى النوم.

الوجه السابع والخمسون:

انه نهى المرأة اذا خرجت إلى المسجد ان تتطيب أو تصيب بخورا وذلك لانه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوفهم اليها فإن رائحتها وزينتها وصورتها وابداء محاسنها تدعو اليها فأمرها ان تخرج تفلة وان لا تتطيب وان تقف خلف الرجال وان لا تسبح في الصلاة اذا بابها شيء بل تصفق ببطن كفها على ظهر الاخرى كل ذلك سدا للذريعة وحماية عن المفسدة.

الوجه الثامن والخمسون:

انه نهى ان تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ولا يخفى أن ذلك سد للذريعة وحماية عن مفسدة وقوعها في قلبه وميله إليها بحضور صورتها في نفسه وكم ممن أحب غيره بالوصف قبل الرؤية.

الوجه التاسع والخمسون

أنه نهى عن الجلوس بالطرقات وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى النظر إلى المحرم فلما أخبروه أنه لابد لهم من ذلك قال: "أعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حقه قال: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام".

الوجه الستون:

أنه نهى أن يبيت الرجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا رحم محرم وما ذاك إلا لأن المبيت عند الأجنبية ذريعة إلى المحرم.

الوجه الحادي والستون:

أنه نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى تنقل عن مكانها وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى جحد البائع البيع وعدم إتمامه إذا رأى المشتري قد ربح فيها فيغره الطمع وتشح نفسه بالتسليم كما هو الواقع وأكد هذا المعنى بالنهي عن الربح مالم يضمن وهذا من محاسن الشريعة وألطف باب لسد الذرائع.

الوجه الثاني والستون:

أنه نهى عن بيعتين في بيعة وهو الشرطان في البيع في الحديث الآخر وهو الذي لعاقده أوكس البيعتين أو الربا في الحديث الثالث وذلك سد لذريعة الربا فإنه إذا باعه السلعة بمائة مؤجلة ثم اشتراها منه بمائتين حالة فقد باع بيعتين في بيعة فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما وهذا من اعظم الذرائع إلى الربا وأبعد كل البعد من حمل الحديث على البيع بمائة مؤجلة أو خمسين حالة وليس ههنا ربا ولا جهالة ولا غرر ولا قمار ولا شيء من المفاسد فإنه خيره بين أي الثمنين شاء وليس هذا بأبعد من تخييره بعد البيع بين الأخذ والإمضاء ثلاثة ايام وأيضا فإنه فرق بين عقدين كل منهما ذريعة ظاهرة جدا إلى الربا وهما السلف والبيع والشرطان في البيع وهذان العقدان بينهما من النسب والإخاء والتوسل بهما إلى أكل الربا ما يقتضى الجمع بينهما في التحريم فصلوات الله وسلامه على من كلامه الشفاء والعصمة والهدى والنور.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:33 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالإثنين 25 أبريل 2016, 9:45 pm

الوجه الثالث والستون:
أنه أمر أن يفرق بين الأولاد في المضاجع وأن لا يترك الذكر ينام مع الأنثى في فراش واحد لأن ذلك قد يكون ذريعة إلى نسج الشيطان بينهما المواصلة المحرمة بواسطة اتحاد الفراش ولا سيما مع الطول والرجل قد يعبث في نومه بالمرأة في نومها إلى جانبه وهو لايشعر وهذا أيضا من ألطف سد الذرائع.

الوجه الرابع والستون:
أنه نهى أن يقول الرجل خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي سدا لذريعة اعتياد اللسان للكلام الفاحش وسدا لذريعة اتصاف النفس بمعنى هذا اللفظ فإن الألفاظ تتقاضى معانيها وتطلبها بالمشاكلة والمناسبة التي بين اللفظ والمعنى ولهذا قل من تجده يعتاد لفظا إلا ومعناه غالب عليه فسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة الخبث لفظا ومعنى وهذا أيضاً من ألطف الباب.

الوجه الخامس والستون:
أنه نهى الرجل أن يقول لغلامه وجاريته عبدي وأمتي ولكن يقول فتاي وفتاتي ونهى أن يقول لغلامه وضىء ربك أطعم ربك سدا لذريعة الشرك في اللفظ والمعنى وإن كان الرب ههنا هو المالك كرب الدار ورب الإبل فعدل عن لفظ العبد والأمة إلى لفظ الفتى والفتاة ومنع من إطلاق لفظ الرب على السيد حماية لجانب التوحيد وسدا لذريعة الشرك.

الوجه السادس والستون:
أنه نهى المرأة أن تسافر بغير محرم وما ذاك إلا أن سفرها بغير محرم قد يكون ذريعة إلى الطمع فيها والفجور بها.

الوجه السابع والستون:
أنه نهى عن تصديق أهل الكتاب وتكذيبهم فيما يحدثون به لأن تصديقهم قد يكون ذريعة إلى التصديق بالباطل وتكذيبهم قد يكون ذريعة إلى التكذيب بالحق كما علل به في نفس الحديث.

الوجه الثامن والستون:
أنه نهى أن يسمى عبده بأفلح ونافع ورباح ويسار لأن ذلك قد يكون ذريعة إلى ما يكره من الطيرة بأن يقال ليس ههنا يسار ولا رباح ولا أفلح وإن كان إنما قصد اسم الغلام ولكن سدا لذريعة اللفظ المكروه الذي يستوحش منه السامع.

الوجه التاسع والستون:
أنه نهى الرجل عن الدخول على النساء لأنه ذريعة ظاهرة.

الوجه السبعون:
أنه نهى أن يسمى باسم برة لأنه ذريعة إلى تزكية النفس بهذا الاسم وإن كان إنما قصد العلمية.

الوجه الحادي والسبعون:
أنه نهى عن التداوي بالخمر وإن كانت مصلحة التداوي راجحة على مفسدة ملابستها سدا لذريعة قربانها واقتنائها ومحبة النفوس لها فحسم عليها المادة حتى في تناولها على وجه التداوي وهذا من أبلغ سد الذرائع.

الوجه الثاني والسبعون:
أنه نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث لأن ذلك ذريعة إلى حزنه وكسر قلبه وظنه السوء.

الوجه الثالث والسبعون:
ان الله حرم نكاح الأمة على القادر على نكاح الحرة اذا لم يخش العنت لأن ذلك ذريعة إلى إرقاق ولده حتى لو كانت الامة من الآيسات من الحبل والولادة لم تحل له سد الذريعة ولهذا منع الامام احمد الاسير والتاجر ان يتزوج في دار الحرب خشية تعريض ولده للرق وعلله بعلة اخرى وهي انه قد يمكنه منع العدو من مشاركته في زوجته.

الوجه الرابع والسبعون:
انه نهى ان يورد ممرض على مصح لان ذلك قد يكون ذريعة اما إلى اعدائه واما إلى تأذيه بالتوهم والخوف وذلك سبب إلى اصابة المكروه له.

الوجه الخامس والسبعون:
 انه نهى اصحابه عن دخول ديار ثمود إلا ان يكونوا باكين خشية ان يصيبهم مثل ما اصابهم فجعل الدخول من غير بكاء ذريعة الىاصابة المكروه.

الوجه السادس والسبعون:
 انه نهى الرجل ان ينظر إلى من فضل عليه في المال واللباس فإنه ذريعة الى ازدرائه نعمة الله عليه واحتقاره بها وذلك سبب الهلاك.

الوجه السابع والسبعون:
 انه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لأن ذلك ذريعة إلى قطع نسل الخيل أو تقليلها ومن هذا نهيه عن اكل لحومها ان صح الحديث فيه انما كان لأنه ذريعة إلى تقليلها كما نهاهم في بعض الغزوات عن نحر ظهورهم لما كان ذريعة إلى لحوق الضرر بهم بفقد الظهر.

الوجه الثامن والسبعون:
انه نهى من رأى رؤيا يكرهها يتحدث بها فإنه ذريعة إلى انتقالها من مرتبة الوجود اللفظي إلى مرتبة الوجود الخارجي كما انتقلت من الوجود الذهني الى اللفظي وهكذا عامة الامور تكون في الذهن ثم تنتقل إلى الحس وهذا من ألطف سد الذرائع وانفعها ومن تأمل عامة الشر رآه متنقلا في درجات الظهور طبقا بعد طبق من الذهن إلى اللفظ إلى الخارج.

الوجه التاسع والسبعون:
انه سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال لا مع إذنه في خل الخمر الذي حصل بغير التخليل وما ذلك إلا سدا لذريعة امساكها بكل طريق اذ لو اذن فى تخليلها لحبسها اصحابها لذلك و كان ذريعة إلى المحذور.

الوجه الثمانون:
انه نهى ان يتعاطى السيف مسلولا و ما ذاك الا انه ذريعة إلى الاصابة بمكروه و لعل الشيطان يعينه و ينزع فى يده فيقع المحذور و يقرب منه.

الوجه الحادى والثمانون:
انه امر المار فى المسجد بنبال ان يمسك عن نصلها بيده لئلا يكون ذريعة إلى تأذى رجل مسلم بالنصال.

الوجه الثاني والثمانون:
انه حرم الشياع وهو المفاخرة بالجماع لأنه ذريعة إلى تحريك النفوس والتشبه وقد لا يكون عند الرجل من يغنيه من الحلال فيتخطى إلى الحرام ومن هذا كان المجاهرون خارجين من عافية الله وهم المتحدثون بما فعلوه من المعاصي فإن السامع تتحرك نفسه إلى التشبه وفي ذلك من الفساد المنتشر مالا يعلمه إلا الله.

الوجه الثالث والثمانون:
أنه نهى عن البول في الماء الدائم وما ذاك إلا ان تواتر البول فيه ذريعة إلى تنجيسه وعلى هذا فلا فرق بين القليل والكثير وبول الواحد والعدد وهذا أولى من تفسيره بما دون القلتين أو بما يمكن نزحه فإن الشارع الحكيم لا يأذن للناس ان يبولوا في المياه الدائمة اذا جاوزت القلتين أو لم يمكن نزحها فإن في ذلك من إفساد مياه الناس ومواردهم مالا تأتي به شريعة فحكمة شريعته اقتضت المنع من البول فيه قل أو كثر سدا لذريعة إفساده.

الوجه الرابع والثمانون:
أنه نهى ان يسافر بالقرآن إلى ارض العدو فإنه ذريعة إلى ان تناله ايديهم كما علل به في نفس الحديث.

الوجه الخامس والثمانون:
انه نهى عن الاحتكار وقال لا يحتكر إلا خاطيء فإنه ذريعة إلى أن يضيق على الناس أقواتهم ولهذا لا يمنع من احتكار ما لا يضر الناس.

الوجه السادس والثمانون:
أنه نهى عن منع فضل الماء لئلا يكون ذريعة إلى منع فضل الكلأ كما علل به في نفس الحديث فجعله بمنعه من الماء مانعا من الكلأ لان صاحب المواشي اذا لم يمكنه الشرب من ذلك الماء لم يتمكن من المرعى الذي حوله.

الوجه السابع والثمانون:
انه نهى عن اقامة حد الزنا على الحامل حتى تضع لئلا يكون ذلك ذريعة إلى قتل ما في بطنها كما قال في الحديث الآخر لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأمرت فتياني ان يحملوا معهم حزما من حطب فأخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة في الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار فمنعه من تحريق بيوتهم التي عصوا الله فيها بتخلفهم عن الجماعة كون ذلك ذريعة إلى عقوبة من لم يجب عليه حضور الجماعة من النساء والاطفال.

الوجه الثامن والثمانون:
أنه نهى عن إدامة النظر إلى المجذومين وهذا والله أعلم لانه ذريعة إلى ان يصابوا بإيذائهم وهي من ألطف الذرائع وأهل الطبيعة يعترفون به وهو جار على قاعدة الاسباب واخبرني رجل من علمائهم انه جلس قرابة له يكحل الناس فرمد ثم بريء فجلس يكحلهم فرمد مرارا قال: فعلمت ان الطبيعة تنتقل وأنه من كثرة ما يفتح عينيه في اعين الرمد نقلت الطبيعة الرمد إلى عينيه وهذا لا بد معه من نوع استعداد وقد جبلت الطبيعة والنفس على التشبه والمحاكاة.

الوجه التاسع والثمانون:
ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل ان ينحنى للرجل اذا لقيه كما يفعله كثير من المنتسبين إلى العلم ممن لا علم له بالسنة بل يبالغون إلى أقصى حد الانحناء مبالغة في خلاف السنة جهلا حتى يصير أحدهم بصورة الراكع لأخيه ثم يرفع رأسه من الركوع كما يفعل إخوانهم من السجود بين يدى شيوخهم الأحياء والأموات اخذوا من الصلاة سجودها وأولئك ركوعها وطائفة ثالثة قيامها يقوم عليهم الناس وهم قعود كما يقومون في الصلاة فقاسمت الفرق الثلاث أجزاء الصلاة والمقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن انحناء الرجل لأخيه سدا لذريعة الشرك كما نهى عن السجود لغير الله وكما نهاهم أن يقوموا في الصلاة على رأس الامام وهو جالس مع ان قيامهم عبادة لله تعالى فما الظن إذا كان القيام تعظيما للمخلوق وعبودية له فالله المستعان.

الوجه التسعون:
أنه حرم التفريق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال ثم أوجب عليهم فيه التماثل وأن لايزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد حتى لايباع مد جيد بمدين رديئين وإن كانا يساويانه سدا لذريعة ربا النساء الذي هو حقيقة الربا وأنه إذا منعهم من الزيادة مع الحلول حيث تكون الزيادة في مقابلة جودة أو صفة أو سكة أو نحوهما فمنعهم منها حيث لا مقابل لها إلا مجرد الأجل أولى فهذه هى حكمة تحريم ربا الفضل التي خفيت على كثير من الناس حتى قال: بعض المتأخرين لا يتبين لي حكمة تحريم ربا الفضل وقد ذكر الشارع هذة الحكمة بعينها فإنه حرمه سدا لذريعة ربا النساء فقال في حديث تحريم ربا الفضل فإنى أخاف عليكم الرما والرما هو الربا فتحريم الربا نوعان نوع حرم لما فيه من المفسدة وهو ربا النسيئة ونوع حرم تحريم الوسائل وسدا للذرائع فظهرت حكمة الشارع الحكيم وكمال شريعته الباهرة في تحريم النوعين ويلزم من لم يعتبر الذرائع ولم يأمر بسدها أن يجعل تحريم ربا الفضل تعبدا محضا لا يعقل معناه كما صرح بذلك صرح كثير منهم.

الوجه الحادي والتسعون:
انه ابطل أنواعا من النكاح الذي يتراضى به الزوجان سدا لذريعة الزنا فمنها النكاح بلا ولى فإنه أبطله سدا لذريعة الزنا فإن الزاني لا يعجز أن يقول للمرأة أنكحيني نفسك بعشرة دراهم ويشهد عليها رجلين من اصحابه أو غيرهم فمنعها من ذلك سدا لذريعة الزنا ومن هذا تحريم نكاح التحليل الذي لا رغبة للنفس فيه في إمساك المرأة واتخاذها زوجة بل له وطر فيما يقضيه بمنزلة الزاني في الحقيقة وإن اختلفت الصورة ومن ذلك تحريم نكاح المتعة الذي يعقد فيه المتمتع على المرأة مدة يقضي وطره منها فيها فحرم هذة الأنواع كلها سدا لذريعة السفاح ولم يبح إلا عقدا مؤبدا يقصد فيه كل من الزوجين المقام مع صاحبه ويكون بإذن الولى وحضور الشاهدين أو ما يقوم مقامهما من الاعلان فإذا تدبرت حكمة الشريعة وتأملتها حق التأمل رأيت تحريم هذه الأنواع من باب سد الذرائع وهي من محاسن الشريعة وكمالها.

الوجه الثاني والتسعون:
أنه المتصدق من شراء صدقته ولو وجدها تباع في السوق سدا لذريعة العود فيما خرج عنه ولو بعوضه فإن المتصدق إذا منع من تملك صدقته بعوضها فتملكه إياها بغيرعوض أشد منعا وأفطم للنفوس عن تعلقها بما خرجت عنه لله والصواب ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من المنع من شرائها مطلقا ولا ريب أن في تجويز ذلك ذريعة إلى التحليل علىالفقير بأن يدفع إليه صدقة ماله ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها ويرى المسكين أنه قد حصل له شيء مع حاجته فتسمح نفسه بالبيع والله عالم بالأسرار فمن محاسن هذه الشريعة الكاملة سد الذريعة ومنع التصدق من شراء صدقته وبالله التوفيق.

الوجه الثالث والتسعون:
أنه نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها لئلا يكون ذريعة إلى اكل مال المشتري بغير حق اذا كانت معرضة للتلف وقد يمنعها الله وأكد هذا الغرض بأن حكم للمشتري بالجائحة اذا تلفت بعد الشراء الجائز وكل هذا لئلا يظلم المشتري ويؤكل ماله بغير حق.

الوجه الرابع والتسعون:
أنه نهى الرجل بعد إصابة ما قدر له أن يقول لو أنى فعلت كذا لكان كذا وكذا واخبر ان ذلك ذريعة إلى عمل الشيطان فإنه لا يجدي عليه إلا الحزن والندم وضيقة الصدر والسخط على المقدور واعتقاد أنه كان يمكنه دفع المقدور لو فعل ذلك وذلك يضعف رضاه وتسليمه وتفويضه وتصديقه بالمقدور وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإذا أعرض القلب عن هذا انفتح له عمل الشيطان وما ذاك لمجرد لفظ لو بل لما قارنها من الامور القائمة بقلبه المنافية لكمال الايمان الفاتحة لعمل الشيطان بل أرشد العبد في هذه الحال إلى ما هو أنفع له وهو الايمان بالقدر والتفويض والتسليم للمشيئة الإلهية وأنه ما شاء الله كان ولا بد فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط فصلوات الله وسلامه على من كلامه شفاء للصدور ونور للبصائر وحياة للقلوب وغذاء للأرواح وعلى آله فلقد أنعم به على عباده أتم نعمة ومن عليهم به أعظم منه فلله النعمة وله المنة وله الفضل وله الثناء الحسن.

الوجه الخامس والتسعون:
أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين وهما الرجلان يقصد كل منهما مباراة الآخر ومباهاته إما في التبرعات كالرجلين يصنع كل منهما دعوة يفتخر بها على الآخر ويباريه بها وإما في المعاوضات كالبائعين يرخص كل منهما سلعته لمنع الناس من الشراء من صاحبه ونص الإمام احمد على كراهية الشراء من هؤلاء وهذا النهي يتضمن سد الذريعة من وجهين احدهما ان تسليط النفوس على الشراء منهما وأكل طعامهما تفريح لهما وتقوية لقلوبهما وإغراء لهما على فعل ما كرهه الله ورسوله والثاني ان ترك الاكل من طعامهما ذريعة إلى امتناعهما وكفهما عن ذلك.

الوجه السادس والتسعون:
أنه تعالى عاقب الذين حفروا الحفائر يوم الجمعة فوقع فيها السمك يوم السبت فأخذوه يوم الاحد ومسخهم الله قردة وخنازير وقيل إنهم نصبوا الشباك يوم الجمعة وأخذوا الصيد يوم الاحد وصورة الفعل الذي فعلوه مخالف لما نهوا عنه ولكنهم لما جعلوا الشباك والحفائر ذريعة إلى أخذ ما يقع فيها من الصيد يوم السبت نزلوا منزلة من اصطاد فيه إذ صورة الفعل لا اعتبارا بها بل بحقيقته وقصد فاعله ويلزم من يسد الذرائع ان لا يحرم مثل هذا كما صرحوا به في نظيره سواء وهو لو نصب قبل الاحرام شبكة فوقع فيها صيد وهو محرم جاز له أخذه بعد الحل وهذا جار على قواعد من لم يعتبر المقاصد ولم يسد الذرائع.

الوجه السابع والتسعون:
قال الامام احمد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة ولا ريب ان هذا سد لذريعة الاعانة على المعصية ويلزم من لم يسد الذرائع ان يجوز هذا البيع كما صرحوا به ومن المعلوم ان هذا البيع يتضمن الاعانة على الاثم والعدوان وفي معنى هذا كل بيع أو إجاره أو معاوضة تعين على معصية الله كبيع السلاح للكفار والبغاة وقطاع الطريق وبيع الرقيق لمن يفسق به أو يؤاجره لذلك أو إجارة داره أو حانوته أو خانه لمن يقيم فيها سوق المعصية وبيع الشمع أو إجارته لمن يعصي الله عليه ونحو ذلك مما هو إعانة على ما يبغضه الله ويسخطه ومن هذا عصر العنب لمن يتخذه خمرا وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والمعتصر معا ويلزم من لم يسد الذرائع أن لا يلعن العاصر وأن يجوز له ان يعصر العنب لكل أحد ويقول القصد غير معتبر في العقد والذرائع غير معتبرة ونحن مطالبون في الظواهر والله يتولى السرائر وقد صرحوا بهذا ولا ريب في التنافى بين هذا وبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثامن والتسعون:
نهيه عن قتال الأمراء والخروج على الائمة وإن ظلموا أو جاروا ما أقاموا الصلاة سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف اضعاف ما هم عليه والامة في بقايا تلك الشرور إلى الآن وقال إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما سدا لذريعة الفتنة.

الوجه التاسع والتسعون:
جمع عثمان المصحف على حرف واحد من الاحرف السبعة لئلا يكون ذريعة إلى اختلافهم في القرآن ووافقه على ذلك الصحابة رضى الله عنهم.

ولنقتصر على هذا العدد من الامثلة الموافق لاسماء الله الحسنى التي من احصاها دخل الجنة تفاؤلا بأنه من أحصى هذه الوجوه وعلم انها من الدين وعمل بها دخل الجنة إذ قد يكون قد اجتمع له معرفة اسماء الرب تعالى ومعرفة احكامه ولله وراء ذلك اسماء واحكام.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:34 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالإثنين 25 أبريل 2016, 9:48 pm

وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف:
فإنه أمر ونهى والامر نوعان أحدهما مقصود لنفسه والثاني وسيلة إلى المقصود والنهي نوعان احدهما ما يكون المنهى عنه مفسدة في نفسه والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين.

فصل: في تحريم الحيل
وتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة فأن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن والمحتال يفتح الطريق اليها بحيلة فأين من يمنع من الجائز خشية الوقوع في المحرم إلى من يعمل الحيلة في التوصل اليه.

فهذه الوجوده التي ذكرناها وأضعافها تدل على تحريم الحيل والعمل بها والافتاء بها في دين الله ومن تأمل أحاديث اللعن وجد عامتها لمن استحل محارم الله وأسقط فرائضه بالحيل كقوله: "لعن الله المحلل والمحلل له, لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها, لعن الله الراشي والمرتشي, لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده" ومعلوم ان الكاتب والشاهد انما يكتب ويشهد على الربا المحتال عليه ليتمكن من الكتابة والشهادة بخلاف ربا المجاهرة الظاهر ولعن في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها ومعلوم انه انما عصر عنبا ولعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة وقرن بينهما وبين آكل الربا وموكله والمحلل والمحلل له في حديث ابن مسعود وذلك للقدر المشترك بين هؤلاء الاصناف وهو التدليس والتلبيس فإن هذه تظهر من الخلقة ما ليس فيها والمحلل يظهر من الرغبة ما ليس عنده وآكل الربا يستحله بالدليس والمخادعة فيظهر من عقد التبايع ما ليس له حقيقة فهذا يستحل الربا بالبيع وذلك يستحل الزنا باسم النكاح فهذا يفسد الأموال وذاك يفسد الأنساب وابن مسعود هو راوي هذا الحديث وهو راوي حديث ما ظهر الزنا والربا في قوم إلا أحلوا بأنفسهم العقاب والله تعالى مسخ الذين استحلوا محارمه بالحيل قردة وخنازير جزاء من جنس عملهم فإنهم لما مسخوا شرعه وغيروه عن وجهه مسخ وجوههم وغيرها عن خلقتها والله تعالى ذم اهل الخداع والمكر ومن يقول بلسانه ما ليس في قلبه وأخبر ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وأخبر عنهم بمخالفة ظواهرهم لبواطنهم وسرائرهم لعلانيتهم واقوالهم لأفعالهم وهذا شأن أرباب الحيل المحرمة وهذه الأوصاف منطبقة عليهم فإن المخادعة هي الاحتيال والمراوغة بإظهار أمر جائز ليتوصل به إلى امر محرم يبطنه ولهذا يقال طريق خيدع اذا كان مخالفا للقصد لا يفطن له ويقال للسراب الخيدع لأنه يخدع من يراه ويغره وظاهره خلاف باطنه ويقال للضب خادع وفي المثل أخدع من ضب لمراوغته ويقال سوق خادعة أي متلونة وأصله الاختفاء والستر ومنه المخدع في البيت فوازن بين قول القائل آمنا بالله وباليوم الآخر وأشهد ان محمدا رسول الله إنشاء للإيمان وإخبارا به وهو غير مبطن لحقيقة هذه الكلمة ولا قاصدا له ولا مطمئن به وإنما قاله متوسلا به إلى امنه وحقن دمه أو نيل غرض دنيوي وبين قول المرابي بعتك هذه السلعة بمائة وليس لواحد منهما غرض فيها بوجه من الوجوه وليس مبطنا لحقيقة هذه اللفظة ولا قاصدا له ولا مطمئنا به وإنما تكلم بها متوسلا إلى الربا.

وكذلك قول المحلل تزوجت هذه المرأة أو قبلت هذا النكاح وهو غير مبطن لحقيقة النكاح ولا قاصد له ولا مريد ان تكون زوجته بوجه ولا هي مريدة لذلك ولا الولى هل تجد بينهما فرقا في الحقيقة أو العرف فكيف يسمى أحدهما مخادعا دون الآخر مع أن قوله بعت واشتريت واقترضت وأنكحت وتزوجت غير قاصد به انتقال الملك الذي وضعت له هذه الصيغة ولا ينوي النكاح الذي جعلت له هذه الكلمة بل قصده ما ينافى مقصود العقد أو امر آخر خارج عن أحكام العقد وهو عود المرأة إلى زوجها المطلق وعود السلعة إلى البائع بأكثر من ذلك الثمن بمباشرته لهذه الكلمات التي جعلت لها تمائق ومقاصد مظهر لإرداة حقائقها ومقاصدها ومبطنا لخلافه فالأول لفاق في أصل الدين وهذا نفاق في فروعه.

يوضح ذلك ما ثبت عن ابن عباس انه جاءه رجل فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثا أيحلها له رجل فقال من يخادع الله يخدعه وصح عن أنس وعن ابن عباس أنهما سئلا عن العينة فقالا إن الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله فسميا ذلك خداعا كما سمى عثمان وابن عمر نكاح المحلل نكاح دلسة وقال أيوب السختياني في أهل الحيل يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان فلو أتوا الامر عيانا كان أهون على وقال شريك بن عبدالله القاضي في كتاب الحيل هوكتاب المخادعة.

الأدلة على تحريم الحيل
وتلخيص هذا أن الحيل المحرمة مخادعة لله ومخادعة الله حرام أما المقدمة الأولى فإن الصحابة والتابعين وهم أعلم الامة بكلام الله ورسوله ومعانيه سموا ذلك خداعا وأما الثانية فإن الله ذم أهل الخداع وأخبر ان خداعهم انما هو لانفسهم وان في قلوبهم مرضا وانه تعالى خادعهم فكل هذا عقوبة لهم ومدار الخداع على أصلين أحدهما إظهار فعل لغير مقصوده الذي جعل له الثاني إظهار قول الغير مقصوده الذي وضع له وهذا منطبق على الحيل المحرمة وقد عاقب الله تعالى المتحيلين على إسقاط نصيب المساكين وقت الجداد بجد جنتهم عليهم وإهلاك ثمارهم فكيف بالمتحيل على إسقاط فرائض الله وحقوق خلقه ولعن أصحاب السبت ومسخهم قردة وخنازير على احتيالهم على فعل ما حرمه عليهم.

قال الحسن البصري في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} قال: رموا الحيتان في السبت ثم أرجؤها في الماء فاستخرجوها بعد ذلك فطبخوها فأكلوها والله أوخم أكلة أكلة أسرعت في الدنيا عقوبة وأسرعت عذابا في الآخرة والله ما كانت لحوم الحيتان تلك بأعظم عند الله من دماء قوم مسلمين إلا أنه عجل لهؤلاء وأخر لهؤلاء.

وقوله: رموها في السبت يعنى احتالوا على وقوعها في الماء يوم السبت كما بين غيره أنهم حفروا لها حياضا ثم فتحوها عشية الجمعة ولم يرد انهم باشروا رميها يوم السبت إذ لو اجترءوا على ذلك لاستخرجوها قال: شيخنا وهؤلاء لم يكفروا بالتوراة وبموسى وإنما فعلوا ذلك تأويلا واحتيالا ظاهره ظاهر الاتقاء وحقيقته حقيقة الاعتداء ولهذا والله أعلم مسخوا قردة لان صورة القرد فيها شبه من صورة الانسان وفي بعض ما يذكر من اوصافه شبه منه وهو مخالف له في الحد والحقيقة فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته مسخهم الله قردة تشبه الإنسان في بعض ظاهره دون الحقيقة جزاء وفاقا.

ويقوى ذلك ان بني اسرائيل أكلوا الربا واموال الناس بالباطل وهو أعظم من أكل الصيد في يوم بعينه ولم يعاقب أولئك بالمسخ كما عوقب به من استحل الحرام بالحيلة لان هؤلاء لما كانوا اعظم جرما كانت عقوبتهم أعظم فإنهم بمنزلة المنافقين يفعلون ما يفعلون ولا يعترفون بالذنب بل قد فسدت عقيدتهم وأعمالهم بخلاف من أكل الربا وأموال الناس بالباطل والصيد المحرم عالما بتحريمه فإنه يقترن بمعصيته اعترافه بالتحريم وخشيته لله واستغفاره وتوبته يوما ما واعترافه بأنه مذنب عاص وانكسار قلبه من ذل المعصية وازدراؤه على نفسه ورجاؤه لمغفرة ربه له وعد نفسه من المذنبين الخاطئين وهذا كله إيمان يفضى بصاحبه إلى خير بخلاف الماكر المخادع المحتال على قلب دين الله ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم امته من ارتكاب الحيل فقال لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل وقد اخبر الله تعالى انه جعل هذه القرية أو هذه الفعلة التي فعلها بأهلها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين.

فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله ان يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال وان يعلم انه لا يخلصه من الله ما أظهره مكرا وخديعة من الاقوال والافعال وان يعلم ان لله يوما تكع فيه الرجال وتنسف فيه الجبال وتترادف فيه الاهوال وتشهد فيه الجوارح والاوصال وتبلى فيه السرائر وتظهر فيه الضمائر ويصير الباطل فيه ظاهرا والسر علانية والمستور مكشوفا والمجهول معروفا ويحصل ويبدو ما في الصدور كما يبعثر ويخرج ما في القبور وتجري أحكام الرب تعالى هنالك على القصود والنيات كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظواهر الاقوال والحركات يوم تبيض وجوه بما في قلوب أصحابها من النصيحة لله ورسوله وكتابه وما فيها من البر والصدق والاخلاص للكبير المتعال وتسود وجوه بما في قلوب أصحابها من الخديعة والغش والكذب والمكر والاحتيال هنالك يعلم المخادعون أنهم لانفسهم كانوا يخدعون وبدينهم كانوا يلعبون وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون.

ليس للعبد إلا ما نواه
وقد فصل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الاعمال بالنيات وانما لامريء ما نوى" الامر في هذه الحيل وانواعها فأخبر ان الاعمال تابعة لمقاصدها ونياتها وأنه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله إلا ما نواه وأبطنه لا ما أعلنه وأظهره وهذا نص في أن من نوى التحليل كان محللا ومن نوى الربا بعقد التبايع كان مرابيا ومن نوى المكر والخداع كان ماكرا مخادعا ويكفى هذا الحديث وحده في إبطال الحيل ولهذا صدر به حافظ الامة محمد بن إسماعيل البخاري إبطال الحيل والنبي صلى الله عليه وسلم ابطل ظاهر هجرة مهاجر أم قيس بما أبطنه ونواه من إرادة أم قيس وقد قال: النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله فاستدل به الامام احمد وقال فيه ابطال الحيل وقد اشكل هذا على كثير من الفقهاء بفعل ابن عمر فإنه كان إذا أراد أن يلزم البيع مشى خطوات ولا إشكال بحمد الله في الحديث وهو من أظهر الادلة على بطلان التحيل لإسقاط حق من له حق فإن الشارع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أثبت خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين وليحصل تمام الرضي الذي شرطه تعالى فيه فإن العقد قد يقع بغته من غير ترو ولا نظر في القيمة فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد حريما يتروى فيه المتبايعان ويعيدان النظر ويستدرك كل واحد منهما عيبا كان خفيا فلا أحسن من هذا الحكم ولا أرفق لمصلحة الخلق فلو مكن احد المتعاقدين الغابن للآخر من النهوض في الحال والمبادرة إلى التفرق لفاتت مصلحة الآخر ومقصود الخيار بالنسبة اليه وهب انك انت اخترت إمضاء البيع فصاحبك لم يتسع له وقت ينظر فيه ويتروى فنهوضك حيلة على إسقاط حقه من الخيار فلا يجوز حتى يخيره فلو فارق المجلس لغير هذه الحاجة أو صلاة أو غير ذلك ولم يقصد ابطال حق الآخر من الخيار لم يدخل في هذا التحريم ولا يقال هو ذريعة إلى إسقاط حق الآخر من الخيار لأن باب سد الذرائع متى فاتت به مصلحة راجحة أو تضمن مفسدة راجحة لم يلتفت إليه فلو منع العاقد من التفرق حتى يقوم الآخر لكان في ذلك إضرار به ومفسدة راجحة فالذي جاءت به الشريعة في ذلك أكمل شيء واوفقه للمصلحة والحكمة ولله الحمد.

وتأمل قوله: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" أي أسهلها وأقربها وإنما ذكر أدنى الحيل لان المطلق ثلاثا مثلا من أسهل الحيل عليه ان يعطى بعض التيوس المستعارة عشرة دراهم ويستعيره لينزو على امرأته نزوة وقد طيبها له بخلاف الطريق الشرعي التي هي نكاح الرغبة فإنها يصعب معها عودها إلى الاول جدا وكذلك من اراد ان يقرض الفا بالف وخمسمائة فمن ادنى الحيل ان يعطيه الفا إلا درهما باسم القرض ويبيعه خرقة تساوي درهما بخمسمائة ولو اراد ذلك بالطريق الشرعي لتعذر عليه وكذلك حيلة اليهود بنصب الشباك يوم الجمعة واخذ ما وقع فيها يوم السبت من أسهل الحيل وكذلك إذابتهم الشحم وبيعه وأكل ثمنه.

وقال الامام احمد في مسنده ثنا اسود بن عامر ثنا ابو بكر بن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا اذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله عليهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم" ورواه ابو داود بإسناد صحيح إلى حيوة بن شريح المصري عن اسحاق بن عبد الرحمن الخراساني ان عطاء الخراساني حدثه ان نافعا حدثه عن ابن عمر قال: شيخنا رضي الله عنه وهذان اسنادان حسنان احدهما يشد الآخر ويقويه فأما رجال الاول فأئمة مشاهير ولكن يخاف ان لا يكون الاعمش سمعه من عطاء أو ان عطاء لم يسمعه من ابن عمر فالإسناد الثاني يبين ان للحديث اصلا محفوظا عن ابن عمر فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور وحيوة بن شريح كذلك وافضل واما اسحاق بن عبد الرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصريين مثل حيوة بن شريح والليث بن سعد ويحيى بن ايوب وغيرهم قال: فقد روينا من طريق ثالث من حديث السري بن سهل الجنديسابوري بإسناد مشهور إليه ثنا عبد الله بن رشيد ثنا عبد الرحمن عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: لقد اتى علينا زمان ومامنا رجل يرى انه احق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد واتبعوا أذناب البقر أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه عنهم حتى يتوبوا ويراجعوا دينهم وهذا يبين أن للحديث اصلا عن عطاء وروى محمد ابن عبد الله الحافظ المعروف بمطين في كتاب البيوع له عن انس انه سئل عن العينة فقال ان الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله وروى أيضا في كتابه عن ابن عباس قال: اتقوا هذه العينة لا تبع دراهم بدراهم وبينهما حريرة وفي رواية ان رجلا باع من رجل حريرة بمائة ثم اشتراها بخمسين فسأل ابن عباس عن ذلك فقال دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة وسئل ابن عباس عن العينة يعني بيع الحريرة فقال ان الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله وروى ابن بطة بإسناده إلى الاوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع" يعنى العينة وهذا المرسل صالح للاعتضاد به والاستشهاد وان لم يكن عليه وحده الاعتماد.

قال الامام احمد: حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي اسحاق السبيعي عن امرأته انها دخلت على عائشة هي وام ولد زيد بن ارقم وامرأة اخرى فقالت: لها ام ولد زيد إني بعت من زيد غلاما بثمان مائة نسيئة واشتريته بست مائة نقدا فقالت: "أبلغي زيدا أن قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب بئسما شريت وبئسما اشتريت" رواه الإمام أحمد وعمل به وهذا حديث فيه شعبة وإذا كان شعبة في حديث فاشدد يديك به فمن جعل شعبة بينه وبين الله فقد استوثق لدينه.

وايضا فهذه امرأة أبي إسحاق وهو أحد أئمة الإسلام الكبار وهو أعلم بامرأته وبعدالتها فلم يكن ليروي عنها سنة يحرم بها على الأمه وهي عنده غير ثقة ولا يتكلم فيها بكلمة بل يحابيها في دين الله هذا لا يظن بمن هو دون أبي إسحاق.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:40 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49202
العمر : 72

المجلد الثالث - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الثالث   المجلد الثالث - صفحة 2 Emptyالإثنين 25 أبريل 2016, 10:11 pm

وأيضا فإن هذه امرأة من التابعين قد دخلت على عائشة وسمعت منها وروت عنها ولا يعرف أحد قدح فيها بكلمة وأيضا فإن الكذب والفسق لم يكن ظاهرا في التابعين بحيث ترد به روايتهم.


وأيضا فأن هذه المرأة معروفة واسمها العالية وهي جدة إسرائيل كما رواه حرب من حديث إسرئيل حدثني أبو إسحاق عن جدته العالية يعني جدة إسرائيل فإنه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق والعالية امرأة أبي إسحاق وجدة يونس وقد حملا عنها هذه السنة وإسرائيل أعلم بجدته وأبو اسحاق اعلم بامرأته.

وأيضا فلم يعرف أحد قط من التابعين أنكر على العالية هذا الحديث ولا قدح فيها من أجله ويستحيل في العادة ان تروى حديثا باطلا ويشتهر في الامة ولا ينكره عليها منكر، وأيضا فلو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد وحكمة الشريعة تحريمها أعظم من تحريم الربا فإنها ربا مستحل بأدنى الحيل.

وأيضا فإن في الحديث قصة وعند الحفاظ إذا كان فيه قصة دلهم على أنه محفوظ قال: ابو اسحاق حدثتني امرأتي العالية قالت دخلت على عائشة في نسوة فقالت ما حاجتكن فكان أول من سألها أم محبة فقالت يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم قالت نعم قالت فإني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم نقدا فأقبلت عليها وهي غضبي فقالت بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده إلا ان يتوب وأفحمت صاحبتنا فلم تكلم طويلا ثم إنها سهل عليها فقالت يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالى فتلت عليها: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَف} وأيضا فهذا الحديث إذا انضم إلى تلك الاحاديث والآثار افادت بمجموعها الظن الغالب إن لم تفد اليقين، وأيضا فإن آثار الصحابة كما تقدم موافقة لهذا الحديث مشتقة منه مفسرة له.

وأيضا فكيف يليق بالشريعة الكاملة التي لعنت آكل الربا وموكله وبالغت في تحريمه وآذنت صاحبه بحرب من الله ورسوله أن تبيحه بأدنى الحيل مع استواء المفسدة ولولا أن عند أم المؤمنين رضى الله عنها علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستريب فيه ولا تشك بتحريم مسألة العينة لما أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة واستحلال الربا ردة ولكن عذر زيد أنه لم يعلم ان هذا محرم كما عذر ابن عباس بإباحته بيع الدرهم بالدرهمين وإن لم يكن قصدها هذا بل قصدت ان هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد ويصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئا ولو كان هذا اجتهادا منها لم تمنع زيدا منه ولم تحكم ببطلان جهاده ولم تدعه إلى التوبة فإن الاجتهاد لا يحرم الاجتهاد ولا يحكم ببطلان عمل المسلم المجتهد بمخالفته لاجتهاد نظيره والصحابة ولا سيما ام المؤمنين أعلم بالله ورسوله وافقه في دينه من ذلك.

وأيضا فإن الصحابة كعائشة وابن عباس وانس أفتوا بتحريم مسألة العينة وغلظوا فيها هذا التغليظ في اوقات ووقائع مختلفة فلم يجيء عن واحد من الصحابة ولا التابعين الرخصة في ذلك فيكون إجماعا.

فإن قيل: فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومن ذكرتم فغاية الامر انها مسألة ذات قولين للصحابة وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد
قيل لم يقل زيد قط ان هذا حلال ولا افتى بها يوما ما ومذهب الرجل لا يؤخذ من فعله إذ لعله فعله ناسيا أو ذاهلا أو غير متأمل ولا ناظر أو متأولا أو ذنبا يستغفر الله منه ويتوب أو يصر عليه وله حسنات تقاومه فلا يؤثر شيئا قال: بعض السلف العلم علم الرواية يعنى ان يقول رأيت فلانا يفعل كذا وكذا إذ لعله قد فعله ساهيا وقال إياس بن معاوية: "لا تنظر إلى عمل الفقيه ولكن سله يصدقك" ولم يذكر عن زيد انه أقام على هذه المسألة بعد إنكار عائشة وكثيرا ما يفعل الرجل الكبير الشيء مع ذهوله عما في ضمنه من مفسدة فإذا نبه انتبه وإذا كان الفعل محتملا لهذه الوجوه وغيرها لم يجز أن يقدم على الحكم ولم يجز ان يقال مذهب زيد بن أرقم جواز العينة لا سيما وام ولده قد دخلت على عائشة تستفتيها فأفتتها بأخذ رأس مالها وهذا كله يدل على أنهما لم يكونا جازمين بصحة العقد وجوازه وأنه مما أباحه الله ورسوله.

وأيضا فبيع العينة إنما يقع غالبا من مضطر إليها وإلا فالمستغنى عنها لا يشغل ذمته بألف وخمسمائة في مقابلة الف بلا ضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك، وقد روى أبو داود من حديث علي: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المصطر وبيع الغرر وبيع الثمرة قبل ان تدرك".

وفي مسند الامام احمد عنه قال: سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤثر بذلك قال: الله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وينهر الاشرار ويستذل الاخيار ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وعن بيع الغرر وبيع الثمر قبل ان يطعم وله شاهد من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه سعيد عن هشيم عن كوثر بن حكيم عن مكحول بلغني عن حذيفة انه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بعد زمانكم هذا زمانا عضوضا يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤثر بذلك قال: الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

وينهر شرار خلق الله يبايعون كل مضطر ألا ان بيع المضطر حرام المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخونه إن كان عندك خير فعد به على أخيك ولا تزده هلاكا إلى هلاكه وهذا من دلائل النبوة فإن عامة العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نفقة يضن بها عليه الموسر بالقرض حتى يربح عليه في المائة ما احب وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهى العينة وإن باعها لغيره فهو التورق وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا والاقسام الثلاثة يعتمدها المرابون وأخفها التورق وقد كرهه عمر بن عبد العزيز وقال هو أخيه الربا وعن احمد فيه روايتان وأشار في رواية الكراهة إلى انه مضطر وهذا من فقهه رضى الله عنه قال: فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر وكان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مرارا وأنا حاضر فلم يرخص فيها وقال المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها فالشريعة لا تحرم الضرر الادنى وتبيح ما هو أعلى منه.

وقد تقدم الاستدلال على تحريم العينة بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع" وبقوله: "من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا" وان ذلك لا يمكن وقوعه الا على العينة.

ومما يدل على تحريم الحيل قوله صلى الله عليه وسلم: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم" رواه أهل السنن ومما يدل على تحريمها ما رواه ابن ماجه في سننه عن يحيى بن أبي اسحاق قال: سألت أنس بن مالك الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدى اليه فقال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقرض احدكم قرضا فأهدى اليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا ان يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك" رواه من حديث إسماعيل بن عياش عن عتبة ابن حميد الضبي عن يحيى.

قال شيخنا رضى الله عنه وهذا يحيى بن يزيد الهنائى من رجال مسلم وعتبة ابن حميد معروف بالرواية عن الهنائي قال: أبو حاتم مع تشدده هو صالح الحديث وقال أحمد ليس بالقوى وإسماعيل بن عياش ثقة في حديثه عن الشاميين ورواه سعيد في سننه عن اسماعيل بن عياش لكن قال: عن يزيد ابن أبي اسحاق الهنائي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه البخاري في تاريخه عن يزيد بن أبي يحيى الهنائي عن أنس يرفعه إذا اقرض احدكم فلا يأخذ هدية قال: شيخنا وأظنه هو ذاك انقلب اسمه.

وفي صحيح البخاري عن أبي بردة بن أبي موسى قال: "قدمت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام فقال لي إنك بارض الربا فيها فاش فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا وفي سنن سعيد هذا المعنى عن أبي بن كعب وجاء عن ابن مسعود أيضا وأتى رجل عبد الله بن عمر فقال إنى أقرضت رجلا بغير معرفة فأهدى إلى هدية جزلة فقال رد إليه هديته أو احسبها له وقال سالم بن أبي الجعد جاء رجل إلى ابن عباس فقال إنى أقرضت رجلا يبيع السمك عشرين درهما فأهدى إلى سمكة قومتها بثلاثة عشر درهما فقال خذ منه سبعة دراهم ذكرهما سعيد وذكر حرب عن ابن عباس اذا اسلفت رجلا سلفا فلا تأخذ منه هدية ولا عارية ركوب دابة فنهى النبي صلى الله عليه وسلم هو واصحابه المقرض عن قبول هدية المقترض قبل الوفاء فإن المقصود بالهدية ان يؤخر الاقتضاء وإن كان لم يشترط ذلك سدا لذريعة الربا فكيف تجوز الحيلة على الربا ومن لم يسد الذرائع ولم يراع المقاصد ولم يحرم الحيل يبيح ذلك كله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدى اصحابه أحق ان يتبع وقد تقدم تحريم السلف والبيع لانه يتخذ حيلة إلى الربا.

ويدل على تحريم الحيل الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى اسقاط الزكاة أو تنقيصها بسبب الجمع والتفريق فإذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول تحيلا على اسقاط الزكاة فقد فرق بين المجتمع فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها ومما يدل على تحريمها قوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} قال: المفسرون من السلف ومن بعدهم لا تعط عطاء تطلب اكثر منه وهو ان تهدى ليهدى إليك اكثر من هديتك.

وهذا كله يدل على ان صور العقود غير كافة في حلها وحصول أحكامها إلا اذا لم يقصد بها قصدا فاسدا وكل ما لو شرطه في العقد كان حراما فاسدا فقصده حرام فاسد واشتراطه إعلان وإظهار للفساد وقصده ونيته غش وخداع ومكر فقد يكون اشد فسادا من الاشتراط ظاهرا من هذه الجهة والاشتراط الظاهر اشد فسادا منه من جهة اعلان المحرم واظهاره.

ومما يدل على التحريم ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا على تحريم هذه الحيل وإبطالها واجماعهم حجة قاطعة بل هي من أقوى الحجج وآكدها ومن جعلهم بينه وبين الله فقد استوثق لدينه.

بيان المقدمة الاولى أن عمر بن الخطاب خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما واقره سائر الصحابة على ذلك وافتى عثمان وعلي وابن عباس وابن عمر ان المرأة لا تحل بنكاح التحليل وقد تقدم عن غير واحد من أعيانهم كأبي وابن مسعود وعبدالله ابن سلام وابن عمر وابن عباس انهم نهوا المقرض عن قبول هدية المقترض وجعلوا قبولها ربا وقد تقدم عن عائشة وابن عباس وانس تحريم مسألة العينة والتغليظ فيها وأفتى عمر وعثمان وعلي وابي بن كعب وغيرهم من الصحابة ان المبتوتة في مرض الموت ترث ووافقهم سائر المهاجرين والانصار من اهل بدر وبيعة الرضوان ومن عداهم.

وهذه وقائع متعددة لاشخاص متعددة في أزمان متعددة والعادة توجب اشتهارها وظهورها بينهم لا سيما وهؤلاء اعيان المفتين من الصحابة الذين كانت تضبط اقوالهم وتنهي إليهم فتاويهم والناس عنق واحد إليهم متلقون لفتاويهم ومع هذا فلم يحفظ عن احد منهم الانكار ولا إباحة الحيل مع تباعد الاوقات وزوال اسباب السكوت واذا كان هذا قولهم في التحليل والعينة وهدية المقترض إلى المقرض فماذا يقولون في التحيل لاسقاط حقوق المسلمين بل لاسقاط حقوق رب العالمين واخراج الابضاع والاموال عن ملك اربابها وتصحيح العقود الفاسدة والتلاعب بالدين وقد صانهم الله تعالى ان يروا في وقتهم من يفعل ذلك أو يفتى به كما صانهم عن رؤية الجهمية والمعتزلة والحلولية والاتحادية وأضرابهم وإذا ثبت هذا عنهم فيما ذكرنا من الحيل فهو دليل على قولهم فيما هو أعظم منها.

وأما المقدمة الثانية:
فكل من له معرفة بالآثار واصول الفقه ومسائله ثم انصف لم يشك ان تقرير هذا الاجماع منهم على تحريم الحيل وإبطالها ومنافاتها للدين اقوى من تقرير إجماعهم على العمل بالقياس وغير ذلك مما يدعى فيه إجماعهم كدعوى إجماعهم على عدم وجوب غسل الجمعة وعلى المنع من بيع أمهات الاولاد وعلى الالزام بالطلاق الثلاث بكلمة واحدة وامثال ذلك.

فإذا وازنت بين هذا الاجماع وتلك الاجماعات ظهر لك التفاوت وانضم إلى هذا ان التابعين موافقون لهم على ذلك فإن الفقهاء السبعة وغيرهم من فقهاء المدينة الذين أخذوا عن زيد بن ثابت وغيره متفقون على إبطال الحيل وكذلك أصحاب عبدالله بن مسعود من أهل الكوفة وكذلك اصحاب فقهاء البصرة كأيوب وأبي الشعثاء والحسن وابن سيرين وكذلك اصحاب ابن عباس.


وهذا في غاية القوة من الاستدلال فإنه انضم إلى كثرة فتاويهم بالتحريم في أفراد هذا الاصل وانتشارها ان عصرهم انصرم وبقع الاسلام متسعة وقد دخل الناس في دين الله افواجا وقد اتسعت الدنيا على المسلمين أعظم اتساع وكثر من كان يتعدى الحدود وكان المقتضى لوجود هذه الحيل موجودا فلم يحفظ عن رجل واحد منهم أنه أفتى بحيلة واحدة منها أو أمر بها أو دل عليها بل المحفوظ عنهم النهى والزجر عنها فلو كانت هذه الحيل مما يسوغ فيها الاجتهاد لأفتى بجوازها رجل منهم ولكانت مسألة نزاع كغيرها بل اقوالهم وأعمالهم وأحوالهم متفقة على تحريمها والمنع منها ومضى على اثرهم ائمة الحديث والسنة في الانكار قال: الامام احمد في رواية موسى بن سعيد الديداني لا يجوز شيء من الحيل وقال في رواية الميموني وقد سأله عمن حلف على يمين ثم احتال لإبطالها فقال نحن لا نرى الحيلة وقال في رواية بكر بن محمد إذا حلف على شيء ثم احتال بحيلة فصار اليها فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه وقال من احتال بحيلة فهو حانث وقال في رواية صالح وأبي الحارث وقد ذكر له قول اصحاب الحيل فأنكره وقال في رواية إسماعيل بن سعيد وقد سئل عمن احتال في إبطال الشفعة فقال لا يجوز شيء من الحيل في إبطال حق امريء مسلم وقال في رواية أبي طالب وغيره في الرجل يحلف وينوي غير ذلك فاليمين على نية ما يحلفه عليه صاحبه إذا لم يكن مظلوما فإذا كان مظلوما حلف على نيته ولم يكن عليه من نية الذي حلفه شئ وقال في رواية عبد الخالق بن منصور من كان عنده كتاب الحيل في بيته يفتى به فهو كافر بما انزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم.

الذين يذكرون الحيل لم يعترفوا بجوازها كلها:
قلت والذين ذكروا الحيل لم يقولوا إنها كلها جائزة وإنما اخبروا ان كذا حيلة وطريق إلى كذا ثم قد تكون الطريق محرمة وقد تكون مكروهة وقد يختلف فيها فإذا قالوا: الحيلة في فسخ المرأة النكاح أن ترتد ثم تسلم والحيلة في سقوط القصاص عمن قتل ام امرأته ان يقتل امرأته إذا كان لها ولد منه والحيلة في سقوط الكفارة عمن اراد الوطء في رمضان ان يتغدى ثم يطأ بعد الغداء والحيلة لمن أرادت ان تفسخ نكاح زوجها ان تمكن ابنه من الوقوع عليها والحيلة لمن أراد أن يفسخ نكاح امرأته ويحرمها عليه على التأبيد ان يطأ حماته أو يقبلها والحيلة لمن أراد سقوط حد الزنا عنه ان يسكر ثم يزنى والحيلة لمن أراد سقوط الحج عنه مع قدرته عليه أن يملك ماله لابنه أو زوجته عند خروج الركب فإذا بعد استرد ماله والحيلة لمن أراد حرمان وارثه ميراثه أن يقر بماله كله لغيره عند الموت والحيلة لمن اراد إبطال الزكاة واسقاط فرضها عنه بالكلية ان يملك ماله عند الحول لابنه أو امرأته أو أجنبي ساعة من زمان ثم يسترده منه ويفعل هكذا كل عام فيبطل فرض الزكاة عنه أبدا والحيلة لمن أراد ان يملك مال غيره بغير رضاه أن يفسده عليه أو يغير صورته فيملكه فيذبح شاته ويشق قميصه ويطحن حبه ويخبزه ونحو ذلك والحيلة لمن أراد قتل غيره ولا يقتل به ان يضربه بدبوس أو مرزبة حديد ينثر دغامه فلا يجب عليه قصاص.


والحيلة لمن اراد أن يزنى بامرأة ولا يجب عليه الحد ان يستأجرها لكنس بيته أو لطى ثيابه أو لغسلها أو لنقل متاع من مكان إلى مكان ثم يزنى بها ما شاء مجانا بلا حد ولا غرامة أو يستأجرها لنفس الزنا والحيلة لمن أراد ان يسقط عنه حد السرقة ان يدعى ان المال له وان له فيه شركة فيسقط عنه القطع بمجرد دعواه أو ينقب الدار ثم يدع غلامه أو ابنه أو شريكه يدخل ويخرج متاعه أو يدعه على ظهر دابة تخرج به ونحو ذلك والحيلة لمن اراد سقوط حد الزنا عنه بعد ان يشهد به عليه اربعة عدول غير متهمين ان يصدقهم فيسقط عنه الحد بمجرد تصديقهم والحيلة لمن اراد قطع يد غيره ولا يقطع بها ان يمسك هو وآخر السكين أو السيف ويقطعانها معا والحيلة لمن أرادت التخلف عن زوجها في السفر ان تقر لغيره بدين والحيلة لمن أراد الصيد في الاحرام ان ينصب الشباك قبل ان يحرم ثم يأخذ ما وقع فيها حال إحرامه بعد ان يحل.

فهذه الحيل وأمثالها لا يحل لمسلم ان يفتى بها في دين الله تعالى ومن استحل الفتوى بهذه فهو الذي كفره الامام احمد وغيره من الائمة حتى قالوا: إن من أفتى بهذه الحيل فقد قلب الاسلام ظهرا لبطن ونقض عرى الاسلام عروة عروة وقال بعض اهل الحيل ما نقموا علينا من أنا عمدنا إلى اشياء كانت حراما عليهم فاحتلنا فيها حتى صارت حلالا وقال آخر منهم إنا نحتال للناس منذ كذا وكذا سنة في تحليل ما حرم الله عليهم.
تم بحمد الله المجلد الثالث.



المجلد الثالث - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المجلد الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» المجلد الثالث
» المجلد الثالث
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الثالث
» المجلد الثاني: الباب الثالث والأربعون في الهجاء ومقدماته
» المجلد الثالث :الجماعات اليهودية: التحديث والثقافة الباب الأول: من التحديث إلى ما بعد الحداثة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: إعــــــلام الموقــــــعين-
انتقل الى: