منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 10:45 am

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام
إعداد العبد الفقير إلى الله
أبو معاذ  
عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني
------------------------------------
المحتويات
تعريف المياه - صفة الماء التي خُلق عليها - أقسام المياه - الماء الطهور - ما يُستعمل فيه الماء الطهور - حُكم استعمال الماء الطهور في الطهارة من الحدث - حُكم استعمال الماء الطهور في  الطهارة من النجاسة ( الخبث ) أنواع الماء الطهور - الماء الطاهر - الماء النجس - هل يُمكن تطهير الماء النجس ؟ وكيف يُطهر ؟ - الماء المستعمل - حُكم طهارة الرجل بفضل طهارة المرأة والعكس - حُكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة - حُكم التبول أو الاغتسال في الماء الدائم أو الراكد - حُكم الماء الدائم أو الراكد إذا وقعت فيه نجاسة - حُكم الطهارة بالماء المشمس - حُكم الماء المُسخن بشئ نجس - حُكم الطهارة بالماء المسخن بشئ طاهر - حُكم الطهارة من الحدث أو الخبث بماء زمزم - حُكم غمس اليدين في الإناء عند الاستيقاظ من النوم قبل غسلهما خارجه - حُكم طهارة الماء إذا غُمست فيه اليدين قبل غسلهما خارج  الإناء عند الاستيقاظ من النوم - الحِكمة من الأمر بغسل اليدين قبل غمسهما في الإناء عند الاستيقاظ من النوم - حُكم الشك في طهارة الماء ونجاسته - حُكم إذا اشتبه الماء الطهور بالماء النجس - حُكم إذا اشتبه الماء الطهور بالماء الطاهر .
---------------------------------
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وبعد
خلق الله سبحانه الأرض وغطى ثلثيها بالماء وخلق الحيوان والنبات - وهما طعام الإنسان - خلقهما من الماء وتوَّج مخلوقاته بالإنسان وجعل ثلاثة أرباع بدنه ماء وصدق الله إذ يقول ( وجَعَلْنا من الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ ) .
فالله سبحانه قد كرَّم الماء إذ جعل مدار الحياة في الأرض عليه وجعله طهوراً وعلق به وبوجوده العديد من العبادات فبالماء يزيل المسلم جنابته وبه يتوضأ لتكتمل بذلك طهارته من الحدثين كي يتسنى له الوقوف أمام ربه في أجلِّ وأعظم عبادة من العبادات وهي الصلاة وبالماء يزيل ما يصيب بدنه وثوبه ومكانه من النجاسات .
والطهارة من الحدث والنجس شرط من شروط صحة الصلاة .
فلما كانت هذه الصلاة لا تصح إلا بطهارة المصلي من الحدث والنجس حسب القدرة على ذلك صار الفقهاء رحمهم الله يبدأون بكتاب الطهارة لأنها لما قدمت الصلاة بعد الشهادتين على غيرها من بقية أركان الإسلام ناسب تقديم مقدماتها ومنها الطهارة فهي مفتاح الصلاة كما في الحديث عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مفتاح الصلاة الطهور ) رواه أبوداود والترمذي وابن ماجة والبيهقي وأحمد والدارمي والدارقطني وابن أبي شيبة وعبدالرزاق والبزار وأبويعلى وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
وذلك لأن الحدث يمنع الصلاة على المحدث .
فالطهارة أوكد شروط الصلاة والشرط لا بد أن يقدم على المشروط .
فالمسلم في أشد الحاجة إلى تعلم أحكام المياه قبل غيره من أبواب الطهارة .
ولذلك يبدأ الفقهاء بباب المياه في مصنفاتهم في كتاب الطهارة لأن هذه الطهارة وهي : ( رفع الحدث وزوال الخبث ) تحتاج إلي شيء يُتطهر به وهذا الشئ هو الماء أو ما يقوم مقامه .

ومن المسائل والأحكام التي تتعلق بالمياه ما يلي :
تعريف المياه :
المياه في اللغة : جمع ماء والماء معروف والهمزة فيه مبدلة من الهاء وأصله موه بالتحريك تحولت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ثم أبدلت الهاء همزة .
ويُجمع على أمواه جمع قِلة وعلى مياه جمع كثرة مثل جمل وأجمال وجِمال .
قال الرازي : ( الماء معروف والهمزة فيه مُبدلة من الهاء في موضع اللام وأصله مَوَهٌ بالتحريك لأن جمعه أَمْواهٌ في القلة ومِياهٌ في الكَثرة مثل جمل وأجمال وجِمال والذاهب منه الهاء لأن تصغيره مُوَيْهٌ ) أهـ . 
وفي الاصطلاح : الماء جسم لطيف سيال به حياة كل نامٍ . 

صفة الماء التي خُلق عليها : 
خُلق الماء طهوراً أي طاهراً في نفسه ومطهراً لغيره قال الله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً   طَهُورًا ) .
وقال تعالى : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) .
والطهور بفتح الطاء على وزن فعول وفعول : اسم لما يفعل به الشيء .
فالطهور بالفتح : اسم لما يتطهر به والسحور بالفتح : اسم للطعام الذي يتسحر به وأما طهور وسحور بالضم فهو الفعل .
وهذا الماء يطلق عليه أيضاً ( ماء مطلق ) لأنه عاري عن القيود والإضافة اللازمة .
فخرج بقول ( عاري عن القيود ) قوله تعالي : ( مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) وقوله : ( مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ) وخرج بقول ( والإضافة اللازمة ) ماء الورد وماء الزعفران والماء المعتصر من الشجر أو الثمر لأنها مياه مقيدة بقيد لازم لا يطلق الماء عليه بدونه واحترز بالإضافة اللازمة عن الإضافة غير اللازمة كماء النهر وماء البحر ونحو ذلك لأن هذه الإضافة لا تخرج الماء عن كونه طاهراً مطهراً لبقاء الإطلاق
عليه وتستعمل بدونها فهي مياه مطلقة .
وقيل : سُمي مطلقاً لأن الماء إذا اطلق انصرف اللفظ إليه . 
وقيل : هو الذي لم يضف إلي شئ من الأمور التي تخالطه فإن خالطه شئ أوجب إضافته إليه .  

أقسام المياه :
اختلف العلماء في تقسيم المياه من حيث التقسيم الإجمالي على قولين :
القول الأول : 
أنه ينقسم إلي قسمين : ( طهور ونجس ) ولا يوجد ماء وسيط بين هذين النوعين وهذا قول الحسن البصري وسفيان الثوري ورواية عند الحنابلة .

القول الثاني : 
أنه ينقسم إلي ثلاثة أقسام : ( طهور وطاهر ونجس ) وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة وهي التي عليها أكثر المتأخرين من الحنابلة .

 أدلة القول الأول :
1- قوله تعالى :  ( وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) .
قالوا : كلمة ( ماء ) نكرة في سياق النفي فتعم كل ماء سواء كان مطلقاً أو مقيداً مستعملاً أو غير مستعمل فيخرج بذلك الماء النجس ويبقي ما عداه على أنه طهور .
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي والبيهقي والدارقطني وأحمد وابن أبي شيبة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قالوا : هذا الحديث أثبت قسماً من الماء وهو الماء الطهور والإجماع أثبت القسم الآخر وهو الماء النجس وبقي الماء الطاهر ولا يوجد دليل على ثبوته فيكون الماء قسمين : طهور ونجس ولا ثالث لهما . 
وقالوا أيضاً : هذا الحديث أثبت طهورية الماء وأنه لا ينجسه شئ ولا ينتقل عن هذه الطهورية إلا إلى النجاسة فيكون الماء بذلك إما طهور وإما نجس .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) رواه مالك وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وابن خذيمة وابن حبان والدارقطني والدارمي وأحمد والحاكم وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 
قالوا : ماء البحر متغير بالملوحة الزائدة وهذا الذي جعل الصحابي رضي الله عنه يسأل عن حكمه ومع تغيره فقد حكم له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طهور فدل على أن ما تغير بالطاهرات فهو طهور إلا لو غلبت أجزاء المادة الموضوعة فيه فهو حينئذ ينتقل عن مسمى الماء أصلاً أي : لو أضفت إلى الماء زعفران أو ماء ورد أو باقلاء أو غيرها من المواد إضافات كثيرة فصارت غالبة على الماء .
وقالوا : ولا فرق بين ما تغير بفعل الإنسان المقصود وما كان تغيره بطبيعته فلا فرق بين ماء البحر عندهم وبين الماء الذي أضاف إليه الإنسان باختياره ملحاً حتى صار مالحاً .
وقالوا : من قال بالفرق بينهما فيلزمه الدليل ولا دليل هناك .
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال : فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة  ملبياً ) رواه البخاري ومسلم .
5- عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال : ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذنني ) فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال : ( أشعرنها إياه - تعني إزاره ) رواه البخاري ومسلم .
قالوا : والماء إذا أضيف إليه السدر أو الكافور فإنه يتغير به غالباً .
وإذا كان هذا المتغير بشئ طاهر يطهر الميت فطهارة الحي كطهارة الميت فما طهر الميت يُطهر  الحي .
6- عن أم هانئ رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين ) رواه النسائي والبيهقي وابن ماجة وابن خذيمة وابن حبان وأحمد والطبراني وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قالوا : ومن المعلوم أن الماء إذا وضع في قصعة فيها أثر العجين فإن الماء يتأثر بهذا العجين لأن العجين يتحلل بوجود الماء فوقه وترتفع بعض أجزائه في الماء فتغيره ولم يتغير هذا من اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته فيدل هذا على الماء إذا تغير بشي طاهر يبقى طهوراً ولا يتحول إلى طاهر غير مطهر .
7- قالوا : إن الصحابة رضي الله عنهم وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون ويحملون الماء في أسقية كان غالبها من الأدم - من الجلود - ومن الطبيعي في مثل هذه الأسقية أنها تؤثر في لون الماء وفي طعمه وفي ريحه ويتحلل منها مع الوقت أجزاء ترتفع إلى الماء فتؤثر فيه ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتقون استعمال هذا الماء في سائر الطهارات أو أنهم كانوا يحملون معهم غيره ويستعملونه في الشرب أو في استعمالات أخرى مثلاً 
8- قالوا : إن أمر الماء من الأشياء التي تكثر حاجة الناس إليها وسؤالهم عن أحكامها فحاجتهم إليها أشد من حاجتهم إلى بيان سائر الأحكام ويبعد جداً أن يوجد تقسيم شرعي للمياه ولا ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم القول به .

أدلة القول الثاني :
1- قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) .
قالوا : قوله : ( ماء ) هذا لفظ مطلق لم يقيد بشئ والمقصود به الماء الباقي على أصل خلقته غير المتغير بشيء أو المنتقل عن الطهورية لأنه إذا تغير أو انتقل لم يسم ماء مطلقاً لأنه يضاف إلى المادة التي يتغير بها كماء الورد أو ماء الزعفران ونحو ذلك .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) رواه مالك وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وابن خذيمة وابن حبان والدارقطني والدارمي وأحمد والحاكم وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 
قالوا : لأن سؤال الصحابي رضي الله عنه لم يكن عن طهارة ماء البحر فإن طهارته كانت مقررة معلومة وإنما كان سؤاله عن طهوريته أي : عن جواز الوضوء والغسل به ورفع الحدث وهذا دليل على أنه كان قائماً في ذهن هذا الصحابي أن هناك ماء طاهراً لا يرفع به الحدث وهو ما اصطلح الفقهاء بعد على تسميته بالطاهر .
3- استدلوا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد ونهيه عن الوضوء بفضل وضوء المرأة ونهيه عن غمس القائم من نوم الليل يده في الإناء .
وقالوا : هذه المياه مع أنها طاهرة ليست بنجسة ورد النهي عن الاغتسال ببعضها كما في حالة فضل وضوء المرأة وورد النهي عن غمس اليد أو النهي عن البول في الماء الراكد والنهي يقتضي الفساد عند بعض الأصوليين .
ولذلك قال الظاهرية : إن هذا الماء الراكد الذي بال فيه البائل أو هذا الماء الذي غمست فيه يد قائم من نوم ليل لا يجوز الوضوء به ولا يرفع الحدث لأنه ماء فاسد لا يصلح للطهورية .

الترجيح :
رجح القول الأول وهو أن الماء ينقسم إلى قسمين طهور ونجس شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني ورجحه الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( اسم الماء مطلق في الكتاب السنة ولم يقسمه النبى صلى الله عليه  وسلم إلي قسمين طهور وغير طهور فهذا التقسيم مخالف للكتاب والسنة ) أهـ .  
وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله : ( الصواب : أن الماء المطلق قسمان : طهور ونجس ) أهـ . 
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( الصحيح أن الماء قسمان فقط : طهور ونجس فما تغير بنجاسة فهو نجس وما لم يتغير بنجاسة فهو طهور وأن الطاهر قسم لا وجود له في الشريعة وهذا اختيار شيخ الإسلام والدليل على هذا عدم الدليل إذ لو كان قسم الطاهر موجوداً في الشرع لكان أمراً معلوماً مفهوماً تأتي به الأحاديث بينة واضحة لأنه ليس بالأمر الهين إذ 
يترتب عليه إما أن يتطهر بماء أو يتيمم فالناس يحتاجون إليه كحاجتهم إلى العلم بنواقض الوضوء وما أشبه ذلك من الأمور التي تتوافر الدواعي على نقلها لو كانت ثابتة ) أهـ .
قال الشيخ حمد بن عبدالله الحمد : ( الصواب والصحيح أن المياه إنما تنقسم إلى قسمين : مياه طاهرة يصح للمسلم أن يتطهر بها ومياه نجسة وأما أن يكون هناك ماء يسمى ماءً وهو مع ذلك لا يطهر فهذا ليس بصحيح ) أهـ .
وقال الشيخ سلمان بن فهد العودة : ( الأقرب للصواب والله أعلم أن الماء قسمان : طهور ونجس وأن ما عدا ذلك من التفريعات فهي اجتهادات أصحابها مأجورون إن شاء الله لبذلهم الوسع في الوصول إلى حكم الله ورسوله ولكن لا يجب على من عرف خلافها أن يتبعها ) أهـ .
وقال الشيخ وليد بن راشد السعيدان : ( اختلف العلماء في تقسيم المياه ... وهذا التقسيم إنما باعتبار الوارد عليه فقط أما الماء باعتبار أصله فلا يقسم إلى أقسام ذلك لأن الأصل فيه أنه طهور مطهر فالماء باعتبار أصله قسم واحد لكن باعتبار الطارئ عليه لا يخلو إما أن يكون الطارئ نجساً أو طاهراً  فإن كان نجساً وغيره فهو الماء النجس وإن كان طاهراً وغير وصفه واسمه المطلق فهو الطاهر لأنه يخرج حينئذ عن مسمى الماء أصلاً والذي أريد إثباته هنا هو أن الماء باعتبار أصله قسم واحد وهو أنه طهور مطهر .
العلماء يبحثون في أقسامه باعتبار ما يطرأ عليه مما يخرجه عن أصله الأول والراجح من تقسيمهم هو أن الماء قسمان طهور ونجس هذا هو ما دلت عليه الأدلة ) أهـ .

الأحكام التي تتعلق بالأقسام الثلاثة ( الماء الطهور والطاهر والنجس ) :
أولاً : الأحكام التي تتعلق بالقسم الأول وهو الماء الطهور : 
تعريف الماء الطهور هو : ( كل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل خلقته ) أي لم تتغير أحد أوصافه الثلاثة وهي "اللون والطعم والريح" بشيء من الأشياء التي تسلب طهورية الماء . 
وعرفه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله بقوله : ( الماء الطهور هو : " الماء الباقي على خلقته حقيقة بحيث لم يتغير شيء من أوصافه أو حكماً بحيث تغير بما لا يسلبه الطهورية " .
فمثلاً : الماء الذي نخرجه من البئر على طبيعته ساخناً لم يتغير .
وأيضاً : الماء النازل من السماء طهور لأنه باقٍ على خلقته هذان مثالان للباقي على خلقته حقيقة .
وقولنا : ( أو حكماً ) كالماء المتغير بغير ممازج أو المتغير بما يشق صون الماء عنه فهذا طهور لكنه لم يبق على خلقته حقيقة وكذلك الماء المسخن فإنه ليس على حقيقته لأنه سخن ومع ذلك فهو طهور لأنه باق على خلقته حكماً ) أهـ .

وعبر الفقهاء عن هذا الماء بالطهور إلا أنهم اختلفوا في المراد بالطهور على قولين : 
القول الأول : 
أن الطهور هو الطاهر المطهر وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة .
القول الثاني : 
إن الطهور هو الطاهر وهو المذهب عند الحنفية واختاره الخرقي من الحنابلة وهو محكي عن الحسن البصري وسفيان وأبي بكر الأصم وابن داود وقول بعض أهل اللغة .

أدلة القول الأول :
أولاً : أن لفظة طهور جاءت في لسان الشرع للمطهر ومن هذا :
1- قول اللّه تعالى : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً ) فقوله : ( طَهُوراً ) يراد به ما يتطهر به فإن العرب تقول : طهور ووجور لما يتطهر به ويوجر به وبالضم للفعل الذي هو مسمى المصدر فطهور هو صيغة مبنية لما يفعل به .
فكلمة ( طهور ) معناها مطهر أي : مطهر لغيره .
ويفسر ذلك قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ ) فهذه الآية مفسرة للمراد بالأولى .
2- ما ورد عن جابر بن عبداللّه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) رواه البخاري ومسلم .
فوجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة إذ لو كان المراد بالطهور الطاهر فقط لم يكن فيه مزية لأنه طاهر في حق كل أحد والحديث إنما سيق لإثبات الخصوصية فقد اختص الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته بالتطهر بالتراب .
3- ما رواه أنس مرفوعاً : ( جعلت لي كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً ) رواه ابن الجارود .  فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن كل أرض طيبة جعلت له مسجداً وطهوراً والطيبة الطاهرة فلو كان معنى طهوراً : طاهراً للزم تحصيل الحاصل وتحصيل الحاصل بالنسبة له محال فتعين أن يكون المراد به المطهر لغيره .
4- ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التوضؤ بماء البحر فقال : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) رواه مالك وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وابن خذيمة وابن حبان والدارقطني والدارمي وأحمد والحاكم وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 

وجه الدلالة : 
أنهم سألوا عن التطهر بماء البحر لا عن طهارته وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا عن سؤالهم عن حكم التطهر بماء البحر ولولا أنهم يفهمون من الطهور أنه المطهر لم يحصل الجواب .
ثانياً : أن العرب فرقت بين اسم الفاعل وصيغة المبالغة فقالت : قاعد لمن وجد منه القُعود وقَعود : لمن يتكرر منه ذلك فينبغي أن يفرق بين الطهور والطاهر من حيث التعدي واللزوم فالطهور من الأسماء المتعدية وهو الذي يطهر غيره والطاهر من الأسماء اللازمة .

أدلة القول الثاني : 
1- قول اللّه تعالى : ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) .
وجه الدلالة : 
أن هذه الآية في بيان نعيم أهل الجنة ومعلوم أن أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهير من حدث ولا نجس فعلم أن المراد بالطهور الطاهر .
2- قول جرير في وصف النساء : 
خليلي هل في نظرة بعد توبة          أداوي بها قلبي علي فجور
إلى رجح الأكفال هيف خصورها     عــذاب الثنايا ريقهن طهور

وجه الدلالة : 
أنه وصف الريق بأنه طهور والريق لا يتطهر به وإنما مراده أنه طاهر .
3- أن الطهور يفيد التطهير من طريق المعنى وهو أن هذه الصيغة للمبالغة فإن في الشكور والغفور من المبالغة ما ليس في الغافر والشاكر فلا بد أن يكون في الطهور معنى زائد ليس في الطاهر ولا تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار التطهير لأن في نفس الطهارة كلتا الصفتين سواء فتكون صفة التطهير له بهذا الطريق لا أن الطهور بمعنى المطهر .

وقد أجاب الجمهور عن أدلتهم بما يلي :
1- أما قوله تعالى : ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ) .
فيجاب عنه بأن الله تعالى وصف الشراب بأعلى الصفات وهي التطهير .
2- وقول جرير أجابوا عنه بقولهم : إنه حجة لنا لأنه قصد تفضيلهن على سائر النساء فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب ريقهن وامتيازه على غيره ولا يصح حمله على ظاهره فإنه لا مزية لهن في ذلك فإن كل النساء ريقهن طاهر بل البقر والغنم وكل حيوان غير الكلب والخنزير .

ما يُستعمل فيه الماء الطهور :
الماء الطهور يستعمل في رفع الحدث ويزال به النجس ويستعمل في العادات مثل الأكل والشرب ونحو ذلك .
والمراد بارتفاع الحدث : إزالة الوصف المانع من الصلاة باستعمال الماء الطهور في جميع البدن إن كان الحدث أكبر وإن كان حدثاً أصغر يكفي مروره على أعضاء الوضوء بنية وإن فقد الماء أو عجز عنه استعمل ما ينوب عنه وهو التراب على الصفة المأمور بها شرعاً .
والمراد بزوال الخَبَث : أي : زوال النجاسة من البدن والثوب والمكان .

حُكم استعمال الماء الطهور في الطهارة من الحدث :
أجمع العلماء على أن الطهارة من الحدث بنوعيه ( الأكبر والأصغر ) لا تكون إلا بشيئين :
الأول : أصل وهو : ( الماء الطهور ) .
الثاني : ما يقوم مقام الماء عند تعذر استعماله وهو : ( التيمم بالصعيد الطاهر ) .
والدليل على وجوب استعمال الماء عند القدرة على ذلك في الطهارة من الحدث بنوعيه قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ) رواه أبوداود والترمذي والبيهقي وأحمد والدارقطني وابن أبي شيبة وعبدالرزاق وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
فأمر الشارع الحكيم بالعدول إلى التيمم في حالة عدم وجود الماء ولو وجد غيره من المائعات والسوائل ولو كان ثَّم مائع غيره يجوز التطهر به لنقل إليه فدل هذا علي أنه عند عدم الماء ينتقل إلي البدل وهو التيمم ولا ينتقل إلي غيره من المائعات لعدم وجود ما يدل علي ذلك .
فكل شيء سوى الماء من المائعات لا تحصل به الطهارة من الحدث كالخل والبنزين والعصير والليمون وما شابه ذلك .
أما دليل وجوب ( التيمم ) بالصعيد الطاهر وهو ( بدل عن الطهارة بالماء ) إذا تعذر استعمال الماء في جميع أعضاء الطهارة أو بعضها لعدم وجوده أو لخوف ضرر باستعماله مع وجوده .
قوله تعالي : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ... ) .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم فقال : يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء قال : عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) رواه البخاري .
وعن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه قال : ( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجنبت فلم أصب الماء فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت فصليت فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه ) رواه البخاري ومسلم .
وهذا هو التيمم عند تعذر استعمال الماء .
يتبع إن شاء الله...


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 11:17 am

حُكم استعمال الماء الطهور في  الطهارة من النجاسة  ( الخبث ) :
والمقصود بالنجاسة هنا النجاسة الحسية وتنقسم هذه النجاسة إلي قسمين :
1- نجاسة عينية : وهي العين التي حكم الشارع الحكيم بنجاستها مثل البول والغائط ونحو ذلك من النجاسات العينية ويطلق عليها العين النَجسة .
2- نجاسة حُكمية أو نجاسة طارئة : وهي النجاسة العينية التي وردت على محل طاهر فنجسته سواء كان هذا المحل بدن أو ثوب أو مكان فهي إذن العين الطاهرة التي حلت بها نجاسة عينية فنجستها ويطلق عليها العين المُتنجسة .

أولاً : النجاسة العينية :
ذهب جمهور العلماء إلى أن النجاسة العينية لا تطهر بحال من الأحوال لا يطهرها لا الماء ولا غيره ولكن هل تطهر بالإستحالة ؟ 
والاستحالة هي : تغير العين وانقلاب حقيقتها إلى حقيقة أخرى .
أو هي : تغير يحصل في العين النجسة يؤدي إلى زوال أعراضها وتبدل أوصافها كالعذرة تصبح رماداً والخمر ينقلب خلاً والخنزير ملحاً .
والعلماء متفقون على هذا المضمون للاستحالة وإن اختلفت عباراتهم .
وسيأتي توضيح وبيان هذه المسألة فيما بعد إن شاء الله في حكم النجاسات وكيفية إزالتها .

وعلى وجه الاختصار لا التفصيل هذه المسألة - أي مسألة الاستحالة - فيها خلاف بين العلماء على قولين : 
القول الأول : 
أن نجس العين يطهر بالاستحالة وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد وهو مذهب الظاهرية .
القول الثاني : 
أن النجاسة العينية لا تطهر بالإستحالة وهو قول الشافعي وأحد القولين في مذهب مالك وهو إحدى الروايتين في مذهب أحمد .

الترجيح :
رجح القول الأول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نجس العين يطهر بالاستحالة .
قال رحمه الله : ( العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحاً طيباً كغيرها من الملح أو يصير الوقود رماداً ونحو ذلك ففيه للعلماء قولان:         
أحدهما : 
لا يطهر كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه . 

والرواية الأخرى : 
أنه طاهر وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين وإحدى الروايتين عن أحمد ومذهب أهل الظاهر وغيرهم : أنها تطهر وهذا هو الصواب المقطوع به فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى فليست محرمة ولا في معنى المحرم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل فإنها من الطيبات وهي أيضاً في معنى ما اتفق على حله فالنص والقياس يقتضي تحليلها ) أهـ .

ثانياً : النجاسة الطارئة : 
أجمع العلماء علي أن النجاسة الطارئة تطهر بالماء واختلفوا في حُكم إزالتها وطهارتها بغير الماء على قولين : 
القول الأول :
ذهب جمهور العلماء مالك والشافعي في الجديد وأحمد في المشهور عنه وهو قول محمد بن الحسن وزفر من الأحناف إلي تعيين الماء في إزالة النجاسة الطارئة علي محل طاهر وأن غير الماء لا يجزئ .
القول الثاني : 
ذهب أبوحنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما إلي أن النجاسة إذا زال وصفها بغير الماء بالشمس أو الاستحالة أو الريح أو بأي شئ آخر بشرط أن يكون طاهراً فإن ذلك كاف فلو أن النجاسة تركت حتى زالت أوصافها بذلك فإن المحل يعود حكمه إلى الطهارة .

أدلة القول الأول :
1- قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) .
قالوا : جعل الله الماء آلة التطهير من الأحداث والنجاسات وذكره سبحانه وتعالى امتناناً فلو حصلت الطهارة بغيره لم يحصل الامتنان به .
2- قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن البحر : ( هو الطَّهور ماؤه ... ) رواه مالك وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وابن خذيمة وابن حبان والدارقطني والدارمي واحمد والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قالوا : قوله : ( هو الطهور ) أي هو ما تحصل به الطهارة لأنهم سألوا عن التطهر بماء البحر لا عن طهارته .
3- عن أسماء رضي الله عنها قالت : ( جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع قال تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه ) رواه البخاري ومسلم . 
قالوا : قوله : ( بالماء ) فيه دليل على تعين الماء لإزالة النجاسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر شيئاً تحصل به الطهارة سوى الماء .
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه البخاري . 
قالوا : هذا الحديث فيه دلالة على أنه لا يزيل النجس إلا الماء فلو أزلنا النجاسة بغير الماء لم تطهر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك موضع النجاسة للشمس حتى تطهره وإنما أمر بأن يراق عليه الماء ليطهر .  
5- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ) رواه البخاري . 

أدلة القول الثاني :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) رواه مسلم .
فأطلق الغسل ولم يقيده بالماء وتقييده بالماء يحتاج إلي دليل .
2- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك ) رواه البخاري . 
3- ولأن إزالة النجاسات ليست من باب المأمور بل من باب اجتناب المحظور فإذا حصل بأي سبب ثبت الحكم ولأن المقصود هو إزالة عين النجاسة فمتي زالت بأي مزيل طاهر غير الماء مثل الخل أو البنزين أو الصابون أو بتأثير الشمس أو الريح ونحو ذلك صار المحل المتنجس طاهراً لأن ( الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا زالت العلة زال الحكم وإذا وجدت العلة وجد الحكم ) وهذه قاعدة من قواعد الأصول فإذا زالت النجاسة بأي مزيل طاهر فإن المحل يعود إلي حكمه الأصلي وهو الطهارة .
وأما ذكر الماء في التطهير في الأدلة فلا يدل تعيينه على تعينه لأن تعيينه لكونه أسرع في الإزالة وأيسر على المكلف .

الترجيح :
رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورجحه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( العلماء اختلفوا في النجاسة إذا أصابت الأرض وذهبت بالشمس أو الريح أو الاستحالة هل تطهر الأرض على قولين : أحدهما : تطهر وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وهو الصحيح في الدليل . 
فإنه ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك " .
وفي السنن أنه قال : " إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن كان فيهما أذى فليدلكهما في التراب فإن التراب لهما طهور " وكان الصحابة كعلي بن أبي طالب وغيره يخوضون في الوحل ثم يدخلون يصلون بالناس ولا يغسلون أقدامهم . 
وأوكد من هذا قوله صلى الله عليه وسلم في ذيول النساء إذا أصابت أرضا طاهرة بعد أرض خبيثة : "تلك بتلك" وقوله : "يطهره ما بعده " وهذا هو أحد القولين في مذهب أحمد وغيره ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( إزالة النجاسة ليست مما يُتعبد به قصداً أي أنها ليست عبادة مقصودة وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة فبأي شيء أزال النجاسة وزالت وزال أثرها فإنه يكون ذلك الشيء مطهِّراً لها سواء كان بالماء أو بالبنزين أو أي مزيل يكون فمتى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون فإنه يُعتبر ذلك تطهيراً لها حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل لأنها كما قلت : هي عين نجسة خبيثة متى وجدت صار المحل متنجِّساً بها ومتى زالت عاد المكان إلى أصلة أي إلى طهارته فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها إلا إنه يُعفى عن اللون المعجوز عنه فإنه يكون مطهِّراً لها ) أهـ .
وقال أيضاً رحمه الله : ( ذهب أبوحنيفة رحمه الله إلى أن الشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة بها وأن عين النجاسة إذا زالت بأي مزيل طهر المحل وهذا هو الصواب لما يلي :
1- أن النجاسة عين خبيثة نجاستها بذاتها فإِذا زالت عاد الشيء إلى طهارته .
2- أن إزالة النجاسة ليست من باب المأمور بل من باب اجتناب المحظور فإِذا حصل بأي سبب كان ثبت الحكم ولهذا لا يشترط لإزالة النجاسة نية فلو نزل المطر على الأرض المتنجسة وزالت النجاسة طهرت ولو توضأ إِنسان وقد أصابت ذراعه نجاسة ثم بعد أن فرغ من الوضوء ذكرها فوجدها قد زالت بماء الوضوء فإن يده تطهر ... ) أهـ . 

أنواع الماء الطهور ( المطلق ) :
الماء الطهور يندرج تحته من الأنواع ما يأتي :
1 - ماء السماء أي النازل منها يعني: (ماء المطر وماء الثلج والبرد بعد الذوبان) لقول الله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وقوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) ولحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) رواه البخاري ومسلم .
2 - ماء البحار والأنهار لحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) رواه مالك وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وابن خذيمة وابن حبان والدارقطني والدارمي وأحمد والحاكم وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 
وعنه رضي الله عنه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ) رواه البخاري ومسلم .
3 - ماء الآبار والعيون والأودية لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ) رواه أحمد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي والبيهقي والدارقطني وأحمد وابن أبي شيبة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
4 - الماء المتغير بطول المكث أو بسبب مقره أو بمخالطة ما لا ينفك عنه غالباً كالطحلب وورق الشجر فإن اسم الماء المطلق يتناوله باتفاق العلماء .

وقد اختلف الفقهاء في استعمال بعض أنواع الماء المطلق على النحو التالي :
أولاً : ماء البحر :
اختلف العلماء في ماء البحر على قولين :
القول الأول : 
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز استعمال ماء البحر في الطهارة من الأحداث والأنجاس من غير كراهة وهذا هو مذهب جمهور الصحابة والتابعين .
فروي عن أبي الطفيل قال : قال أبوبكر في البحر : « هو الطهور ماؤه الحل ميتته » .
وروي عن عكرمة أن عمر سئل عن ماء البحر فقال : « وأي ماء أطهر من ماء البحر » .
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : « من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله » .
وروي عن موسى بن سلمة عن ابن عباس أنه قال : « ماء البحر طهور » .
قال الترمذي رحمه الله : ( وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبوبكر وعمر وابن عباس لم يروا بأسا بماء البحر ... ) أهـ .
واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : « هو الطهور ماؤه الحل ميتته » ولأن مطلق اسم الماء يطلق على ماء البحر فيقع التطهر به .
وقال ابن المنذر رحمه الله : ( وبه قال عطاء وطاوس والحسن وهو قول مالك بن أنس وأهل المدينة وسفيان الثوري وأهل الكوفة والأوزاعي وأهل الشام وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبوعبيد وبه نقول لظاهر نص الكتاب وهو قوله تعالى : " فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً " وماء البحر من المياه داخل في جملة قوله : " فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً " .
وللثابت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « هو الطهور ماؤه الحل ميتته » وللرواية التي رويناها عن أبي بكر وعمر وهو قول عوام أهل العلم ) أهـ . 

القول الثاني : 
حُكي عن عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو أنهما قالا في البحر : ( التيمم أعجب إلينا منه ) وحكاه الماوردي عن سعيد بن المسيب : أي كانوا لا يرون جواز الوضوء به .
قال ابن المنذر رحمه الله : ( روينا عن ابن عمر أنه قال : في الوضوء من ماء البحر " التيمم أحب إلي منه " وروينا عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : إن تحت بحركم هذا ناراً وتحت النار بحر وتحت البحر نار وتحت النار بحر حتى عد سبعة أبحر وسبعة أنور لا يجزي منه الوضوء ولا الغسل من الجنابة والتيمم أعجب إلي ) أهـ . 
وقال ابن رشد رحمه الله : ( وأجمع العلماء على أن جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها إلا ماء البحر فإن فيه خلافاً في الصدر الأول شاذاً وهم محجوجون بتناول اسم الماء المطلق له وبالأثر الذي خرجه مالك وهو قوله عليه الصلاة والسلام في البحر : "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وهو وإن كان حديثا مختلفاً في صحته فظاهر الشرع يعضده ) أهـ .

ثانياً - ماء الثلج :
لا خلاف بين الفقهاء في جواز التطهر بماء الثلج إذا ذاب .

وإنما الخلاف بينهم في استعماله قبل الإذابة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : 
ذهب المالكية والحنابلة وهو المعتمد عند الحنفية إلى عدم جواز التطهر بالثلج قبل الإذابة ما لم يتقاطر ويسل على العضو .
قال محمد علاء الدين بن علي الحصكفي رحمه الله : ( يرفع الحدث مطلقاً بماء مطلق وهو ما يتبادر عند الإطلاق كماء سماء وأودية وعيون وآبار وبحار وثلج مذاب بحيث يتقاطر ) أهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( الذائب من الثلج والبرد طهور لأنه ماء نزل من السماء وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد » .
فإن أخذ الثلج فمرره على أعضائه لم تحصل الطهارة به ولو ابتل به العضو لأن الواجب الغسل وأقل ذلك أن يجري الماء على العضو إلا أن يكون خفيفاً فيذوب ويجري ماؤه على الأعضاء فيحصل به الغسل فيجزئه ) أهـ .

القول الثاني : 
ذهب أبويوسف من الحنفية والأوزاعي إلى جواز التطهر به وإن لم يتقاطر . 
قال النووي رحمه الله : ( وحكى أصحابنا عن الأوزاعي جواز الوضوء به وإن لم يسل ويجزيه في المغسول والممسوح وهذا ضعيف أو باطل إن صح عنه لأنه لا يسمى غسلاً ولا في معناه ) أهـ . 

القول الثالث : 
فرق الشافعية بين سيل الثلج على العضو لشدة حر وحرارة الجسم ورخاوة الثلج وبين عدم سيله فإن سال على العضو صح الوضوء على الصحيح لحصول جريان الماء على العضو .
وقيل : لا يصح لأنه لا يسمى غسلاً حكاه جماعة منهم الماوردي والدارمي وإن لم يسل لم يصح بلا خلاف في المغسول ويصح مسح الممسوح منه وهو الرأس والخف والجبيرة وهو المذهب عندهم .

ثالثاً - ماء زمزم :
اختلف الفقهاء في حكم استعمال ماء زمزم في الطهارة من الحدث أو إزالة النجس على ثلاثة أقوال :
القول الأول : 
ذهب الحنفية والشافعية وأحمد في رواية إلى جواز استعمال ماء زمزم من غير كراهة في إزالة الأحداث أما في إزالة الأنجاس فيكره تشريفاً له وإكراماً .
ودليلهم ما ثبت في المسند وصححه الشيخ أحمد شاكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ) وقالوا : إن قول العباس هذا لم يثبت عنه بل هو ثابت عن أبيه عبد المطلب  ولو ثبت عن العباس فإنه لم يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى وأيضاً فإن شرف الماء وبركته لا يوجب كراهة استعماله بدليل الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ولأن ماء زمزم يدخل في مطلق الماء . 

القول الثّاني : 
ذهب المالكية إلى جواز استعمال ماء زمزم من غير كراهة مطلقاً أي سواء أكان الاستعمال في الطهارة من الحدث أم في إزالة النجس .

القول الثّالث : 
ذهب أحمد في رواية إلى كراهة استعماله مطلقاً أي في إزالة الحدث والنجس لقول العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه : ( لا أحلها لمغتسل يغتسل في المسجد وهي لشارب ومتوضّئٍ حل   وبل ) .
لكن بعض العلماء كره استعماله في إزالة النجاسة وبعضهم قال : هو خلاف الأولى وآخرون بالغوا فقالوا بالتحريم .
ولكن لا دليل على تخصيص ماء زمزم بشيء مما ذكر فهو ماء كسائر المياه إلا أن له شرفاً لبركته التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يوجب تحريم استعماله في إزالة النجاسة ولا كراهته وإن كان الأولى عدم إزالة النجاسة به مع وجود غيره .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم لأنه ماء طهور فأشبه سائر المياه وعنه يكره لقول العباس : ( لا أحلها لمغتسل لكن للمحرم حل وبل ) ولأنه يزيل به مانعاً من الصلاة أشبه إزالة النجاسة به والأول أولى وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفته أو اغتسل منه ) أهـ . 
وقال النووي رحمه الله : ( ولا يكره الطهر بماء زمزم ولكن الأولى عدم إزالة النجاسة به ) أهـ .
وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عندما سُئل هل يجوز الاستنجاء بماء زمزم ؟
الجواب : ماء زمزم قد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه ماء شريف مبارك وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم : ( إنها مباركة إنها طعام طعم ) وزاد في رواية عند أبي داود بسند جيد : ( وشفاء  سقم ) فهذا الحديث الصحيح يدل على فضل ماء زمزم وأنه طعام طعم وشفاء سقم وأنه مبارك والسنة : الشرب منه كما شرب النبي صلى الله عليه وسلم منه ويجوز الوضوء منه والاستنجاء وكذلك الغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء ليشربوا ويتوضئوا وليغسلوا ثيابهم وليستنجوا كل هذا واقع .
وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فوق ذلك فكلاهما ماء شريف فإذا جاز الوضوء والاغتسال والاستنجاء وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم فهكذا يجوز من ماء زمزم وبكل حال فهو ماء طهور طيب يستحب الشرب منه ولا حرج في الوضوء منه ولا حرج في غسل الثياب منه ولا حرج في الاستنجاء إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما تقدم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ماء زمزم لما شرب له ) أخرجه أحمد وابن ماجة وفي سنده ضعف ولكن يشهد له الحديث الصحيح المتقدم والحمد لله ) أهـ .

وقال الشيخ عبدالله الفقيه عندما سُئل ما حكم الاستنجاء بماء زمزم ؟
الجواب : ( الاستنجاء بماء زمزم مجزئ بإجماع أهل العلم كما ذكر ذلك الماوردي وحكاه عنه النووي في المجموع .
ولكن نص كثير من الفقهاء على كراهة استعماله في مواضع الامتهان كإزالة النجاسة ويدخل في ذلك الاستنجاء وهو مع ذلك مجزئ وعلة الكراهة أنه ماء معظم مبارك قال ابن القيم : هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمناً وأنفسها عند الناس وهو هزمة جبريل وسقيا إسماعيل .
وأما الوضوء والغسل به فالصحيح جوازه بلا كراهة؛ لما جاء في المسند وصححه الشيخ أحمد شاكر عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ والله أعلم ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي عندما سُئل ما الحكم في استخدام ماء زمزم في إزالة النجاسة ؟  
الجواب : إزالة النجاسة بالمطعوم مشدد فيها وبالنسبة لماء زمزم وإن كان أصله مشروباً لكنه لوجود احترامه شرعاً وإمكان إزالة النجاسة بالبديل عنه وهو الماء المطلق شدد العلماء في ذلك وكان العباس رضي الله عنه صاحب السقاية كما ثبت في الصحيح عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص له أن يبيت في مكة من أجل السقاية يقول : ( لا أحلها يعني : زمزم لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل ) أي : لا أحل ماء زمزم لمغتسل أن يغتسل به وفي القديم كان نزحه صعباً ولذلك كان الاغتسال به يحتاج إلى أن يأخذ منه دلواً أو نحو ذلك فيضر بالناس التي تريد منه ولو شربة واحدة فكان يقول : ( لا أحله لمغتسل وهو لشارب ) أي : لمن يريد أن يشربه ( حل وبِل ) قيل : ( حل ) حلال وبِل أي : ( بِلٌ ) لحرارة قلبه أو حرارة جسده من العطش وقيل : ( بِل ) : إنها للاتباع ولا يراد معناها كقولهم : حيص بيص وكقولهم : حياك وبياك فإن بياك ليس لها معنى فقالوا : إن بِلّ بهذا المعنى والمقصود : أنهم كانوا يكرهون الاغتسال بماء زمزم وهذه الكراهة لغسل ظاهر الجسد مع طهارته فكيف بغسل النجاسة والمحفوظ من فتاوى أهل العلم رحمة الله عليهم أنهم كانوا يشددون في هذا الأمر ولا يستحبون تطهير النجاسات به ) أهـ

رابعاً - الماء الآجن :
وهو الماء الذي تغير بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء ويقرب منه الماء الآسن .
وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز استعمال الماء الآجن من غير كراهة .
واستدلوا على ذلك بالنصوص المطلقة ولأنه لا يمكن الاحتراز منه فأشبه بما يتعذر صونه عنه .
ونقل عن ابن سيرين القول بكراهة استعمال الماء الآجن .
قال ابن المنذر رحمه الله : ( أجمع كل من يُحفظ قوله من أهل العلم على أن الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز غير ابن سيرين فإنه كره ذلك وقول الجمهور أولى فإنه يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر كأن ماءها نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ ) أهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( الماء الآجن وهو الذي يتغير بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء يغيره باق على إطلاقه في قول أكثر أهل العلم . 
قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز غير ابن سيرين فإنه كره ذلك وقول الجمهور أولى فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر كأن ماءه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ - أي ماء نقع فيه حناء - ولأنه تغير من غير مخالطة ) أهـ .
وقال ابن رشد رحمه الله : ( وأجمعوا على أن كل ما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالباً أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير إلا خلافاً شاذاً روي في الماء الآجن عن ابن سيرين ... ) أهـ . 
وقال ابن مفلح رحمه الله : ( الماء الآجن الذي تغير بطول إقامته في مقره باق على إطلاقه لأنه عليه السلام توضأ بماء آجن ولأنه تغير عن غير مخالطة أشبه المتغير بالمجاورة وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ قوله من أهل العلم سوى ابن سيرين فإنه كره ذلك ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( وأما المتغير بالمكث فنقل ابن المنذر الاتفاق علي أنه لا كراهة فيه إلا ابن سيرين فكرهه : ودليلنا النصوص المطلقة ولأنه لا يمكن الاحتراز منه فأشبه المتغير بما يتعذر صونه عنه ) أهـ . 
يتبع إن شاء الله....


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 11:23 am

ثانياً : الأحكام التي تتعلق بالقسم الثاني وهو الماء الطاهر :
تعريف الماء الطاهر عند من يقول به من حيث التقسيم : هو الماء الطهور إذا خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه الثلاثة "اللون أو الطعم أو الرائحة " سواء اجتمعت هذه الأوصاف أم انفردت وكان ذلك المخالط من الأشياء التي تسلب الطهورية .
وهذا الماء لا يُرفع به الحدث بنوعيه ولكن يُستعمل في إزالة النجاسة علي الراجح ويستعمل كذلك في العادات مثل الأكل والشرب ونحو ذلك .

ومن الأحكام التي تتعلق بهذا النوع من المياه ما يلي : 
1- الماء الطهور إذا خالطه شئ طاهر يمكن التحرز منه ولا يشق صون الماء عنه مثل الدقيق واللبن والعسل والزعفران والصابون والصبغ والحبر ونحو ذلك ولم يتغير به فهو باق على طهوريته واطلاقه وتحصل به الطهارة باتفاق الفقهاء .
أما إن تغير بسبب مخالطة شئ من هذه الأشياء الطاهرة في أحدى أوصافه الثلاثة "اللون أو الطعم أو الرائحة "فقد اختلف العلماء في حُكمه هل يُرفع به الحدث أم لا ؟ على قولين :
القول الأول : 
لا تحصل به الطهارة وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق ورواية عن أحمد لأنه ماء تغير بمخالطة ما ليس بطهور يمكن التحرز منه .
القول الثاني : 
تحصل به الطهارة ما دام باقياً على مسماه وهو مذهب أبوحنيفة وأصحابه وأحمد في الرواية الأخرى عنه نقلها عنه جماعة من أصحابه منهم أبوالحارث والميموني وإسحاق بن منصور . 
ومعنى قول : ( ما دام باقياً على مسماه ) أي مادام يطلق عليه اسم الماء ولم يجعل فيه شئ طاهر يغيره ويخرجه عن هذا المسمى كاللبن إذا جعل في الماء حتى غيره وصار لبناً وهكذا الشاي ونحوه فهذا الماء لا تحصل به الطهارة من الحدث لكونه خرج عن اسم الماء إلى اسم آخر أي انتقل عن أصل خلقته إلى صفة أخرى تخالف ما خلقه الله عليه .
أما ما دام اسم الماء باقياً ولم يخرج عن مسماه ولو وقع فيه شيء من الطاهرات فهذا باق على طهوريته .
فما تغير مسماه فلا خلاف أنه غير طهور إنما الخلاف فيما دام باقياً فيه مسمى الماء ولم يفقد الماء رقته وسيلانه .
واستدل أصحاب هذا القول : بقوله تعالي : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) وهذا عام في كل ماء لأنه نكره في سياق النفي والقاعدة الأصولية : أن النكرة في سياق النفي من صيغ العموم فهذا يعم كل ماء فلا يجوز التيمم مع وجوده .
واستدلوا أيضاً بحديث : ( إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء ) رواه أبوداود والترمذي وأحمد وغيرهم عن أبي ذر وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 
وهذا واجد للماء وهو طهور خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء .


الترجيح :
رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً .
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: (إذا تغير (الماء) بشيء (طاهر) يخرجه من اسم الماء حتى يجعله شيئاً آخر كاللبن إذا جعل على الماء حتى غيره وصار لبناً أو صار شاياً أو صار مرقاً خارجاً عن اسم الماء فهذا لا يصح الوضوء به لكونه خرج عن اسم الماء إلى اسم آخر أما ما دام اسم الماء باقياً وإنما وقع فيه شيء من الطاهرات كالتراب والتبن أو غير ذلك مما لا يسلبه اسم الماء فهذا لا يضره ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: ( القول الراجح: أن الماء إذا تغير بشيء طاهر وهو باق على اسم الماء أنه لا تزول طهوريته بل طهور طاهر في نفسه مطهر لغيره ) أهـ .
2- أن يكون هذا التغيير بسبب مخالطة شئ طاهر لا يمكن التحرز منه ويشق صون الماء عنه مثل الطحلب وسائر ما ينبت في الماء من عشب ونحوه وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الرياح فتلقيه فيه وكذلك ما تجذبه السيول من العيدان أو التبن ونحوه فتلقيه في الماء وكذلك إذا تغير بما هو في قرار الماء كالكبريت والقار ونحوهما إذا جري عليه الماء أو كان في الأرض التي يقف الماء فيها فهذا الماء حكمه أنه طهور وإن تغير بهذه الأشياء الطاهرة لأن هذا كله يعفي عنه لأنه يشق صون الماء عنه ولا يمكن التحرز منه وهذا باتفاق العلماء .
وذهب الشافعية والحنابلة إلي أنه إذا أخذ شئ من هذه الأشياء فطرحت في هذا الماء قصداً وتغير الماء بذلك كان حكمه حكم ما يمكن التحرز منه . 
3- أن يكون هذا التغير بسبب مخالطة شئ طاهر لا يمازج الماء ولا يتفتت فيه مثل العود والكافور والعنبر ونحو ذلك وكذلك إذا تغير هذا الماء بسبب المجاورة من غير مخالطة فهذا الماء لم يخرج عن كونه طهوراً لأنه تغير عن غير مخالطة وبسبب المجاورة أشبه ما لو تروح بريح شئ علي جانبه وليس في ذلك خلاف بين أهل العلم .
4- أن يكون هذا التغير بسبب ما طبخ في هذا الماء كأن يوضع فيه لحم ونحوه فهذا الماء حكمه أنه طاهر غير طهور ولكنه لا يصير كذلك إلا إذا انتقل اسمه انتقالاً كاملاً كأن يقال مثلاً هذا مرق وهذه قهوة لأنه حينئذ لا يسمي ماء وإنما يسمي شراباً بحسب ما يضاف إلي هذا الماء وطبخ فيه .
5- أن يكون هذا التغير بسبب مخالطة ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة والطهورية كالتراب فإن الماء لا يخرج عن طهوريته لأن التراب طاهر مطهر كالماء ولا فرق في ذلك بين وقوع التراب عن قصد أو عن غير قصد .
6- أن يكون هذا التغير بسبب مخالطة ما ينعقد من هذا الماء مثل الملح البحري فإن هذا الماء لا يزال طهوراً لأن هذا الملح أصله طهوراً فهو كالجليد والثلج .
ولكن إن تغير هذا الماء بالملح المعدني فإن حكمه حكم الماء المتغير بما يمكن التحرز منه لأن الملح المعدني ليس أصله الماء .
والملح المعدني : هو ما يستخرج من باطن الأرض .
7- أن يكون هذا التغير بسبب طول المكث في المكان من غير مخالطة شئ يغيره وهذا الماء حكمه أنه طهور قال ابن تيمية رحمه الله : ( ما تغير بمكثه ومقره فهو باق علي طهوريته باتفاق العلماء ) أهـ . 
وقال ابن المنذر رحمه الله : ( أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم علي أن الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز ... ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( الماء الذي يتغير من طول مكثه يجوز الوضوء به والغسل منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الماء طهور لا ينجسه شيء " وأجمع العلماء على أن الماء إذا تغير بالنجاسة صار نجساً وهذا التغير الذي يحدث للماء من طول مكثه ليس تغيراً بالنجاسة حتى وإن اخضر أو صارت له رائحة كريهة فإنه طهور يجوز التطهر به غسلاً ووضوءاً وإزالة للنجاسة ) أهـ .
هذه بعض الحالات التي يتغير بها الماء الطهور بالأشياء الطاهرة وحكم كل منها . 
ولكن يشترط في هذا التغير أن يكون كثيراً بحيث يُخرج هذا الماء عن إطلاقه ويصير لا يتناوله اسم الماء المطلق ولكن إن كان هذا التغير يسيراً والماء ما زال حافظاً لإطلاقه فإنه باق علي طهوريته ولا يؤثر هذا التغير اليسير فيه لأنه ثبت : عن أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين ) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد والبيهقي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

ثالثاً : الأحكام التي تتعلق بالقسم الثالث وهو الماء النجس : 
تعريف الماء النجس : هو عبارة عن ماء طهور خالطه شيء نجس فغير أحد أوصافه الثلاثة "اللون أو الطعم أو الرائحة " وهذا الماء يحرم استعماله في العبادات والمعاملات .

وهذا الماء لا يخلو تغيره من حالتين :
الحالة الأولي : 
إذا كان هذا الماء كثيراً وغيرت النجاسة إحدي صفاته "اللون أو الطعم أو الرائحة" فإنه يُنجس أما إذا لم يتغير هذا الماء بمخالطة هذه النجاسة فإنه يبقي علي أصله وهذا بالإجماع . 
وممن ذكر الإجماع على ذلك ابن المنذر الشافعي والنووي وابن حجر والشوكاني وابن تيمية وغيرهم من أهل العلماء .
قال ابن المنذر رحمه الله : ( أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس ) أهـ .
ولكن العلماء رحمهم الله اختلفوا في تحديد مقدار الماء الكثير والقليل .
فذهب الشافعية والحنابلة إلي أن الماء الكثير هو ما بلغ مقدار القلتين أو أكثر والقليل ما دون ذلك . 
وذهب الأحناف إلي أنه هو الذي إذا حرك أحد طرفيه آدمي لم تسر الحركة إلي الطرف الثاني .
وذهب ابن عمر ومجاهد إلي أنه هو ما لا يظن استعمال النجاسة باستعماله .
وقيل : هو ما بلغ عشرة أذرع في عشرة وقيل هو الماء المستبحر إلي غير ذلك من الأقوال .
وما ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الذي عليه ترجيح العلماء لحديث القلتين وهو عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض  وما ينوبه من السباع والدواب قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم والدارقطني وأحمد وغيرهم وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
وما عدا ذلك من الأقوال في تحديد الكثير والقليل فهو ضعيف لعدم وجود الدليل . 
قال الشوكاني رحمه الله : ( وهذه الأقوال ليس عليها أثارة من علم بل هي خارجة عن باب الرواية المقبولة والدراية المعقولة ) أهـ .

مقدار القلتان التي يُعرف بهما حد الماء الكثير من الماء القليل :   
القُلتان : تثنية قُلة والجمع قُلل أو قِلال .
والقُلة بضم القاف هي : الجرة الكبيرة من الفخار وهي مشهورة عند العرب وسُميت بذلك لأنها تُقل بالأيدي أو تُحمل ويقع هذا الاسم علي الكبيرة والصغيرة والمراد بها هنا قلتان من قلال هجر نسبة إلى هجر وهي قرية قريبة من المدينة النبوية التي شبه النبي صلى الله عليه وسلم نبق سدرة المنتهى بقلالها ثبت ذلك في صحيح البخاري . 
وتخصيص القلال بقلال هجر لأنه رُوي في ذلك حديث يُبن ذلك التخصيص رواه الخطابي في معالم السنن بإسناده إلي ابن جريج عن النبي صلي الله عليه وسلم مرسلاً : ( إذا كان الماء قلتين بقلال هجر ... ) وذكر الحديث ولكن هذا الحديث ضعيف .   
قال الزيلعي في نصب الراية فيه أمران : أحدهما : أن سنده منقطع .
والثاني : أن قوله في الحديث بقلال هجر يوهم أن هذا من قول النبي صلي الله عليه وسلم وليس كذلك . 
ولأن قلال هجر كانت أكبر ما يكون من القلال وأشهرها في عصر النبي صلي الله عليه وسلم قال البيهقي : قلال هجر كانت مشهورة عندهم ولهذا شبه رسول الله صلي الله عليه وسلم ما رأي ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهي بقلال هجر كما جاء ذلك في صحيح البخاري ( فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ) .
قال الخطابي : قلال هجر مشهورة الصنعة ومعلومة المقدار لا تختلف كما لا تختلف الصيعان والمكاييل فلذلك حملنا الحديث عليها .
فهي قلال معروفة الصنعة والمقدار عند العرب .
ومقدار القلتين بالدمشقي مائة رطل وسبعة أرطال وسبع .
وبالعراقي خمسمائة رطل وهو المشهور عن أحمد والشافعي في رواية عنهما لأنه روي عن ابن جرير : أنه قال رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئاً والقربة مائة رطل بالعراقي باتفاق القائلين بتحديد الماء بالقرب والاحتياط أن يجعل الشئ نصفاً فكانت القلتان خمسمائة رطل .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( والمائة رطل بالعراقي يزن قربة ماء تقريباً وعلى هذا تكون خمس قرب تقريباً ) أهـ .
والرواية الأخرى أنهما أربعمائة رطل لأنه روي عن ابن جريج ويحيى بن عقيل : أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصارت القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل ومقدار القلتين بالمساحة ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً .
وهو ما يساوي في المقاييس الحاضرة حوالي مئتان وسبعون لتراً (270 لتراً ) .
وهل هذا التقدير علي سبيل التحديد أم التقدير ؟ في ذلك قولان للعلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( الصحيح أن ذلك تقريب لأن الذين نقلوا تقدير القلال لم يضبطوهما بحد إنما قال ابن جريج : القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئاً وقال يحيى بن عقيل : أظنها تسع قربتين .
وهذا لا تحديد فيه فإن قولهما يدل على أنهما قربا الأمر والشيء الزائد عن القربتين مشكوك فيه ... فليس للقربة حد معلوم فإن القرب تختلف اختلافاً كثيراً فلا يكاد قربتان يتفقان في حد واحد ...
وفائدة هذا الخلاف هو أن من اعتبر التحديد قال إذا نقص شئ عن هذا الحد ولو يسيراً لم يعف عنه ونجس بورود النجاسة عليه ومن قال بالتقريب عفي عن النقص اليسير عنده ) أهـ . 

الحالة الثانية : 
إذا كان هذا الماء قليلاً ( وهو ما دون القلتين ) وخالطته النجاسة فللعلماء في هذه الحالة قولان :
القول الأول : 
أنه ينجس تغير أم لم يتغير وهذا هو المشهور في مذهب أحمد وبه قال الشافعي وأبوحنيفة وإسحاق وأبوعبيد وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد .
القول الثاني : 
أنه لا ينجس إلا إذا تغير مثله مثل الماء الكثير أي أنه إذا تغير تنجس وإن لم يتغير فلا يتنجس ذهب إلي ذلك ابن عباس وأبوهريرة وحذيفة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وابن أبي ليلي والثوري والأوزاعي ويحيي القطان وعبدالرحمن بن مهدي وابن المنذر والنخعي ومالك وهو قول للشافعي والرواية الثانية عن أحمد وبه قال داود الظاهري .

أدلة القول الأول :
1- مفهوم حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ) .
قالوا : مفهومه أن ما دون القلتين ينجس بملاقاة النجاسة وإن لم يتغير لأن تحديده بالقلتين يدل علي أن ما دونهما يتنجس إذ لو استوي حكم القلتين وما دونهما لم يكن للتحديد فائدة .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار ) رواه مسلم وفي لفظ له : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) .
قالوا : أمر النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب وإراقة سؤره ولم يفرق بين ما تغير وبين ما لم يتغير مع أن الظاهر عدم التغير .

أدلة القول الثاني :
1- قالوا : إن العبرة دائماً بما غلب على الشيء فإذا كان الماء الذي وقعت فيه النجاسة لم تتغير أحد أوصافه بها فالغالب على هذا الماء هو الطهورية والنجاسة فيه منغمرة وغير ظاهرة بخلاف الماء الذي ظهرت فيه النجاسة لوناً أو طعماً أو ريحاً فقد غلبت عليه النجاسة وظهرت فصار الغالب عليه النجس .
قالوا : وهذا معتبر في جميع الأشياء فنحن مثلاً : لو وصفنا إنساناً بالصلاح كان معنى ذلك أن خصال الخير فيه أكثر وأغلب وإلا فلا يخلو من نقص أو خطأ والعكس لو وصفناه بالخبث أو الشر لكان معنى ذلك أن خصال الخبث والشر عليه أغلب وأكثر وإلا فيبعد ألا يكون فيه خصلة خير وكذلك سائر الأشياء هي لما غلب عليها فالماء الذي وقعت فيه النجاسة ولم تغلب عليه لا يزال طهوراً والغالب عليه الطهورية والحكم لهذا الغالب .
2- استدلوا بحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي والدارقطني والحاكم وأحمد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قالوا : هذا لفظ عام وإن كان السبب خاصاً فهو كحديث ماء البحر : ( هو الطهور ماؤه ) هو لفظ عام غير مقيد بسبب ولا بحادثة معينة وهو يقضي بأن الماء الأصل فيه الطهورية وأنه لا ينجسه شيء .
3- استدلوا بما روي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ) رواه ابن ماجة والبيهقي والطبراني وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله .
وقال النووي رحمه الله : ( اتفق المحدثون على تضعيفه ولكن الإجماع علي العمل بمعناه ومضمونه ) .
وقال صديق حسن خان رحمه الله : ( اتفق العلماء علي ضعف هذه الزيادة لكنه وقع الإجماع علي مضمونها ) أهـ .
والعلماء اختلفوا في مسلك الاستدلال بالإجماع أم بالحديث وجمهورهم يستدل بالإجماع لضعف الحديث . 
ومنهم من يسلك طريقة أخرى فيقول : إن الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن الإجماع على تقبله وصحة معناه يجعله يرتقي إلى درجة الاحتجاج فيحتج به وهذه طريقه بعض من لا يحتجون بالإجماع وهم ندرة من أهل العلم .
والإجماع حجة ودليل وأصل من أصول الاستدلال لأنه لا ينعقد إلا عن دليل كما هو مقرر في الأصول .

الترجيح :
رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم من العلماء أن العبرة في نجاسة الماء هو التغير ولا عبرة بالكثير أو القليل في ذلك لأن القاعدة الأصولية تقول : ( الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ) وعلة النجاسة الخبث فمتي وجد في شئ فهو نجس ومتي لم يوجد فهو ليس بنجس والحكم علي الماء بالنجاسة يكون بوجود تغير في أحد صفاته اللون أو الطعم أو الرائحة فمتي وجد هذا التغير بسبب النجاسة كان الماء نجساً ومتي لم يوجد فليس بنجس سواء كان هذا الماء كثيراً أو قليلاً .
ورجحه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهما من العلماء .
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عندما سُئل عن حكم الماء القليل إذا خالطته النجاسة مثل البول ونحوه : 
( قد اختلف العلماء في ذلك : فمنهم من رأى : أن الماء إذا كان دون القلتين وأصابته نجاسة فإنه ينجس بذلك وإن لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ) وفي لفظ ( لم ينجس ) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
قالوا : فمفهوم هذا الحديث أن ما دون القلتين ينجس بما يقع فيه من النجاسة وإن لم يتغير .
وقال آخرون من أهل العلم : ( دلالة المفهوم ضعيفة ) .
والصواب : أن ما دون القلتين لا ينجس إلا بالتغير كالذي بلغ القلتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) أخرجه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم القلتين ليدل على أن ما دونهما يحتاج إلى تثبت ونظر وعناية لأنه ينجس مطلقاً لحديث أبي سعيد المذكور ... ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( أهل العلم مجمعون على أن الماء إذا أصابته النجاسة فغيرت ريحه أو طعمه أو لونه صار نجساً وإن لم تغيره فهو باق على طهوريته إلا إذا كان دون القلتين فإن بعضهم يرى أن ينجس وإن لم يتغير والصحيح أنه لا ينجس إلا بالتغير لأن النظر والقياس يقتضي ذلك فإنه إذا تغير بالنجاسة فقد أثرت فيه خبثاً فإذا لم يتغير بها فكيف يجعل له حكمها ؟ ) أهـ .

مسالة : 
هل يُمكن تطهير الماء النجس ؟ وكيف يُطهر ؟ .
الجواب :
نعم يمكن تطهير الماء المُتنجس ولتطهيره ثلاثة طرق :
أحدها : إذا كان هذا الماء النجس قليلاً أي دون القلتين فتطهيره يكون بالمكاثرة بقلتين طاهرتين إما أن يُصب فيه أو ينبع فيه فيزول بهما تغيره إن كان متغيراً وإن لم يكن متغيراً طهر بمجرد المكاثرة .
الثاني : إذا كان هذا الماء النجس قلتين فيطهر بأمرين :
الأمر الأول : المكاثرة .       
الأمر الثاني : يترك حتى يزول تغيره بطول مكثه .
الثالث : إذا كان هذا الماء النجس أكثر من قلتين فتطهيره بأحد أمور ثلاثة :
المكاثرة أو أن يزول تغيره بطول مكثه أو أن ينزح منه ما يزول به التغير ويبقي بعد ذلك قلتان فصاعداً .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( والصحيح : أنه إذا زال تغير الماء النجس بأي طريق كان فإنه يكون طهوراً لأن الحكم متى ثبت لعلة زال بزوالها وأي فرق بين أن يكون كثيراً أو يسيراً فالعلة واحدة متى زالت النجاسة فإنه يكون طهوراً وهذا أيضاً أيسر فهماً وعملاً ) أهـ 
وكذلك أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عندما سُئلت عن حكم تطهير مياه المجاري بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية ووسائل الترشيح والتطهير المختلفة . 
وكان السؤال : ماذا يقول العلماء الكرام في الماء المستعمل في المراحيض والحمامات ومع هذا الماء العذرة والبول ويروح هذا الماء إلى مكينة ويتغير الرائحة الكريهة من هذا الماء ويختلط مع هذا الماء بالأدوية ويختلط مع هذه الماء الطاهر ويرجع هذا الماء إلى المراحيض والحمامات ثانياً وإلى المطعم هل يجوز استعمال هذا الماء في الوضوء والاغتسال من جهة الشرع أم لا ؟ . 
فقالت اللجنة في جوابها علي ذلك : ( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
لقد دُرس هذا الموضوع من قِبل مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وصدر فيه قرار هذا مضمونه : 
( اطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء كما اطلع المجلس على خطاب معالي وزير الزراعة والمياه ... وبعد البحث والمداولة والمناقشة قرر المجلس ما يلي :   
بناءً على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه أو بإضافة ماء طهور إليه أو زال تغيره بطول مكث أو تأثير الشمس ومرور الرياح عليه أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته .
وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات كما يشهد ذلك ويقرره الخبراء المختصون بذلك ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث وتحصل الطهارة بها منها كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة على النفس وتفادياً للضرر لا لنجاستها ... وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .

وكذلك وجه إليها سؤلاً حول هذا الموضوع وهذا نصه :
في هذه الأيام تجمع المياه النازلة في المجاري مع النجاسات في بعض البلدان وتكرر لتعود للبيوت مرة ثانية هل طهر عين النجاسة في هذه المياه ؟ .
الجواب :
( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد : الأصل في الماء الطهارة وما ذكرت من مياه المجاري إنما صارت متنجسة بما خالطها من البول والغائط ونحوهما فإذا كررت وخلصت من النجاسة وزال منها ريح النجاسة وطعمها ولونها صارت طاهرة و إلا فهي متنجسة بما بقي فيها من آثار النجاسة ومظاهرها وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .
يتبع إن شاء الله...


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 11:35 am

الماء المستعمل : 
الماء المستعمل هو : الماء المنفصل أو المتساقط من أعضاء المتوضئ أو المغتسل .
وليس هو الماء الذي فضل وبقي بعد الوضوء أو الاغتسال في الإناء الذي يُغترف منه لأن هذا الماء يطلق عليه ( فضل الماء أو الاغتسال ) أي الماء الذي تبقي في الإناء الذي يُغترف منه بعد الوضوء أو الاغتسال سواء كان المتوضئ أو المغتسل رجل أو امرأة .
فهناك فرق بين الماء المستعمل في طهارة الحدث وبين الماء المتبقي في الإناء الذي يغترف منه للطهارة من الحدث ولكل منهما حكمه وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله فيما بعد .

حُكم الماء المستعمل :
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : 
 هل الماء المستعمل طاهر أم نجس ؟
هذه المسالة فيها خلاف بين العلماء على قولين :
القول الأول : 
أنه طاهر وبه قال عامة الفقهاء سلفاً وخلفاً وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد ورواية عن أبي حنيفة هي المشهورة عنه .
القول الثاني :
أن الماء المستعمل نجس وهو رواية عن أبي حنيفة رواها أبويوسف والحسن بن زياد إلا أن أبا يوسف رأى أن نجاسته مخففة والحسن رأى أنها مغلظة .

أدلة القول الأول :
1- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : ( مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبوبكر وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت ... ) رواه البخاري مسلم .
فهذا الحديث يدل على طهارة الماء المتوضأ به .
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم  كانوا يتوضئون ويتقاطر على ثيابهم ولا يغسلونها وهذا يدل على طهارة الماء المستعمل .
3- أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبادرون إلى فضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فيتمسحون به للتبرك به ولا يمكن أن يقرهم على التمسح بنجس ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به ... ) .
وحديث أبي موسى عنده أيضاً قال : ( دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال لهما يعني أبا موسى وبلالاً اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ) .
وعن السائب بن يزيد عنده أيضاً قال : ( ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن ابن أختي وجع أي مريض فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره ) .
4- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونساءه كانوا يتوضئون في الأقداح والأتوار ويغتسلون في الجفان ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء من المستعمل ؟ ولهذا قال إبراهيم النخعي : ولا بد من ذلك فلو كان المستعمل نجساً لنجس الماء الذي يقع فيه .
5- ولأنه ماء طاهر لاقى محلاً طاهراً فكان طاهراً كالذي غسل به الثوب الطاهر .

أدلة القول الثاني :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) رواه البخاري .
وقالوا : إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قرن في هذا الحديث بين النهي عن التبول في الماء الدائم وبين الاغتسال فيه وحيث أن النهي عن التبول إنما هو لعلة التنجيس فكذلك النهي عن الاغتسال هو أيضاً لعلة التنجيس بدلالة الاقتران .
2 - قالوا : إن المحدث قد خرج شيء نجس من بدنه به يتنجس بعض البدن حقيقة فيتنجس الباقي تقديراً فإذا توضأ انتقلت تلك النجاسة إلى الماء فيصير الماء نجساً تقديراً وحكماً .

المسألة الثانية : 
هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية فيكون طاهراً غير مطهر ؟ .

هذه المسألة قد وقع فيها خلاف كبير ومشهور بين العلماء على قولين :
القول الأول : 
أنه طاهر مطهر وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح ومكحول وسفيان الثوري وأبي ثور والزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين وروي عن علي وابن عمر وأبي أمامة رضي الله عنهم . 
وهو أيضاً إحدى الروايات عن أبي حنيفة وهو مذهب الظاهرية . 
القول الثاني : 
أنه طاهر غير مطهر وهو مذهب الشافعي والمذهب عند الحنابلة ورواية عن مالك وعن أبي حنيفة وبه قال الليث والأوزاعي .

أدلة القول الأول :
1- قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) قال الباجي رحمه الله : ( وطهور على مثال شكور وصبور إنما يستعمل فيما يكثر منه الفعل وهذا يقتضي تكرار الطهارة بالماء ) .
والأصل في الماء الطهورية أي أنه طاهر مطهر ولا ينجسه شئ لحديث : ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) إلا إذا تغير أحد أوصافه أو خرج عن اسم الماء المطلق بملاقاة شئ طاهر .
2- عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء في يده فبدأ بمؤخر رأسه إلى مقدمه ثم جره إلى مؤخره ) رواه النسائي وأبوداود وأحمد والدارمي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قال ابن المنذر رحمه الله : ( أجمع أهل العلم على أن الرجل المحدث الذي لا نجاسة على أعضائه لو صب ماء على وجهه أو ذراعيه فسال ذلك عليه وعلى ثيابه أنه طاهر وذلك أن ماء طاهراً لاقى بدنا طاهراً وكذلك في باب الوضوء ماء طاهر لاقى بدنا طاهراً وإذا ثبت أن الماء المتوضأ به طاهر وجب أن يتطهر به من لا يجد السبيل إلى ماء غيره ولا يتيمم وماء طاهر موجود لأن في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك » فأوجب الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الوضوء بالماء والاغتسال به على كل من كان واجداً له ليس بمريض وفي إجماع أهل العلم أن الندى الباقي على أعضاء المتوضئ والمغتسل وما قطر منه على ثيابهما طاهر دليل على طهارة الماء المستعمل وإذا كان طاهراً فلا معنى لمنع الوضوء به بغير حجة يرجع إليها من خالف القول ) أهـ 
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل فقالت : له يا رسول الله إني كنت جنباً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء لا يجنب ) رواه أبوداود والترمذي والبيهقي وابن ماجة وابن حبان وابن أبي شيبة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
ووجه الدلالة : أن قوله ( إن الماء لا يجنب ) دليل على طهوريته . 
4- أنه ماء طاهر لاقى بدناً طاهراً فلم يسلبه الطهورية .

أدلة القول الثاني :
1- عن الحكم بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي والبيهقي وابن ماجة وأحمد والدارقطني وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قالوا : المراد بفضل طهورها ما سقط من أعضائها لأن الباقي في الإناء مطهر باتفاق العلماء .
2- عن حميد الحميري قال : لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة ) زاد مسدد : ( وليغترفا جميعاً ) رواه أبوداود والبيهقي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 
قالوا : نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بفضل وضوء المرأة ونهيه عن الاغتسال بفضل الرجل وبفضل المرأة إنما هو لعلة الاستعمال - والنهي يقتضي فساد المنهي عنه - ولو لم يكن الوضوء والغسل فاسدين هنا لما نهى عنهما .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) رواه مسلم .
ورواه البخاري بلفظ : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) وهذا الحديث رواه أبوداود والنسائي وغيرهما وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قالوا : النهى عن الاغتسال في الماء الدائم أي الانغماس المراد منه لئلاً يصير مستعملاً وهذا يدل على أنه يؤثر في الماء تأثيراً يمنع من التوضؤ به .
4 - أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم احتاجوا في مواطن من أسفارهم الكثيرة إلى الماء ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى فتركه يدل على امتناعه .
ومن جملة ما استدلوا به أيضاً أن السلف كانوا يكملون الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا بما تساقط منه .

الترجيح :
رجح القول الأول وهو أن الماء المستعمل طاهر مطهر : شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني ورجحه الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً .
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله : ( الوضوء من الماء المجتمع في إناء من أعضاء المتوضئ أو المغتسل يعتبر طاهراً .
واختلف العلماء في طهوريته هل هو طهور يجوز الوضوء والغسل به أم طاهر فقط كالماء المقيد مثل : ماء الرمان وماء العنب ونحوهما ؟

والأرجح : 
أنه طهور لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الماء طهور لا ينجسه شيء » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجه بإسناد صحيح ولا يستثنى من ذلك إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة فإذا تغير بذلك صار نجسا بالإجماع ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( الماء المستعمل في الطهارة يستعمل في الطهارة مرة أخرى لأنه طهور وانتقاله من الطهورية إلى الطهارة غير مُسلم ) أهـ .
وقال أيضاً رحمه الله : ( الماء المستعمل إما أن يكون في رفع حدث أو في طهارة مشروعة مستحبة أو في إزالة نجاسة والصحيح في جميع هذه الاستعمالات أنه طهور ما لم يتغير فيما إذا استعمل في إزالة النجاسة فإن كان متغيراً فهو نجس ) أهـ .
وقال الشيخ سيد سابق رحمه الله : ( الماء المستعمل وهو المنفصل من أعضاء المتوضئ والمغتسل حكمه أنه طهور كالماء المطلق سواء بسواء اعتباراً بالأصل حيث كان طهوراً ولم يوجد دليل يخرجه عن طهوريته والحديث لربيع بنت معوذ في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ( ومسح رأسه بما بقي من وضوء في يديه ) رواه أحمد وأبوداود ولفظ أبي داود : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء كان بيده ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب فانخنس منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال : ( أين كنت يا أبا هريرة ؟ ) فقال : كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس ) رواه الجماعة . 
ووجه دلالة الحديث أن المؤمن إذا كان لا ينجس فلا وجه لجعل الماء فاقداً للطهورية بمجرد مماسته له إذ غايته التقاء طاهر بطاهر وهو لا يؤثر .
قال ابن المنذر : روي عن علي وابن عمر وأبي أمامة وعطاء والحسن ومكحول والنخعي : أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد بللاً في لحيته : يكفيه مسحه بذلك قال : وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهراً وبه أقول : وهذا المذهب إحدى الروايات عن مالك والشافعي ونسبه ابن حزم إلى سفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر ) أهـ .

حُكم طهارة الرجل بفضل طهارة المرأة والعكس :
لا خلاف بين العلماء في جواز تطهر المرأة بفضل ماء الرجل الذي تطهر به في طهارة واجبة أو مستحبة بل ونُقل الإجماع على ذلك .
ولكن اختلفوا في حكم تطهر الرجل بفضل ماء المرأة إذا خلت به على قولين :
القول الأول : 
أن التطهر بفضل ماء المرأة الذي تطهرت به في طهارة واجبة أو مستحبة جائز سواء خلت به أو لم تخل وحكمه أنه طاهر مطهر يرفع الحدث مطلقاً ولا يكره استعماله وهو مذهب لحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في رواية .
القول الثاني : 
أن التطهر بفضل ماء المرأة الذي تطهرت به في طهارة واجبة لا يجوز وهو مذهب الحنابلة في رواية 
وبه قال داود الظاهري وروى هذا عن عبدالله بن سرجس والحسن البصري . 

أدلة القول الأول :
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل فقالت : له يا رسول الله إني كنت جنباً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء لا يجنب ) رواه أبوداود والترمذي وابن ماجة والبيهقي وابن حبان وابن أبي شيبة ورواه النسائي وأحمد والحاكم بلفظ : ( أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضله فذكرت ذلك له فقال : ( إن الماء لا ينجسه شيء ) ورواه الطبراني بلفظ : ( إن الماء لا ينجس ) وصحح هذا الحديث الشيخ الألباني رحمه الله . 
قالوا : هذا الحديث فيه دليل على جواز اغتسال الرجل بالماء الذي يبقى من غُسل المرأة وأن هذا الاغتسال لا يؤثر في طهورية الماء لأن الماء لا ينجس وهذا الفعل من الرسول صلّى الله عليه وسلم لبيان التشريع وهو دليل الجواز .
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة ) رواه مسلم .
3- عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة ) رواه ابن ماجة والدارقطني وأحمد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 
4- قال ابن عبدالبر رحمه الله : ( لا بأس أن يتطهر كل واحد منهما بفضل طهور صاحبه شرعا جميعاً أو خلا كل واحد منهما به قال : وعلى هذا القول فقهاء الأمصار وجمهور العلماء ) أهـ .

أدلة القول الثاني :
1- عن الحكم بن عمرو الغفاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة - أو قال : بسؤرها ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن حبان وأحمد واللفظ للترمذي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قال الشوكاني رحمه الله : ( الحديث يدل على أنه لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة وقد ذهب إلى ذلك عبد الله بن سرجس الصحابي ونسبه ابن حزم إلى الحكم بن عمرو راوي الحديث وجويرية أم المؤمنين وأم سلمة وعمر بن الخطاب وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وهو أيضا قول أحمد وإسحاق لكن قيداه بما إذا خلت به وروي عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيداً بما إذا كانت المرأة حائضاً ) أهـ .
2- عن داود بن عبدالله عن حميد الحميري قال : لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة ) زاد مسدد : ( وليغترفا جميعاً ) واه أبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
3- عن عاصم عن عبدالله بن سرجس قال : تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره ولا يتوضأ الرجل بفضل غسل المرأة ولا طهورها . 
وأُجيب عن ذلك :  بأن هذا النهي الوارد في الحديث هو لكراهة التنزيه جمعاً بينهما وبين الأحاديت المتقدمة أشار إلى هذا الجمع الحافظ ابن حجر في الفتح واستحسنه الشوكاني في النيل . 

تفسير الخلوة في هذه المسألة :
قال ابن قدامة رحمه الله : ( اختلف أصحابنا في تفسير الخلوة به فقال الشريف أبوجعفر قولاً على أن الخلوة هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة من النكاح بحضوره سواء كان رجلاً أو امرأة أو صبياً عاقلاً لأنها إحدى الخلوتين فنافاها حضور أحد هؤلاء كالأخرى وقال القاضي : هي أن لا يشاهدها رجل مسلم فإن شاهدها صبي أو امرأة أو رجل كافر لم تخرج بحضورهم عن الخلوة وذهب بعض الأصحاب إلى أن الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله لأن أحمد قال إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل هو به وإذا شرعا فيه جميعاً فلا بأس به لقول  عبد الله بن سرجس : اغتسلا جميعاً هو هكذا وأنت هكذا قال عبدالواحد في إشارته : كان الإناء بينهما وإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم وقد " كانت عائشة تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يغترفان منه جميعاً " متفق عليه فيخص بهذا عموم النهي وبقيناً فيما عداه على العموم ) أهـ . 
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( وقوله : خَلَتْ به تفسير الخَلوة على المذهب : أن تخلو به عن مشاهدة مميِز فإن شاهدها مميز زالت الخلوة ورفع حدث الرجل وقيل : تخلو به أي : تنفرد به بمعنى تتوضأ به ولم يتوضأ به أحد غيرها وهذا أقرب إلى الحديث لأن ظاهره العموم ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن تخلو به ) أهـ .

الترجيح :
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عندما سُئل : ما الصحيح في طهارة الرجل بفضل المرأة ؟ .
الجواب : ( الخلاف في هذه المسألة مشهور ومذهب جمهور العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد أنه غير ممنوع للرجل الطهارة بفضل طهور المرأة سواء خلت به أم لا وسواء كان لطهارة الحدث أو الخبث وهو الصحيح بل الصواب لحديث اغتساله صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة وهو أصح من حديث النهي عن اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة بلا شك وكثير من أهل العلم لا يرى صحته فلا تقوم بمثله حجة ويؤيد هذا القول العمومات في الأمر بالطهارة بالماء من غير قيد فكل ماء لم تغيره النجاسة فإنه داخل في العموم وأيضًا فالله تعالى يقول : " فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا " فلم يبح التيمم حتى يعدم الماء وهذا يسمى ماءً بلا شك والشارع لا يمنع من شيء لغير موجب وهذا الماء كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( إن الماء لا يجنب ) ولو كان الرجل ممنوعاً من الطهارة بفضل طهور المرأة مع كثرة ذلك ومشقته وعموم البلوى به لورد فيه من النصوص الصحيحة ما يبين هذا الأمر فتبين أن هذا القول هو الصواب أما الرواية الأخرى عن أحمد وهي المشهورة عند المتأخرين فمنعوا الرجل من تطهره بما خلت به المرأة لطهارة الحدث والحديث الذي استدلوا به لا يصلح أن يكون دليلاً على هذه المسألة لضعفه ومخالفته للأدلة ثم التقييد بطهارة الحدث وحدها لا دليل عليه ) أهـ .
وقال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمه الله : عندما سُئل عن حكم الوضوء ببقية الماء الفاضل من وضوء المرأة ؟ 
الجواب : ( هذه المسألة فيها قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد فالمشهور أنه لا يرفع حدث الرجل مع كونه يرفع حدث المرأة وحدث الصبي الذي لم يبلغ ويزيل النجاسات كلها مطلقاً، سواء ما تعلق منها بالرجل، وغيره واحتجوا بحديث ورد في ذلك : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور  المرأة ) رواه أبوداود وغيره وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان .
وهذا من مفردات المذهب . قالوا : ويشترط لذلك أن يكون الماء يسيراً وأن تخلو به المرأة عند استعماله فلا يحضرها أحد حتى تنتهي وأن تكون المرأة مكلفة وأن تتطهر منه طهارة كاملة عن حدث فإن اختل شرط منها فلا بأس به للرجل ويرتفع به حدثه .
والقول الآخر أنه يرفع حدث الرجل كغيره لأنه طهور لم يغيره شيء وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية وشيخنا ابن سعدي .
والحديث الذي استدل به الأولون فيه مقال وعلى فرض صحته فيحمل على التنزيه وأيضاً فهو معارض بما هو أقوى منه وهو حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة ) أخرجه مسلم ولأصحاب السنن : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء أي النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها فقالت : إني كنت جنباً فقال : "إن الماء لا يجنب" وصححه الترمذي وابن خزيمة . 
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في بعض أجوبته : ومن ذلك فضلة المرأة زعم بعضهم أنه لا يرفع الحدث يعني حدث الرجل وولدوا عليه من المسائل ما يشغل الأذهان وقال كثير من أهل العلم أو أكثرهم : إنه مطهر رافع للحدث فإن لم يصح الحديث يعني حديث النهي فلا كلام كما يقوله البخاري وغيره وإن قلنا بصحة الحديث فنقول : في صحيح مسلم حديث أصح منه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة ) وهذا الماء داخل في عموم قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) قطعاً وداخل في عموم حديث : "الماء طهور لا ينجسه شيء" وإنما نهي الرجل عن استعماله نهي تنزيه إذا قدر على غيره، للأدلة التي ذكرنا واللَّه أعلم ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( والصحيح : أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم بل على سبيل الأَولوية وكراهة التنزيه بدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنَة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها فقالت : إني كنت جنباً فقال : « إن الماء لا يجنب » وهذا حديث صحيح .
وهناك تعليل وهو أن الماء لا يجنب يعني أنها إذا اغتسلت منه من الجنابة فإن الماء باقٍ على طَهُوريته .

فالصواب : 
أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة فإِن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله ) أهـ .
قال الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد : ( النهي عن الوضوء بما خلت به المرأة في طهارة هو مذهب أحمد في إحدى الروايتين والمراد بذلك الوضوء مما بقي من إناء طهورها أو خلوتها به بحيث لا يراها أحد عند تطهرها به . 
ودليلهم على ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه أبوداود والترمذي وحسنه وصححه عبدالحق الإشبيلي والألباني وضعفه النووي وابن القيم .
وأكثر العلماء وهي الرواية الأخرى عن أحمد على جواز ذلك وحملوا النهي في هذا الحديث لو صح على التنزيه جمعاً بينه وبين حديث ابن عباس رضي الله عنهما : اغتسل بعضُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنَة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها فقالت : إني كنت جُنباً، فقال : "إن الماء لا يُجنب" رواه أبوداود والنسائي وهو صحيح وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة رواه مسلم في صحيحه . 
فعليه فإن الصحيح أنه لا حرج في الوضوء بفضل طهور المرأة ولو خلت به ) أهـ .
يتبع إن شاء الله...


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 11:41 am

حُكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة : 
اختلف العلماء في حُكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة على قولين :
القول الأول : 
أنه ينجس إن كان أقل من قلتين تغير أم لم يتغير وهو قول للشافعى ورواية عن أحمد.
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) .
 وقالوا : إن الحديث يفهم منه أن الماء القليل يتنجس بوقوع النجاسة فيه والماء عام يشمل الجاري والراكد فيتنجس الجاري بوقوع النجاسة فيه .
وأُجيب عن ذلك : بأن حديث القلتين محمول على الواقف لأن الجاري لا يكون إلا كثيراً فالأنهار والأودية لا تجري إلا إذا كانت مياهها كثيرة وفي الغالب تزيد عن القلتين وبهذا يكون الماء القليل الجاري كالكثير في الماء الراكد فلا يتنجس إلا بالتغير .
القول الثاني : 
أنه لا ينجس إلا بالتغير سواء كان الماء قلتين أو أقل وهذا مذهب أبى حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعى والرواية الثانية عن أحمد .

واستدلوا بما يلي :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن بئر بضاعة وهي يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب فقال : ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )
والماء الجاري يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) لأن الماء عام يشمل الجاري والراكد فهو طهور إلا إذا تغير .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) رواه البخاري .
ورواه مسلم بلفظ : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) .
ومفهومه جواز البول في الماء الذي يجري لأن البول يجري مع الماء ولا يستقر فيه.
3- أن الماء الجاري النجاسة لا تستقر فيه جريانه .
4- أن الماء الجاري وارد على النجاسة فلا ينجس إلا بالتغير الذي تزال به النجاسة.
5- أن الماء الجاري له قوة يدفع بعضه بعضاً فيدفع النجاسة ويزيلها .
6- أن الماء الجاري مثل الماء الذي يصب على النجاسة فيزيلها ويطهر موضعها فإذا كان الماء إذا ورد على النجاسة طهرها ولا ينجس هو لأنه لو نجَِس لَنَجَّسَ الموضع وما طهر فكذلك إذا وردت عليه النجاسة لا تنجسه فالواردان واحد سواء ورد هو على النجاسة أو وردت عليه النجاسة فإنه لا ينجس وهذه ميزة للماء الجاري .

الترجيح :
رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة والشوكاني ورجحه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن  باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( تنازع العلماء في الماء الجاري على قولين : 
أحدهما : لا ينجس إلا بالتغير وهذا مذهب أبى حنيفة مع تشديده في الماء الدائم وهو أيضاً مذهب مالك والقول القديم للشافعى وهو أنص الروايتين عن أحمد وإختيار محققي أصحابه والقول الآخر للشافعى وهى الرواية ى عن أحمد أنه كالدائم فتعتبر الجرية والصواب الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الدائم والجاري في نهيه عن الإغتسال فيه والبول فيه وذلك يدل على الفرق بينهما ولأن الجاري إذا لم تغيره النجاسة فلا وجه لنجاسته وقوله : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) إنما دل على ما دونهما بالمفهوم والمفهوم لا عموم له فلا يدل ذلك على أن ما دون القلتين يحمل الخبث بل إذا فرق فيه بين دائم وجار أو إذا كان في بعض الأحيان يحمل الخبث كان الحدث معمولاً به فإذا كان طاهراً بيقين وليس في نجاسته نص ولا قياس وجب البقاء على طهارته مع بقاء صفاته وإذا كان حوض الحمام الفائض إذا كان قليلاً ووقع فيه بول أو دم أو عذرة ولم تغيره لم ينجسه على الصحيح فكيف بالماء الذي جميعه يجرى على أرض الحمام فإنه إذا وقعت فيه نجاسة ولم تغيره لم ينجس وهذا يتضح بمسألة أخرى وهو أن الأرض وإن كانت تراباً أو غير تراب إذا وقعت عليها نجاسة من بول أو عذرة أو غيرهما فإنه إذا صب الماء على الأرض حتى زالت عين النجاسة فالماء والأرض طاهران وإن لم ينفصل الماء في مذهب جماهير العلماء فكيف بالبلاط ولهذا قالوا أن السطح إذا كانت عليه نجاسة وأصابه ماء المطر حتى أزال عينها كان ما ينزل من الميازيب طاهراً فكيف بأرض الحمام فإذا كان بها بول أو قيء فصب عليه ماء حتى ذهبت عينه كان الماء والأرض طاهرين وإن لم يجر الماء فكيف إذا جرى وزال عن مكانه ) أهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( لا يتنجس " الماء " الجاري إلا بتغيره لأن الأصل طهارته ولا نعلم في تنجيسه نصاً ولا إجماعاً فبقي على أصل الطهارة ولأنه يدخل في عموم قوله عليه السلام : " الماء طهور لا ينجسه شيء " وقوله : " الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه " فإن قيل : قد ورد الشرع بتنجيس قليله لقوله عليه السلام : " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " قلنا : هذا حجة على طهارته لأن ماء الساقية بمجموعة قد بلغ القلتين فلا يحمل الخبث وتخصيص الجرية منه بهذا التقدير تحكم لا دليل عليه ثم الخبر إنما ورد في الماء الراكد ولا يصح قياس الجاري عليه لقوته بجريانه واتصاله بمادته ثم الخبر إنما يدل بمنطوقه على نفي النجاسة عما بلغ القلتين وإنما يستدل ها هنا بمفهومه وقضاء حق المفهوم يحصل بمخالفة ما دون القلتين لما بلغهما وقد حصلت المخالفة بكون ما دون القلتين يفترق فيه الماء الجاري والراكد في التنجيس وما بلغهما لا يختلف وهذا كاف. 
وقال القاضي وأصحابه كل جرية من الماء الجاري معتبرة بنفسها فإذا كانت النجاسة جارية مع الماء فما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما خلفها طاهر لأنه لم يصل إليها والجرية التي فيها النجاسة إن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا أن تتغير بالنجاسة وان كانت دون القلتين فهي نجسة وان كانت النجاسة واقفة في جانب النهر أو قراره أو في وهدة منه فكل جرية تمر عليها إن كانت دون القلتين فهي نجسة وإن بلغت قلتين فهي طاهرة إلا أن تتغير ) أهـ . 
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( القول الصحيح الذي تطمئن إليه النفس هو أن ( ما تغير بنجاسة فهو نجس وما لم يتغير فهو طهور ) سواء كان جاريا ً أم راكداً ) أهـ .

حُكم التبول أو الاغتسال في الماء الدائم أو الراكد :
الماء الدائم : هو الماء الباقي الذي له ما يُغذيه ولكنه لا يجري على وجه الأرض  مثل : مياه الآبار .
والماء الراكد : هو الماء الذي ليس له ما يُغذيه ولا يجري على وَجْه الأرض مثل : مياه البرك والمستنقعات . 
وقد ذُكِر غير ذلك في الفرق بينهما . 
ولكن كلا اللفظين مراده : أن هذا الماء ثابت ومستقر ولا ينتقل من مكانه بالجريان .
وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن التبول أو الاغتسال في هذا الماء . 
فعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه : ( نهى أن يُبال في الماء الراكد ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) رواه البخاري .
ورواه أبوداود بلفظ : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة ) .
والفرق بين رواية البخاري : « ثم يغتسل فيه » ورواية مسلم : « ثم يغتسل منه » ورواية أبي داود : « ولا يغتسل فيه من الجنابة » أن رواية البخاري تفيد النهي عن الاغتسال بالانغماس في الماء الذي بال فيه أي : كيف يبول في ماء وهو يحتاجه للغسل أو غيره ؟! 
ورواية مسلم تفيد النهي عن أن يتناول منه في إناء ويغتسل خارجه وكل منهما تفيد ما تفيده الرواية الأخرى فرواية (فيه) تدل على معنى الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط ورواية (منه) بعكس ذلك وأما رواية أبي داود فتفيد النهي عن كل واحد من البول والاغتسال على الانفراد بمعنى أنه لا يبول في الماء الدائم وإن لم يقصد الاغتسال منه فحصل من مجموع الروايات أن الكل ممنوع وذلك لأن البول أو الاغتسال في الماء الراكد يسبب تقذيره وتوسيخه على نفسه وعلى غيره ولا يلزم من هذا نجاسة الماء إلا إذا تغير أحد أوصافه لكنه إذا بال فيه وتتابع الناس في البول فيه أدى ذلك إلى تنجيسه .
فهذا الحديث بألفاظه المختلفة فيه نهي عن البول في الماء الراكد ثم الاغتسال منه بمعنى أنه يبول فيه ثم يغتسل منه وفيه أيضاً النهي عن البول وحده والاغتسال فيه .
وهل هذا النهي للتحريم أو للكراهة ؟ .

اختلف العلماء فيه على قولين :
القول الأول : أنه حرام وذهب إليه الحنفية والظاهرية لظاهر الحديث .
فالحديث فيه نهي والنهي يقتضي التحريم ولا صارف للتحريم .
القول الثاني : أنه مكروه وهو مذهب الجمهور .
والصحيح هو القول الأول لظاهر الحديث .
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( اختلف العلماء هل النهى للتحريم أو الكراهية ؟
فذهب المالكية : إلى أنه مكروه وذهب الحنابلة والظاهرية : إلى أنه للتحريم .
وذهب بعض العلماء : إلى أنه محرم في القليل مكروه في الكثير وظاهر النهى التحريم في القليل والكثير لكن يخصص من ذلك المياه المستبحرة باتفاق العلماء ) أهـ .

حُكم الماء الدائم أو الراكد إذا وقعت فيه نجاسة :
لا خلاف بين العلماء أن الماء الدائم أو الراكد إذا كان كثيراً أنه لا ينجس بمخالطته للنجاسة إلا إذا تغيرت أحدى أوصافه الثلاثة: ( اللون أو الطعم أو الرائحة ) .
قال ابن حزم رحمه الله : ( واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما فانه لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته ) أهـ .

أما إذا كان الماء قليلاً ولم يتغير بمخالطته للنجاسة فللعلماء في ذلك قولان : 
القول الأول : 
أنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير وهذا هو المشهور في مذهب أحمد وبه قال الشافعي وأبوحنيفة وإسحاق وأبوعبيد وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد .
القول الثاني : 
أنه لا ينجس إلا إذا تغير مثله مثل الماء الكثير أي أنه إذا تغير تنجس وإن لم يتغير فلا يتنجس ذهب إلي ذلك ابن عباس وأبوهريرة وحذيفة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وابن أبي ليلي والثوري والأوزاعي ويحيي القطان وعبدالرحمن بن مهدي وابن المنذر والنخعي ومالك وهو قول للشافعي والرواية الثانية عن أحمد وبه قال داود الظاهري .
وسبق ذكر أدلة القولين فليرجع إليها . 

الترجيح :
رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني ورجحه أيضاً الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله جميعاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (نهيه صلى الله عليه و سلم عن البول في الماء الدائم أو عن الاغتسال فيه لا يدل على أنه يصير نجساً بذلك بل قد نهى لما يفضي إليه البول بعد البول من إفساده أو لما يؤدى إلى الوسواس كما نهى عن بول الرجل في مستحمه وقال عامة الوسواس منه ونهيه عن الاغتسال قد جاء فيه أنه نهى عن الاغتسال فيه بعد البول وهذا يشبه نهيه عن بول الإنسان في مستحمه) أهـ.
وقال أيضاً رحمه الله: (فإن قيل فإن النبي قد نهى عن البول في الماء الدائم وعن الإغتسال فيه قيل نهيه عن البول في الماء الدائم لا يدل على أنه ينجس بمجرد البول إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك بل قد يكون نهيه سداً للذريعة لأن البول ذريعة إلى تنجيسه فإنه إذا بال هذا ثم بال هذا تغير الماء بالبول فكان نهيه سداً للذريعة أو يقال إنه مكروه بمجرد الطبع لا لأجل أنه ينجسه وأيضاً فيدل نهيه عن البول في الماء الدائم أنه يعم القليل والكثير فيقال لصاحب القلتين أتجوز بوله فيما فوق القلتين إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص وإن حرمته فقد نقضت دليلك وكذلك يقال لمن فرق بين ما يمكن نزحه ومالا يمكن أتسوغ للحجاج أن يبولوا في المصانع المبنية بطريق مكة إن جوزته خالفت ظاهر النص فإن هذا ماء دائم والحديث لم يفرق بين القليل والكثير وإلا نقضت قولك وكذلك يقال للمقدر بعشرة أذرع إذا كان لأهل القرية غدير مستطيل أكثر من عشرة أذرع رقيق أتسوغ لأهل القرية البول فيه فإن سوغته خالفت ظاهر النص وإلا نقضت قولك فإذا كان النص بل والإجماع دل على أنه نهى عن البول فيما ينجسه البول بل تقدير الماء وغير ذلك فيما يشترك فيه القليل والكثير كان هذا الوصف المشترك بين القليل والكثير مستقلاً بالنهى فلم يجز تعليل النهى بالنجاسة ولا يجوز أن يقال إنه إنما نهى عن البول فيه لأن البول ينجسه فإن هذا خلاف النص والإجماع ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( لا ينجس كثير الماء ولا قليله إلا بالتغير حكوه عن ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن ابن أبي ليلي وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبدالرحمن بن مهدى : قال أصحابنا وهو مذهب مالك والأوزاعي وسفيان الثوري وداود ونقلوه عن أبي هريرة والنخعي قال ابن المنذر وبهذا المذهب أقول واختاره الغزالي في الإحياء واختاره الروياني في كتابيه البحر والحلية قال في البحر هو اختياري واختيار جماعة رأيتهم بخراسان والعراق وهذا المذهب أصحها بعد مذهبنا ... ) أهـ .
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عندما وجه إليهم هذا السؤال : ما حكم الشريعة في اغتسال الجنب في الماء الدائم الذي لا يجري مع العلم بأنه يوجد في البر برك يستمر فيها الماء مدة طويلة لا يغيره إلا المطر في الصيف أو الخريف وتوجد برك في المساجد وما حكم النهي في حديث « لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب » ... ؟ .
فكان الجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
أولاً : إقدام الجنب على الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري لا يجوز لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقيل كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولاً »  .
ثانياً : إذا بلغ الماء الدائم قلتين فأكثر ولم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالاغتسال فيه من الجنابة أجزأ الوضوء والغسل منه وصلح لتطهير الأخباث والأحداث وإن تغير بنجاسة لم يصح استعماله في طهارة أحداث ولا أخباث إجماعاً وإن تغير بمجرد تتابع الاغتسال من الجنابة فيه لا بنجاسة ففي طهوريته خلاف والأحوط ترك استعماله في الطهارة خروجاً من الخلاف وإن كان أقل من قلتين واغتسل فيه جنب فإن تغير بنجاسة جنب كانت على بدنه لم يصح التطهر به من الأحداث ولا الأخباث وإن لم يتغير بنجاسة ففي صحة التطهر به من الأحداث والأخباث خلاف والأحوط ترك استعماله في الطهارات عند تيسر غيره وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( اختلف في الماء الذي يبل فيه : هل هو باق على طهوريته أو تنجس ؟ .
فإن كان متغيراً بالنجاسة فإن الإجماع منعقد على نجاسته قليلاً كان أو كثيراً .
وإن كان غير متغير بالنجاسة وهو كثير فالإجماع أيضاً على طهوريته .
وإن كان قليلاً غير متغير بالنجاسة فذهب أبوهريرة وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب والثوري وداود ومالك والبخاري : إلى عدم تنجسه وقد سرد البخاري عدة أحاديث رداً على من قال إنه نجس . 
وذهب ابن عمر ومجاهد والحنفية والشافعية والحنابلة : إلى أنه تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير مادام قليلاً مستدلين بأدلة منها حديث الباب وكلها يمكن ردها .
واستدل الأولون بأدلة كثيرة .
منها : ما رواه أبوداود والترمذي وحسنه " الماء طهور لا ينجسه شيء " وأجابوا عن حديث الباب بأن النهى لتكريهه على السقاة والواردين لا لتنجيسه والحق ما ذهب إليه الأولون فإن مدار التنجس على التغير بالنجاسة قل الماء أو كثر هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ومن هذا نعلم أن الراجح أيضاً طهورية الماء المغتسل فيه من الجنابة وإن قل خلافاً للمشهور من مذهبنا ومذهب الشافعي من أن الاغتسال يسلبه صفة الطهورية ما دام قليلاً ) أهـ . 
وقال أيضاً رحمه الله : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم الذي لا يجرى كالخزانات والصهاريج والغدران في الفلوات والموارد التي يستسقى منها الناس لئلا يلوثها عليهم ويكرهها لأن هذه الفضلات القذرة سبب في انتشار الأمراض الفتاكة .
كما نهى عن الاغتسال بغمس الجسم أو بعضه في الماء الذي لا يجرى حتى لا يكرهه ويوسخه على غيره بل يتناول منه تناولاً وإذا كان المغتسل جنباً فالنهى أشد فإن كان الماء جارياً فلا بأس من الاغتسال فيه والتبول مع أن الأحسن تجنيبه البول لعدم الفائدة في ذلك وخشية التلويث وضرر الغير ) أهـ .

حُكم الطهارة بالماء المشمس :
الماء المشمس : هو الماء المسخن بتأثير الشمس . 
قال أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير : ( وضابط المشمس أن تؤثر فيه السخونة بحيث تفصل من الإناء أجزاء سمية تؤثر في البدن لا مجرد انتقاله من حالة لأخرى بسببها ) . 
وحُكمه أنه طاهر في نفسه لأنه لم يلق نجاسة ومطهر لغيره أي يرفع الحدث ويزيل النجس لبقاء إطلاق اسم الماء عليه وهذا باتفاق العلماء . 

ولكن اختلف الفقهاء في حكم استعماله على قولين :
القول الأول : 
جواز استعماله مطلقاً من غير كراهة سواء أكان هذا الاستعمال في البدن أم في الثوب .
وبهذا قال الحنابلة وجمهور الحنفية وهو قول لبعض فقهاء المالكية والشافعية وهو مذهب الظاهرية 
القول الثاني : 
كراهة استعماله : وهو ما ذهب إليه المالكية في المعتمد عندهم والشافعية في المذهب وبعض الحنفية .
وقالوا : إن كراهته من جهة أنه يورث البرص .
وقالوا أيضاً : إن الشمس بحدتها تفصل منه زهومة تعلو الماء فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدم فيحصل البرص . 
واستدلوا بحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخنت ماء في الشمس فقال : ( لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص ) رواه الدارقطني وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله .
وعن أنس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تغتسلوا بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من البرص " رواه العقيلي وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله .
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس  وقال : ( يورث البرص ) رواه الشافعي وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله . 

والكراهة عند القائلين بها إنما تكون بشرطين : 
الشرط الأول : 
أن يكون التشميس في الأواني المنطبعة كالنحاس والحديد والرصاص لأن الشمس إذا أثرت فيها خرج منها زهومة تعلو على وجه الماء فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدم فيحصل البرص ولا يتأتى ذلك في أواني الخزف وغيرها لفقد العلة .
الشرط الثاني : 
أن يقع التشميس في البلاد الشديدة الحرارة دون الباردة والمعتدلة فإن تأثير الشمس فيهما ضعيف ولا فرق بين أن يقصد التشميس أو لا لوجود المحذور ولا يكره المشمس في الحياض والبرك . 
وهذه الكراهة طبية لا شرعية لأنها لا تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل بخلاف ما لو كانت كراهته لشدة حرارته فإنها شرعية والفرق بين الكراهتين : أن الشرعية يثاب على ترك استعماله بخلاف الطبية .

الترجيح :
قال ابن حزم رحمه الله : ( ليس في الماء المشمس خبر صحيح ولا ضعيف وورد أثر عن عمر باسناد لا بأس به والشافعي إنما كرهه من جهة الطب وقد كان عالماً به : قال الشافعي : ( ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب ) فالعجب من الشافعية إذ أخذوا قوله هذا حكماً وجعلوه مكروهاً شرعاً ولا حجة لهم وقد يخطئ الطبيب .
وقد نص الشافعي في الأم على أنه إنما كرهه من جهة الطب ولم يدع أنه اعتمد فيه على حديث ) أهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله : ( ولا يصح في الماء المسخن بالشمس حديث ولا أثر ولا كرهه أحد من قدماء الأطباء ولا عابوه ) أهـ .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( ولا تكره الطهارة بالماء المشمس وقال الشافعي تكره الطهارة بماء قصد إلى تشميسه في الأواني ولا أكرهه إلا من جهة الطب لما روي عن عائشة رضي الله عنها قال : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخنت له الماء في الشمس فقال : " لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص " واختاره أبوالحسن التميمي ولنا أنه سخن بطاهر أشبه ما في البرك والأنهار وما سخن بالنار وما لم يقصد تشميسه فإن الضرر لا يختلف بالقصد وعدمه والحديث غير ثابت يرويه خالد بن إسماعيل وهو متروك الحديث وعمر بن محمد الأعسم وهو منكر الحديث قاله الدارقطني قال : ولا يصح عن الزهري وحكي عن أهل الطب أنهم لا يعرفون لذلك تأثيرا في الضرر ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( وهو الراجح من حيث الدليل وهو مذهب أكثر العلماء وليس للكراهية دليل يعتمد ) أهـ .
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله : ( لا نعلم دليلاً صحيحاً يمنع من استعمال الماء المشمس ) أهـ .
وقال الشيخ حسام الدين موسى عفانة : ( لم يرد في الشرع ما يمنع ذلك وما ورد من أحاديث وآثار في منع استعمال الماء المسخن أو المشمس وهو الذي يسخن عن طريق الشمس فكلها باطلة لا تصح ولا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأحاديث الباطلة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عائشة رضي الله عنها عن تشميس الماء وقال لها : " لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص " فهذا الحديث مكذوب وفي سنده كذاب كما ذكره أهل الحديث انظر التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر وقد ذكر ابن الجوزي حديث عائشة في الموضوعات أي الأحاديث المكذوبة . 
ومثله ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( نهى رسول الله أن نتوضأ بالماء المشمس أو نغتسل فيه ) وفيه راو يضع الحديث كما قال ابن حبان انظر التلخيص الحبير ومثله ما روي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تغتسلوا بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من البرص " وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال العقيلي : لا يصح في الماء المشمس حديث مسند . 
وذكر الشوكاني أحاديث الماء المشمس في كتابه : "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" وحكم الألباني على حديث عائشة في الماء المشمس بأنه موضوع أي مكذوب وذكر طرقه وفصل الكلام عليها في كتابه إرواء الغليل فالذي يظهر أنه إن ثبت أن فيه ضررا على البدن كره من هذه الجهة وإلا فلا يكره ) أهـ .
يتبع إن شاء الله...


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 11:47 am

حُكم الماء المُسخن بشئ نجس :
اختلف العلماء في حُكم الماء المسُخن بنجاسة :
فقيل : يجوز استعماله بلا كراهة وهو مذهب الحنفية والشافعية .
وقيل : يكره وهو مذهب المالكية .

وأما الحنابلة فجعلوا الماء المُسخن بنجاسة على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة كالدخان أو الرماد إلى الماء فينجسه إذا كان يسيراً وهذا هو المشهور في المذهب .
الثاني : لا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين  فالماء على أصل الطهارة ويكره استعماله .
الثالث : إذا كان الحائل حصيناً فمنهم من كرهه أيضاً كالقاضي أبي يعلى ومنهم من قال : لا يكره كالشريف أبي جعفر وابن عقيل . 

الترجيح :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأما المسخن بالنجاسة فليس ينجس باتفاق الأئمة إذا لم يحصل له ما ينجسه وأما كراهته ففيها نزاع لا كراهة فيه في مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما وكرهه مالك وأحمد في الرواية الأخرى عنهما .

وهذه الكراهة لها مأخذان :
أحدهما : احتمال وصول أجزاء النجاسة إلى الماء فيبقى مشكوكاً في طهارته شكاً مستنداً إلى أمارة ظاهرة فعلى هذا المأخذ متى كان بين الوقود والماء حاجز حصين كمياه الحمامات لم يكره لأنه قد تيقن أن الماء لم تصل إليه النجاسة.
وهذه طريقة طائفة من أصحاب أحمد : كالشريف أبي جعفر وابن عقيل وغيرهما .
والثاني : أن سبب الكراهة كونه سخن بإيقاد النجاسة واستعمال النجاسة مكروه عندهم والحاصل بالمكروه مكروه وهذه طريقة القاضي وغيره .
فعلى هذا إنما الكراهة إذا كان التسخين حصل بالنجاسة .
فأما إذا كان غالب الوقود طاهراً أو شك فيه لم تكن هذه المسألة وأما دخان النجاسة : فهذا مبني على أصل وهو : أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل : أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحاً طيباً كغيرها من الملح أو يصير الوقود رماداً وخرسفاً وقصرملاً ونحو ذلك ففيه للعلماء قولان .
أحدهما : لا يطهر كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه والرواية الأخرى : أنه طاهر وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين وإحدى الروايتين عن أحمد .
ومذهب أهل الظاهر وغيرهم : أنها تطهر وهذا هو الصواب المقطوع به فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى فليست محرمة ولا في معنى المحرم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل فإنها من الطيبات وهي أيضاً في معنى ما اتفق على حله فالنص والقياس يقتضي تحليلها ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( قوله : "أو سخن بنجس كره" أي : إذا سخن الماء بنجس تغير أو لم يتغير فإنه يكره .
مثاله : لو جمع رجل روث حمير وسخن به الماء فإنه يكره فإن كان مكشوفاً فإن وجه الكراهة فيه ظاهر لأن الدخان يدخله ويؤثر فيه .
وإن كان مغطى ومحكم الغطاء كره أيضاً لأنه لا يسلم غالباً من صعود أجزاء إليه .
والصواب : أنه إذا كان محكم الغطاء لا يكره .
فإن دخل فيه دخان وغيره فإنه ينبني على القول بأن الاستحالة تصير النجس طاهراً فإن قلنا بذلك لم يضر وإن قلنا بأن الاستحالة لا تطهر وتغير أحد أوصاف الماء بهذا الدخان كان نجساً ) أهـ .


حُكم الطهارة بالماء المسخن بشئ طاهر :
ذهب جمهور العلماء إلى جواز التطهر بالماء المسخن بشئ طاهر مثل النار ونحوها. 
قال ابن المنذر رحمه الله بعد أن ساق طرفاً من آية التيمم : ( فالماء المسخن داخل في جملة المياه التي أمر الناس أن يتطهروا بها وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" وممن روينا عنه أنه رأى الوضوء بالماء المسخن : عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وساق بعض الآثار ثم قال : "وهو مذهب عطاء والحسن أبي وائل وكذا قال كل من نحفظ عنه من أهل المدينة وأهل الكوفة وكذلك قال الشافعي وأبو عبيد وذكر أنه قول أهل الحجاز والعراق جميعاً " .
قال : وروينا عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء الساخن والذي روى عنه ذلك ليث وليس لكراهيته لذلك معنى ) أهـ . 
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( ولا يكره الوضوء بالماء المسخن بطاهر إلا أن يكون حاراً يمنع اسباغ الوضوء لحرارته وممن روي عنه أنه رأى الوضوء بالماء المسخن عمر وابنه وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وهو قول أهل الحجاز وأهل العراق جميعهم غير مجاهد ولا معنى لقوله فان زيد بن أسلم رضي الله عنه روي أن عمر كان له قمقمة يسخن فيها الماء وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل حماماً بالجحفة وذكر ابن عقيل حديثاً عن شريك رحال النبي صلى الله عليه و سلم قال : "أجنبت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجمعت حطباً فأحميت الماء فاغتسلت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر علي" ولأنها صفة خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده ) أهـ .
وسُئل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله : عن حكم الوضوء من الماء الحار ؟ .
فأجاب رحمه الله بقوله : ( لا بأس بذلك لكن إذا كان شديد الحرارة فإنه يصح مع الكراهية وذلك لأنه يضر بالبشرة بالإحراق والألم وقد وجد خلاف قديم في الماء المسخن هل يرفع الحدث أم لا ؟ والصواب أنه يرفعه بل يصبح ضرورياً في البلاد الباردة لكن يكره إذا سخن بوقود نجس ) أهـ .

حُكم الطهارة من الحدث أو الخبث بماء زمزم :
أولاً : حُكم الطهارة من الحدث بماء زمزم :
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : 
القول الأول : 
يكره وهو رواية عند الحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . 
لما رواه عبدالرزاق عن معمر عن الزهري أن عبدالمطلب لما أنبط زمزم بنى عليها حوضاً فطفق هو وابنه الحارث ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشربان منه الحاج فيكسره أناس من حسدة قريش بالليل ويصلحه عبدالمطلب حين يصبح فلما أكثروا إفساده دعا عبدالمطلب ربه فأري في المنام فقال : ( قل اللهم إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب حل وبل ... ) .
والحل : مقابل الحرام - ومعنى بل : مباح في لغة حمير .
ولأنه يزيل به مانعاً من الصلاة أشبه إزالة النجاسة به .
القول الثاني : 
لا يكره وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والمشهور عند الحنابلة .   
واستدلوا بعموم النصوص الواردة في جواز التطهير بالماء الطهور بلا فرق بين زمزم وغيرها ولعدم ثبوت نهي عن الاغتسال بماء زمزم . 
واستدلوا أيضاً بما ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ) رواه أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله . 

ثانياً : حُكم الطهارة من الخبث بماء زمزم :
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : 
القول الأول : 
يكره وهو مذهب الحنفية والمشهور عند الحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقالوا : لا يُستعمل ماء زمزم في مواضع الامتهان ولا يستعمل إلا على شيء طاهر فلا ينبغي أن يغسل به ثوب نجس ولا في مكان نجس وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله للتبرك به بشربه والوضوء به والاستشفاء به وصبه على المرضى ونحو هذا من الاستعمالات التي فيها كل تكريم واحترام وتشريف لماء زمزم فينبغي أن يُصَان عن صَبِّه على النجاسات .
القول الثاني : 
لا يكره وهو مذهب المالكية وقال الشافعية : هو خلاف الأولى .
وقالوا : لا يوجد دليل يمنع من ذلك فهو ماء كسائر المياه إلا أن له شرفاً لبركته التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يوجب المنع من استعماله في إزالة النجاسة ولا كراهته وإن كان الأولى عدم إزالة النجاسة به مع وجود غيره .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( لا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم لأنه ماء طهور فأشبه سائر المياه وعنه يكره لقول العباس : "لا أحلها لمغتسل لكن للمحرم حل وبل" ولأنه يزيل به مانعاً من الصلاة أشبه إزالة النجاسة به والأول أولى وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفته أو اغتسل منه ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( لا يكره الطهر بماء زمزم ولكن الأولى عدم إزالة النجاسة به ) أهـ .

الترجيح :
سُئل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله باز رحمه الله : هل يجوز الاستنجاء بماء زمزم ؟
فأجاب رحمه الله بقوله : ( ماء زمزم قد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه ماء شريف مبارك وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم : "إنها مباركة إنها طعام طعم" وزاد في رواية عند أبي داود بسند جيد : "وشفاء  سقم" فهذا الحديث الصحيح يدل على فضل ماء زمزم وأنه طعام طعم وشفاء سقم وأنه مبارك والسنة : الشرب منه كما شرب النبي صلى الله عليه وسلم منه ويجوز الوضوء منه والاستنجاء وكذلك الغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء ليشربوا ويتوضئوا وليغسلوا ثيابهم وليستنجوا كل هذا واقع .
وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فوق ذلك فكلاهما ماء شريف فإذا جاز الوضوء والاغتسال والاستنجاء وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم فهكذا يجوز من ماء زمزم وبكل حال فهو ماء طهور طيب يستحب الشرب منه ولا حرج في الوضوء منه ولا حرج في غسل الثياب منه ولا حرج في الاستنجاء إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما تقدم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ماء زمزم لما شرب له" أخرجه أحمد وابن ماجة وفي سنده ضعف ولكن يشهد له الحديث الصحيح المتقدم والحمد لله ) أهـ .

وسُئل الشيخ عبدالله الفقيه : عن حكم الاستنجاء بماء زمزم ؟
فأجاب بقوله : ( الاستنجاء بماء زمزم مجزئ بإجماع أهل العلم كما ذكر ذلك الماوردي وحكاه عنه النووي في المجموع .
ولكن نص كثير من الفقهاء على كراهة استعماله في مواضع الامتهان كإزالة النجاسة ويدخل في ذلك الاستنجاء وهو مع ذلك مجزئ وعلة الكراهة أنه ماء معظم مبارك قال ابن القيم : هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمناً وأنفسها عند الناس وهو هزمة جبريل وسقيا إسماعيل .
وأما الوضوء والغسل به فالصحيح جوازه بلا كراهة لما جاء في المسند وصححه الشيخ أحمد شاكر عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ" والله أعلم ) أهـ .
حُكم غمس اليدين في الإناء عند الاستيقاظ من النوم قبل غسلهما خارجه :
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن غمس اليدين في الإناء قبل غسلهما خارجه عند الاستيقاظ من النوم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده ) رواه البخاري ومسلم إلا أن البخاري لم يذكر العدد . 
والمراد باليد هنا : الكف دون ما زاد عليها لجريان العادة أن الذي يدخل في الإناء من اليد هو الكف .
والمراد بالإناء : هو إناء الوضوء كما ورد التصريح بذلك في رواية البخاري وهي : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة .

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة أي - حُكم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء - على قولين :
القول الأول : 
أنه مستحب وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن أحمد وبه قال عطاء والأوزاعي وإسحاق وابن المنذر . 
لأن آية الوضوء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ ... ) لم تذكر غسل الكفين من بين الفروض والواجبات ولأن قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده ) يدل على الاستحباب لتعليله بما يقتضي ذلك وهو أن طهارة اليد متيقنة ونجاسة اليد مشكوك فيها والشك لا يقضي علي اليقين ولا يؤثر فيه .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله : ( الأمر وإن كان ظاهره الوجوب إلا أنه يصرف عن الظواهر لقرينة ودليلة وقد دل الدليل وقامت القرينة ههنا فإنه صلى الله عليه وسلم علل بأمر يقتضي الشك وهو قوله : " فإنه لا يدري أين باتت يده ؟ " والقواعد تقتضي أن الشك لا يقتضي وجوباً في الحكم إذا كان الأصل المستصحب على خلافه موجوداً والأصل : الطهارة في اليد فلتستصحب ) أهـ .
القول الثاني : 
أنه واجب وهو مذهب أحمد في الرواية الأخرى وبه قال الظاهرية ومروي عن ابن عمر وأبي هريرة والحسن البصري .
وذلك للأمر الوارد في الحديث السابق وأمره صلى الله عليه وسلم يقتضي الوجوب.

الترجيح :
رجح القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو وجوب غسل الكفين قبل إدخالهما في الإناء عند القيام من النوم ورجحه أيضاً الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين والشيخ عبدالله بن عبد العزيز بن عقيل رحمهم الله جميعاً .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : ( الحديث صريح بالأمر بغسلهما قبل إدخالهما الإناء وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" رواه مسلم فلا يحل إدخالهما قبل غسلهما ثلاثاً فإن أدخلهما قبل ذلك فهو عاصٍ آثم مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ... ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى أن الإنسان إذا قام من النوم وأراد أن يتوضأ فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً وكانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عندهم صنابير ماء إنما هي أواني توضع فيها المياه ويتوضأ منها ويغتسل منها والإنسان لابد له أن يغمس يده فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغمس الرجل يده حتى يغسلها ثلاثاً وبين الحكمة من ذلك في قوله : "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" والمراد أنه قد يكون الشيطان عبث بها وألقى فيها أوساخاً وهو لا يدري وإلا فكل واحد يدري أن يده باتت في فراشه لكن مراده أنه لا يدري ما حصل بها فيكون هذا التعليم شبيهاً بالتعليم السابق في الاستنثار بأن الشيطان يبيت على الخيشوم فهنا ربما يسلط على النائم ويضع في يديه أشياء ملوثة ضارة فبهذا نهى أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ) أهـ . 

ثم اختلف الموجبون في أي نوم يجب منه الغسل ؟ على أقوال منها :
القول الأول : 
يجب الغسل عند القيام من نوم الليل ولا يجب غسلهما من نوم النهار وهو مذهب أحمد في رواية عنه بالوجوب بدلالة الحديث على ذلك حيث قال : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) والمبيت لا يكون إلا بليل ولأن نوم الليل مظنة الاستغراق فإصابته فيه بالنجاسة أكثر احتمالاً .
وهذا من باب تخصيص العام بالعلة المنصوصة وقد ورد ذلك أيضاً مقيداً بالليل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً ولفظه : ( إذا قام أحدكم من الليل ) .

القول الثاني : 
أنه لا فرق بين نوم الليل ونوم النهار لإطلاقه صلى الله عليه وسلم النوم من غير تقييد : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه ) لأن كلمة ( نومه ) نكرة مضافة تشمل العموم أي تشمل كل نوم ( نوم الليل ونوم النهار ) .
وأيضاً قوله : ( إذا استيقظ ) ظرف يشمل آناء الليل وآناء النهار .
ولعموم العلة مع أن نوم الليل آكد وقوله : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) خرج مخرج الأكثر والغالب وما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كما في الأصول وهو قول إسحاق بن راهوية . 
ولأن قوله : ( فإنه لا يدري ) علة موجودة في نوم النهار فالنائم إذا نام لا يدري سواء كان نومه بالليل أم في النهار لأن النوم يحجب العقل .
قال ابن حجر رحمه الله : ( لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة ) أهـ .
وقال المباركفوري رحمه الله : ( وقال إسحاق ( هو بن راهوية ) : ( إذا استيقظ من النوم بالليل أو النهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها ) فلم يخص إسحاق بن راهويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد . 
قلت القول الراجح عندي هو ما ذهب إليه إسحاق والله تعالى أعلم ) أهـ .
وقال الشوكاني رحمه الله : ( قوله ( من نومه ) أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم وخصه أحمد وداود بنوم الليل لقوله في آخر الحديث ( باتت يده ) لأن حقيقة المبيت تكون بالليل ويؤيده ما ذكره المصنف رحمه الله في رواية الترمذي وابن ماجة وأخرجها أيضاً أبوداود وساق مسلم إسنادها وما في رواية لأبي عوانة ساق مسلم إسنادها أيضاً : ( إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح ) لكن التعليل بقوله ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) يقضي بإلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصاً بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتماداً على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفاً من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده...) أهـ.
واختار هذا القول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهما الله لعموم النهي في نوم الليل والنهار لأنه لا فرق بينهما في الحكم .

القول الثالث : 
أن الحكم ليس مخصوصاً بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو نوم النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وأما إذا تيقن طهارتها فوجهان الأصح منهما عند الشافعية  أنه لا كراهة في غمس اليد إن شاء غمس يده ولو لم يغسلها وإن شاء غسل قبل الغمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم ونبه على العلة وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة .
يتبع إن شاء الله...


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 11:54 am

حُكم طهارة الماء إذا غُمست فيه اليدين قبل غسلهما خارج  الإناء عند الاستيقاظ من النوم:
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: 
أنه طهور ( باق على طهوريته ) وهو مذهب جمهور العلماء أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه وبه قال الظاهرية .
لان الماء قبل الغمس كان طهوراً فيبقى على الأصل ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن غمس اليد كان لوهم النجاسة فالوهم لا يزيل الطهورية كما لم يزل الطهارة وإن كان تعبداً اقتصر على مورد النص .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( يحتمل أن لا تزول طهوريته ولا تجب إراقته لأن طهورية الماء كانت ثابتة بيقين والغمس المحرم لا يقتضي إبطال طهورية الماء لأنه إن كان لوهم النجاسة فالوهم لا يزول به يقين الطهورية لأنه لم يزل يقين الطهارة فكذلك لا يزيل الطهورية فإننا لم نحكم بنجاسة اليد ولا الماء ولأن اليقين لا يزول بالشك فبالوهم أولى وإن كان تعبدا فنقتصر على مقتضى الأمر والنهي وهو وجوب الغسل وتحريم الغمس ولا يعدى إلى غير ذلك ) أهـ .

القول الثاني : 
أنه طاهر غير مطهر وهو المشهور في مذهب أحمد في الرواية الأخرى عنه .
لأنه مستعمل في طهارة تعبد أشبه المستعمل في رفع الحدث ولأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل غسلها ) فدل ذلك على أنه يفيد منعاً .

القول الثالث : 
أنه نجس إن كان قليلاً وهو قول الحسن البصري وإسحاق بن راهوية ورواية عن أحمد . 

الترجيح :
رجح القول الأول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الماء باق على طهوريته ورجحه الشيخ عبدالرحمن السعدي والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمهم الله جميعاً .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا لم يتعرض للماء اطلاقاً فعلى هذا يبقى الماء على ما كان عليه وهو أنه طهور ولكن الفاعل لذلك يكون عاصياً وعليه الاستغفار والتوبة إلى الله لوقوعه في النهي .
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن رجل غمس يده في الماء قبل أن يغسلها من قيامه من نوم الليل : فهل هذا الماء يكون طهوراً ؟ وما الحكمة في غسل اليد إذا باتت طاهرة ؟ أفتونا مأجورين .
الجواب : ( أما نهيه صلى الله عليه وسلم : " أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً " فهو لا يقتضي تنجيس الماء بالاتفاق بل قد يكون لأنه يؤثر في الماء أثراً وأنه قد يفضي إلى التأثير وليس ذلك بأعظم من النهي عن البول في الماء الدائم وقد تقدم أنه لا يدل على التنجيس وأيضاً ففي الصحيحين عن أبي هريرة : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه " فعلم أن ذلك الغسل ليس مسبباً عن النجاسة بل هو معلل بمبيت الشيطان على خيشومه والحديث المعروف : " فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " يمكن أن يراد به ذلك فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار . 
وأما نهيه عن الاغتسال فيه بعد البول فهذا إن صح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فهو كنهيه عن البول في المستحم وقوله : " فإن عامة الوسواس منه " فإنه إذا بال في المستحم ثم اغتسل حصل له وسواس وربما بقي شيء من أجزاء البول فعاد عليه رشاشه وكذلك إذا بال في الماء ثم اغتسل فيه فقد يغتسل قبل الاستحالة مع بقاء أجزاء البول  فنهي عنه لذلك . 
ونهيه عن الاغتسال في الماء الدائم إن صح يتعلق بمسألة الماء المستعمل وهذا قد يكون لما فيه من تقذير الماء على غيره لا لأجل نجاسته ولا لصيرورته مستعملاً  فإنه قد ثبت في الصحيح عنه أنه قال : " إن الماء لا يجنب " ) أهـ .
وسُئل أيضاً رحمه الله : عن الماء إذا غمس الرجل يده فيه : هل يجوز استعماله أم لا ؟ .
فأجاب رحمه الله بقوله : ( لا ينجس بذلك بل يجوز استعماله عند جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وعنه رواية أخرى : أنه يصير مستعملاً والله سبحانه وتعالى أعلم ) أهـ . 
وقال رحمه الله : ( نهيه صلى الله عليه وسلم أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً فهو لا يقتضي تنجس الماء بالاتفاق بل قد يكون لأنه يؤثر في الماء أثراً أو أنه قد يفضي إلى التأثير وليس ذلك بأعظم من النهي عن البول في الماء الدائم .
وقد تقدم أنه لا يدل على التنجس وأيضاً فإن في الصحيحين : عن أبي هريرة قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه " .
فأمر بالغسل معللاً بمبيت الشيطان على خيشومه فعلم أن ذلك سبب للغسل غير النجاسة والحدث المعروف .
وقوله : " فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " يمكن أن يراد به ذلك فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله : ( الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهى تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس وحكى أصحابنا عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل وحكوه أيضاً عن إسحاق بن راهوية ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف جداً فإن الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشرع متظاهرة على هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : ( الحديث صريح بالأمر بغسلهما قبل إدخالهما الإناء وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) رواه مسلم فلا يحل إدخالهما قبل غسلهما ثلاثاً فإن أدخلهما قبل ذلك فهو عاصٍ آثم مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأما المدخلة فيه اليدان فلم يتعرض لحكمه في الحديث فقال بعض الفقهاء : إنه يفسد بذلك وهذا المشهور عند متأخري فقهائنا وقال آخرون : إن الماء لا يفسد بذلك ما دام طهوراً لم يتغير بالنجاسة ولا غيرها وهذا الصواب الذي عليه المحققون  ) أهـ .
وسُئل أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله : هل من قام من نوم ليلاً ووضع يديه في إناء به ماء هل سلب طهورية الماء ولا يجوز الوضوء به أم باق على الطهورية ويجوز الوضوء به فأيهما أصح وأولى ؟ أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله كل خير .
الجواب : ( النهي الوارد في هذا الحديث أمر تعبدي لا يقتضي تنجيس الماء والصحيح جواز الوضوء به وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( لكن لو غمسها ؟ نقول له لو غمستها قبل أن تغسلها ثلاثاً فاستغفر الله وتب إلى الله ولا تعد لما نهاك عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أما الماء فإنه باق على طهوريته لا يتأثر بشيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا لم يتعرض للماء اطلاقاً لا قال أنه يكون طهوراً ولا أنه نجساً فعلى هذا يبقى على ما كان عليه وهو أنه طهور ) أهـ .
وقال أيضاً رحمه الله : ( قوله : " فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه " دليل على أن الماء لا يتغير الحكم فيه لأن هذا التعليلَ يدل على أن المسألة من باب الاحتياط وليست من باب اليقين الذي يرفع به اليقين وعندنا الآن يقين وهو أن هذا الماء طهور وهذا اليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين فلا يرفع بالشك ) أهـ .
وقال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمه الله عندما سُئل عن : حديث النهي عن غمس اليد في الإناء بعد القيام من نوم الليل قبل أن يغسلهما ثلاثاً هل ذلك ينجس الماء أو يسلبه الطهورية وما الحكمة في ذلك ؟ .
الجواب : ( الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" .
والحديث يدل على النهي عن غمس اليدين في الإناء بعد القيام من نوم الليل قبل غسلهما ثلاثاً فإن فعل الإنسان ذلك بأن غمسهما ناسياً أو متعمداً عالماً أو جاهلاً: فهل يعتبر الماء نجساً أو طاهراً غير مطهر أو أنه باق على طهوريته؟.
المشهور من المذهب أنه طاهر غير مطهر فإن لم يجد غيره استعمله ثم تيمم احتياطاً.
والقول الثاني في المذهب : أن الماء باق على طهوريته ولو أدخل يديه فيه وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقي وأبو محمد وغيرهما وهو قول أكثر الفقهاء واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من الأصحاب وشيخنا ابن سعدي .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في جواب له : " إن الماء لا ينجس بذلك بل يجوز استعماله عند جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية عنه .

وقال : والحكمة في غسل اليد فيها ثلاثة أقوال :
الأول : خوف النجاسة مثل أن تمر يده على موضع الاستجمار لاسيما مع العرق ونحو ذلك .
الثاني : أنه من باب التعبد فنسلم به ولو لم نعقل معناه .
الثالث : أن ذلك لشيء معنوي وهو أن الشيطان يبيت على يد النائم ويلامسها كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه"  فعلم أن ذلك الغسل ليس مسبباً عن النجاسة بل هو معلل بمبيت الشيطان على خيشومه فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار " أهـ ملخصاً .
وقال النووي رحمه الله : ( وفي قوله صلى الله عليه وسلم : "أين باتت يده" استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به إذ لم يقل : فلعل يده وقعت في دبره أو على ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك وإن كان هذا هو المقصود ونظائر ذلك في القرآن والأحاديث كثيرة هذا إذا كان السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يفهمه فلا بد من التصريح لنفي اللبس وعليه يحمل ما جاء مصرحاً به من ذلك والله أعلم ) أهـ .
وقال الشيخ خالد بن علي المشيقح عندما سُئل عن : قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" هل هذا النهي للتنجيس أم للاستقذار ؟ بمعنى إذا استيقظ أحد كان بجانبك وأراد مصافحتك فهل يده طاهرة أم نجسة ؟ بارك الله فيكم ونفعنا بعلمكم .
الجواب : ( هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله في علة النهي عن غمس القائم من نوم الليل ليده حتى يغسلها ثلاثاً فذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الأمر تعبدي أي أن علته ليست معقولة المعنى وقال الشافعي رحمه الله إن العلة هي ما يخشى من تنجس اليد لأنهم في الحجاز يستعملون الاستجمار وبلادهم حارة فقد يعرق الإنسان وأثناء النوم قد تمس يده شيئاً من الأذى والرأي الثالث ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن العلة هي ما يخشى من ملابسة الشيطان ليد النائم واستدل على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" أخرجه البخاري ومسلم وهذا القول هو الصواب وعلى هذا فلا تكون العلة هي النجاسة ومن ثم فلا بأس أن تصافح إنساناً استيقظ من نومه ) أهـ .
وقال الشيخ خالد بن سعود البليهد : ( الصحيح أن غمس اليدين في الإناء قبل الغسل لا يسلب الماء الطهورية ولا ينجسه ولا يؤثر عليه في الحكم إلا إذا تيقن الإنسان أن يده أصابت نجاسة وحصل تغير الماء بها ) أهـ .
وقال الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان : ( الصحيح من قولي أهل العلم أنه لو خالف إنسان وغمس يده في الماء قبل أن يغسلها فإن الماء لا ينجس بل هو باق على طهوريته وهو قول الجمهور ورواية عن الإمام أحمد ومن أهل العلم من قال : إنه يكون طاهراً غير مطهر وهذا المذهب عند الحنابلة إذا كان الماء دون القلتين والظاهر أن ذلك مبني على أن الأمر بالغسل للوجوب وعن أحمد أن الماء نجس وهذان القولان ضعيفان والصواب الأول وهو أن الماء باق على طهوريته لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن غمس اليد ولم يتعرض للماء وما دام أن هذا  الماء طهور فهذا يقين واليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين مثله لا بشك وعلى هذا فالأصل الطهارة ) أهـ .
وسُئل الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي : لو أن إنساناً غمس يده في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً فما حكم ذلك الماء ؟ .
فأجاب بقوله : ( الراجح أنه باق على طهوريته لأن الحديث الذي فيه النهي عن غمس اليدين في الإناء قبل غسلهما ثلاثاً غاية ما فيه النهي عن غمس اليد ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم للماء وفي قوله "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " دليل على أن الماء لا يتغير الحكم فيه لأن هذا التعليل يدل على أن المسألة من باب الاحتياط وليست من باب اليقين الذي يرفع به اليقين وعندنا الآن يقين وهو أن الماء طهور وهذا اليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين فلا يُرفع بالشك ) أهـ .

الحِكمة من الأمر بغسل اليدين قبل غمسهما في الإناء عند الاستيقاظ من النوم :
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : 
أن الحكمة معقولة ومدركة وليست معنوية وهي الشك في نجاسة اليد بجولانها في بدن النائم بدون إحساس فقد تلامس أمكنة من بدنه لم يتم تطهيرها بالماء فتعلق بها النجاسة وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية . 
وذكر الشافعية عن أهل الحجاز : أنهم كانوا يستجمرون بالأحجار وكانت بلادهم حارة فيعرقون وربما طافت أيديهم في موضع النجاسة فتنجست .

القول الثاني : 
أن العلة تعبدية لا يعقل معناها وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة واستدلوا على ذلك بأن الأحكام لا تبنى على الشك وذلك أن اليقين في اليد أنها طاهرة ونجاستها أثناء النوم مشكوك فيها فلا يؤمر بغسلها لنجاستها لأن اليقين لا يزال بالشك فيكون الأمر في ذلك تعبدياً فيجب الامتثال دون النظر إلى سبب الوجوب . 

فائدة : 
الفرق بين القولين أن من تيقن أين باتت يده كمن لف عليها خرقة أو وضعها في جراب فاستيقظ وهي على حالها أنه لا يتعلق بها هذا الحكم فلا يؤمر بغسلها على القول بأنه معلل بعلة محسوسة مدركة وأما على القول بأنه تعبدي فيؤمر بغسلها مطلقاً تيقن طهارتها أو شك في ذلك .

القول الثالث : 
أن العلة مبيت الشيطان على يده وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله وقالا : هذه العلة نظير تعليل الاستنثار بمبيت الشيطان على الخيشوم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) فأمر بالغسل معللاً بمبيت الشيطان على خيشومه فعلم أن ذلك سبب الغسل وقوله : ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) يمكن أن يراد به ذلك وهو الخشية من عبث الشيطان بيد الإنسان وملامستها فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار .

الترجيح :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أما الحكمة في غسل اليد ففيها ثلاثة أقوال: 
أحدها : أنه خوف نجاسة تكون على اليد مثل مرور يده موضع الإستجمار مع العرق أو على زبلة ونحو ذلك .
والثاني : أنه تعبد ولا يعقل معناه .
والثالث : أنه من مبيت يده ملامسة للشيطان كما في الصحيحين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا إستيقظ أحدكم من منامه فليستنشق بمنخريه من الماء فان الشيطان يبيت على خيشومه" فأمر بالغسل معللاً بمبيت الشيطان على خيشومه فعلم أن ذلك سبب للغسل عن النجاسة والحديث معروف وقوله "فان أحدكم لا يدري أين باتت يده" يمكن أن يراد به ذلك فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار ) أهـ . 
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( فإن قيل : ما الحكمة في النهي عن غمس اليد قبل غسلها ثلاثاً لمن قام من النوم ؟ .
أجيب : أن الحكمة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" .

فإن قال قائل : 
وضعت يدي في جراب فأعرف أنها لم تمس شيئاً نجساً من بدني ثم إنني نمت على استنجاء شرعي ولو فرض أنها مست الذكر أو الدبر فإنها لا تنجس ؟ .
فالجواب : أن الفقهاء رحمهم الله قالوا : إن العلة غير معلومة فالعمل بذلك من باب التعبد المحض لكن ظاهر الحديث أن المسألة معللة بقوله : "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" .
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن هذا التعليل كتعليله صلى الله عليه وسلم بقوله : "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" فيمكن أن تكون هذه اليد عبث بها الشيطان وحمل إليها أشياء مضرة للإنسان أو مفسدة للماء فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمس يده حتى يغسلها ثلاثاً .
وما ذكره الشيخ رحمه الله وجيه وإلا فلو رجعنا إلى الأمر الحسي لكان الإنسان يعلم أين باتت يده لكن السنة يفسر بعضها بعضاً ) أهـ .

حُكم الشك في طهارة الماء ونجاسته :
ينبغي أن يُعلم أنه ليس في الشريعة شي مشكوك فيه ألبته وإنما يُعرض الشك للمكلف بتعارض أمارتين فصاعداً فتصير المسألة مشكوك فيها بالنسبة إليه فهي شكية عنده وربما تكون ظنية عند غيره وقطعية عند آخرين فكون المسألة شكية أو ظنية أو قطعية ليس وصفاً ثابتاً لها وإنما هو أمر يُعرض لها عند إضافتها إلى حُكم المكلف .
وينبغي أن يُعلم أن مراد كثير من الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والصوم والطلاق والعتق ونحو ذلك هو التردد بين وجود الشئ وعدمه سواء كان الطرفان في التردد سواء أو أحدهما راجحاً فهذا معناه في مصطلح الفقهاء في كتب الفقه .

وأما أصحاب الأصول ففرقوا بينهما فقالوا : 
التردد بين الطرفين إن كان على السواء فهو الشك وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم.      
وهذه المسألة : أي مسألة الشبهة والشك في طهارة الشيء ونجاسته من المسائل التي تعم بها البلوى .

والأصل في هذه المسائل : 
أن الشريعة كلفت المكلف بما يستيقنه أو يغلب على ظنه أما ما شك فيه وتوهم فهذا لا يبنى عليه حكم .
فإذا شك المسلم في نجاسة الماء أو طهارته بنى على اليقين الذي علمه قبل الشك فإذا علم نجاسة الماء ثم شك في طهارته فهو نجس وكذا إذا شك في نجاسته والأصل طهارته فهو طاهر لأن الأصل بقاء الشيء  على ما كان وهذا هو اليقين وهذا الأصل مبني على القاعدة الشرعية العامة وهي : ( أن اليقين لا يزول بالشك ) . 

قال القرافي رحمه الله : 
( هذه قاعدة مجمع عليها وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه ) .
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) رواه أبوداود والبيهقي وأحمد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . 
وعن عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ؟ فقال : ( لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) رواه البخاري ومسلم .

قال النووي رحمه الله : 
( هذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ... ) أهـ .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : 
( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيماً للشيطان ) رواه مسلم .

وقال أبوداود رحمه الله : 
( سمعت أحمد سئل عن رجل يشك في وضوئه ؟ قال : إذا توضأ فهو على وضوئه حتى يستيقن الحدث وإذا أحدث في وضوئه فهو محدث حتى يستيقن أنه توضأ ) أهـ فمن تيقن طهارة الماء وشك في نجاسته فالأصل بقاؤه على الطهارة وإن تيقن نجاسته وشك في طهارته فالأصل بقاؤه على النجاسة وهذا متفق عليه بين العلماء . 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : 
( إذا شك في طهارة الماء أو غيره أو نجاسته بنى على اليقين يعني إذا تيقن الطهارة ثم شك هل تنجس أم لا ؟ بنى على ما تيقنه من طهارته وكذلك إذا تيقن النجاسة ) أهـ .

وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : 
( إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء أو ثوب أو أرض أو بدن وشك في زوالها فإنه يبني على الأصل إلى أن يتيقن زواله ولا يكتفي في ذلك بغلبة الظن ولا غيره وكذلك لو تيقن حدثا أو نجاسة وغلب على ظنه زوالها فإنه يبني على الأصل وكذلك في النكاح والطلاق وغيرهما ) أهـ .

وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله :
( قوله : "وإن شك في نجاسة ماء أو غيره أو طهارته بنى على اليقين" أي : في نجاسته إذا كان أصله طاهراً وفي طهارته إذا كان أصله نجساً .
مثال الشك في النجاسة : لو كان عندك ماء طاهر لا تعلم أنه تنجس ثم وجدت فيه روثة لا تدري أروثه بعير أم روثة حمار والماء متغير من هذه الروثة فحصل شك هل هو نجس أم طاهر ؟ .
فيقال : ابن على اليقين واليقين أنه طهور فتطهر به ولا حرج . 
وكذا إذا حصل شك في نجاسة غير الماء .
مثاله : 
رجل عنده ثوب فشك في نجاسته فالأصل الطهارة حتى يعلم النجاسة .
وكذا لو كان عنده جلد شاة وشك هل هو جلد مذكاة أم جلد ميتة فالغالب أنه جلد مذكاة فيكون طاهراً .
وكذا لو شك في الأرض عند إرادة الصلاة هل هي نجسة أم طاهرة فالأصل الطهارة.

ومثال الشك في الطهارة : 
لو كان عنده ماء نجس يعلم نجاسته فلما عاد إليه شك هل زال تغيره أم لا ؟ فيقال : الأصل بقاء النجاسة فلا يستعمله .
وقوله : "بنى على اليقين" اليقين : هو ما لا شك فيه والدليل على ذلك من الأثر : حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه الرجل يجد الشيء في بطنه فيشكل عليه هل خرج منه شيء أم لا ؟ فقال : "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" . 
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء على الأصل وهو بقاء الطهارة . 
ولما قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله إن قوماً يأتونا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم  لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "سموا أنتم وكلوه".
قالت عائشة رضي الله عنها وهي راوية الحديث : وكان القوم حديثي عهد بالكفر مع أنه يغلب على الظن هنا أنهم لم يذكروا اسم الله لحداثة عهدهم بالكفر ومع هذا لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال ولا البحث .
ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر هو وعمروتع إه...ن شاء اللب بن العاص بصاحب حوض فسأل عمرو بن العاص صاحب الحوض: هل هذا نجس أم لا؟ فقال له عمر: يا صاحب الحوض لا تخبرنا .
وفي رواية : أن الذي أصابهم ماء ميزاب فقال عمر : يا صاحب الميزاب لا تخبرنا ومن النظر : أن الأصل بقاء الشيء على ما كان حتى يتبين التغير وبناء عليه : إذا مر شخص تحت ميزاب وأصابه منه ماء فقال : لا أدري هل هذا من المراحيض أم من غسيل الثياب وهل هو من غسيل ثياب نجسة أم غسيل ثياب  طاهرة ؟ فنقول : الأصل الطهارة حتى ولو كان لون الماء متغيراً قالوا : ولا يجب عليه أن يشمه أو يتفقده وهذا من سعة رحمة الله ) أهـ .
وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي : ( إذا شك في طهورية الماء أو نجاسته فإنه يبني على اليقين إذا كان عنده يقين أن هذا الماء طهور لكن شك هل وقعت فيه نجاسة أو لم تقع فيبني على اليقين فالأصل أنه طهور ولا يعتبره نجساً وكذلك العكس إذا كان يعلم أن هذا الماء نجس لكن شك هل زالت النجاسة أو لم تزل ؟ وهل أخرجت أو لم تخرج ؟ فإنه يبقى نجساً فيعمل بالأصل وإذا شك في نجاسة الماء أو طهوريته فإنه يعمل بالأصل فإن كان يعلم أنه طهور وأن النجاسة هي التي طرأت ولا يدري هل طرأت أو لم تطرأ فإنه يعتبره طهوراً وكذلك إذا كان يعلم أن الماء نجس لكن شك هل طهر هذا الماء أو لم يطهر فإنه يبقى نجساً بناءً على الأصل ) أهـ.
يتبع إن شاء الله...


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام   فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام Emptyالأحد 16 أغسطس 2015, 11:59 am

مسألة : 
إن أخبره عدل بنجاسة الماء وعين السبب وجب قبول خبره وذلك كما لو قال له المسلم العدل   ( حراً أو عبداً ذكراً أو أنثى أو خنثى ) هذا الماء الذي في الإناء نجس لأن الكلب ولغ فيه فانه يجب عليه قبول خبره ويحرم استعمال هذا الماء في  الطهارة لأنه بين السبب ونحو ذلك . 

حُكم إذا اشتبه الماء الطهور بالماء النجس :
الاشتباه هو مصدر اشتبه يقال : اشتبه الشيئان وتشابها إذا أشبه كل واحد منهما الآخر كما يقال : اشتبه عليه الأمر أي اختلط والتبس لسبب من الأسباب .
فمثلاً إذا اختلطت الأواني اختلاط مجاورة وكان في بعضها ماء طهور وفي البعض الآخر ماء نجس واشتبه الأمر على الشخص ولا قدرة له على إيجاد ماء آخر طهور غير الذي في بعضها.

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على خمسة أقوال :
القول الأول : 
يجب عليه الاجتهاد والتحري لمعرفة الطهور منها فإذا اجتهد وغلب على ظنه طهورية أحدها بعلامة تظهر جاز له التطهر به وإلا فلا وبهذا قال جمهور الشافعية وبعض المالكية .
واستدلوا بقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) وهذا واجد للماء فلم يجز التيمم ووجب الاجتهاد وبأن التطهر شرط من شروط صحة الصلاة يمكن التوصل إليه بالاجتهاد فوجب قياساً على القبلة وعلى الاجتهاد في الأحكام وفي تقويم المتلفات وإن كان قد يقع في الخطأ .

القول الثاني : 
يجب عليه الاجتهاد والتحري إذا كان عدد أواني الماء الطهور أكثر من عدد أواني النجس فإن كان عدد أواني الماء الطهور مساوياً لعدد أواني النجس أو أقل لا يجوز له التحري بل يتيمم وبهذا قال الحنفية وبعض الحنابلة .
واستدلوا بحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) وكثرة النجس تريب فوجب تركه والعدول إلى ما لا ريب فيه وهو التيمم وبأن الأصول مقررة على أن كثرة الحرام واستواء الحلال والحرام يوجب تغليب حكمه في المنع كأخت أو زوجة اختلطت بأجنبية .
وبالقياس على ما لو اشتبه ماء وبول فإنه لا يجتهد فيه بل يتيمم .

القول الثالث : 
لا يجوز التحري في المياه المختلطة عند الاشتباه مطلقاً بل يترك الجميع ويتيمم وهو أحد قولي سحنون من المالكية وبه قال أبو ثور والمزني من الشافعية وأحمد وأكثر أصحابه .
واستدلوا بأنه إذا اجتهد قد يقع في النجس وأنه اشتبه طاهر بنجس فلم يجز الاجتهاد فيه كما لو اشتبه ماء وبول .
ثم اختلف هؤلاء فيما بينهم : فقال أحمد في إحدى الروايتين : لا يتيمم حتى يريق الماء لتحقق عدم الماء .
وقال سحنون وأبوثور والمزني : يتيمم وإن لم يرقه لأنه كالمعدوم .

القول الرابع : 
يتوضأ ويصلي بعدد النجس وزيادة إناء وبهذا قال ابن الماجشون وهو القول الثاني لسحنون واستدلوا بأن الشخص في هذه الحالة معه ماء محقق الطهارة ولا سبيل إلى تيقن استعماله إلا بالتوضؤ والصلاة بعدد النجس وزيادة إناء فلزمه ذلك .

القول الخامس : 
يجوز التطهر بأيها شاء بلا اجتهاد ولا ظن وهو وجه للشافعية واستدلوا بأن الأصل طهارة الماء في كل الأواني .

الترجيح :
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( قوله : "وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما" يعني : إن اشتبه ماء طهور بماء نجس حرم استعمالهما لأن اجتناب النجس واجب ولا يتم إلا باجتنابهما وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وهذا دليل نظري .
وربما يستدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يرمي صيداً فيقع في الماء : " إن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك ؟ " .
وقال : " إذا وجدت مع كلبك كلباً غيره فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله ؟ " .
فأمر باجتنابه لأنه لا يدرى هل هو من الحلال أم الحرام ؟ .
قوله : "ولم يتحر" أي : لا ينظر أيهما الطهور من النجس وعلى هذا فيتجنبهما حتى ولو مع وجود قرائن هذا المشهور من المذهب .

وقال الشافعي رحمه الله :
يتحرى وهو الصواب وهو القول الثاني في المذهب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في مسألة الشك في الصلاة : "وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه" فهذا دليل أثري في ثبوت التحري في المشتبهات .

والدليل النظري : 
أن من القواعد المقررة عند أهل العلم أنه إذا تعذر اليقين رجع إلى غلبة الظن وهنا تعذر اليقين فنرجع إلى غلبة الظن وهو التحري هذا إن كان هناك قرائن تدل على أن هذا هو الطهور وهذا هو النجس لأن المحل حينئذ قابل للتحري بسبب القرائن وأما إذا لم يكن هناك قرائن مثل أن يكون الإناءان سواء في النوع واللون فهل يمكن التحري ؟ .

قال بعض العلماء : 
إذا اطمأنت نفسه إلى أحدهما أخذ به وقاسوه على ما إذا اشتبهت القبلة على الإنسان ونظر إلى الأدلة فلم يجد شيئاً فقالوا : يصلي إلى الجهة التي تطمئن إليها نفسه فهنا أيضاً يستعمل ما اطمأنت إليه نفسه ولا شك أن استعمال أحد الماءين في هذه الحال فيه شيء من الضعف لكنه خير من العدول إلى التيمم ) أهـ .
وقال أيضاً رحمه الله : ( الصحيح في هذه المسألة أنه متى أمكن التحري فإنه يتحرى ولدينا قاعدة معروفة عند أهل العلم وهي : ( إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن ) والتحري لا شك أنه ُيِّغلب الظن ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان الحق ذكر الحديث قبل القاعدة ( إذا شك أحدكم  في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه ) فنحن نقول إن القول الراجح في هذه المسألة إذا اشتبه طهور بنجس أنه متى أمكن التحري بأي علامة تكون وجب عليه أن يتحرى ويتوضأ بما يغلب على ظنه أنه طهور وإذا تحريت فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها حتى لو تبين أنه نجس فيما بعد فليس عليك شيء ) أهـ .

حُكم إذا اشتبه الماء الطهور بالماء الطاهر :
قال ابن قدامة رحمه الله : ( إذا اشتبه ماء طهور بماء قد بلطت طهوريته توضأ من كل واحد منهما وضوءاً كاملاً وصلى بالوضوءين صلاة واحدة لا أعلم فيه خلافاً لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين من غير حرج فيه فلزمه كما لو كانا طاهرين ولم يكفه أحدهما وفارق ما إذا كان نجساً لأنه ينجس أعضاءه يقيناً ولا يأمن أن يكون النجس هو الثاني فيبقى نجساً ولا تصح صلاته ) أهـ .
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ( هذه المسألة لا ترد على ما صححناه لعدم وجود الطاهر غير المطهر على القول الصحيح لكن ترد على المذهب وسبق بيان الطاهر .
مثاله : ماء غمس فيه يد قائم من نوم ليل ناقض للوضوء فإنه يكون طاهراً غير مطهر وماء طهور اشتبه أحدهما بالآخر فلا يتحرى ولا يتيمم لأن استعمال الطاهر هنا لا يضر بخلاف المسألة السابقة التي اشتبه فيها الطهور بالنجس فإنه لو استعمله تنجس ثوبه وبدنه وعلى هذا فيتوضأ وضوءاً واحداً من هذا غرفة ومن هذا غرفة لأجل أنه إذا أتم وضوءه فإنه تيقن أنه توضأ بطهور فيكون وضوؤه صحيحاً .
فإن قيل : لماذا لا يتوضأ من هذا وضوءاً كاملاً ومن الآخر كذلك ؟

فالجواب : أنه لا يصح لوجهين :
الأول : أنه لو فعل ذلك لكان يخرج من كل وضوء وهو شاك فيه ولا يصح التردد في النية .
الثاني : أنه إذا توضأ وضوءاً كاملاً من الأول وقدرنا أنه هو الطهور ثم توضأ وضوءاً كاملاً من الثاني الذي هو الطاهر فربما يجزم في الوضوء الأول أو يغلب على ظنه أنه استعمل الطهور في غسل اليدين والطاهر في غسل الوجه وفي الوضوء الثاني أنه استعمل الطاهر في غسل اليدين والطهور في غسل الوجه فيكون غسل الوجه الذي حصلت به الطهارة بعد غسل اليدين وذلك إخلال بالترتيب .
ولا يقال : إنه باجتماعهما حصل اليقين لأن أحدهما حين فعله له كان شاكاً فيه غير متيقن ويصلي صلاة واحدة .

وقال بعض العلماء : 
يتوضأ أولاً ثم يصلي ثم يتوضأ ثانياً ثم يصلي لأجل أن يتيقن بالفعلين أنه توضأ وضوءاً صحيحاً وصلى صلاة صحيحة .
وأما على القول الراجح فهذه المسألة ليست واردة أصلاً لأن الماء لا يكون طاهراً بل إما طهوراً وإما نجس ) أهـ .

أخي الحبيب :
أكتفي بهذا القدر وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان والله الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين .
-----------------------------------------------------------------------
أخوكم 
أبومعاذ / عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني 
وشهرته / عبدربه
العنوان
محافظة سوهاج / مركز طما / قرية العتامنة ( بجوار الوحدة الصحية )
رقم المحمول: 01002889832 - 01144316595


فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
فقه المياه وبعض ما يتعلق بها من أحكام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  (8) مطالعة أحكام الصوم وما يتعلق بشهر رمضان
» الضرب الثالث وبعض تطبيقاته العصرية
» المياه البيضاء
» ماء زمزم.. سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا
» وثائق كامب ديفيد في ما يتعلق بالقدس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــــه الــدنــيـــــــا والديـــــن :: زاد الطالب في أصول الفقة-
انتقل الى: