ومواقفها تتباين من وجهة النظر التونسية:
(أ) فالجزائر تأخذ الحيطة والحذر حتى لا تطول الثورة أراضيها، كذلك فإن الحكم الإسلامي في تونس يتحالف مع المنظمات الجهادية في المغرب العربي، وهو يمثل خطراً على الجزائر.
(ب) ليبيا مهمومة بأوضاعها، ولكنها تعد مورداً مهماً للأسلحة والبضائع المهربة، وهو ما يمثل خطراً محدقاً في الداخل التونسي.
(ج) مصر أصبحت هي القدوة والمثل للثوار في تونس، من خلال الخطوات التي اتخذتها نحو تحقيق أهداف الثورة والقضاء على الإرهاب، وتحدي القوى التي تتآمر عليها مع الإخوان المسلمين.
ب. انعكاس آثار تلك القوى:
(1) استمرار الارتباك في الداخل التونسي لفترة غير قصيرة.
(2) لاشك أن الشعب سيحقق النصر في النهاية، ويزيل آثار الفوضى والارتباك خلال المرحلة السابقة.
(3) الشعب لديه مطلق الحرية في اختيار النظام الذي يدير الدولة، كذلك القيادة التي تأخذ بيده لتحقيق أهداف الثورة.
ج. حجم التأثير التونسي في مجاله الحيوي خلال تلك المرحلة:
(1) تأثير محدود يتزايد بقدر الاستقرار الداخلي.
(2) تبتعد تونس عن المتغيرات على الساحة الإقليمية والعالمية.
(3) قد تتعرض وحدة الأراضي التونسية للتقسيم إلى قسمين، شمالي يشمل دول الساحل ودول الوسط، وجنوبي يضم إقليم الجنوب والمناطق الأكثر فقراً، فيما لو حاول الإسلام الراديكالي التغلغل فيها، ولم يتمكن الجيش -بقدراته المحدودة حالياً- في السيطرة على مؤامرات التقسيم.
(4) يمكن تقليص فترة تحقيق الاستقرار فيما لو تكونت جبهة متحدة من الشعب والجيش وقوات الأمن لمواجهة العناصر الطامعة في فرض سلطانها على الدولة، وعندها سيزيد تأثير تونس في مجالها الحيوي.
(5) أهمية أن يوجه الشعب التونسي كل الاهتمام لما يحدث على حدود دولته من متغيرات، نظراً لاشتعال الموقف في منطقة المغرب العربي بحيث لا ينكفئ على الداخل، ويفاجأ بأحداث في دول الجوار تقلب الموازين فيما يحققه من إنجازات.
2. التأثير في المجال الحيوي على المدى المتوسط (5 – 10سنوات):
وهي مرحلة تلي المدى القريب وتنطلق من القواعد والإنجازات التي أفرز عنها هذا المدى، ومن ثم ففي حالة الإنجاز الإيجابي نحو التحرك لتحقيق أهداف الثورة، فسيكون التأثير إيجابياً، ولو حدث العكس فسيكون التأثير سلبياً.
أ. العوامل التي تؤدي إلى إيجابية التأثير:
(1) تحقيق الاستقرار الداخلي، وتوحيد الجهود نحو هدف واحد يراد تحقيقه.
(2) تقليص حجم الانفلات الأمني والعمليات الإرهابية.
(3) استقرار الأوضاع في دول الجوار التونسي.
(4) توجه القوى العربية والعالمية لدعم الشعب التونسي لبناء دولته على أسس من الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والاندماج في العولمة.
ب. يتحقق التأثير بعد تحقيق الاستقرار في الداخل من خلال خريطة مستقبل يرسمها الشعب وتشارك فيها كل أطيافه بوضع دستور يحدد هوية الدولة ونظام العمل بمؤسساتها والحفاظ على أمنها، وانتخاب حكومة ورئاسة يرضى عنها الشعب ويتحالف معها لتحقيق آماله وأهداف ثورته.
ج. يتحقق التأثير أيضاً من خلال مناخ إقليمي حاضن للاستقرار، مندمج في العولمة تتعاون أنظمته وشعوبه من أجل تبادل المصالح والسعي لتحقيق الرفاهية والخير لشعوبها.
ويعني ذلك:
(1) أن التأثير الإقليمي التونسي يتحقق بدرجات متدرجة طبقاً للأوضاع في دول الجوار المباشر (ليبيا والجزائر)، والأوضاع في دول التأثير غير المباشر (مصر ـ السعودية ـ المغرب)، كذلك توجهات الدول الأخرى نحو تونس.
(2) يزداد التأثير باقتناع النظام الدولي في دعم تونس ومساندتها في بناء الدولة الحديثة.
د. يزداد التأثير بقدرة تونس على بناء قوة الدول.
والذي يتحقق من خلال الآتي:
(1) أمن مجتمعي يعتمد على العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون (وهو أحد أهداف الثورة).
(2) أمن اقتصادى يتأسس على استغلال الموارد وتعدد المصادر والتعاون المؤسسي على تبادل المصالح مع الدول كافة، يتوقف على مدى استقرار الدولة وثقة المستثمرين فيها.
(3) قدرة عسكرية مناسبة يتحقق من خلالها تأمين الدولة في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية، والمحافظة على الشرعية الدستورية، ودعم قدرة الدولة في الحفاظ على مصالحها الخارجية والداخلية، وهو ما يتطلب إعادة بناء الجيش التونسي على أسس تساير الثورة في الشؤون العسكرية، والإستراتيجيات الحديثة.
بما يعني أن التأثير في المحيط الإقليمي والدولي لا يتحقق بالأمنيات، ولكن من خلال تخطيط دقيق ورؤية إستراتيجية متكاملة، ومشاركة بين النظام والشعب ومؤسسات الدولة.
وكل ذلك يتطلب سرعة تحديد خريطة المستقبل والعمل على استقرار الداخل والفهم الدقيق لمعني الثورة والدولة والوطن.
فالثورة هي حراك من أجل التغيير ومن أجل تحقيق هدف تتطلع إليه الجماهير، والدولة هي المنظومة المؤسسية التي تحدد العلاقة بين النظام والشعب في الداخل، وبين الدولة والدول الأخرى على المستويين الإقليمي والعالمي.
أما الوطن فهو المظلة التي يجتمع تحتها الشعب بكل طوائفه، وهو الذي يتطلب الحماية والأمن والذود في سبيل حماه.
ومن الوطن تنبع الوطنية وهي الولاء والانتماء للأرض والعقيدة والحفاظ على التراث وتنمية قدرات الشعب.
هـ. القوى المؤثرة في تلك المرحلة:
نفس القوى المؤثرة في المرحلة الأولى، ولكن باختلاف الأهداف والوسائل، نظراً لما سيتحقق من إنجازات خلال المرحلة الأولى، كذلك ما قد يحدث من متغيرات على المستويين الإقليمي والعالمي، وهناك عدة احتمالات لصورة النظام التونسي في تلك المرحلة.
ولكل منها عوامل تأثيره كالآتي:
(1) نظام الحكم الليبرالي:
وهو النظام الذي قد يرتضيه غالبية الشعب التونسي بعد تجربة الثورة، وتجربة حكم حزب النهضة، كما أن هذا النظام سوف يساير توجهات الدول الأوروبية، ويساير أهداف بناء نظام عربي حديث تباركه معظم الدول العربية.
أما السلبية الرئيسة فتأتي من استمرار وجود التيارات الإسلامية المتشددة، خاصة بعد فشل المشروع الأمريكي في بناء شرق أوسط جديد طبقاً لإستراتيجيتها في تجميع تيار الإسلام الراديكالي في مناطق محددة، ليبتعد عن الغرب بما يحمله من تيارات إرهابية.
(2) نظام الحكم الإسلامي:
وهو النظام الذي يسيطر عليه حزب النهضة ويدعمه تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، وتؤيده الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن احتمال استمرار هذا النظام في الحكم ضعيفاً.
(3) النظام الديموقراطي المشترك:
حيث تتضامن كل التيارات والطوائف للحفاظ على الوطن تحت مظلة ديموقراطية يحكمها دستور قوي، ويراقبه الشعب ويشارك في بنائه وإدارته.
وربما يكون هذا النظام هو الذي ستستقر إليه الأمور فيما لو تراجع حزب النهضة عن أهدافه في الاستيلاء على الحكم، وفيما إذا فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ إستراتيجيتها في بناء الشرق الأوسط الجديد وفيما إذا نجحت جمهورية مصر العربية في بناء نموذج صحيح لهذا النظام بأسرع ما يمكن وتحتذي حذوه تونس ودول ثورات الربيع العربي.
و. حجم التأثير التونسي في مجاله الحيوي في هذه المرحلة:
(1) مع الاستقرار وتحقيق أهداف الثورة يمكن أن تكون تونس نموذجاً للبناء الديموقراطي ومن ثم فإن تأثيرها سيتحقق في مجالها الحيوي.
(2) سيزداد تأثير تونس في مجالها الحيوي من خلال الآتي:
(أ) نجاح ثورات دول الربيع العربي واستقرارها.
(ب) قدرة جامعة الدول العربية في تطوير العمل العربي بما يتناسب مع متغيرات العصر.
(ج) حجم التحالفات والتنسيق الذي يمكن أن تحققه تونس في محيطها الإقليمي.
(د) قدرة الشعب التونسي في بناء القوة الداخلية لدولته في جميع المجالات.
(3) في حالة عدم الاستقرار أو صعود نظام تونسي يحمل عداءً لدول الجوار أو النظام العربي أو يعمل على نشر أيديولوجية معينة.
فإن ذلك سوف يؤثر سلباً على تأثير تونس في مجالها الحيوي (وهو يمثل احتمالاً ضعيفاً، ولكنه احتمال موجود).
3. التأثير التونسي في مجاله الحيوي على المدى البعيد (أكثر من 10 سنوات):
يرتبط هذا التأثير بالمتغيرات الإقليمية والعالمية، كما يرتبط بقدرة الشعب التونسي بإدارة دولته وتحقيق الاستقرار، والتعاون مع دول المجال الحيوي والاندماج في العولمة.
ومن المعروف أن العولمة ستتطور خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين إلى شعار الحكمة، وهي التي يلعب فيها العلم والأفكار الدور الرئيس في بناء الدولة، وستكون التحديات الرئيسة تتعلق بالتطبيقات التكنولوجية، ومدى ما وصلت إليه كل دولة من تطبيقات متقدمة في مجال العلوم الفضائية والطبية والهندسية، والاستغلال الأمثل للطاقات الطبيعية والخامات في أعماق البحار والمحيطات وفي الكواكب وغيرها، كما أن الحروب ستصبح حروب أفكار أكثر منها تصادماً بين أسلحة وجيوش.
من خلال هذه المنظومة سيتحد تأثير الدول في محيطها الحيوي، وهو ما يتطلب العمل ـ من الآن ـ لإدارة الدولة بعد عشر سنوات، حيث إن متطلبات التغيير شديدة التعقيد، ولن تتحقق إلا بتعاون عربي مشترك.
بمعني أن التأثير التونسي في مجاله الحيوي لن يتحقق إلا من خلال نظام عربي ـ إقليمي متكامل، ليكون له القدرة على الانطلاق نحو مستقبل أفضل ويتخطى تحديات العصر.
في السياق نفسه، فإن الحكم الديموقراطي لن يكون من قبيل الرفاهية ولكنه الخيار الوحيد لمستقبل عالمي سيحترم الأقوياء ويهمش الضعفاء.