منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 تفسير سورة النحل (16)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

تفسير سورة النحل (16) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة النحل (16)   تفسير سورة النحل (16) Emptyالإثنين 15 ديسمبر 2014, 8:05 am

بسم الله الرحمن الرحيم

أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) 


شرح الكلمات :

{ أتى أمر الله } : أي دنا وقرب أمر الله بعذابكم ايها المشركون فلا تستعجلون . { ينزل الملائكة بالروح } : أي بالوحي الذي به حياة الأرواح والمراد من الملائكة جبريل . { خلق الإنسان من نطفة } : أي من قطرة المني . { دفء ومنافع } : أي ما تستدفئون به ، ومنافع من العسل واللبن واللحم والركوب . { حين تريحون } : أي حين ترونها من مراحها . { وحين تسرحون } : أي وحين إخراجها من مراحها الى مسارحها أي الأماكن التي تسرح فيها . { الا بشق الأنفس } : أي بجهد الأنفس ومشقة عظيمة . { معنى الآيات } : لقد استعجل المشركون بمكة العذاب وطالبوا به غير مرة فأنزل الله تعالى قوله : { أتى أمر الله } أي بعذابكم أيها المستعجلون له . لقد دنا منكم وقرب فالنضر بن الحارث القائل : { اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو أئتنا بعذاب أليم } ، جاءه بعد سُنيات قلائل فهلك ببدر صبراً ، الى جهنم ، وعذاب يوم القيامة لمن استعجله قد قرب وقته ولذا عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه مجيئه فلا معنى لاستعجاله فلذا قال الله تعالى : { فلا تستعجلوه } وقوله { سبحان وتعالى عما يشركون } أي تنزه وتقدس عما يشكرون به من الآلهة الباطلة اذ لا اله الا هو : وقوله { ينزل الملائكة بالروح من أمره } أي بإرادته وإذنه { على من يشاء من عباده } . أي ينزل جبريل عليه السلام بالوحي على من يشاء من عباده وهو محمد صلى الله عليه وسلم وقوله { أن أنذروا انه لا إله الا أنا فاتقون } أي بأن انذروا اي خوفوا المشركين عاقبة شركهم فإن شركهم باطل سيجر عليهم عذاباً لا طاقة لهم به ، لأنه لا اله الا الله ، وكل الآلهة دون باطلة . أذ فاتقوا الله بترك الشرك والمعاصي والا تعرضتم للعذاب الأليم . في هاتين الآيتين تقرير للوحي والنبوة للنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير التوحيد أيضاً وقوله تعالى في الآيات التالية : { خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون } استدلال على وجوب التوحيد وبطلان الشرك فالذي خلق السموات والأرض بقدرته وعمله وحده دون ما معين له ولا مساعد حق ان يعبد ، لا تلك الآلهة الميتة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق { تعالى عما يشركون } أي تنزه وتقدس تعالى عما يشركون به من أصنام وأوثان . وقوله : { خلق الانسان من نطفة } أي من أضعف شيء واحقره قطرة المني خلقه في ظلمات ثلاث وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً حتى إذ رباه وأصبح رجلاً إذا هو خصيم لله يجادل ويعاند ، ويقول من يحيى العظام وهي رميم . وقوله تعالى { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } فهذه مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة والرحمة وهي الموجبة لعبادته تعالى وترك عبادة ما سواه .

فالأنعام وهي الإبل والبقر والغنم خلقها الله تعالى لبني آدم ةلم يخلقها لغيرهم ، لهم فيها دفء إذ يصنعون الملابس والفرش والأغطية من صوف الغنم ووبر الإبل ولهم فيها منافع كاللين والزبدة والسمن والجبن والنسل جيث تلد كل سنة فينتفعون بأولادها . ومنا يأكلون اللحوم المختلفة فالمنعم هو الواجب العبادة دون غيره من سائر . مخلوقاته وقوله : { ولكم فيها جمال } أي منظر حسن جميل حين تريحونها عشية من المرعى الى المراح { وحين تسرحون } اي تخرجونها صباحاً من مراحها الى مراعيها ، فهذه لذة روحية ببهجة المنظر . وقوله ( وتحمل أثقالكم الى بلدٍ لم تكونوا بالغيه الا بشق وبذل الجهو والطاقة ، لولا الإبل سفن الصحراء ومثل الإبل الخيل والبغال والحمير في حمل الأثقال . فالخلق لهذه الأنعام هو ربكم لا اله الا هو فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وقوله تعالى : { إن ربكم } أي خالقكم ورازقكم ومربيكم وإلهكم الحق الذي لا اله لكم غير لرؤوف رحيم ، ومظاهر رحمته ورأفته ظاهره في كل حياة الإنسان فلولا لطف الله بالانسان ورحمته له لما عاش ساعة في الحياة الدنيا فلله الحمد وله المنة .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- قرب يوم القيامة فلا معنى لاستعجاله فإنه آتٍ لا محالة ، وكل أتٍ قريب .

2- تسمية الوحي بالروح من أجل أنه يحيى القلوب ، كما تحيى الأجسام بالأرواح .

3- تقرير التوحيد والنبوة والبعث الآخر بذكر مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة والرأفة والرحمة .


وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) 


شرح الكلمات :

{ ويخلق ما لا تعلمون } : من سائر الحيوانات ومن ذلك السيارات والطائرات والقطر .

{ وعلى الله قصد السبيل } : أي تفضلاً وامتناناً ببيان السبيل القاصده وهي الإسلام .

{ ومنها جائر } : أي عادل عن القصد وهو سائر الملل كاليهودية والنصرانية .

{ ومن شجر } : أي وبسببه يكون الشجر وهو هنا عام في سائر النباتات .

{ فيه تسيمون } : ترعون مواشكيم .

{ مسخرات بأمره } : أي بإذنه وقدرته .

{ وما ذرأ لكم في الأرض } : أي خلق لكم في الأرض من الحيوان والنباتات المختلفة .


معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد بذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته إذ قال تعالى : { والخيل والبغال والحمير } أي خلقها وهو خالق كل شيء لعله ركوبهم إياها اذ قال : { لتركبوها وزينة } أي ولأجل أن تكون زينة لكم في حياتكم وقوله { ويخلق مالا تعلمون } أي مما هو مركوب وغير مركوب من مخلوقات عجيبة ومن المركوب هذه السيارات على اختلافها والطائرات والقطر السريعة والبطيئة هذا كله إفضاله وإنعامه على عباده فهل يليق بهم أن يكفوره ولا يشكروه ؟ وهل يليق بهم أن يشركوا في عبادته سواه . وقوله { وعلى الله قصد السبيل } ومن إفضاله وإنعامه الموجب لشكره ولعبادته دون غيره أن بين السبيل القاصد الموصل الى رضاه وهو الإسلام ، في حبن أن ما عدا الإسلام من سائر الملل كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها سبل جائره عن العدل والقصد سالكوها ضالون غير مهتدين الى كمال ولا الى إسعاد هذا معنى قوله تعالى { وعلى الله قصد السبيل } وقوله { ولو شاء لهداكم أجمعين } أي لو تعلقت بإرادته هداية الناس أجمعين لهداهم أجمعين وذلك لكمال قدرته وعلمه ، الا أن حكمته لم تقتض هداية لكل الناس فهدئ من رغب في الهداية وأضل من رغب في الضلال . ومن مظاهر ربوبيته الموجبة لألوهيته أي عبادته ما جاء في الآيات التالية ( 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 ، 15 ) إذ قال تعالى : { هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب } تشربون منه وتطهرون ، { ومنه } اي من الماء الذي أنزل من السماء شجر لأن الشجرة والمراد هنا سائر النباتات يتوقف وجوده على الماء وقوله { فيه تسيمون } أي في ذلك النبات ترعون مواشيكم . يقال سام الماشية أي ساقها الى المرعى وسامت الماشية أي رعت بنفسها . وقوله تعالى : { ينبت لكم به } أي بما أنزل من السماء من ماء { الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات } كالفواكه والخضر على اختلافها إذ كلها متوقفة على الماء . وقوله { إن في ذلك } أي المذكور من نزول الماء وحصول المنافع الكثيرة به { لآية } أي علامة واضحة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضية لعبادته وترك عبادة غيره . ولكن { لقوم يتفكرون } فيتعظون . أما اشباه البهائم الذين لا يفكرون في شيء فلا يجدون آية ولا شبه آية في الكون كله وهو يعشيون فيه .

وقوله تعالى : { وسخر لكم الليل والنهار } الليل للسكون والراحة ، والنهار للعمل ابتغاء الرزق وتسخيرهما كونهما موجودين باستمرار لا يفترقان أبداً الى أن ياذن الله بانتهائهما وقوله : { والشمس والقمر } أي سخرهما كذلك للانتفاع بضوء الشمس وحرارتها ، وضوء القمر لمعرفة عدد السنين والحساب ، وقوله { والنجوم مسخرات بأمره } كذلك ومن فؤائد النجوم الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر وكونها زينة وجمالاً للسماء التي هي سقف دارنا هذه . وقوله { إن في ذلك } المذكور من تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم { لآيات } عدة يستدل بها على الخالق وعلى وجوب عبادته وعلى توحيده فيها ، ولكن { لقوم يعقلون } أي الذين يستخدمون طاقة عقولهم في فهم الأشياء وإدراك اسرارها وحقائقها أما أشباه البهائم والمجانين الذين لا يفكرون ولا يتعقلون ولا يعقلون ، فليس لهم في الكون كله آية واحدة يستدلون بها على ربهم ورحمته بهم وواجب شكره عليهم وقوله تعالى : { وما ذرأ لكم في الأرض } أي وما خلق لكم في الأرض من إنسان وحيوان ونبات { مختلفاً ألوانه } وخصائصه وشيانه ومنافعه وآثاره { إن في ذلك } الخلق العجيب { لآية } أي دلالة واضحة على وجود الخالق عز وجل ووجوب عبادته وترك عبادة غيره ولكن { لقومٍ يذكرون } فيتعظون فينتبهون الى ربهم فيعبدونه وحده بامتثال أمره واجتناب نهيه فيكملون على ذلك ويسعدون في الحياتين .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- كون الخيل والبغال والحمير خلقت للركوب والزينة لا ينفي منفعة اخرى فيها وهي أكل لحوم الخيل لثبوت السنة بإباحة لحوم الخيل ، ومنع لحوم البغال والحمير كما في الصحيحين .

2- الإسلام هو السبيل التي بينها تعالى فضلاً منه ورحمة وما عداه فهى سبل جائرة عن العدل والحق .

3- فضيلة التفكر والتذكر والتعقل وذم أضدادها لأن الايات الكونية كالآيات القرآنية إذا لم يتفكر فيها العبد لا يهتدي الى معرفة الحق المنشود وهو معرفة الله تعالى ليعبده بالذكر والشكر وحده دون سواه .


وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) 


شرح الكلمات :

{ حلية تلبسونها } : هي اللؤلؤ والمرجان .

{ مواخر فيه } : أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة وبالبخار اليوم .

{ من فضله } : أي من فضل الله تعالى بالتجارة .

{ ان تميد بكم } : أي تميل وتتحرك فيخرب ما عليها ويسقط .

{ لا تحصوها } : أي عداً فتضبطوها فضلاً عن شكرها للمنعم بها عز وجل .

{ ما تسرون وما تلعنون } : عن المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن أذاه علانية هذا بالنسبة الى اهل مكة ، إذ الخطاب يتناولهم أولاً ثم اللفظ عام فالله يعلم كل سرٍ وعلانية في أي أحد .


معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته تلك المظاهر الموجبة لتوحيده وعبادته وشكره وذكره قال تعالى : { وهو الذي سخر لكم البحر } وهو كل ماء غمر كثير عذباً كان او ملحاً وتسخيره تيسير الغوص فيه وجرى السفن عليه . وقوله { لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } بيان لعلة تسخير البحر وهي ليصيد الناس منه السمك يأكلونه ، ويستخرجون اللؤلؤ والمرجان حيلة لنسائهم . وقوله : { وترى الفلك مواخر فيه } أي وترى أيها الناظر الى البحر ترى السفن تمخر الماء أي تشقه ذاهبة وجائية . وقوله : { ولتبتغوا } أي سخر البحر والفلك لتطلبوا الرزق بالتجارة بنقل البضائع والسلع من إقليم الى إقليم وذلك كله من فضل الله وحوله { لعلكم تشكرون } أي كي تشكروا الله تعالى . أي سخر لكم ذلك لتحصلوا على الرزق من فضل الله فتأكلوا وتشكروا الله على ذلك والشكر يكون بحمد الله والاعتراف بنعمته وصرفها في مرضاته وقوله : { وألقى في الأرض رواسي } أي ألقى في الأرض جبالاً ثوابت { أن تميد بكم } كي لا تميد بكم ، وميدانها ميلها وحركتها إذ لو كانت تتحرك لما استقام العيش عليها والحياة فيها . وقوله { وأنهاراً } أي وأجرى لكهم أنهاراً في الأرض كالنيل والفرات وغيرهما { وسبلاً } أي وشق لكم طرقاً { لعلكم تهتدون } الى منازلكم في بلادكم وقوله { وعلامات } أي وجعل لكم علامات للطرق وأمارات كالهضاب والأودية والأشجار وكل ما يستدل به على الطريق والناحية ، وقوله { وبالنجم } أي والنجوم { هم يهتدون } فركاب البحر لا يعرفون وجهة سيرهم في الليل الا النجوم وكذا المسافرون في الصحارى والوهاد لا يعرفون وجهة سفرهم الا بالنجوم وذلك قبل وجود آلة البوصلة البحرية ولم توجد الا على ضوء النجم وهدايته وقوله في الآية ( 17 ) { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } هذا تأنيب عظيم لأولئك الذين يصرون على عبادة الأصنام ويجادلون عليها ويجالدون فهل عبادة من يخلق ويرزق ويدبر حياة الإنسان وهو الله رب العالمين كعبادة من لا يخلق ولا يرزق ولا يدير ؟ فمن يسوي من العقلاء بين الحي المحيي الفعال لما يريد واهب الحياة كلها وبين الأحجار والأوثان ؟ فلذا وبخهم بقوله { أفلا تذكرون } فتذكرون فتعرفون ان عبادة الأصنام باطلة وان عبادة الله حق فتتوبوا الى ربكم وتسلموا له قبل أن يأتيكم العذاب .

وقوله تعالى : { وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها } بعدما عدد في هذه الآيات من النعم الكثيرة أخبر أن الناس لو أرادوا أن يعدوا نعم الله ما استطاعوا عدها فضلاً عن شكرها ، ولذا قال { إن الله لغفور رحيم } ولولا ان كذلك ليؤاخذهم على تقصيرهم في شكر نعمه عليهم ولسلبها منهم عند كفرها وعدم الاعتراف بالمنعم بها عز وجل وقوله تعالى : { والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } هذه آخر مظاهر القدرة والعلم والحكمة والنعمة في هذا السياق الكريم فالله وحده يعلم سر الناس وجهرهم فهو يعلم إذا حاجاتهم وما تتطلبه حياتهم ، فإذا عادوه وكفروا به فكيف يأمنون على حياتهم ولما كان الخطاب في سياق دعوة مشركي مكة الى الايمان والتوحيد فالآية اخطار لهم بان الله عليم بمكرهم برسوله وتبييت الشر له وأذاهم له بالنهار . فهي تحمل التهديد والوعيد لكفار مكة .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- بيان العلة في الرزق وانها الشكر لله سبحانه وتعالى يرزق لِيُشكر .

2- إباحة أكل الحوت وكل دواب البحر .

3- لا زكاة في اللؤلؤ والمرجان لأنه من حيلة النساء .

4- المقارنه بين الحي الخلاق العليم ، وبين الأصنام الميتة المخلوقة لتقرير بطلان عبادة غير الله تعالى لأن من يَخلُق ليس كمن يَخلَق .

5- عجز الإنسان عن شكر نعم الله تعالى يتطلب منه أن يشكر ما يمكنه منها وكلمة ( الحمد لله ) تعد رأس الشكر والاعتراف بالعجز عن الشكر من الشكر ، والشكر صرف النعم فيما أجله أنعم الله تعالى بها .


وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) 


شرح الكلمات :

{ وهم يخلقون } : أي يصورون من الحجارة وغيرها .

{ وما يشعرون إيان يبعثون } : أي وما تشعر الأصنام ولا تعلم الوقت الذي تبعث فيه وهو يوم القيامة . ولا يبعث فيه عابدوها من دون الله .

{ قلوبهم منكرة } : أي جاحدة للوحدانية والنبوة والبعث والجزاء .

{ وهو مستكبرون } : لظلمة قلوبهم بالكفر يتكبرون .

{ لا جرم } : أي حقاً .

{ أساطير الأولين } : أي أكاذيب الأولين .

{ ليحملو أوزارهم } : أي ذنوبهم يوم القيامة .

{ ألا ساء ما يزرون } : أي بئس ما يحملون من الأوزار .


{ معنى الآيات } : 

في هذا السياق مواجهة صريحة للمشركين بعد تقدم الأدلة على اشراكهم وضلالهم فقوله تعالى : { والذين يدعون من دون الله } أي تعبدونهم أيها المشركون { أموات غير احياء } اي هم اموات اذ لا حياة لهم ودليل ذلك أنهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون ، وقوله { وما يشعرون أيان يبعثون } اي لا يعلمون متى يبعثون وهو أموات ولا يعلمون متى يبعثون للاستنطاق والاستجواب والجزاء على الكسب في هذه الحياة ، وقوله { إلهكم إله واحد } هذه النتيجة العقلية التي ينكرها العقلاء وهي أن المعبود واحد لا شريك له ، وهو الله جل جلاله ، إذ هو الخالق الرازق المدبر المحي المميت ذو الصفات العلا والاسماء الحسنى ، وما عداه فلا يخلق ولا يرزق ولا يدبر ولا يحيي ولا يميت فتأليهه سفه وضلال ، وبعد تقرير ألوهية الله تعالى واثباتها بالمنطق السليم قال تعالى : { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } ذكر علة الكفر لدى الكافرين والفساد عند المفسدين وهي تكذيبهم بالبعث الآخر اذ لا يستقيم عبد على منهج الحق والخير وهو لا يؤمن باليوم الآخر يوم الجزاء على العمل في الحياة الدنيا ، فأخبر تعالى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة لكل ما يسمعون من الحق الذي يدعو اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبينه آيات القرأن الكريم ، وهم مع إنكار قلوبهم لما يسمعون من الحق مستكبرون عن قبول الحق والاذعان ، وقوله تعالى : { لا جرم الله يعلم ما يسرون وما يعلنون انه لا يحب المستكبرين } أي حقاً ان الله يعلم ما يسر أولئك المكذبون بالآخرة وما يعلنون وسيحصى ذلك عليهم ويجزيهم به لا محالة في يوم كانوا به يكذبون . . ويا للحسرة ويا للندامة!! وهذا الجزاء كان بعذاب النار متسبب عن بغض الله للمستكبرين وعدم حبه لهم ، وقوله تعالى : { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } يخبر تعالى عن أولئك المنكرة قلوبهم للوحي الإلهي وما جاء به رسول الله هؤلاء المستكبرون كانوا اذا سئلوا عن القرآن من قبل من يريد ان يعرف ممن سمع بالدعوة المحمدية فجاء من بلاد يتعرف عليها قالوا : { أساطير الأولين } أخبار كاذبة عن الأولين مسطره عند الناس فهو يحكيها ويقول بها ، وبذلك يصرفون عن الاسلام ويصدون عن سبيل الله ، قال تعالى : { ليحملوا أوزارهم } أي تبعة آثامهم وتبعة آثام من صدوهم عن سبيل الله كاملة غير منقوصة يوم القيامة ، وهو لا يعلمون ذلك ولكن الحقيقة هي : أن من دعا الى ضلالة كان عليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزار من عملها شيء ، وكذا من دعا الى هدى فله أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر بهى شيء ، وقوله تعالى : { ألا ساء ما يزرون } أي قبح الوزر الذي يزرونه فإنه قائدهم الى النار موبقهم في نار جهنم .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- بطلان الشرك وتقرير التوحيد .

2- التكذيب باليوم الآخر والبعث والجزاء هو سبب كل شر وفساد يأتيه العبد .

3- التنديد بجريمة الاستكبار عن الحق والإذعان له .

4- بيان اثم وتبعة من يصد عن سبيل الله بصرف الناس عن الإسلام .

5- بيان تبعة من يدعو الى ضلالة فإنه يتحمل وزر كل من عمل بها .


قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) 


شرح الكلمات :

{ من قبلهم } : أي من قبل كفار قريش بمكة كالنمرود وغيره .

{ فأتى الله بنيانهم } : أي قصد إليه ليدمره فلسط عليه الريح والزلزلة فسقط من أسسه .

{ وخر عليهم السقف } : أي سقط لتداعي القواعد وسقوطها .

{ كنتم تشاقون فيهم } : أي تخالفون المؤمنين فيهم بعبادتكم إياهم وجدالكم عنه ، وتشاقون الله بمخالفتكم إياه بترك عبادته إياها .

{ وقال الذين أوتوا العلم } : أي الأنبياء والمؤمنون .

{ ظالمي أنفسهم } : بالشرك والمعاصي .

{ فألقوا السلم } : اي استسلموا وانقادوا .

{ فلبئس مثوى المتكبرين } : مثوى المتكبرن : أي قبح منزل المتكبرين في جهنم مثلاُ .

{ وقيل للذين اتقوا } : أي اتقوا الشرك والمعاصي .

{ للذين أحسنوا } : أي أعمالهم وأقوالهم ونياتهم فأتوا بها وفق مراد الله تعالى .

{ حسنة } : أي الحياة الطيبة حياة العز والكرامة .

{ ولنعم دار المتقين } : أي الجنة دار السلام .

{ طيبين } : أي الأرواح بما زكوها من الايمان والعمل الصالح . وبما ابعدوها عنه من الشرك والمعاصي .

{ يقولون سرم عليكم } : أي لقبض ملك الموت « عزرائيل » واعوانه .

{ هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة } : أي لقبض أرواحهم وعند ذلك يؤمنون .

{ أو يأتي أمر ربك } : أي بالعذاب أو بقيام الساعة وحشرهم الى الله عز وجل .

{ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } : أي نزل بهم العذاب وأحاط بهم وقد كانوا به يستهزئون .


معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم مع كفار قريش في تذكيرهم وتبصرهم بما هم فيه من الجهالة والصلالة . فيقول تعالى : { قد مكر الذين من قبلهم } أي من قبل مكر كفار قريش وذلك كالنمرود وفرعون وغيرهم كم الجبابرة الذين تطاولوا على الله عز وجل ومكروا برسلهم ، فالنمرود ألقى بإبراهيم في النار ، وفرعون قال ذروني اقتل موسى وليدع ربه . . وقوله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } اي أتاه أمر الله بهدمه وإسقاطه على الظلمة الطغاة { فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } . وذهب باطلهم وزال مكرهم . ألم يتعظ بهذا كفرة قريش وهم يمكرون بنبيهم ويبيتون له السوء بالقتل او النفي أو الحبس ؟ وقوله تعالى : { ثم يوم القيامة يخزيهم } أي يهينهم ويذلهم ويوبخهم بقوله : { أين شركائي الذين تشتاقون فيهم } أي أصنامكم وأوثانكم الذين كنتم تخالوني بعبادتكم إياهم دوني كما تشتاقون اوليائي المؤمنين أي تخالفونهم بذلك وتحاربونهم فيه . وهنا يقول الأشهاد والذين أوتوا العلم من الأنبياء والعلماء الربانيين : { إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين } أي إن الذل والهون والدون على الكافرين . وقوله تعالى : { الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } بالشرك والمعاصي ومن جملة المعاصي ترك الهجرة والبقاء بين ظهراني الكافرين والفساق المجرمين حيث لا يتمكن المؤمن من عبادة الله تعالى بترك المعاصي والقيام بالعبادات . وقوله { فألقوا السلم } أي عند معانيتهم ملك الموت وأعوانه أي استسلموا وانقادوا وحاولوا الاعتذار بالكذب وقالوا { ما كنا نعمل من سوء } فترد عليهم الملائكة قائلين : { بلى } أي كنتم تعملون السوء { أن الله عليم بما كنتم تعملون } ويقال لهم أيضاً { فادخلوا أبواب جهنم } اي ابواب طبقاتها { خالدين فيها فلبئس } جهنم { مثوى } اي مقاماُ ومنزلاً { للمتكبرين } عن عبادة الله وحده .

وقوله تعالى : { وقيل للذين اتقوا } أي ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه في أمره ولا نهيه واطاعو رسوله كذلك : { ماذا أنزل ربكم } أي إذا سألهم من أتى مكة يتعرف على ما بلغه من دعوة الإسلام فيقولون له : { خيراً } أي أنزل خيراً لأن القرآن خير وبالخير نزل بخلاف تلاميذ المشركين يقولون اساطير الاولين كما تقدم في هذا السياق .

كما ذكر تعالى جزاء الكافرين من العذاب في نار جهنم وهم الذين أساءوا في هذه الحياة الدنيا الى أنفسهم بشركهم بالله ومكرهم وظلمهم للمؤمنين ، ذكر جزاء المحسنين . فقال : { للذين أحسنوا } أي آمنوا وعملوا الصالحات متبعين شرع الله في ذلك فأخلصوا عبادتهم لله تعالى ودعوا الناس الى عبادة الله وحثوهم على ذلك فكانوا بذلك محسنين لأنفسهم ولغيرهم لهؤلاء الذين أحسنوا في الدنيا { حسنة } وهي الحياة الطيبة حياة الطهر والعزة والكرامة ، ولدار خيرٌ لهم من دار الدنيا مع ما فيها من حسنة وقوله تعالى : { ولنعم دار المتقين } ثناء ومدح لتلك الدار الآخرة لما فيها من النعيم المقيم وإضافتها الى المتقين باعتبار أنهم اهلها الجديرون بها إذ هي خاصة بهم ورثوها بإيمانهم وصالح أعمالهم بتركهم الشرك والمعاصي .

وقوله تعالى : { جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون } هو وصف وبيان لدار المتقين فأخبر أنها جنات جمع جنة وهي البستان المشتمل على الأشجار والانهار والقصور وما لذ وطاب من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمراكب وقوله تعالى : { لهم فيها ما يشاءون } هذا نهاية لإكرام والإنعام اذ كون العبد يجد كل ما يشتهي ويطلب هو نعيم لا مزيد عليه وقوله تعالى : { كذلك يجزي الله المتقين } أي كهذا الجزاء الحسن العظيم يجزي الله المتقين في الدنيا والاخرة . وقوله تعالى : { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } أي طاهري الأرواح لأرواحهم ريح طيبة ثمرة إيمانهم وصالح أعمالهم ونتيجة بعدهم عما يدنس انفسهم من أوضار الشرك وعفن المعاصي وقوله : { يقولون } أي تقول لهم المكلائكة وهم ملك الموت واعوانه { سلام عليكم } تحييهم وفي ذلك بشارة لهم برضا ربهم وجواره الكريم . { ادخلوا الجنة } بأرواحهم اليوم وبأجسامهم غداً يوم القيامة . وقوله { بما كنتم تعملون } أي بسبب ما كنتم تعملونه من الطاعات والمسابقة في الخيرات بعد عمل قلوبكم بالايمان واليقين والحب في الله والبغض فيه عز وجل والرغبة والتوكل عليه . هذا ما تضمنته الآيات ( 31 ، 32 ) وأما الآيات بعد ذلك فيقول الله مستبطئاً ايمان قريش وتوبتهم بعد تلك الحجج والبراهين والدلائل والبينات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى وجوب التوحيد وبطلان الشرك وعلى الايمان باليوم الآخر .

{ هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة } أي ما ينظرون بعد هذا الا ان تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم { أو يأتي أمر ربك } بإبادتهم واستئصالهم ، إذ لم يبق ما ينتظرونه الا أحد هذين الأمرين وكلاهما مر وشر لهم . وقوله تعالى : { كذلك فعل الذين من قبلهم } من كفار الأمم السابقة فحلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فأهلكهم . ( وما ظلمهم الله ) تعالى في ذلك أبداً { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بإصرارهم على الشرك والعناد والمجاحدة والمكابرة { فأصابهم سيئات } أي جزاء سيئات { ما عملوا } من الكفر والظلم { وحاق بهم } أي نزل بهم وأحاط بهم { ما كانوا يستهزئون } إذ كانت رسلهم إذا خوفتهم من عذاب الله وسخروا منهم واستهزأوا بالعذاب واستخفوا به حتى نزل بهم والعياذ بالله تعالى .


من هداية الآيات :

1- سوء عاقبة المكر وأنه يحيق بأهله لا محالة والمراد به المكر السيء .

2- بيان خزي الله تعالى يوم القيامة لأهل الشرك به والمعاصي له ولرسوله .

3- فضل أهل العلم إذ يتخذ منهم شهداء يوم القيامة ويشتمون بأهل النار .

4- بيان استسلام الظلمة عند الموت وانهزامهم وكذبهم .

5- تقرير معتقد البعث والحياة الاخرة بأروع أسلوب وأحكمه وأمنته .

6- إطلاق لفظ خير على القرآن وهو حق خير فالذي أوتي القرآن أوتي الخير كله ، فلا ينبغي ان يرى احداً من أهل الدنيا خيراً منه والا سخط نعمة الله تعالى عليه .

7- سعادة الدارين لأهل الإحسان وهم أهل الإيمان والإسلام والإحسان في إيمانهم بالاخلاص وفي إسلامهم بموافقة الشرع ومراقبة الله تعالى في ذلك .

8- بشرى أهل الإيمان والتقوى عند الموت ، وعن القيام من القبور بالنعيم المقيم في جوار رب العالمين .

9- إعمال القلوب والجوارح سبب في دخول الجنة وليست ثمناً لها لغلائها ، وإنما الأعمال تزكي النفس وتطهر الروح وبذلك يتأهل العبد لدخول الجنة .

10- ما ينتظر المجرمون بإصرارهم على الظلم والشر والفساد الا العذاب ، عاجلاً أو آجلاً فهو نازل بهم حتماً مقضياً إن لم يبادروا الى التوبة الصادقة .

يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة النحل (16) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 1:27 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

تفسير سورة النحل (16) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النحل (16)   تفسير سورة النحل (16) Emptyالإثنين 15 ديسمبر 2014, 8:12 am

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) 


شرح الكلمات

{ وقال الذين اشركوا } : هم كفار قريش ومشركوها .

{ ولا حرمنا من دونه من شيء } : كالسوائب والبحائر والوصائل والحمامات .

{ فها على الرسل الا البلاغ } : أي ما على الرسل الا البلاغ فالاستفهام للنفي .

{ واجتنبوا الطاغوت } : أي عبادة الأصنام والاوثان .

{ حقت عليه الضلالة } : أي وجبت في علم الله أزلاً .

{ جهد ايمانهم } : أي غايتها حيث بذلوا جهدهم فيها مبالغة منهم .

{ بلى وعداً عليه حقاً } : أي بلى يبعث من يموت وقد وعد به وعداً وأحقه حقاً . فهو كائن لا محالة .

{ يختلفون فيه } : أي بين المؤمنين من التوحيد والشرك .

{ انهم كانوا كاذبين } : أي في قولهم « لا نُبعث بعد الموت » .


معنى الآيات :

ما زال السياق في الحجاج مع مشركي قريش فيقول تعالى مخبراً عنهم { وقال الذين أشركوا } أي مع الله آلهة اخرى وهي أصنامهم كهبل واللات والعزى وقالوا لو شاء الله عدم إشراكنا به ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ، ولا حرمنا من دون تحريمه شيئاً فهل قالوا هذا إيماناً بمشيئة الله تعالى ، أو قالوه استهزاء وسخرية دفاعاً عن شركهم وشرعهم الباطل في التحريم والتحليل بالهوى ، والأمران محتملان . والرد عليهم بأمرين أولهما ما دام الله قد نهاهم عن الشرك والتشريع فإن ذلك أكبر دليل على تحريمه تعالى لشركهم وحرماتهم من السوائب أن من سبقهم من الأمم والشعوب الكافرة قالوا قولتهم هذه محتجين به على باطلهم فلم يلبثوا حتى أخذهم الله ، فدل ذلك قطعاً على عدم رضاه بشركهم وشرعهم اذ قال تعالى في سورة الانعام رداً على هذه الشبهة كذلك قال الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا أي عذاب انتقاماً منهم لما كذبوا رسلنا وافتروا علينا . وقوله تعالى : { كذلك فعل الذين من قبلهم } من الأمم السابقة قالوا هؤلاء لرسلهم وفعلوا فعلهم حتى أخذهم الله بالعذاب . وقوله { فهل على الرسل الا البلاغ المبين } أي ليس على الرسول إكراه المشركين على ترك الشرك ولا إلزامهم بالشرع وانما عليه أن يبلغهم أمر الله تعالى ونهيه لا غير . فلذا كان في الجملة تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله في هذا السياق ( 35 ) وقوله في الآية الثانية ( 36 ) { ولقد يعثنا في كل امة رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } فأخبر تعالى بأنه ما أخلى أمة من الأمم من إرسال رسول إليها لهدايتها وبيان سبيل نجاتها وتحذيرها من طرق غوايتها وهلاكها . كما أخبر عن وحدة الدعوة بين الرسل وهي لا إله الا الله المفسرة بعبادة الله تعالى وحده ، واجتناب الطاغوت وهو كل ما عبد من دون الله مما دعا الشيطان الى عبادته بالتزيين والتحسين عن طريق الوسواس من جهة ومن طريق اوليائه من الناس من جهة أخرى .

وقوله تعالى : { فمنهم } أي من الأمم المرسل إليهم { من هدى الله } فعرف الحق واعتقده وعمل به فنجا وسعد ، { ومنهم من حقت عليه الضلالة } أزلاً في كتاب المقادير لأنه أصر على الضلال وجادل عنه وحارب من أجله باختياره وحريته فحرمه الله لذلك التوفيق فضلَّ ضلالاً لا أمل في هدايته .

وقوله تعالى : { فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } أمر لكفار قريش المجادلين بالباطل المحتجين على شركهم وشرعهم الباطل أمر لهم أن يسيروا في الأرض جنوباً أو شمالاً فلينظروا كيف كانت عاقبة المكذبين أمثالهم من أمة عاد في الجنوب وثمود في الشمال ، ومدين ولوط وفوعون في الغرب . وقوله تعالى في تسلية رسوله والتخفيف من الهم عنه : { إن تحرص } يا رسولنا { على هداهم } أي هدايتهم الى الحق { فإن الله لا يهدي من يضل } فخفف على نفسك وهون عليها فلا تأسف ولا تحزن وادع الى ربك في غير حرص يضر بك وقوله { لا يهدي من يضل } أي لا يقدر احد أن يهدي من أضله الله ، لأن اضلال الله تعالى يكون على سنن خاصة لا تقبل التبديل ولا التغيير لقوة سلطانه وسعة عمله . وقوله { وما لهم من ناصرين } أي وليس لأولئك الضرل الذين أضلهم الله حسب سنته من ناصرين ينصرونهم على ما سينزل بهم من العذاب وما سيحل بهم من خسران وحرمان ، وقوله تعالى في الآية ( 38 ) { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } اخبار عن قول المشركين والمكذبين باليوم الآخر أصحاب القلوب المنكرة ، ومعنى { أقسموا بالله جهد أيمانهم } أي حلفوا أشد الأيمان اذ كانوا في الامور التافهة يحلفون بآلهتهم وآبائهم . وإذا كان الأمر ذا خطر وشأن أقسموا بالله وبالغوا في الاقسام حتى يبلغوا جهد أيمانهم والمحلوف عليه هو أنهم إذا ماتوا لا يبعثون أحياء فيحاسبون ويجزون فرد الله تعالى عليهم بقوله { بلى } أي تبعثون وعد الله حقاً فلا بد ناجز { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } فلذا ينفون البعث وينكرونه لجهلهم بأسرار الكون والحياة وعلل الوجود والعمل فيه فلذا أشار الله تعالى الى بعض تلك العلل في قوله : { ليبين لهم الذي يختلفون فيه } فلولا البعث الآخر ما عرف المحق من المحق من المبطل في هذه الحياة والخلاف سائد ودائم بين الناس . هذا أولاً . وثانياً : { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } في اعتقاداتهم وأعمالهم ونفيهم الحياة الثانية للجزاء على العمل في دار العمل هذه أما استعادهم البعث بعد الموت نظراً الى وسائلهم ووسائطهم الخاصة بهم فقد اخبرهم تعالى بان الامر ليس كما تقدرون انتم وتفكرون : إنه مجرد ما تتعلق إرادتنا بشيء نريد أن يكون ، نقول له كن فيكون فوراً ، والبعث الآخر من ذلك ، هذا ما دل عليه قوله في الآية ( 40 ) { إنما قولنا لشيء إذا اردناه أن نقول له كن فيكون } ولا يقولن قائل كيف يخاطب غير الموجود فيأمره ليوجد فإن الله تعالى إذا اراد شيئاً علمه أولاً ثم قال له كن فهو يكون .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- الرد على شبهة المشركين في احتجاجهم بالمشيئة الإلهية .

2- تفسير لا اله الا الله .

3- التحذير من تعمد الضلال وطلبه والحرص فإن من طلب واضله الله لا ترجى هدايته .

4- بيان بعض الحكم في البعث الآخر .

5- لا يستعظم على الله خلق شيء وإيجاده ، لانه يوجد بكلمة التكوين فقط .


وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)


شرح الكلمات :

والذين هاجروا في الله : أي خرجوا من مكة في سبيل الله ونصرة لدينه وإقامته بين الناس .

{ لنبوئنهم في الدنيا حسنة } : أي لننزلهم داراً حسنة هي المدينة النبوية هذا بالنسبة لمن نزلت فيهم الآية .

{ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } : أي على أذى المشركين وهاجروا متوكلين على ربهم في دار هجرتهم .

{ فاسألوا أهل الذكر } : أي ايها الشاكون فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فاسألوا أهل التوارة والإنجيل لإزالة شككم ووقوفكم على الحقيقة وأن ما جاء به محمد حق وأن الرسل قبله كلهم كانوا بشراً مثله .

{ بالبينات والزبر } : أي ارسلناهم بشراً بالبينات والزبر لهداية الناس . { وانزلنا إليك الذكر } : أي القرآن . { لتبين للناس ما نزل إليهم } : علة لإنزال الذكر إذ وظيفة الرسل ، البيان .


معنى الايات :

أنه بعد اشتداد الأذى على المؤمنين لعناد المشركين وظغيانهم ، أذن الله تعالى على لسان رسوله للمؤمنين بالهجرة من مكة الى الحبشة ثم الى المدنية فهاجر رجال ونساء فذكر تعالى ثناء عليهم وتشجيعاً على الهجرة من دار الكفر فقال عز وجل { والذين هاجروا في الله } أي في ذات الله ومن أجل عبادة الله ونصرة دينه { من بعد ما ظلموا } أي من قبل المشركين { لنبوئنهم } أي لننزلهم ولنسكننهم { في الدنيا حسنة } وهي المدينة النبوية ولنرزقنهم فيها رزقاً حسناً هذا بالنسبة لمن نزلت فيهم الآية ، والا فكل من هاجر في الله ينجز له الرب هذا الوعد كما قال تعالى : { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغماً كثيراً واسعة } أي في العيش والرزق { ولأجر الآخرة } المعد لمن هاجر في سبيل الله { اكبر لو كانوا يعلمون } . هذا ترغيب في الهجرة وتشجيع للمتباطئين على الهجرة وقوله : { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } بيان لحالهم وثناء عليهم بخير لأنهم صبروا أولاً على الأذى في مكة لما أذن لهم بالهجرة وهاجروا متوكلين على الله تعالى مفوضين امورهم اليه ، واثقين في وعده . هذا ما دلت عليه الآيتان ( 41 ) ، ( 42 ) . وأما الآية الثالثة ( 43 ) والرابعة من هذا السياق فهما تقرير حقيقة علمية بعد إبطال شبهة المشركين القائلين كيف يرسل الله محمداً رسولاً وهو بشر مثلنا لم يرسل ملكاً . . وهو ما أخبر الله تعالى في قوله { وما أرسلنا من قبلك } اي من الرسل { إلا رجالاً } لا ملائكة { نوحي إليهم } بأمرنا وهو الكتاب الأول أي أسالوا علماء أهل الكتاب اليهود والنصارى هل كان الله تعالى يرسل الرسل من غير البشر { إن كنتم لا تعمون } فإنهم يخبرونكم . وما موسى ولا عيسى الا بشر ، وقوله : { بالبينات والزبر } أي أرسلنا أولئك الرسل من البشر بالبينات أي الحجج والدلائل الدالة على وجوب عبادتنا وترك عبادة من سوانا . والزبر أي الكتب . ثم يقول تعالى لرسوله : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } وفي هذا تقرير لنبوته وقوله : { ولعلهم يتفكرون } فيعرفون صدق ما جئتهم به فيؤمنوا . ويتوبوا الى ربهم فينجوا ويسعدوا . هداية الآيات


من هداية الآيات :

1- فضل الهجرة ووجوبها عند اضطهاد المؤمن وعدم تمكنه من عبادة الله تعالى .

2- وجوب سؤال أهل العلم على كل من لا يعلم أمور دينه من عقيدة وعبادة وحكم .

3- السنة لا غنى عنها لأنها المبينة لمجمل القرآن والموضحة لمعانيه .


أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) 


شرح الكلمات :

{ مكروا السيئات } : أي مكروا المكرات السيئات فالسيئات وصف للمكرات التي مكروها .

{ في تقلبهم } : أي في البلاد مسافرين للتجارة وغيرها .

{ على تخوف } : أي تنقص .

{ يتفيئوا ظلاله } : أي تتميل من جهة الى جهة .

{ سجداً لله } : أي خضعاً لله كلما أراد منهم .

{ داخرون } : أي صاغرون ذليلون .

{ من فوقهم } : من أعلى منهم إذ هو تعالى فوق كل شيء ذاتاً وسلطاناً وقهراً .

{ ما يؤمرون } : أي ما يأمرهم ربهم تعالى به .


معنى الآيات :

ما زال السياق في تخويف المشركين وتذكيرهم لعلهم يرجعون بالتوبة من الشرك والجحود للنبوة والبعث والجزاء . قال تعالى : { أفأمن الذين مكروا } المكرات { السيئات } من محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم والشرك والتكذيب بالنبوة والبعث وظلم المؤمنين وتعذيب بعضهم ، أفامنوا { أن يخسف الله بهم الأرض } من تحتهم فيقرون في اعماقها ، { أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون } ولا يتوقعون من ريح عاصف تعصف بهم أو وباء يشملهم أو قحط يذهب بمالهم . وقوله تعالى : { أو يأخذهم في تقلبهم } أي في تجارتهم وأسفارهم ذاهبين آيبين من بلد الى بلد . { فما هم بمعجزين } له تعالى لو أراد أخذهم وإهلاكهم . وقوله تعالى : { او يأخذهم على تخوف } أي تنقص بان يهلكهم واحداً أو جماعة بعد جماعة حتى لا يبقى منهم أحداً ، وقد أخذ منهم ببدر من اخذ وفي أحد . وقوله تعالى : { فإن ربكم لرؤوف رحيم } تذكير لهم برأفته ورحمته اذ لولاهما لأنزل بهم نقمته وأذاقهم عذابه بدون إنظار لتوبة أو إمهال لرجوع الى الحق . وقوله تعالى : { أو لم يروا الى ما خلق الله من شيء } من شجر وجبل وإنسان وحيوان { يتفيئوا ظلاله } بالصباح والمساء { عن اليمين والشمائل } « جمع شمال » { سجداً لله } خضعاً بظلالهم { وهم داخرون } اي صاغرون ذليلون . أما يكفيهم ذلك دلالةً على خضوعهم لله وذلتهم بين يديه ، فيؤمنوا به ويعبدونه ويوحدونه فينجوا من عذابه ويفوزوا برحمته . وقوله تعالى : { ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة } أي ولله لا لغيره يسجد بمعنى يخضع وينقاد لما يريده الله تعالى من إحياء او إماتة أو صحة او مرض أو خير أو غيره من دأبة من كل يدب من كائن على هذه الأرض { والملائكة } على شرفهم يسجدون { وهم لا يستكبرون } عن عبادة ربهم { ويخافون ربهم منم فوقهم } إذ هو العلي الأعلى وكل الخلق تحته . { ويفعلون ما يؤمرون } فلا يعصون ربهم ما أمرهم . إذا كان هذا حال الملائكة فما بال هؤلاء المشركين يلجون في الفساد والاستكبار والجحود والمكابرة وهم أحقر سائر المخلوقات ، وشر البريات إن بقوا على كفرهم وشركهم .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- حرمة الأمن من مكر الله .

2- كل شيء ساجد لله ، اي خاضع لما يريده منهم ، الا ان السجود الطوعي الاختياري هو الذي يثاب عليه العبد ، أما الطاعة اللا إرادية فلا ثواب فيها ولا عقاب .

3- فضل السجود الطوعي الاختياري .

4- مشروعية السجود عند هذه الآية : إذا قرأ القارئ أو المستمع : { يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } ، عليه أن يسجد ان كان متطهراً الى القبلة أن امكن ويسبح في السجود ويكبر في الخفض والرفع ولا يسلم ، ولا يسجد عند طلوع الشمس ولا عند غروبها .


وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) 


شرح الكلمات :

{ لا تتخذوا إلهين } : أي تعبدونهما إذ ليس لكم الا اله واحد .

{ وله ما في السموات والأرض } : أي خلقنا وملكاً ، إذا فما تعبدونه مع الله هو لله ولم يأذن بعبادته .

{ فإليه تجأرون } : أي ترفعون أصواتكم بدعائه طالبين الشفاء منه .

{ فتمتعوا فسوف تعلمون } : تهديد على كفرهم وشركهم ونسائهم دعاء الله تعالى .

{ ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً } : أي يجعلون لآلهتهم نصيباً من الحرث والأنعام .

{ عما كنتم تفترون } : أي تختلفون بالكذب وتفترون على الله عز وجل .


معنى الآيات :

بعد إقامة الحجج على التوحيد وبطلان الشرك اخبرهم ان الله ربهم رب كل شيء قد قال لهم : أيها الناس { لا تتخذوا إلهين اثنين } فلفظ اثنين توكيد للفظ إلهين اي لا تعبدوا إلهين بل اعبدوا غلهاً واحداً وهو الله إذ ليس من اله الا هو فكيف تتخذون الهين والحال انه { إله واحد } لا غير وهو الله الخالق الرازق المالك ، ومن عداه من مخلوقاته كيف تُسوى به وتعبد معه ؟ وقوله تعالى : { فإياي فارهبون } أي ارهبوني وحدي ولا ترهبوا سواي إن بيدي كل شيء ، وليس لغيري شيء فأنا المحيي المميت ، الضار النافع ، يوبخهم على رهبتهم غيره سبحانه وتعالى من لا يستحق ان يرهب لعجزه وعدم قدرته على ان ينفع أو يضر . وقوله تعالى : { وله ما في السموات والأرض } برهان على بطلان رهبة غيره أو الرغبة في سواه ما دام له ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً . وقوله { وله الدين واصباً } أي العبادة والطاعة دائماً وثابتاً واجياً ، الا لله الدين الخالص . وقوله تعالى : { أفغير الله تتقون } يوبخهم على خوف سواه وهو الذي يجب ان يرهب ويخاف لانه الملك الحق القادر على إعطاء النعم وسبلها ، فكيف يتقى من لا يملك ضراً ولا نفعاً ويعصى من بيده كل شيء وإليه مرد كل شيء ، وما شاءه كام وما لم يشأه لم يكن . وقوله { وما بكم من نعمةٍ فمن الله } يخبرهم تعالى بالواقع الذي يتنكرون له فيخبرهم أنه ما بهم من نعمة جلت أو صغرت من صحةٍ أو مالٍ أو ولد فهي من الله تعالى خالقهم وهو أنهم إذا مسهم الضر من فقرٍ أو مرض أو تغير حال كخوف غرقٍ في البحر فإنهم يرفعون أصواتهم الى أعلاها مستغيثين بالله سائلينه أن يكشف ضرهم أو ينجيهم من هلكتهم المتوقعة لهم فقال عزوجل : { ثم إذا مسكم الضر فإليه } دون غيره { تجأرون } رفع أصواتكم بالدعاء والإستغاثة به سبحانه وتعالى وقوله : { ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق } كبير { منكم بربهم يشركون } فيعبدون غيره بأنواع العبادات متناسين الله الذي كشف ضرهم وأنجاهم من هلكتهم .

وقوله : { ليكفروا بما آتيناهم ) أي ليؤول أمرهم الى كفران ونسيان ما آتاهم الله من نعمٍ وما أنجاهم من محن .

أفهكذا يكون الجزاء ؟ أينعم بكل أنواع النعم وينجى من كل كرب ثم ينسى له ذلك كله ، ويعبد غيره ؟ بل ويحارب دينه ورسوله ؟ إذا { فتمتعوا } أيها الكافرون { فسوف تعلمون } عاقبة كفركم وإعراضكم عن طاعة الله وذكره وشكره . وقوله تعالى : { ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم } وهذا ذكر لعيب آخر من عيوبهم وباطلٍ من باطلهم أنهم يجعلون لأوثانهم التي لا يعلمون عنها شيئاً من نفعٍ أو ضر أو إعطاء أو منع أو إماتة أو أحياء يجعلونها لها طاعة للشيطان نصيباً وحظاً من أموالهم يتقربون به إليها فسيبوا لها السوائب ، وبحروا لها البحائر من الأنعام ، وجعلوا لها من الحرث والغرس كذلك كما جاء ذلك في سورة الأنعام والمائدة قبلها : وقوله تعالى : { تالله لتسئلن عما كنتم تفترون } أقسم الجبار لهم تهديداً لهم وتوعداً أنهم سيسألون يوم القيامة عما كانوا يفترون أي من هذا التشريع الباطل حيث يحرمون ويحللون ويعطون آلهتهم ما شاءوا وسوف يوبخهم عليه ويجزيهم به جهنم وبئس المهاد .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- تقرير التوحيد بعبادة الله تعالى وحده .

2- وجوب الرهبة من الله دون سواه .

3- وجوب الدين لله إذ هو الإله الحق دون غيره .

4- كل نعمة بالعبد صغرت أو كبرت فهي من الله سبحانه وتعالى .

5- تهديد المشركين إن أصروا على شكرهم وعدم توبتهم .

6- التنديد بالمشركين وتشريعهم الباطل بالتحليل والتحريم والاعطاء والمنع .


وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)


شرح الكلمات :

{ ويجعلون لله البنات } : إذ قالوا الملائكة بنات الله .

{ ولهم ما يشتهون } : أي الذكور من الأولاد .

{ ظل وجهه مسوداً } : أي متغيراً بالسواد لما عليه من كرب .

{ وهو كظيم } : أي ممتلئ بالغم .

{ أم يدسه في التراب } : أي يدفن تلك المولودة حية وهو الوأُد { مثل السوء } : أي الصفقة القبيحة .

{ والمه المثل الأعلى } : أي الصفة العليا وهي لا إله الا اله .

{ تن لهم الحسنى } : أي الجنة إذ قال بعضهم ولئن رجعت الى ربي ان لي عنده للحسنى .

{ وأنهم مفرطون } : أي مقدمون الى جهنم متروكون فيها .


معنى الآيات :

ما زال السياق في بيان أخطاء المشركين في اعتقادهم وسلوكهم فقال تعالى : { ويجعلون لله البنات - سبحانه - ولهم ما يشتهون } وهذا من سوء أقوالهم وأقبح اعتقادهم حيث ينسبون الى الله تعالى البنات ، إذ قالوا الملائكة بنات الله في الوقت الذي يكرهون نسبة البنات إليهم ، حتى اذا بشر أحدهم بأنثى بأن اخبر بانه ولدت له بنت ظل نهاره كاملاً في غم وكرب { وجهه مسوداً وهو كظيم } ممتلئ بالغم والهم . { يتوارى } أي يستتر ويختفي عن أعين الناس خوفاً من المعرة ، وذلك { من سوء ما بشر به } وهو البنت وهو في ذلك بين أمرين إزاء هذا المبشر به : إما أن يمسكه . أن يبقيه في بيته بين أولاده { على هون } أي مذلة وهوان ، وإما أن { يدسه في التراب } أي يدفنه حياً وهو الوأد المعروف عندهم . قال تعالى مندداً بهذا الإجرام : { ألا ساء ما يحكمون } في حكمهم هذا من جهة نسبة البنات لله وتبرئهم منها ، ومن جهة وأد البنات أو إذلالهن ، قبح حكمهم الجاهلي هذا من حكم . هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 57 ) وهي قوله : { ويجعلون لله البنات } حيث قالوا الملائكة بنات الله { سبحانه } أي نزه تعالى نفسه عن الولد والصحابة فلا ينبغي أن يكون له ولد ذكراً كان أم أنثى لأنه كل شيء ومليكه فما الحاجة الى الولد إذا ؟ والآية الثانية ( 58 ) وهي قوله تعالى : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً } أي أقام النهار كله مسود الوجه من الغم { وهو كظيم } أي ممتلئ بالغم والهم ، { يتوارى من القوم من سوء ما بشر به } أي البنت { أيمسكه على هون أم يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون } وقوله تعالى : { الذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء } يخبر تعالى ان الذين لا يؤمنون بالآخرة وهو منكروا البعث الاخر لهم المثل السوء اي الصفة السوء وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم لأنهم لا يعلمون خيراً ولا يتركون شراً ، لعدم إيمانهم بالحساب والجزاء فهؤلاء لهم الصفة السوأى في كل شيء . { ولله المثل الأعلى } أي الصفة الحسنى وهو أنه لا إله الا الله منزه عن النقائص رب كل شيء ومالكه ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، لا شريك له ولا ند له ولا ولد وقوله : { وهو العزيز الحكيم } ثناء على نفسه بأعظم وصف العزة والقهر والغلبة لكل شيء والحكمة العليا في تدبيره وتصريفه شؤون عباده ، وحكمه وقضائه لا اله الا هو رب سواه .

وقوله تعالى في الآية ( 61 ) { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها } أي على الأرض ( من دابة ) أي نسمة تدب على الأرض من إنسان أو حيوان فهذه علة عدم مؤاخذة الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم يفسدون ويجرمون وهذا الإهمال تابع لحكم عالية أشار الى ذلك بقوله : { ولكن يؤخرهم الى أجل مسمى } اي وقت معين محدد قد يكون نهاية عمر كل أحد ، وقد يكون نهاية الحياة كلها فإذا جاء ذلك الأجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه أخرى ثم يجزيهم بأعمالهم السيئة بمثلها وما هو عز وجل بظلام للعبيد .

وآخر آية في هذا السياق ( 62 ) تضمنت التنديد بسوء الحال الذين لا يؤمنون بالآخرة وذلك أنهم لجهلهم بالله وقبح تصورهم لظلمه نفسوهم أنهم يجعلون لله تعالى ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء وسب الرسول وازدرائه ، ومع هذا يتبجحون بالكذب بان لهم الحسنى أي الجنة يوم القيامة . فرد تعالى على هذا الأفتراء والهراء السخيف بقوله : ( لا جرم ) أي حقاً وصدقاً ولا محالة { أن لهم النار } بدل الجنة { وأنهم مفرطون } إليها مقدرون متروكون فيها أبداً . هذا ما تضمنته الآية في قوله تعالى : { ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وأنهم مفرطون } وإن قرئ مفرطون باسم الفاعل فهم حقاً مفرطون في الشر والفساد والكفر والضلال والانحطاط الى ابعد حد .


هداية الآيات :

 من هداية الآيات :

1- بيان الحال الإجتماعية التي كان عليها المشركون وهي كراهيتهم للبنات خوف العار .

2- بيان جهلهم بالرب تعالى فهم يؤمنون به ويجهلون صفاته حتى نسبوا اليه الولد والشريك .

3- بيان العلة في ترك الظلمة يتمادون زمناً في الظلم والشر والفساد .

4- بيان سوء اعتقاد الذين لا يؤمنون بالآخرة وهو أنهم ينسبون الى نفوسهم الحسنى ويجعلون لله ما يكرهون من البنات والشركاء وسب الرسل وامتهانهم .

يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة النحل (16) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 1:29 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

تفسير سورة النحل (16) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النحل (16)   تفسير سورة النحل (16) Emptyالإثنين 15 ديسمبر 2014, 8:18 am

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) 


شرح الكلمات :

{ تالله } : أي والله .

{ أرسلنا الى أمم من قبلك } : أي رسلاً .

{ فزين لهم الشيطان أعمالهم } : فكذبوا لذلك الرسل .

{ فهو وليهم اليوم } : أي الشيطان هو وليهم اي في الدنيا .

{ إن في ذلك لآية } : أي دلالة واضحة على صحة عقيدة البعث الآخر .

{ لآية لقوم يسمعون } : أي سماع تدبر وتفهم .

{ لعبرة } : أي دلالة قوية يعبر بها من الجهل الى العلم لان العبرة من العبور .

{ من بين فرثٍ } : أي ثفل الكِرْش ، أي الروث الموجود في الكرش .

{ لبناً خالصاً } : أي ليس فيه شيء من الفرث ولا الدم ، لا لونه ولا رائحته ولا طعمه .


معنى الآيات :

يقسم الله تعالى بنفسه لرسوله فيقول بالله يا رسولنا { لقد أرسلنا } رسلاً { الى أمم من قبلك } كانوا مشركين كافرين كأمتك { فزين لهم الشيطان اعمالهم } فقاموا رسلنا وحاربوهم واصروا على الشرك والكفر فتولاهم الشيطان ، لذلك ( فهو وليهم اليوم ) أي في الدنيا { ولهم } في الآخرة { عذاب أليم } ، والسياق الكريم في تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا قال تعالى في الآية الثانية : { وما أنزلنا عليك الكتاب } أي لإرهاقك وتعذيبك ولكن لأجل أن تبين للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد والشرك والهدى والضلال . كما أنزلنا الكتاب هدى يهتدى به المؤمنون الى سبل سعادتهم ونجاحهم ، ورحمة تحصل لهم بالعمل به عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وحكماً ، فيعيشون متراحمين تسودهم الأخوة والمحبة وتغشاهم الرحمة والسلام .

بعد هذه التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاد السياق الى الدعوة الى التوحيد وعقيدة البعث والجزاء بعد تقرير النبوة المحمدية بقوله تعالى : { تالله لقد أرسلنا } الآية فقال تعالى : { والله انزل من السماء ماء فأحيا بها الارض بعد موتها } الماء هو ماء المطر وحياة الارض بالنبات انزل بعدما كانت ميتة لا نبات فيها وقوله { إن في ذلك } المذكور من إنزال الماء من السماء واحياء الارض بعد موتها { لآية } واضحة الدلالة قاطعة على وجوده تعالى وقدرته وعمله ورحمته كما هو آية على البعث بعد الموت من باب أولى . وقوله تعالى : { وإن لكم في الأنعام لعبرة } أي حالاً تعبرون بها من الجهل الى العلم . . . من الجهل بقدرة الله ورحمته ووجوب عبادته بذكره وشكره الى العلم بذلك والمعرفة به فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا . . وبين وجه العبرة العظمية فقال : { نسقيكم مما في بطونه } أي بطون المذكور من الأنعام { من بين فرث ودم ةولبناً خالصاً سائغاً للشاربين } فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها . . اللبن يقع بين الفرث والدم ، فينتقل الدم الى الكبد فتوزعه على العروق لبقاء حياة الحيوان ، واللبن يساق الى الضرع ، والفرث يبقى أسفل الكرش ، ويخرج اللبن خالصاً من شائبة الدم وشائبة الفرث فلا يرى ذلك في لون اللبن ولا يشم في رائحته ولا يوجد في طعامه بدليل انه سائع للشاربين ، فلا يغص به شارب ولا يشرق به ، حقاً انها عبرة من اجل العبر تنقل صاحبها الى نور العلم والمعرفة بالله في جلاله وكماله ، فتورثه محبة الله وتدفعه الى طاعته والتقرب إليه .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- بيان ان الله يقسم بنفسه وبما شاء من خلقه .

2- بيان ان الله ارسل رسلاً الى أمم سبقت وان الشيطان زين لها اعمالها فخذلها .

3- تقرير النبوة وتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم من جراء ما يلقاه من المشركين .

4- بيان مهمة رسول الله وأنها بيان ما انزل الله تعالى لعباد وحيه في كتابه .

5- بيان كون القرآن الكريم هدىً ورحمة للمؤمنين الذين يعملون به .

6- دليل البعث والحياة الثانية احياء الأرض بعد موتها فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأموات بعد فنائهم وبلاهم .


وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) 


شرح الكلمات

ومن ثمرات النخيل والأعناب: أي ومن بعض ثمرات النخيل والأعناب ثمر تخذون منه سكراً أي خمراً ورزقاً حسناً أي والتمر والزبيب والخل والدبس الحسن .

{ وأوحى ربك الى النحل } : أي إلهمها أن تفعل ما تفعله بإلهام منه تعالى .

{ ومما يعرشون } : اي يبنون لها .

{ سبل ربك ذللاً } : أي طرق ربك مذللة فلا يعسر عليك السير فيها ولا تضلين عنها .

{ شراب } : أي عسل .

{ فيه شفاء للناس } : أي من الامراض ان شرب بنية الشفاء ، أو بضميمته الى عقار آخر .

{ الى ارذل العمر : أي أخسه من الهرم والخوف ، والخوف فساد العقل .


معنى الآيات : 

ما زال السياق في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لعبادته وحده والمقررة لعقيدة النبوة والبعث الآخر . قال تعالى في معرض بيان ذلك بأسلوب الامتنان المقتضي للشكر { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً } ورزقاً حسناً أي ومن بعض ثمرات النخيل والاعناب ثمر تتخذون منه سكراً اي شراباً مسكراً . وهذا كان قبل تحريم الخمر { ورزقاً حسناً } وهو الزبيب والخل من العنب والتمر والدبس العسل من النخل وقوله { ان في ذلك لآية لقوم يعقلون } أي أن فيما ذكرنا لكم لآية اي دلالة واضحة على قدرتنا وعلمنا ورحمتنا لقوم يعقلون الأمور ويدركون نتائج المقدمات ، فذو القدرة والعلم والرحمة هو الذي يستحق التأليه والعبادة . . وقوله : { وأوحى ربك الى النحل ان اتخذى من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون } هذا مظهر آخر عظيم من مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته يتجلى بإعلامه حشرة النحل كيف تلد العسل وتقدمه للانسان فيه دواء من كل داء ، فقوله { وأوحى ربك } أيها الرسول { الى النحل } بأن ألهمها { أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر } أيضاً بيوتاً ، { ومما يعرشون } أي ومما يعرش الناس لك أي يبنون لك ، اتخذي من ذلك بيوتاً لك إذ النحلة تتخذ لها بيتاً داخل العريش الذي يعرش لها تبنيه بما تفرزه من الشمع وقوله تعالى : { ثم كلي من كل الثمرات } اي ألهمها ان تاكل من كل ما تحصل عليه من الثمرات من الأشجار والنباتات اي من ازهارها ونوارها وقوله لها { فاسلكي سبل ربك ذللاً } بإلهام منه تسلك ما سخر لها وذلك من الطرق فتنتقل من مكان الى آخر تطلب غذاءها ثم تعود الى بيوتها لا تعجز ولا تضل وذلك بتذليل الله تعالى وتسخيره لها تلك الطرق فلا تجد فيها وعورة ولا تنساها فتخطئها . وقوله تعالى { يخرج من بطونها } اي بطون النحل { شراب } أي عسل يشرب { مختلف ألوانه } ما بين أبيض وأسود ، او ابيض مشرب بحمرة أو يضرب الى صفرة . وقوله تعالى : { فيه شفاء للناس } أي من الادواء ، هذا التذكير في قوله شفاء دال على بعض دون بعض جائز هذا حتى يضم اليه بعض الأدوية او العقاقير الأخرى ، أما مع النية أي أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن فإنه شفاء لكل داء وبدون ضميمة اي شيء اخر له .

وفي حديث الصحيح وخلاصته ان رجلاً شكا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم استطلاق بطن اخيه اي مشي بطنه عليه فقال له اسقه عسل ، فسقاه فعاد فقال ما اراه زاده الا استطلاقاً فعاد فقال مثل ما قال اولاً ثلاث مرات وفي الرابعة او الثالثة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن اخيك اسقه العسل فسقاه فقام كأنما نشط من عقال . وقوله تعالى { إن في ذلك } أي المكذور من إلهام الله تعالى للنحل وتعليمها كيف تصنع العسل ليخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس لدلالة واضحة على علم الله وقدرته ورحمته وحكمته المقتضية عبادته وحده وتأليهه دون سواه ولكن لقوم يتفكرون في الأشياء وتكوينها وأسبابها ونتائجها فيهتدون الى المطلوب منهم وهو أن يذكروا فيتعظوا فيتوبوا الى خالقهم ويسلموا له بعبادته وحده دون سواه وقوله تعالى في الآية الأخرى ( 70 ) { والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد الى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً } هذه آية أخرى أجل وأعظم في الدلالة على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته ، وهي موجبة لعبادته وحده وملزمة بالايمان بالبعث الاخر فخلق الله تعالى لنا وحده وهو واحد ونحن لا يحصى لنا عد ، ثم إماتته لنا موتاً حقيقياً يقبض أرواحنا ولا يستطيع احد أن يموت ولا يتوفى أبداً ثم من مظاهر الحكمة ان يتوفانا من أجال مختلفة اقتضها الحكمة لبقاء النوع واستمرار الحياة الى نهايتها . فمن الناس من يموت طفلاً ومنهم من يموت شاباً ، وكلها حسب حكمة الابتلاء والتربية الإلهية ، وآية اخرى ان منا من يرد الى أرذل عمره ، أي أرداه وأخسه فيهرم ويخرف فيفقد ما كان له من قوة بدنٍ وعقل ولا يستطيع أحد أن يخلصه من ذلك الا الله ، مظهر قدرة ورحمة أرأيتم لو شاء الله أن يرد الناس كلهم الى أرذل العمر ولو في قرنٍ أو قرنين من السنين فكيف تصبح حياة الناس يؤمئذٍ ؟ وقوله : { إن الله عليم قدير } تقرير لعلمه وقدرته ، إذ ما نتج وما كان ما ذكره من خلقنا ووفاتنا ورد بعضنا الى ارذل العمر الا بقدرة قادر وعلم عالم وهو الله العليم القدير .



هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- بيان منة الله تعالى على العباد بذكر بعض ارزاقهم لهم وليشكروا الله على نعمه .

2- بيان آيات الله تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته في خلق شراب الإنسان وغذائه ودوائه .

3- فضيلة العقل والتعقل والفكر والتفكر .

4- تقرير عقيدة الإيمانلا باليوم الآخر الدال عليه القدرة والعلم الإلهيين ، إذ من خلق وأمات لا يستنكر منه أن يخلق مرة اخرى ولا يميت .


وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)


شرح الكلمات :

{ فضل بعضكم على بعض في الرزق } : أي فمنكم الغني ومنكم الفقير ، ومنكم المالك ومنكم المملوك .

{ برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم } : أي بجاعلي ما رزقناهم شركة بينهم وبين مماليكهم من العبيد .

{ والله جعل لكم من انفسكم ازواجاً } : إذ حواء خلقت من آدم وسائر النساء من نطف الرجال .

{ وحفدة } : أي خدماً من زوجه وولد وولد ولد وخادم وختن .

{ أفبالباطل يؤمنون } : أي بعبادة الأصنام يؤمنون .

{ رزقاً من السموات والأرض } : أي بإنزال المطر من السماء ، وإنبات النبات من الأرض .


معنى الآيات :

ما زال السياق العظيم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد . فقوله تعالى : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } فمنكم من اغناه ومنكم من افقره ايها الناس ، وقد يكون لأحدكم ايها الأغنياء عبيد مملوكين له ، لم لا يرضى أن يشرك عبيده في أموال حتى يكونوا فيها سواء لا فضل لأحدهما على الآخر ؟ والجواب أنكم تقولون في استنكار عجيب كيف أسوي مملوكي في رزقي فأصبح وإياه سواء ؟ هذا لا يعقل أبداً إذا كيف جوزتم إشراك آلهتكم في عبادة ربكم وهي مملوكة لعه تعالى إذ هو خالقها وخالقكم ومالك جميعكم ؟ فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون ؟ وقوله تعالى : { أفبنعمة الله يجحدون } ؟ حقاً إنهم جحدوا نعمة العقل اولاً فلم يعترفوا بها فلذا لم يفكروا بعقولهم ، ثم جحدوا نعمة الله عليهم في خلقهم ورزقهم فلم يعبدوه بذكره وشكره وعبدوا غيره من أصنام وأوثان لا تملك ولا تضر ولا تنفع . هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 71 ) أما الآية الثانية فيقول تعالى فيها مقرراً إنعامه تعالى على المشركين بعد توبيخهم على إهمال عقولهم في الآية الأولى وكفرهم بنعم ربهم فيقول : { والله } أي وحده { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات } أي جعل لكم من أنفسكم ازواجاً أي بشريات من جنسكم تسكنون إليهن وتتفاهمون معهن وتتعاونون بحكم الجنسية وهي نعمة عظمى ، وجعل لكم من أولئك الأزواج بنين بطريق التناسل والولادة وحفدة أيضاً والمراد من الحفدة كل من يحفد أي يسرع في خدمتك وقضاء حاجتك من زوجتك وولدك وولد ولدك وختنك أي صهرك ، وخامدك إذ الكل يحفدون لك أي يسارعون في خدمتك بتسخير الله تعالى لك ، وثالثاً { ورزقكم من الطيبات } أي حلال الطعام والشراب على اختلافه وتنوع مذاقه وطعمه ولذته . هذا هو الله الذي تدعون الى عبادته وحده فتكفرون فأصبحتم بذلك تؤمنون بالباطل وهي الأصنام . وعبادتها ، وتكفرون بالمنعم ونعمه ولذا استحقوا التوبيخ والتقريع فقال تعالى : { أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون } ؟ إذ عدم عبادتهم للمنعم عز وجل هو عين كفرانهم بنعمة الله تعالى .

وقوله { ويعبدون من دون الله } أي أصناماً لا تملك لهم { رزقاً من السماء } بإنزال المطر ، { والأرض } بإنبات الزروع والثمار شيئاً ولو قل ولا يستطيعون شيئاً من ذلك لعجزهم القائم بهم لأنهم تماثيل منحوتة من حجر أو خشب وفي هذا من التنبيه لهم على خطأهم ما لا يقادر قدره . وقوه تعالى : { فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون } أي ينهاهم تعالى عن ضرب الأمثال لله باتخاذ الأصنام آلهة بإطلاق لفظ إله عليها ، والله لا مثل له ، وباعتقاد أنها شافعة لهم عند الله وانها تقربهم إليه تعالى ، وأنها واسطة بمثابة الوزير للأمير الى غير ذلك ، فنهاهم عن ضرب هذه الأمثال لله تعالى لانه عز وجل يعلم أن لا مثل له ولا مثال ، بل هو الذي لا اله الا هو تعالى عن الشبيه والمثيل والنظير ، وهو لا يعلمون فلذا هم متحيرون متخبطون في ظلمات الشرك وأودية الضلال .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- قطع دابر الشرك في المثل الذي حوته الآية الأولى : { والله فضل بعضكم على بعضٍ في الرزق } .

2- وجوب شكر الله تعالى على نعمه وذلك بذكره وشكره وإخلاص ذلك له .

3- قبح كفر النعم وتجاهل المنعم بترك شكره عليها .

4- التنديد بمن يرضون لله الأمثال وهم لا يعلمون بإتخاذ وسائط له تشبيهاً لله تعالى بعبادة فهم يتوسطون بالأولياء والانبياء بدعائهم والاستغاثة بهم بوصفهم مقربين الى الله تعالى يستجيب لهم ، ولا يستجيب لغيرهم .


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) 


شرح الكلمات :

{ ضرب الله مثلاً } : أي هو عبداً مملوكاً الخ . .

{ عبداً مملوكاً } : أي ليس بحرٍ بل هو عبد مملوك لغيره .

{ هل يستوون } : أي العبيد العجزة والحر المتصرف ، والجواب : لا يستوون قطعاً .

{ وضرب الله مثلاً } : اي هو رجلين الخ . .

{ أبكم } : أي ولد اخرس وأصم لا يسمع .

{ لا يقدر على شيء } : أي لا يَفهَمْ ولا يُفهِمْ غيره .

{ ولله غيب السموات والأرض } : أي ما غاب فيهما .

{ وما أمر الساعة } : أي أمر قيامها ، وذلك بإماته الأحياء وإحيائهم مع من مات قبل وتبديل صور الأكوان كلها .

{ الأفئدة } : أي القلوب .


معنى الآيات :

ما زال السياق في تقريرالتوحيد والدعوة اليه وإبطال الشرك والتنفير منه وقد تقدم ان الله تعالى جهل المشركين في ضرب الأمثال له وهو لا مثل له ولا نظير ، وفي هذا السياق ضرب تعالى مثلين وهو العليم الخبير . . فالأول قال فيه : { ضرب الله مثلاُ عبداً مملكوكاً } أي غير حر من أحرار الناس ، { لا يقدر على شيء } إذ هو مملوك لا حق له في التصرف في مال سيده الا بإذنه ، فلذا فهو لا يقدر على إعطاء او منع شيء هذا طرف المثل ، والثاني { ومن رزقناه رزقاً حسناً } صالحاً واسعاً { فهو ينفق منه سراً وجهراً } ليلاً ونهاراً لأنه حر التصرف بوصفه مالكاً { هل يستوون } ؟ الجواب لا يستويان . . . إذا { الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون } والمثل مضروب للمؤمن والكافر ، فالكافر أسير للأصنام عبد لها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ، لا يعمل في سبيل الله ولا ينفق لأنه لا يؤمن بالدار الآخرة ، والجزاء فيها ، وأما المؤمن فهو حر يعمل بطاقة الله فينفق في سبيل الله سراً وجهراً يبتغي الآخرة والمثوبة من الله ، ذا علم وإرادة ، لا يخاف الا لا الله ولا يرجو الا هو سبحانه وتعالى . وقوله { وضرب الله مثلاً رجلين } هو المثال الثاني في هذا السياق وقد حوته الثانية ( 76 ) فقال تعالى فيه { وضرب الله مثلاً } هو { رجلين احدهما أبكم } ولفظ الأبكم قد يدل على الصم فالغالب ان الأبكم لا يسمع { لا يقدر على شيء } فلا يفهم غيره لأنه من اقربائه يقومون بإعاشته ورعايته لعجزه وضعفه وعدم قدرته على شيء . وقوله : { أينما يوجهه لا يأت بخير } أي أينما يوجهه مولاه وابن عمه ليأتي بشيء لا يأتي بخير ، وقد يأتي بشر ، أما النفع والخير فلا يحصل منه شيء .

وهذا مثل الأصنام التي تعبد من دون الله اذ هي لا تسمع ولا تبصر فلا تفهم ما يقال لها ، ولا تفهم عابديها شيئاً وهي محتاجة إليهم في صنعها ووضعها وحملها وحمايتها . 

وقوله تعالى { هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مستقيم } وهو الله تعالى يأمر بالعدل أي التوحيد والاستقامة في كل شيء .

وهو قائم على كل شيء ، وهو على صراط مستقيم يدعو الناس الى سلوكه لينجوا ويسعدوا في الدارين ، فالجواب ، لا يستويان بحال ، فكيف يرضى المشركون بعبادة وولاية الأبكم الذي لا يقدر على شيء ويتركون عبادة السميع البصير ، القوي ، القدير ، الذي يدعوهم الى كمالهم وسعادتهم في كلتا حياتهم ، أمر يحمل على العجب ، ولكن لا عجب مع اقدار الله وتدابير الحكيم العليم . وقوله تعالى في الاية ( 77 ) { ولله غيب السموات والأرض } وحده يعلم ما غاب عنا فيهما فهو يعلم من كتبت له السعادة ومن حكم عليه بالشقاوة ، ومن يهتدي ومن لا يهتدي ، والجزاء آتٍ بإيتان الساعة { وما أمر الساعة } أي إيتانها { الا كلمح البصر أو هو أقرب } إذ لا يتوقف امرها الا على كلمة { كن } فقط فتنتهي هذه الحياة بكل ما فيها ، وتأتي الحياة الاخرى وقد تبدلت صور الاشياء كلها { ان الله على كل شيء قدير } ومن ذلك قيام الساعة ، وجيء الساعة . وقوله تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } حقيقة لا تنكر ، الله الذي اخرجنا من بطون أمهاتنا بعد أن صورنا في الأرحام ونمانا حتى صرنا بشراً ثم اذن بإخراجنا ، فأخرجنا ، وخرجنا لا نعلم شيئاً قط ، هذه آية القدرة الآلهية والعلم الإلهي والتدبير الإلهي ، فهل للأصنام شيء من ذلك ، والجواب لا ، لا وثانياً جعل الله تعالى لنا الاسماع والابصار والأفئدة نعمة اخرى ، إذ لو لا ذلك ما سمعنا ولا أبصرنا ولا عقلنا وما قيمة حياتنا يومئذ ، إذ العدم خير منها . وقوله : { لعلكم تشكرون } كشف كامل عن سر هذه النعمة وهي أنه جعلنا نسمع ونبصر ونعقل ليكلفنا فيأمرنا وينهانا فنطيعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وذلك شكره منا مع ما في ذلك الشكر من خير . إنه إعداد للسعادة في الدارين . فهل من متذكر يا عباد الله ؟!


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- استحسان ضرب الأمثال وهو تشبيه حال بحال على أن يكون ضارب المثل عالماً .

2- بيان مثل المؤمن في كماله والكافر في نقصانه .

3- بيان مثل الأصنام في جمودها وتعب عبدتها علبها في الحماية وعدم انتفاعهم بها . ومثل الرب تبارك وتعالى في عدله ، ودعوته الى الإسلام وقيامه على ذلك مع استجابة دعاء اوليائه ، ورعايتهم ، وعلمه بهم وسمعه لدعائهم ونصرتهم في حياتهم وإكرامهم والانعام عليهم في كلتا حياتهم . ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم .


أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)


شرح الكلمات :

{ مسخرات في جو السماء } : أي مذللات في الفضاء بين السماء والأرض وهو الهواء .

{ ما يمسكهن } : أي عند قبض أجنحتها وبسطها الا الله تعالى بقدرته وسننه في خلقه .

{ من بيوتكم سكناً } : أي مكاناً تسكنون فيه وتخلدون للراحة .

{ من جلود الأنعام بيوتاً } : أي خياماً وقباباً .

{ يوم ظعنكم } : أي ارتحالكم في أسفاركم .

{ أثاثاً ومتاعاً الى حين } : كبسط وأكسية تبلى وتتمزق وتُرمى .

{ ظلالاً ومن الجبال أكناكاً } : أي ما تستظلون به من حر الشمس ، وما تسكنون به في غيران الجبال .

{ وسرابيل } : أي قمصاناً تقيكم الحر والبرد .

{ وسرابيل تقيكم بأسكم } : أي دروعاً تقيكم الضرب والطعان في الحرب .

{ لعلكم تسلمون } : أي رجاء ان تسلموا له قلوبكم ووجوهكم فتعبدوه وحده .


معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه وإبطال الشرك وتركه فيقول تعالى : { ألم يروا الى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن الا الله } فإن في خلق الطير على اختلاف أنواعه وكثره أفراد ، وفي طيرانه في جو السماء ، اي في الهواء وكيف يقبض جناحيه وكيف يبسطها ولا يقع على الأرض فمن يمسكه غير الله بما شاء من تدبيره في خلقه وأكوانه إن في ذلك المذكور لآيات عدة تدل على الخالق وقدرته وعلمه وتوجب معرفته والتقرب إليه وطاعته وحده ، كما تدل على بطلان تأليه غيره وسواه ، وكون الآيات لقوم يؤمنون هو باعتبار أنهم احياء القلوب يدركون ويفهمون بخلاف الكافرين فإنهم أموات القلوب فلا ادراك ولا فهم لهم ، فلم يكن لهم في ذلك آية . . وقوله : { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } اي موضع سكون وراحة ، { وجعل لكم من جلود الأنعام } الإبل والبقر والغنم { بيوتاً } أي خياماً وقباباً { تستخفونها } اي تجدونها خفيفة المحمل { يوم ظعنكم } أي ارتحالكم في أسفاركم وتنقلاتكم { ويوم إقامتكم } في مكان واحد مذلك . وقوله : { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها } أي جعل لكم منه { أثاثاً } كالبسط الفرش والأكسية { متاعاً } أي تتمتعون بها الى حين بلاها وتمزقها وقوله : { والله جعل لكم مما خلق } من أشياء كثيرة { ظلالاً } تستظلون بها من حر الشمس { وجعل لكم من الجبال أكناناً } تكنون فيها انفسكم من المطر والبرد أو الحر وهي غير أن وكهدف في الجبال { وجعل لكم سرابيل } قمصان { تقيكم الحر } والبرد { وسرابيل } هي الدروع { تقيكم بأسكم } في الحرب تتقون بها ضرب السيوف وطعن الرماح . أليس الذي جعل لكم من هذه كلها أحق بعبادتكم وطاعتكم ، وهكذا { يتم نعمته عليكم } فبعث إليكم رسوله وأنزل عليكم كتابه ليعدكم للإسلام فتسلموا . وهنا وبعد هذا البيان الواضح والتذكير البليغ يقول لرسوله { فإن تولوا } أي أعرضوا عما ذكرتهم به فلا تحزن ولا تأسف اذ ليس عليك هداهم { فإنما عليك البلاغ المبين } وقد بلغت وبينت . فلا عليك بعد شيء من التبعة والمسؤولية .

وقوله : { يعرفون نعمت الله } أي نعمة الله عليهم كما ذكرناهم بها { ثم ينكرونها } فيعبدون غير المنعم بها { وأكثرهم الكافرون } أي الجاحدون المكذبون بنبوتك ورسالتك والإسلام الذي جئت به .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- لا ينتفع بالآيات الا المؤمنون لحياة قلوبهم ، أما الكافرون فهم في ظلمة الكفر لا يرون شيئاً من الآيات ولا يبصرون .

2- مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ونعمه تتجلى في هذه الآيات الأربع ومن العجب ان المشركين كالكافرين عمي لا يبصرون شيئاً منها واكثرهم الكافرون .

3- مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست هداية القلوب وإنما هي بيان الطريق بالبلاغ المبين .

يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة النحل (16) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 1:30 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

تفسير سورة النحل (16) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النحل (16)   تفسير سورة النحل (16) Emptyالإثنين 15 ديسمبر 2014, 8:34 am

تفسير سورة النحل (16) 16_84

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

شرح الكلمات :

{ ويوم يبعث } : أي اذكر يوم نبعث .

{ شهيداً } : هو نبيها .

{ لا يؤذن للذين كفروا } : أي بالاعتذار فيتعذرون .

{ ولا هم يستعتبون } : أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع الى اعتقاد وقول وعمل ما يرضى الله عنه .

{ وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } : أي الذين كانوا يعبدونهم من دون الله كالأصنام والشياطين .

{ فألقوا إليهم القول } : أي ردوا عليهم قائلين لهم إنكم لكاذبون .

{ وضل عنهم ما كانوا يفترون } : من ان آلهتهم لهم عند الله وتنجيهم من عذابه ، ومعنى ضل غاب .

{ عذاباً فوق العذاب } : انه عقاب وحيات كالنخل الطوال والبغال الموكفة .

{ تبياناً لكل شيء } : أي لكل ما بالأمة من حاجة إليه في معرفة الحلال والحرام والحق والباطل والثواب والعقاب .


معنى الآيات :

انحصر السياق الكريم في هذه الآيات الست في تقرير البعث والجزاء مع النبوة فقوله تعالى : { يوم نبعث } أي اذكر يا رسولنا محمد يون نبعث { من كل أمة } من الأمم { شهيداً } هو نبيها نبئ فيها وأرسل إليها { ثم لا يؤذن للذين كفروا } اي بالاعتذار فيعتذرون { ولا هم يستعتبون } أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع الى اعتقاد وقول وعمل يرضى الله عنهم اي اذكر هذا لقومك ، علهم يذكرون فيتعظون ، فيتوبون ، فينجون ويسعدون . وقوله في الآية الثانية ( 85 ) { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب } أي يوم القيامة { فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون } أي يمهلون . اذكر هذا أيضاً تذكيراً وتعليماً ، واذكر لهم { إذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } في عرصات القيامة أو في جهنم صاحوا قائلين { ربنا } أي يا ربنا { هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك } أي نعبدهم بدعائهم والإستغاثة بهم ، { فألقوا إليهم القول } فوراً { إنكم لكاذبون } . { وألقوا الى الله يومئذ السلم } أي الإستسلام فذلوا لحكمه { وضل عنهم ما كانوا يفترون } في الدنيا من ألوان الكذب والترهات كقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وأنهم ينجون من النار بشفاعتهم ، وأنهم وسيلتهم الى الله كل ذلك ضل أي غاب عنهم ولم يعثروا منه على شيء . وقوله تعالى : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } غيرهم بالدعوة الى الكفر وأسبابه والحمل عليه احياناً بالترهيب والترغيب { زدناهم عذاباً فوق العذاب } الذي استوجبوه بكفرهم . ورد ان هذه الزيارة من العذاب أنها عقارب كالبغال الدهم ، وانها حيات كالنخل الطوال والعياذ بالله تعالى من النار وما فيها من أنواع العذاب ، وقوله تعالى : { ويوم نبعث } أي اذكر يا رسولنا يوم نبعث { في كل أمةٍ شهيداً } أي يوم القيامة { عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء } أي على من أرسلت إليهم من امتك . فكيف يكون الموقف إذ تشهد على أهل الإيمان بالإيمان وعلى أهل الكفر بالكفر . وعلى اهل التوحيد بالتوحيد ، وعلى أهل الشرك بالشرك إنه لموقف صعب تعظم فيه الحسرة وتشتد الندامة . .

وقوله تعالى في خطاب رسوله مقرراً نبوته والوحي إليه { ونزلنا عليك الكتاب } أي القرآن { تبياناً لكل شيء } الأمة في حاجة الى معرفته من الحلال والحرام والأحكام والأدلة ( وهدى ) من كل ضلال { ورحمة } خاصة بالذين يعملون به ويطبقونه على أنفسهم وحياتهم فيكون رحمة عامة بينهم { وبشرى للمسلمين } أي المنقادين لله في أمر ونهيه بشرى لهم بالأجر العظيم والثواب الجزيل يوم القيامة ، وبالنصر والفوز والكرامة في هذه الدار . وبعد إنزالنا عليك هذا الكتاب فلم يبق من عذر لمن يريد ان يعتذر يوم القيامة ولذا ستكون شهادتك على امتك اعظم شهادة وأكثرها أثرأ على نجاة الناجين وهلاك الهالكين ولا يهلك على الله الا هالك .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- تقرير عقيدة البعث الآخر بما لا مزيد عليه لكثرة ألوان العرض لما يجرى في ذلك اليوم .

2- براءة الشياطين والاصنام الذين أشركهم الناس في عبادة الله من المشركين بهم والتبرؤ منهم وتكذيبهم .

3- زيادة العذاب لمن دعا الى الشرك والكفر وحمل الناس على ذلك .

4- لا عذر لأحد بعد أن أنزل الله تعالى القرآن تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين .


إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) 


شرح الكلمات :

{ العدل } : الانصاف ومنه التوحيد .

{ الإحسان } : أداء الفرائض وترك المحارم مع مراقبة الله تعالى .

{ وإيتاء ذي القربى } : أي إعطاء ذي القربى حقوقهم من الصلة والبر .

{ عن الفحشاء } : الزنا .

{ يعظكم } : أي يأمركم وينهاكم .

{ تذكرون } : أي تعظون .

{ توكيدها } : أي تغليظها .

{ نقضت غزلها } : أي أفسدت غزلها بعد ما غزلته .

{ من بعد قوة } : أي أحكام له وبرم .

{ أنكاثاً } : جمع نكث وهو ما ينكث ويحل بعد الإبرام .

{ كالتي نقضت غزلها } : هي حمقاء مكة وتدعى ريطة بنت سعد بن تيم القرشية .

{ دخلاً بينكم } : الدخل ما يدخل في الشيء وهو ليس منه للإفساد والخديعة .

{ أرى من أمة } : أي أكثر منها عدداً وقوة .


معنى الآيات :

قوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل } أي ان الله يأمر في الكتاب الذي أنزله تبياناً لكل شيء ، يأمر بالعدل وهو الإنصاف ومن ذلك أن يعبد الله بذكره وشكره لأنه الخالق المنعم وتترك عبادة غيره لأنهم غيره لم يخلق ولم يرزق ولم ينعم بشيء . ولذا فسر هذا اللفظ بلا إله الا الله ، { والإحسان } وهو أداء الفرائض واجتناب المحرمات مع مراقبة الله تعالى في ذلك حتى يكون الأداء على الوجه المطلوب إتقاناً وجودة والاجتناب خوفاً من الله حياء منه ، وقوله { وإيتاء ذي القربى } اي ذوي القرابات حقوقهم من البر والصلة . هذا مما أمر الله تعالى به في كتابه ، ومما ينهى عنه الفحشاء وهو الزنا واللواط وكل قبيح اشتد قبحه وفحش حتى البخل { والمنكر } وهو كل ما انكر الشرع وانكرته الفطر السليمة والعقول الراجحة السديدة ، وينهى عن البغي وهو الظلم والاعتداء ومجاوزة الحد في الأمور كلها ، وقوله { لعلكم تذكرون } أي أمر بهذا في كتابه رجاء ان تذكروا فتتعظوا فتمتثلوا الأمر وتجتنبوا النهي . وبذلك تكملون وتسعدون . ولذا ورد ان هذه الآية : { أن الله يأمر بالعدل والإحسان } الى { تذكرون } هي أجمع آية في كتاب الله للخير والشر . وهي كذلك فما من خير الا وأمرت به ولا من شر الا ونهت عنه . وقوله تعالى { وأفوا بعهد الله اذا عاهدتم } امر من الله تعالى لعبادة المؤمنين بالوفاء بالعهود فعلى كل مؤمن بايع أماماً أو عاهد احداً على شيء ان يفي له بالعهد ولا ينقصه . { اذ لا ايمان لمن لا امانة له ، ولا دين لمن لا عهد له } كما في الحديث الشريف . . وقوله تعالى { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } الأيمان جمع يمين وهو الخلف بالله وتوكيدها تغليظها بالألفاظ الزائدة { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } اي وكيلاً ، أي أثناء حلفكم به تعالى ، فقد جعلتموه وكيلاً ، فهذه الآية حرمت نقض الأيمان وهو نكثها وعدم الألتزام بها بالحنث فيها لمصالح مادية . وقوله تعالى { إن الله يعلم ما تفعلون } فيه وعيد شديد لمن ينقض أيمانه بعد توكيدها .

وقوله تعالى { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } ، وهي أمرأة بمكة حمقاء تغزل ثم تنكث غزلها وتفسده بعد إبرامه وإحكامه فنهى الله تعالى المؤمنين أن ينقضوا أيمانهم بعد توكيدها فتكون حالهم كحال هذه الحمقاء . وقوله تعالى : { تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم } أي إفساداً وخديعة كأن تحالفوا جماعة وتعاهدوها ، ثم تنقضون عهدكم وتحلون ما أبرتم من عهد وميثاق وتعاهدون جماعة اخرى لأنها أقوى وتنتفعون بها أكثر . هذا معنى قوله تعالى { أن تكون أمة هي أربى من أمة } أي جماعة اكثر من جماعة رجالاً وسلاحاً أو مالاً ومنافع . وقوله تعالى : { إنما يبلوبكم الله به } أي يختربكم فتعرض لكم هذه الأحوال وتجدون أنفسكم تميل إليها ، ثم تذكرون نهي ربكم عن نقض الأيمان والعهود فتتركوا ذلك طاعة لربكم أولاً تفعلوا إيثاراً للدنيا عن الآخرة ، { وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون } ثم يحكم بينكم ويجزيكم ، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته . . وقوله تعالى { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } على التوحيد والهداية لفعل . . ولكن اقتضت حكمته العالية ان يهدي من يشاء هدايته لأنه رغب فيها وطلبها ، ويضل من يشاء إضلاله لأنه رغب في الضلال وطلبه وأصر عليه بعد النهي عنه . وقوله تعالى : { لتسألن } أي سؤال توبيخ وتأنيب { عما كنتم تعملون } من سوء وباطل ، ولازم ذلك الجزاء العادل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، ومن جاء بالسئية فلا يجزى الا بمثلها وهو لا يظلمون .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- بيان أجمع آية للخير والشر في القرآن وهي آية { إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . } الآية ( 90 ) .

2- وجوب العدل والإحسان وإعطاء ذوي القربى حقوقهم الواجبة من البر والصلة .

3- تحريم الزنا واللواط وكل قبيح اشتد قبحه من الفواحش الظاهرة والباطنة .

4- تحريم البغي وهو الظلم بجميع صوره وأشكاله .

5- وجوب الوفاء بالعهود وحزمة نقضها .

6- حرمة نقض الأيمان بعد توكيدها وتوطين النفس عليها لتخرج لغو اليمين .

7- من بايع أميرأ أو عاهد احداً يجب عليه الوفاء ولا يجوز النقض والنكث لمنافع دنيوية أبداً .


وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)


شرح الكلمات :

{ دخلاً بينكم } : أي لأجل الإفساد والخديعة .

{ وتذوقوا السوء } : أي العذاب .

{ ما عندكم ينفد } : يفنى وينتهى .

{ وهو مؤمن } : أي والحال أنه عندما عمل صالحاً كان مؤمناً ، إذ بدون إيمان لا عمل يقبل .

{ حياة طيبة } : في الدنيا بالقناعة والرزق الحلال وفي الآخرة هي حياة الجنة .

{ بأحسن ما اكانوا يعملون } : أي يجزيهم على كل أعمالهم حسنها وأحسنها بحسب الأحسن فيها .


معنى الآيات:

ما زال السياق في تربية المؤمنين أهل القرآن الذي هو تبيان كل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين . وقال تعالى { ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً } أي الخديعة { بينكم } لتتوصلوا بالايمان الى غرض دنيوي سافل ، { فتزل قدم بعد ثبوتها } بأن يقع احدكم في كبيرة من هذا النوع ، يحلف الله بقصد الخداع والتضليل فتذقوا السوء في الدنيا بسبب صدكم عن سبيل الله من تعاهدونهم أو تبايعونهم وتعطونهم أيمانكم وعهودكم ثم تنقضوها فهؤلاء ينصرفون عن الإسلام ويعرضون عنه بسبب ما رأوا منكم من النقض والنكث ، وتتحملون وزر ذلك ، ويكون لكم العذاب العظيم يوم القيامة . فإياكم والوقوع في مثل هذه الورطة ، فاحذروا ان تزل قدم احدكم عن الاسلام بعد ان رسخت فيه . وقوله : { ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً } وكل ما في الدنيا قليل وقوله تعالى إنما عند الله هو خير لكم قطعاً ، لأن ما عندكم من مال او متاع ينفذ أي يفنى ، { وما عند الله باق } لانفاذ له ، فاذكروا هذا ولا تبيعوا الغالي بالرخيص والباقي بالفاني ، وقوله تعالى : { ولنجزين الذين صبروا } على عهودهم { أجرهم } على صبرهم { بأحسن ما كانوا يعملون } أي يضاعف لهم الاجر فيعطيهم سائر أعمالهم حسنها وأحسنها بحسب أفضلها واكملها حتى يكون أجر النافلة ، كأجر الفريضة وهذا وعد الله تعالى لمن يصبر على إيمانه واسلامه ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ، ووعد ثان في قوله : { من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } الا ان اصحاب هذا الوعد هم أهل الايمان والعمل الصالح ، الايمان الحق الذي يدفع الى العمل الصالح ، ولازم ذلك أنهم تخلوا عن الشرك والمعاصي ، هؤلاء وعدهم ربهم بأنه يحييهم في الدنيا حياة طيبة لا خبث فيها قناعة وطيب طعام وشراب ورضا ، هذا في الدنيا وفي الآخرة الجنة والجزاء يكون بحسب أحسن عمل عملوه من كل نوع ، من الصلاة كأفضل صلاة وفي الصدقات بأفضل صدقة وهكذا . { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وآتنا ما وعدتنا إنك بر رحيم .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- حرمة اتخاذ الأيمان طريقاً الى الغش والخديعة والافساد .

2- ما عند الله خير مما يحصل عليه الأنسان بمعصيته الرحمن من حطام الدنيا .

3- عظم أجر الصبر على طاعة الله تعالى فعلاً وتركاً .

4- وعد الصدق لمن آمن وعمل صالحاً من ذكر وانثى بالحياة الطبية في الدنيا والآخرة .


فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) 


شرح الكلمات :

{ فإذا قرأت القرآن } : أي أردت أن تقرأ القرآن .

{ فاستعذ بالله من الشيطان } : أي قل أعوذ من الشيطان الرجيم لحمايتك من وسواسه .

{ إنه ليس له سلطان } : أي قوة وتسلط على إفساد الذين آمنوا وإضلالهم ، ما داموا متوكلين على الله .

{ وإذا بدلنا آية مكان آية } : أي بنسخها وإنزاله آية أخرى غيرها لمصلحة العباد .

{ قل نزله روح القدس } : أي جبريل عليه السلام .

{ ليثبت الذين آمنوا } : أي على إيمانهم .


معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في هداية المسلمين وتكليمهم ، فقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن } يا محمد أنت أو أحد من المؤمنين أتباعك { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } أي إذا كنت قارئا عازماً على القراءة فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فإن ذلك يقيك من وسواسه الذي قد يفسد عليك تلاوتك ، وقوله : { إنه ليس له } أي الشيطان { سلطان } يعني تسلط وغلبه وقهر { على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } وهذه بشرى خير للمؤمنين { إنما سلطانه على الذين يتولونه } بطاعته والعمل بتزيينه للشر والباطل ، { والذين هم به مشركون } . هؤلاء هم الذين يتسلط الشيطان عليهم فيغويهم ويضلهم حتى يهلكهم . وقوله تعالى : { وإذا بدلنا آية مكان آية } أي نسخنا بحكم آخر بآية أخرى قال المشركون المكذبون بالوحي الإلهي { إنما أنت } يا محمد { مفترٍ } تقول بالكذب والخرص ، أي يقول اليوم شيئاً ويقول غداً خلافه . وقوله تعالى : { والله أعلم بما ينزل } فإنه ينزله لمصلحة عباده فينسخ ويثبت لأجل مصالح المؤمنين . وعلم الله تعالى رسوله كيف يرد على هذه الشبهة وقال له { قل نزله القدس من ربك بالحق } فلست أنت الذي تقول ما تشاء وإنما هو وحي الله وكلامه ينزل به جبريل عليه السلام من عند ربك بالحق الثابت عند الله الذي لا يتبدل ولا يتغير ، وذلك لفائدة تثبيت الذين آمنوا على إيمانهم وإسلامهم . فكلما نزل قرآن ازداد المؤمنون إيماناً فهو كالغيث ينزل على الأرض كلما نزل ازدادت حياتها نضرة وبهجة فكذلك نزول القرآن تحيا بها المؤمنين ، وهو أي القرآن هدى من كل ضلالوة . وبشرى لكل المسلمين بفلاح الدنيا وفوز الآخرة .


هداية الايات

من هداية الآيات :

1- استحباب الاستعاذة عند قراءة القرآن بلفظ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

2- بيان أنه لا تسلط للشيطان على المؤمنين المتوكلين على ربهم .

3- بيان ان سلطان الشيطان على أوليائه العاملين بطاعته المشركين بربهم .

4- بيان أن القرآن فيه الناسخ والمنسوخ .

5- بيان فائدة نزول القرآن بالناسخ والمنسوخ وهي تثبيت الذين آمنوا على إيمانهم وهدى من الضلالة وبشرى للمسلمين بالفوز والفلاح في الدارين .


وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)


شرح الكلمات :

{ بشر } : يعنون قينا ( حداداً ) نصرانياً في مكة .

{ لسان الذي يلحدون إليه } : أي يميلون إليه .

{ وهذا لسان عربي } : أي القرآن فكيف يعلمه اعجمي .

{ الا من أكره } : أي على التلفظ بالكفر فتلفظ به .

{ ولكن من شرح بالكفر صدرا } : أي فتح صدره الكفر وشرحه له فطابت نفسه له .

{ واولئك هم الغافلون } : أي عما يراد بهم .

{ لا جرم } : أي حقاً .

{ هم الخاسرون } : أي لمصيرهم الى النار خالدين فيها أبدا .


معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في الرد على المشركين الذين اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بالافتراء فقال تعالى : { ولقد تعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر } أي يعلم محمداً بشر أي انسان من الناس ، لا انه وحي يتلقاه من الله . قال تعالى في الرد على هذه الفرية وإبطالها { لسان الذين يلحدون إليه } أي يميلون إليه بانه هو الذي يعلم محمد لسانه { أعجمي } لأنه عبد رومي ، { وهذا } أي القرآن { لسان عربي مبين } ذو فصاحة وبلاغة وبيان فكيف يتفق هذا مع ما يقولون أنهم يكذبون لا غير ، وقوله تعالى { إن الذين لا يؤمنون بآيات الله } وهي نور وهدى وحجج قواطع ، وبرهان ساطع { لا يهديهم } الى معرفة الحق وسبيل الرشد لأنهم أعرضوا عن طريق الهداية وصدوا عن سبيل العرفان وقوله { ولهم عذاب أليم } أي جزاء كفرهم بآيات الله . وقوله { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } أي إنما يختلق الكذب ويكذب فعلاً الكافر بآيات الله لأنه لا يرجو ثواب الله ولا يخاف عقابه ، فلذا . لا يمنعه شيء عن الكذب ، أم المؤمن فإنه يرجو ثواب الصدق ويخاف عقاب الكذب أبداً ، وبذا تعين ان النبي لم يفتر الكذب وإنما يفترى عقاب الكذب اولئك المكذبون بآيات الله وهم حقاً الكاذبون . وقوله تعالى : { ومن كفر بالله من بعد إيمانه الا من أكره } على التلفظ بالكفر { وقلبه مطمئن بالإيمان } لا يخامره شك ولا يجد اضطراباً ولا قلقاً فقال كلمة لفظاً فقط ، فهذا كعمار بن ياسر كانت قريش تكرهه على كلمة الكفر فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في قولها بلسانه ولكن المستحق للوعيد الآتي { من شرح بالكفر صدراً } أي رضي بالكفر وطابت نفسه وهذا وأمثاله { فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } أي باءوا بغضب الله وسخطه ولهم في الاخرة عذاب عظيم ، وعلل تعالى لهذا الجزاء العظيم بقوله { ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة } بكفرهم بالله وعدم إيمانهم به لما في ذلك من التحرر من العبادات، فلا طاعة ولا حلال ولا حرام ، وقوله تعالى: { وإن الله لا يهدي القوم الكافرين} هذا وعيد منه تعالى سبق به علمه وان القوم الكافرين يحرمهم التوفيق للهداية عقوبة لهم على اختيارهم الكفر وإصرارهم عليه.

وقوه تعالى : { أولئك الذين طبع على قلوبهم } وعلى سمعهم وأبصارهم أولئك الذين توعدهم الله بعدم هدايتهم هم الذين طبع على قلوبهم فهم لا يفهمون { وسمعهم } فهم لا يسمعون المواعظ ودعاء الدعاة الى الله تعالى { وأبصارهم } فهم لا يبصرون آيات الله وحججه في الكون ، وما حصل لهم من هذه الحال سببه الإعراض المتعمد وإيثار الحياة الدنيا ، والعناد ، والمكابرة ، والوقوف في وجه دعوة الحق والصد عنها . وقوله { وأولئك هم الغافلون } أي عما خلقوا له ، وعما يراد لهم من نكال في الآخرة وعذاب أليم ، وقوله تعالى { لا جرم } أي حقاً { أنهم في الآخرة هم الخاسرون } المغبرنون حيث وجدوا أنفسهم في عذاب أليم دائم لا يخرجون منه ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون .


هداية الآيات

من هداية الآيات : 

1- دفاع الله تعالى عن رسوله ودرء كل تهمة توجه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2- المكذبون بآيات الله يحرمون هداية الله ، لأن طريق الهداية هو الايمان بالقرآن . فلما كفروا به فعلى أي شيء يهتدون .

3- المؤمنون لا يكذبون لإيمانهم بثواب الصدق وعقاب الكذب ، ولكن الكافرين هم الذين يكذبون لعدم ما يمنعهم من الكذب اذ لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً.

4- الرخصة في كلمة الكفر في حال التعذيب بشرط اطمئنان القلب الى الايمان وعدم انشراح الصدر بكلمة الكفر .

5- إيثار الدنيا على الاخرة طريق الكفر وسبيل الضلال والهلاك .

يتبع إن شاء الله...



تفسير سورة النحل (16) 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 يونيو 2021, 1:31 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

تفسير سورة النحل (16) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النحل (16)   تفسير سورة النحل (16) Emptyالإثنين 15 ديسمبر 2014, 8:43 am

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) 


شرح الكلمات :

{ هاجروا } : اي الى المدينة .

{ من بعد ما فتنوا } : أي فتنهم المشركون بمكة فعذبوهم حتى قالوا كلمة الكفر مكرهين .

{ ان ربك من بعدها } : أي من بعد الهجرة والجهاد والجهاد والصبر على الإيمان والجهاد .

{ لغفور رحيم } : أي غفور لهم رحيم بهم .

{ يوم تأتي } : أي اذكر يا محمد يوم يأتي كل نفس تجادل عن نفسها .

{ مثلا قربة } : هي مكة .

{ رزقها رغداً } : أي واسعاً .

{ فكفرت بأنعم الله } : أي بالرسول والقرآن والأمن ورغد العيش .

{ فأذاقها الله لباس الجوع } : أي بسبب قحط اصابهم حتى أكلوا العهن لمدة سبع سنين .

{ والخوف } : حيث أصبحت سرايا الإسلام تغزوهم وتقطع عنهم سبل تجارتهم .


معنى الآيات :

بعدما ذكر الله رخصة كلمة الكفر عند الإكراه وبشرط عدم إنشراح الصدر بالكفر ذكر مخبراً عن بعض المؤمنين ، تخلفوا عن الهجرة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ارادوا الهجرة منعتهم قريش وعذبتهم حتى قالوا كلمة الكفر ، ثم تمكنوا من الهجرة فهاجروا وجاهدوا وصبروا فأخبر الله تعالى عنهم بانه لهم مغفرة ورحمته ، فلا يخافون ولا يحزنون فقال تعالى { ثم إن ربك } أيها الرسول { للذين هاجروا من بعدما فتنوا } أي عذبوا { ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم } أي غفور لهم رحيم بهم .

وقوله تعالى : { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } أي اذكر واعظاً به المؤمنين أي تخاصهم طالبة النجاة لنفسها { وتوفى كل نفس ما عملت } أي من خيراً أو شر { وهم لا يظلمون } لا الله عدل لا يجوز في الحكم ولا يظلم ، وقوله تعالى : ( وضرب الله مثلاً قرية ، أي مكة { كانت آمنة } من غارات الأعداء { مطمئنة } لا ينتابها فزع ولا خوف ، لما جعل الله تعالى في قلوب العرب من تعظيم الحرم وسكانه ، { يأتيها رزقها رغداً } أي واسعاً { من كل مكان } حيث يأتيها من الشام واليمن في رحلتيهما في الصيف والشتاء { فكفرت بأنعم الله } وهي تكذيبها برسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكارها للتوحيد ، وإصرارها على الشرك وحرب الإسلام { فأذاقها الله لباس الجوع } فدعا عليهم الرسول اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين السبع الشداد ، فأصابهم القحط سبع سنوات فجاعوا حتى اكلوا الجيف والعهن ، وأذاقها لباس الخوف إذ أصبحت سرايا الإسلام تعترض طريق تجارتها والخوف بسبب صنيعهم الفاسد وهو اضطهاد المؤمنين بعد كفرهم وشركهم وإصرارهم على ذلك . وقوله تعالى : { ولقد جاءهم رسول منهم } هو محمد صلى الله عليه وسلم ( فكذبوه ) أي اجحدوا رسالته وانكروا نبوته وحابروا دعوته { فأخذهم العذاب } عذاب الجوع والخوف والحال أنهم { ظالمون } أي مشركون وظالمون لأنفسهم حيث عرضوها بكفرهم الى عذاب الجوع والخوف .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- فضل الهجرة والجهاد والصبر ، وما تكفر هذه العبادات من الذنوب وما تمحو من خطايا .

2- وجوب التذكير باليوم الآخر وما يتم فيه من ثواب وعقاب للتجافي عن الدنيا والإقبال على الآخرة .

3- استحسان ضرب الأمثال من أهل العلم .

4- كفر النعم بسبب زوالها والانتقام من أهلها .

5- تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم في ما جاء به ، ولو بالإعراض عنه وعدم العمل به يجر البلاء والعذاب .


فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) 


شرح الكلمات :

{ فكلوا } : أي أيها الناس .

{ حلالاً طيباً } : أي غير حرام ولا مستقذر .

{ واشكروا نعمة الله عليكم } : أي بعبادته وبالانتهاء الى ما أحل لكم عما حرمه عليكم .

{ إن كنتم إياه تعبدون } : أي إن كنتم تعبدونه وحده فامتثلوا أمره ، فكلوا مما أحل لكم وذروا ما حرم عليكم .

{ الميتة } : أي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير تذكية شرعية .

{ والدم } : أي الدم المسفوح السائل لا المختلط باللحم والعظم .

{ وما أهل لغير الله به } : أي ما ذكر عليه غير اسم الله تعالى .

{ غير باغٍ ولا عادٍ } : أي غير باغ على احد ، ولا عاد اي متجاوز حد الضرورة .

{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب } : أي لا تحللوا ولا تحرموا بألسنتكم كذباً على الله فتقولوا هذا حلال وهذا حرام بدون تحليل ولا تحريم من الله تعالى .

{ وعلى الذين هادوا } : أي اليهود .

{ حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } : أي في سورة الأنعام .


معنى الآيات :

امتن الله عز وجل على عباده ، فأذن لهم أن يكلوا مما رزقهم من الحلال الطيب ويشكروه على ذلك بعبادته وحده وهذا شأن من يعبد الله تعالى وحده ، فإنه يشكره على ما أنعم به عليه ، وقوله تعالى : { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } فلا ترحموا ما يحرم عليكم كالسائبة والبحيرة والوصيلة التي حرمها المشركون افتراء على الله وكذبا . وقوله { فمن اضطر } منكم أي خاف على نفسه ضرر الهلاك بالموت لشدة الجوع وكان { غير باغ } على أحد ولا معتد ما أحل له ما حرم عليه . فليأكل ما يدفع به غائلة الجوع ولا إثم عليه { فإن الله غفور رحيم } فيغفر للمضطر كما يغفر للتائب ويرحم المضطر فيأذن له في الأكل دفعاً للضرر رحمة به كما يرحم من أناب إليه .

وقوله : { ولا تقولوا لما تضف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب } أي ينهاهم عن التحريم والتحليل من تلقاء أنفسهم بأن يصفوا الشيء بأنه حلال أو حرام لمجرد قولهم بألسنتهم الكذب : هذا حلال وهذا حرام كما يفعل المشركون فحللوا وحرموا بدون وحي إلهي ولا شرع سماوي . ليؤول قولهم وصنيعهم ذلك الى الإفتراء على الله والكذب عليه . مع ان الكاذب على الله لا يفلح ابداً لقوله { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل } وإن تمتعوا قليلاً في الدنيا بمال أو ولد أو عزة وسلطان فإن ذلك متاع قليل جداً ولا يعتبر صاحبه مفلحاً ولا فائزاً . فإن وراء ذلك العذاب الآخروي الأليم الدائم الذي لا ينقطع . وقوله تعالى : { وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } يخاطب الله تعالى رسوله فيقول : كما حرمنا على هذه الأمة المسلمة الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله ، حرمنا على اليهود ما قصصنا عليك من قبل في سورة الانعام .

إذ قال تعالى { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها الا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم } . وحرم هذا الذي حرم عليهم بسبب ظلم منهم فعاقبهم الله فحرم عليهم هذه الطيبات التي أحلها لعباده المؤمنين . ولذا قال تعالى { وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- يجب مقابلة النعم بالشكر فمن غير العدل أن يكفر العبد نعم الله تعالى عليه قلا يشكره عليها بذكره وحمده وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه .

2- بيان المحرمات من المطاعم وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله .

3- بيان الرخصة في الأكل من المحرمات المذكورة لدفع غائلة الموت .

4- حرمة التحريم والتحليل بغير دليل شرعي قطعي ولا ظني الا ما غلب على الظن تحريمه .

5- حرمة الكذب على الله وان الكاذب على الله لا يفلح في الآخرة وفلاحه في الدنيا جزيء 6- قد يحرم العبد النعم بسبب ظلمه فكم حرمت أمة الإسلام من نعم بسبب ظلمها في عصور انحطاطها .


ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) 


شرح الكلمات :

{ ثم إن للذين عملوا السوء بجالهة } : اي ثم ان ربك غفور رحيم للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا .

{ من بعدها } : أي من بعد الجهالة والتوبة .

{ إن إبراهيم كان امة } : اي إماماً جامعاً لخصال الخير كلها قدوة يقتدى به في ذلك .

{ قانتاً لله حنيفاً } : اي مطيعاً لله حنيفاً : مائلاً الى الدين القيم الذي هو الإسلام .

{ اجتباه } : اي ربه اصطفاه للخلة بعد الرسالة والنبوة .

{ وآتيناه في الدنيا حسنة } : هي الثناء الحسن من كل أهل الأديان السماوية .

{ إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } : أن اليهود أمروا بتعظيم الجمعة فرفضوا وأبوا الا السبت ففرض الله عليهم ذلك وشدد لهم فيه عقوبة لهم .


معنى الآيات :

بعدما نددت الآيات في سياق طويل بالشرك وإنكار البعث والنبوة من قبل المشركين الجاحدين المعاندين ، وقد أوشك سياق السورة على الانتهاء فتح الله تعالى باب التوبة لهم وقال : { ثم إن ربك } أي بالمغفرة والرحمة { للذين عملوا السوء بجهالة } فأشكروا بالله غيره وأنكروا وحيه وكذبوا بلقائه { ثم تابوا من بعد ذلك } فوحدوه تعالى بعبادته وأقروا بنبوة رسوله وآمنوا بلقائه واستعدوا له بالصالحات { وأصلحوا } ما كانوا قد أفسدوه من قلوبهم وأعمالهم وأحوالهم { إن ربك من بعدها } من بعد هذه التوبة والأوبة الصحيحة { لغفور رحيم } بهم . فكانت بشرى لهم على لسان كتاب ربهم . شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه الى صراط مستقيم . وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين . ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } إنه لما كان من شبه المشركين انهم على دين أبيهم إبراهيم باني البيت وشارع المناسك ومحرم الحرم ، واليهود والنصارى كذلك يدعون أنهم على ملة إبراهيم فأصر الجميع على أنه متبع لملة إبراهيم وأنه على دينه ورفضوا الإسلام بدعوى ما هم هو دين اله الذي جاء به إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام ، ومن باب إبطال الباطل وإزاحة ستار الشبه وتنقية الحق لدعوة الحق والدين الحق ذكر تعالى جملة من حياة إبراهيم الروحية والدينية كمثال حي ناطق لكل عاقل إذا نظر اليه عرف هل هو متبع لإبراهيم يعيش على ملته أو هو على غير ذلك . فقال تعالى { إن إبراهيم كامة أمة } أي أماماً صالحاً جامعاً لخصال الخير ، يقتدي به كل راغب في الخير . هذا أولاً وثانياً انه كان قانتاً أي مطيعاً لربه فلا يعصى له امراً ولا نهياً ثالثاً لم يك من المشركين بحال من الأحوال بل هو برئ من الشرك وأهله ، ورابعاً كان شاكراً لأنعم الله تعالى عليه أي صارفاً نعم الله فيما يرضي الله ، خامساً اجتباه ربه أي اصطفاه لرسالته وخلته لأنه أحب الله أكثر من كل شيء فتخلل حب الله قلبه فلم يبق لغيره في قلبه مكان .

فخالة الله أي بادلة خلة فكان خليل الرحمن . سادساً وهداه الى صراط مستقيم الذي هو الإسلام ، سابعاً وآتاه في الدنيا حسنة وهي الثناء الحسن والذكر الجميل من جميع أهل الأديان الإلهية الأصل . ثامناً وأنه في الآخرة لمن الصالحين الذين قال الله تعالى فيهم : اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وهي منزلة من أشرف المنازل وأسماها . تاسعاً مع جلال قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته أمره الله تعالى أن يتبع ملة إبراهيم حنيفاً .

هذا هو إبراهيم فمن أحق بالنسبة إليه ، المشركون ؟ لا! اليهود ؟ لا ، النصارى ؟ لا! المسلمون الموحدون ؟ نعم نعم اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وأكرمنا يوم تكرمهم .

وقالى تعالى : { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } فيه دليل على بطلان دعوى اليهود أنهم على ملة إبراهيم ودينه العظيم ، إذ تعظيم السبت لم يكن من دين إبراهيم ، وإنما سببه ان الله تعالى اوحى الى أحد انبيائهم ان يأمر بني إسرائيل بتعظيم الجمعة فاختلفوا في ذلك وآثروا السبت عناداً ومكابرة فكتب الله عليهم تعظيم السبت . وقوله { وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيه وعد لهم وأنه سيجزيهم سوءاً على تمردهم على أنبيائهم واختلافهم عليهم .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- باب التوبة مفتوح لكل ذي ذنب عظم أو صغر على شرط صدق التوبة بالاقلاع الفوري والندم والاستغفار الدائم وإصلاح الفاسد .

2- تقرير التوحيد والإعلان من شأن إبراهيم عليه السلام وبيان كمالاته وإنعام الله عليه .

3- بيان أن سبت اليهود هو من نقم الله عليهم لا من نعمه وافضاله عليهم .


ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) 


شرح الكلمات :

{ إلى سبيل ربك } : أي الى طاعته إذ طاعة الله موصلة الى رضوانه وإنعامه فهي سبيل الله .

{ بالحكمة } : أي بالقرآن والمقالة المحكمة الصحيحة ذات الدليل الموضح للحق .

{ والموعظة الحسنة } : هي مواعظ القرآن ، والقول الرقيق الحسن .

{ وجادلهم بالتي هي أحسن } : أي بالمجادلة التي هي أحسن من غيرها .

{ لهو خير للصابرين } : أي خيرٌ من الانتقام عاقبة .

{ ولا تك في ضيق مما يمكرون } : أي لا تهتم بمكرهم ، ولا يضيق صدرك به .

{ مع الذين اتقوا } : أي اتقوا الشرك والمعاصي .

{ والذين هم محسنون } : أي في طاعة الله ، ومعيته تعالى هي نصره وتأييده لهم في الدنيا .


معنى الآيات :

يخاطب الرب تعالى رسوله تشريفاً وتكليفاً : { ادع الى سبيل ربك } أي الى دينه وهو الإسلام سائر الناس ، وليكن دعاؤك { بالحكمة } التي هي القرآن الكريم الحكيم . { والموعظة الحسنة } وهي مواعظ القرآن وقصصه وأمثاله ، وترغيبه وترهيبه ، { وجادلهم بالتي هي أحسن } أي خاصمهم بالمخاصمة التي هي أحسن وهي الخالية من السب والشتم والتعريض بالسوء ، فإن ذلك ادعى لقبول الخصم الحق وما يدعى اليه ، وقوله تعالى : { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله } من الناس { وهو أعلم بالمهتدين } وسيجزيهم المهتدي بهداه ، والضال بضلاله ، كما هو أعلم بمن ضل واهتدى أزلاً . فهون على نفسك ولا تشطط في دعوتك فتضر بنفسك ، والأمر ليس إليك . بل لربك يهدي من يشاء ويضل من يشاء وما عليك الا الدعوة بالوصف الذي وصف لك ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، وقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } لا أكثر ، { ولئن صبرتم } وتركتم المعاقبة { لهو } أي صبركم { خيرٌ } لكم من المعاقبة على الذنب والجناية ، وقوله تعالى : { واصبر } على ترك ما عزمت عليه أيها الرسول من التمثيل بالمشركين جزاء تمثيلهم بعمك حمزه ، فأمره بالصبر ولازمه ترك المعاقبة والتمثيل معاً ، وقوله : { وما صبرك الا بالله } أي إلا بتوفيقه وعونه ، فكن مع ربك تستمد منه الصبر كما تستمد منه العون والنصر ، وقوله تعالى : { ولا تحزن عليهم } أي على عدم اهتدائهم الى الحق والأخذ به والسير في طريقة الذي هو الإسلام { ولا تك في ضيق } نفسي يؤلمك { مما يمكرون } بك فإن الله تعالى كافيك مكرهم وشرهم إنه معك فلا تخف ولا تحزن لأنه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وأنت منهم . وقوله ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) يخبر تعالى رسوله والمؤمنين أنه عزوجل بنصره وتأييد ومعونته وتوفيقه مع الذين اتقوا الشرك والمعاصي فلم يتركوا فرائض دينه ، ولم يغشوا محارمه والذين هم محسنون في طاعة ربهم اخلاصاً في النية والقصد ، وأداء على نحو ما شرع الله وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .


هداية الآيات

من هداية الآيات :

1- وجوب الدعوة الى الله تعالى أي الى الإسلام وهو واجب كفائى ، إذا قامت به جماعة أجزأ ذلك عنهم .

2- بيان اسلوب الدعوة وهو أن يكون بالكتاب والسنة وأن يكون خالياً من العنف والغلظة والشدة ، وأن تكون المجادلة بالتي هي أحسن من غيرها .

3- جواز المعاقبة بالأخذ بقدر ما أخذ من المرء ، وتركها صبراً واحتساباً أفضل .

4- معية الله تعالى ثابتة لأهل التقوى والإحسان ، وهي معية نصر وتأييد وتسديد .

تم بحمد الله...



تفسير سورة النحل (16) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
تفسير سورة النحل (16)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» (16) سورة النحل
» سورة النحل
» سورة النحل
» سورة النحل
» سورة النحل الآيات من 081-085

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: أيســـر التفاســــير-
انتقل الى: