منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية    الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 4:03 pm

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية 

جماعة يهـودية وظيفيـة قتاليــة اســتيطانية (المرتزقـة) 
Jewish Military Settler Functional Group (Mercenaries)

«الجماعة الوظيفية الاستيطانية» هي الجماعة البشرية التي تُستجلَب من خارج المجتمع أو تُجنَّد من داخله ثم تُنقَل من مكان إلى مكان آخر لتُوطَّن فيه بغرض أن تؤدي وظيفة محدَّدة ذات طابع قتالي عادةً، ولكن ليس ضرورياً أن تكون كذلك دائماً، فقد تكون ذات طابع زراعي أو تجاري، أو ذات طابع مُختلَط؛ زراعي قتالي، أو تجاري قتالي، أو زراعي تجاري، وهكذا. 

أما «الجماعة الوظيفية القتالية» فهي الجماعة التي يضطلع أعضاؤها بدور قتالي وحسب، فالجندي المرتزق هو الجندي الذي يُستجلَب من خارج المجتمع، أو يُجنَّد من داخله (عادةً من صفوف أقلية إثنية أو دينية معينة لها علاقة خاصة بالمجتمع). وهو يقوم بالقتال من أجل المال بالدرجة الأولى، فالدوافع هنا يجب ألا تكون دوافع داخلية مركبة (الانتماء ـ حب الوطن ـ الانتقام)، بل لابد أن يكون الدافع خارجياً بسيطاً وهو الربح المادي الذي يأخذ صورة أجر مادي عاجل ومباشر (راتب شهري) أو آجل (إقطاعية أو غيرها من العوائد المالية). وكل من العنصر الاستيطاني والقتالي يشكل جماعة وظيفية، فهو عنصر متحرك غير منتم لا يدين بالولاء لأحد إلا لراعيه الذي يقوم بتمويله، وهو عنصر لا يُعرَّف من خلال سماته الإنسانية وإنما من خلال وظيفته، فهو وسيلة لا غاية، وأداة لا هدف، والمجتمع ينظر إليه من ناحية مدى نفعه ومدى احتياجه إليه، ويدخل معه في علاقة تعاقدية محايدة. والجندي المرتزق والمستوطن هما وسيلة من وسائل الإنتاج، أو بتعبير أدق إحدى أدوات الفتك التي تنظم علاقات الإنتاج وعملية توزيع الثروة لصالح من يسيطر على هذه الآلة أو الوسيلة. وعادةً ما يعيش الجنود المرتزقة، وكذلك أعضاء الجماعات الاستيطانية، على مقربة من أعضاء الأغلبية، ولكنهم مع هذا يظلون في عزلة عنهم فهم منبتو الصلة بالجماهير مرتبطون بالنخبة الحاكمة التي تسخرهم لمصلحتها، دون أن تخشى بأسهم أو تخاف من أن يقوموا بمحاولة المشاركة في السلطة أو القرار السياسي، فهم بلا قاعدة ولا شرعية ولا سلطات إلا ما يستمدونه من الراعي، وذلك على عكس المقاتلين من أعضاء الأغلبية، فهؤلاء عادةً ما يطالبون بنصيبهم في السلطة إن قويت شوكتهم، كما أنهم يستندون إلى قاعدة جماهيرية يستمدون منها الشرعية. 

وفي تقديرنا أن الجندي الذي يدافع عن وطنه ويتقاضى أجراً عن ذلك ليس بمرتزق، لأن دوافعه للقتال والاستيطان أكثر تركيباً من الجندي المرتزق، كما أنه أقل حركية لارتباطه بوطنه. والشيء نفسه ينطبق على المواطن الذي يرابط في مناطق حدودية دفاعاً عن الوطن، فهو مرتبط بوطنه ولا يتسم بأية حركية إلا في إطار رؤيته. 

وهنا يمكن أن تثار قضية الغارات التي يشنها البدو أو القراصنة على المدن والسفن من أجل الغنائم، أي من أجل الربح المادي، وهل يمكن اعتبارهم مرتزقة. ونحن نميل إلى عدم تصنيفهم كمرتزقة، فرغم وجود عنصر مشترك أساسي بين المرتزقة من جهة والبدو والقراصنة من جهة أخرى (الحركية والقتال من أجل المال) إلا أن هناك عنصراً أساسياً آخر غائباً في حالة الفريق الثاني وهو الراعي أو الحامي الذي يصدر الأوامر للعنصر المرتزق ويوجهه ويوظفه. ومن هنا تظهر مشكلة تصنيف المماليك، فقد تم استجلابهم كرقيق ليقاتلوا نظير أجر أو نظير التمتع بمستوى معيشي مرتفع. ولكنهم، بالتدريج، أصبحوا يقاتلون لصالح أنفسهم كجماعة إثنية مُستجلَبة مستقلة. ولتحديد الأمور، يمكننا أن نتخيل مُتصَلاً أحد أطرافه المجاهد الذي لا يقاتل إلا ابتغاء مرضاة الله والمقاتل الذي يموت من أجل الوطن أو العقيدة ولا يستهلك إلا ما يضمن له الاستمرار في الجهاد والقتال دون الحصول على أية مكاسب مادية، والطرف الآخر للمُتصَل هو المرتزق الذي لا يقاتل إلا ابتغاء الأجر، ويمكننا أن نضع بينهما الجندي الذي يدافع عن قضية ويأخذ أجراً ويحقق مكاسب مادية وطبقية تزيد عن حاجته ، ثم نضع بعد ذلك المماليك بعد أن تحولوا إلى طبقة مقاتلة تقاتل من أجل زيادة مكاسبها وتدافع في الوقت نفسه عن الوطن (مصدر المكسب). ويجيء بعد ذلك جماعات البدو والقراصنة الذين يشنون الغارات من أجل الربح، ثم يجيء أخيراً الجندي المرتزق. 

ويبدو أن كثيراً من المجتمعات (عبر التاريخ) نظرت إلى العبرانيين وإلى أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم مادة بشرية استيطانية وقتالية. وهذا لا يعني أن سائر المجتمعات كانت تنظر إلى سائر العبرانيين وإلى الجماعات اليهودية كافة في كل زمان ومكان من هذا المنظور، كما لا يعني أنها كانت تنظر إلى اليهود فقط من هذا المنظور (إذ تُوجَد عناصر بشرية استيطانية وقتالية أخرى كاليونانيين على سبيل المثال). ولا يعني هذا أيضاً أن اليهود بطبيعتهم مادة بشرية استيطانية وقتالية أو أن عندهم قابلية طبيعية ليصبحوا كذلك. فمن المعروف أن الغالبية الساحقة من العبرانيين ومن أعضاء الجماعات اليهودية لم تضطلع بأيٍّ من هاتين الوظيفتين. فالقضية، إذن، هي قضية مجموعة أو مجموعات من البشر عاشت تحت ظروف تاريخية اقتصادية وثقافية معيَّنة أدَّت إلى اضطلاع قطاعات منها بهذه الوظيفة. وما سنتناوله في هذا المدخل هو نمط تكرَّر بشكل لافت للنظر في عدد من المجتمعات في العالم القديم، ثم تكرَّر في بلاد الغرب بشكل أكثر وضوحاً في العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، وترجم نفسه في نهاية الأمر إلى وعد بلفور ثم إلى الدولة الصهيونية في العصر الحديث. ولكن الطبيعة الاستيطانية والقتالية للدولة الصهيونية (التي نسميها «الدولة الوظيفية»)، وهيمنة هذه الدولة على أذهان الغالبية الساحقة ليهود العالم في الوقت الحالي، يُكسب هذا النمط أو النموذج أهمية غير عادية ويضفي علىه مركزية لم يكن يتمتع بها من قبل. ومن ثم يصبح من اللازم لنا اكتشاف جذوره وسُبُل تَشكُّله في ماضي العبرانيين والجماعات اليهودية. 

لقد تَعمَّق هذا الاتجاه بسبب مانسميه «المسألة العبرانية»، أي قلة عدد العبرانيين وتَخلُّف المجتمع العبراني الحضاري والتكنولوجي والعسكري مع وجوده في واحد من أهم المواقع الإستراتيجية في العالم. فلم يتمكن المجتمع العبراني من استيعاب الطاقات البشرية داخله، ومن ثم كان لابد من تصديرها. وإلى جانب هذا، كان هذا المجتمع عُرضة لغزوات جيوش الإمبراطوريات الكبرى التي كانت تقوم بأسر أعداد كبيرة من العبرانيين ثم تُهجِّرهم إلى أماكن أخرى أو تُجنِّدهم في صفوفها. 

ويبدو أن العبرانيين القدامى كانوا من المرتزقة منذ بداية ظهورهم في التاريخ، فكلمة «عبراني» ذاتها تشير إلى العبد الذي أصبح كذلك برضاه وحوَّل نفسه إلى أداة في يد الآخر. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن كلمة «خابيرو» (التي يذهب البعض إلى أنها تعني العبرانيين) تعني «الجندي المرتزق»، وأن الكلمة كانت تُطلَق على أية جماعات من الرحل أو الغرباء أو الأشقياء المستعدين للانضمام إلى صفوف أي جيش لقاء أجر أو بدافع الحصول على الغنائم. ولكن يبدو أن الخابيرو، كانوا بدواً مرتزقة يغيرون لاستلاب الغنائم أو ربما جماعة كانت تنضم بشكل مؤقت لقوة محاربة نظامية أو غير نظامية من أجل تحقيق الربح. ولعل اشتراكهم مع الهكسوس في غزو مصر كان شيئاً من هذا القبيل. وعلى كل، ومهما كانت اشتقاقات الكلمة، فإن هناك مؤشرات عديدة على أن العبرانيين القدامى، مع استقرارهم في كنعان، كانوا يعملون كمرتزقة، كما أنهم حاربوا في صفوف الفلستيين كمرتزقة ضد بني جلدتهم.

وقد قام الملك العبراني أمصيا )769ـ 798 ق.م)، تاسع ملوك المملكة العبرانية، بجمع جيش من المرتزقة من المملكة الشمالية وحاول إخضاع أدوم للهيمنة العبرانية. كما تم تجنيد العبرانيين كمرتزقة في جيوش مصر الفرعونية حينما بدأ ملوك المملكة الجنوبية مبادلة الأحصنة بالجنود. وفي الأسرة السادسة والعشرين استعان بهم بسماتيك الأول (663 ـ 605 ق.م) الذي كوَّن جيشاً من المرتزقة كان يضم في صفوفه يهوداً، وقام بسماتيك الثاني (594 ـ 589 ق.م) من بعده بتوطين جماعة استيطانية في جزيرة إلفنتاين. وحينما سقطت المملكة الجنوبية، فرت جماعات من العبرانيين إلى مصر واستقرت في أماكن معروفة بأن فيها حاميات عسكرية. ويُلاحَظ أن الدياسبورا هنا (أي انتشار اليهود في بقـاع الأرض) مرتبطة بنشـاطين متلازمين همـا في واقع الأمر نشـاط واحد: الاستيطان والقتال كمرتزقة. والانتشار لا علاقة له بتحطيم الهيكل كما يدَّعي الصهاينة. ومما يجدر ذكره أن التهجيرين، الآشوري والبابلي، لم يكن الهدف منهما تأديب العبرانيين وحسب وإنما نقلهم ليصبحوا جماعة وظيفية استيطانية، إذ تحوَّل المُهجَّرون إلى العمل بالزراعة والشئون المالية، وليس هناك ما يدل على تَحوُّلهم إلى جماعة وظيفية قتالية. وقد اسـتخدم الفُـرس العبرانيين كجماعة اسـتيطانية قتالية، فأقاموا جماعات يهودية موالية للدولة الفارسية على هيئة مستعمرات في أرجاء الإمبراطورية، كما عمل اليهود جواسيس وجنوداً مرتزقة. وقد حوَّلت حامية إلفنتاين ولاءها من السلطة المصرية إلى السلطة الفارسية الفاتحة، فالمرتزقة كما أسلفنا يتبعون من يدفع لهم. وأسس دارا الأول جيشاً قوياً يضم جنوداً يونانيين ويهوداً مرتزقة. 

وحينما فتح الإسكندر الشرق الأدنى القديم، تصاعدت ظاهرة تحويل اليهود إلى جماعات استيطانية قتالية بالدرجة الأولى خصوصاً أن الحكم البطلمي والسلوقي كان مبنياً أساساً على المرتزقة. وقد أبقى الإسكندر على المزايا التي منحها الفرس لليهود، فانضموا إلى الجيوش اليونانية كمرتزقة. ولم تكن هناك فرقة قومية خاصة باليهود، ولذا انضم المرتزقة اليهود إلى فرق الآسيويين الذين تَكاثَر عدهم بين عامي 200 و150 ق.م. وكان يُشار إلى اليهود أحياناً بوصفهم «فُرساً»، ويذكر يوسيفوس أن المرتزقة من يهود الإسكندرية كان يُشار إلىهم بوصفهم «مقدونيين». 

وكان البطالمة ينظرون إلى اليهود كجماعة استيطانية قتالية وتجارية يتوقف أمن أعضائها على رضا النخبة الحاكمة الأمر الذي يجعل منهم عنصراً مأمون الجانب، ولذا شجعهم البطالمة على الهجرة إلى مصر للعمل فيها مرتزقة وتجاراً ومزارعين وأفراد شرطة وموظفين وملتزمي ضرائب. وحينما أسر سوتر الأول عدداً كبيراً من اليهود في إحدى حملاته على فلسـطين، وطنهم في مصـر ليسـتخدمهم أداة لقمع المصريين. وقد قام بطليموس الثاني (فيلادلوفوس) (283 ـ 244 ق.م) بإعتاق العبيد العبرانيين الذين أسرهم ثم وَطَّنهم في معسكرات باعتبارهم وحدات قتالية استيطانية (باليونانية: كليروخوا). وحينما فتح البطالمة برقة في عام 145 ق.م، وَطَّنوا اليهود فيها ليشددوا قبضتهم علىها (على حد قول يوسيفوس). وفي العام نفسه، شيَّد أونياس الرابع معبداً يهودياً في لينتوبوليس كانت تُرابط حوله فرقة من المرتزقة اليهود. 

وقد خدم اليهود في فرق المشاة والفرسان على حدٍّ سواء، خصوصاً إبان حكم بطليموس السادس (180 ـ 145 ق.م) الذي سلَّم مملكته تقريباً إلى المرتزقة اليهود الذين وصلوا إلى أعلى المراتب العسكرية بما في ذلك القيادات. ويُقال إن الملكة كليوباترا الثالثة اعتلت العرش بفضل مساعدة قواد الجيش من اليهود. و كان من بينهم خلكياس وأنانياس ولدا أونياس اللذان قادا جيشها في فلسطين. وكان المرتزقة اليهود من أرباب الإقطاعات، وكان في وسعهم تأجير أرضهم وتوريثها لأبنائهم دون عناء كبير. وانخرط اليهود أيضاً في سلك الشـرطة وحراسـة الممتلكات وتحصيل المـكوس الجمركية على ضفتي النيل، وهو عمل ذو طابع عسكري، ولذا كان يُطلَق على المحصلين اسم «حراس النهر» لكن هناك من يذهب إلى أنهم كانوا موظفين من قبل الإدارة المالية ولا شأن لهم بأعمال الحراسة. 

ولم يختلف موقف السلوقيين كثيراً عن موقف البطالمة، فقد نقل أنطيوخوس الثالث ألف أسرة يهودية من بابل (التي كانت تابعة للإمبرطورية السلوقية)، مع أجهزتها الحربية، إلى ليديا وفريجيا في آسيا الصغرى في عام 210 ق.م.، وذلك لتأسيس حامية منهم موالية للسلوقيين، ولقمع حركات السكان ضد الحكم السلوقي. ويبدو أن مثراديتيس قد وَطَّن بعض هؤلاء أو غيرهم في شبه جزيرة القرم. 

ومع وصول الرومان إلى المنطقة، تم تسريح الجيش البطلمي، فانهـار الوضع الاقتصـادي المتميِّز لليهود والذي ارتبـط بوظيفتهم كمرتزقة، لا سيما أن الرومان كانوا لا يُجنِّدون سوى اليهود الذين تخلوا عن دينهم. ومع هذا، انخرط اليهود في سلك الجندية كمرتزقة واستمروا يعملون في الجيوش الرومانية حتى القرن الرابع الميلادي. وهذا يعني أن الرومان كانوا أيضاً يوطنونهم كعنصر استيطاني قتالي. ونحن نعرف أن أول توطين لليهود في أوربا كان مع الحامية الرومانية التي وُطِّنت في مدينة (كولونيا) والتي اشتُق اسمها من كلمة لاتينية تعني «مستعمرة» (وكلمة «كولونيالية» مشتقة من الجذر نفسه). ولكن يبدو أنهم لم يُوطَّنوا كعنصر قتالي وإنما كعنصر مالي. ومع هذا، يمكن القول بأن الاستيطان والقتال كانا متلازمين في معظم الأحوال في العالم القديم. 

وقد اختلف الأمر بشكل جوهري مع انتشار المسيحية والإسلام. فالقتال لم يَعُد يُمارَس من أجل الكسب المالي وتحقيق المغانم الاقتصادية وحسب وإنما أصبح يتم أيضاً من منطلق عقائدي ديني، الأمر الذي نجم عنه استبعاد غير المؤمنين. ولذا لم يَعُد بإمكان المرتزقة اليهود الاستمرار في ممارسة مهنتهم، فانخرطوا في وظائف أخرى وأصبح أعضاء الجماعات اليهودية من الجماعات الوظيفية المالية الوسيطة التي تعمل بالتجارة والربا. ولابد هنا من ملاحظة أن حامل رأس المال الربوي لا يختلف كثيراً عن حامل السلاح نظير أجر، فكلاهما عنصر متعاقد غريب لا ينتمي للجماهير التي يضربها أو يستغلها، تم حوسلته تماماً، أي تحويله إلى وسيلة، تستخدمها الطبقة الحاكمة. وكلاهما عنصر حركي لا ولاء له (إلا إلى أرض بعيدة أو وطن وهمي أصلي يحلم بالعودة اليه ولا يعود له أبداً) ومن هنا تسميتنا للجماعة الوظيفية المالية «المماليك المالية» حتى يتبيَّن التواصل بين وظائف أعضاء الجماعات اليهودية الاستيطانية والقتالية ووظائفهم المالية (التجارية الربوية). 

وقد صُنِّف اليهود في الحضارة الغربية على أنهم غرباء، والغريب في العرف الألماني (الذي حل محل القانون الروماني في كثير من المجالات) كان تابعاً للملك تبعية مباشرة، ومن ثم أصبح اليهود أقنان بلاط. ولكن من الصعب الحديث عن أقنان البلاط باعتبارهم جماعة استيطانية.

ومع هذا، فهناك حالات محددة من الاستيطان اليهودي في العصور الوسطى. فقد قام شارلمان بتوطين اليهود في جنوب فرنسا في ماركا هسبانيكا لتكون حاجزاً على حدود العالم المسيحي لوقف التوسع الإسلامي.ويمكن أن نستخدم عبارة «جماعة استيطانية» بشيء من التجاوز للإشارة إلى أعضاء الجماعة اليهودية الذين دعاهم شارلمان للاستيطان في فرنسا ذاتها بهدف تشجيع التجارة، وإلى أولئك الذين صاحبوا الغزو النورماندي لإنجلترا في القرن الحادي عشر،وإلى أولئك الذين استقروا فيها باعتبارهم مادة استيطانية تجارية. 

وقد عرفت شبه جزيرة أيبريا الاستيطان اليهودي سواء في إسبانيا الإسلامية (الأندلس) أو المسيحية. فأثناء الفتح الإسلامي، كان المسلمون يُوطِّنون اليهود في المدن التي يفتحونها، مثل قرطبة وغرناطة وطليطلة وإشبيلية حتى يتفرغ المسلمون للعمليات القتالية. وقد ثار المسيحيون في إشبيلية، وفتكوا بأعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم عنصراً استيطانياً قتالياً. كما لجأت القوات المسيحية إلى النهج نفسه أثناء حرب الاستعادة، فكانت تسمح، من الناحية الاسمية، لكل من اليهود والمسلمين بالاحتفاظ بمنازلهم والبقاء فيها، ولكنها من الناحية الفعلىة كانت تسمح لأعضاء الجماعة اليهودية وحسب بالاستيطان والبقاء في المناطق المفتوحة (مثل بالينسيا ولامنشا والأندلس وغيرها). 

ولا ندري هل كانت الفرق المسماة «تشاليزيان» في المجر في القرن العاشـر جمـاعة استـيطانية قتالية أم كانت جمـاعة قتالية وحسب. فكلمة «تشاليزيان» مشتقة من الجذر نفسه الذي اشتُقت منه كلمة «حالوتسيم» العبرية (بمعنى رواد)، وهي الكلمة التي استخدمها الصهاينة فيما بعد لوصف طلائع المستوطنين الصهاينة. والرائد هو الجندي الذي يُوضَع في مقدمة الصفوف. ويبدو أن جنود التشاليزيان كانوا من بقايا يهود الخزر، إذ أن مملكة المجر اجتذبت أعـداداً كبيرة منهـم عند تأسيـسها، فعـملوا بالقتال نظـير المال، أي أنهم كانوا جماعة قتالية وربما استيطانية ولكنهم تحولوا بالتدريج إلى جماعة وظيفية مالية. 

ومن المعروف لنا أن الدولة العثمانية قامت، حينما ضمت أجزاء من المجر في عام 1526، بتهجير 2000 يهودي إليها ليكونوا عنصراً استيطانياً موالياً للسلطان العثماني. ولعل هذا كان ضمن نظام السورجون العثماني، و«سورجون» كلمة معناها «نفي أو ترحيل أو تهجير عنصر بشري ما، إما كشكل من أشكال العقاب أو لتحقيق خدمة للدولة العثمانية». وقد وطَّن العثمانيون اليهود في قبرص لموازنة العنصر المسيحي فيها، كما وطنهم ملوك بولندا في المدن البولندية لتشجيع التجارة. 

ولكن أهم التجارب الاستيطانية شبه القتالية للجماعات اليهودية على الإطلاق (قبل التجربة الصهيونية) هي تجربتهم كجماعة استيطانية تجارية شـبه قتاليـة في إطار الإقطاع الاســتيطاني البولندي في أوكرانيا، حيث اضطلع بعض أعضاء الجماعة اليهودية بوظيفة الأرندا (دفع مقابل عائد الأراضي الزراعية) منذ أواخر القرن السادس عشر، فقاموا باستئجار ضياع النبلاء البولنديين (شلاختا) في أوكرانيا وإدارتها لحسابهم. وكان الأرنداتور (المديرون أو الوكلاء) اليهود يستأجرون مناطق ومدناً بأكملها فيعتصرون الأقنان الأوكرانيين لحساب النبلاء البولنديين. ولحماية هؤلاء الوكلاء وأسرهم، شيَّد النبلاء مدناً صغيرة تُسمَّى «شتتل» كانوا يعيشون فيها تحت حماية القوة العسكرية البولندية، كما كان عليهم هم أنفسهم أن يتدربوا على حمل السلاح. 

ومن التجارب الاستيطانية الأخرى للجماعات اليهودية تجربة يهود رومانيا الذين كان يُطلَق عليهم اسم «هرسوفلتسي» (وهو مُشتق من كلمة «هرسوف» الرومانية وتعني «ميثاق»)،والذين وَطَّنهم النبلاء الإقطاعيون (البويار) في رومانيا بعد منحهم ميثاقاً حصلوا بمقتضاه على ميزات معيَّنة،من بينها الإعفاء من الضرائب لعدة سنين والحصول على أرض فضاء دون مقابل لإقامة معابدهم ومدارسهم وحمَّاماتهم ومقابرهم.وكانت علاقة الهرسوفلتسي بالبويار تشبه إلى حدٍّ كبير علاقة يهود الأرندا بالنبلاء الشلاختا،فقد أسس البويار لليهود مدناً صغيرة تشبه الشتتل من أوجه كثيرة.ويُلاحَظ أن اليهود هنا كانوا عنصراً استيطانياً تجارياً غير قتالي.ورغم أن التجربة الاستيطانية لليهود في رومانيا استمرت أساساً في الفترة من منتصف القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر، إلا أننا ذكرناها مع تجارب الجماعة اليهودية الاستيطانية في العصر الوسيط في الغرب لأنها من ناحية البنية تقع داخل إطار الاستيطان الوسيط. وعلى كلٍّ، فقد كانت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الروماني تشبه إلى حدٍّ كبير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في أوربا الوسيطة. 

ويمكننا الآن الدخول إلى العصر الحديث، لنقول إن كثيراً من أساطير وديباجات الاستيطان الغربي وُلدت مع الإصلاح الديني البروتستانتي. وقد ظهرت الأسطورة الاسترجاعية التي تذهب إلى أن الخلاص لن يتحقق إلا بعودة اليهود إلى صهيون كجماعة وظيفية اسـتيطانية دينية يسـهم توطينها في صهيون في الإسراع بعملية الخلاص. وبالتدريج، مع تَطوُّر مراحل الإمبريالية الغربية من الأطوار المركنتالية الأولى إلى المراحل التالية (المرحلة الصناعية وغيرها)، أخذت معالم الأسطورة تتكشف وتتحدد بحيث تحولت صهيون إلى فلسطين البلد الواقع في وسط بلاد الشرق ويطل على بوابات مصر والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وقناة السويس (بعد افتتاحها). وبدأ اليهود يتحولون من شعب مقدَّس أو شعب شاهد أو شعب منبوذ إلى جماعة وظيفية تجارية وقتالية نشطة. وبعد سنوات طويلة من المقاومة والرفض من جانب أعضاء الجماعات اليهودية، تلقفت الحركة الصهيونية الأسطورة وتحولت من أسطورة بروتستانتية إلى أسطورة يهودية. وهكذا أصبحت صهيون المكان الذي تَخرُج منه جيوش المستوطنين اليهود «حالوتسيم» الذين يسيرون في المقدمة مسلحين أمام الرب. 

وإذا كانت الأسطورة الاسترجاعية تجعل من اليهود جماعة استيطانية، فإن الأساطير الأخرى كانت تجعل من سائر المستوطنين الغربيين البيض يهوداً. فالبيوريتان، أي المُتطهِّرون، وهم المستوطنون الأوائل في الولايات المتحدة، كانوا يتوحدون تماماً بالعبرانيين القدامى. فهم، في خروجهم من أوربا ودخولهم الأرض العذراء، كانوا يتصورون أنهم يشبهون تماماً العبرانيين القدامى حينما خرجوا من مصر ودخلوا كنعان، وأن استيلاءهم على أرض أمريكا العذراء وإبادة سكانها يشبه استيلاء العبرانيين على المدن الكنعانية وإبادة سكانها (حسب الرواية التوراتية). ومن ثم، نجد أن أرض أمريكا كان يُشار إليها بوصفها صهيون الجديدة، وكان المستوطنون يشيرون إلى أنفسهم بأنهم أبناء العهد (بل لقد اقترح أحدهم، لدى التفكير في اختيار لغة للولايات المتحدة بعد استقلالها، أن تكون العبرية لغة الدولة الجديدة). ونجد أن الأسطورة نفسها تسيطر وبشكل درامي على المستوطنين البيض في جنوب أفريقيا (الأفريكانر).

هذا من ناحية الإطار الفكري أو التصوري. أما من ناحية الممارسة التاريخية الفعلىة، فيمكننا القول بأن الاستيطان أصبح البُعد الأساسي في تجارب أعضاء الجماعات اليهودية. بل ويمكننا الذهاب إلى أنه لايمكن فهم تفاعلات هذه التواريخ وحركياتها إلا بإدراك مدى استيعاب أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الغربي (أي غالبية يهود العالم) في تجربته الاستيطانية. فقد اشترك أعضاء الجماعات اليهودية في كثير من النشاطات الاستيطانية خصوصاً في البلاد البروتستانتية إما كممولين أو كجماعة وظيفية استيطانية. ومع بداية العصر الحديث، كانت أهم جماعة يهودية في العالم تُوجَد في هولندا التي كانت من أنشط الدول الاستيطانية. وقد ساهم اليهود في كثير من النشاطات المرتبطة بالاستيطان الغربي، مثل شركتي الهند الشرقية والغربية الهولنديتين وغيرهما من الشركات وفي تجارة العبيد كما اشترك عدد من أعضاء الجماعات اليهودية في عملية الاستيطان ذاتها في بداية الأمر كان أعضاء الجماعة جزءاً من النشاط الاستيطاني الهولندي، فاستوطنوا ابتداءً من منتصف القرن السابع عشر في الهند الغربية في ترينيداد والمارتينيك وجامايكا وجزر الباهاما وكوراساو وسورينام. 

وكوراساو هي إحدى جزر الهند الغربية الهولندية على مقربة من سـاحل فنزويلا، مسـاحتها 212 ميلاً مربعـاً، احتلها الأسـبان عام 1527، ثم استولى عليها الهولنديون عام 1634. وتعود أهميتها إلى أنها من التجارب الأولى للجماعات اليهودية الاستيطانية، وإلى أنها تندرج في إطار الاستعمار الاستيطاني الغربي الذي بدأ نشاطه في العالم الجديد واستمر في التوسع إلى أن وصل إلى آخر حلقاته في فلسطين في العصر الحديث. وقد جرى أول استيطان يهودي في كوراساو عام 1650 حين وصلت 12 عائلة يهودية يحمل أفرادها خطاباً من مجلس هولندا يطلب من حاكم الجزيرة أن يمد لهم يد المساعدة، بأي صورة من الصور؛ بالعبيد أو بالأرض أو بالأحصنة أو القطعان أو الأجهزة. ويبدو أن اليهود كانوا جماعة استيطانية زراعية، على حين أن المستوطنين الهولنديين كانوا يهملون الزراعة لأن تجارة البضائع المهربة كانت أكثر ربحاً. ومع هذا، يبدو أن التجربة لم تنجح تماماً بسبب بعض القيود التي فُرضت على حركتهم (ربما بسبب جو محاكم التفتيش الذي ساد العالم الجديد والذي وجد طريقه إلى كوراساو رغم أنها كانت تابعة لهولندا). ولذا، حينما طلب مجلس هولندا إلى أحد أعضاء الجماعة اليهودية أن ينقل مزيداً من الأسر اليهودية إلى كوراساو وعرض منحهم حقوقاً وامتيازات اسـتثنائية (مثل الإعفاء من الضرائب لمدة عشـرة أعـوام، وحق حيازة الأراضي التي يجدونها ملائمة، وحق الامتناع عن العمل يوم السبت)، لم يجد هذا الطلب أذناً صاغية. وحينما استولت البرتغال على البرازيل من هولندا، عام 1654، فرت مجموعة من اليهود إلى كوراساو وأخذت رأس مالها معها. وقد كان ضمن نشاطاتهم الأساسية تجارة العبيد. وفي تلك الآونة، أُزيلت كل القيود عن الجماعة اليهودية. وفي عام 1693، رحلت مجموعة من اليهود إلى الولايات المتحدة، فكانت أول جماعة يهودية تستوطن فيها.
 يتبع إن شاء الله... 


الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية    الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 4:08 pm

ولكن سورينام كانت أهم التجارب الاستيطانية الأولى، وقد بدأ وصـول اليهود إليـها عام 1639 من هـولندا ثم من إنجلترا عام 1652، فكُفلت لهم كل الحريات والمزايا، ومُنح اليهود الجنسية الإنجليزية. وبعد أن ضم الهولنديون سورينام مرة أخرى، عام 1667، حاول بعض اليهود عام 1674 الرحيل مع الرعايا البريطانيين، ولكن الهولنديين أرغموهم على البقاء فيها باعتبارهم جماعة استيطانية نافعة. وقد تَركَّز اليهود فيما يُسمَّى «يودين سافان»، أي «سافاناه اليهود»، وأسسوا مستوطنة يهودية في برزدينتس أيلاند عام 1670 كانت تتمتع بما يشبه الاستقلال الكامل (ومن ثم فهي أول دولة أو شبه دولة يهودية استيطانية قتالية في العصر الحديث). وكان اقتصاد المستعمرة يعتمد على العبيد الذين راحوا يشقون الطرق ويزيلون الغابات والأعشاب، حتى أقاموا مدينة جديدة محاطة بالطرق. وقد بلغ عدد سكان المستعمرة عشرة آلاف نسمة عام 1719، غالبيتهم الساحقة من العبيد بطبيعة الحال. وكان العبيد المُستجلَبون من أفريقيا يهربون ويلجأون إلى الأحراش ويختلطون بسكان الجزيرة الأصليين، فيضطر سكان المستوطنة إلى استجلاب المزيد من العبيد من أفريقيا، ولكنهم كانوا يهربون بدورهم وينضمون إلى السكان الأصليين. ثم بدأ تحالف من جماعات العبيد الأفارقة والسكان الأصليين في شن هجمات على المستوطنة في الفترة من 1692 ـ 1774، وكوَّن المستوطنون البيض ميليشيات عسكرية وجردوا الحملات ضد الثوار (تماما كما تفعل الدولة الصهيونية ضد الفلسطينيين)، ولكن الإرهاق من الحرب وانتشار الأمراض أدَّى إلى انتصار تَحالُف السود السكان الأصليين وإلى سقوط أول دولة يهودية في العصر الحديث. 

كما استوطن اليهود معظم بلاد أمريكا اللاتينية، خصوصاً الأرجنتين التي وطَّن فيها المليونير هيرش آلاف اليهود، فيما يُعدُّ أهم تجربة اسـتيطانية زراعية في العصر الحديث بخلاف تجربة إسـرائيل. 

ويُلاحَظ أن هذه النشاطات الاستيطانية تدور إما في إطار الاستعمار الهولندي (البروتستانتي) أو الاستعمار الإسباني والبرتغالي (الكاثوليكي). والمادة البشـرية الأسـاسية هنا هي يهود السـفارد (المارانو). ولكن المادة الاستيطانية الحقيقية كان مصدرها يهود اليديشية (الإشكناز في روسيا وبولندا في شرق أوربا) الذين كانوا يشكلون الغالبية الساحقة ليهود العالم مع نهاية القرن التاسع عشر، وهي أيضاً الفترة التي شهدت الهجرات الاستيطانية الغربية. ويمكننا أن نترك التسلسل التاريخي قليلاً، لنركز على حركة يهود اليديشية داخل إطار التشكيل الاستعماري الروسي (الأرثوذكسي) في عصر القياصرة ثم في عصر البلاشفة. 

وقد تحكمت في السياسة الاستيطانية عند الروس والبلاشفة عدة عوامل متداخلة: 

1 ـ المسألة اليهودية، ومحاولة دمج اليهود ثقافياً واقتصادياً. 

2 ـ المشكلة السكانية في روسيا باعتبارها دولة مترامية الأطراف. 

3 ـ محاولة الدولة الروسية ترويس المناطق التي ضمتها من الدولة العثمانية وغيرها من المناطق، وخَلْق كثافة سكانية روسية فيها (وهنا كان اليهود يُعَدّون جماعة وظيفية استيطانية روسية). 

وفي محاولة دمج الجماعة اليهودية، كان التصور السائد أن المسألة اليهودية يمكن حلها، أو التخفيف من حدتها، بتحويل اليهود إلى جماعة وظيفية استيطانية تُنقل إلى أماكن مختلفة فتستفيد الدولة الروسية بتعمير الأراضي وتتخلص في الوقت نفسه من الفائض اليهودي (وهذا هو المنهج الغربي الصهيوني نفسه، أي حل المسألة اليهودية لدول أوربا عن طريق نقل اليهود إلى فلسطين وتوطينهم فيها، وبذا تصبح فلسطين قاعدة للغرب).

وفي الفترة بين عامي 1807 و1808، خصَّص القيصر بعض أراضيه لتوطين بعض أعضاء الجماعة اليهودية فيها لتحويلهم إلى عنصر نافع، ولدمجهم في المجتمع. وبعد ضم الخانات التركية حول البحر الأسود، سُميَّت المنطقة المحتلة باسم «روسيا الجديدة»، وتم تشجيع اليهود على الاستيطان فيها بهدف تعميرها وتأكيد الوجود السكاني الروسي فيها. وقد استمر البلاشفة في الاتجاه الاستعماري الاستيطاني نفسه والذي يرمي إلى حل المسألة اليهودية وتعمير المناطق التي تم ضمها في آن واحد. وفي إطار هذا، تم توطين اليهود في بيروبيجان، وجري التفكير في توطينهم في القرم. ويجب أن نشير هنا إلى أن كثيراً من اليهود الموجودين في الجمهوريات السوفيتية (غير الروسية) السابقة، مثل جورجيا وأوزبكستان وبخارى وليتوانيا ولاتفيا، يوجدون فيها في إطار الاستعمار الاستيطاني الروسي السوفيتي الذي كان يرمي إلى خَلْق كثافة سكانية روسية. 

ولكن النشاط الاستيطاني الأكبر ليهود اليديشية كان داخل التشكيل الاستيطاني الأنجلو ساكسوني (البروتستانتي)، فاتجه ملايين اليهود إلى جنوب أفريقيا وكندا ونيوزيلندا وأستراليا وهونج كونج، واتجهت غالبيتهم (85%) إلى الولايات المتحدة أهم التجارب الاستيطانية الغربية. وقد يُثار هنا سؤال: بأي معنى يمكن استخدام اصطلاح «جماعة وظيفية استيطانية» في حالة المهاجرين اليهود، مع أنهم كانوا ضمن جماعات أخرى من المهاجرين الغربيين الذين هاجروا بكامل حريتهم، علماً بأن الولايات المتحدة لم تعد دولة استيطانية بعد إعلان استقلالها؟ وسنقر ابتداءً بأن استخدام المصطلح في هذا السياق فيه شيء من التجاوز وقَدْر من المجاز.

ومع هذا يمكن أن نشير إلى مايلي: 

1 ـ لم تفقد الولايات المتحدة طابعها الاستيطاني إلا مع بداية القرن العشرين، بل إن عملية طرد السكان الأصليين وإبادتهم لم تبدأ إلا عام 1830. وقد ضمت الولايات المتحدة أراضي شاسعة من المكسيك وغيرها بعد ذلك التاريخ، وهي أراض احتاجت إلى مستوطنين. كما أن رعاة البقر (أو الكاوبوي) في الغرب الأمريكي ظلوا ملمحاً أساسياً في الحضارة الأمريكية، ورعاة البقر هم الرواد (حالوتسيم) الأمريكيون البيض. 

2 ـ لم يكن اليهود أحراراً تماماً في عملية الهجرة، فقد صنفتهم أوروبا باعتبارهم فائضاً بشرياً منبوذاً. 

3 ـ كانت الولايات المتحـدة تسـمح ليهــود اليــدشية بالهــجرة إلـيها والاستيطان فيها بقدر حاجتها إليهم، وبما يتفق مع أمنها القومي. 

ويجب ملاحظة أن الدول الاستيطانية التي استقرت فيها غالبية اليهود، بدأت تفقد طابعها الاستيطاني وتتحول إلى دول مستقرة ذات بنية سكانية ثابتة واضحة. ومع اختفاء السكان الأصليين، تلجأ هذه المجتمعات إلى الحصول على المادة البشرية بطرق قانونية (عن طريق الهجرة)، وتقوم بدمج وصهر العناصر الوافدة. كما أنها دول ذات مستوى اقتصادي متقدم استوعب أعضاء الجماعات اليهودية فيه دون تمييز أو قيود، وهي مجتمعات ذات أصول بروتستانتية وصلت إلى درجة عالية من العلمنة والتعاقدية. لكل هذا، فهي مجتمعات لا تحتاج إلى أي متعاقدين غرباء أو جماعة وظيفية تجارية أو زراعية أو استيطانية أو قتالية، إذ يتم تجنيد العاملين (والخبراء والمقاتلين) من داخل المجتمع ذاته. ولعل هذا يُفسِّر سر اختفاء اليهود باختفاء الوظيفة التي كانت سبباً من أسباب استمرارهم. 

من كل ما تَقدَّم يتبين مدى ارتباط الجماعات اليهودية في العالم (الغربي بالذات) بالاستيطان وبالقتال. ويمكن أن نشير هنا إلى ظاهرة أخرى وهي أن العالم العربي بدأ، منذ حوالي منتصف القرن التاسع عشر، في تحويل اليهود المستعربة، أي يهود العالم العربي المحليين، إلى جماعة وظيفية استيطانية تدين له بالولاء بغض النظر عن أصولهم العرْقية والحضارية. 

وقد تم هذا من خلال عدة قنوات: 

1 ـ منح الجنسيات الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها لأعضاء الجماعة اليهودية. 

2 ـ فرنسة يهود العالم الغربي من خلال مدارس الأليانس. 

3 ـ هجرة عناصر يهودية غربية إلى العالم العربي تولت قيادة الجماعات اليهودية في العالم العربي. 

ومع انتصاف القرن العشرين، وظهور الدولة الصهيونية، تم تحويل الغالبية العظمي من يهود العالم العربي إلى مادة استيطانية لاجذور لها في المنطقة وعلى استعداد لأن تُنقل إلى أي مكان وأن تُوظَّف لصالح من يقوم بعمليات النقل والتوظيف والتمويل . 

ومن الأمور الجديرة بالذكر أن أعداداً كبيرة من المستوطنين الفرنسيين في الجزائر كانوا يهوداً أتوا من فرنسا أو تم تجنيدهم من بين صفوف اليهود المحليين الذين كان يتم فرنستهم، كما كانت الفرقة الأجنبية (الفرنسية) تضم أعداداً كبيرة من اليهود. 

ونحن نرى أن من الأفضل تفسيرياً أن ننظر إلى الدولة الصهيونية لا باعتبارها دولة عادية لها نمط إنتاجي مما هو معروف (إقطاعي ـ رأسمالي... إلخ) وإنما باعتبارها دولة وظيفية، فهي إعادة إنتاج لنمط الجماعة الوظيفية الاستيطانية القتالية على هيئة دولة. وقد تم توقيع عقد بلفور بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية العالمية والذي جرى بمقتضاه نقل من يرغب من اليهود إلى فلسطين ليصبح عنصراً اسـتيطانياً قتالياً يدافع عن المصـالح الغربية نظير مستوى معيـشي مرتفع، وهذا هو نمط القتال نظير المال. ولذا، فإن إسرائيل، بالنسبة للراعي الإمبريالي الجديد (الذي حل محل البطالمة والسلوقيين والرومان والنبلاء البولنديين [شلاختا])، هي أساساً، وظيفة تُؤدَّى ودور يُلعَب. 

ولم يُطلَق مصطلح «مرتزقة» على الصهاينة لأن هذا المصطلح لا يترك انطباعاً طيباً في النفس البشرية، ولذا يُطلق الصهاينة على أنفسهم اسم «حالوتسيم»، أي «المنخرطون في السلك العسكري في مقدمة الصفوف»، ومن هنا تأتي ترجمتها بكلمة «الرواد». ويُشار إلى إسرائيل بأنها قلعة على حدود أوربا في الشرق وحصن ضد الهمجية الشرقية. ومن المعروف أن المرتزقة، في العصور الحديثة، كانوا يوضعون دائماً في مقدمة الصفوف، أي على الحدود الأمامية، كما حدث على سبيل المثال عام 1956 عند إنزال القوات البريطانية أثناء العدوان على مصر، حيث أُنزل الأفارقة والهنود في بداية الأمر باعتبارهم مادة بشرية رخيصة، ثم أُنزلت المادة البشرية البريطانية الثمينة فيما بعد. وهذا هو وضع الدولة الصهيونية، والرواد الصهاينة، حيث يوضعون في المقدمة، فهم الشعب المختار للاستيطان والقتال. 

ولا يُنظَر إلى الدولة الصهيونية إلا من منظور مدى نفعها: فهي تارة ثروة إستراتيجية، وهي تارة أخرى حاملة طائرات وحارس للمصالح الغربية. ولكنها، في جميع الأحوال، أداة ووسيلة وحسب لا غاية أو هدف. وتتسم الدولة الصهيونية الوظيفية أيضاً بالعزلة عما حولها حتى يتسنى لها الاضطلاع بوظيفتها بكفاءة. 

وبعد أن ضمت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، تبلورت الأمور تماماً. وأدرك المستوطنون الصهاينة هويتهم كجماعة وظيفية استيطانية قتالية. وقد وصل هذا الاتجاه إلى ذروته في فكر جماعة جوش إيمونيم التي ترى أن الاستيطان والقتال عبء مقدَّس ملقى على عاتق الشعب المختار، وأن على اليهودي أن يقبل مصيره الإلهي إذ لاخيار له.

ويمكننا أن نقول إن الدور الذي تلعبه الدولة الصهيونية، والوظيفة التي تضطلع بها، هما السلعة الأساسية التي تنتجها، وهما مصدر دخلها الثابت. ولذا، يمكننا الحديث عن هذا الدور باعتباره إحدى علاقات الإنتاج مع الإمبريالية (وعلاقات الفتك مع الشعب الفلسطيني المُستَهْدَف). وقد سمينا المستوطنين الصهاينة «المماليك الاستيطانية القتالية» تمييزاً لهم عن «المماليك المالية» وهم الجماعات اليهودية الوظيفية المالية. ونحن نرى أن هذا النموذج التحليلي أكثر تفسيرية لأنه يفسر كثـيراً من جوانب الاقتصاد الإسرائيلي والسياسية الخارجية الإسرائيلية. ومع هذا، فإننا نذهب إلى أن دور الدولة الوظيفية الصهيونية سيتغير، مع ظهور النظام العالمي الجديد، حيث سيتراجع دورها القتالي (المرتبط بوضعها الاستيطاني) وسيتحول «المماليك الاستيطانية القتالية» إلى «المماليك المالية» مرة أخرى، وسيحل رأس المال العالمي محل السيف والمدفع ورأس المال الربوي، وسيحمل الجنرال الإسرائيلي السابق السامسونايت بدلاً من المدفع الرشاش، وسيحضر بالطيران المدني المكيف بدلاً من الطيران العسكري وبالليموزين بدلاً من الدبابة، ولن يمطرنا بالصواريخ والنابالم، كما كان يفعل حتى عهد قريب، وإنما بعقود الصفقات التجارية المريبة والرشاوى الخفية التي تفسد العباد وتفلس البلاد. 

وكما قال شمعون بيريز: « الشعب اليهودي لا يهدف إلى السيطرة وإنما يهدف إلى البيع والشراء »، أي أن الجنرال أصبح إنساناً اقتصادياً يمثل شعباً مختاراً لعمليات البيع والشراء والأعمال المالية. ومثل هذا الإنسان لا يحب ولا يكره فهو يبحث عن الربح، كما أنه لا يصدع رأسه بالحديث عن القيم أو المطلقات أو الهويات، ولا يكنُّ احتراماً للآخر لأنه لا يكنُّ احتراماً لذاته، وهو في النهاية عنصر حركي طرح عن نفســه تراثه وقيمه ونزع نفسه من وطنه ليستوطن أرض الآخرين. وعلى هذا، فإن هدف العمليات القتالية والاستيطانية والمالية واحد في كل هذه الحالات، ضمان تدفق خيرات هذه الأرض لقوى خارجها. 

وقد لُوحظ أن أعداداً كبيرة من الإسرائيليين تعمل مرتزقة في بعض دول العالم الثالث. وتشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 2000 فرد من الجيش الإسرائيلي عملوا كمرتزقة ومدربين في أفريقيا على مدى الأعوام الثلاثين الماضية بدءاً بالطيارين في أوغندا وانتهاءً بالمظليين في زائير. وتُوجَد شركات خاصة (مثل شركة ليفدان) يديرها جنرالات سابقون ويشغل صفوفها أفراد سُرِّحوا حديثاً من الجيش الإسرائيلي. ويتلقى المرتزق الإسرائيلي مبلغ 2500 دولار علاوة على بدلات أخرى. وقد صرح مسئول من الشركة بأن ما تفعله هذه الشركة لا يختلف عما كانت تفعله الحكومة الإسرائيلية لسنوات طويلة.

جمـاعـة يهــودية وظيفيــة تجاريــة 
Jewish Trading Functional Group 

«الجماعة الوظيفية التجارية» هي الجماعة التي يضطلع أفرادها بالتجارة والنشاطات التجارية. وقد ارتبط أعضاء الجماعات اليهودية بمهنة التجارة في كثير من المجتمعات الإنسانية. ويُفسِّر أعداء اليهود هذه الظاهرة بصيغهم اللفظية الجاهزة، مثل: « الطبيعة اليهودية الخاصة » أو « خصوصية الشخصية اليهودية » أو « النزوع الأزلي عند اليهود نحو استغلال الآخرين ». وهناك أيضاً التفسير الصهيوني الذي لا يقل تهافتاً عن الصيغ السابقة، وهو « أن المجتمعات التي عاش فيها اليهود فرضت علىهم مهنة التجارة ثم الربا فرضاً ومنعتهم من الاشتغال بالزراعة أو ملكية الأراضي الزراعية ». وهكذا، فبينما يرى التفسير الأول (المعادي لليهود) أن الأغيار ضحية عنف اليهود، يرى التفسير الصهيوني أن اليهود هم ضحية عنف الأغيار. وهذه الأقوال السابقة كلها لا قيمة لها من الناحية التفسيرية، ولولا شيوعها لما كلفنا أنفسنا عبء ذكرها أو الرد عليها. 

ولكن، بدلاً من استخدام النماذج التفسيرية العنصرية الجاهزة التي تختزل التفاصيل وتعفي الإنسان من مشقة التفكير والتمحيص، يمكننا أن نستقرئ أحداث التاريخ المتعيِّن وبعض تفاصيله الدالة لنصوغ منها نماذج أكثر تركيبية وتفسيرية. لقد ورد ذكر العبرانيين لأول مرة في التاريخ المدوَّن على أنهم بدو رحل يقومون بالرعي والتجارة. ولكن، عند استقرارهم في أرض كنعان عملوا بالزراعة أساساً وظل نشاطهم التجاري محدوداً بل يكاد يكون منعدماً. ويُلاحَظ أن لفظ «كنعاني» كان مرادفاً للفظ «تاجر» (هوشع 12/8 وأشعياء 23/8 وأمثال 31/24). ولعل هذا يُفسِّر خلو العهد القديم من الإشارة إلى التجارة باعتبارها نشاطاً اقتصادياً مهماً، بعكس الإشارات الكثيرة إلى الزراعة والقوانين والطقوس والشعائر والأعياد المرتبطة بها. وإن كان ثمة رأي يذهب إلى أن هذا لا يعكس بالضرورة حالة المجتمع العبراني قبل قيام المملكة المتحدة وإنما يعكس، في واقع الأمر، الموقف السلبي الذي اتخذه كُتَّاب العهد القديم المحافظون ضد التجار وشئون المال. ولكن مما له دلالته أن التلمود يضم كتاباً كاملاً يُسمَّى «زراعيم» يتناول أمور الزراعة. 

ومهما تكن حقيقة الأمر، فقد تغيَّر الوضع مع ظهور المملكة العبرانية المتحدة التي كانت تشكل وحدة سياسية كبيرة نوعاً ما ولها سلطة مركزية أكثر مما كان علىه الحال إبان عصر القضاة. فقد كانت دولة في حاجـة إلى تمـويل المشـروعات المعمارية الكبرى مثل هيكل سليمان، ووجدت أنه قد يكون من الممكن توفير الاعتمادات اللازمة من خلال النشاط التجاري. ومما شجع على هذا الاتجاه موقع فلسطين باعتبارها ممراً رئيساً بين التشكيلين الحضاريين الأساسيين في الشرق الأدنى القديم (مصر وبلاد الرافدين)، فضلاً عن وقوعها على واحد من أهم طرق التجارة في العالم القديم، بحيث كان بإمكان من يحكمها أن يحقق أرباحاً كبيرة من خلال التجارة. وبالفعل، قامت الدولة العبرانية بتطوير العلاقات التجارية مع مدينة صور إحدى أهم القوى التجارية الاقتصادية آنذاك. واشتركت الدولتان في إنشاء أسطول في عتسيون جابر، ونشطت تجارة وصناعة التجميع، فكانت المملكة تشتري العربات الحربية من مصر وتُجمِّعها وتشتري الأحصنة من مصادر أخرى وتبيعها لملوك سوريا من الحيثيين والأراميين. وقد تكون قصة ملكة سبأ وزيارتها لسليمان دليلاً على ازدهار التجارة الدولية للمملكة العبرانية المتحدة. ومما يجدر ذكره أن الدولة احتكرت هذه التجارة. أما التجارة الداخلية، فيبدو أنها ظلت ضئيلة الشأن وبدائية تأخذ شكل المقايضة. ولم يتغيَّر الوضع كثيراً بعد انقسام المملكة المتحدة إلى المملكتين الشمالية والجنوبية. 

ولكن الصورة تبدأ في التغير قليلاً مع التهجير البابلي، حيث اشتغل بالتجارة كثير من أعضاء الجماعة اليهودية المهجَّرين، خصوصاً أن الإمبراطورية البابلية كانت لديها تجارة دولية نشطة في ذلك الوقت. وقد تحوَّلت الجماعة اليهودية في بابل إلى جماعة وظيفية وسيطة، وأصبح هذا هو النموذج السائد مع ازدياد انتشار الجماعات اليهودية في العالم القديم خارج فلسطين، إذ ظهرت جماعات يهودية وسيطة في أرجاء الدولة الفارسية وفي الإسكندرية وروما وفي أنحاء أخرى من العالم القديم. لكن هذا لا يعني أن جميع اليهود، في جميع أنحاء العالم، كانوا يعملون بالتجارة منذ التهجير البابلي، إذ أن من الثابت تاريخياً أن قطاعات كبيرة منهم ظلت تعمل بالزراعة في بابل وفي بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط. 

وقد تبلور تماماً هذا الاتجاه نحو العمل بالتجارة مع سقوط الدولة الرومانية وبداية العصور الوسطى في القرن الخامس الميلادي، إذ تعرضت أوربا بعد سقوط الإمبراطورية لهجمات القبائل البربرية، مثل: الوندال والفرنجة والهن والقوط والسكسون والتيوتون وغيرهم، وهو ما أدَّى إلى تَحوُّل مركز الحياة ثانيةً من المدينة (التي كانت تمر بالمراحل الأولى من نموها) إلى الريف. وأدَّى هذا بدوره إلى حدوث تراخ شديد في عملية تَحوُّل الاقتصاد من إنتاج طبيعي استهلاكي يستند إلى القيمة الاسـتعمالية إلى إنتـاج بضاعي يسـتند إلى القيمـة التبادلية. ونتيجة ذلك، ظلت القارة الأوربية كياناً استهلاكياً بصورة أساسية، يُصدِّر العبيد والنساء والصبيان والفراء والسيوف ويستورد الأقمشة والحبوب والتوابل وغير ذلك من المنتجات التي تستهلكها بالدرجة الأولى طبقة الإقطاعيين والنبلاء. ونجم عن هذا استقطاب المجتمع الأوربي إلى طبقتين: طبقة السادة ملاك الأراضي وطبقة الفلاحين. وكانت أولاهما تحتكر التجارة، أما الثانية فلم تكن قادرة على الاضطلاع بها لعدم تَوفُّر رأس المال أو الخبرة لديها. لكن النشاط التجاري لم يكن من الاتساع بحيث يستدعي ظهور طبقة تجارية محلية. وأدَّى هذا الوضع إلى اتساع الهوة بين الطبقتين، ومن هنا كان من الطبيعي أن يضطلع بوظيفة التجارة جسم غريب مثل أعضاء الجماعة اليهودية الذين كانوا يقطنون المدن والموانئ مع التجار الفينيقيين. ويقول الحاخام آجوس: « لقد ورثت المسيحية القانون الروماني المعادي للتجارة والربا، بينما ورث اليهود المدن والحياة في المدينة وتقاليدها القانونية والحضارية ». وهذا قول يتسم بكثير من المبالغة ولكنه، مع هذا، يصف جانباً مهماً من الواقع. 

وبعد الفتح الإسلامي وضم منطقة سوريا وفلسطين، تبلور دور اليهود كتجار داخل التشكيل الحضاري الغربي بصورة نهائية. وبالتالي اختفى التجار الفينيقيون، وفُتح المجال على مصراعيه أمام اليهود ليصبحوا الجماعة الوظيفية الوسيطة الوحيدة تقريباً في الغرب. بل وأصبحت الجماعات اليهودية، بانتشارها في حوض البحر الأبيض المتوسط وفي العالمين الإسلامي والمسيحي، تشكل أول نظام ائتماني عالمي يُسهِّل عملية انتقال التاجر من بلد إلى آخر ويُيسِّر عمليات التبادل التجاري وينظمها. وبذلك، أصبح أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون الجسر التجاري والمالي بين العالمين الإسلامي والمسيحي مع بداية العصر الوسيط في الغرب، ولعبوا دوراً خطيراً في التجارة الدولية بينهما. ومما يجدر ذكره أن التجارتين الدولية والمحلية كانتا مرتبطتين تماماً، إذ كان التاجر يحمل السلعة من بلد إلى آخر أو من سوق إلى آخر ويبيعها بنفسه أو يبيعها لتاجر يهودي آخر مقيم في المدينة. ويُقال إن أعضاء النخبة الحاكمة في مملكة الخَزَر كانوا يرغبون في تطوير التجارة بمملكتهم، ومن ثم اعتنقوا اليهودية حتى يمكنهم التمتع بالتسهيلات الائتمانية التي يتمتع بها اليهود في شتاتهم، أي انتشارهم. 

ومن العناصر التي ساهمت في تحوُّل الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية، علاقتها الخاصة بالزراعة في أوربا إبَّان العصور الوسطى (انظر: «علاقة الجماعات اليهودية بالزراعة»).

ولعل العنصر الحاسم في عملية تحويل أعضاء الجماعة اليهودية إلى جماعة وظيفية وسيطة هو اكتمال ملامح النظام الإقطاعي، فهو مجتمع يقوم على التفرقة بين الطبقات والجماعات ويحافظ على استقلال كل واحدة منها وعلى هويتها، كما أنه مجتمع يستند إلى التضامن المسيحي. وقد كان على الفلاح أن يقسم يمين الولاء الديني، كما كان الملوك يحكمون بالحق الإلهي للملوك. ولهذا، لم يَعُد بإمكان اليهودي أن ينتمي إلى مثل هذا المجتمع بعد تبلور هويته المسيحية، فلم يَعُد بوسع اليهودي، على سبيل المثال، أن يؤدي الخدمة العسكرية أو يمتلك الأراضي أو يزرعها لأن كل هذا يتطلب يمين الولاء المسيحي. ولمّا كانت الزراعة والقتال هما الوظيفتان الأساسيتان في المجتمع الإقطاعي الغربي فقد تَحوَّل اليهودي بالدرجة الأولى إلى غريب، كما استُبعد على المستوى الاقتصادي والديني والحضاري، أي على جميع المستويات تقريباً. ولذا لم يكن أمام أعضاء الجماعات اليهودية سوى أن يملأوا الفراغات في المجتمع ويضطلعوا بالوظائف التي ليست من صميم بنيته، أي أنهم تَحوَّلوا إلى وسطاء عليهم شراء المواثيق من الملوك والأمراء، وتوثقت علاقتهم بالسلطة الدنيوية الحاكمة حتى أصبحوا أقنان بلاط يتبعون التاج الملكي والخزانة الملكية ويُوضَعون تحت حماية الملك ويشكلون ما يشبه الملْكية الخاصة له، يحققون له الأرباح عن طريق التجـارة والقيام بنشـاطات مالية وإدارية أخـرى مثل: جمع الضرائب والعمل في بعض الصناعات، أي أنهم أصبحوا جزءاً من الطبقة الحاكمة وأداة طيعة لها. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية    الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 4:13 pm

وقد يكون من المفيد هنا أن نحذر من افتراض وجود نموذج عام يُطبَّق بأسلوب واحد وعلى مستوى العالم الغربي من مرحلة زمانية إلى مرحلة زمانية أخرى. فالنموذج الذي طرحناه عام للغاية ويصلح إطاراً تصورياً متحرراً إلى حدٍّ ما من الزمان والمكان، وذا قيمة تحليلية وحسب، ويظل التطور التاريخي ذاته مختلفاً ومليئاً بالتعرُّجات والنتوءات. ويمكننا أن نقول إن النموذج ينطبق إلى حدٍّ كبير على إنجلترا، وبدرجة أقـل على فرنسـا حيث كان يوجـد يهود يعملـون بالزراعة. وفي ألمانيا، استولى النبلاء على حق ملكية اليهود إذ أصدر تشارلز الرابع مرسوماً بذلك في عام 1356 يسمح لهم بامتلاك وحماية اليهود. وكان هناك يهود يعملون بالحرَف، مثل الصباغة وصناعة الحرير والدباغـة والصياغـة، خصوصاً في إسـبانيا الإسـلامية وإسبانيا المسيحية. ويختلف الوضع في إيطاليا من مقاطعة إلى أخرى ومن مرحلة زمنية إلى أخرى. ويمكن أن نضيف أن شرق أوربا كان وثنياً حتى القرن العاشـر الميلادي، أي أنه ظل خـارج هذا الإطـار تماماً لفترة زمنية طويلة. وحينما انضوى تحت هذا الإطار، فإنه ظل تشكيلاً اقتصادياً له خصوصيته، ولعب اليهود داخله دوراً مغايراً بعض الشيء عن الدور الذي لعبوه في غرب أوربا ووسطها. 

وبعد كل هذه التحفظات، يمكننا أن نبدأ في عرضنا التاريخي، ونشير إلى أن اليهود أصبحوا ـ منذ القرن الخامس الميلادي ـ تجاراً دوليين ومحليين وازدادت أهميتهم مع الفتح الإسلامي. وقد أشار ابن خرداذبة إلى التجار الراذانية باعتبارهم تجاراً دوليين يمتد نشاطهم في كل أرجاء العالم القديم. وقد احتكر أعضاء الجماعات اليهودية معظم التجارة الدولية، سواء في حوض البحر الأبيض المتوسط أو في الطريق البري الشمالي عبر القارة الأوربية من خلال بلاد السلاف، في الفترة بين عامي 800 و1200. وكانوا يقومون بتجارة الأنسجة والفراء والعقاقير والسلع التَرفَيِّة التي يأتون بها من الشرق والرقيق الذي يأتون به من بلاد السلاف التي اشتُق اسمها من كلمة من لاتينية العصور الوسطى إسكلافوس scelavus أي «عبد»، ومن هنا أيضاً تسميتهم «الصقالبة». ولهذا، أصبح اليهودي المتجول معروفاً في كل مدينة وبلدة وفي كل سوق ومولد. وكانت الدول التي تريد إنعاش حركة التجارة فيها ترسل في طلب بعض اليهود وتوطنهم كي يقوموا بدور الوسيط وينشطوا الحركة التجارية التي يعجز المجتمع الزراعي بتنظيمه الجامد التقليدي عن القيام بها. ولهذا السبب، كان يُنص في المعاهدات أحياناً على تَبادُل اليهود. فقد اشترطت مدينة رافنا في معاهدة عُقدت مع البندقية في أواخر العصور الوسطى أن ترسل المدينة الأخيرة بعض اليهود ليقوموا بالأعمال المصرفية والتجارية فيها. 

كما كان الملوك يحاولون الحفاظ على اليهود ضمن اهتمامهم بالتجارة والحركة التجارية. وقد ارتبط أعضاء الجماعات اليهودية بالتجارة إلى درجة أن كلمة «تاجر» أصبحت مرادفة لكلمة «يهودي» تقريباً. ففي أحد المواثيق الألمانية الصادرة في القرن العاشر الميلادي (965) ترد إشارة إلى « اليهود والتجار الآخرين ». غير أنه ينبغي التنبيه إلى أن التجارة التي اشتغل بها أعضاء الجماعات اليهودية تتسم بصفتين أساسيتين، أولاهما أن التجارة اليهودية هي ما يعرف باسم «التجارة البدائية»، وهي تجارة تختلف عن التجارة الحديثة من عدة وجوه. فالتجارة الحديثة هي جزء عضوي وأساسي من نظام المجتمع الرأسمالي والرأسمالية الرشيدة، أما التجارة البدائية فتلعب دوراً ثانوياً وهامشياً في مجتمعات ما قبل الرأسمالية (العبودي والإقطاعي وغيرهما)، حيث يتميَّز الإنتاج في هذه المجتمعات بأنه إنتاج لقيمة استعمالية وليست تبادلية، أي أن الإنتاج كان موجهاً نحو إشباع حاجات المجتمع وحسب، وإذا ما تَبقَّى فائض من السلع بعد أن يستهلك المجتمع ما يريد، يقوم التاجر البدائي بنقله من هذا المجتمع إلى مجتمع آخر. كما كانت تنشأ داخل مجتمعات ما قبل الرأسمالية، حاجة إلى بعض السلع الكمالية مثل التوابل والذهب، فكان التاجر البدائي يقوم بتوريدها وسد الحاجة التي تنشأ إلىها. وبهذا المعنى، يمكن اعتبار التجارة البدائية تجارة هامشية دون أن يضفي هذا الاعتبار إيحاءات سلبية، فهي لا تلعب أيَّ دور في حركة الإنتاج وإنما تظل على هامشها. 

والصفة الثانية للتجارة اليهودية وثيقة الصلة بالأولى. فالتجاـرة اليهـودية، على خـلاف التجـارة التي تطورت بين المسيحيين، كانت منذ البداية مرتبطة بالطبقة الحاكمة في المجتمع الإقطاعي، حيث كان التاجر اليهودي (وكذلك المرابي اليهودي)، كما أسلفنا، ملكية للأمير أو الإمبراطور أو النبيل الإقطاعي، وكان يقوم بالتجارة ليحقق أرباحاً لا تتحول إلى رأسمال مستثمر في المجتمع وإنما تصب في خزائن النبيل الإقطاعي من خلال الضرائب والإتاوات التي كان على اليهود دفعها. ومن هنا، كانت التجارة اليهودية تعبيراً عن العلاقات القائمة في المجتمع الإقطاعي ولا تشكل نقيضاً لها على الإطلاق. ولعل هذا ما كان يعنيه ماركس حين أشار إلى وجود اليهود في مسام المجتمع الإقطاعي، فهم فيه وليسوا منه، وهم هامشيون في وجودهم لا يشكلون أي تحدٍّ له. 

ولكن حركيات التطور داخل المجتمع الغربي، التي جعلت اليهود يضطلعون بدور التجارة الدولية والمحلية، هي ذاتها التي جعلت اسـتمرارهم فيها مسـتحيلاً. وبعد أن كان وضعـهم القانوني مستقراً، بدأ هذا الوضع في الانهيار مع تضاؤل أهمية دورهم الاقتصادي. 

ويمكن أن نورد بعض الأسباب التي أدَّت إلى هذا الوضع: 

1 ـ سيطرت المدن الإيطالية في القرن العاشر الميلادي على التجارة في حوض البحر الأبيض المتوسط. ومما عقَّد الأمر بالنسبة للتجار اليهود، عدم وجود الإمكانات المالية أو العسكرية الكافية لامتلاك الأساطيل البحرية، وهو أمر كان متاحاً لمدينتي البندقية وجنوة اللتين كانتا تمتلكان أساطيل تجارية قوية وكانتا من أوائل المدن/الدول الأوربية التي ظهرت فيها طبقة تجارية نشطة. وقد حاولت هاتان المدينتان قدر استطاعتهما أن توقفا التجارة اليهودية. ومما عوض اليهود لبعض الوقت عن فقدانهم تجارة المتوسط تنشيط تجارتهم من خلال الطريق البري الذي يمر عبر الدول السلافية ابتداءً من إسبانيا وانتهاءً بالبحر الأسود.

2 ـ ساهمت حروب الفرنجة التي يُطلَق عليها اسم «الحروب الصليبية»، وهي تعبير عن الإرهاصات الأولى لولادة الرأسمالية الأوربية، في القضـاء علـى كثيـر من مراكز التجمـع التجـاري اليهـودي فـي أوربا. وإلى جانب ذلك، دعمت هذه الحروب العلاقات بين الدول الأوربية المختلفة وبدأت تظهر شبكة علاقات بينها. كما أصبح الطريق إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، وغيره من الطرق، مفتوحاً بعد أن أخذ التجار المسيحيون يتحركون بسهولة خلف جنود حملات الفرنجة. وقد ظهرت شبكة طرق في القارة الأوربية استخدمها التجار المسيحيون، ولكنها لم تكن آمنة بالنسبة للتجار من أعضاء الجماعات اليهودية، حتى أن السلطات سمحت للتجار اليهود بالتظاهر بأنهم مسيحيون حتى يمكنهم الانتقال بسهولة والاستمرار في تجارتهم. 

3 ـ بدأت تظهر هياكل مركزية حكومية في بعض الدول الأوربية مثل إنجلترا وفرنسا مع القرن الثالث عشر الميلادي، وفي إسبانيا بعد ذلك التاريخ. وهذه الهياكل لم تجد في أعضاء الجماعات اليهودية ـ من حيث هم أقنان بلاط ـ فائدة كبرى، ولذا طُرد اليهود في تلك المرحلة. ورغم عدم قيام سلطة مركزية في ألمانيا، فإن وضع اليهود تخلخل تماماً هناك. 

4 ـ بدأت تظهر في أوربا طبقة تجارية محلية بلغت شيئاً من القوة في القرن الحادي عشر الميلادي. وقد أخذت قوة هذه الطبقة في التعاظم، فبدأ التجار والحرَفيون في تكوين نقابات تضمهم وتقوم بالضغط لصالحهم، وتحاول طرد التاجر اليهودي المنافس الذي كان يحظى بالدعم من السلطة الإقطاعية. وبدأت المدن تكتسب شيئاً من القوة والاستقلال، ووصلت حركة استقلالها إلى ذروتها مع القرن الثالث عشر الميلادي، واستولى التجار من الطبقة الوسطى بصورة متزايدة على المجالس المدنية والحكومات المحلية. 

ومما يجدر ذكره أن الرأسمالية الحديثة أو الرشيدة في الغرب وُلدت على يد هؤلاء التجار المسيحيين وداخل جدران هذه المدن المستقلة الجديدة لا بين صفوف أعضاء الجماعات اليهودية أو داخل الجيتو أو الشتتل. حيث قام هؤلاء التجار بالاستثمار بعيد المدى في إنتاج سلعة ما وتخصصوا فيها وفي تصنيعها وتسويقها، أي أن العملية الإنتاجية لم تَعُد تهدف إلى إشباع الرغبات كما هو الحال داخل النظام الإقطاعي، بل إلى إنتاج سلع بهدف بيعها. وقد قام هؤلاء التجار المسيحيون بتضييق الخناق على التجار اليهود بدرجات متفاوتة من النجاح. وبدأت تسقط معاقل التجارة اليهودية في غرب أوربا ووسطها حتى اختفت التجارة اليهودية تماماً مع القرن السادس عشر الميلادي، باستثناء بعض الجيوب في إيطاليا ووسط ألمانيا حيث تَركَّز نشاطهم بالدرجة الأولى في الربا وأعمال الرهونـات، وإن ظلـوا يقومون بدور تجـاري أيضاً. 

وبالتدريج، أخذ أعضاء الجماعات اليهودية في تحويل مدخراتهم إلى النوع السائل الذي يَسهُل حمله من بلد إلى بلد، وتَحوَّل اليهودي إلى مبادلة النقد ثم إلى إقراضه بالفائدة العالية، أي أنه وجد نفسه خارج النشاط الزراعي ثم خارج النشاط التجاري فتَحوَّل من تاجر إلى مراب، وتَحوَّل اليهود ككل من جماعة وظيفية وسيطة تقوم بدور الوساطة بين طبقات المجتمع إلى جماعة وسيطة عميلة تقوم بدور الوساطة ولكنها في الوقت نفسه أداة في يد الطبقة الحاكمة أولاً وقبل كل شيء. 

ولكن معدلات النمو لم تكن متساوية في أوربا، فلم تكن البنية الاقتصادية لشرق أوربا تشبه البنية الاقتصادية لغربها مع بداية العصور الوسطى. ولذا، رحبت النخبة الإقطاعية الحاكمة في بولندا وليتوانيا في أواخر القرن الثالث عشر بالعناصر التجارية، مثل اليهود والأرمن والتجار الألمان، لتطوير القطاع التجاري الدولي والمحلي فيها، دون اللجوء إلى بورجوازية محلية لها جذور في المجتمع ولها قاعدة جماهيرية فيه قد تطالب بقدر من الاستقلال بعد أن يقوى ساعدها، وقد تطالب بالمشاركة في صنع القرار وتُصرُّ على تَبنِّي سياسة تهدف إلى حماية الصناعة والتجارة المحلية، الأمر الذي قد يُضرُّ بمصالح كبار الملاك الإقطاعيين الذين كانوا يُصدِّرون محاصيلهم إلى الغرب ويحتكرون التجارة في بعض السلع الحيوية. ومن ثم، وجد النبلاء الإقطاعيون البولنديون في التجار اليهود ضالتهم المنشودة لأنهم أكثر العناصر بُعداً وغربة عن البيئة، وبالتالي يمكنهم القيام بالنشاط التجاري والمالي والصناعي دون تشكيل أي خطر على انفتاح الاقتصاد الإقطاعي البولندي، فأصبحوا أداة هذا الإقطاع. وقد ظهر في بولندا يهود الأرندا الذين لعبوا دوراً أساسياً في تصدير المحاصيل البولندية إلى أوربا، ولاسيما إبَّان حرب الثلاثين عاماً (1618 ـ 1648(. 

وقد اضطلع يهود الأرندا بأنشطة مالية وصناعية أخرى مثل تحصيل الضرائب واحتكار تجارة الملح، وساهموا بذلك في ملء خزائن النبلاء وفي ضرب البورجوازية المحلية. 

وبعد سقوط التجارة اليهودية في غرب أوربا ووسطها وانسحاب التجار اليهود منها، ظهر عنصر جديد هو يهود إسبانيا والبرتغال من المارانو السفارد الذين طُردوا من شبه جزيرة أيبريا مع نهاية القرن الخامس عشر وانتشروا في أوربا والدولة العثمانية في القرن السادس عشر الميلادي. وكان يهود المارانو يمتلكون الخبرات اللازمة ورأس المال اللازم للأعمال المالية الكبرى، وهو ما جعلهم يمولون كثيراً من الشركات الاستعمارية الجديدة وعمليات الاستيطان والاستثمار في العالم الجديد. فاستقروا في البرازيل واشتركوا في تجارة السكر والرقيق والمنسوجات حيث استفادوا بعلاقاتهم بالحكومة البرتغالية التي كانت تملك مستعمرات في أفريقيا مثلت مصدراً جيداً للعبيد. 

وشهد منتصف القرن السابع عشر الميلادي ذروة تطوُّر الدور الاقتصادي للجماعات اليهودية في أوربا والعالم، حيث اكتملت حلقة ما يمكن تسميته «التجارة الدولية اليهودية» ووصلت إلى قمتها وأصبحت عالمية بشكل لم يسبق له مثيل. وكان يهود المارانو هم حلقة الوصل الأساسية في هذه التجارة، فتركزوا في المدن الأوربية الكبرى، خصوصاً في تلك البلاد التي يتبعها إمبراطوريات مثل هولندا وإنجلترا وإسبانيا والبرتغال، حيث احتفظ المارانو بعلاقتهم مع أقاربهم الذين لم يُطرَدوا من شبه جزيرة أيبريا. وبذلك أصبحوا يلعبون دوراً أساسياً في تجارة الأطلسي والعالم الجديد. كما تركز المارانو في هامبورج وبوردو وبايون، وظهر من بينهم (ومن صفوف الإشكناز) يهود البلاط الذين لعبوا دوراً أساسياً في تجارة الإمارات الألمانية ووسط أوربا بشكل عام. وكانت تساعد هذا المركز الأوربي قاعدة ضخمة من صغار التجار اليهود وتجار العملة، حيث كان يهود الأرندا الإشكناز في بولندا، الذين امتدت نشاطهم من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، يشكلون أحد أجنحتهم المهمة. أما الجناح الآخر، فتَمثَّل في يهود الدولة العثمانية الذين تمركزوا في موانئ البحر الأبيض المتوسط. بل وكان للمارانو - كما أشرنا - قاعدة في المغرب وفي المستعمرات البرتغالية في أفريقيا وفي المسـتعمرات الهولندية والإسـبانية والبرتغـالية والإنجليزية في العالم الجديد. وهكذا اكتملت هذه الحلقة التجارية الدولية الضخمة. ومع أواخر القرن السابع عشر الميلادي، بدأ يهود الإشكناز انتشارهم مرة أخرى في أنحاء العالم إلى أن أصبحوا أغلبية يهود العالم.

ويُلاحَظ أن عودة اليهود إلى دول غرب أوربا، في القرن السابع عشر الميلادي، كانت عودة إلى دول لها مشروعها الرأسمالي الاستعماري الضخم المتكامل. ولكن، رغم أنهم كانوا يمثلون عنصراً تجارياً نشطاً، إلا أنهم لم يشكلوا عنصراً مستقلاً يمثل تجارة يهودية ملتصقة بالإقطاع، بل أصبحوا تجاراً يدينون باليهودية ويشكلون جزءاً من كلٍّ غربي لا يتحكمون فيه ولا يشكلون فعالية مستقلة داخله، حتى وإن تمتعوا بقدر من الاستقلال، لأنه في النهاية قَدْر صغير لا يؤثر على الاتجاه العام للرأسماليات التي ينتمون إليها. وقد ظلت التجارة اليهودية الهامشية قائمة في وسط أوربا وشرقها بدرجة أكبر حتى عصر الإعتاق (في القرن الثامن عشر)، فظهرت بورجوازيات محلية في ألمانيا ثم بولندا أخذت تزاحم التجار اليهود وتطردهم. وقد تدهور وضع التجار اليهود، خصوصاً في بولندا بعد تقسيمها وبعد تَدنِّي وضع اليهود الاقتصادي فيها. ومن هنا ظهرت مسألة يهودية في كل من هذه البلاد. 

وكان للتجارة اليهودية دائماً بُعد سلبي أو مظلم، فقد كانت تجارة هامشية طفيلية " تعيش على تَخلُّف المجتمع " على حد قول ماركس، وتتسلل دائماً إلى الشقوق الناجمة عن التخلف، وإلى الأطراف التي تحفّ بها المخاطر ولا تجد من يعمل فيها، ولذا نجد أن أعضاء الجماعات اليهودية اشتغلوا بتجارات مشينة مثل: تجارة الرقيق والمشروبات الكحولية والرقيق الأبيـض، وهـي جميعاً تجارات كريهة للنفس البشرية. فكانت تجارة المشروبات الكحولية في شرق أوربا من النشاطات التجارية الأساسية بينهم، وكانت مشكلة السكْر مشكلة أساسية تواجه الفلاحين والأقنان في شرق أوربا، وهو ما زاد سخط الجماهير عليهم. كما أن احتكار أعضاء الجماعات اليهودية لبعض السلع الأساسية، مثل الملح (لحساب النبلاء الإقطاعيين)، جعلهم في حالة احتكاك وتوتر دائمين مع الفلاحين وكل عملائهم، رغم أن أرباح تجارة الكحول والملح كانت تَصبُّ أساساً في خزائن النبلاء ولم يكن اليهود سوى وسطاء فيها. ومنذ عام 1880، ومع تدهور دورهم التجاري، اشتغل بعض أعضاء الجماعات اليهودية بتجارة الرقيق الأبيض، فكانوا يُصدِّرون الفتيات اليهوديات من منطقة الاسـتيطان عبر جاليشـيا إلى العـالم الجديد، خصوصاً إلى الأرجنتين. وقد وصل نشاط تجار الرقيق الأبيض من اليهود إلى مصر والهند والصين أيضاً. 

كما أدَّى التدني التدريجي لوضع أعضاء الجماعات اليهودية، وتضييق الخناق عليهم، إلى اشتغالهم بأنواع من التجارة غير المشروعة مثل تهريب السلع دون دفع جمارك عليها. وساعدهم في ذلك تَوفُّر شبكة الاتصالات الضخمة لديهم، وتَحدُّثهم باللغة اليديشية التي لم يكن يفهمها سواهم. وكانت مثل هذه النشاطات مسئولة عن ظهور الصورة السلبية التي أشاعها عن اليهود المعادون لهم، وعمموها بعد عزلها عن الظروف الاجتماعية التي أدَّت إلى ظهورها، بحيث تحوَّلت هذه الصورة إلى نموذج يُعبِّر عن الطبيعة الأزلية لليهود! وقد حاربت مختلف الحكومات بقايا التجارة اليهودية وعزلتها، وحاولت دمج أعضاء الجماعات اليهودية عن طريق تحويلهم إلى عناصر اقتصادية منتجة، إلى أن قضت الثورات الشيوعية والإبادة النازية لبعض يهود الغرب على البقية الباقية من التجارة اليهودية الشرعية وغير الشرعية. 

ويُلاحَظ أنه لا يوجـد أثر للتجـارة اليهـودية في الولايات المتحدة، إذ أن اليهود هاجروا مع ملايين المهاجرين إلى مجتمع تجاري علماني نفعي يحكم على الأعضاء بمقدار مدى نفعهم ومدى إسهامهم الاقتصادي في مجتمعهم. ومع هذا، تركت التجارة اليهودية أثرها في يهود روسيا السوفيتية حيث تواجدت أعداد كبيرة منهم في قطاع تجارة التجزئة والسوق السوداء. أما في الولايات المتحدة، فيظهر أثر الميراث الاقتصادي للمهاجرين اليهود في تَركُّز رأس المال اليهودي في الصناعات القريبة من المستهلكين، مثل السينما والملابس، وفي بُعدهم عن الصناعات الثقيلة التي تتطلب استثماراً بعيد المدى وتنطوي على مخاطر كبيرة. ولكن ميراث التجارة اليهودية آخذ في الزوال تماماً. 

وقد ترك اشتغال يهود العالم الغربي بالتجارة والأعمال المالية أثره العميق فيهم، إذ يُعَدُّ اشتغالهم بالتجارة سبباً في « استمرارهم » واحتفاظهم بنوع من الاستقلال العرْقي والقومي، وهذه سمة أساسية في الجماعات الوظيفية. 

والتجارة اليهودية التي تفترض انعزال التاجر عن مجتمعه هي الأساس الاقتصادي للجيتو ولكثير من التصورات الدينية والفكرية التي يُقال لها «قومية» والتي تتحدث عن «الشعب اليهودي» و«الشعب المختار» الذي يُوجَد على هامش التاريخ أو ربما خارجه، شأنها شأن التاجر اليهودي. 

والتجارة اليهودية مسئولة عن تحديد صورة اليهودي في أدبيات معاداة اليهود. فاليهودي يظهر على أنه التاجر والمموِّل الشره والرجعي المحافظ في آن واحد. وربما يعود هذا إلى أن التجارة اليهودية نشاط شبه رأسمالي ولكنها تجارة مرتبطة بالنظام الإقطاعي، ولذلك فهي شيء مُبهَم يَصعُب تصنيفه. بل ويُقال إن الفلاحين كانوا ينظرون إلى التجارة اليهودية باعتبارهـا ضرباً من السحر، نظراً لطبيعتها الهامشـية والطفيليـة. فالنبيل الإقطاعي والفلاح يعملان بالزراعة، ولا غرابة إذا ظهرت ثمرة جهدهما، لأنهما يقومان بجهد في تحويل مادة ما (الأرض) إلى شيء آخر (الثمرة) من خلال الجهد الإنساني، أما اليهودي فكان لا يملك سوى رأسماله الذي يقوم بتحريكه (شراء السلع وبيعها) فيراكم الثروات دون جهد أو عمل دون أن ينتج شيئاً ملموساً وكأنه ساحر يخرج الأرنب من القبعة بتحريكها. 

والفكر الصهيوني ذو بُعد تجاري واضح، فهرتزل والصهاينة يتحدثون باستمرار وجدية عن شراء حائط المبكى بل وعن شراء فلسطين ذاتها. وانطلاقاً من التصور التجاري نفسه، لا يزال الإسرائيليون يتحدثون عن دفع تعويضات للفلسطينيين نظير أن يبحثوا لأنفسهم عن وطن آخر، كما تُقدِّم الحركة الصهيونية ما يشبه الرشوة لليهود السوفييت ليهاجروا إلى الأرض المقدَّسة. وأخيراً، فإننا نميل إلى تسمية الدولة الصهيونية بالدولة الوظيفية، فهي تلعب دوراً يشبه في كثير من النواحي دور التجارة اليهودية في أوربا. كما أن الدولة الصهيونية هامشية ترتبط مصالحها بمصالح الإمبريالية الغربية مثل ارتباط التجار اليهود بالطبقات الحاكمة التي كانت تستخدمهم أداة لضرب القوى الوطنية المحلية.

الراذانيـــة 
Radhanites 

«الراذانية» جماعة من التجار اليهود، وورد اسمهم في صيغتين: الراذانية عن ابن خرداذبه و الرادانية عند ابن فقيه. ويُقال إن الاسم مُشتق من كلمة «ردن» الفارسية بمعنى «عرف الطريق». وهناك من يذهب إلى أنه من الكلمة «رادنوس» اللاتينية (نهر الرون). ويختلف الباحثون في أصلهم فيقول البعض إنهم من جنوب فرنسا، بينما يذهب البعض الآخر إلى أنهم أصلاً من العراق. وقد وصف ابن خردازبه في كتابه المسالك والممالك نشاطهم في المجال التجاري، قائلاً إنهم يتكلمون « العربية والفارسية والرومية [اليونانية] والإفرنجية [لغة الفرنجة أي الفرنسية القديمة] والأندلسية [الإسبانية] والصقلية [اللغات السلافية] ». وهم يسافرون من الغرب إلى الشرق براً أو بحراً، من فرنسا إلى السند والهند والصين ثم يعودون حاملين من الصين المسك والعود والكافور. وهم في رحلتهم هذه يسلكون عدة طرق. يجلبون من الغرب الخدم والجواري والغلمان والديباج وجلود الخز والفراء والسمور والسيوف. وقد استمر نشاط التجار الراذانية حتى القرن التاسع الميلادي حين سيطرت المدن/الدول الإيطالية على التجارة الدولية. 

جماعـة يهودية وظيفية مالية (الربا والإقراض) 
Jewish Financial Functional Group (Usury and Money Lending) 

«الجماعة الوظيفية المالية» هي الجماعة التي يضطلع أعضاؤها بوظائف مالية مختلفة مثل الربا وجمع الضرائب. ويُفرِّق علم الاقتصاد الحديث والمؤرخون الاقتصاديون في الغرب بين الربا والإقراض بفائدة. ففي الإطار الربوي يتم الإقراض لسد حاجة أو لدفع ضريبة أو جزية أو لبناء قصر أو كنيسة أو لتجريد حملة عسكرية. والقرض الربوي لا يصبُّ في أية عملية إنتاجيـة، كما أن سـعر الفائـدة يكـون عالياً جداً وغير محدَّد، وغالباً ما يُحدَّد في ضوء مدى حاجة المدين إلى القرض. أما الإقراض بفائدة، فقد عُرِّف بأنه إقراض مبلغ من المال بهدف استثماره في شراء البضائع أو في مشروع صناعي لتحقيق ربح، والقرض هنا يصبُّ في العملية الإنتاجية وعادة ما يتم تحديد نسبة فائدة معقولة. لكن هذه التفرقة لم تكن معروفة أو معمولاً بها في العصور القديمة حتى الثورة الصناعية في الغرب. ولذلك، فسوف نستخدم مصطلح «الربا» للإشارة إلى عملية الإقراض بفائدة أياً كان الهدف وأياً كان سعر الفائدة، خصوصاً وأن الإقراض اليهودي كان في معظمه ربوياً بالمعنى الاصطلاحي للكلمة. وقد ارتبطت صورة اليهودي بشخصية المرابي في العقل الغربي وعَبْر التاريخ الغربي، وهي الصورة التي خلدها شكسبير بشخصية شيلوك في مسرحية تاجر البندقية. وقد فسر المعادون لليهودية اشتغال اليهود بالربا، مثلما فسروا اشتغالهم بالتجارة، على أنه جزء من طبيعتهم الأزلية ونزوعهم الأبدي نحو امتصاص دم الآخرين، في حين فسره المؤرخون الصهاينة بأنه وظيفة فُرضت على اليهود فرضاً باعتبارهم ضحايا أزليين لذئاب الأغيار. وليس لهذين التفسيرين أية علاقة بالواقع المتعيِّن للجماعات اليهودية. 

فقد كان العبرانيون، حين ظهروا لأول مرة في التاريخ، بدواً رُحَّلاً لا يتعاملون بالنقود، ولذا لم يكن هناك مجال للإقراض أو الاقتراض. ولم يكن اقتصاد المملكة العبرانية المتحدة متقدماً بما فيه الكفاية ليتطلب السيولة النقدية اللازمة لعمليات الاستثمار أو حتى لشراء السلع التَرفَيِّة، حيث كان الاقتصاد الداخلي بدائياً مبنياً على المقايضة والتبادل. أما الإنشاءات المعمارية التي قامت بها الدولة، فتم تمويلها من خلال التجارة الدولية التي احتكرتها. 

واشتغل العبرانيون المُهجَّرون إلى بابل بالزراعة، ولكن أعداداً منهم بدأت تقطن المدينة حيث اشتغلوا بالتجارة الدولية والمحلية، وظهرت بيوتات مالية تجارية ـ مثل بيت موراشو ـ كانت تُقدِّم القروض نظير فوائد. ويبدو أن بعض يهود الإسكندرية اشتغلوا بأعمال الربا، فيَذكُر يوسيفوس أن كبير الموظفين (ألبارخ) الإسكندري أقرض الملك أجريبا مبلغاً من المال. ولكن حالة يهود الإسكندرية كانت الاستثناء وليست القاعدة، ولذا لا نجد حتى القرن الرابع الميلادي أي هجوم على اليهود باعتبارهم مرابين. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية    الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 4:19 pm

ومع القرن السادس الميلادي، بدأ اشتغال أعضاء الجماعات اليهودية بالربا في الإمبراطورية الفرنجية. كما ظهر مرابون يهود في العالم الإسلامي، ولكنهم لم يحتكروا هذه المهنة إذ اشتغل بها أعضاء الأقليات العرْقية والدينية الأخرى كما اشتغل بها بعض أعضاء الأغلبية. ولم تتركز أغلبية اليهود في هذه المهنة بل كانوا يعملون في معظم الحرف والمهن الأخرى. وبدأ تَركُّز أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الغربي في مهنة الربا ابتداءً من القرن العاشر الميلادي. وفي محاولة تفسير هذه الظاهرة، تُساق عدة أسباب ربما كان أهمها اضطرار اليهود إلى اعتزال التجارة الدولية والمحلية، وظهور المدن/الدول الإيطالية، وحروب الفرنجة، وتشكيل نقابات الحرَفيين. ومن ثم اضطر اليهود إلى تحويل ممتلكاتهم إلى رأسمال سائل يَسهُل حمله، وإلى الاشتغال بأعمال الصيرفة واستبدال العملة ثم الربا. 

وقد شجعت على هذه العملية عدة أسباب أخرى أهمها: 

1 ـ كان أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون جماعة وظيفية وسيطة في التشكيل الحضاري الغربي. والجماعة الوسيطة هي التي تضطلع بوظائف (مثل الاتجار والإقراض بالربا) لا يقبل أعضاء المجتمع القيام بها بسبب ارتباطهم بأواصر قرابة أو صداقة أو جيرة تجعل دخولهم في علاقات موضوعية باردة محايدة أمراً عسيراً. ومن هنا كان من المنطقي أن يعمل أعضاء الجماعة اليهودية الوسيطة، الذين يقومون بمهنة التجارة، بالربا حينما تضطرهم الظروف إلى تغيير وظيفتهم. 

2 ـ ولعل التنظيم الجامد للمجتمع الإقطاعي الغربي لعب دوراً أساسياً في هذا المضمار، فلم يكن أمام التاجر اليهودي الذي كانت تُغلَق أمامه فرص التجارة بدائل كثيرة مطروحة، إذ لم يكن بمقدوره أن يعمل في الزراعة أو القتال أو في كثير من الحرف الأخرى، خصوصاً بعد تشكيل نقابات الحرفيين التي كانت تُعَد أكثر القطاعات عداء لليهود. 

3 ـ تُحرِّم الكنيسة الربا على المسيحيين حيث صدرت عدة قرارات في هذا الشأن. وكان أولها قرار اتُخذ في مجمع نيقيا في عام 325 ثم في مجمع أورليان في عام 538، ولكن هذه القرارات كانت تُحرِّم الربا على رجال الدين لا على جميع المسيحيين، إلى أن صدر قرار شارلمان عام 789. ووصل التحريم قمته في المجمع اللاتراني الثالث عام 1179 حيث شمل التحريم كل المسيحيين ( « إن الذين يجهرون بالربا لا يُقبَلون في العشاء الرباني وإذا ماتوا وهم على إثمهم لا يُدفَنون دفن المسيحيين، وليس لقسيس أن يقبل صلواتهم»). أما اليهودية فلم تُحرِّمه، ولكنها حرَّمت إقراض اليهودي لأخيه اليهودي بالربا، فقد جاء في سفر التثنية (23/19 - 20) « لا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء مما يُقرَض بربا للأجنبي. تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها » ومن المعروف أن الجماعات الوظيفية تتبنى مقاييس أخلاقية مزدوجة، مقاييس تنطبق على عضو الجماعة وأخرى تنطبق على أعضاء المجتمع المضيف. ومع هذا، يجب الإشارة إلى أن الفقه الديني اليهودي لم يتقبل بسهولة مسألة الإقراض بربا وقد قال راشي في القرن الحادي عشر الميلادي «إن كل من يقرض أجنبياً بفائدة سيهلك » 

وقد أصبح التحريم أقل حدة في القرن الحادى عشر الميلادي عندما أصدر أحد الحاخامات فتوى مفادها أن اليهودي ينبغي عليه ألا يقرض الأغيار بربا، حين يكون بوسعه أن يكسب رزقه بطريقة أخرى. كما أصـدر الحاخـام أليعـازر بن ناثان (من ألمانيـا) فتوى مماثلة جاء فيها: « حينما لا يملك اليهود حقولاً أو كروماً يمكنهم العيش من ريعها، يصبح إقراض المال بربا ضرورياً لكسب رزقهم ومسموحاً به ». وقد جاء في المشناه « بإمكان الإنسان أن يُقرض ويقترض بربا من الكفار ». ولكن وردت إلى جانب ذلك تحفظات بحيث لا تصبح المسألة مطلقة، فأورد التلمود اقتباساً من المزمور 15 الذي جاء فيه « فضته لا يعطيها بالربا »، كما جاء في سفر الأمثال (28/8) ما يبيِّن أن الإقراض بالربا ليس مُحرَّماً ولكنه مع هذا مكروه، ثم ذُكر أن الإقراض بالربا مباح إذا كانت الفائدة ضرورية لحياة الإنسان وليس الهدف منها الحصول على الثروة والترف. 

4 ـ تزامنت عملية تَحوُّل أعضاء الجماعات اليهودية عن التجارة مع ظهور حاجة ماسة إلى المال السائل اللازم لتجريد حملات حروب الفرنجة ولبناء الكاتدرائيات والكنائس. بل وبدأت تظهر في أوربا، بسبب التحولات الاقتصادية العميقة التي كانت تخوضها آنذاك، حاجة ماسة إلى اقتراض النقود، لا لسـد الحاجة الشـخصية وإنما للاسـتثمار التجاري، أي أن عملية الاقتراض بدأت تصبح مسألة أساسية للنظام الاقتصادي.

وفي القرن الحادي عشر الميلادي، تصاعدت وتيرة تَحوُّل أعضاء الجماعات اليهودية عن التجارة واشتغالهم بالربا. وبعد عدة عقود، كان معظم السكان في أوربا المسيحية، في غربها ووسطها، مدينين لليهود الذين أصبحوا مالكين لقرى ومدن بل بعض الأماكن المسيحية المقدَّسة مثل الأضرحة والمزارات. وقد احتكر اليهود عملية الإقراض نظير فائدة عالية بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين، وأصبح الربا هو مصدر حياة معظم يهود أوربا. وأصبحت كلمتا «مرابي» و«يهودي» مترادفتين مع نهاية القرن الثالث عشر الميلادي. 

وقد مارس المرابون اليهود نشاطهم في إنجلترا مع بداية القرن الحادي عشر الميلادي حتى منتصف القرن الثالث عشر الميلادي. أما في فرنسا، فقد مارسوا نشاطهم في فترات مختلفة من نهاية القرن الثاني عشر الميلادي حتى نهاية القرن الرابع عشر الميلادي. واكتسب أعضاء الجماعات اليهودية أهميتهم في ألمانيا، بوصفهم مرابين، من القرن الثالث عشر الميلادي حتى القرن الخامس عشر الميلادي. ثم امتد نشاطهم بعد ذلك إلى بولندا واستمر حتى القرن التاسع عشر الميلادي. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن كل أعضاء الجماعات اليهودية تحولوا عن التجارة، إذ ظل هناك يهود يعملون بها حتى القرن الخامس عشر الميلادي بل وحتى بعد ذلك التاريخ، خصوصاً في الدول السلافية. كما أن من المعروف أن التجارة اليهودية وصلت قمة ازدهارها في القرن السابع عشر الميلادي أيام يهود البلاط. 

وقد كُسر احتكار أعضاء الجماعات اليهودية للربا مع ظهور جماعات من المرابين المسيحيين مثل جماعات فرسان المعبد الألمانية، واللومبارد في إيطاليا، والكوهارسين في فرنسا. ويبدو أن الكنيسة الكاثوليكية ذاتها كانت متورطة في عمليات الإقراض بالربا وكانت تلتف حول التحريم الذي أصدرته بأن تقوم بإقراض المال المطلوب للمدين الذي يقدم كضمان قطعة أرض تقوم الكنيسة باستثمارها لحسابها وتستولى على ريعها الذي يشكل الفائدة إلى حين استرداد القرض الأصلي. كما ساندت الكنيسة كثيراً من جماعات المرابين. وقد منح البابا إنوسنت الرابع في عام 1248 لقب «أبناء الكنيسة الرومانية المميَّزين» للمرابين المسيحيين. ومع هذا، كان ارتباط كلمة «المرابي» بكلمة «اليهودي» من القوة حتى أن إحدى القصائد الألمانية تشير إلى «اليهود المسيحيين» أي «المرابين المسـيحيين». وكانت كلمـة «لومبـارد» أيضـاً مرادفة لكلمة «مرابي»، ولذا يُوجَد نص فرنسي (1315) يشير إلى «اللومبارد واليهود والمرابين الآخرين ». 

وقد احتدمت المنافسة في بداية الأمر بين أعضاء الجماعات اليهودية من جهة، واللومبارد والكوهارسين من جهة أخرى. فهؤلاء المرابون كانوا يشغلون المكانة نفسها ويضطلعون بالوظيفة نفسها ويتمتعون بالمزايا نفسها وتنزل بهم الكوارث نفسها، فقامت صراعات بينهم لهذا السبب. وحينما اضطهد هنري الثالث ملك إنجلترا الكوهارسين في عام 1251 وزج ببعضهم في السجن (وفرَّ البعض الآخر)، عم الفرح أعضاء الجماعة اليهودية. ولكن بعد عامين، حينما قام لويس التاسع بطرد اليهود، استولى الكوهارسين على بيوتهم وممتلكاتهم بحماس غير عادي. 

وكانت المواثيق تعامل أعضاء الجماعات اليهودية وغيرهم من المرابين على قدم المساواة، وكانوا أحياناً يُطرَدون جميعاً كما حدث عام 1427 في برن (سويسرا). 

ومع ذلك لم يقوَ المرابون اليهود على الاستمرار في المنافسة، إذ تمتَّع المرابون المسيحيون بمساندة حكوماتهم التي كانوا يوفرون لها قدراً كبيراً من الأمن اللازم للعمليات المالية. ولكن الأهم من هذا أن جـماعات اللومـبارد أو الكوهارسين كانت لديهم شبكة اتصال ضخمة، وكان بوسعهم تدبير قروض ضخمة لم يكن بمقدور اليهود تدبيرها. ومع تراجع الكنيسة باعتبارها أحد المنافسين، وتأييدها اللومبارد وغيرهم، ومع تزايد ابتزاز الأمراء لأقنان البلاط، أي المرابين اليهود، سقط الربا اليهودي مع نهاية العصور الوسطى ولم تعد لرأس المال اليهودي أهمية كبرى، كما لم يعـد هناك رأسـمال يهودي ضـخم عند وقوع الثورة التجارية. 

وبينما كان المرابي اليهودي في البداية يُقرض الملوك والأباطرة ثم كبار النبلاء الإقطاعيين، فإنه راح يُقرض صغار النبلاء والفرسان ثم بعد ذلك الحرفيين والفلاحين والفقراء. وبدلاً من وجوده بجوار الطبقة الحاكمة، انسحب إلى الهامش حيث لم يَعُد اليهود يشكلون الجماعة الوظيفية الوسيطة الوحيدة. وهبط اليهودي من مرتبة الصيرفي إلى المرابي الذي يُقرض مبالغ صغيرة لمدة قصيرة بفائدة عالية وبضمان رهونات بسيطة مثل درع أو قطعة حلي أو بعض الملابس. ولعل ماحدث في مدينة ريجنزبرج في ألمانيا مثل جيد على هذا التدهور التدريجي التاريخي، فحتى عام 1250 كانت بلدية المدينة هي أهم مدين لليهود، وحتى عام 1400 كان أهم المدينين هم النبلاء ورجال الدين. أما بعد ذلك التاريخ، فقد احتل الفرسان ومواطنو المدن والحرفيون هذا المكان. وفي القرن الثالث عشر الميلادي، كان القرويون في جنوب فرنسا يُشكلون 65% من المقترضين حيث اقترضوا 43% من المبالغ، وكان سكان المدينة يشكلون 30% من عملاء المرابين اليهود حيث اقترضوا 41%، وكان الفرسان والنبلاء يمثلون 2% واقترضوا 9%، ورجال الدين 1% واقترضوا 5%. ولم يكن النمط مختلفاً في إنجلترا، حيث تخصص المرابي اليهودي في إقراض الطبقات الفقيرة التي يقترض أعضاؤها أموالاً ثم يجدون بعد ذلك في الغالب صعوبة بالغة في تسديد الديون. 

وقد امتد نشاط المرابي اليهودي إلى بني جلدته على عكس تصورات المعادين لليهود. ولكن الإقراض في هذه الحالة كان يأخذ شكلاً خاصاً حتى يتم التحايل على أشكال التحريمات الدينية الخاصة بعدم إقراض اليهودي بالربا. فكان المرابي يصبح شريكاً موصياً أو شريكاً يشترك بالمال لا بالعمل وينال نصيباً من الربح إذا كسبت التجارة، ولا يخسر شيئاً من ماله إذا لم يربح، وهذا هو ما تفعله بعض البنوك الإسرائيلية الآن لتتمكن من إقراض الإسرائيليين دون الإخلال بالقواعد الدينية. 

وكان المرابي يلعب دوراً اقتصادياً أساسياً في المجتمع الغربي، فإن أراد الأمير الإقطاعي تزويج ابنته أو تجريد حملة في حروب الفرنجة أو تعمير أرض جديدة، أو أزمعت دار البلدية بناء كنيسة أوكاتدرائية، أو واجه أعضاء الطبقات الفقيرة مصاعب شخصية فجائية، في كل هذه الحالات كان المرابي هو الذي يزود المجتمع بالأموال السائلة التي يحتاج إليها والتي تضمن استمراره. وعلى سبيل المثال، ساعد هارون (من لنكولن في إنجلترا) في القرن الثاني عشر الميلادي في بناء ما لا يقل عن تسع كاتدرائيات. كما موَّل المرابون اليهود بعض حملات حروب الفرنجة.

والربا اليهودي، شأنه شأن التجارة اليهودية، كان عملية هامشية غير منتجة. فالمرابي برغم أهميته لا يلعب دوراً متعيِّناً واضحاً في العملية الإنتاجية، إذ إن أساس فائض القيمة في النظام الإقطاعي هو نمط الإنتاج الإقطاعي ذاته الذي ينتج قيمة استهلاكية وحسب دون الاهتمام بالقيمة التبادلية. وكان الأمير الإقطاعي والفلاح يشتركان في الإنتاج، أما المرابي فيظل خارج العملية أو على هامشها. ومن هنا، فإن الإقراض الربوي، شأنه شأن التجارة البدائية، لا يلعب دوراً في العملية الإنتاجية لأنه إقراض من أجل الاستهلاك أو نشاطات أخرى تقع خارج نطاق العملية الإنتاجية، على عكس الإقراض الرأسمالي الذي يُوظَّف في العملية الإنتاجية ذاتها. بل إن الإقراض هو أحد أسس عملية الإنتاج الرأسمالي. ولا شك في أن هذه الهامشية جعلت عناصر المجتمع تنظر إلى اليهودي على أنه شخصية طفيلية لا تبدع ولا تنتج، ولكنها تستولي على عائد الإنتاج. بل كان البعض يرون أن الربا، مثله مثل التجارة البدائية، يُعَدُّ شكلاً من أشكال السحر، إذ ينتج المرابي الثروة عن طريق تحريك أمواله لا عن طريق أي جهد إبداعي متعيِّن. 

لكن المرابي اليهودي لم يكن سوى أداة في عملية اقتصادية ضخمة إذ كان يَعُدُّ من أقنان البلاط، أي ملكية خاصة للملك يبيعهم متى شاء. وكانت أموال المرابي تئول إلى الملك من الناحية القانونية، ولكنه كان من الناحيـة الفعـليـة يتركهـا لأولاد المرابي حـتى يســتمروا في وظيفتهم. وكان الأمير أو الملك يبيع لليهود المواثيق التي تحميهم، وتحدد حقوقهم وتؤكدها، وتضمن لهم الأمن اللازم للاستمرار في العمليات المالية. وهذه حقوق لم يكن يتمتع بمثلها سكان المدن أو عامة الشعب. وكانت عملية بيع المواثيق هذه تضمن أن تصب ثمرة العملية الربوية بأسرها في خزانة الملك الذي كان يُسمَّى «شيخ المرابين». أما اليهود فلم يكونوا سوى الوسيط الذي يلعب دور الإسفنجة، فهم يمتصون ثروة الشعب التي يعتصرها الحاكم فيما بعد عن طريق منح المواثيق لأعضاء الجماعة اليهودية وفرض الضرائب علىهم. وقد كان اليهود أكبر مصدر دخل للملك في إنجلترا، حيث كانوا يشكلون حوالي 12% من كل مصادر دخله. وفي بعض الإمارات المسيحية، في إسبانيا مثلاً، كانوا يشكلون نسبة أكبر من ذلك. 

وقد اضطر أعضاء الجماعات اليهودية إلى الاعتماد الكامل على الملك أو الأمير الإقطاعي لحمايتهم من غضب الجماهير وفتكها، وكان هو بدوره يفضلهم في مرحلة من المراحل على غيرهم من المرابين نظراً لعجزهم وانفصالهم عن المجتمع ولعدم وجود قاعدة بشرية تدعمهم وتساندهم، وهو ما جعل منهم جماعة وظيفية وسيطة مثالية. وهنا لابد من الإشارة إلى أننا نميِّز بين الجماعة الوظيفية الوسيطة والجماعة الوظيفية الوسيطة العميلة. فالجماعة الوسيطة، رغم قربها من الطبقة الحاكمة، تؤدي خدمة لكل طبقات المجتمع. أما الجماعة العميلة، فهي أداة في يد الحاكم يستخدمها لصالحه ضد بقية طبقات المجتمع. وعلى هذا، كان التاجر اليهودي وسيطاً، أما المرابي اليهودي فكان عميلاً. 

ولكل هذا، كان الملك يبذل قصارى جهده ليمنع المرابين من اعتناق المسيحية إذ أن هذا يشكل إضعافاً وتبديداً للأداة التي يستخدمها. وكان المرابي الذي يَتنصَّر يفقد كل ثروته التي كانت تئول إلى العرش، لأنه لا يحق له أن يتمتع بثمرة الرذيلة (أو هكذا كان التبرير والادعاء). كما كان الملك يمنع اليهود من العمل في أي وظيفة أخرى، وكانت المواثيق التي تُمنَح لهم تمنع المسيحيين من الاشتغال بالربا. وقد طُرد طبيب ألماني مسيحي من مدينته لأنه تعدى على الحقوق والاختصاصات التجارية والمالية لليهود بأن اسثمر أمواله في الربا من خلال صديق يهودي له. وكان الملك يلجأ عند عجزه عن تسديد ديونه، إلى منح المرابي اليهودي حق جَمْع الضرائب من الفلاحين. ولكنه كان يلقي بالمرابي اليهودي إلى الجماهير الغاضبة، كبشاً للفداء، إذا ما ثبت أنه يكلف أكثر مما يفيد. ولعل هذا هو السبب في أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يراكموا قط رأسمالاً كافياً ولم يتحولوا قط إلى طبقة حاكمة، بل كانوا يعملون دائماً من خلال السلطة الحاكمة وفي خدمتها. 

ورغم أن المرابي اليهودي كان مجرد أداة، إلا أنه أصبح محط كراهية معظم أعضاء المجتمع وطبقاته، بما في ذلك المستفيدون منه. فقد كانوا يرون الربا شراً لابد منه، ولكنه شر أكيد، حيث تُعَدُّ كراهية المرابي أمراً متأصلاً في المجتمعات البشرية. وكان لفظ «سكتور sector» يُطلَق على كل من المرابي والقاتل في الإمبراطورية الرومانية. وربما يُعزَى توجيه تهمة الدم لليهود والقول بأنهم يطبخون عجين عيد الفصح بدم طفل مسيحي إلى اشتغالهم بمهنة الربا، فهم يمتصون دم ضحاياهم مجازاً. وليس من الصعب على الوجدان الشعبي أن يضع ما هو مجازي مقام الحقيقة الواقعة. 

وثمة أسباب متباينة جعلت المرابي اليهودي محط كراهية شديدة من كثير من الطبقات. فبالنسبة للطبقات الفقيرة، كان المرابي هو أداة الاستغلال المباشرة حيث كان يحتك بهم بشكل دائم، فضلاً عن أنهم كثيراً ما كانوا يخفقون في تسديد ديونهم فيفقدون مصدر رزقهم ذاته سواء كان هذا المصدر قطعة الأرض أو الآلات التي يعملون بها أو ملابسهم ذاتها. أما كبار النبلاء، فكانوا يرون في اليهودي قوة مالية ضخمة تساند الملك في صراعه معهم، كما أن المرابي اليهودي كان يعوق محاولتهم الاستيلاء على أراضي صغار البارونات الذين كان المرابي اليهودي يقرضهم فيحققون البقاء والاستمرار. وكان سكان المدن يرون في المرابي اليهودي غريماً لهم، وأداة في يد الحاكم الإقطاعي يستخدمها لقمعهم ولإعاقة تطورهم، خصوصاً أنه كان يتمتع بمزايا لا يتمتعون بها. ثم كان هناك عداء الكنيسة لهم، وهو عداء له بطبيعة الحال جذوره الدينية العقائدية وإن كان قد اكتسب بعداً اقتصادياً أيضاً لأن الكنيسة كما أسلفنا كانت تقوم هي ذاتها بالإقراض وتساند جماعات من المرابين. 

ومن أكبر مصادر الكراهية، ارتفاع سعر الفائدة عن معدلها المفترض وهو 12.5%. لكن المرابي لم يكن يتمتع في العصور الوسطى بضمانات كافية، بل كان معرضاً باستمرار لخسارة أمواله وفقدان حياته. كما لم يكن في مقدور المرابين على الدوام أن يلزموا مدينيهم بالوفاء بالتزاماتهم عن طريق الالتجاء إلى القانون، فكانوا دائماً مهدَّدين بالطرد. ويضاف إلى ذلك أن القانون المسيحي في العصور الوسطى، بتحريمه الربا، قد اضطر المرابين إلى ابتداع حيل قانونية عديدة من بينها وجود وسيط بين الدائن والمدين، الأمر الذي كان يؤدي إلى زيادة سعر الفائدة. فوصلت الفائدة في إنجلترا إلى ما بين 43 و86% وفي النمسا (في عام 1244) إلى 173% وفي بروفانس (فرنسا) إلى 300%. ومن الصعب على من يقترض بمثل هذه الفائدة أن يسدد ديونه. ولذا، كانت عملية الإقراض والتسديد تنتهي بتوجيه تهمة السرقة إلى المرابي، وهي كذلك بشكل من الأشكال. ومما كان يدعم شكوك الناس في المرابي أن المواثيق التي كانت تُمنَح للمرابين اليهود تجعل من حقهم الاستيلاء على الأشياء المرهونة حين يعجز أصحابها عن تسديد القرض والتصرف فيها حتى لو اكتُشف أنها مسروقة، وكان هذا يتناقض مع القانون والأعراف الألمانية. ومن هنا، تصورت الجماهير أن المواثيق التي تُمنح لليهود تحابيهم وأنها بمنزلة ستار لتغطية عمليات السرقة الفعلية.

وكان اليهودي يسقط ضحية الثورات الشعبية لأنه قريب ومتاح ومباح باعتباره عضواً في جماعة وظيفية، على خلاف الملك الموجود في قصره خلف حراسه، والذي يشكل الهجوم عليه لا مجرد مظاهرة شعبية وإنما ثورة هائلة. ويُلاحَظ في الهجمات الشعبية على المرابين أنها لم تستهدفهم باعتبارهم يهوداً وإنما باعتبارهم مرابين. ومن هنا كانت الجماهير لا تميِّز بين اليهود أو اللومبارد والكوهارسين أو غيرهم من المرابين مثل أعضاء العصبة الهانسية في إنجلترا (حوالي عام 1381). وحينما كانت الجماهير تطلب طرد المرابين، فإنها لم تكن تخص المرابين اليهود وحدهم بهذا الطلب بل كان يتم طرد وملاحقة كل المرابين. وحينما كان المرابون اليهود يُطردون « إلى الأبد » من مدينة أو مقاطعة ويحل محلهم مرابون لومبارد أو كوهارسين، كانت الجماهير تكتشف أن المرابين الجدد ليسوا أفضل من اليهود الأشرار. بل تذكر المصادر أن متوسط معدل الفائدة الذي كان يتقاضاه اليهود كان أقل في العادة من المعدل الذي كان يتقاضاه اللومبارد والكوهارسين، ربما بسبب ضعف مركزهم. ولكن هناك حالات، كما حدث في بوهيميا في نهاية القرن الخامس عشر، تقاضى فيها اليهود ضعف معدل الفائدة الذي كان يتقاضاه المرابي غير اليهودي، وذلك حتى يمكنهم تسديد الضرائب المفروضة عليهم. وكثيراً ما كانت المدن التي تطرد اليهود تطلب عودتهم من جديد، وترحب بهم، وتعتبرهم منقذين، لتقوم بطردهم مرة أخرى بعد فترة. وفي الفترة من 1300 إلى 1500 طُرد اليهود مائة وخمسين مرة من أماكن في جنوب ووسط أوربا، ولكن ورغم ذلك، لم تخل هذه المنطقة منهم في أية لحظة تاريخية. 

وقد ترك اشتغال الجماعات اليهودية بالربا أعمق الأثر عليهم، فقد جعلهم جماعة هامشية مكروهة من المجتمع، بغيضة لدى معظم طبقاته. وكرد فعل لمشاعر الكراهية ضدهم ولهامشيِّتهم، نمت في صفوفهم أفكار مثل الشعب المختار الذي لا علاقة له بالتاريخ أو الجغرافيا، فضلاً عن النزوع إلى تقسيم العالم إلى «يهود أبرار» و«أغيـار أشــرار»، وهذه هي التربة التي نمت فيها الصهيونية فيما بعد. 

وكان بعض أعضاء الجماعات اليهودية يرون أن الاشتغال بالربا وسيلة من وسائل الانتقام من الأغيار، وطريقة لتوسيع الهوة بين اليهود وغيرهم. وبالتالي لم يَعُد الربا مجرد مهنة أو مصدر للدخل وإنما أمراً مرغوباً فيه في حد ذاته، وتَحوَّل من مجرد وظيفة إلى فعل رمزي ذي مضمون نفسي مُحدَّد. وهذه طريقة إنسانية مألوفة يبرر بها الإنسان ما يقوم به من أعمال بغيضة تتنافى مع إنسانيته، بل إن بعض المفكرين الدينيين وصف الاشتغال بالربا بأنه طريقة مثالية لتحقيق أرباح سريعة دون إنفاق وقت طويل بما يتيح لليهودي التفرغ لأسمى أهداف حياته، أي دراسة التوراة. وقد فسر بعض الحاخامات ازدهار الدراسات التلمودية في ألمانيا، والدينية على وجه العموم، بأن اليهود كانوا يعملون فيها بالربا أكثر من أي بلد آخر. 

ومن جهة أخرى، ترك اشتغال أعضاء الجماعات اليهودية بالربا أو الإقراض الربوي أثراً عميقاً في هيكلهم الوظيفي، فلم تظهر بينهم طبقة رأسمالية، ولم يحصلوا على قوة سياسية حقيقية بل تزايد ارتباطهم بالمجتمع الإقطاعي واعتمادهم الكامل على القوة السياسية الحاكمة. كما اشتغلوا بحرَف مرتبطة بأعمال الرهونات، مثل إصلاح الملابس المُستعمَلة وتسويقها وإصلاح الدروع والمجوهرات. وكان من شأن هذا كله أن يؤثر في التطور الاقتصادي اللاحق للجماعات اليهودية في أوربا. 

ويرتبط نظام الأرندا بالإقراض الربوي داخل إطار الإقطاع الاستيطاني في أوكرانيا، فقد كان المرابي اليهودي يقوم بإقراض النبيل الإقطاعي البولندي بضمان ريع ضيعته ثم يتعاقـد النبيل مع اليهـودي لإدارة الضـيعة، فـكان هـذاالأخير يلجأ إلى قمع واستغلال الفلاحين الأوكرانيين حتى يسترد قرضه. والواقع أن نظام الأرندا هو أهم مؤسسة في التاريخ الاقتصادي للجماعات اليهودية في الغرب، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار التطورات اللاحقة وظهور الدولة الصهيونية التي تدخل في علاقة مع الولايات المتحدة من ناحية والعرب من ناحية أخرى، تشبه في كثير من الوجوه علاقة أعضاء الجماعات اليهودية بالنبلاء البولنديين والفلاحين الأوكرانيين. 

غير أن وضع أعضاء الجماعات اليهودية تدهور، كما أسلفنا، في معظم أنحاء أوربا، فاشتغلوا بأعمال الرهونات. ولكن، مع القرن السابع عشر الميلادي وظهور يهود المارانو السفارد الذين اشتغلوا أيضاً بإقراض الدولة والملكيات المطلقة وتوفير المال اللازم للوفاء باحتياجاتهم، بدأت طبيعة الربا اليهودي في التغير. فالأمراء الذين يقترضون من يهود البلاط كانوا ينفقون جزءاً من تلك الأموال في الترف والحروب، ولكنهم كانوا ينفقون الجزء الآخر في تطوير الصناعات في إماراتهـم وفي تحـديثها. وبذلك نكـون قـد بدأنا في دخول العصر الحديث. وقد وجد رأس المال اليهودي طريقه إلى النظام المصرفي الحديث، ولكنه أصبح في أوربا الغربية جزءاً صغيراً من كلٍّ أكبر، بحيث لا يمكن الحديث عن رأسمال يهودي مستقل. وكان الوضع في ألمانيا مختلفاً حيث تَركَّز اليهود في أهم ثلاثة مصارف بعد الحرب العالمية الأولى. ولكن النازية قضت على هذا الهيكل الاقتصادي.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية    الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 4:26 pm

جماعــة وســـيطة 
Middleman Group 

»الجماعة الوسيطة« هي الجماعة الوظيفية التجارية أو المالية التي تضطلع بدور التجارة والإقراض بالربا وبدور الالتزام. 

التجارة اليهودية 
Jewish Trade 

انظر: «جماعة وظيفية يهودية تجارية« 

الربا اليــهودي 
Jweish Usury 

انظر: «جماعة يهودية وظيفية مالية (الربا والإقراض) « 

الضـرائب التي يدفعهـا أعضــاء الجماعـات اليهوديـة 
Taxes Paid by Members of Jewish Communities 

علاقة أعضاء الجماعات اليهودية بالضرائب لها وجهان مترابطان تمام الترابط: فهم من جهة دافعو ضرائب، ومن جهة أخرى محصلو ضرائب. وقد خلَّفت علاقة الجماعات اليهودية بالضرائب، سواء في دفعها أو جمعها، أثراً عميقاً فيهم، وسنتناول في هذا المدخل الجماعات اليهودية من منظور الضرائب المفروضة على أعضائها. 

لم يتمتع العبرانيون باستقلال سياسي إلا لفترات قصيرة للغاية، ولذلك كان أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون دائماً أقلية صغيرة داخل تشكيل إمبراطوري أو حضاري ضخم. وكانت الضرائب دائماً أكبر مصدر للريع بالنسبة للإمبراطوريات في العصور القديمة أو في العصور الوسطى في الغرب، أو في العصر الإسلامي الأول (الأموي والعباسي) أو في العصر الإسلامي الثاني (العثماني)، أي حتى الثورة الصناعية. 

وكانت الضرائب تُفرَض في كثير من الأحيان على الجماعة اليهودية ككل، لا على أعضائها كل على حدة شأنها في هذا شأن معظم الأقليات والجماعات الأخرى. ويبدو أن إطار السلطة الذاتية للجماعات المحكومة كان أنجع الطرق لضمان تَدفُّق الريع الضرائبي، فكانت الجماعة اليهودية، وغيرها من الجماعات، تتمتع باستقلال ذاتي في الأمور الدينية والتربوية والقضائية. وكانت قيادتهـا تتمتع بسـلطات خاصة، فكانت، في كثير من الأحيان، هي التي تحدِّد الضرائب وتقوم بجمعها من أعضاء الجماعة، بل أصبحت هذه المهمة أهم وظائفها. ولذا، حاولت السلطة الحاكمة دائماً أن تُقوِّي قبضة القيادات اليهودية وتحقق لها مركزاً متميِّزاً داخل الجماعـة، لتضمن ولاءها لها ولتصـبح أداة طـيعـة في يـدها. ومن ثم، كانت قيادات الجماعة تُعفَى من الضرائب عادةً، وكان أمير اليهود (الناسى)، ورأس الجالوت (المَنْفَى)، وكثير من الحاخامات، يُعْفَون من الضرائب، بل وكان يُسمَح لهم بفرض ضريبة خاصة لتمويل منصبهم ذاته. وكثيراً ما كان الحاخامات يحصلون على معاشهم من خلال ضريبة خاصة تُفرَض لهذا الغرض. وكان الهدف من هذا هو تحويل هذه القيادات إلى أداة في يد السلطة الحاكمة وموظفين عندها بحيث يمكنها من خلالهم اعتصار الجماعة اليهودية. 

وكانت الضرائب تُفرَض على الجماعة اليهودية أحياناً لا كوسيلة لاعتصار أعضائها وحسب وإنما لاعتصار الجماهير الشعبية، وبذلك لم يكن أعضاء الجماعة سوى الإسفنجة التي يتم امتصاص هذه الجماهير عن طريقها. فكان الحاكم على سبيل المثال يفرض ضريبة عالية على أعضاء الجماعة اليهودية، ويمنحهم نظير ذلك مزايا وحقوقاً خاصة تُيسِّر لهم عملية استغلال الجماهير، كأن يسمح لهم بتحصيل فائدة عالية على القروض أو يصرح لهم بحرية الحركة من مدينة لأخرى دون أن تتصدى لهم السلطات الإقطاعية المختلفة. وقد يسَّر هذا على كل من التاجر والمرابي اليهودي إدارة أعمالهما وجعلهما أكثر كفاءة من نظرائهما المسيحيين. وكلما تزايد السخط الشعبي، كان يتزايد اعتماد هؤلاء المرابين اليهود على السلطة الحاكمة التي كانت تزيد من اعتصارهم عن طريق فرض ضرائب جديدة عليهم أو تسلمهم للجماهير فتمتص السخط الشعبي وتصادر أموال اليهود وتطردهم، ثم تستدعيهم مرة أخرى لتبيع لهم من جديد المزايا والمواثيق والحماية، أي أن جَمْع الضرائب ودفعها ساهم في عملية حوسلة اليهود. 

لكن العناصر السابقة لم تتحقق في كل زمان ومكان، فتعرُّجات التاريخ وتركيبيته تتحدى أي نسق منظم وأية سمات عامة، وهذا لا يقلل من دلالة وفاعلية النموذج التفسيري. وإذا انتقلنا الآن إلى العرض التاريخي، يمكننا القول بأن العبرانيين، حتى انتهاء عصر القضاة، لم يعرفوا نظاماً ضريبياً بسبب أسلوب حياتهم القَبَلي وبساطته. بل إن الدولة العبرانية المتحدة ذاتها، إبَّان حكم داود، كانت أقرب إلى اتحاد القبائل، ولذا لم تُفرَض أية ضرائب في عهده. ومع حكم سليمان، بدأت الدولة تصل إلى قدر من التركيب والمركزية، وظهرت طبقة حاكمة تضم داخلها قطاعات كهنوتية وأخرى عسكرية وثالثة إدارية، كما بدأت حركة تشييد مبان حكومية من أهمها بناء الهيكل. وقد تطلَّب كل ذلك تمويلاً وهو ما أدَّى إلى فرض الضرائب، ففُرضت ضريبة الشيقل حيث كان على كل عبراني بالغ أن يدفع للهيكل نصف شيقل (ويتناول التلمود في أحد كتبه الأحكام الخاصة بالشيقل). كما كانت تُقدَّم للهيكل هدايا وضرائب عينية. ومنذ هذه اللحظة التاريخية، بدأت الضرائب تلعب دوراً مهماً في حياة العبرانيين، ومن المعروف أن من أسباب انقسام الدولة العبرانية المتحدة شكوى قبائل الشمال من فداحة الضرائب التي فرضها سليمان. وبطبيعة الحال، استمرت المملكتان العبرانيتان، الشمالية والجنوبية، في تحصيل الضرائب. وثمة إشارة في العهد القديم إلى أن الملك العبراني كان يأخذ عُشر إنتاج الحقول، وكان من حقه أن يُجنِّد بعض الرجال والنساء ليعملوا خَدَماً له، حسب نظام السخرة السائد في الشرق الأدنى القديم والذى طبقه سليمان إبَّان حكمه. كما فرض ملوك المملكتين ضرائب خاصة أثناء الحروب وحينما تعيَّن عليهم دفع جزية للآشوريين أو البابليين. 

واستمر هذا الوضع قائماً إلى أن اجتاح الأشوريون ثم البابليون المملكتين وهجَّروا بعض عناصرها إلى بلاد الرافدين. حيث شهدت هذه الفترة تحوُّلاً مهماً، تمثَّل في بداية تحوُّل العبرانيين إلى جماعة وظيفية. وقد ظهر بيت موراشو في بابل، فكانت شركتهم تقوم بجباية الضرائب عما تنتجه الأرض من محصولات زراعية، كما كانت تستوفي بنفسها الضرائب المفروضة على الطرق العامة وقنوات الري لقاء الإفادة منها. 

وبعد صدور مرسوم قورش وعودة بعض اليهود، دخل أعضاء الجماعات النمط الأساسي الذي أشرنا إليه من قبل، وهو أنهم أصبحوا جماعة تُفرَض عليها ضرائب جماعية وتتمتع باستقلال ذاتي لتسهيل عملية جَمْع الضرائب، وقد ترأس هذه الجماعة الكهنة الذين أُعفوا من الضرائب. وقد أصبح الهيكل هو المركز الأساسي للجماعة (ولم تَعُد مؤسسة الملكية تزاحمه)، فكان يجمع ضريبة نصف الشيقل ويحصل على ضرائب عينية وهدايا من الجماهير. وفي مرحلة لاحقة، قبل سقوط الهيكل، كان يجمع ما يُسمَّى بالشيقل المقدَّس ويساوي ضعف الشيقل العادي وهو عبارة عن جزية سنوية يدفعها يهود فلسطين والعالم وتُنقَل إلى الهيكل (مركز العبادة القربانية). وكان الصدوقيون هم الذين يحصِّلون هذه الضرائب ويحصلون على هذه الهدايا وعلى جزء كبير من القرابين، وهو مـا حـوَّلهم إلى أرستقراطية كهنوتية ثريـة. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت الضرائب مصدر الشقاق الأساسي بين الأرستقراطية اليهودية (المندمجة في الثقافة الإمبراطورية، فارسية كانت أم هيلينية) من جهة، والجماهير اليهودية المتشبعة بالثقافة المحلية (الآرامية)، ومنهم فقراء رجال الدين، من جهة أخرى. 

وقد اهتم اليونانيون بالريع الضريبي، فكانوا يفرضون ضرائب متنوعة على اليهود وغيرهم، بل وضريبة على الزيجات أحياناً. كما أسسوا شبكة ضخمة منظمة لتحصيل الضرائب عمادها أعضاء الطبقات الثرية المحلية. وكان الملتزمون اليهود يحاولون قدر استطاعتهم، مثلما هو الحال دائماً مع البشر، أن يحصلوا ضرائب أكثر من المفروضة لأنهم كانوا يحصلون على الفرق بين ما ينبغي عليهم تسديده لخزانة الدولة وما يحصِّلونه بالفعل. وكانت هذه الجماعة الوظيفية المالية، التي ارتبطت مصالحها بمصالح الدولة الهيلينية (البطلمية أو السلوقية)، متأغرقة تماماً من الناحية الثقافية، الأمر الذي زاد الهوة بينها وبين الجماهير. وكان السبب الأساسي للتمردات اليهودية المتتالية هو الضرائب المتزايدة.

ويُلاحَظ أن اليهود في الدولة البطلمية عملوا كملتزمي ضرائب ليس إزاء أعضاء الجماعة اليهودية وحسب وإنما على مستوى المجتمع ككل، فقد قاموا بتحصيل المكوس الجمركية (وهي مهن مالية ولا شك، يرى البعض أنها كانت قتالية أيضاً، إذ كان المحصلون يُطلَق عليهم اسم «حراس النيل»). كما اشتركوا في تحصيل الضرائب على الأسماك والكروم والنخيل والمراعي بل وعلى صناعة الأحذية وهي نشاطات اقتصادية عامة. وكان كبير الموظفين (ألبارخ)، وهو منصب استمر حتى الدولة البيزنطية، هو المسئول عن جَمْع الجمارك على السفن. ويبدو أنه كان من أهم المناصب الإدارية المالية، وكان لمن يشغل هذا المنصب مكانة قيادية. ومع تَزايُد أزمة السلوقيين نتيجة حروبهم مع البطالمة، ونتيجة تَصاعُد الضغوط الرومانية، وبعد هزيمتهم على يد الرومان، كان عليهم دفع تعويض ضخم لهم، وهو ما اضطر الملوك السلوقيين إلى البحث عن مصادر جديدة للريع، فتعاونوا مع أثرياء المجتمع اليهودي، خصوصاً فئة ملتزمي الضرائب الذين تنافسوا على رفع الضرائب إرضاءً للسلطة السلوقية. ويبدو أن الضرائب تحت حكم الأسرتين اليهوديتين، الحشمونية التي تمتعت بشيء من الاستقلال، والهيرودية التي حكمت باسم روما، لم تكن أخف وطأة، كما هو واضح في التمردات التي حدثت بين جماهير الشعب. 

وبعد أن ضُمت فلسطين للدولة الرومانية، عُيِّن لها حاكم روماني برتبة بريفكتوس، وكان يُشار له أيضاً باسم «بروكرياتور» والتي تعني حرفياً «الوكيل المالي» أو «محصل الضرائب»، وذلك باعتبار أن تحصيل الضـرائب هو النشـاط المالي الأكـبر لكل موظفي الإمبراطورية. وفي مصر، ألغى يوليوس قيصر نظام جمع الضرائب البطلمي، فانهار الوضع الاقتصادي لليهود، وخصوصاً أن اليهود أصبح عليهم (رغم عضويتهم في البوليتيوما) أن يدفعوا ضريبة رؤوس كاملة، الأمر الذي كان يعني مساواتهم النسبية بالمصريين وفقدان غالبيتهم لمكانتهم المتميِّزة، باستثناء كبار الأثرياء الذين أصبحوا مواطنين رومانيين. كما تزايدت الضرائب عليهم، الأمر الذي كان أحد أسباب التمرد اليهودي الأول الذي انتهى بتحطيم الهيكل. وبعد هذا التمرد، فرض الرومان أول ضريبة مقصورة على اليهود وهي الفيسكوس جواديكوس، أي الضريبة اليهودية، وهي عبارة عن الشيقل الذي كان يدفعه اليهود من قبل للهيكل، واستمرت الإمبراطورية الرومانية في تحصيله وإرساله لمعبد جوبيتر كابيتولينوس. 

وبعد انتشار المسيحية والإسلام في الشرق الغربي، لم يتغيَّر وضع أعضاء الجماعات اليهودية كثيراً من منظور الضرائب، إذ أنهم كانوا يدفعون للمسلمين ما كان يدفعه أهل الذمة نظير الإعفاء من الخدمة العسكرية. 

أما في العالم الغربي، فقد تغيرت أحوال أعضاء الجماعات اليهودية بالتدريج، ولم يَعُد الاختلاف بينهم وبين أعضاء المجتمع مجرد ضريبة أو ضريبتين يدفعونهما للنظام الحاكم، فمع تآكل البقية الباقية من القانون الروماني أصبح أعضاء الجماعة اليهودية حسب العرف الألماني «غرباء»، وهو ما كان يعني وضعهم تحت الحماية الملكية لأنهم أصبحوا ملْكية خاصة للملك أو الإمبراطور، أي أن أعضاء الجماعة أصبحوا أداة من أدوات الإنتاج ومصدراً من مصادر الريع. وقد كُرِّس هذا الوضع تماماً بعد حروب الفرنجة في نهاية القرن الحادي عشر (1096) وأصبح أعضاء الجماعة اليهودية إما فعلاً (أو اسماً وفعلاً) أقنان بلاط يشترون المواثيق والمزايا والحماية من الحاكم. وكانت الضرائب المفروضة عليهم تُعَدُّ مصدراً أساسياً مباشراً للريع الذي كان يُحصِّله الحاكم، أو وسيلة غير مباشرة لجمع الضرائب، وكان ذلك يتم من خلال الإقراض بالربا. فكان الحاكم يرفع الضريبة على اليهودي ويجعلها على سـبيل المثـال 11%، مقابل 10% للتاجر المسيحي، ثم يمنحه حقوقاً مقابل ذلك مثل حق رفع سعر الفائدة على الأموال. ولذا، نجد أن خُمْس دخل الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة كان مصدره اليهود، رغم أن عددهم كان لا يزيد عن 1% من عدد السكان قبل القرن الرابع عشر. وفي القرن الثالث عشر، حصلت الحكومة الإنجليزية على 13% من دخلها من الضرائب التي فرضتها على اليهود رغم أن عددهم كان يتراوح بين 4 آلاف و15 ألفاً في كل إنجلترا. وقد أصبح حق فرض الضرائب على اليهود، باعتباره مصدراً من أهم مصادر الريع، محل صراع بين الإمبراطور والنبلاء. 

وقد فُرضت على أعضاء الجماعات اليهودية مجموعة متنوعة من الضرائب من بينها ضريبة الرؤوس (وهي استمرار للفيسكوس جودايكوس) التي بُعثت في ألمانيا عام 1342 تحت اســـم «أُبفربفينج Opferpfennig» وتعني «ضريبة المليم» ثم أصبحت تُسمَّى «لايب تسول leibzoll»، أي «ضريبة الجسد»، و«يودين تسول Judenzoll»، أي «ضريبة اليهودي». وبعد أن حل الأمراء محل الحكم الإمبراطوري (القرن السادس عشر) في فَرْض الضرائب على اليهود، أصبحت الضريبة تُسمَّى «نقود حماية اليهود». وكان على اليهودي الذي ينتقل من بلد إلى آخر أن يدفع رسم المرور ورسماً للإقامة المؤقتة. ومن الضرائب الأخرى، ضريبة «يودين جلايت Judengeleit»، أي «المرور الآمن»، وهي ضريبـة كانت تُفرَض على اليهـود الذين يـودون الانتقـال من مكان إلى آخر، فكان يدفعها اليهود الأجانب العابرون، وكانت الضريبة تعطيهم الحق في التعاملات المالية. وكانت تُفرَض ضرائب على اللحم والذبح الشرعي وعلى شموع السبت، وفُرضت أحياناً ضريبة على الطعام كانت تُسمَّى «ضريبة السلة». وفُرضت ضريبة تُسمَّى «ضريبة الفم» كان الهدف منها استبعاد اليهود غير النافعين الذين يأكلون ولا ينتجون. 

وفي العصر الحديث، ظلت الضرائب إشكالية أساسية في حيـاة الجـماعات اليهـودية. فاخـتفت الأشكال المختلفة للإدارة الذاتية، وتكفلت الدولة المركزية التي يتبعها جهاز إداري مركزي قوي بتقدير الضرائب وجمعها، وأُلغيت بالتدريج الضرائب المفروضة على أعضاء الجماعات اليهودية. وفي محاولة للحد من الانفجار السكاني، كانت تُفرَض أحياناً ضرائب على طعام اليهود الشرعـي وشـموع السـبت والزواج، وذلك لجــعل هذه الشعائر مُكلِّفة. وكان عدد كبير من اليهود يتهربون من الضرائب ويقومون بتهريب البضائع للتهرب من الجمارك. فوقفت الدول الحديثة ضد هذا الوضع وحاولت تصفيته. وكان من بين إجراءات المنع، عدم استخدام اليديشية في المعاملات التجارية، ومطالبة اليهود بإضافة اسم العائلة لأسمائهم إذ كان أعضاء الجماعة اليهودية يكتفون بتسمية الفرد باسمه واسم أبيه بدون اسم العائلة، الأمر الذي كان يعني وجود عدد كبير من الأشخاص باسم واحد، مما يُسهِّل عملية التهريب. وقد ارتبط النظام الضريبي بمدى نفع اليهود، فكانت العناصر النافعة من ذوي المهن التي تحددها الدولة تُعفَى من الضرائب بل وتمنح امتيازات ضريبية خاصة. أما العناصر غير النافعة، فكانت تُفرَض عليها ضرائب تهدف إلى تشجيعها على الخروج والهجرة. ولكن، مع تَصاعُد معدلات التحديث في الغرب وفي داخل الجماعات اليهودية، ألغـت الدولة الحـديثة بالتدريج الضرائب الخاصة، ومنها البدلية العسكرية، وتم توحيد النظام الضريبي.

وتقوم المنظمة الصهيونية العالمية والدولة الصهيونية بفرض ضرائب منظورة وغير منظورة على أعضاء الجماعات. فسندات إسرائيل والاشتراكات التي تُدفَع والتبرعات التي يتم جمعها من خلال حملات مسعورة جميعها نقود تُدفَع اسماً عن طيب خاطر ولكنها تُدفَع من الناحية الفعلية خوفاً من الفضيحة. ولذلك أشار آرثر هرتزبرج إلى اليهود المؤيدين لإسرائيل بوصفهم «يهود النفقة»، أي اليهود الذين يدفعون تبرعات تشبه النفقة التي يدفعها الزوج السابق لمطلقته لا حباً فيها وإنما خوفاً منها. كما أشار إلى ما سماه «يهودية دفتر الشيكات» وهي يهودية أولئك اليهود الذين ينصرفون عن ممارسة شعائر دينهم ويحاولون تخفيف الإحساس بالذنب عن طريق دفع التبرعات للدولة الصهيونية. وقد بدأت حركات السلام داخل إسرائيل تُكوِّن جماعات في الخارج مهمتها جمع التبرعات لها خارج نطاق النداء اليهودي الموحَّد والنداء الإسرائيلي الموحَّد، وهي مؤسسات جمع الضرائب/التبرعات للمؤسسة الصهيونية. 

ويمكننا القول بأن علاقة الإمبريالية الغربية بالدولة الصهيونية علاقة شبيهة بعلاقات الأباطرة بأعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية. فالإمبريالية الغربية تمنح العديد من التسهيلات والمزايا للدولة الصهيونية، مثل الدعم المالي والعسكري، والمعاهدات والمواثيق، نظير ضريبة يدفعها المستوطنون الصهاينة وهي القتال. والضريبة قد تكون دموية بعض الشيء، ولكن لها مردودها الريعي، وهو فرض السكون والسلام الغربي على المنطقة وضمان تَدفُّق الطاقـة الرخيصة ودوران الدول العـربية في فلك النظام الاقتصادي العـالمي!

أعضـــاء الجماعــات اليهوديــة كمحصلــي ضرائــب 
Members of Jewish Communities as Tax Collectors 

عمل كثير من أعضاء الجماعات اليهودية محصلي ضرائب. ففي عهد شارلمان، عمل أعضاء الجماعة ملتزمي ضرائب، وأُعفوا من الضرائب والمكوس المفروضة على المسافرين. وقد اضطلعوا بالمهمة نفسها في إنجلترا وألمانيا. كما أشرف أعضاء الجماعة على جمع الضرائب في إسبانيا المسيحية، وحينما طُردوا منها واجه النظام الجديد مشكلة البحث عن ملتزمي ضرائب بدلاً منهم. وكان أعضاء الجماعة يضطلعون بكثير من الوظائف المرتبطة بالضرائب في الدولة العثمانية سواء، باعتبارهم محصلي أو مفتشي ضرائب أو موظفي جمارك أو ملتزمين. وكانت غالبية العاملين في الضرائب في الدولة العثمانية من اليهود، كما أن الإيصالات كانت تُكتَب أحياناً بحروف عبرية. ومن المعروف أنه عندما ذهب شبتاي تسفي إلى مصر، ساعده المموِّل روفائيل يوسف شلبي (من حلب) الذي كان من كبار ملتزمي الضرائب في مصر آنذاك. 

ولكن بولندا تظل دائماً أهم المناطق بسبب حجم الجماعة اليهودية فيها وبسبب علاقة دورهم فيها بالتطورات اللاحقة في تواريخ الجماعة اليهودية في العصر الحديث. وكانت الضرائب في بولندا تُفرَض من قبل الحكومة على الجماعة اليهودية ككل. ولتحصيلها، كان القهال يقوم بفرض مجموعة من الضرائب على أعضاء الجماعة، فكانت هناك ضريبة ملْكية وضريبة رؤوس وضريبة القـهال لتمويل الجـهاز التنفيذي والإداري والتعليمي والقضائي للقهال. ومع تدهور وضع القهال، أصبحت هذه الضريبة تُفرَض على الطعام وأُطلق عليها ضرائب السلة. وكان يُباع امتياز تحصيلها في مزاد عام، وهو ما كان يعني تزايد الضرائب عاماً بعد عام. ولأن المهمة الأساسية للقهال هي جَمْع الضرائب، باعتباره مؤسسة الإدارة الذاتية، فقد أُلغي مجلس البلاد الأربعة في بادئ الأمر ثم كل مؤسسات القهال عندما بدأ الريع يتناقص. 

وقد اضطلع أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا بوظيفة جمع الضرائب من خلال نظام الأرندا، إذ كان اليهود يدفعون إيجار الضيعة للنبيل البولندي مقدماً ثم يقومون بتحصيل ريعها، وكانت الضرائب المختلفة تشكل جزءاً مهماً من هذا الريع. وكلما كان النبلاء البولنديون يزدادون حاجة إلى النقود، كان على اليهود أن يدفعوا إيجاراً أعلى ويحصلوا على المزيد من الضرائب من الفلاحين والأقنان. بل كان الملتزمون اليهود يحققون مزيداً من الأرباح ويرفعون الضرائب أحياناً دون علم النبيل الإقطاعي، كما كانوا يعاملون الفلاحين والأقنان بقسوة بالغة لتحصيل هذه الضرائب. ومن أهم هذه الضرائب ضريبة مفتاح الكنيسة، وكان على الفلاحين الأوكرانيين الأرثوذكس دفعها للمموِّل اليهودي ليدفعها للإقطاعي البولندي الكاثوليكي إن أرادوا أداء الصلاة. وكانت هناك ضريبة أخرى على الرداء الكهنوتي للقس كان عليه أن يدفعها إن أراد إقامة إحدى الشعائر. 

وقد أدَّى اضطلاع أعضاء الجماعة بهذه المهمة إلى تَزايُد كراهية الجماهير لهم، فاضطروا إلى الإقامة في الشتتلات داخل الريف بعيداً عن المراكز التلمودية في المدن. وكانت هذه العناصر سبباً في اقتلاع أعضاء الجماعة اليهودية وتآكل اليهودية الحاخامية. وفي وسط أوربا، كان يهود البلاط مصدر دخل كبير للأمراء الألمان والحكام (من حيث هم دافعو ضرائب). كما قاموا بتنظيم الإطار الإداري للنظـام الضـريبي في كـثير من الدول التي تواجدوا فيها، وعملوا كملتزمي ضرائب. ومع ظهور الدولة الحديثة، قامت بجمع الضرائب وصدرت قوانين تمنع أعضاء الجماعات اليهودية من الاشتغال بالالتزام، باعتباره وظيفة طفيلية غير منتجة. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية    الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 4:31 pm

المتعهـــــــدون العســـــكريون 
Army Contractors and Suppliers 

»المتعهدون العسكريون» هم المموِّلون من أعضاء الجماعات الوظيفية المالية الذين كانوا يزودون الجيوش المتحاربة بالسلاح والعتاد العسكري الذي تحتاج إليه، وكذلك بالجراية اللازمة، وقد كانت وظيفة ذات أهمية حيوية لكثير من الدويلات التي لم تكن قد طورت بيروقراطيات متخصصة تتولى هذه المهمة ولم يكن عندها لا رأس المال ولا الاتصالات الدولية اللازمة لإنجاز هذه المهمة. 

وقد اضطلع بعض أعضاء الجماعة اليهودية بهذه الوظيفة في إسبانيا المسيحية، ومن أهمهم يهودا ديلا كفالريا الذي زود ملك أراجـون بالسـلاح اللازم لحـروبه عام 1276 ضد المسـلمين في بالنسيا. وقام الأخوان رفايا بتمويل الملك بدرو الثالث ملك أراجون (1276 ـ 1285) في حروبه ضد نبلاء قشطالة. كما قام إسحق أبرابانيل بتزويد فرديناند وإيزابيلا بالسلاح في الفترة من عام 1489 إلى عام 1492، بينما قام أبراهام سنيور بتوفير السلاح اللازم للقوات الإسبانية التي قامت بتصفية الجيب الإسلامي الأخير في غرناطة. ويبدو أن أعضاء الجماعة اليهودية كانوا يعملون أيضاً في صناعة السلاح في هذه الفترة ذاتها. ولذا، فقد عارض بعض أعضاء المجلس الاستشاري لملك البرتغال قرار طردهم حتى لا تقع أسرار المهنة في يد العثمانيين إن استقر اليهود المطرودون في أملاك الدولة العثمانية، ويُقال إنهم ساهموا بالفعل في تطوير الأسلحة النارية فيها. 

واشترك اليهود في تجارة السلاح في وسط أوربا في القرن السادس عشر، ففي ألمانيا سُمح لإسحق ماير بالاستقرار في هالبرشتات في عام 1537 ليُزوِّد أحد الأديرة بالأسلحة. وحصل يوسف جيرشون من الإمبراطور على ميثاق يقضي بحمايته، وحدَّد الميثاق نشاطاته في توريد السلاح. ومن المعروف أن يهود المارانو (البرتغاليون في أمستردام) اضطلعوا بالوظيفة نفسها، فزودوا جيوش هولندا وإنجلترا والمغرب بالسلاح. ويبدو أن المتعهدين العسكريين اليهود اغتنموا فرصة الحروب الأهلية في المغرب في القرن السابع عشر وزودوا كل الأطراف المتحاربة بالسلاح. وقام يهود البلاط المتعهدون بتزويد حكومات وسط أوربا بكل اللوازم العسكرية من الخيول والجراية والزي العسكري الرسمي والأسلحة. وقد يسرت هذه المهمة، ليهود البلاط ولكل الجماعات اليهودية، الشبكة العالمية الضخمة التي كانت تضم يهود الأرندا في شرق أوربا وصغار التجار المتجولين بل والمتسولين اليهود المنتشرين في كل أرجاء أوربا. كما كانت الشبكة تضم تجار الدولة العثمانية. وكان بوسع هذه الشبكة أن تزود أي جيش بكل ما يريده من جراية ومعادن نفيسة وأموال، ولذا ساد الاعتقاد آنذاك بأن كل المتعهدين العسكريين يهود وأن كل اليهود متعهدون عسكريون (وقد روج النازيون هذه المقولة فيما بعد في دعايتهم ضد اليهود باعتبارهم مستفيدين من مآسي الآخرين). ومن أهم عائلات يهود البلاط التي اضطلعت بهذه الوظيفة عائلات أوبنهايمر وجومبيريز وفيرتايمر ومايير وهيرشيل. ومما زاد من أهمية المتعهدين العسكريين اليهود ظهور الدولة المركزية المطلقة بحكامها المطلقين، والتي أسست جيوشاً مركزية لتوسيع نفوذها، ولفرض هيمنتها على مناطق جديدة، ولتشديد قبضتها على السوق المحلية. 

وقد لعب المتعهدون اليهود دوراً مماثلاً في إنجلترا في القرن السابع عشر. فكان أهم المتعهدين العسكريين في عصر كرومويل هو أبراهام إسرائيل كارفاجال الذي اشترك مع خمسة تجار آخرين في تزويد الجيش البريطاني بالقمح عام 1649. وقد تَمكَّن وليام أوف أورانج من أن يبحر إلى إنجلترا عام 1688 بعد أن حصل على قرض بدون فوائد من أحد الممولين اليهود وهو فرانسيسكو لوبيزسوسو (من لاهاي). وقام فرانسيسكو دي كورفا وإسحق برييرا بتزويد الحملة بالعتاد العسكري. وكان وليـام دي مـدينا هو المتعهد العسـكري لدوق مارلبورو. أما في أيرلندا، فقد قامت شركة ماكادو وبرييرا بتزويد جيوش دوق شومبرج بالجراية والسلاح. 

وقام المتعهدون العسكريون اليهود بالمهمة نفسها في فرنسا. فقد سُمح لعدد من الأسر اليهودية بالاستقرار في ميتز عام 1567 شريطة أن يتعهدوا بتزويد القوات الفرنسية بما تحتاج إليه. وكان لبعض الأسر اليهودية الفرنسية دور ملحوظ في المجال نفسه إبان الحكم المطلق لملك فرنسا لويس الرابع عشر. فكان يعقوب ويرمز هو المتعهد العسكري الأساسي في عصره، وهو دور اضطلع به هرز سرفبي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وكان هذا المتعهد من الأهمية بمكان، حتى أنه استُثنى، حين تَقرَّر عام 1776 إنهاء نظام المتعهدين العسكريين، واستمر في ممارسة نشاطه في الألزاس واللورين. و في أواخر القرن الثامن عشر، اضطلع بهذه الوظيفة موسى بلين (في ميتز)، وموسى أليعازر لايفمان كالمر (في هانوفر). ومن أهم المتعهدين العسكريين أبراهام جراديس الذي زود الجيوش الفرنسية بما كانت في حاجة إليه من عتاد وجراية إبَّان حرب الأعوام السبعة (1756ـ 1763). كما اشترك معه كلٌّ من روفائيل منديس وبنيامين جراديس، وبعض مُلاَّك السفن اليهود، في تنظيم عملية إبحار السفن الفرنسية من أوربا إلى كندا. وقد أعطى فريدريك الأكبر إبان هذه الحرب عدداً من العقود للمتعهدين العسكريين من أعضاء الجماعة اليهودية، والذين أدوا عملهم بكفاءة عالية وحصلوا على كثير من المزايا وراكموا الثروات. وبدأ بعض أعضاء الأرستقراطية الألمانية في الاقتراض منهم وازداد الاختلاط بين الأرستقراطية وأثرياء اليهود، وكان هذا أحد الأسباب التي أدَّت إلى ما يُسمَّى »صالونات النساء اليهوديات.« 

ولعب بعض أعضاء الجماعة اليهودية دوراً بارزاً في تزويد الجيوش الإنجليزية التي أُرسلت إلى المستعمرات بالسلاح والجراية. فزود ماتياس بوش قوات بنسلفانيا في المستعمرات الأمريكية بالسلاح في حربها ضد الفرنسيين. وقامت أسرة فرانكس، التي كان لها فروع في كل من لندن ونيويورك، بتزويد الجيش البريطاني في المستعمرات الأمريكية. وبعد الاستقلال، زودت أسرة شيفتول (من جورجيا) الجيش الأمريكي بالسلاح. واستمرت بعض الأسر اليهودية في القيام بهذا الدور إبَّان الحرب الأهلية، فزود المتعهدون اليهود الجيشين المتحاربين، الشمالي والجنوبي، بالجراية والأزياء العسكرية اللازمة. وقد اضطلع بعض المتعهدين اليهود بالدور نفسه في الدولة العثـمانية، ولذلك كانـت تربطـهم علاقة وثيقة بالإنكشارية. أما في روسيا (في القرن التاسع عشر)، فقد قام المتعهدون اليهود بتزويد الجيش بالجراية وبالمساهمة في بناء التحصينات العسكرية والطرق والسكك الحديدية. 

وقد انتهى دور المتعهدين العسكريين اليهود تماماً مع ظهور الدولة القومية الحديثة التي كانت تتبعها بيروقراطيات متخصصة تقوم بتزويد الجيش بكل ما يلزم من جراية وعتاد. ونحن لا نعرف الدور الذي يلعبه أعضاء الجماعات اليهودية في تجارة السلاح في الوقت الحاضر،وإن كان من المعروف أن إسرائيل تلعب دوراً مهماً فيها، وبخاصة في مجال توريد السلاح للدول الفاشية والعنصرية التي تود الحكومات الغربية مساندتها ولكنها تخشى الرأي العام داخل بلادها وخارجها. ومن ثم تتولى إسرائيل هذه الوظيفة نيابة عنها، فكانت تقوم مثلاً بتزويد حكومة جنوب أفريقيا العنصرية بالأسلحة، بما في ذلك المواد والمعلومات اللازمة لإنتاج القنبلة الذرية، وبذا تعيد إسرائيل إنتاج أحد الأدوار الوظيفية لبعض الجماعات اليهودية في العالم الغربي. 

ومما لا شك فيه أن اضطلاع بعض أعضاء الجماعات اليهودية بهذه الوظيفة دعم الصورة الإدراكية السلبية لليهود في ذهن الكثيرين. وكما أسلفنا، فقد استغل النازيون هذه الحقيقة التاريخية لتوثيق ادعاءاتهم. ولكن مما يجدر ذكره أن اليهود، مهما بلغت درجة تَورُّطهم في تجارة السلاح، لم يكونوا قط مسئولين عنها، فما حدث هو ظهور حاجة لدى بعض المجتمعات الغربية إلى السلاح والعتاد الحربي والجراية اللازمة لتجريد حملات عسكرية كبيرة ومتكررة نتيجة ظهور الدولة المركزية المطلقة. ولكن هذه المجتمعات لم تكن تملك الإمكانات المادية أو الإدارية للوفاء بهذه الحاجة، ومن ثم نشأت ثغرة كان لا يمكن أن يملأها سوى عنصر وظيفي واحد مثل اليهود الذين كانوا يضطلعون بدور الجماعة الوظيفية المالية. وهذا ما لم يذكره النازيون. والواقع أن رؤيتهم للأمور، تماماً مثل رؤية الصهـاينة وكل العنـصريين، تجتزئ من الواقـع عنـصراً ـ أو بعض العناصر ـ وتجعله النقطة المرجعية الوحيدة ثم تُوظِّفه في تبرير أي فعل تقوم به، مع إهمال كامل لكل عناصر الصورة التاريخية المركبة. 

جـاك بافيـا (؟ -1687) 
Jack Pavia 

تاجر ماس يهودي من أصل ماراني (برتغالي)، وهو مؤسس الجماعة اليهودية في إقليم مدراس بالهند. وُلد لعائلة يهودية عاشت في هولندا، وهاجر إلى إنجلترا ليصبح من أوائل اليهود الذين استوطنوا بها بعد أن أُعيد فتح باب الاستيطان اليهودي في إنجلترا. اهتم بعملية استغلال مناجم الماس في جولكوندا فسافر إلى الهند وأسَّس تجارة له بها، واشتغل في تصدير الماس إلى إنجلترا واستيراد المرجان عن طريق أفراد أسرته في لندن. وفي عام 1683، نجح في الحصول على أذون من شركة الهند الشرقية تسمح باستيطان اليهود في مدراس وسافر إلى هناك عام 1684. وأثناء وجوده بها، نجح في إقناع حاكم الإقليم بتأسيس ميلشيا من الأوربيين. وقام بافيا بتمويل الخيل والسلاح على نفقته الخاصة كعضو في هذه الميليشيا التي ضمت أيضاً عدداً آخر من اليهود، وقد عُيِّن بافيا قبل عدة أيام من وفاته نائباً لملك بريطانيا في مدراس مدى الحياة. 

وتعود أهمية بافيا إلى ما يلي: 

1 ـ تُبيِّن سيرة حياته ذلك الدور الحيوي الذي لعبه يهود المارانو في التشكيل الاستعماري الاستيطاني للغرب. 

2 ـ كما تُبيِّن سيرة حياته الدور الريادي الذي لعبه أعضاء الجماعات اليهودية في هذه العملية. 

3 ـ تُعَدُّ حياة بافيا نموذجاً جيداً لكيفية تَحوُّل جماعة وظيفية وسيطة إلى جماعة عسكرية، أو لتداخل الدورين المالي والقتالي للجماعات الوظيفية. ومن ثم، فإن تَطوُّره الشخصي يشبه تَطوُّر الجماعات اليهودية في الغرب، تلك الجماعات التي كانت جماعات وظيفية مالية في أوربا ثم تحوَّلت إلى جماعة وظيفية في فلسطين. 

الأرنـدا والإقطـاع الاســتيطاني 
Arenda and Settler Feudalism 

«أرندا» كلمة بولندية تعني حرفياً «أجرة» تُدفَع مقابل استئجار. وهي، كمصطلح، تُستخدَم للإشارة إلى استئجار ممتلكات ثابتة، مثل الأرض والطواحين والفنادق الصغيرة ومصانع الجعة ومعامل تقطير الكحـول، أو إلى امتيازات أو حقـوق خاصـة مثل تحصـيل الجمارك والضرائب. وقد تم تَبنِّي المصطلح بالمنطوق والمعنى المذكور في اليديشية والعبرية. وكان يُشار إلى المستأجر نفسه، خصوصاً الصغير، على أنه «أرندا»، كما كان يُقال له «الأرنداتور». وكان المصطلح ذائع الانتشار ويصف واحداً من أهم جوانب الاقتصاد البولندي الليتواني في أواخر العصور الوسطى. وقد ارتبط يهود بولندا بنظام الأرندا من بدايته. فهم، كجماعة وظيفية وسيطة عميلة، كانوا مهيأين للاضطلاع بهذا الدور، خصوصاً أن المؤسسة اليهودية الأرثوذكسية أحلت عمليات الإقراض بالربا بين اليهود من خلال التحلِّة، وهو ما سهَّل لأي يهودي أن يُموِّل يهودياً آخر ويقرضه بربا، الأمر الذي وفر الاعتمادات اللازمة للاستثمارات. وكان الارتباط بين أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا وهذا النظام من العمق بحيث أن كلمة «أرنداتور» أصبحت مرادفة لكلمة «يهودي». 

وكان يُشار إلى الأرندا، في بداية الأمر، بمصطلح «الأرندا الكبرى» أو «الأرندا الملَكَية» أو «الأرندا الحكومية». ويشير هذا المصطلح إلى استئجار الاحتكارات العامة والعوائد العامة. وكانت أول أرندا كبرى حصل عليها أعضاء الجماعة اليهودية هو حق تحصيل بعض العوائد الملكية، أو حق إدارة مؤسسات ملكية مثل دار صك النقود ومناجم الملح والجمارك أو جمع الضرائب. وقد انتشر المستأجرون اليهود من المشتغلين بالأرندا في المقاطعات الشرقية من بولندا في القرن الخامس عشر. أما في غرب بولندا، حيث كان يتوفر للنبلاء البولنديين (شلاختا) رأسمال كبير، فقد مُنع اليهود من استئجار حق تحصيل العوائد الملكية باعتبار أن هذه عملية مربحة. ومع ازدياد نفوذ النبلاء، اتخذ البرلمان البولندي (سييم) قراراً عام 1538 بمنع اليهود من استئجار العوائد والمؤسسات الملكية. وقد اتخذ مجلس البلاد الأربعة قراراً مماثلاً حتى يقلل من الاحتكاك بين اليهود والنبلاء. ولكن القرار لم ينجح في وقف نشاط الأرندا بين اليهود، فاستمر المموِّلون اليهود في استئجار كثير من المزايا الملكية مثل الجمارك والضرائب على الخدمات، خصوصاً مطاحن الدقيق وبحيرات الأسماك، وفي إنتاج وتسويق المشروبات الكحولية. كما كان بعض أعضاء الجماعة اليهودية يستأجرون ضياعاً بأكملها. بل ظلوا، حتى منتصف القرن السادس عشر، أهم مستأجري حق جمع الضرائب في المحطات المخصصة لذلك في ليتوانيا وروسيا البيضاء، كما كان هناك يهود أرندا في جاليشيا. وكان جامعو الضرائب (من اليهود وغير اليهود) يستخدمون أكثر الطرق قسوة للحصول على العائد، وكثيراً ما كانوا يُحصِّلون ضرائب أكثر من المقررة. وكان من حق جامع الضرائب أن يفتش العربات التي تمر من خلال البوابات وأن يُصادر العربات التي تحاول التهرب من استخدام الطريق العام. وقد حَدَث صراع بين النبلاء الليتوانيين واليهود، فأصدر البرلمان الليتواني (سييم) قراراً بقصر حق الأرندا على النبلاء. ولكن اليهود تحدوا هذا القرار،كما أصدر المجلس الليتواني (وهو يقابل مجلس البلاد الأربعة) قراراً يتحدى هذا القرار.وقد اشتغل عدد كبير منهم بالأرندا من الباطن،عن طريق كفيل مسيحي،حينما لم تكن تسنح لهم فرصة الاشتغال بها بشكل مباشر. 

ولكن، حدثت عدة تطورات أدَّت إلى ظهور الأرندا الزراعية الإقطاعية الاستيطانية التي تختلف في كثير من الوجوه عن الأرندا الكبرى أو الحكومية أو الملكية. ولعل العنصر الأساسي والحاسم في ظهور الأرندا الزراعية هو إبرام اتحاد برست ليتوفسك (ويُسمَّى أيضاً اتحاد لوبلين) عام 1569 بين ليتوانيا وبولندا. وهو الاتفاق الذي حوَّل الوحدة الاسمية (وحدة الأسرتين المالكتين) بين البلدين إلى وحدة حقيقية. وقــامت بولنــدا بضــم أوكـرانيا نتيـجة هـذه الوحدة. 

ونتيجة عملية الضم هذه، وقع تحت تصرف النبلاء البولنديين مساحات ضخمة من الأراضي كانت في حاجة إلى رأس مال ضخم لاستثماره لإدارتها ولمد الطرق اللازمة لذلك. وقد تزامن هذا مع تَزايُد الصادرات الزراعية لبولندا إلى غرب أوربا (بسبب الانفجار السكاني وحرب الثلاثين عاماً)، فأصبحت بولندا في الفترة 1577 ـ 1654 مصدراً أساسياً للقمح في أوربا. فكان يتم تصدير القمح البولندي إلى فرنسا وإنجلترا وإسبانيا وإيطاليا، وأحياناً إلى الشرق الأوسط من خلال أمستردام حيث كانت هناك أهم بورصة لبيع الحبوب. 

كما أخذت بولندا تُصدِّر محصولات زراعية أخرى. وأصبحت جدانسك أهم مدينة تجارية في أوربا بعد أمستردام إذ كانت تُصدِّر مواداً عديدة مثل الحبوب والأخشاب والكتان والقنب والماشية. ومع تزايد الصادرات الزراعية، حَدَث تَطوُّر في الصناعات الغذائية، وهو ما أدَّى إلى صَبْغ الزراعة في بولندا بصبغة تجارية. هذه هي الأرضية الاقتصادية المادية لظهور الأرندا الإقطاعية الاستيطانية. ولكن هذا وحده لا يكفي لتفسير ما حدث. 

فثمة عناصر خاصة بالتركيب الطبقي للشلاختا ورؤيتهم لأعضاء الجماعات اليهودية ووضع اليهود كجماعات وظيفية ساهمت (كلها مجتمعة أو بدرجات متفاوتة) في تشكيل هذه الظاهرة ودفعها من عالم الإمكانية إلى عالم الوجود المتحقق: 

1 ـ أول هذه العناصر هو أن النبلاء البولنديين لم يكن لديهم الكفاءات أو رأس المال أو الرغبة في إدارة هذه الضياع البعيدة. 

2 ـ كان النبلاء في بولندا، برغم سطوتهم وقوة نفوذهم، خاضعين لقوانين جامدة، فكانوا يتمتعون بمكانتهم والمزايا الطبقية ماداموا لا يعملون بالتجارة. وكان اشتغالهم بالتجارة يعني، في واقع الأمر، فقدانهم مكانتهم ووضعهم. ولذا، كان يُوجَد نبلاء فقراء (النبلاء الحفاة) معدمون يفضلون الجوع والفاقة على العمل بالتجارة. 

3 ـ كان يتعيَّن على النبلاء أيضاً البقاء في وارسو بالقرب من مراكز السلطة حيث تتم عملية صنع القرار السياسي والعسكري بسبب طبيعة النظام السياسي البولندي كملكية جمهورية، وحفاظاً على المكانة السياسية والتمتع بمظاهر الأبهة الأرستقراطية. 

4 ـ كانت حاجة النبلاء الإقطاعيين إلى المال تزداد يوماً بعد يوم، وبخاصة مع تزايد فقر بولندا، فكانوا يقترضون من المرابين اليهود مبالغ طائلة للوفاء باحتياجاتهم بضمان ضياعهم وغلتها وعوائدها وريعـها. 

5 ـ تزامن كل هذا مع تزايد تضييق المدن الملكية الخناق على أعضاء الجماعات اليهودية وممارسة التمييز ضدهم. 

6 ـ شهدت الفترة من 1539 - 1549 تَزايُد التقارب بين النبلاء وأعضاء الجماعات اليهودية الذين لم يعودوا تحت الحماية الملكية. فكان اليهود إذا طردتهم إحدى المدن الملكية انتقلوا منها إلى مدن النبلاء أو إلى الشتتلات داخل ضياع النيلاء. 

7 ـ كان لدى اليهود كل ما يلزم عملية الاستثمار في ضياع النبلاء من الخبرة التجارية والإدارية ورأس المال. كما كانوا مادة بشرية حركية، ولم يكن لديهم أي مانع من الانتقال إلى أوكرانيا ليكونوا ممثلين للنبلاء البولنديين.

8 ـ ولم يكن أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون أية خطورة على النبلاء لأنهم لم يكن بوسعهم، كعنصر غريب أجنبي، أن يطالبوا بنصيب في السلطة السياسية يتناسب مع وزنهم الاقتصادي، وذلك على عكس العناصر البورجوازية المحلية التي عادةً ما تطالب بمزيد من الحقوق كلما تزايدت قوتها الاقتصادية. 

9 ـ كان النبلاء البولنديون ينظرون إلى أعضاء الجماعة اليهودية كعنصر ريادي استيطاني كفء ونافع يساهم في تعمير المناطق غير المأهولة بالسكان وكأداة تستخدم لتنشيط الاقتصاد الزراعي الخامل وإدخال بعض النشاطات التجارية فيه حتى يزيد من ريع الأراضي الزراعية. 

لكل هذا، ظهرت الأرندا الزراعية الإقطاعية الاستيطانية وتشكلت علاقة تعاقدية نفعية بين الشلاختا من جهة واليهود كجماعة استيطانية من جهة أخرى. 

ومع تَصاعُد نفوذ النبلاء وضعف نفوذ السلطة المركزية الملكية، تزايد اعتماد الجماعات اليهودية على النبلاء ابتداءً من القرن السابع عشر، وانتقل مركز الجاذبية بالنسبة إليهم من غرب ووسط بولندا إلى المناطق الشـرقية في أوكرانيا وغـيرها. ومن منتصف القرن السـابع عشر، أصبحوا الطبقة الثالثة أو الجماعة الوظيفية الوسيطة بين النبلاء والأقنان. وقد أصبح أعضاء الجماعة اليهودية أداة النبلاء في ممارسة سلطتهم. 

ونحن نصف نظام الأرندا الزراعي (غير المَلَكي) بأنه «إقطاع استيطاني» لنميِّزه عن أشكال الإقطاع السائدة في أوربا آنذاك. فالنظام الإقطاعي يتسم ولا شك بالاستغلال الطبقي، شأنه في هذا شأن النظم الاقتصادية الدنيوية (فهذه هي إحدى سمات البشر). ولكن نظام الأرندا في أوكرانيا اكتسب أبعاداً استغلالية متطرفة تفوق كثيراً الإقطاع العادي. فالعلاقات السائدة في أوكرانيا كانت ولا شك علاقات إقطاعية بين النبلاء البولنديين (والليتوانيين) من جهة، والفلاحين والأقنان الأوكرانيين من جهة أخرى، وذلك فيما يختص بملكية الأراضي وتوزيع غلتها. ولكنه كان إقطاعاً اقتصادياً (مجرداً) بلا علاقات اجتماعية إقطاعية (متعيِّنة). فالإقطاع التقليدي (في أوربا وفي غيرها من البلاد) يفترض وجود ثقافة مشتركة بين النبيل والقن، كما يفترض أن النبيل عادةً ما يوجد في ضيعته يديرها بنفسه ويدخل في علاقة مباشرة مع فلاحيه. ولذا، لم تكن علاقة النبيل الإقطاعي بأرضه علاقة تجارية خارجية موضوعية برانية وحسب وإنما كانت ذات جانب جواني يأخذ شكل الالتزام بمسئولياته كنبيل إقطاعي بكل ما تقتضيه النبالة وتفترضه وتفرضه من أعباء. 

وكانت هذه الروابط الإقطاعية المتعيِّنة تخفف إلى حدٍّ ما من حدة الاستغلال الاقتصادي. أما في حالة النبيل الإقطاعي البولندي، فهذه الشروط لم تكن متوفرة البتة، فهو كان دائماً غائباً عن ضيعته، ولم تكن له أية علاقة مباشرة معها أو مع فلاحيها، وكان يمثله عنصر بشري استيطاني غريب يمثل همزة الوصل بينه وبين فلاحيه. وكان اهتمامه بضيعته اهتماماً مالياً (تجارياً) ضيقاً، حيث كانت تمثل مصدراً للدخل وحسب (وليست مظهراً من مظاهر الأبهة الإقطاعية والمكانة الأرستقراطية والحسب والنسب) فهو لا يتحدث لغتهم الأوكرانية ولا ينتمي إلى كنيستهم الأرثوذكسية. وأدَّى هذا إلى تَزايُد استغلال النبلاء للفلاحين في أوكرانيا وفي خارجها، وإلى تَحوُّل نظام الأقنان إلى نظام عبودي إذ لم تكن تُوجَـد قـوة تقـف في وجه النبلاء وتضع حدوداً لاستغلالهم. وقد أصر النبلاء على حقهم المطلق في إقرار الحياة والموت بالنسبة إلى الأقنان. 

وما بين النبلاء البولنديين الكاثوليك والأقنان الأوكرانيين الأرثوذكس كان يقف الملتزم (الأرنداتور) اليهودي، أداة الأول في سحق الثاني. وبذلك تشكلت واحدة من أهم الجماعات الوظيفية المالية الاستيطانية شبه القتالية. وكانت العلاقة بين النبيل ووكيله اليهودي عادةً ما تأخذ شكل قرض يحصل عليه النبيل من اليهودي للوفاء باحتياجاته بضمان ريع ضيعته (التي يديرها اليهودي) أو أي عوائد أخرى مثل عوائد قطع الأخشاب ونقل البضائع وغير ذلك من النشاطات الحرفية والتجارية. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية    الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 4:36 pm

وكان المموِّلون اليهود يستأجرون أحياناً مناطق ومدناً بأكملها ولعدة سنوات. ففي عام 1598، قام أحد أثرياء اليهود باستئجار جملة الأراضي التي يمتلكها مجموعة من النبلاء بلغت مساحتها مئات الأميال المربعة، وكان يدفع إيجاراً ضخماً لها. وكان كثير من يهود الأرندا يؤجرون الضياع من الباطن لصغار الممولين اليهود أو يرسلون في طلب أقارب لهم من بولندا ليقوموا بإدارة الضياع نيابة عنهم. 

وكان الأرنداتور اليهودي يحصل على كل الامتيازات الممكنة مثل إدارة الحانات وطواحين الغلال ومعامل الألبان ومعامل التقطير وصناعة الكحول ومناجم الملح وقطع الأخشاب والفراء ودبغ الجلود والصباغة وصناعة الزجاج وصنع الصابون (وقد أصبح أعضاء الجماعات اليهودية العنصر الإثني السائد خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في مثل هذه القطاعات الاقتصادية). كما كانوا يجمعون ضرائب المرور على الكباري والبوابات. بل لم يكن من الممكن إقامة الصلوات الأرثوذكسية إلا بعد العودة للوكيل اليهودي إذ لم يكن بمقدور القساوسة الحصول على مفتاح الكنيسة أو استعارة ردائهم الكهنوتي لإقامة شعائر الصلاة إلا بعد دفع ضريبة. وكان اليهود يشترون أيضاً المحصولات من الفلاحين. ولأنهم هم الذين كانوا يمتلكون وسائل النقل النهري، فكانوا هم أيضاً الذين يقومون بنقلها. كذلك كان أعضاء الجماعة اليهودية تجار القرية الذين يبيعون الفلاحين ما يريدونه من السلع الضرورية مثل الملح والسلع الترفية. 

ونظراً لغياب النبيل الإقطاعي، أصبحت السلطة المباشرة شبه المطلقة في يد اليهودي الذي كان يدير الضيعة، تسانده في ذلك القوة العسكرية البولندية التي تضمن بقاءه واستمراره في عملية اعتصار الأقنان الأوكرانيين من كل ثمرات عملهم. وبعد الانتهاء من هذه العملية، كان الأرنداتور يُبقي حصته من الريع ويرسل الباقي إلى النبيل. ولكن كثيراً ما كان الوكيل اليهودي يقوم بتحصيل ضرائب من الأقنان والفلاحين بما يزيد على حقه. وقد كانت جماعة يهود الأرندا تتسم بكثير من الخيلاء والقسوة (كما تقول الموسوعة العالمية اليهودية). وكان يهود الأرندا لا يقومون بأية مهام قتالية بل كانوا جماعة وظيفية متحوسلة تقوم باستغلال الجماهير لحساب الحاكم (شأنهم شأن المماليك في المراحل الأولى من تاريخهم قبل تَحوُّلهم إلى نخبة حاكمة)؛ وكان رأس المال الربوي والخبرة الإدارية يحلان محل السيف كأداة للاستغلال.

ومع هذا، لم يكن البُعد العسكري مُفتقَداً تماماً. وقد ترجم الإقطاع الاستيطاني نفسه في ظاهرة الشتتل والمعبد/القلعة، فقد قام النبلاء بتشييد العديد من المدن الصغيرة كانت الواحدة منها تُسمَّى «شتتل» ويعيش فيها الملتزمون اليهود وأسرهم وأتباعهم في حماية القوة العسكرية البولندية، كما كان عليهم هم أنفسهم أن يتدربوا على حمل السلاح. ولذا، نص القانون على أنه: « يجب على كل رب عائلة يهودية أن يحتفظ ببنادق بعدد الذكور في بيته وبثلاث خرطوشات وثلاثة أرطال من البارود». كما كانت المعابد اليهودية تأخذ شكل قلاع تُوجَد في حوائطها كوات حتى يمكن أن تخرج منها فوهات البنادق والمدافع. ويتضح مدى تحوُّل اليهود إلى مادة استيطانية شبه قتالية في تحولهم هم أنفسهم إلى موضوع للصراع بين القوى الشعبية الفلاحية الأوكرانية المنتفضة من جهة والقوى الاستغلالية البولندية من جهة أخرى. فحينما حقق بوجدان شميلنكي (الزعيم الفلاحي الأوكراني) انتصاراً على البولنديين عام 1649، نصت المعاهدة المبرمة بين الطرفين على عدم السماح لليهود بالاستيطان في أوكرانيا إذ أن وجودهم فيها كان علامة على الهيمنة البولندية فهم أداته الطيعة. ولكن حينما ألحقت القوات البولندية الهزيمة بقوات شميلنكي عام 1651، اضطر إلى الاعتراف بحق اليهود في الاستيطان في ضياع الملك والشلاختا. ولذا، قد يكون من الأفضل أن نسمي يهود الأرندا «المماليك التجارية الاستيطانية شبه القتالية». وقد كانت هذه الشتتلات تضم المعبد/القلعة (وهو معبد يهودي كان مُصمَّماً بحيث يمكن استخدامه كحصن وقلعة عسكرية، كما كانت تُقام فيه أيضاً الصـلاة والدراسـة). وكانت حـوائط المعبد/القلعة سميكة للغـاية، كما أن المتاريس كانت مزودة بكوات لتخرج منها المدافع والبنادق. 

وقد أصبح أعضاء الجماعة اليهودية، بعلاقتهم القوية مع النبلاء والقوى التجارية الدولية، محميين من تقلبات المجتمع الإقطاعي ومن غش وخداع البلديات والموظفين الملكيين، ووجدوا المناخ المستقر الذي يحتاج إليه النشـاط التجاري والمـالي دون ضغـوط وتهديد. وتَحسَّن وضعهم كثيراً. وقد أصبح بعض يهود بولندا وروسيا من كبار تجار الأخشاب والحبوب في أوربا. وكان مسرح نظام الأرندا هو أوكرانيا التي أصبحت النقطة التي التقت فيها عناصر عديدة غير متجانسة أهمها النبلاء البولنديون الإقطاعيون الكاثوليك والفلاحون الأوكرانيــون الأرثوذكـس (الذين يتحدثون الأوكرانية) والتجار اليهود (الذين يتحدثون اليديشية) غير المنتمين لهذا أو ذاك والذين يشكلون الوسيط التجاري والإداري والمالي بين الطرفين (إلى جانب الغجر والتتار وبعض الأرمن). 

ويُلاحَظ أن التقسيم الطبقي كان أيضاً تقسيماً عرْقياً وإثنياً ودينياً. ولم يكن نشاط الأرندا مقصوراً على أوكرانيا وبولندا بل أصبح جزءاً من شبكة تجارة دولية. فكان كبار النبلاء الإقطاعيين البولنديين يمتلكون الأرض في أوكرانيا ويؤجرونها، والألمان يديرون الموانئ على بحر البلطيق، والهولنديون يمتلكون السفن البحرية لنقل السلع. أما أعضاء الجماعة اليهودية، فقد قاموا ببقية العملية ومن بينها نقل المحاصيل بوسائل النقل النهري التي كانوا يمتلكونها. وقد نشأت علاقة قوية بين يهود البلاط في دول أوربا الوسطى، وبين يهود الأرندا إبان حرب الثـلاثين عامـاً، حيث كان يهود البلاط يسـتوردون الحبوب من بولندا. وكان يهود الأرندا يقومون بتدبير الغلال المطلوبة التي كانت تتزايد حاجة أوربا إليها (وهذا يبين كيف كانت العلاقات بين الجماعات اليهودية تُسهِّل اتصـالاتهم وتجعل منهم شبكة قوية ووحيدة للتجارة الدولية). وقد ارتبط مصير أعضاء الجماعة اليهودية تماماً بمصير الأرندا (الزراعي الإقطاعي الاستيطاني البولندي) والقوة العسكرية البولندية التي كانت تسانده. وقد كان لنظام الأرندا الإقطاعي الاستيطاني أعمق الأثر في تَطوُّر تاريخ الجماعة اليهودية في بولندا.

وهو ما أثر بدوره في تاريخ الجماعات اليهودية في غرب أوربا وأعطى المسألة اليهودية في شرق أوربا ملامحها الخاصة: 

1 ـ وجد اليهود أنفسهم بين مطرقة النبلاء وسندان الفلاحين. وقد كان اليهودي هو ممثل الإقطاع البولندي الشره وأداة الاستغلال المباشرة الواضحة، إذ تم حوسلته تماماً من قبل النبلاء. وكانت شراهة النبلاء الإقطاعيين تزداد سنة بعد سنة، فكانوا يزيدون من قيمة الإيجار، وكان على الوكيل اليهودي أن يزيد بدوره من الضرائب والإيجارات التي يحصلها من الفلاحين. ولكن يهود الأرندا كانوا يعيشون بين الفلاحين في أوكرانيا، بينما كان النبيل الإقطاعي يعيش في ضيعته أو قصره في بولندا. 

2 ـ حدث ليهود بولندا، نتيجة نظام الأرندا، تطوران متناقضان: 

أ) انعزل يهود الريف عن المراكز التلمودية في المدن الكبرى، واكتسبوا ثقافة الفلاحين السلافيين المتخلفة، وتشبعوا بالفلكلور الريفي بما في ذلك العقائد الشعبية المسيحية، الأمر الذي أضعف هويتهم اليهودية. وكانت هذه تربة خصبة لنشوء الحركات المشيحانية. ويُلاحَظ أن الحركتين الحسيدية والفرانكية نشأتا في منطقة بودوليا، وانتشرتا بين يهود أوكرانيا أسرع من انتشارها بين بقية يهود شرق أوربا. 

ب) في الوقت نفسه، ونظراً لتزايد عددهم، كان اليهود يوجدون لا على هيئة أقلية صغيرة تعيش داخل الجيتو في إحدى المدن المسيحية وإنما على هيئة مدن صغيرة (شتتلات) تضم تجمعات بشرية يشكل اليهود فيها نسبة مئوية كبيرة بل الأغلبية العظمى أحياناً، ومن هنا تكلست هويتهم وانعزلت واحتفظ اليهود برطانتهم الألمانية (اليديشية). وقد ساهم الانفجار السكاني الذي حدث بينهم في تعميق هذا الاتجاه. 

3 ـ زادت الأرندا من تَشوُّه البناء الطبقي ليهود بولندا بحيث تركزوا في تجارة الخمور التي أصبحت مشكلة أساسية في الريف البولندي (ثم الروسي بعد ذلك). 

4 ـ وبعد تَشوُّه البناء الوظيفي والعزلة وتزايد الأعداد، ضُمَ هذا الجزء من بولندا إلى روسيا، فوجدت روسيا عندها هذه الكثافة البشرية التي تتحدث اليديشية وتؤمن بالحسيدية وتتاجر في الخمور، وهي كتلة كانت مكروهة من السكان المحليين. وكانت البيروقراطية الروسية جاهلة باليهود وبكيفية التعامل معهم، ذلك لأنه كان مُحرَّماً عليهم دخول الإمبراطورية حتى نهاية القرن الثامن عشر. 

5 ـ كان الوضع الطبقي المميَّز لليهود داخل البناء الاستيطاني للإقطاع يعني أنهم ليسوا عنصراً من التشكيل الحضاري البولندي. ولذا، حينما نشأت حركات ثورية مثل انتفاضة شميلنكي في أوكرانيا ثم الحركة القومية في بولندا، كان اليهود يقفون خارجها امتداداً لوضعهم الطبقي الهامشي والطفيلي. فهم لم يكونوا مستغلين فقط، مثل النبيل الإقطاعي الفرنسي أو التاجر الإنجليزي، وإنما كانوا غرباء أيضاً فسقطوا مع سقوط نظام الإقطاع الاستيطاني البولندي. 

وقد أضفت كل هذه العناصر على المسألة اليهودية في شرق أوربا ملامحها الخاصة.

6 ـ لم يكن هناك يهود يعيشون بشكل قانوني في إنجلترا أو فرنسا أو هولندا أو إسبانيا أو البرتغال أو الدول الإسكندنافية أو إمارة موسكوفي حتى عام 1550. وكان يهود أوربا كافة مُركَّزين أساساً في بولندا وبعض أجزاء من ألمانيا أو إيطاليا حتى أنه، في القرن السابع عشـر، كان هناك مركزان أساسيان في العالم لليهود: أحدهما في الإمبراطورية العثمانية وهو الذي استوعب العديد من اليهود الذين طُردوا من أوربا الغربية وشبه جزيرة أيبريا، وثانيهما في بولندا وليتوانيا. وقد أخذ غزو يهود بولندا في الزيادة ابتداءً من القرن السادس عشر حتى أن أغلبية يهود العالم كانت في بداية القرن العشرين من نسل يهود بولندا (بل يُقال إن كل يهود العالم الغربي من أصل بولندي باعتبار أن العناصر اليهودية المحلية تم صهرها تماماً في الأغلبية(. 

7 ـ كل هذا يعني، في واقع الأمر، أن التجارة والاستيطان والقتال جزء أساسي من التجربة التاريخية للغالبية العظمى من الجماعات اليهودية في الغرب، وأنهم دخلوا العصر الحديث وعندهم قابلية (تبادل اختياري) للاشتراك في العمليات الاستيطانية القتالية. وفي هذه التربة الخصبة، ظهر جوزيف فرانك اليهودي البولندي المُتنصِّر الذي طالب بتسليح اليهود وتأسيس دولة مستقلة لهم. كما ظهر الحل الصهيوني للمسألة اليهودية المبني على تصديرها باعتبار أن اليهود عنصر استيطاني غريب (ومن المعروف أن معظم قيادات الصهيونية الاستيطانية من أصل بولندي روسي(. 

ويمكن القول بأن الأرندا الإقطاعية الاستيطانية تُكمل الحلقة المفقودة بين تجربة يهود الغرب والتجربة الصهيونية. فالعلاقة الثلاثية (النبلاء البولنديون ـ الوسطاء اليهود المستوطنون ـ أقنان أوكرانيا) تشبه كثيراً العلاقة الثلاثية السائدة في الشرق الأوسط (الإمبريالية الأمريكية ـ الوسطاء الصهاينة المستوطنون - عرب فلسطين). والعنصر اليهودي في كلتا الحالتين عنصر استيطاني نافع يتم الحفاظ عليه بمقدار نفعه وليست له أهمية في حد ذاته. 

وما حدث، بشيء من التبسيط، هو أن المماليك التجارية الاستيطانية شبه القتالية في أوكرانيا تحوَّلت إلى مماليك استيطانية قتالية شبه تجارية في فلسطين بعد تأسيس الدولة المملوكية الصهيونية، وهي دولة ذات قيمة إستراتيجية عسكرية بالنسبة للغرب (بالدرجة الأولى) وذات أهمية تجارية اقتصادية (بالدرجة الثانية).ومع ظهور النظام العالمي الجديد،قد تتراجع الوظيفة العسكرية القتالية لتشغل المرتبة الثانية بينما تشغل الوظيفة التجارية الاقتصادية الدرجة الأولى،ولذلك سيتطابق وضع الدولة الصهيونية مع يهود الأرندا إذ ستصبح دولة وظيفية تجارية شبه قتالية.ونحن،بهذا،نكون قد اكتشفنا استمرارية تاريخية ونمطاً متكرراً داخل التاريخ الغربي الحقيقي،وليس استمرارية ميتافيزيقية داخل التاريخ اليهودي الوهمي.

الخمور (النبيذ والكحول) والاتجار فيها 
Wine and Liquor Trade 

«تجارة الخمور والنبيذ» هي تجارة عادةً ما تضطلع بها جماعة وظيفية، ربما لأن الخمر تُذهب الوعي وترتبط في كثير من العقائد بالمقدَّس والغيب، أي أن الخمر مرتبطة بمنطقة وجدانية تقع خارج نطاق المألوف والعادي والروتيني، ومن هنا تظهر ضرورة اللجوء إلى جماعة وظيفية محايدة، ليس في مقدورها أن تُوظِّف لحظة غياب الوعي هذه لصالحها (بسبب عجزها)، تماماً مثل الحلاق الذي تُسلِّم له رأسك ليقص الشعر، ويمكنه أن يقطع رأسك ويسلم من العقوبة إن كانت تسانده مجموعة من البشر لها سلطة. والشيء نفسه ينطبق على الماشطة التي تدخل البيوت وتعرف أخص خصائص النساء، وهو ما يجعلها مستودعاً لكثير من الأسرار التي يمكن أن تُستخدَم ضد من قالها. ولذا، فلابد لمن يقوم بمثل هذه الوظائف أن يكون محايّداً مجرَّداً من السلطة تحت رحمة المجتمع تماماً، حتى لا يسيطر عليه. 

ويبدو أن التحريم التلمودي الخاص بتناول خمور الأغيار جعل أعضاء الجماعات اليهودية مضطرين إلى أن يكون لهم كرومهم ومصانع الخمور الخاصة بهم. ولكن، مع بداية القرن الخامس عشر الميلادي في الغرب، كانت كل مزارع الكروم المملوكة لليهود قد تمت تصفيتها مع انسحابهم التدريجي من مهنة الزراعة. ولكن اتجارهم في النبيذ والمشروبات الكحولية استمر حتى أصبحت هذه المهنة إحدى المهن أو الوظائف اليهودية الأساسية في شرق أوربا وألمانيا. ومع بداية القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي، كان إنتاج المشروبات الكحولية وبيعها في بولندا وليتوانيا عملاً أساسياً يمتهنه أعضاء الجماعات اليهودية ومصدراً من أهم مصادر الدخل بالنسبة لهم، كما أصبح هذا العمل مهنة أساسية في بوهيميا والمجر. وقد ازداد ارتباط أعضاء الجماعات اليهودية بتجارة الخمور نتيجة لنظام الأرندا. فرغم أن الخمور كانت تمثل الترف الأساسي في حياة الفلاحين، إلا أنهم كانوا ممنوعين من تقطيرها، إذ أن هذا الحق كان مقصوراً على النبلاء البولنديين، وكان تأجير هذا الحق مصدراً أساسياً للريع الذي يحصل عليه النبيل من مستأجر الامتياز (الأرنداتور). فكان اليهود يستأجرون معامل التخمير والتقطير والحانات، والتي كانت مرتبطة بنظام الأرندا في بولندا وأوكرانيا وروسيا البيضاء. وقد أصبح اليهودي (صاحب الحانة) شخصية أساسية في الريف الأوكراني وفي المدن الصغيرة. وكان اليهود يحتكرون ـ تقريباً ـ إنتاج وبيع المشروبات الكحولية. وكانت نسبة عالية منهم تعمل في هذه التجارة حتى بلغت، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، 15% من مجموع يهود المدن و85% من يهود الريف. 

وقد تسبَّب اشتغال اليهود بهذه التجارة في نشوء كثير من التوترات بينهم وبين بقية السكان. كما كان الفلاحون السلاف يفرطون في الشرب، وهو ما كان يزيد من أرباح اليهود، خصوصاً أن أعضاء الجماعة اليهودية كانوا لا يشربون بهذا الإفراط. 

وكان أعداء اليهود بين طبقات المجتمع الأخرى يلقون اللوم على اليهود، مع أن الإفراط في الشرب كان ظاهرة اجتماعية صاحبت تَدنِّي الأوضاع الاقتصادية والثقافية في شرق أوربا والذي لم يكن اليهود مسئولين عنه بل ضحية له. وكانت الطبقات الحاكمة في شرق أوربا (روسيا وبولندا) ترى أن اليهودي هو سر بلاء الريف وبلاء سكانه، ولذا كانوا يرون أن إصلاح حال الفلاحين لن يتأتى إلا بطرد اليهود من صناعة الخمور. ومع تدهور الاقتصاد البولندي ابتداءً من القرن الثامن عشر الميلادي، بدأت العناصر التجارية المسيحية تتجه إلى الهيمنة على تجارة النبيذ والكحوليات المربحة بين السكان. وكلما ازداد إفقار المدن وإفقار سكانها، كانت المطالبة بتأميم تجارة الخمور تزداد ضراوة. وأصبح استبعاد اليهود من هذه التجارة مطلباً أساسياً تطرحه الطبقة الوسطى البولندية، ثم أصبح هذا جزءاً من سياسة كثير من الدول المطلقة المستنيرة. 

وقد بدأت حركة استبعاد أعضاء الجماعات اليهودية من صناعة الخمور في بولندا وامتدت إلى روسيا واستمرت فيها. ونصت براءة التسامح التي أصدرها جوزيف الثاني على ضرورة طرد اليهود من صناعة الخمور خلال عامين. ومع تفاقم مشكلة سُكْر الفلاحين، ازدادت ضراوة التشريعات ضد اشتغال اليهود بتجارة الخمور. ولكن كل هذه التشريعات لم تفلح، إذ أن إدمان الفلاحين السلاف للخمر كان نتاج ظروف حضارية واجتماعية مُركَّبة لم يكن اليهود مسئولين عنها، وإن كانوا قد استفادوا منها. ولم تُحسَم المسألة نهائياً إلا مع ظهور نظم اشتراكية في روسـيا وبولندا أممَّت كل وسـائل الإنتاج، ومنها صناعة الخمـور، وأوجدت فرصاً بديلة لليهود. 

ويبدو أن تقاليد الاشتغال بإنتاج النبيذ وتسويقه استمرت على يد المستوطنين الصهاينة في فلسطين، إذ زرعوا كثيراً من الكروم وقاموا بتقطير الخمور. وقد قامت مدرسة مكفيه إسرائيل الزراعية بزراعة أول أشجار كروم أوربية، وأسست أول قبو خمور على الطريقة الأوربية. وكان البارون إدموند دي روتشيلد مهتماً بزراعة الكروم في فلسطين مؤملاً أن تتحوَّل إلى أحد الأسس الاقتصادية للقرية اليهودية في فلسطين، وقد قام ببناء أقبية كبيرة للخمور. ولكن التجربة لم تنجح، مثلها مثل كثير من التجارب الاستيطانية الأخرى. 

الإعـــــلان 
Advertising 

لعب أعضاء الجماعات اليهودية دوراً مهماً للغاية في صناعة الإعلان، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ارتبطت هذه الصناعة بآليات المجتمعات الرأسمالية الحديثة. ويُعتبَر رجال صناعة الإعلان من اليهود من أهم العناصر المسئولة عن تَطوُّر مؤسسة الإعلان الحديثة وعن اتساع نشاطها وتَطوُّر أسلوب عملها. والواقع أن التبادل التجاري في المجتمعات التقليدية لا يعرف ظاهرة الإعلان، إذ كان النشاط الاقتصادي محكوماً بمجموعة من القيم الدينية والأخلاقية التي لا تسمح بالتنافس الشديد ولا بمحاولة التأثير على الزبائن واصطيادهم. ومع هذا، كان كثير من التجار في كثير من بلدان العالم الغربي يجأرون بالشكوى من التجار اليهود بسبب ملاحقتهـم الزبائن أمـام المحـال التجـارية وفي الطرقات وحتى في منازلهم. ولعل هذا يعود إلى أن التاجر اليهودي لم يكن ملتزماً بالقيم المسيحية مثل الثمن العادل والمحبة. كما أن أعضاء المجتمع المضيف، في علاقتهم به كعضو في جماعة وظيفية، هم مجرد شيء يشكل مصدراً للربح. 

وتزايدت أهمية الإعلانات في التجارة مع تزايد علمنة المجتمع وتزايد حدة المنافسة التجارية. لكن النقلة النوعية حدثت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بعد أن حقَّقت الثورة الصناعية توسعاً في الإنتاج، وبعد نمو طبقة وسطى من المستهلكين شكلت السوق الأساسية للمنتجات والسلع الاستهلاكية المختلفة، حيث أصبحت الإعلانات جزءاً لا يتجزأ من آليات السوق. وقد كان أعضاء الجماعات اليهودية من العناصر الرائدة في قطاع الإعلان نتيجة ميراثهم التاريخي كجماعات وظيفية تمتلك خبرات تجارية ومالية مهمة أهلتهم لدخول مجالات كانت لا تزال تُعَدُّ جديدة وغير مألوفة وبالتالي تتميَّز بقدر كبير من المخاطرة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن فهم ارتباط أعضاء الجماعات اليهودية بصناعة الإعلان من خلال ارتباطهم بتجارة التجزئة والصحافة اللتين كانتا أيضاً من الأنشطة الجديدة التي صاحبت نمو المجتمعات الصناعية الرأسمالية، وهي أنشطة احتل فيها أيضاً أعضاء الجماعات اليهودية مكان الريادة. وبالتالي اكتسبت صناعة الإعلان أهمية كبيرة لتسويق منتجات مؤسسات التجزئة التجارية الجديدة، في حين شكلت الصحافة الأداة الرئيسية للإعلان عن هذه المنتجات. 

ويُعتبَر الأمريكي اليهودي ألبرت لاسكر أباً لصناعة الإعلان الحديثة حيث عمل على تحويل مهمة وكالة الإعلان، من مجرد وسيط بين المؤسسات التجارية التي كانت تضع برنامج الإعلانات لمنتجاتها من ناحية والصحافة وأجهزة الإعلام من ناحية أخرى، لتصبح الجهة الرئيسة المسئولة عن رسم وتخطيط ونشر الإعلانات الخاصة بمنتجات هذه المؤسسات. وقد انضم لاسكر عام 1898 إلى وكالة إعلان لورد وتوماس في شيكاغو، وأصبح عام 1904 (وعمــره 24 سنة) شـريكاً بها، ثم أصـبح مالكـها الوحـيد عام 1912. وقد نجح لاسكر خلال ثلاثة عقود في تحويلها إلى واحـدة من أهم وكالات الإعلان في الولايات المتحـدة. 

ويُعتبَر ميلتون بيو Biow المسئول عن تطوير وكالة الإعلان الحديثة لتلبية احتياجات عالم التجارة والأعمال الحديثة. كما أسس إحدى أهم كبريات وكالات الإعلان في الولايات المتحدة والعالم. ويُعَدُّ أول من استخدم الراديو والتليفزيون لتقديم الفقرات الإعلانية القصيرة. 

وتُعتبَر وكالة جراي للإعلان، التي أسسها لورانس فالنستاين، من أهم مؤسسات الإعلان التي أوجدت فكرة خَلْق الطلب على السلعة قبل طرحها في الأسواق. كما ابتكرت وكالة إعلان أخرى هي وكالة دوتل داين وبرنبارخ التي تأسست في عام 1949 أسلوباً جديداً في الإعلان يعتمد على تَبنِّي نبرة هادئة تميل إلى التواضع في تقديم الإعلانات وهو أسلوب تبنته كثير من وكالات الإعلان الأخرى. وابتكرت وكالة أخرى، وهي وكالة نورمان كرايج وكومل، أسلوباً جديداً في الإعلان أطلقت عليه اسم «الإعلان العاطفي»، وهو أسلوب يهدف إلى خَلْق نوع من التماثل والاندماج العاطفي عند المتلقي تجاه السلعة موضوع الإعلان. وكل هذه أساليب تميل إلى اللعب على الجوانب النفسية والعاطفية والحسية لدى المستهلك باعتباره مجرد هدف يتم توظيفه. ومن الجدير بالذكر أن عالم النفس المعروف إرنست ديختر من أهم الشخصيات اليهودية الأمريكية التي كانت لها مساهمات مهمة في صناعة الإعلان والذي أسس معهد بحوث الدوافع. 

وفي إنجلترا، لم يصل أعضاء الجماعة اليهودية إلى مواقع بارزة في صناعة الإعلان إلا بعد الحرب العالمية الثانية. ولم تَنمُ صناعة الإعلان في أوربا إلا بعد الحرب العالمية الأولى، بعد أن شهدت وسائل الاتصال نمواً وتوسعاً كبيرين، إلا أن مشاركة أعضاء الجماعات اليهودية فيها انتهت مع مجئ النازية واندلاع الحرب العالمية الثانية. أما بعد الحرب، فكان لاتساع وامتداد نشاط وكالات الإعلان الأمريكية والبريطانية إلى أوربا دور في أن يصبح لرجال الإعلان من اليهود شأن بارز في صناعة الإعلان الأوربية. 

ويجب التنبه إلى أن اشتراك أعضاء الجماعات اليهودية بشـكل ملحـوظ في قطاع الإعلانات لا يجعل منه نشاطاً اقتصادياً يهودياً، فهو أولاً وأخيراً جزء لا يتجزأ من آليات السوق بكل وحشيته وعدم اكتراثه بالقيم الإنسانية والأخلاقية، ومحاولته توظيف الدوافع الإنسانية، خصوصاً الدافع الجنسي، في محاولة بيع السلع. وقد ظهر قطاع الإعلانات وتَطوَّر بظهور وتَطوُّر الاقتصاد الحديث، خصوصاً الرأسمالي. ويمكن القول بأن قطاع الإعلان كان سيظهر ويتطور سواء كان هناك يهود أم لا، تماماً كما ظهر وتَطوَّر في اليابان والهند وهي بلاد لا تُوجَد فيها أقليات يهودية تُذكر. ومع هذا، يمكن القول بأن وجود أعضاء الجماعة اليهودية داخل هذا القطاع بشكل ملحوظ لا يمكن تفسيره إلا على أساس انتمائهم إلى أقلية تشكل جماعة وظيفية، أي أن يهوديتهم تفسر تزايد عددهم داخل هذا القطاع الاقتصادي ولكنها لا تفسر وجود هذا القطاع وتطوره وآلياته. وهذا، على كلٍّ، هو النمط المهم في كثير من الظواهر في العالم الغربي ابتداءً من الرأسمالية والاستعمار وانتهاءً بالطلاق والإباحية والشذوذ الجنسي. 

تجارة الرقيق 
Slave Trade 

«تجارة الرقيق» هي تجارة تقوم بها عادةً جماعة وظيفية مالية. وتُحرِّم اليهودية على اليهودي اسـتعباد اليهودي مدة تزيد على سـتة أعـوام، ولكنها لا تُحرِّم استعباد غير اليهود أو الاتجار فيهم. ويُقال إن العبرانيين القدامى كانوا عبيداً في مصر، وهو قول غير دقيق. فبرغم أن الاقتصـاد المصـري كان متقدماً، فإنه كان يعتمد أسـاساً على السخرة، مع عدم استبعاد أن تكون جماعة غريبة مثل العبرانيين قد تحوَّلت إلى عبيد وبخاصة بعد انحسار حكم الهكسوس: حُماتهم. ولم يكن العبرانيون، عند هجرتهم من مصر وتغلغلهم في كنعان وسكناهم فيها (في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، على مستوى اقتصادي وحضاري متقدم، ولذا لم تكن لديهم حاجة إلى العبيد. ومن هنا حديث العهد القديم الدائم عن إبادة سكان القرى والمدن التي كان يجتاحها العبرانيون. ولم تكن المملكة العبرانية المتحدة، هي الأخرى، في حاجة إلى العبيد بسبب بساطة اقتصادها، فقد سدت حاجتها من العبيد عن طريق استعباد العبرانيين الذين فشلوا في أداء ديونهم. ولم يختلف الوضع كثيراً في المملكة الشمالية أو المملكة الجنوبية. ولا يُعرف عن العبرانيين أنهم اشتغلوا بتجارة الرقيق أو أنهم كانوا يستعبدون أعضاءً من الشعوب المجاورة. كما أنهم لم يتحولوا إلى عبيد. ولكن هناك إشارة إلى أن بعض فراعنة مصر كانوا يتبادلون مع المملكتين العبرانيتين الأحصنة المصرية بالمقاتلين اليهود، وأن هؤلاء العبيد هم الذين تحوَّلوا إلى جماعة وظيفية قتالية في جزيرة إلفنتاين. وكان التهجير الآشوري والبابلي عملية نقل كتلة بشرية من مكان إلى آخر ولكنها لم تحوِّل المهجَّرين إلى عبيد، بل إن بعضهم أصبح من كبار المموِّلين. ولا تختلف الصورة في عصر الإمبراطوريات الفارسية واليونانية (السلوقية والبطلمية) ثم الرومانية. 

لكن الصورة تختلف في العصور الوسطى في أوربا. فنظراً لفقر أوربا الشديد، كان الرقيق أحد السلع القليلة التي يمكنها توريدها إلى الإمبراطورية البيزنطية والعالم الإسلامي حتى يمكنها استيراد البضائع منهــا. أي أن توريد العبيد كان نوعاً من أنواع تصحيح ميزان المدفوعـات. ولذا، كانت تجارة الرقيق جزءاً أسـاسياً من التجـارة الدوليـة. ولكن المصدر الأساسي للعبيد كان هو بلاد السلاف الوثنية المشتق اسمها من كلمة «سكلافوس scelavus» من لاتينية العصور الوسطى أي عبد (ومن هنا اسمهم العربي «الصقالبة»)، إذ كانت الدول المسيحية تُحرِّم الاتجار في العبيد المسيحيين كما كانت الدولة الإسلامية تُحرِّم الاتجار في العبيد المسلمين. وكانت قوافل اليهود تنتقل لأخذ العبيد من السلاف لنقلهم وبيعهم. وكان أعضاء الجماعات اليهودية مهيئين أكثر من أي قطاع آخر في المجتمع للاضطلاع بهذه الوظيفة، فقد كانوا جماعة وظيفية وسيطة يمكنها أن تعيش بين الفراغات وأن تدير مثل هذه التجارة المشينة التي لا يمكن أن يقوم أعضاء المجتمع بإدارتها. كما أن كونهم يهوداً قد زودهم بالحماية في حركتهم الدائبة بين العالمين المسيحي والإسلامي وكان بوسعهم أن يبيعوا عبيداً مسـيحيين في العـالم الإسـلامي وعبيداً مسـلمين في العالم المسيحي. ويذكر ابن خرداذبة أن العبيد كانوا من أهم السلع التي يحملها التجار الراذانية. 

وقد عملت أعداد كبيرة من التجار اليهود في تجارة الرقيق منذ العصـور الوسـطى حتى القرن الخامـس عشـر الميلادي، وهذا أمر طبيعي، فتجارة الرقيق كانت جزءاً من التجارة الدولية. وقد مُنح هؤلاء التجار المواثيق التي تحميهم وتحمي سلعهم. وكان من الممنوع تعميد العبد لأن هذا يعني فقدان التاجر اليهودي سلعته. وكان هذا مصدر احتكاك شديد بين التجار اليهود والكنيسة، بل بين هؤلاء التجار ومعظم طبقات العالم الغربي المسيحي في العصر الوسيط. وبعد الثورة التجارية، ظهرت تجارة الرقيق - المرتبطة بالنظام الاقتصادي التجاري الجديد - والتي تطلبت إمكانات مادية ضخمة من سفن إلى جنود وحاميات في المستعمرات تحتاج إليها عملية اصطياد العبيد من أفريقيا وتوريدهم إلى المستوطنات في العالم الجديد. وقد انضم بعض كبار المموِّلين اليهود إلى هذه التجارة ولعبوا دوراً نشطاً، فامتلك يهود المارانو (السفارد) العبيد، خصوصاً في مستعمرات الكاريبي، وقاموا بالاتجار فيهم. ومما يسر لهم عملهم هـذا، شـبكة الاتصالات اليهودية الضخمة في تلك الآونة، فقد كان للمارانو قواعد في البرتغال وفي المستعمرات البرتغالية في أفريقيا وفي العالم الجديد وفي هولندا ومستعمراتها، كما كانت لهم ركائز في الدولة العثمانية وغيرها من الدول. 

وكان بعض أعضاء الجماعات اليهودية من كبار تجار العبيد في المستعمرات الهولندية في الأمريكتين، فكانوا يعملون بهذه المهنة في البرازيل الهولندية (1630 ـ 1654)، كما عمل بعضهم بها في القرن الثامن عشر الميلادي في العالم الجديد. فاشتركوا في التجارة المثلثة أي شحن البضائع الأوربية، مثل الأسلحة والبارود والمشروبات الروحية (الجن) والحلي الرخيصة، إلى الساحل الأفريقي، وتحميل هذه السفن بالعبيد الذين كانوا يباعون في المزارع الأمريكية وفي جزر الكاريبي، ثم تعبئة هذه السفن بالمنتجات الاستوائية كالسكر والنيلة والتبغ والقهوة وغيرها من السلع لنقلها إلى أوربا. وكان يوجد مثلث آخر يبدأ في نيو إنجلاند في الولايات المتحدة حيث تُحمَّل السفن بشراب الروم وتتجه إلى أفريقيا حيث يباع الروم وتُحمَّل بالعبيد وتتجه لجزر الكاريبي لتُحمَّل بعسل قصب السكر الأسود الذي يُصنَّع منه الروم. وتظهر أسماء تجار يهود بين تجار العبيد في كوراساو، فيرد اسم مانويل ألفاريس كوريا باعتباره تاجر عبيد نشيطاً اشتغل بهذه المهنة عدة سنوات وعمل وسيطاً عام 1699 بين شركة الهند الغربية الهولندية والشركة البرتغالية، وذلك لنقل العبيد من أفريقيا إلى المكسيك عبر كوراساو حيث كانت تتم مبادلة العبيد بالعسل الأسود الذي يُصدَّر إلى نيو إنجلند ليُستخرَج منه الروم لبيعه في أفريقيا. ومن أهم التجار في أمريكا الشمالية: ديفيد فرانكس وآرون لوبيز وجيكوب رودريجيز. وفي جامايكا، ترد أسماء ديفيد هنريك وهيمان ليفي وألكسندر ليندو الذين كانوا من كبار تجار العبيد هناك في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. وكان أعضاء أسرة جراديس اليهودية المقيمة في بوردو نشطاء في تجارة العبيد بالمستعمرات الفرنسية في العالم الجديد مثل سانتو دومينجو. وكان هناك بعض اليهود من أصحاب المزراع الكبيرة في جزر الهند، وبالتالي فقد كانوا يمتلكون العبيد الذين تعتمد الزراعة عليهم هناك. ومن أهم التجارب الاستيطانية اليهودية تجربة سورينام حيث أسس أعضاء الجماعة اليهودية في بريزدنتس أيلاند ما يشبه الدويلة المستقلة التي كانت تعتمد على العبيد المستَجْلَبين من أفريقيا في الزراعة. 

ولم يكن موقف أعضاء الجماعة اليهودية في الجنوب الأمريكي (في الولايات المتحدة) يختلف عن موقف بقية الأمريكيين من مؤسسة الرقيق، فقد امتلك اليهود فيها العبيد. وبلغت نسبة أعضاء الجماعة اليهودية الذين كانوا يمتلكون العبيد 25%، وهي نسبة لا تختلف عن نسبة البيض حسب إحصاء 1860. وكان هناك بين مُلاَّك المزارع القليل من أعضاء الجماعة اليهودية. 

أما معاملة يهود الجنوب الأمريكي للعبيد، فلم تختلف عن معاملة المسيحيين لهم. كما أن نسبة عدد العبيد، الذين كان يعتقهم أعضاء الجماعة اليهودية، لم تكن تختلف عن النسبة بين المسيحيين، غير أن أعضاء الجماعة اليهودية اشتغلوا بسائر الأعمال التنفيذية الخاصة بتيسير النظام العبودي. ويُلاحَظ أن العبيد والمُحرَّرين من العبيد السود كانوا يتعاملون بنسبة أعلى مع التجار اليهود، نظراً لأن هؤلاء كانوا يفتحون محالهم يوم الأحد، وهو اليوم الوحيد الذي كان بإمكانهم أن يتسوقوا فيه.

وفيما يتعلق بمؤسسات تجارة الرقيق، فقد اشترك فيها أعضاء الجماعة اليهودية، شأنهم شأن كل سكان الجنوب، فعملوا بالمزايدات وتقديم الائتمانات وإنجاز الأعمال التجارية في سوق الرقيق. ويبدو أن نسبة المشتغلين بتسيير تجارة الرقيق منهم كانت أعلى من نسبة المشتغلين بها بين المسيحيين، نظراً لتَركُّز اليهود في الأعمال التجارية والمالية. ولم يقتصر اشتراك أعضاء الجماعات اليهودية على المؤسسات الخاصـة بإدارة تجـارة الرقيق، بل تعاملوا في سـلعته البشــرية الأساسية، أي الرقيق. فكان لابد لمن يمتلك رقيقاً أن يتاجر فيه بيعاً وشراءً، لأن الرقيق كان سلعة ثمينة. ومع هذا، لم يكن يوجد يهودي واحد بين كبار التجار. والواقع أن رأس المال المُركَّز في أيدي ممولين يهود كان ضئيلاً بالنسبة إلى رأس مال العمالقة من المسيحيين البيض. ففي ريتشموند، كان هناك ثلاثة تجار يهود من بين سبعين تاجراً، وفي تشارلستون كان يوجد أربعة تجار يهود بين أربعة وأربعين، وفي ممفيس تاجر واحد بين اثنى عشر تاجراً. وبرغم الانخفاض المطلق في عددهم، فإن نسبة وجودهم في تجارة الرقيق كانت عالية للغاية، إذ كانوا يشكلون نحو 8% من التجار في المتوسط. وكانت نسبة اليهود إلى عدد السكان، في الجنوب وفي الولايات المتحدة، ضئيلة للغاية لأن عصر الهجرة اليهودية من شرق أوربا، الذي أتى بالكثافة السكانية، لم يكن قد بدأ بعد. وعلى أية حال، لم تتجاوز نسبة اليهود في الولايات المتحدة في ذلك الوقت نصفاً في المائة. 

ولعل عدم وجود اليهود في هذا القطاع بنسبة كثيفة كان انعكاساً لوضـعهم داخـل الاقتصاد الأمريكي، فهـم دائماً على مقـربة من المستهلك، بعيدون عن الصناعة الثقيلة وعن المراحل الأولى من الإنتاج، وقد كان الرقيق جزءاً من المراحل الأولى للإنتاج الزراعي في الجنوب. ولم يكن هناك رفض يهودي لتجارة الرقيق، إذ كان جيكوب لفين رئيس الجماعة اليهودية في ساوث كارولينا وإسرائيل جونز رئيس الجماعة في موبيل (ألاباما) من تجار العبيد في عام 1850. وقد استمر التجار اليهود مشاركين في تجارة الرقيق حتى نهاية الحرب الأهلية الأمريكية.

وقد أبقى بعض اليهود البيض محظيات سوداوات وعاشروهن جنسياً، وهذا يعني وجود يهود سود. ولكن من الصعب تحديد عددهم، خصوصاً أن المؤسسات الدينية اليهودية كانت ترفض السماح للسود بالانتماء إليها. كما أن الأسـياد اليهود لم يلقنوا عبيدهـم الديانة اليهودية. ومع هذا، يدَّعي العبرانيون السود أنهم من نسل هؤلاء. وأثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، لم يكن لأعضاء الجماعة اليهودية موقف مستقل عن المناطق الجغرافية التي كانوا يعيشون فيها، فتَبنَّى يهود الشمال موقفاً رافضاً لتجارة الرقيق، وتَبنَّى يهود الجنوب موقفاً مؤيداً لها، بينما تَبنَّى كثير من يهود الولايات الوسط المجاورة للولايات الجنوبية موقفاً محايداً. ومع هذا، لم يلعب أعضاء الجماعة اليهودية بشكلٍّ عام دوراً ملحوظاً في حركة تحرير العبيد أو التحريض ضدها، أو في حركة تهريب العبيد من الجنوب إلى الشمال.


الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثانى: الجماعات الوظيفية اليهودية القتالية والاستيطانية والمالية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثانى: الجماعات الوظيفية والحلولية والعلمانية الشاملة
» الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية
» الباب الثانى: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية
» الباب الثانى: فلكلور (طعام وأزياء) الجماعات اليهودية
» الباب الثانى: العلمانية (والإمبريالية) واليهودية وأعضاء الجماعات اليهودية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: