منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الهــرمنيـــوطيــــقا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الهــرمنيـــوطيــــقا Empty
مُساهمةموضوع: الهــرمنيـــوطيــــقا   الهــرمنيـــوطيــــقا Emptyالأحد 20 أكتوبر 2013, 8:56 pm

الهرمنيوطيقا

«هرمنيوطيقا» من الكلمة اليونانية «هرمنويين hermeneuin» بمعنى «يُفسِّر» أو «يُوضح». والفعل مشتق من كلمة «هرمنيوس» وهي كلمة مجهولة الأصل وإن كان يُقال إنها تعود إلى الإله هرميس رسول الإله زيوس.

وفي اللاهوت المسيحي، تشير الكلمة إلى ذلك الجزء من الدراسات اللاهوتية المَعْنيِّ بتأويل النصوص الدينية بطريقة خيالية ورمزية تبعد عن المعنى الحرفي والسطحي المباشر وتحاول اكتشاف المعاني الحقيقية والخفية للنصوص المقدَّسة (وخاصةً الإنجيل) والقواعد التي تحكم التفرُّد المشروع للنص المقدَّس.

وقد استخدم هايدجر هذا المصطلح ليشير إلى أن دراسته في طبيعة الوجود الإنساني هي دراسة ميتافيزيقية (أي هرمنيوطيقية(.

والكلمة، في الوقت الحاضر، تعني محاولة فهم العالم لا باعتباره نظاماً ميتافيزيقياً وإنما باعتباره موضوع الفكر والعقل الإنساني وباعتباره تجربة معاشة (بالألمانية: ليبنزفلت Lebenswelt، أي عالم الحياة) كما أصبحت مرتبطة بالمعنى العميق (والروحي) للنصوص وتَميُّز الظاهرة الإنسانية عن الظواهر الطبيعية.

وقد قام ديلتاي بنقل المصطلح من اللاهوت إلى الفلسفة ثم إلى العلوم الإنسانية. واستخدمه للإشارة إلى المناهج الخاصة بالبحث في المؤسسات الإنسانية والسلوك الإنساني باعتباره سلوكاً تحدده دوافع إنسانية جوانية يَصعُب شرحها عن طريق مناهج العلوم الطبيعية.

ومن ثم، فإن الهرمنيوطيقا لا تتناول فقط المعطيات الخام للحواس وإنما تحاول فهم معناها الداخلي. 

وأصبحت الهرمنيوطيقا بالنسبة لبعض العلماء هي الطريقة الوحيدة الممكنة لقراءة النصوص الدينية والشعرية والتاريخية والفلسفية وأي نص يتحدث عن الإنسان.

والأطروحات الأساسية للهرمنيوطيقا هي (كما لخصها ديلتاي):

1 ـ التفسير العلمي ليس هو الشكل الوحيد للتفسير. فالتفسير العلمي ينظر للإنسان باعتباره كياناً عضوياً تحركه الدوافع الفيزيقية، بينما يُفترَض أن ننظر إليه باعتبار أن له دوافع داخلية وقيماً.

2 ـ إننا نفهم العالم الإنساني من خلال طرح أسئلة عليه. ويتحدد كل سؤال، من ناحية الشكل والمضمون، بمقدار الاهتمام الكامن وراءه.

3 ـ السؤال ذاته يمثل تفسيراً جزئياً للظاهرة موضع السؤال.

ومن هذه الأطروحات، يظهر ما يُسمَّى «الدائرة الهرمنيوطيقية»:

1 ـ لا يمكن أن نفهم أجزاء أية وحدة أو أن نتعامل معها إلا وعندنا إدراك مسبق بالمعنى الكلي، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع معرفة المعنى الكلي إلا من خلال معرفة معاني أجزائه.

2 ـ ويمكن طرح القضية بطريقة أخرى فنقول: إن التفسير لا يمكن أن يكون إلا بعد أن يبدأ التفسير، فالعالم لا يوجد كموضوع لوعينا إلا من خلال اللغة.

ودائرة الهرمنيوطيقا ليست حلقة مفرغة، إذ أن فهمنا يتعمق من خلال عملية حلزونية تبدأ بالإحساس بالمعنى الكلي، ثم ندرس المكونات الجزئية في ضوء المعنى الكلي فيتعمق المعنى الكلي من خلال معرفة معنى الأجزاء، ثم نعود للأجزاء مرة أخرى... وهكذا.

الشرح والتفسير (فرشتيهن(

أصبحت كلمة «يشرح» تعني «يشرح تماماً» أو «يُزيل اللبس تماماً». بل أصبحت لها أبعاد تفكيكية، فهي تعني «تعريف أسباب الظاهرة وردها إلى مبدأ عام واحد أو عدة مبادئ». كما أنها قد تعني «يفضح» أو «ينزع السـر عن».

وهـذه الأبعاد ليست واضحة في اللغة العربية بالقدر الكافي، إلا أنها أكثر وضوحاً في اللغة الإنجليزية.

فكلمة «يشرح» باللغة الإنجليزية هي «إكسبلين explain» من الفعل اللاتيني «إكسبلاناري explanare» بمعنى «يُسطِّح الشيء» أو «يسويّه» أو «يجعله مستوياً» (كلمة «بلين plane» الإنجليزية تعني «السطح المستوي»).

هذا على عكس فعل «إنتربريت interpret» (من الفعل اللاتيني «إنتربريتاري interpretari» وهو يعني «يُفاوض»).

ففعل «إنتربريت» يعني «يُبرز المعنى الكامن ويوضحه» و«يؤول النص» و«يعطي تفسيراً للموضوع» و«يترجم» أو «يقوم بدور المترجم»، ومن الواضح أن كلمة «يشرح» تدور في إطار المرجعية الموضوعية: يُسطِّح وىُسوِّي حتى يستوي مع معيارية برانية، أما كلمة «يُفسِّر»، فهي لا تنفي الأبعاد الذاتية الاجتهادية لعملية الإدراك.

وهذا التداخل بين التفسير (بمعنى الاجتهاد في فهم الظاهرة وجعلها مفهومة إلى حدٍّ ما من خلال التعاطف معها وفهمها أو تفهمها من الداخل) والشرح (بمعنى إدخال الظاهرة في شبكة السببية الصلبة المطلقة والقوانين الطبيعية وكشف العلاقة الموضوعية بين السبب والنتيجة) يعود إلى أن العلوم الطبيعية والرياضة بنماذجها الواحدية الموضوعية المادية تلقي بظـلالها الكثيفة على العلوم الإنسانية.

فالاستنباط (العقلاني) هو منهج العلوم الرياضية، والاستقراء (التجريبي) هو منهج العلوم الطبيعية، وكلاهمـا يحاول أن يصل إلى درجة عاليـة من الدقة والعموميـة في نتائجه.

ومن ثم، يحاول بعض علماء الدراسات الإنسـانية تبني المناهج السـائدة في العلوم الطبيعية والرياضية (العلوم الدقيقة!) ويحاولون تفسير الظواهر الاجتماعية والإنسانية تماماً مثلما تُفسَّر الظواهر الطبيعية بطريقة كمية، فيتبنون نماذج رصد موضوعية واحدية مادية تُسقط الأبعاد الجوانية والخاصة والكيفية للظاهرة الإنسانية وتُهمل الدوافع والوعي والقيمة تماماً، ثم تُرَدُّ الظاهرة في كل تفاصيلها إلى قانون أو مبدأ عام واحد، وتُزال كل المسافات والثغرات والثنائيات والخصوصيات حتى نصل إلى ما يُتصوَّر أنه التفسير الموضوعي الكامل أو شبه الكامل للظاهرة، أي أن دراسة سلوك الإنسان لا يختلف عن دراسة سلوك اليرقات فكلاهما يُدرَس من خلال سلوكه البراني وحركته الخاصة (ومع هذا، ينبغي الإشارة إلى أن العلوم الطبيعية نفسها قد انسلخت عن هذه الرؤية وأصبحت أكثر احتمالية في رؤيتها، كما أنها أخذت بالتدريج تكوِّن لنفسـها عالماً خاصاً بها مؤلفاً من كيانات عقلية ورياضية لا تسـتطيع أن تجد لها وجوداً في عالم الظواهر.

ويبدو أن الفرض العلمي، الذي كان يمثل الخطوة الثانية التي تلي خطوة الملاحظة والتجربة والذي كان يشير إلى مُدرَكات حسية، أصبح في المنهج العلمي المعاصر فرضاً صورياً لا يشير إلى مدركات حسية ويأتي سابقاً على الملاحظة والتجربة.

لكن الفرض العلمي لم يعد تعميقاً لوقائع تجريبية ـ كما كان شائعاً في الماضي ـ وإنما هو نتاج العبقرية العلمية الخلاقة التي تأتي به بأية طريقة أو بأي منهج.

وما يهم في الفرض العلمي مدى مقدرته على أن تجعل هذا العالم مفهوماً ومعقولاً، أي أن الحاجة إلى حقائق صلبة أو سببية صلبة لم تَعُد موجودة).

وفي العالم الغربي، اكتشف كثير من العلماء سذاجة بل تفاهة الرؤية التجريبية والوضعية (الواحدية الموضوعية المادية) التي تصر على الحقائق الصلبة وعلى السببية الصلبة والمطلقة والتي ذهبت إلى أن قوانين التاريخ والمجتمع الإنسانيين تشبه قوانين الطبيعة (بالمعنى الساذج لفكرة القانون العلمي) وحاولت اكتشاف هذه القوانين وصياغتها بطريقة "علمية" دقيقة كمية، وأصر هؤلاء العلماء الذين رفضوا مثل هذه الرؤية الساذجة على ضرورة التمييز بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وعلى ضرورة رفض فكرة وحدة (أي واحدية) العلوم.

ومن مظاهر هذه الثورة محاولة التمييز بين الشرح من جهة والفهم (بمعنى «التفهم» و«التفسير الاجتهادي») من جهة أخرى.

وقد بدأ استخدام الفعل الألماني «فرشتيهن verstehen» بمعنى «يفهم» أو «يتفهم» مقابل «إركليرين erklaren» بمعنى «يشرح من خلال ملاحظة الحوادث وربطها بالحوادث الأخرى حسب القوانين الطبيعية»، وذلك لوصف عملية فهم السلوك الإنساني المركب من خلال التعاطف وإدراك الدوافع الإنسانية الجوانية (مقابل شرح الأسـباب البرانية).

وقد اسـتخدم هذا المصطلح كلٌّ من فلـهلم ديلتاي وجـورج زيميل وكارل ياسبرز وماكس فيبر وآخرون. وقال ياسبرز: "إن الحياة النفسية [الإنسانية] لا يمكن دراستها من الخارج، كما أن الحقائق الطبيعية لا يمكن دراستها من الداخل. الأولى يمكن فهمها من خلال النفاذ النفسي، أما الثانية فيمكن شرحها من خلال دراسة العلاقة الموضوعية المادية".

وقارن ياسبرز بين دراسة حَجَر يَسقُط من عل (من جهة) ودراسة علاقة تجارب الإنسان في طفولته ببعض الأمراض النفسية في شبابه وشيخوخته (من جهة أخرى)، فالأول لا يمكن أن نراه إلا بشكل براني (في إطار قانون الجاذبية)، أما الثاني فيتطلب عمليات فكرية وعقلية أكثر تركيباً.

ولكن المصطلح ارتبط أساساً باسم ماكس فيبر. فقد بيَّن فيبر الفرق بين الرصد الموضوعي المتلقي المادي وعمليات التفسير الاجتهادية حين قال إن دراسة حظيرة الدجاج أمر جدُّ مختلف عن دراسة المجتمع الإنساني، فعلم اجتماع الدجاج لن يدرس سوى أنماط سلوكية متكررة من الخارج يمكن فهمها في إطار المثير المادي والاستجابة السلوكية.

ونحن لا نعرف شيئاً عن العالم الجواني للدجاج وعواطفه وأفكاره وتأملاته إن كان هناك مثل هذا العالم.

أما في حالة المجتمع الإنساني، فنحن مزودون بقدر كبير من المعرفة عن العالم الجواني للإنسان (نتوصل إليه من خلال معرفتنا لذواتنا ومن خلال ألفتنا للطبيعة البشرية) وعن الدوافع الداخلية المركبة وعالم المعنى الذي ينبع منه السلوك الإنساني.

ولذا، إذا كان من الممكن شرح سلوك الدجاج في إطار شبكة السببية الصلبة المطلقة ومن خلال الملاحظة البرانية المباشرة، فلن يكون هذا كافياً بالنسبة للبشر.

والمحاولة الوضعية السلوكية لوصف عالم الإنسان من خلال سلوكه البراني محكوم عليها بالفشل ومحكوم عليها بأن تظل سطحية تافهة، فهي بإصرارها على ضرورة الشرح البراني الموضوعي ستستبعد قضايا إنسانية أساسية مثل انشغال الإنسان بمصيره وتجربته في الكون وإحساسه بالاغتراب.

ولكن هذا لا يعني أن السلوك الإنساني لا يخضع لأية سببية وإنما يعني أن الرصد البراني لا يكفي، والمطلوب هو عملية تفسير لا تدور في إطار الواحدية الموضوعية المادية وتسعى إلى الفهم العميق من خلال التعاطف المستمر والإدراك المبدع لتركيبية الدوافع الإنسانية وغموضها.

التحول عن التنظير المركب إلى الممارسة الاختزالية

هناك وعي محدد بقضية الفرق بين الطبيعي والإنساني واستقلال الحيز الإنساني عن الحيز الطبيعي في العالم العربي (كما أسلفنا)، ولكننا مع هذا نجد أن النموذج الاختزالي المعلوماتي التراكمي (الواحدي الموضوعي المادي) الذي لا يُفرِّق بين الظاهرة الطبيعية البسيطة والظاهرة الإنسانية المركبة يهيمن على الدراسات والبحوث في جامعاتنا ومراكزنا البحثية بل يكتسحها تماماً.
وأعتقد أن ما يحدث هو أنه رغم وجود الوعي النظري بالاختلاف الجوهري بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية إلا أنه لا يتم تفعيله ولا ينتقل إلى مستوى الممارسة البحثية نفسها.

وأعتقد أن كثيراً من الباحثين يتخلون عن وعيهم هذا ويَسقُطون في الممارسة الاختزالية التي لا تُفرِّق بين الطبيعي البسيط والإنساني المركب.

وعادةً ما يحدث هذا في مرحلة صياغة الفروض. وقد عُرِّف الفَرْض العلمي بأنه منطوق أو مقولة أو تقرير مبدئي لما نعتقد أنه علاقة بين متغيرين أو أكثر، ويعكس الفرض تكهنات الباحث بالنسبة لنتائج البحث المرتقبة.

ويَتبنَّى الباحث الفرض بشكل مؤقت حتى يتحقق صدقُه أو كَذبه عن طريق الملاحظة والتجريب. ويقوم الفرض بتوجيه الباحث إلى المعلومات والبيانات التي يتعين جمعها وهو ما يوفر كثيراً من الوقت والجهـد كان يمكن أن ينفقه في الحصـول على بيانات محـدودة أو عديمة القيمة تتصل بالمشكلة قيد الدراسـة.

فمن الواضح أن مرحلة صياغة الفروض هي من أهم مراحل البحث إن لم تكن أهمها. ولكنها، بدلاً من أن تكون المرحلة التي يبدأ الباحث فيها عملية التفكيك والتركيب بشكل مُتعمِّق وبلورة الإشكالية التي سيتناولها، أصبحت (في كثير من الأحيان) المرحلة التي يَتبنَّى فيها الباحث النماذج الاختزالية الواحدية المادية التي تقتل الواقع الإنساني وتميته وتقضي على أبعاده المركبة وتقذف بالباحث في براثن النماذج المعلوماتية التراكمية والموضوعية المتلقية.

وقد صدرت بعض الدراسات التي تُميِّز بين الظواهر الطبيعية والإنسانية بحماس شديد وبراديكالية صارمة على المسـتوى النظري.

ومع هـذا، حينما وصلت هذه الدراسـات إلى قضـية الفـروض، وصفتها في عبارات مثل:

ـ كلما كانت الفروض واضحة، ساعد ذلك الباحث على دقة تحديد أهداف البحث وحسن اختيار عينة البحث وأسلوبه وأدواته.

ـ يجب أن تُصاغ الفروض في كلمات بسيطة كلما أمكن.

ـ يجب أن تكون الفروض محدَّدة في منظورها لا واسعة عريضة.

ـ يجب أن تكون الفروض متمشية مع معظم الحقائق المعروفة السابقة التي ثبت صدقها أو صحتها.

ولابد أن نقرر أن الأمثلة السابقة حالة متطرفة من الاختزالية ولكنها حالة متطرفة ممثِّلة. وما يهمنا تقريره هنا أن النموذج المهيمن في مرحلة صياغة الفروض هو عادةً نموذج اختزالي يستبعد الإنسان كإنسان ويحدد ويُشيِّئ الظاهرة الإنسانية ليجعلها تشبه الظاهرة الطبيعية في بساطتها وبرانيتها، وهو ما يخلق لدى الباحث وهماً مفاده أن الظاهرة الإنسانية يمكن رصدها بشكل براني، عن طريق مراكمة المعلومات التي تتوافر عنها.

بل يمكننا القول بأن العلوم الإنسانية في بلادنا أصبحت تعيش في ظلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية باعتبارها نماذج بسيطة وواضحة ودقيقة، وأصبح الطموح الخفي للعلوم الإنسانية أن تصبح في بساطة ووضوح ودقة وموضوعية العلوم الطبيعية مما يعني افتراض أن الإنسان ظاهرة طبيعية وأنه جزء لا يتجزأ منها، مما يعني ضمور بل اختفاء الحيز الإنساني (وعلى العكس من هذا نجد أن افتراض انفصال الإنسان عن الطبيعة هو تأكيد للتركيب على حساب البساطة،وللكيف على حساب الكم، وللعمق على حساب الوضوح والدقة).

ومما ساعد على هذا الاتجاه نحو «تطبيع» الظاهرة الإنسانية (أي النظر إليها كما لو كانت ظاهرة طبيعية) اتساع قاعدة المعلومات وما يُسمَّى «ثورة المعلومات» أو "انفجارها".

فإذا كان على الأستاذ الجامعي (أو المؤلف) أن يقرأ عشرات الكتب والحوليات ويحضر عشرات المؤتمرات ويشرف على عشرات المشاريع البحثية والرسائل الجامعية، فلابد أن يفضل التعامل مع المسلمات البسيطة الواضحة والدقيقة فمعالجتها أمر سهل، وتقبُّلها أمر حتمي، أما مناقشتها واختبارها فأمر يحتاج جهداً مركباً ووقتاً طويلاً.

والخطاب التحليلي لنفس الأستاذ لابد أن يتسم بنفس البساطة والوضوح والدقة، والرسائل التي يناقشها لابد أن تتسم بالخصائص نفسها حتى يتمكن خط التجميع الأكاديمي من أن يستمر في السير وأن تستمر آلة المؤتمرات في الدوران. ولذا فكثيراً ما تُعزَل الفرضية عما حولها حتى يمكن "معالجتها" في رسالة أو كتاب. ويتحول الفكر إلى مجموعة أفكار متراصة، وكأن كل فكرة ليست سوى شيء لا يربطه رابط بالأفكار الأخرى، وكأنها ليست جزءاً من رؤية للكون.

إن النموذج الفعال، الذي يُستخدَم أثناء صياغة الفروض في الرسائل الجامعية وفي عملية التأليف، يعيش في ظلال النماذج المستقاه من العلوم الطبيعية، ولذا نجده لا يُفرِّق في كثير من الأحيان بين مناهج البحث في العلوم الطبيعية وفي العلوم الإنسانية، ولا بين الظواهر الطبيعة والظواهر الإنسانية.

وحيث إن النموذج الفعال مستبطن بشكل غير واع فإنه لا يُعلن عن نفسه بصراحة إلا في حالات نادرة (وعلى كل، من يجرؤ أن يصرح بالقول بأن الإنسان والشيء لا فرق بينهما؟) إلا أنه مع هذا يتبدَّى من خلال مجموعة من الافتراضات والآراء والاختيارات. فيُلاحَظ على سبيل المثال أن ثمة إيماناً في حقل العلوم الإنسانية بأن هناك معنى واحداً نهائياً صائباً ننجح في الاقتراب منه إن تحلينا بالموضوعية والحياد. ويسود الاعتقاد بأن المعرفة سلسلة مترابطة الحلقات كل حلقة تؤدي إلى التي تليها، ولا يمكن تَخطِّي الحلقات المتجاورة لأن سلسلة المعرفة ـ حسب هذا التصوُّر ـ سلسلة تراكمية صلبة (تماماً كما هو الحال في حقل العلوم الطبيعية)، ومفهوم السببية الذي يسود فيها هو بنفس الصلابة.

وتأخذ عملية التأليف من ثم شكل إضافة معلومات الواحدة للأخرى ومراكمتها، ويصبح التأليف هو إجراء تجارب في إطار النظرية العامة السائدة حتى نزداد اقتراباً من الحقيقة الواحدة (التي تعادل القانون الطبيعي أو الرياضي في العلوم الطبيعية).

ويتبدَّى هذا النموذج الفعال في اقتراحات الرسائل الجامعية في حقل العلوم الإنسانية. أذكر في الماضي (أي حتى أواخر الستينيات) حينما كان طالب الماجستير أو الدكتوراه يسجل موضوع بحثه كان يكتفي باختيار عنوان الموضوع (أي الإشكالية التي سيتناولها الباحث) في سطر أو سطرين، ويُترَك بعد ذلك هو وأستاذه، فالمسألة "بحث" والبحث لابد أن يكون منفتحاً، ولابد أن يؤدي إلى تحولات فكرية.

أما الآن مع افتراض إجراء التجربة في إطار النظرية العامة السائدة، ومع افتراض فكرة التراكم المعلوماتي، فإن مشروع الرسالة يصل أحياناً إلى ستين صفحة حيث يذكر الباحث كل ما سيقوله مسـبقاً، وكل المراجـع بل فصول البحث. ولكن إذا كان "الباحث" يعرف ما سيقول، فلماذا يكتب الرسالة إذن؟

يتبع إن شاء الله...


الهــرمنيـــوطيــــقا 2013_110


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الإثنين 24 مارس 2014, 12:42 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الهــرمنيـــوطيــــقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهــرمنيـــوطيــــقا   الهــرمنيـــوطيــــقا Emptyالأحد 20 أكتوبر 2013, 9:25 pm

وانطلاقاً من نفس التصور التراكمي والطموح نحو البساطة والوضوح والدقة والموضوعية والإيمان بوجود معنى واحد نهائي صائب (يشبه القانون العام في العلوم الطبيعية)، أصبح من الأمور الشائعة الآن في حقل الدراسات العليا في العلوم الإنسانية أن يتقدم الطالب باقتراح لكتابة دراسة عن "الفكر التربوي للشيخ محمد عبده"، على سبيل المثال، فيُقال له "إن هذا الموضوع قد دُرس من قبل" وأنه "تمت تغطيته".

والافتراض هنا أن الدراسة تغطي موضوعاً (الفكر التربوي للشيخ محمد عبده بشكل عام)، لا إشكالية أو إشكاليات محددة (علاقة فكر الشيخ محمد عبده التربوي بفكره الديني ـ التناقضات بينهما، إن كان ثمة تناقضات ـ علاقة فكر الشيخ محمد عبده التربوي بفكر من سبقه من المفكرين ومن أتوا بعده ـ علاقة فكره السياسي بفكره التربوي).

وإذا كان موضوع الرسالة هو موضوع بشكل عام (وليس إشكاليات محددة) يرصد بشكل موضوعي براني، فمن المنطقي أن يتحول كاتب الرسالة إلى عامل أرشيف ومن ثم يمكن أن يُقال له: "إن هذا الموضوع قد دُرس من قبل وتمت تغطيته"، بمعنى أن المعلومات الخاصة بهذا الموضوع تم جمعها، تماماً مثلما تُجمَع المعلومات البرانية عن إحدى الكائنات (وهي ـ في واقع الأمر ـ مرحلة دنيا من مراحل الدراسة في العلوم الطبيعية، لابد أن تعقبها مرحلة ربط المعلومات بعضها ببعض ثم التعميم منها، وهي عمليات عقلية تتطلب قدراً عالياً من الخيال والمقدرة على التجريد).

هذا الموقف يستبعد بطبيعة الحال الذات المركبة المُدركة المتفاعلة مع الموضوع التي تصوغ الإشكالية المحددة ويستبعد فكرة أن التساؤلات التي يطرحها باحث ما في العلوم الإنسانية، يحمل أعباءه النفسية والفلسفية الخاصة، لابد أن تكون مختلفة عن تلك التي يثيرها باحث آخر يحمل أعباء نفسية وفلسفية أخرى، وأن اختلاف التساؤلات لابد أن يؤدي إلى اختلاف النتائج.

كما يعني هذا الموقف تجاه البحث والتأليف إنكار إمكانية التحولات الفكرية أثناء عملية البحث بسبب تركيبية الإنسان وتركيبية الظاهرة.

ولذا انتهى الأمر بأن أصبحت عملية البحث والتأليف في العلوم الإنسانية هي مجرد إجراء تجارب في إطار النظرية والفروض العامة السائدة، وظهر ولع غير طبيعي بالأرقام والإحصاءات والجداول والرسوم البيانية، وأصبح الاستبيان سبيل الوصول إلى الدقة المزعومة والتوصل إلى الحقيقة الواحدة.

وفي نهاية الأمر أصبح التأليف، عند الكثيرين، هو التوثيق: توثيق شيء معروف مسبقاً أو تطبيق لنظرية (ثبت صدقها تماماً) على جزئية ما دون أن تثمر عملية التطبيق الجديدة أي تعديل للنظرية أو اكتشاف للمنحى الخاص للظواهر موضع الدراسة، وهو ما أسميه التوثيق الأفقي: أن يأخذ الباحث مقولة معروفة مسـتقرة ويوثقها من كتب أخرى دون إبـداع أو تسـاؤل، كأن يثبت الباحث بما لا يقبل الشك أن الصهيونية حركة عنصرية، وأن الرومانتيكية عودة للطبيعة والعواطف، وأن مصر هبة النيل، وأن حافظ إبراهيم شاعر الوطنية!

وقد أصبح كثير من البحوث الأكاديمية التي يُقال لها «علمية»، والتي يتقدم أصحابها من أساتذة الجامعة للترقية، ويحصلون عليها في معظم الأحيان، ليست إلا إعادة ترتيب لبعض الحقائق التي وردت في دراسات سابقة أو ربما اكتشاف حقيقة جديدة لا علاقة لها بنموذج أو نمط (وكأن الباحث مُخبر أو شرلوك هولمز)، بحيث أصبح البحث العلمي مثل الكائن الطفيلي الذي يعيش على البحوث المنشورة أو مثل الطائر الجارح الذي ينقض على فريسته إن غفل الآخرون عنها.

وأصبحت معايير الترقية مسألة كمية مثل: عدد المراجع ـ تاريخ نشرها ـ عدد اللغات التي كُتب بها ـ هل هي من آخر المراجع... إلخ، وهي كلها تنم عن أن كثيراً من أساتذة الجامعة (من المتقدمين للترقيات وممن يقومون بمنحها) يدورون في هذا الإطار العقيم. وأصبحت الرسائل الجامعية دراسات في موضوعات عامة مثل "تاريخ ليبيا في النصف الأول من القرن العشرين" أو "المدرسة الطبيعية في الأدبين الإنجليزي والفرنسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر". وتصبح القضية لبحث الطالب عن موضوع "لم يكتب عنه أحد من قبل". وحينما يختار "الموضوع" يقف الطالب مدهوشاً في حيرة من أمره لا يدري ماذا يفعل وأين يبدأ وأين ينتهي.

ولكن عادةً ما يتم التغلب على هذه الحيرة عن طريق صيغة نمطية محددة: تحديد عدد الصفحات ـ كتابة فصل عن حياة الكاتب ـ فصل آخر عن خلفيته ـ فصل ثالث عن أفكاره ـ فصل رابع عن أعماله الأولى ـ فصل خامس عن أعماله في شبابه، وهكذا. وتبدأ الآلة في الدوران وفي مراكمة المعلومات ولا تتوقف إلا حينما يشعر الأستاذ أن الدارس قد أُنهك بما فيه الكفاية وجمع من المعلومات الكثير. ولابد أن تأتي الإشارة من الأستاذ لأن مثل هذه الدراسة لا يمكن أن تكون لها نهاية، فهي ليست لها بداية بسبب افتقار الإشكالية وعدم وجود أسئلة محددة.

ثم تأتي بعد ذلك مرحلة مناقشة الرسالة والتي لا تختلف عادةً في منهجها عن المنهج المتبع في كتابتها (وذاك الشبل من ذاك الأسد)،فالمناقشات تدور في الغالب حول حصر آخر المراجع وآخر المعلومات وكم المعلومات. و"النقد الموضوعي" يأخذ شكل نقد معلوماتي كميّ، إذ يُحصي الأستاذ المناقش الأخـطاء المطـبعية والمعلوماتية التي وقع فيها الكاتب والمَرَاجع التي لم يَطلِّع عليها، أما وجود أو غياب الإشكالية، أما العملية الإبداعية الأساسية، عملية التفكيك والتركيب، فهذه أمور تُترَك وشأنها وكأنها أمر ثانوي لا أهمية له.

وغني عن القول أن مناهجنا التعليمية تَصدُر عن فلسفة تراكمية ذرية مماثلة فكتبنا الدراسية تركز على المعلومات وكمها، لا على طريقة تصنيفها والربط بينها والتعميم منها وتفسيرها ونقدها، والهدف من العملية التربوية هو تلقين الطالب حشداً هائلاً من المعلومات (معلومة بجوار معلومة، درساً بعد درس) فيبرز متوسطو الذكاء الذين لا يتمتعون إلا بموهبة الحفظ والتكرار والاجترار، وتفقد الأجيال مقدرتها على التفسير والإبداع والنقد.

ويصل النظام التربوي إلى قمته أو هوته في ظاهرة الدروس الخصوصية، حيث تصبح الكفاءة الأساسية هي الكفاءة في تلقِّي الحقائق البسيطة الواضحة الدقيقة. وعلى مستوى الجامعة يقوم الأستاذ بإملاء محاضراته فيدوِّنها الطلبة بكفاءة عالية، ثم تتطور الأمور فيطبع الأساتذة محاضراتهم فيما يُسمَّى «المذكرات الجامعية» فيقوم الطلبة بحفظها ويقوم الأساتذة بجَمْع "فائض القيمة".

وتدور العملية التربوية بأسرها حول الامتحانات: أي كفاءة تلقِّي الحقائق البسيطة الواضحة الدقيقة وكفاءة كتابتها في بساطة ووضوح ودقة في ورقة الامتحانات في أسرع وقت! وتدريجياً تصبح القضية التربوية الأساسية هي الأرباح التي يتقاضاها المدرسون عن دروسهم الخصوصية والأساتذة عن مذكراتهم الجامعية.

ويطالب بعض "المصلحين" بضرب هذه العملية الاستغلالية عن طريق تنظيم مجموعات في المدارس وعن طريق دعم الكتاب الجامعي، ويسقط الجميع في الموضوعية المتلقية حيث يصبح المعلم شيئاً مسيطراً ويصبح الطالب شيئاً مذعناً، ويتحرك الجميع داخل إطار جامد لا يؤدي إلى أية تحولات فكرية أو إثراء فكري أو معرفة جديدة، فما يُعرَف هو عادةً مجموعة من الحقائق المتناثرة (البسيطة الواضحة الدقيقة) التي ينساها الطالب بعد الامتحان ويصبح عقله مرة أخرى صفحة بيضاء من غير سوء، ويضمر الإبداع وتضيع الحقيقة.

ولحسن الحظ فإن كثيراً من الباحثين الأذكياء يفلتون من قبضة هذه النماذج، ولكن هناك العديد أيضاً ممن يسقطون صرعى لها، فيسقطون الإبداع والخيال والمقدرة على التفكيك والتركيب ويراكمون المعلومات بشكل موضوعي متلق، محايد بارد. وترتبط هذه القضية ارتباطاً وثيقاً بمشكلة الموضوعية والذاتية في العلوم الإنسانية.

المـوضـوع

«الموضوع» بالإنجليزية «أوبجيكت object» من الفعل اللاتيني «أوبجيكتاري objcetare»، ومعناه «يُعارض» أو «يُلقي أمام»، المشتق من فعل «جاكري jacere» بمعنى «يلقي بـ»، و«أوب ob» بمعنى «ضد». و«الموضوع» هو الشيء الموجود في العالم الخارجي وكل ما يُدرَك بالحس ويخضع للتجربة وله خارجيته وشيئيته، وكل ما هو مستقل عن الإرادة ويوجد خارج الوعي الإنساني مستقلاً عن رغائبنا وآرائنا. والموضوع ينطوي على طبيعته وحقيقته، ووجوده ليس رهناً بمعرفته ولا بتسميته. وعادةً ما يجري تصوُّر الموضوع على أنه ثابت مستقر. ويمكن القول بأن «الموضوع» في الفلسفات التي يمكن تصنيفها على أنها «موضوعية» هو الركيزة الأساسية للعالم، وهو المطلق الموجود بذاته، وهو الكل المركب المتجاوز للأجزاء، فليس له سبب متقدم عليه ولا فاعل ولا صورة ولا مادة ولا غاية فهو بمقام المحرك الأول.

ويرى البعض أن الذات هي التي تضفي الحقيقة على الموضوع. وعند بعض المفكرين المحدثين، الموضوع هو الفعل وعند الآخرين هو نتائج وآثار الفعل.

وتُستخدَم كلمة «موضوع» للإشارة إلى أي شيء نتحدث عنه وإلى المادة التي يَبني عليها المتكلم أو الكاتب كلامه وإلى مادة البحث، فنقول مثلاً: "موضوع هذا البحث هو كذا". وموضوع العلم هو معطياته ومادته وظواهره وحقائقه. وموضوع القضية (بالإنجليزية: سابجيكت subject) يقابل المحمول (بالإنجليزية: بردكيت predicate)، فهو الذي يُتحدَث عنه ويُحكَم عليه في أي قضية إما إثباتاً أو نفياً.

ونحن نذهب إلى أن الفلسفات العلمانية الشاملة تفترض الطبيعة/المادة كنقطة مرجعية نهائية وكركيزة أساسية، فهو الموضوع النهائي الذي يستوعب كل شيء بما في ذلك الذات الإنسانية. وتشير كلمة «موضوع» في هذه الموسوعة إلى هذا المطلق باعتباره الموضوع النهائي المتجاوز، كما تشير أيضاً إلى أية مجردات ومطلقات مادية لا إنسانية هي في جوهرها تنويع على الطبيعة/المادة ومرجعيتها النهائية واحدية مادية. وهذه المطلقات المادية تتجاوز الإنسان ولا يتجاوزها وتستوعب الإنسان ولا يستوعبها. ونشير إليها أحياناً بتعبير «المطلق العلماني»، فهي مرجعية ذاتها (الدولة القومية ـ السوق/المصنع ـ الدافع الاقتصادي ـ المنفعة ـ اللذة ـ حتمية التاريخ(.

كما نذهب إلى أن المنظومات الحلولية الكمونية، حيث يكون المركز كامناً حالاً في المادة، تنطوي على صراع حاد بين الذات والموضوع، فتتمركز الذات حول نفسها باعتبار أنها هي المركز ولكنها تفقد حدودها وتجد نفسها متمركزة حول الموضوع مذعنة له.

الـــــذات
«الذات» بالإنجليزية «سابجيكت subject» عن نفس أصل كلمة «أوبجيكت object»، وهما من فعل «جاكري jacere» بمعنى «يُلقي». ولكن، بدلاً من «أوب ob» والتي تعني «فوق» التي تضاف لكلمة «أوبجيكت object»، يضاف مقطع «سب sub» بمعنى «تحت» أو «مع». والأصل الإنجليزي يشير إلى حالة الاستقطاب بين الموضوعي والذاتي.

والذاتي هو ما يُنسَب إلى الذات، أي ما يتصل بها أو يخضع لها:

1 ـ ذات الشيء هي جوهره وهويته وشخصيته. والذات هي حقيقة الموجود ومقوماته. ويقابله «العَرَض»، أي التبدلات الظاهرة على سطح الأشياء. والذات ثابتة أما الأعراض فمتبدلة.

2 ـ ما به الشعور والتفكير، فتقف الذات على الواقع وتتقبل الرغبات والمطالب وتُوجِد الصور الذهنية وتُقابِل العالم الخارجي (غير موضوعي) الذي يقع خارج نطاق الوعي.

3 ـ العقل أو الأنا أو الفاعل الإنساني المفكر وصاحب الإرادة الحرة أو الكيان الذي يتصف بصفات محدَّدة (الموضوع هو المفعول به(.

4 ـ العقل الديكارتي أو الكانطي الذي يُدرَك العالم الخارجي من خلال مقولاته.

5 ـ صانع التاريخ كفرد أو طبقة (باعتبار أن التاريخ هو الموضوع(.

ونحن نشير في هذه الموسوعة إلى الذات باعتبارها الذات الإنسانية الحرة الفاعلة المسئولة. وفي إطار المنظومة العلمانية العقلانية المادية، يمكن القول بأن الذات الإنسانية ذات طبيعية مادية ليس لها أصول ربانية. ومع أنها لا توجد إلا في الزمان والمكان، فإنها تصر على أنها مركز الكون وأنها ستحقق تجاوزاً لقوانين الطبيعة. ولكنها، لأنها ذات طبيعية، تفقد حدودها وتتفكك ويهيمن الموضوع النهائي على الطبيعة/المادة، وبذا يؤدي التمركز حول الذات (الإنسانية) داخل المنظومة المادية إلى التمركز حول الموضوع (الطبيعة/المادة) وتحل الموضوعية المادية محل الواحدية الذاتية الإنسانية.

إشكالية الموضوعية والذاتية

«الموضوعية» مصدر صناعي من كلمة «موضوع». والموضوعية هي إدراك الأشياء على ما هي عليه دون أن يشوهها نظرة ضيقة أو أهواء أو ميول أو مصالح أو تحيزات أو حب أو كره. ولذا، فإن وُصف شخص بأن "تفكيره موضوعي"، فإن هذا يعني أنه اعتاد أن يجعل أحكامه تستند إلى النظر إلى الحقائق على أساس العقل وبعد معرفة كل الملابسات والظروف والمكونات.

والموضوعية هي الإيمان بأن لموضوعات المعرفة وجوداً مادياً خارجياً في الواقع، وبأن الحقائق يجب أن تظل مستقلة عن قائليها ومدركيها، وبأن ثمة حقائق عامة يمكن التأكد من صدقها أو كذبها، وأن الذهن يستطيع أن يصل إلى إدراك الحقيقة الواقعية القائمة بذاتها (مستقلة عن النفس المُدركة) إدراكاً كاملاً، وأن بوسعه أن يحيط بها بشكل شامل، هذا إن واجه الواقع بدون فرضيات فلسفية أو أهواء مسبقة، فهو بهذه الطريقة يستطيع أن يصل إلى تَصوُّر موضوعي دقيق للواقع يكاد يكون فوتوغرافياً.

وكلمة «الذاتي» تعني «الفردي»، أي ما يخص شخصاً واحداً، فإن وُصف شخص بأن "تفكيره ذاتي" فهذا يعني أنه اعتاد أن يجعل أحكامه مبنية على شعوره وذوقه. ويُطلَق لفظ «ذاتي» توسعاً على ما كان مصدره الفكر لا الواقع، ومنه الأحكام الذاتية (مقابل الأحكام الموضوعية) وهي الأحكام التي تعبِّر عن وجهة نظر صاحبها وشعـوره وذوقه. فمعرفتنا بالواقـع محـدودة تماماً عن طريق خـبرتنا الذاتية الخاصة وتجربتنا الفريدة ووعينا وإدراكنا.

و«الذاتي» في الميتافيزيقا هو رد كل وجود إلى الذات، والاعتداد بالفكر وحده. أما «الموضوعي»، فهو رد كل الوجود إلى الموضوع، المبدأ الواحد المتجاوز للذات. أما في نظرية المعرفة، فإن «الذاتية» تعني أن التفرقة بين الحقيقة والوهم لا تقوم على أساس موضوعي، فهي مجرد اعتبارات ذاتية، وليس ثمة حقيقة مطلقة، أما «الموضوعية» فترى إمكانية التفرقة. وفي عالم الأخلاق، تذهب الذاتية إلى أن مقياس الخير والشر إنما يقوم على اعتبارات شخصية إذ لا تُوجَد معيارية متجاوزة، أما الموضوعية فترى إمكانية التوصل إلى معيارية. وفي عالم الجمال، تذهب الذاتية إلى أن الأحكام الجمالية مسألة ذوق، أما الموضوعية فتحاول أن تصل إلى قواعد عامة يمكن عن طريقها التمييز بين الجميل والقبيح.

ورغم أن هذه التعريفات تبدو سلسة وبسـيطة، ورغم أن التعارض بين الذاتي والموضوعي سلس وواضح، فإن ثمة مفاهيم معرفية كلية نهائية متضمَنة غير واضحة تجيب على الأسئلة الكلية النهائية (ما الإنسان؟ ما العناصـر المكونة له؟ ما علاقة عقلـه بالواقـع؟ ما الهدف من وجـوده؟ أيهما يسـبق وجوده وجـود الآخر ـ الإنسـان أم الطبيعة؟). وسنلاحظ ابتداءً أن هناك أشكالاً كثيرة من الموضوعية (تماماً كما أن هناك أشكالاً كثيرة من العقلانية)، ولكن المرجـعيات عـادةً غير واضحة. فإذا قلنا "فلنكن موضوعيين" أو "فلنُحكِّم العقل" ولم نزد، فنحن نقول في واقع الأمر "فلنكن موضوعيين ولنُحكِّم العقل في إطار المنظومة المعرفية السائدة التي تسبق كلاًّ من الموضوع والعقل". وفي العصر الحديث، نجد أن المنظومة المهيمنة هي المنظومة المادية ونموذج الطبيعة/ المادة حيث لا فرق بين الطبيعة والإنسان. ولذا، فإن عبارة بريئة مثل «فلنكن موضوعيين» تعني في واقع الأمر «فلنتجرد من عواطفنا وذكرياتنا ومنظوماتنا الأخلاقية وتراثنا ولنرصد الواقع الإنساني والطبيعي كما هو»، أي أن كلمة «موضوعية» بشكل مجرد تعني عادةً «الموضوعية المادية» أو «المتلقية» (تماماً كما أن كلمة «عقل» بشكل مجرد تعني «العقل المادي»). وبهذا المعنى، فإن الموضوعية هي، في واقع الأمر، العقلانية المادية في مرحلة التمركز حول الموضوع (لا التمركز حول الذات). وأنها نتاج الرؤية المتمركزة حول الطبيعة/المادة، وعادةً ما تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة في الطبيعة/المادة (على عكس الذاتية، فهي نتاج الرؤية المتمركزة حول الذات والإنسان، وعادةً ما تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة في الذات).

ويمكن تلخيص الأبعاد الكلية والنهائية (المعرفية) للموضوعية (المادية) بأنها الإيمان بأن العالم (الإنسان والطبيعة) كل متجانس مكتف بذاته. وتبدأ المتتالية النماذجية للموضوعية المادية (شأنها شأن أية منظومة حلولية كمونية مادية) بمرحلة إنسانية ذاتية (واحدية ذاتية ـ تَمركُز حول الذات). ومع تحقُّق المتتالية وبعد مرحلة قصيرة من الثنائية الصلبة تصبح الطبيعة/المادة هي المركز وتهيمن الواحدية الموضوعية المادية (التمركز حول الموضوع) وهذا يعني في واقع الأمر استبعاد الإنسان كعنصر فاعل وتحويله إلى عنصر سلبي متلق، والطبيعة نفسها تتحول إلى كيان بسيط منبسط مُسطَّح يستوعب هذا الإنسان، أي أن ثنائية الإنسان والطبيعة الفضفاضة يتم القضاء عليها لصالح الطبيعة وتسود الواحدية المادية.


الهــرمنيـــوطيــــقا 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الهــرمنيـــوطيــــقا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: موســـــوعة اليهــــــود-
انتقل الى: