منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 Empty
مُساهمةموضوع: الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز    الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 Emptyالأحد 13 أكتوبر 2013, 10:07 am

الفصل السابع عشر:
الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 8pk4xGzhY2E6
جلاء الإنجليز

منذ أن احتلت بريطانيا أرض مصر، عام 1882، ما فتئت الدعوة إلى الجلاء والجهاد والقوى الوطنية تحاول الخلاص وتحرير البلاد من نير الاحتلال الأجنبي. 

وكانت أول مفاوضة في سبيل الجلاء 1885، وتظاهرت بريطانيا بالرغبة في تحقيقه، وشغلت الرأي العام في مصر والخارج بهذه المفاوضات، والمسماة مفاوضات درومندولف DRUMOND WOLLF والتي استمرت سنتين من 1885 إلى 1887، وانتهت بالإخفاق وكان مصيرها الفشل. 

وبقاء الاحتلال قائماً.

فلما بُعثت الحركة الوطنية، على يد مصطفى كامل، كان شعارها الجلاء، الذي ظل شعار الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل، وقد سمي من أجل ذلك حزب الجلاء، واستمر الشعب ماضياً في جهاده، في عهد محمد فريد.

ولما نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914، أعلنت بريطانيا حمايتها، على مصر، في ديسمبر 1914، وفي أعقاب تلك الحرب، كانت ثورة سنة 1919، وجرت أول مفاوضة بين مصر وبريطانيا عام 1920، وهي المعروفة بمفاوضات سعد ـ ملنر، وقدم اللورد ملنر LORD MILNER مشروع معاهدة، بين مصر وبريطانيا، كان فرض الحماية واضحاً في نصوصه.

وظلت المقاومة، في أعقاب الثورة، سجالاً، بين الشعب والاستعمار البريطاني؛ مما اضطر الإنجليز إلى إلغاء الحماية، وإصدار تصريح 28 فبراير عام 1922، بإنهاء الحماية، والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. 

ولم يتضمن هذا التصريح جلاء الاحتلال، فاستمر كفاح الشعب في سبيل الجلاء. 

ونجح الاحتلال والسراي، في تعويق الجلاء، بمفاوضات متكررة، بين الجانبين المصري والبريطاني.

وفي 26 أغسطس 1936، وقع الجانبان "معاهدة الصداقة والتحالف، بين مصر وبريطانيا" نصت شروطها، على: أن تنتقل القوات العسكرية البريطانية، من الأماكن، التي كانت تحتلها، إلى منطقة تشمل، مع مناطق تدريب الجنود الإنجليز، منطقة قناة السويس كلها، من ميناء بور سعيد شمالاً إلى ميناء "الأدبية" جنوباً، بخليج السويس، وشبه جزيرة سيناء جميعها، والجزء الجنوبي والشرقي من مديرية الشرقية، وتصل إلى حدود القاهرة، ثم إلى حدود مديرية الجيزة حسبما جاء في الفقرة 2 من ملحق المادة 8 من تلك المعاهدة.

ومما تجدر ملاحظته أن بريطانيا لم تحترم حدود تلك المعاهدة، فإن المعاهدة لم تخولها حق زيادة عدد جنودها، في منطقة القناة، على عشرة آلاف، من القوات البرية. 

وأربعمائة من الطيارين، مع الموظفين اللازمين لأعمالهم الفنية والإدارية، "فقرة 1 من ملحق المادة الثانية"، ولكن بريطانيا تجاوزت هذا العدد إلى أضعافه المضاعفة، فزادت قواتها إلى ثمانين ألف مقاتل. 

ومن ثم واصل الشعب كفاحه، الذي اشتد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التي انتهت عام 1945. 

وشاركت الحكومة الشعب رسمياً في المطالبة بالجلاء، واستؤنفت المظاهرات الشعبية الضخمة عامي 1945 و 1946، منادية بالجلاء، وسالت فيها الدماء، من جديد.

وتحت ضغط الكفاح الشعبي المتزايد، جلا الإنجليز عن قلعة القاهرة، في 4 يوليه 1946، وسلموها إلى الجيش المصري، وأُنزل العلم البريطاني، الذي كان يرفرف عليها، طوال أربعة وستين عاماً، ثم جلوا أيضاً، عام 1947، عن المواقع التي كانوا يحتلونها في القاهرة، والإسكندرية، وضواحيهما، وانتقلوا إلى منطقة قناة السويس، وقاعدتها.

وتحت ضغط الرأي العام، أعلنت الحكومة المصرية، في أكتوبر 1951، إلغاء معاهدة عام 1936. 

وكان هذا الإلغاء إيذاناً باستئناف الكفاح المسلح، بين الفدائيين المصريين، والجيش البريطاني. 

وكان كفاحاً مريراً، بذل فيه الفدائيون، وجموع المواطنين، التضحيات الكثيرة.

فلما قامت ثورة 23 يوليه 1952، كان من أهم نتائجها انضمام الجيش إلى الشعب، في معركة التحرير والجلاء، فاشتد ساعد مصر، بانضمام قواتها المسلحة، إلى قوى الشعب المكافح. 

ورأى الإنجليز أن، في انضمام هاتين القوتين العظميتين، واتحادهما في ظل الثورة، ما يجعل بقاء الاحتلال، في أية بقعة من أرض الوطن، أمراً مستحيلاً، ولا مناص من الجلاء عن منطقة القناة.

في عام 1953 رسمت حكومة الثورة خطوط الكفاح، وأمدته بالعون والتنظيم. 

وعقد، في مقر مجلس الوزراء في 27 أبريل 1953، أول اجتماع لمباحثات الجلاء، مع الجانب البريطاني، الذي أبدى، في أول الأمر، مراوغة وإصراراً على البقاء، فتوقفت المباحثات في مايو 1953. 

ولجأ الجانب البريطاني إلى التهديد والوعيد، ونصحت بريطانيا رعاياها بالرحيل، عن البلاد، في شهر مايو 1953، وتوتر الوضع في يوليه 1953، إذ أنذر الجنرال فستنج، قائد القوات البريطانية، الحكومة المصرية بأنه إذا لم يعد أحد رجال الطيران المختفي، ويسمى "رجدن"، في موعد أقصاه الساعة التاسعة، من صباح الاثنين 13 يوليه، فستتخذ إجراءات شديدة، من شأنها إحداث حالة ذعر خطيرة، قد يصيب المدنيين المصريين في الإسماعيلية. 

وأحدث الإنذار، ورفضه، ضجة في مصر، والخارج. وتحرش الإنجليز السكان، في مدينة الإسماعيلية. وازداد الوضع توتراً، بين البلدين.

 وأعلن سلوين لويد SELWYN LIOYD ، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، في مجلس العموم، نبأ هذا الإنذار، ورفض الحكومة المصرية له.

واشتدت الإجراءات، التي اتخذها الإنجليز، في مدينة الإسماعيلية، من تفتيش الداخلين والخارجين منها، بطريقة استفزازية. 

واحتل الإنجليز بعض نقاط، في مداخل الإسماعيلية، وفتشوا المواطنين القادمين بطريق السيارات، والسكة الحديدية. 

وسبق هذه الإجراءات تحرشات، من الجنود البريطانيين، بقصد زلزلة ثقة الناس في الثورة، وإظهار عجزها عن معالجة قضية الجلاء. 

ثم ظهر الطيار المختفي، في باريس، ثم في لندن، واتضح أن اختفاءه كان لأسباب خلقية!

في أغسطس 1953، زار جمال عبدالناصر نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية"، مدينة بور سعيد "، ودعا الشعب، من جديد، إلى التضحية والكفاح. 

وقال مخاطباً المواطنين: "إن مصر متكاتفة معكم لإجلاء قوات الغاصب، حتى يغادر بلادنا، آخر جندي أجنبي. 

لا بد من تحرير مصر، ولا بد من جلاء قوات الاحتلال".

ونظمت الثورة المقاومة المسلحة في القناة، فازدادت حوادثها ضد الإنجليز. 

وفي نوفمبر 1953، قدمت السفارة البريطانية إلى مصر احتجاجاً على زيادة عدد الحوادث في المنطقة. 

واطمأنت بريطانيا، وقتئذ، إلى مؤازرة أمريكا لها، في سياستها نحو مصر، فأمعنت في الإصرار على العدوان. 

واجتمع مؤتمر لأقطاب الغرب، في "برمودة"  في ديسمبر 1953، حضره ونستون تشرشل  WINSTON CHURCHILL ، رئيس وزراء بريطانيا، يرافقه أنتوني إيدين ANTHONY EDNE ، وزير الخارجية الإنجليزية، وجوزيف لانييل، رئيس وزارة فرنسا، بالرئيس الأمريكي ايزنهاور "EISENHOWER، وجون فوستر دالاس JOHN FOSTER DULLES ، وزير الخارجية الأمريكية. وبحث المؤتمر تنسيق جهود الدول الثلاث، وتسوية مشاكلها الاستعمارية، وكان الظن أن تثار مسألة الجلاء عن مصر في هذا المؤتمر، ولكن أحداً من ممثلي الدول المجتمعة لم يتمسك بحل هذه المسألة، لصالح مصر، كوسيلة لحفظ السلام، في الشرق الأوسط. واتضح أن أمريكا لا تبغي إغضاب بريطانيا، من أجل مصر، واتضح أيضاً ما للصهيونية من نفوذ في أمريكا يجعلها لا تتمسك بالجلاء؛ لأنه لا يُرضي إسرائيل، التي كانت تعارض دائماً جلاء الإنجليز، عن منطقة القناة، وتعد وجودهم بها سنداً لها، فازدادت بريطانيا إصراراً على موقفها.

وفي أواخر ديسمبر 1953، حدثت حركة واسعة داخل معسكرات القناة. 

وفي يناير 1954 تعددت الحوادث ضد الجنود الإنجليز، وصرح المستر سلوين لويد، الوزير البريطاني، في مجلس العموم، أنه من المستحيل الوصول إلى اتفاق، مع مصر، ما دامت هذه الحوادث مستمرة. 

وفي أوائل، فبراير، صرح في مجلس العموم، باختفاء جنود بريطانيين في القناة. 

وفي مارس 1954 تجددت حوادث القناة، وقدم السفير البريطاني احتجاجاً على مصرع ضابط بريطاني، وإصابة ضابط آخر في القناة. 

وأعلن وكيل وزارة الخارجية البريطانية، في مجلس العموم، في مايو 1954، أنه وقع 52 حادث اعتداء، على الرعايا البريطانيين، في منطقة القناة، في غضون الأسابيع الستة الماضية.

وفي يونيه 1954، صرح سلوين لويد، في مجلس العموم، أن مستقبل المفاوضات، بين مصر وبريطانيا، يتوقف على مدى تعاون مصر، في الكشف عن المسؤولين، في الحوادث، التي وقعت في منطقة قناة السويس.  

كذلك، صرحت الدوائر الرسمية الأمريكية أنها تؤيد موقف بريطانيا، من مصر، وقال جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكية إنه لا يستطيع انتهاج سياسة مستقلة، عن بريطانيا وفرنسا، في الشرق الأوسط.

كان الإنجليز، طيلة المدة، التي استغرقتها المباحثات، أي من أبريل 1953، إلى أكتوبر 1954، يتطلعون إلى انقلاب داخلي، في مصر، أو انقسام، يضعف جبهة المقاومة ويفتح، أمام الإنجليز، أبواب التدخل، أو المماطلة والتسويف، فلم يحدث شيء من ذلك، بل بقيت الجبهة الداخلية متماسكة، مما فوّت على الإنجليز فرصة التدخل، أو الإصرار على بقاء الاحتلال. 

وفي ذلك يقول جمال عبد الناصر: "وقعت المعركة فعلاً على أرض منطقة القناة. 

وبالأيدي المتحدة القوية، وبالدم الزكي الذي سال في منطقة القناة، وقعنا اتفاقية الجلاء وانتصرنا في حرب الاستقلال".

استئناف المباحثات

استؤنفت المباحثات، في يوليه 1954. 

وكان يمثله الجانب المصري جمال عبد الناصر، وعبدالحكيم عامر، وعبداللطيف البغدادي، وصلاح سالم، ومحمود فوزي. 

ومثل الجانب البريطاني السير رالف ستيفنسون  RALPH STEVENSON  السفير البريطاني في مصر، وميجر بنسون BENSON  القائد العام للقوات البريطانية، في منطقة القناة، والمستر رالف موري، الوزير المفوض في السفارة البريطانية، ثم المستر أنتوني هيد، وزير حربية بريطانيا المساعد لشؤون الشرق الأوسط، لإنقاذ المباحثات، وإزالة العقبات التي تعترضها.

اتفاقية الجلاء الأولى

وانتهى الطرفان إلى عقد الاتفاقية الأولى التي تضمنت المبادئ الرئيسية للاتفاق النهائي المقترح إعداده لتنظيم الجلاء، وقد وقعها الطرفان بالأحرف الأولى، في 27 يوليه 1954، بقاعة الاجتماعات بدار مجلس الوزراء، وقعها عن الجانب المصري، الرئيس جمال عبدالناصر، وعن الجانب البريطاني المستر أنتوني هيد وزير الحربية البريطانية.

الاتفاق النهائي على الجلاء

وفي 19 أكتوبر 1954، عقد الاتفاق النهائي التفصيلي المتضمن تنظيم عملية الجلاء، وخلاصة أحكامه:

أولاً: تقرر جلاء القوات البريطانية جلاء تاماً عن الأراضي المصرية خلال فترة عشرين شهراً من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق.

ثانياً: انقضاء معاهدة التحالف الموقع عليها في لندن في 26 أغسطس عام 1936، وكذلك المحضر المتفق عليه والمذكرات المتبادلة والاتفاق الخاص بالإعفاءات والميزات التي كانت تتمتع بها القوات البريطانية في مصر وجميع ما تفرع عنها من اتفاقات أخرى.

ثالثاً: تبقى أجزاء من القاعدة التي كانت للإنجليز في قناة السويس في حالة صالحة للاستعمال، معدة للاستخدام، وفي حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون طرفاً في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا، تقدم مصر لبريطانيا من التسهيلات ما قد يكون لازماً لتهيئة القاعدة للحرب وإدارتها، وتتضمن هذه التسهيلات استخدام الموانئ المصرية في حدود ما تقتضيه الضرورة القصوى للأغراض سالفة الذكر، وفي حالة حدوث تهديد بهجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون طرفاً في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو تركيا، يجري التشاور فوراً بين مصر وبريطانيا.

رابعاً:  تقرر الحكومتان المتعاقدتان أن قناة السويس البحرية التي هي جزء لا يتجزأ من مصر ـ طريق مائي له أهميته الدولية من النواحي الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، وتعربان عن تصميمهما على احترام الاتفاقية التي تكفل حرية الملاحة في القناة الموقع عليها في الأستانة في 29 أكتوبر عام 1888.

خامساً: لا يمس هذا الاتفاق سبع سنوات من تاريخ توقيعه، وتتشاور الحكومتان خلال الاثنى عشر شهراً الأخيرة من تلك المدة لتقرير ما قد يلزم من تدابير عند انتهاء الاتفاق، وعلى بريطانيا أن تنقل أو تتصرف فيما قد يتبقى لها وقتئذ من ممتلكات في القاعدة ما لم تتفق الحكومتان على مد هذا الاتفاق.

وقد تم التوقيع على هذا الاتفاق في البهو الفرعوني بمبنى البرلمان يوم 19 أكتوبر عام 1954، وقعه عن مصر جمال عبدالناصر رئيس الوزارة وعبد الحكيم عامر وعبداللطيف البغدادي وصلاح سالم ومحمود فوزي.

ووقعه عن الحكومة البريطانية انتوني ناتنج ANTHONY NUTTING وزير الدولة بوزارة الخارجية البريطانية، ورالف ستيفنسون السفير البريطاني، وميجر جنرال بنسون BENSON كبير المفاوضين العسكريين البريطانيين.

وكانت الوزارة البريطانية وقتئذ برئاسة ونستون تشرشل الذي كان يعارض دائماً في الجلاء ولكنه اضطر تحت ضغط الظروف والتطور أن يذعن لإرادة الشعب المصري، وكان أنطوني إيدن وزيراً للخارجية، وقد قال في صدد الاتفاق على الجلاء: "إن الجلاء عن قاعدة قناة السويس أفضل بكثير من الإبقاء على ثمانين ألف جندي محاصرين من شعب معاد لهم".

كسبت مصر بموجب هذا الاتفاق جلاء الإنجليز عن قاعدة قناة السويس، وهذه القاعدة كانت أكبر قاعدة حربية لبريطانيا في الشرق الأوسط، وتمتد بطول القناة من بور سعيد شمالاً إلى ميناء "الأدبية" على خليج السويس جنوباً "اُنظر الخريطة السابقة"، وكان الإنجليز قد أقاموا على طول القناة سلسلة من الاستحكامات والمطارات والمنشآت العسكرية، واتخذوا مقراً رئيسياً لهذه القاعدة في "فايد" وجعلوا من أبي سلطان مستودعاً خزنوا فيه كميات ضخمة من الذخائر والمفرقعات، وأقاموا بأبي صوير المطار العسكري المشهور، وأقاموا المعسكرات في التل الكبير.

وقد تسلمت مصر بموجب اتفاق الجلاء منشآت تقدر قيمتها بنحو ستين مليون جنيه، منها 23 منشأة و10 مطارات كاملة، منها مطار أبي صوير، ومطار الديفرسوار الواقع في الركن الشمالي الغربي للبحيرة المرة الكبرى بجوار القناة، وكان يعد أكبر المطارات الحربية في الشرق الأوسط، وبيت البحرية ببور سعيد، وميناء الأدبية بخليج السويس، ومعسكرات الإسماعيلية وما جاورها، ومعسكرات التل الكبير، ومعسكر الشلوفة، وثكنات ومبان ومصانع ومخازن وورش ومحطات توليد الكهرباء ووابورات للمياه وسكك حديدية وقاطرات وكباري، وأرصفة الموانئ، وخط أنابيب البترول بين السويس والقاهرة وتقدر قيمته بمليونين ونصف مليون جنيه.

بيان جمال عبدالناصر للأمة

الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 Images?q=tbn:ANd9GcRBB-HK_onQ6WeE_VnRr58xeRKH8V4uL6TEUDIntn8H720a6DtAfsWJzA

في 23 يوليه 1954، أذاع جمال عبدالناصر على المواطنين البيان الآتي معلناً فيه بشرى الجلاء. 

قال: أيها المواطنون:

"إننا نعيش الآن لحظة مجيدة في تاريخ وطننا.

إننا نقف الآن على عتبة مرحلة حاسمة من مراحل كفاح شعبنا، وقد وضع الهدف الأكبر من أهداف الثورة منذ هذه اللحظة موضع التنفيذ الفعلي، فقد وقعنا الآن بالأحرف الأولى اتفاقاً ينهي الاحتلال وينظم عملية جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر الخالدة، وبذلك تخلص أرض الوطن لأبنائه شريفة عزيزة منيعة، بعد أن قاست اثنين وسبعين عاماً مريرة حزينة".

"أيها المواطنون: إنني أسرح بخواطري في هذه اللحظة المجيدة عبر أسوار الحياة إلى الذين جاهدوا من أجل هذا اليوم ولم يمتد العمر بهم ليعيشوه، أسرح بخواطري إلى الرحبات المقدسة التي تعيش فيها أرواحهم الخالدة ونشعر أنهم يتابعون كل ما فعلنا نحن كل ما فعلوا وحملنا الأمانة بعدهم ورفعنا المشاعل على الطريق.

"إنني أتجه إليهم بقلب شعب وأتجه إليهم بوفاء جيل.. إليهم جميعاً.. الزعماء الذين كافحوا: أحمد عرابي، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، والشباب الذين باعوا أرواحهم للفداء على كل بقعة من ثرى الوطن.

"أتجه إليهم بقلب شعب وبوفاء جيل وأقول لهم: سوف نمضي على الطريق، لن نضعف ولن نتخاذل، ولن ننسى الأمانة التي حملناها ولا الواجب الوطني الذي عاهدنا الله أن نقوم به.

"أيها المواطنون: 

كأن القدر أعد هذا اليوم للمجد، إنه في نهاية هذا الشهر -يوليه- يوافق الأيام التي بدأ فيها الاحتلال منذ اثنتين وسبعين سنة، إنه في نهاية هذا الشهر -يوليه- يوافق الأيام التي قامت فيها الثورة منذ عامين، إنه في نهاية هذا الشهر بل وفي نفس اليوم منه بالذات يوافق اليوم الذي خرج فيه فاروق مخلوعاً عن عرش مصر يحمل معه حطام الذل والإقطاع والفساد.

"أيها المواطنون: 

إن اليوم أيضاً يحمل بشائر المجد للمستقبل، فبعد مدة العشرين شهراً المحددة لإتمام الجلاء عن مصر، ستكون فترة الانتقال في جنوب الوادي قد انتهت، ويكون الجلاء قد تم أيضاً عن السودان الحبيب، وبذلك يصبح وادي النيل كله وليس على ضفافه إلا أبناء النيل الأحرار.

"أيها المواطنون: 

فلنصل شكراً لله، ولنتوجه إليه في جلاله القدسي نسأله أن يسدد خطانا وأن يرعى ثورتنا وأن يبارك لنا في يومنا وفي غدنا، والله ولي التوفيق".

بيان جمال عبدالناصر يوم 19 أكتوبر 1954

وفي 19 أكتوبر عام 1954 يوم توقيع الاتفاق النهائي على الجلاء أذاع جمال عبدالناصر البيان التالي:

أيها المواطنون: 

لعل أجدادنا يتطلعون إلينا من المثوى الأبدي الذي تسكنه أرواحهم في هذا اليوم برضى وفخر.

"ولعل أحفادنا الذين ما زالوا في مجاهل المستقبل سوف يعودون بعد مئات السنين إلى ذكرى هذا اليوم باعتزاز وتقدير.

"لعل هؤلاء وهؤلاء الأجيال التي مضت والأجيال التي سوف تجيء تلتقي نظراتهم عند هذا اليوم يباركون الجهد الذي قام به جيلنا استكمالاً لكفاح من ذهبوا وتمهيداً لكفاح القادمين.

" لقد شاءت إرادة الله أن تستقر على أكتافنا أمانة الماضي والمستقبل.

"وكانت رعايته لنا عوناً على الحاضر.

"لقد حاولنا أن نرتفع إلى مستوى ماضينا العظيم واستطعنا أن ندرك أن هذا الماضي لا قيمة له إذا كانت أمجاده تاريخاً يروي يشد خيالنا إليه، وتقصر أعمالنا عن الوصول إلى مستواه، فإنه لا فائدة في هذه الأمجاد الماضية إذا لم تكن معانيها خصائص كامنة في نفوس شعبنا، تطبع كفاحه عبر الزمن وتلازم جهاده جيلاً بعد جيل.

"هذا هو إيماني بالماضي، وهو في نفس الوقت إيماني بالمستقبل.

أيها المواطنون: 

إن يومنا الحاضر يوم عظيم، يرتفع إلى مستوى الماضي العريق ويعطي بشائر الأمل في مستقبل لا تحده آفاق.

"أيها المواطنون: 

إن مرحلة من كفاحنا قد انتهت، ومرحلة جديدة على وشك أن تبدأ.

"هاتوا أيديكم وخذوا أيدينا، وتعالوا نبني وطننا من جديد بالحب والتسامح والفهم المتبادل.

"اللهم أعطنا المعرفة الحقة كي لا يستخفنا النصر وتدور رءوسنا غروراً مع نشوته.

"اللهم أعطنا الأمل الذي يجعلنا نحلم بما سوف نحققه في الغد أكثر مما يجعلنا نفاخر بما حققناه في الأمس واليوم.

"اللهم أعطنا الثقة بأنفسنا لنرى أننا على بداية الطريق وأن الشوط أمامنا شاق طويل.

"اللهم أعطنا الشجاعة لنستطيع أن نتحمل المسؤوليات التي لابد أن نتحملها فلا نستهين بها ولا نهرب منها.

"اللهم أعطنا القدرة على أن نواجه أنفسنا ـ ونتقبل أن يواجهنا الآخرون بالحق والعدل.

"اللهم أعطنا القوة لندرك أن الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة، والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على التعمير والبناء.

أيها المواطنون: 

الله عوننا. وهو ولي التوفيق.

هذا ومن الخطأ القول أن الجلاء كان متفقاً عليه ومنصوصاً عنه في معاهدة 26 أغسطس عام 1936 وأنه كان محدداً له عشرون عاماً تبدأ من عام 1936، أي تنتهي عام 1956، وهذا خطأ متعمد، فإن كل ما نصت عليه المعاهدة عن مدة العشرين سنة هو ما ورد في المادة الثامنة منها من أنه إذا اختلف الطرفان المتعاقدان عند نهاية مدة العشرين عاماً "التالية لتنفيذ المعاهدة" على مسألة ما إذا كان وجود القوات البريطانية لم يعد ضرورياً لأن الجيش المصري أصبح في حالة يستطيع معها أن يكفل بمفرده حرية الملاحة في القناة.

تنفيذ الجلاء

جلا الإنجليز عن المواقع التي كانوا يحتلونها في المواعيد المحددة في اتفاقية الجلاء وفي بعض الحالات تم جلاؤهم قبل الموعد المحدد. 

ورفع جمال عبدالناصر العلم المصري على معسكر الشلوفة في 22 مارس 1955. 

الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 5copyyc9

وبعد انتهاء عام على الاتفاقية جلا نحو 49 ألف جندي بريطاني عن منطقة القناة في أكتوبر عام 1955، ثم جلا الباقون في الشهور اللاحقة. 

وجلا الإنجليز عن آخر معقل يحتلونه في بورسعيد وهو مبنى البحرية، وتسلمه الجيش المصري في ساعة مبكرة من صباح 13يونيه 1956.

وقد تم جلاء آخر فوج من القوات البريطانية عن أرض مصر يوم 13 يونيه 1956، وغادرت آخر قوة بريطانية المياه المصرية في بورسعيد على ظهر الباخرة إيفان جيب EVAN GIBB، في الساعة 12 والدقيقة 40 من صبيحة يوم 13 يونيه 1956. 

وفي 18 يونيه 1956 رفع جمال عبدالناصر العلم المصري على مبنى البحرية في بورسعيد، وهو آخر مبنى جلت عنه القوات البريطانية في القناة. 

وأصبح يوم 18 يونيه يمثل عيداً قومياً هو عيد الجلاء.


الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز    الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 Emptyالأحد 13 أكتوبر 2013, 10:56 am

الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 Nas4416-2

ووافقه جمال عبدالناصر ولم يأخذ موقفاً حاسماً في مواجهة الأخطاء كما أخذ موقفاً حاسماً في مواجهة الأعداء.

وإذا كان التهاون قد بدأ في محاسبة العسكريين في المواقف الوطنية فانه لا بد وأن ينسحب إلى التهاون أيضاً في محاسبة الآخرين في المجالات المختلفة، إذا وجدوا من يدافع عنهم، ليس أمام القضاء، ولكن أمام السلطة. 

وكان استثناء عبدالحكيم عامر من المحاسبة والإبقاء على قادة القوات الثلاثة، راجعاً إلى الطبيعة الخاصة في علاقات جمال عبدالناصر بزميل عمره وموضع ثقته، وراجعاً كذلك، إلى أن الظروف التي وضع من أجلها عبد الحكيم عامر قائداً عاماً للقوات المسلحة، وهو غير مؤهل لذلك ما زالت قائمة: 

الرغبة في السيطرة على القوات المسلحة بكل تفاصيلها عن طريق أشد زملائه إخلاصا له.

كان جمال عبدالناصر ما زال يعتمد على الجيش كمؤسسته الرئيسية على الرغم من انتصاراته الشعبية، وعلى الرغم من أنه بدأ يخلع مع زملائه ملابسهم العسكرية بعد انتهاء فترة الانتقال. 

وكان في ذلك أكثر ميلاً إلى الرأي القائل بأن الجيش هو القوة الوطنية "الجامعة والوحيدة" القادرة على تزعم ثورة التحرر الوطني، وهو الرأي الذي يتعارض تماماً مع القول بأن السلطة السياسية الناتجة عن الانقلاب العسكري هي سلطة رجعية وعسكرية.

وكان جمال عبدالناصر واعياً بحركة الصراع داخل الجيش وقد حاول حسمها لصالح مجلس القيادة في السنوات الأولى التي أعقبت الحركة، واضطر في سبيل ذلك إلى اتخاذ إجراءات عنيفة أحياناً. 

ولكنه، بعد أن حصل على قمة التأييد الشعبي، بدأ يخلع كثيراً من أنصاره الذين استنفدوا أغراضهم، والذين شوهت صورتهم أمام الجماهير في اندفاعهم الحماسي المحموم، والذين وقفت أفكارهم عند حدود دورهم المرسوم بلا رؤية جديدة ولا إدراك عميق لطبيعة الصراع في المجتمع وآفاق التطور.

وتساقطت في هذه الفترة أسماء، كان الشعب قد فاض به الكيل من كثرة ما سمعه عنها وما لمسه من تصرفاتها، مثل جمال سالم الذي كانت له مع كبار الموظفين والإداريين اعتداءات وتصرفات مثيرة للدهشة البالغة، وكانت له في محكمة الثورة أساليب وعبارات في غاية القسوة أحمد أنور قائد البوليس الحربي الذي اقترن اسمه بالاعتقالات والتعذيب بعد أن وزعت قواته على تشكيلات الجيش المختلفة، وإبراهيم الطحاوي وأحمد عبدالله طعيمة وهما اللذان أوكل إليهما الإشراف على هيئة التحرير دون خبرة سياسية سابقة مما جعل اسمهيما معاً محل تندر بعض الناس.

بدأت هذه الأسماء تتساقط  على الرغم من أدوارها البارزة في دفع عجلة الثورة للأمام وتأكيد سلطة العسكريين، وتغليب كفة مجلس القيادة في أزمة مارس 1954 وضرب القوى السياسية المعارضة، وظهرت أسماء أخرى من العسكريين كذلك. 

تساقطت هذه الأسماء ومعها أجهزتها، الشرطة العسكرية وهيئة التحرير، وكان هذا من دوافع تحول الانقلاب إلى ثورة. 

وكانت هذه الأجهزة من معوقات الارتباط بين الشعب والعسكريين؛ فالشرطة العسكرية كانت صورة العذاب والإرهاب، بعد أن أُعطى لضباطها صفة الضبطية القضائية، بعد اعتراض المحامين في كثير من القضايا، وهيئة التحرير عجزت عن اكتساب ثقة الجماهير.

ومع بداية تطبيق الدستور وانتخاب جمال عبدالناصر كانت معظم المعتقلات قد صُفيت، وخرج المعتقلون منها، أُفرج عن يوسف صديق عضو مجلس قيادة الثورة السابق بعد اعتقال استمر 13 شهراً في مايو 1955، وأُفرج بعدها بأيام عن زوجته، وكانت عضوة في الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني "حدتو"، وظلا بعدها في تحديد الإقامة حتى منتصف عام 1956 حيث أفرج عنه. 

الوحيد من العسكريين الذي ظلت إقامته محددة دائماً، كان اللواء محمد نجيب.

كانت هناك انفراجة نسبية في موضوع المعتقلين والمعتقلات، ويذكر أنه حتى هذه الفترة وما بعدها لم تخل معسكرات الاعتقالات من نزلاء تتغير ألوانهم السياسية تبعاً للظروف. 

كان الاعتقال بلا تحقيق، أمراً إدارياً بسيطاً، كاد من تكراره لبعض الشخصيات، أن يصبح من روتين حياتهم.

وأجهزة الأمن التي إليه مسؤوليتها منذ البداية إلى زكريا محيي الدين، منذ 23 يوليه تنمو وتزدهر. 

وقدم الأمريكيون منذ اللحظة الأولى خبرتهم لتنظيم المخابرات، بعد أن كان في عهد الملك محدود الأثر، محصوراً في البوليس السياسي، الذي كان يشرف عليه ميجور سانسون الذي أسس جمعية "إخوان الحرية" المتصلة بالمخابرات البريطانية، والذي أصبح فيما بعد ضابط أمن بالسفارة البريطانية حتى رحل عن مصر فجأة يوم 31 يناير 1953، كما نشرت الصحف المصرية، وعين بعد ذلك في ليبيا وألف كتاباً عن حياته في مصر باسم "تجسست على الجواسيس".

قبل 23 يوليه، لم يكن هناك جهاز أمن يعرف باسم المخابرات العامة وكان عدد ضباط المخابرات الحربية في الجيش 15 ضابطاً فقط، وعدد ضباط القسم المخصوص بالبوليس السياسي 24 ضابطاً. 

وقد استعان زكريا محيي الدين بعدد من الخبراء الألمان إلى جانب تقارير المخابرات المركزية الأمريكية التي كانت تقترح توحيد أجهزة الأمن. 

وأعد زكريا محيي الدين مشروع قانون المخابرات، على أساس الهيمنة على كافة أجهزة المخابرات، في إدارة واحدة منعاً لازدواج الجهد وكثرة التكاليف. 

وهذا لا يعني ضمها في جهاز واحد وإنما يعني التنسيق بينها بفكر ورأي واحد.

وقد تحقق ذلك فعلاً لفترة محدودة، وكان زكريا محيي الدين هو المشرف على كافة أجهزة الأمن القائمة في ذلك الوقت "المخابرات العامة ـ مخابرات الجيش ـ المباحث العامة بالداخلية". 

ولم يستمر ذلك الأمر طويلاً فقد بدأت الإدارات المختلفة تتجاذب أجهزة المخابرات، وبدأت ذلك بالقوات المسلحة، عقب تولي عبدالحكيم عامر القيادة العامة، فانفصلت مخابرات الجيش عام 1955، وتكونت فيما بعد مخابرات أخرى منفصلة للقوات الجوية.

وعندما عُين زكريا محيي الدين وزيراً للداخلية ترك الإشراف على إدارة المخابرات العامة بعد عدة شهور، وعين على صبري نائباً لمديرها، ثم مديراً لها في يونيه 1956.

كان ضباط المخابرات العامة قد تحولوا إلى مدنيين في سبتمبر 1955، وأنشئ في العام نفس المعهد الاستراتيجي بجوار برج القاهرة، الذي دفعت المخابرات المركزية الأمريكية ثمن إنشائه ـ 3 ملايين دولار. 

وكانت تدرس فيه محاضرات المخابرات المركزية الأمريكية عن طريق شركة بوز آلف واملتون لضباط المخابرات والمباحث وضابط أمن الوزارات وبعض أعضاء السلك الديبلوماسي بالخارجية، وذلك حسب رواية فريد طولان مدير المعهد في ذلك الوقت.

كان النموذج الأمريكي هو المثال الذي تهتدي به أجهزة المباحث والمخابرات في ذلك الوقت، وقد تسربت أجهزة المخابرات الأمريكية إلى بعض ضباط هذه الإدارات، كما حدث عندما ذهب البكباشي أحمد حلمي مدير قسم مكافحة الشيوعية بالمباحث العامة إلى أمريكا لعمل غير معروف، دون استئذان أو إبلاغ الجهات المختصة، إذ كان قد أُبلغ بأنه يمضي أجازته السنوية في قبرص، وشوهد هناك مصادفة، ولما علم زكريا محيي الدين بذلك أصدر قراراً بإحالته إلى الاستيداع حيث بقي لمدة عام، وانتقل بعد ذلك إلى أجهزة البوليس العادي بغير محاكمة.

حدث التسرب الأمريكي على الرغم من أن وزارة الداخلية لم تحتفظ في المباحث العامة سوى بأربعة ضباط فقط من رجال البوليس السياسي السابقين، وعلى الرغم أن العسكريين فرضوا إشرافهم على وزارة الداخلية منذ الأيام الأولى، حيث تبادل هذه المسؤولية عدد من ضباط الجيش مثل البكباشي مصطفى لطفي الذي تدرج في مناصبها حتى أصبح وكيلاً للوزارة. 

ثم اليوزباشي محيي الدين أبو العز الذي أشرف على تكوين المباحث العامة وعين محافظاً للفيوم، وعندما تولى جمال عبدالناصر وزارة الداخلية عقب إعلان الجمهورية في 18 يونيه 1953، ودخول أربعة من أعضاء المجلس إلى الوزارة، أعطى صلاحيات كبيرة لليوزباشي البوليس صلاح الدين دسوقي الذي انتهى محافظاً للقاهرة.

كان جمال عبدالناصر يعتمد على أجهزة الأمن ولكنه يشك في سلامة موقفها وإخلاصها للثورة، كما يشك كذلك في قدرة أفرادها على متابعة أفكاره، ويشك أخيراً في احتمال وجود صلة بين بعض ضباطها وأجهزة المخابرات الأجنبية. 

كانت هذه الشكوك تعيش في نفسه، وتنمو مع الوقت ولعل هذا الشعور هو الذي دفعه إلى الموافقة على تعدد أجهزة الأمن والمخابرات بقيادات مختلفة، بحيث تصب كافة معلوماتها في النهاية عنده وحده، بل أنه أنشأ في مكتبه فيما بعد جهازاً خاصاً للمخابرات والعمليات والاتصالات الخاصة، كان يشرف عليه سكرتيره الخاص للمعلومات سامي شرف، دون تبعيته لأي جهاز آخر من أجهزة الأمن، الأمر الذي يدل على عدم ثقة عبدالناصر الكاملة في هذه الأجهزة والذي خلق ازدواجية متكررة، وكبد الدولة تكاليف باهظة.
كان جمال عبدالناصر مؤمناً ومعتقداً بأن أجهزة الأمن لا تسير في خط متوافق مع أفكاره، وكان يقول ساخراً ـ حسب رواية أحمد أنور وحسين عرفة ـ "لولا أنني رئيس للجمهورية وقلت الكلام ده، كانت المباحث حطتني في السجن" ومع ذلك لم يبذل جهداً إيجابيا لتسييس أجهزة الأمن، بل إنها نمت واتسع نفوذها بأيديولوجيتها الجامدة المتخلفة، ووسائلها الوحشية، وأطماعها الذاتية.

وعندما كلف مدير مكتبه أحمد لطفي وأكد بالاتصال بالسوفييت اتصالاً سرياً قبل باندونج، حذره من خطر معرفة المباحث والمخابرات لهذه الاتصالات، واستدعاه مرة إلى منزله في حضور عبدالحكيم عامر ليشهده بأنه كلف لطفي وأكد بهذه الاتصالات، حتى لا يتهم بالاتصال بجهات أجنبية في حالة إذا ما تعرض جمال عبدالناصر نفسه للخطر أو الموت.

ولازمت هذه الحالة جمال عبدالناصر لسنوات طويلة، حتى أنه لما فكر في تطبيق الميثاق عام 1963 وتشكيل طليعة الاشتراكيين داخل الاتحاد الاشتراكي، حرص على أن تكون تنظيماً سرياً بعيداً عن رؤية المباحث والمخابرات، رغم أنه كان يهدف فيما بعد إلى الدمج بينهما بتوحيد شخصية أمين التنظيم ووزير الداخلية في شعراوي جمعة.

وكان هذا موقفاً انفصامياً من جمال عبدالناصر، يعتمد على أجهزة للأمن لا يثق في قيادتها، ولكنه يعتمد على تقاريرها! 

وقد أخذ نفوذ أجهزة الأمن المتعددة ينمو ويستشري وخاصة في الجيش حيث أصبح الضباط مطاردين بعناصر منهم منبثة في صفوفهم، تدفع الجميع إلى الحذر والحرص ثم إيثار السلبية والبعد عن السياسة. 

كان تنظيم الضباط الأحرار قد انتهى تماماً كما سبق أن أوضحنا، ولم يعد هناك أي ارتباط تنظيمي داخل الجيش إلا تنظيم أجهزة الأمن والمخابرات. 

وانفضت أيضاً الرابطة التنظيمية لأعضاء مجلس القيادة، وانفرطت مسبحة تنظيمهم، وأصبحوا أفراداً تتنازعهم أفكارهم ومواقفهم الخاصة، وأصبح جمال عبدالناصر هو القوة الوحيدة القادرة على إعطائهم فرص العمل التي يراها مناسبة لهم سواء في الوزارة أو خارجها.

أول الذين عهد إليهم بعمل خاص كان صلاح سالم الذي تولى رئاسة مجلس إدارة جريدة "الشعب" الجريدة الثانية للثورة بعد "الجمهورية" التي رأسها أنور السادات وبعد مجلة "التحرير" التي أصدرتها ورأست تحريرها في 16 سبتمبر 1952. 

ولم يبق صلاح سالم طويلاً في منصبه، فقد أقيل بعد موقفه أثناء فترة العدوان الثلاثي بخطاب جاء فيه "هناك مواضيع ليس من المصلحة أن تخوض فيها الآن مما يدعو إلى الاستغناء عن خدماتك"، وظل في منزله بلا عمل حتى أعيد لميدان الصحافة مرة أخرى رئيساً لمجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر في 8 مارس 1959.

وعين جمال عبدالناصر خالد محيي الدين رئيساً لمجلس إدارة "المساء"، التي صدرت يوم 6 أكتوبر 1956، وبذا أصبح للثورة ثلاث جرائد يومية ومجلة أسبوعية وأخرى شهرية باسم "نداء الوطن" أصدرها أمين شاكر مدير مكتبه فيما بعد. 

كان اهتمام جمال عبد الناصر بالسيطرة على أجهزة الأعلام والصحافة أمراً ملحوظاً، بل إن تعييناته في مجال الصحافة كانت تعد إحساساً للتكهن بحركته السياسية في المستقبل.

لم يتوقف تعيين جمال عبدالناصر لزملائه أعضاء المجلس عند حدود الصحافة، بل عينهم في المراكز الدينية؛ فقد عين أنور السادات سكرتيراً عاماً للمؤتمر الإسلامي، وعيَّن أمين شاكر مساعداً له ثم حسن التهامي، ووصل الأمر إلى تولي عبدالحكيم عامر تنظيم الطرق الصوفية مع إلغاء القيود التي كانت مفروضة على تسيير هذه المواكب، كما نشرت الأهرام يوم 18 مارس 1955.

وحتى نهاية فترة الانتقال كان الضباط الأحرار يحتفظون برتبهم في الجيش إلا الذين حوكموا منهم أو أبعدوا، وتحددت نشرة 23 يوليه 1956 باعتبارها آخر نشرة عسكرية يمكن للضباط الذين يرغبون في الخروج من خدمة الجيش أن يلحقوا بها.

وفضل بعض الضباط أن يخرجوا من صفوف الجيش لممارسة حياة مدنية، وكان مفروضاً أن تغلق أبواب الخروج بعد ذلك. 

ولكن نشرة 23 يوليه 1956 أو نهاية فترة الانتقال لم تكن حداً فاصلاً، ولم تكن حاجزاً يحول دون تسرب الضباط الحياة المدنية.

لم يتوقف زحف الضباط على الحياة المدنية تحت إغراء ما توفره لهم من حرية ومكافأة مادية تزيد عن مرتباتهم المقيدة بقواعد الترقية العسكرية. 

وانتشر الضباط في مختلف المجالات، ولكنهم تركزوا أساساً في عدة جهات: أجهزة العمل السياسي والخارجية وشركات التجارة والصناعة.

ولم يكن خروج الضباط  من الجيش يتخذ موقفاً طبقياً يخلص الجيش من العناصر المضادة أو مقرونا بكفاءتهم وقدرتهم على الإنتاج في الأعمال التي كلفوا بها، ولكن إذا استثنينا الضباط الأحرار الذين كانت صلتهم بالعمل السياسي قد جعلت عودتهم لقيود الجيش عملية صعبة، كان الخروج يتم تحت تأثير عدة عوامل:

أولاً: الرغبة في تقديم خدمة لبعض الضباط من الأصدقاء المقربين.

ثانياً: الرغبة في التخلص من بعض العناصر التي لا تفكر في تدبير انقلاب ولكنها ليست من الانتهازيين والمنافقين مما يجعل لها شخصية بارزة.

ثالثاً: تطهير الجيش من بعض العناصر سيئة السلوك والتي لا سند لها.

رابعاً: الاستفادة من بعض العناصر التي تولت أعمالاً مدنية وأثبتت فيها كفاءة ترضية خلال السنوات الأولى للثورة.

تحت ضغط هذه العوامل الأربعة استمر تيار الخروج متدفقاً من الجيش، لا يتوقف على الرغم من تصريح أنور السادات لجريدة المصري يوم 7 يوليه 1953 بأن أحد العسكريين لن يعين في منصب مدني.

واستمرت قيادة الضباط للتنظيم السياسي الجديد، فعين كمال الدين حسين مشرفاً عاماً على الاتحاد القومي، بعد أنور السادات سكرتيره العام الذي عين وكيلاً لمجلس الأمة.

وزرع الضباط كذلك في أول برلمان منتخب بعد 23 يوليه .

وتبعاً لمواد الدستور الجديد وقانون الانتخاب الذي صدر في 3 مارس 1956 خفض سن الناخب إلى 18 سنة بعد أن كان 21 سنة لانتخاب النواب، 25 سنة لانتخاب الشيوخ وأعطى للمرأة حق الانتخاب وصدر قانون عضوية مجلس الأمة في 11 يونيه لانتخاب مجلس مؤلف من 350 عضواً بدلاً من مجلس للشيوخ والنواب وحدد سن العضو بثلاثين سنة على الأقل مع خفض قيمة تأمين الترشيح من 150 جنيه إلى 50 جنيهاً، وتحديد المكافأة الشهرية بمبلغ 75 جنيهاً.

صدرت التعليمات لعدد من الضباط بترشيح أنفسهم في دوائر معينة، حتى في الدوائر البعيدة مثل الوادي الجديد، "محمد أبو نار"، وسيناء "فتحي رزق"، ومرسى مطروح "فؤاد المهداوي". 

وشكلت لجنة خاصة من العسكريين ضمت زكريا محيي الدين وعلي صبري وعدد من ضباط المخابرات لفرز الترشيحات للمجلس واستبعاد الذين لا يتلاءمون مع إرادة السلطة العسكرية. 

وقد استبعد نتيجة لذلك عدد كبير من المرشحين.

كانت هذه هي صورة المجتمع، طيعة في يد الزعامة التي أحاطتها بها المحبة الشعبية على الرغم من أنها كانت عسكرية وفردية. 

ولكن جمال عبدالناصر لم يشأ أن تنضج الحياة السياسية في مصر، وتثمر تنظيمات شعبية حقيقية، ولم يخصص جانباً من وقته وجهده فيبعث الحيوية والوعي في تنظيماته السياسية المتكررة، ولكنه أعتمد منذ البداية على العناصر القريبة منه من العسكريين، وأتاح لهم الفرص والإمكانيات للسيطرة على جهاز الدولة وجهاز العمل السياسي. 

ظل زحف العسكريين نحو السلطة مستمراً بطريقة متزايدة، وكبت التنظيمات الشعبية، نقابية أو مهنية أو سياسية ظل طابع المرحلة، لا يوجد في مراكز القيادة إلا من رضيت عنه العسكرية الحاكمة أو استطاع التجاوب معها.

وبدأ اختيار المتعاونين من العسكريين مع الوقت يأخذ طبيعة خاصة، ليبتعد عن أعضاء مجلس قيادة الثورة والضباط الأحرار الذين مهما قيل، فإنهم كانوا يمثلون جوا أدنى من الروح الوطنية والإقبال على التضحية والرغبة في الإصلاح، ويتجه إلى نوعيات أخرى من الضباط لا تتجاوز قدراتهم حدود التبعية المطلقة والأداء الوظيفي المحدود.

عندما شكلت هيئة التحرير عُين حسن إبراهيم مراقباً عاماً لها، ولكن أحمد طعيمة وإبراهيم الطحاوي كانا لا يتصلان به في حركتهما اليومية ولا يرجعان إليه في معظم الأمور. 

وعندما ناقش الأمر مع جمال عبدالناصر قال له في بساطة صريحة "إنهما يقومان بأعمال غير نظيفة لا تستطيع أنت القيام بها"، وغادر حسن إبراهيم موقعه.

كان الاتجاه تنازلياً من مجلس قيادة الثورة إلى الضباط الأحرار وإلى غيرهم.

وعلى الرغم من أن جمال عبدالناصر وكان حريصاً على أن يبعد ثورة يوليه عن مظهرها العسكري ـ كما يقول زكريا محيي الدين ـ أن الشعب قد تجاوب معه خلال مواقفه الوطنية تجاوباً لم يحصل عليه زعيم مصري من قبل، إلا أن العسكريين ونموهم أصبح طابع الثورة، وكان الانتماء للجيش هو جواز التغلب على المصاعب وتسهيل الأمور والحصول على المناصب.

وخلال هذه الفترة التي استشرى فيها نفوذ العسكريين في المجتمع وشكلوا هرماً وظيفياً متماسكاً، يمكن القول بأن الجيش كان يعمل لحساب نفسه كقوة سياسية غير مرتبط بالتعبير الواضح الصريح عن طبقة معينة، ولو أن اتجاهاً واضحاً للعدالة الاجتماعية كان يظهر في قرارات وقوانين الإصلاح الزراعي وخفض إيجارات المساكن، وإخضاع المساكن الجديدة لشروط معينة، ورفع الحد الأدنى لمرتبات العمال، والسماح بالترقية من رتب الصف ضابط إلى الضابط، ومجانية التعليم في كافة المراحل وإنشاء الوحدات الصحية.
هذه القرارات كانت تعبر عن اتجاه شعبي عند قمة القيادة العسكرية، ولكن الجيش لم يكن بعد قد أصبح في خدمة طبقة محددة، كان في خدمة نفسه لتثبيت سلطته وتأكيد دوره، كان الجيش خلال مسيرته يقوي من سلطته، ويضرب في كل اتجاه تبعاً للظروف، يضرب البرجوازية الكبيرة وفي الوقت نفسه يحاول دعمها، بضرب الشيوعيين ويقدم خدمات للطبقة العاملة، يحاكم الإخوان المسلمين وينمي في الوقت نفسه الاتجاهات المحافظة. 

كانت حركة الجيش في مسيرته تمثل تقدماً إلى الأمام، ولكن في خط متعرج غير مستقيم، يميل أحياناً إلى اليمين وأحياناً إلى اليسار.

كان غياب الفكر الواضح يخفي الطريق، ويجعل من التجريبية السبيل الوحيد لمجابهة الأمور. 

كانت الحيرة تتجسد كثيراً أمام المشاكل، وكان الاختيار صعباً القوة السياسية الوحيدة المتوفرة كانت قوة العسكريين. 

والمجتمع الطيع في يد القائد والزعيم لم يتشكل سياسياً أو اقتصادياً بطريقة مستقرة ثابتة.

ويصدق خلال هذه المرحلة قول ابن خلدون: "ثمة بلدان لا يعرف القلق منها سبيلاً إلى قلب السلطان لندرة الثورات فيها، ففي مصر مثلاً لا تجد غير السيد المطاع والرعية المطيعة". 

والسيد المطاع سمح بزحف العسكريين إلى مراكز السلطة، وترك الرعية المطيعة بلا تنظيمات حية تطلق طاقاتها وتعبر عن إرادتها.

السيد المطاع محبوب، ويزداد الناس له حباً، ولكن الحيرة التي تجعل السيادة للتكتيك وليس للاستراتيجية، تفقد الناس الوضوح، وتبذر في النفوس التساؤلات. 

وبين الحيرة، والاختيار، حديث يطول.


الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز	 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل السابع عشر: جلاء الإنجليز
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل السابع عشر
» الفصل السابع عشر
»  الفصل السابع
» الفصل السابع
» الفصل السابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحـداث الفارقــة في حيــاة الدول :: ثورة يوليو ١٩٥٢م :: ثورة 23 يولـيو 1952م-
انتقل الى: