وقُلْ ربِّ زدني علماً
لطائف في تفسير بعض الآيات

(من خواطر الشيخ محمّد متولّي الشّعراوي)

جمع

رولا أحمد ممتاز دعدوش


اللهم زدنا علماً في كتابك...

وزدنا عملاً به...
واجعله في قلوبنا نوراً...
وعلى ألسنتنا ذكراً...
وعلى جوارحنا عملاً وتطبيقاً...
واجعلنا من أهل القرآن الكريم.


كلنا نحبّ القرآن، ونتمنى قراءة تفسيره لنزداد فهماً لآيات الله، وقد لا يتسنّى لنا ذلك لقلة الهمّة أو ضيق الوقت لنقرأ مثلاً 20 مجلداً للشعراوي رحمه الله، ولروعته أحببت أن أنقل لكم لطائف من خطراته قد لا تكون مألوفة لديكم، وقد تكون مميزة عن كتب التفاسير الأخرى, فأرجو أن تحظو منها على الإفادة, وأن تساهموا في نشر العلم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم
1- كيفية رائعة للتسمية والحمد:
إذا كان الحق أمرنا أن نبدأ كل عمل ذي بال ببسم الله، فعلى المؤمن أن يثمر هذا الفتح ويسور هذا الكنز.

تثمر التسمية عند كل عمل بأن تقول:
بسم الله الرحمن الرحيم.
وباسم الله على كل عمل لم أبدأه ببسم الله.

وباسم الله عن كل عامل نسي أن يقول عند عمله باسم الله.

وتثمر الحمد لله بأن تقول:
الحمد لله.
والحمد لله على كل نعمة نسيت فيها الحمد لله.

والحمد لله على كل مُنعَم عليه نسي أن يقول الحمد لله.

بذلك تكون أديت عن نفسك في الحال وأديت عن نفسك في الماضي وحملت عن أخيك الساهي عن ذلك، ليعطيك الله شحنة البركة في كل ما تأتيه مضاعفة بنيتك فيه.

2- بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا هذان الاسمان بالذات من أسماء الله الحسنى في البسملة؟

أي أقبل باسمي على ما سخرت لك وإن كنت عصيتني فلا تخف لأني رحمن رحيم.

3- (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الفاتحة: 4.
اليوم هو النهار وليس 24 ساعة.

الدليل: (... سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حسوماً..) (سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين).

فكما أنّ اليوم هو استيقاظ للحركة فيوم الدين استيقاظ بعد غيبوبة الموت.

أما قوله: (كلَّ يومٍ هو في شأن) أي كل آن هو في شأن لأن الأرض بدورانها كل آن في منطقة يبدأ نهار في كل جزء من اللحظة.

4- أولئك على هدى... / في ضلال...  (سورة البقرة 5).
إنّ السطحيين يعتقدون أنّ الهدى يقيّد حركة الإنسان في الحياة ويمنعه من تحقيق شهواته العاجلة...

ولكنّ الهدى في الحقيقة يرفع الإنسان ويحفظه من الضرر ومن غضب الله ومن إفساد المجتمع الذي سيكون هو أول من يعانى منه...

لذلك قال تبارك وتعالى: "على هدى" و(على) تفيد الإستعلاء.

فإذا قلت أنت على الجواد فانك تعلوه..

كأن المهتدى حين يلزم نفسه بالمنهج لا يذلّ..

ولكنه يرتفع إلى الهدى ويصبح الهدى يأخذه من خير إلى خير..

فالمنهج قيد حركة حياتك إعزازاً لك لعلوك وسمو مقامك في أنك لا تأخذ من بشر تشريعاً ..

وإنما يرتفع بك لتتلقى عن الله سبحانه وتعالى..

وهذا علو كبير ..

وذلك بعكس الضلالة التي تأخذ الإنسان إلى أسفل.. ولذلك حين تقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) سورة سبأ: 24.

فعند الضلال قال تعالى: "في ضلال".. و(في) تدل على الظرفية المحيطة.. وهو كما وصفه الله سبحانه وتعالى في آية أخرى بقوله جل جلاله: (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة 81.

أحاطت به الخطيئة.. أي لا يستطيع أن يفلت منها لأنه مظروف في الضلال.. وما دامت الخطيئة محيطة به فلا يجد منفذا لأنها تحكمه.. وما دامت تحكمه فلا يمكن أن يصل إلى هدى مطلقاً..

5- (... وأولئك هم المفلحون) سورة البقرة: 5.
ما هو الفلاح؟..المعنى العام هو الفوز والمفلح هو الفائز.

وقيل الفلاح مأخوذ من شق الأرض للبذر.. ومنه سُمي الفلاح الذي صفته شق الأرض ورمى البذور فيها..

فمهمة الإنسان الفلاحة في الأرض وهي مقتصرة على الحرث والسقي والبذر، أما نمو الزرع نفسه فلا دخل للإنسان فيه.. وكذلك الثمر الذي ينتجه لا عمل للإنسان فيه .. ولقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى هذه الحقيقة حتى لا نغتر بحركتنا في الحياة ونقول إننا نحن الذين نزرع ..

واقرأ قول تعالى: في سورة الواقعة: أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64).

ومن هنا جاءت كلمة (المفلحون).. ليعطينا الحق جل جلاله من الأمور المادية المشهودة ما يعين عقولنا المحدودة على فهم الغيب.. فيشبه التكليف وجزاءه في الآخرة بالبذور والفلاحة..

أولاً لأنك حين ترمي بذرة في الأرض تعطيك بذورا كثيرة..

واقرأ قول الله سبحانه وتعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 261).

وإذا كانت الأرض وهي المخلوقة من الله تهبك أضعاف أضعاف ما أعطيتها .. فكيف بالخالق؟ وكم يضاعف لك من الثواب في الطاعة؟

هذا هو السبب في أن الحق تبارك وتعالى يقول: "وأولئك هم المفلحون" .. حتى يلفتنا بمادة الفلاحة.. وهي شيء موجود نراه ونشهده كل يوم.

وكما أن التكليف يأخذ منك أشياء ليضاعفها لك.. كذلك الأرض أخذت منك حبة ولم تعطك مثل ما أخذت، بل أعطتك بالحبة سبعمائة حبة.. وهكذا نستطيع أن نصل بشيء مشهود يفصل لنا شيئاً غيبياً.

6- عذاب أليم، مهين، عظيم...
العذاب الأليم هو الذي يسبب ألما شديداً..

والعذاب المهين هو الذي يأتي لأولئك الذين رفعهم الله في الدنيا .. وأحيانا تكون الإهانة أشد إيلاماً للنفس من ألم العذاب نفسه .. أولئك الذين كانوا أئمة الكفر في الدنيا .. يأتي بهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة أمام من اتبعوهم فيهينهم ..
أما العذاب العظيم فإنه منسوب إلي قدرة الله سبحانه وتعالى.. لأنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة .. أما بقدرات الله جل جلاله تكون القوة بلا حدود .. لأن كل فعل يتناسب مع فاعله.. وبما أن العذاب من الله جل جلاله فإنه يكون عذاباً عظيماً.

7- (اسكن أنت وزوجك الجنّة...) البقرة: 35.
معنى اسكن: توفير الهدوء والاطمئنان، ومنه أخذ اسم السكن. وكلمة المسكن وإذا فقد المكان الذي تسكن فيه عنصرا من هذين العنصرين وهما الهدوء والطمأنينة لا يقال عليه مسكن والسكن في القرآن أطلق على:

-    الزوجة... كما جاء في قوله تعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } الروم: 21.

لأن الهدوء والرحمة والبركة تتوافر في الزوجة الصالحة.

-    الصلاة: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَك سَكَنٌ لَّهُمْ} التوبة 103 أي راحة واطمئناناً ورحمة.

-    الليل: قال تعالى: (اللهُ الذي جَعَلَ لكُمُ الليلَ لتسكُنوا فيهِ والنّهارَ مبصراً إنّ اللهَ لذو فضلٍ على النّاسِ ولكنَّ أكثرَ النّاسِ لا يشكُرُون)  غافر: 61.

8-  بعض الناس يقولون أن آدم قد عصى وتاب الله عليه وإبليس قد عصى فجعله الله خالداً في النار؟.
نقول: إنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم؟ لقد أكل من الشجرة المحرمة، وعندما علم أنه أخطأ وعصى لم يصر على المعصية ولم يرد الأمر على الآمر ولكنه قال يا ربّ أمرك ومنهجك حق ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني.

ولكن إبليس رد الأمر على الآمر، قال: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} وقال: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} وقال...

فإبليس هنا رد الأمر على الآمر ولم يعترف بذنبه فيقول يا رب غلبني ضعفي وأنت الحق وقولك الحق ولكنه عاند وقال سأفعل كذا وسأفعل كذا.

وهذا كفر بالله.

إياك أن ترد الأمر على الله سبحانه وتعالى.

فإذا كنت لا تصلي.. فلا تقل ما فائدة الصلاة.

وإذا لم تكن تزكي.. فلا تقل تشريع الزكاة ظلم للقادرين.

وإذا كنت لا تطبق شرع الله فلا تقل أن هذه الشريعة لم تعد تناسب العصر الحديث.

فإنك بذلك تكون قد كفرت والعياذ بالله ولكن قل يا ربي إن فرض الصلاة حق وفرض الزكاة حق وتطبيق الشريعة حق ولكنني لا أقدر على نفسي فارحم ضعفي يا رب العالمين...

إن فعلت ذلك تكن عاصياً فقط.

9-  (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ...).
كلمة قوم في القرآن تطلق على الرجال فقط..

ولذلك يقول القرآن الكريم:{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } الحجرات: 11.

إذن قوم هم الرجال.. لأنهم يقومون على شئون أسرهم ونسائهم.. فالقوامة للرجال.. والمرأة حياتها مبنية على الستر في بيتها.. والرجال يقومون لها بما تحتاج إليه من شئون.. والمفروض أن المرأة سكن لزوجها وبيتها وأولادها وهي في هذا لها مهمة أكبر من مهمة الرجال..

10-  كلمة وعد في القرآن: هي الإخبار بشيء سار، والوعيد: هي الإخبار بشيء سيئ.. فإذا سمعت وعدا فأعرف أنَّ ما سيجيء بعدها خير وإذا سمعت وعيدا تعرف أن ما بعدها شر، إلا آية واحدة وهي قوله سبحانه وتعالى: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ...} الحج: 72.
فهل الوعد هنا بخير أو المعنى اختلف؟

نقول: إن كانت النار موعوداً فهي شر..

وإن كانت النار هي الموعودة والكفار هم الموعود بهم فهي خير للنار؛ لأن النار تفرح بتعذيب الكافرين من عباد الله..

ونعرف هذا الفرح من قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} ق: 30.

ولا يستزيد الإنسان إلا من شيء يحبه.. والنار ـ ككل شيء مسخر ـ مسبحة لله تكره العصاة.. ولكنها غير مأمورة بحرقهم في الدنيا.. ولكن في الآخرة تكون سعيدة وهي تحرق العصاة والكافرين.

11-  يومان في الأسبوع ذكرا في القرآن بالإسم فقط هما يوم الجمعة والسبت..
وهما اليومين اللذين لا ينسبا إلى أعداد بينما أيام الأسبوع الخمسة الباقية منسوبة إلى الأعداد ولم تذكر في القرآن بالإسم.. فالأحد منسوب إلى واحد والإثنين منسوب إلى إثنين.. والثلاثاء منسوب إلى ثلاثة والأربعاء منسوب إلى أربعة والخميس منسوب إلى خمسة..

كان المفروض أن ينسب يوم الجمعة إلى ستة ولكنه لم ينسب.. لماذا؟

لأنه اليوم الذي اجتمع فيه للكون نظام وجوده.. فسماه الله تبارك وتعالى الجمعة وجعله لنا عيدا.. والعيد هو اجتماع كل الكون في هذا اليوم، إجتماع نعمة الله في إيجاد الكون وتمامها في ذلك اليوم.. فالمؤمنون بالله يجتمعون اجتماع حفاوة بتمام خلق الكون لهم.. فالجمعة هي عيد المسلمين الذي شرع فيه إجتماعهم في المساجد وأداء صلاة الجماعة..

والسبت.. الباء والتاء تفيد معنى القطع.. وسبت ويسبت سبتا إذا انقطع عمله.. ونلاحظ أن خلق السموات والأرض تم في ستة أيام مصداقا لقوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } الحديد 4.

وكان تمام الخلق يوم الجمعة..

وفي اليوم السابع وهو يوم السبت كان كل شيء قد استقر وفرغ من خلق الكون.. ولذلك له سبات لأن فيه سكون الحركة بعد تمام الخلق.. فلما أراد اليهود يوما للراحة أعطاهم الله يوم السبت.

12- قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) البقرة: 48.
هذه الآية وردت مرتين.

صدر الآيتين متفق في قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً}.

والمقصود بقوله تعالى: {اتَّقُواْ يَوْماً} هو يوم القيامة.

الآية الأولى تقول: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} البقرة: 48.

والآية الثانية: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} البقرة: 123.

هل هذا تكرار؟ نقول لا.

والمسألة تحتاج إلى فهم.

ففي الآية الأولى قدم الشفاعة وقال: لا يقبل، والعدل متأخر.

والثانية أخر الشفاعة وقال لا تنفع، و العدل مقدم

وقوله تعالى: { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } كم نفسا هنا؟

إنهما اثنتان.

نفس عن نفس.

هناك نفس أولى ونفس ثانية.

فما هي النفس الأولى؟

النفس الأولى هي الجازية.

والنفس الثانية.. هي المجزي عنها..

ومادام هناك نفسان؟ فقوله تعالى: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} هل من النفس الأولى أو الثانية؟

إذا نظرت إلى المعنى فالمعنى أنه سيأتي إنسان صالح في يوم القيامة ويقول يا رب أنا سأجزي عن فلان أو أغني عن فلان أو أقضي حق فلان.

النفس الأولى أي النفس الجازية تحاول أن تتحمل عن النفس المجزي عنها.

والإنسان الصالح يحاول أن يشفع لمن أسرف على نفسه فلا تقبل شفاعته.

ثم يحاول أن يساوم فلا يسمح له بأي مساومة أخرى وهو معنى (ولا يؤخذ منها عدل) العدل أي المقابل.

وهذا ترتيب طبيعي للأحداث.

وفي الآية الثانية يتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أن تستشفع بغيرها وتطلب منه أن يشفع لها، لابد أن تكون قد ضاقت حيلها وعزت عليها الأسباب، فيضطر أن يذهب لغيره وفي هذا اعتراف بعجزه، فيقول يا رب ماذا أفعل حتى أكفر عن ذنوبي فلا يقبل منه.

فيذهب إلى من تقبل منهم الشفاعة فلا تقبل شفاعتهم.

فالضمير مختلف في الحالتين.

مرة يرجع إلى النفس الجازية فقدم الشفاعة وأخر العدل.

ولكن في النفس المجزي عنها يتقدم العدل وبعد ذلك الشفاعة.

13- وفي قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} الأنعام: 151.
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} الإسراء: 31.

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ: أي من فقر موجود، ومادام الفقر موجودا فالإنسان لا يريد أولادا ليزداد فقره.

فقال له الحق سبحانه وتعالى: نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ.

أي أن مجيء الأولاد لن يزيدكم فقرا، لأن لكم رزقكم ولهم رزقهم وليس معنى أن لهم رزقهم أن ذلك سينقص من رزقكم.. فقدّم رزق الآباء على الأبناء.

أما في الآية الثانية: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ: فكأن الفقر غير موجود، ولكنه يخشى أن رزق بأولاد بأنه الفقر.

يقول له الحق: نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم.

أي أن رزقهم سيأتيهم قبل رزقكم. قدّم رزق الأبناء على الآباء.

14- (...يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ...) البقرة: 49.
كلمة الابن تطلق على الذكر، ولكن الولد يطلق على الذكر والأنثى.

ولذلك كان الذبح للذكور فقط.

أما النساء فكانوا يتركونهن أحياء.

ولكن لماذا لم يقل الحق يذبحون أبناءكم ويستحيون بناتكم بدلا من قوله يستحيون نساءكم.

الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن الفكرة من هذا هو إبقاء عنصر الأنوثة يتمتع بهن آل فرعون.

لذلك لم يقل بنات ولكنه قال نساء.

أي أنهم يريدونهن للمتعة وذلك للتنكيل ببني إسرائيل.

ولا يقتل رجولة الرجل إلا أنه يرى الفاحشة تصنع في نسائه.
يتبع إن شاء الله...