منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية   الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Emptyالأحد 13 يناير 2013, 9:49 am

الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية

المبحث الأول:


مصادر التشريع في الديانات السماوية الثلاث:

تتمثل مصادر التشريع في المنظومة الإسلامية في القرآن الكريم كمصدر أول
أساسي، أجمع المسلمون على وجوب تعظيمه وتنزيهه وصيانته (حول تعريف القرآن
الكريم ومنزلته أنظر الدراسة الاصولية ليوسف حامد العالم، المقاصد العامة
للشريعة الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا، 1991م، ص 48.

وأنظر في نزول القرآن وتدوينه جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن،
مصطفى البابي الحلبي، ط4، التبيان في آداب حملة القرآن، ج1، 84-85).

ويُقصد به عند الإطلاق القرآن وهو كلام الله وحجته البالغة وهو كلية الشريعة وأصل الدين.

وهو اللفظ المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه
المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر (عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، دار
القلم، بيروت، ط5، 1984م، ج1، 437).

وهو حجة عند جميع المسلمين التي لم يقل أحد من المسلمين بعدم حجيتها والاختلاف حاصل في استنباط الأحكام من ألفاظه ومعانيه فقط.

وقد استمر نزول القرآن الكريم ثلاث وعشرين سنة.

ولم يدع أحد تعرض هذا الكتاب لأي نوع من التحريف أو التبديل كما حصل في كتب
سماوية آخرى، فعملية حفظه لم تُوكل إلى أحد من البشر، وإنما إلى الخالق
سبحانه.

حيث قال: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾. سورة الحجر:9.

والمراد بالحفظ هنا الجمع حيث أن كلمة الجمع تأتي بمعنيين:
المعنى الأول حفظه ومنه يقال جمّاع القرآن أي حفّاظه وهذا المعنى هو الذي
ورد في قوله تعالى: ﴿إن علينا جمعه وقرآنه﴾ (سورة القيامة، الآية 17).

حيث أوضحت الآية أن الله سبحانه قد تعهد بتحفيظه إياه وعدم نسيانه وتفهيمه معناه.

أما المعنى الثاني فهو الكتابة وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يختار
عددا من صحابته لكتابة الوحي فكلما تنزلت آية، دعا أصحابه لكتابتها فحفظت
في الصدور والسطور.

ومن هؤلاء الكتّاب الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وخالد بن الوليد وغيرهم.

وكان القرآن يُكتب آية آية ومقطعا مقطعا، ولم يكن ترتيبه حسب ترتيب النزول
بل كان جبريل يقول للنبي عليه الصلاة والسلام إنّ الله يأمرك أن تضع هذه
الآية على رأس كذا آية من سورة كذا، فيأمر كتّاب الوحي بوضع هذه الآية في
ذلك المكان.

فكان جبريل عليه السلام يتنزل بمواضع الآيات من السور.

لقد حظي القرآن الكريم بمكانة لم يتمتع بها كتاب سماوي آخر، فقد توفرت
للقرآن وسائل حفظ بشرية شفوية وتدوينية هائلة ضمنت لهذا الكتاب الحفظ من
التغيير والتبديل.

ويظهر ذلك حتى في أراء من هم خارج دائرة الإسلام.

جاء في موسوعة انكارتا العالمية:

“ the Koran is regarded as above criticism and a work not to be proved but itself is the standard of merit.

The tone of the book is authoritative and dogmatic throughout, the
second chapter opens: “ This is the book in which there is no doubt…”
(Encarta Cd, Koran).

أما المصدر التشريعي الثاني فهو السنة ومعناها شرعا: قول النبي صلى الله
عليه وسلم وفعله وتقريره (في تعريف السنة لغة واصطلاحا راجع: محمد بن علي
الشوكاني، إرشاد الفحول إلى معرفة الحق من علم الأصول، مطبعة محمد صبيح،
مصر، ج1، 67).

فالسنة النبوية جاءت مفصلة لمجمل القرآن ومفسرة له ومتممة لبعض الأحكام ومبينة لها.

ومن هذين الأصليين الأساسين تفرعت مصادر التشريع الأخرى من إجماع وقياس وغيرهما.

والمتأمل في التشريع الإسلامي يلحظ أن هذا التشريع في حقيقته مستند إلى
مصادر ومرجعيات مقدسة معصومة عند المسلمين ألا وهي القرآن والسنة.

فالرأي المقصود به في الإجماع والقياس ليس رأيا مجردا بل لا بد أن يكون
مسندا إلى ما يعضده من قرآن أو سنة وإلا كان رأيا شخصيا لا يترتب عليه حكم
عام أو خاص، فالتشريع أمر اختصت به المشيئة الإلهية فقط.

ومن هنا فقد بدأ العلماء والفقهاء المسلمون بالاهتمام بدراسة القرآن الكريم
والسنة وإسناد أي حكم تشريعي إليهما ولذا فقد سمي المصدر أو المرجع
بالدليل الشرعي.

وسميت عليه مصادر التشريع الإسلامي بالأدلة الشرعية.

لقد أصبح هذا الفرع من العلوم الشرعية علما مستقلا بذاته له أصوله وقواعده المعروفة ومؤلفاته.. ويُعرف بعلم الأصول.

وللعلماء القيام بدور الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في استنباط الأحكام من
مصادرها المعروفة (إبراهيم كافي دونمز، العرف في الفقه الإسلامي، ( مجلة
مجمع الفقه الإسلامي، 1409ﻫ/ 1988 م)، العدد الخامس، ج4، ص 3363 وما
بعدها).

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن علماء المسلمين لهم الاجتهاد في
أمور فرعية أما الفرائض والقوانين التي نص الشارع عليها فلا تخضع للاجتهاد
مطلقا ومن هذا القبيل، الصلوات والعقائد والفروض في المواريث وكذا تشريعات
الأسرة التي فصل الشارع فيها تفصيلا يقطع معه أنها لا تخضع لاجتهاد مطلق
مهما تغيرت الأحوال والأزمان.

فالشريعة عند المسلمين شريعة كاملة خالدة ومن تمامها وكمالها أن جعلت في
أصول الشريعة قواعد كلية يصل بها المجتهد إلى معرفة أحكام الشارع في ما
يستجد من مسائل حياتية وبهذا كانت صالحة لكل زمان ومكان عند أهلها.

مصادر التشريع في اليهودية:

- العهد القديم أي القانون والشريعة والتعاليم.

وكلمة العهد القديم ((Old Testament تعني في العبرية العهد الذي بين الرب وإبراهيم عليه السلام وبني إسرائيل (
Catholic Encyclopedia, Volume XIV, Online Edition, 1999, Old Testament).

وهو مجموعة الأسفار التي جمعها رجال المجمع الأكبر الذي تأسس عقب السبي
البابلي ((The Babylonian exile (جاء نبوخذ نصر على رأس حملة قوية وحاصر
أورشليم فاستسلمت بعد حصار قصير الأمد وهذا هو الأسر البابلي الأول.

ثم ثارت أورشليم بعد ذلك بسنين قليلة فغضب نبوخذ نصر وأرسل حملة حاصرت أورشليم وبعد حصار دام سنة وتصف سقطت أورشليم في عام 586 ق.م.

وخربت المدن المهمة في مملكة يهودا وهدم الهيكل وهذا هو الأسر البابلي الثاني والتي دامت قرابة خمسين عاما.

أنظر:

Encyclopedia Judaism, The Postexilic Period.

وأنظر كذلك: عرفان عبد الحميد، اليهودية عرض تاريخي، دار عمار، الاردن، 1997م، ص 42) وقد قام عزرا بجمعها في عام 444 ق.م.

ومجموع تلك الأسفار تسعة وثلاثون سفرا أو أربعة وعشرون في حسبان من يعتبر الأسفار المزدوجة سفرا واحدا.

والعهد القديم مقسم إلى ثلاثة أقسام: التوراة، الأنبياء، الكتب والصحف.

فالقسم الأول من العهد القديم يشمل الأسفار الخمسة ويعرف بالينتانوخ((Pentateuch.

ويضم القسم الأول سفر التكوين (Genesis)، سفر الخروج (Exodus)، سفر اللاويين (Leviticus)، العدد (Numbers)، التثنية (Deuteronomy).

ويتألف القسم الثاني من العهد القديم من أسفار الأنبياء ويضم إحدى وعشرون
سفرا، وتبحث تلك الأسفار في تاريخ بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام إلى
خراب الهيكل.

ويطلق مصطلح التوراة أحيانا ليشمل الشروحات والتفاسير الواردة حول التوراة المكتوبة على مر العصور والأزمان من قبل العلماء.

إلا أنهم يطلقون تسمية التوراة الشفوية على تلك الشروحات لتمييزها عن المكتوبة (Microsoft Encarta 97, Torah).

وهناك نظريات متباينة حول الفترة التي تمّ فيها جمع هذه الأسفار، منها أنها
ذات ارتباط بالسبي البابلي حيث ظهرت الحاجة إلى ذلك (أحمد شلبي، اليهودية،
مكتبة النهضة المصرية، مصر، ط8، 1988م، ص 254)، ومنها أن تاريخ جمعها أسبق
من ذلك بكثير أي قبل السبي البابلي بقرون.

وقد وجهت انتقادات حادة حول مصداقية العهد القديم وصحة نسبته أصلا، فقد نظر
اليهود والنصارى على حد سواء إلى الدين على أنه تراكمات تاريخية، واعتبروا
الكتاب المقدس محصلة أحداث تاريخية متراكمة (Encarta Encyclopedia 97 CD,
Biblical Scholarship).

كما لم ينظروا إلى نصوص الكتاب المقدس كوحي نازل من السماء مباشرة على الإطلاق.

“ They have never been regarded simply as a literature transmitted
directly from heaven or as so remote from the contemporary human
condition as to render them immune to critical study”. (- Encarta CD,
Biblical Scholarship).

وقد ظهرت حركة نقد النصوص الكتابية بمختلف نظرياتها وتطبيقاتها في القرنين
السابع والثامن عشر الميلادي متزامنة مع عصر التنوير والنهضة الذي ساد فكره
أوروبا في تلك الآونة.

وتمّ عرض النصوص الكتابية المقدسة على مختلف النظريات النقدية.

ومن أبرز الفلاسفة الذين تبنوا تلك الفلسفة ثوماس هوباس (القرن السابع عشر
الميلادي)، والفيلسوف اليهودي سبينوزا وسيمون وغيرهم (Encarta CD, Biblical
Scholarship).

التلمود:

وقد مثّل قانون التوراة العمود الرئيسي الذي يرتكز عليه اليهود في مجتمعاتهم.

فقد تمّ تنظيم كل أمر وفق قوانين ونظم خاصة وأحكام لا تتغير ولا تتبدل كما ورد ذكرها في البنتانوخ.

إلا أن تغير الأحوال والقضايا وتنوعها وفقا لما استجد في الحياة اليهودية
عبر العصور، أثار الحاجة إلى خلق محددات قانونية جديدة تُبنى تبعا للعادات
والظروف المتغيرة.

وهي في نهاية الأمر عبارة عن شروحات شفوية للتوراة وقوانينها وسنن وتقاليد
متوارثة تساهم في تطبيق أحكام التوراة تبعا لمتغيرات الحياة وظروفها.

إلا أنه لم يكن من المسموح تدوين هذه الشروحات للعامة.

وعلى هذا جاءت تسمية التلمود وتعني الشرح والتفسير والتعاليم، فهو مجموعة
الشرائع المدنية والاجتماعية واليهودية المتوارثة (Encarta CD, Biblical
Scholarship).

ويتكون التلمود من الميشنا (Mishnah) (Catholic Encyclopedia, Talmud) التي
تعني في العبرية الإعادة (Review) وهو تقنين للروايات المتواترة الشفوية
التي كان يتم ترديدها بين المعلم أو الراباي وتلامذته عن طريق الإعادة
شفاها ومن هنا جاءت التسمية.

وقد أُدخلت على الميشنا تعديلات وشروحات من قبل علماء فلسطين وبابل وعرفت تلك الشروحات بالجمارا (Gemara) التي تفيد معنى الإتمام.

فالتلمود مكون من الميشنا والجمارا مشكّلا مجموعة كاملة من الفتاوى الشرعية.

ويفرّق العلماء بين نوعين من التلمود:

تلمود أورشليم وتلمود بابل.

وقد تمّ تدوين تلمود أورشليم أو فلسطين في الفترة الواقعة ما بين القرن الثالث وبداية القرن الخامس الميلادي.

أما تلمود بابل فقد تمّ جمعه من قبل علماء بابل وتمّ تدوينه في الفترة ما بين القرن الثالث وبداية القرن السادس الميلادي.

ويُعد تلمود بابل الأكثر تداولا اليوم وهو المراد عند إطلاق كلمة التلمود
باعتبار أن أكاديمية حاخامات بابل بقيت واستمرت قرونا طويلة بعد علماء
أورشليم.

وينقسم التلمود إلى أقسام تعرف بال السيدريم (Sedarim) ويعالج كل قسم منها موضوعا شرعيا وتشكل في مجموعها ثلاثة وستون قسما.

القسم الأول زراعيم (Zeraím) ويعالج في إحدى عشر فصلا ما يتعلق بالزرع والحصاد والأنصبة فيها.

القسم الثاني موعد (Moéd) ويتناول في 12 فصلا الأحكام المتعلقة بالسبات أو السبت والراحة فيه والأعياد ومواسم الاحتفالات.

القسم الثالث ناشيم (Women) ويعالج في سبعة فصول الأحكام المتعلقة بالخطبة والزواج والطلاق والنذور.

القسم الرابع نزجين (Nezigin) ويعالج في ثمانية فصول القانون المدني والجنائي.

القسم الخامس قدشيم (Qudashim) ويعالج في 12 فصلا الأمور المقدسة أو المحرمة من نذور وقرابين وخدمة المعبد ونحو ذلك.

القسم السادس طهاروت (Teharoth) ويتناول في 12 فصلا الأحكام المتعلقة
بالطهارة والحمام والنجاسة وكيفية الطهارة (للإطلاع على متن المشنا باللغة
الأنكليزية راجع الموقع التالي:
www.ucalgary.ca/~elsegal/TalmudMap/Mishnah.html).

ومن أهم شروحاته الشرح الذي قام بتأليفه الفيلسوف المشهور موسى بن ميمون
(1180م) ويُعرف بالتوراة الثانية التي ضمت مختلف الاعتقادات والمناقشات
التي كانت سائدة بين اليهود في عصره.

وقد تمت طباعة التلمود لأول مرة في عام 1520م كما تمت ترجمته للغة الأنكليزية وتحريره من قِبل الحاخام (Isidore Epstein).

ويمثل الحاخامات الربائيين السلطة الدينية العليا (Chief rabbinate) وتتمتع
هذه السلطة باستقلالية خاصة ضمن المنظومة التشريعية اليهودية.

“In Judaism a supreme religious authority whose decisions bind all those under its jurisdiction…known as chief rabbinate.

The prototype of the chief rabbinate was the great Sanhedrin of
Jerusalem which until the destruction of the second Temple in the year
70 A.d issued legislation and interpreted Jewish Law for all the Jewish
people”. (لمزيد من التفاصيل حول أبواب التلمود راجع:

Catholic Encyclopedia, Talmud).

وتصل سلطة ما يصدورونه من أحكام وتشريعات حدّ الأحكام المنزلة في التوراة
فكل هذه الأحكام سواء ما كان منزلا في التوراة أو صادرا عن الحاخامات، كلها
أحكام ملزمة لا ينبغي مخالفتها.

بِيدَ أن مخالفة الأحكام الصادرة عن الحاخامات تقتضي إيقاع عقوبة أقل من تلك المخالفة لأحكام التوراة.

إضافة إلى أن تشريعات الحاخامات يمكن تغييرها من قِبلهم وفق ظروف ومقتضيات معينة تستدعي التغيير.

"Halakhah is made up of mitzvot from the Torah as well as laws
instituted by the rabbis and long-standing customs. All of these have
the status of Jewish law and all are equally binding.

The only difference is that the penalties for violating laws and customs
instituted by the rabbis are less severe than the penalties for
violating Torah law, and laws instituted by the rabbis can be changed by
the rabbis in rare, appropriate circumstances". (BritainnicaCd, Chief
rabbinate)

ولا يزال هذا المحور التشريعي يحظى بأهمية كبيرة خاصة فيما يتعلق بقانون
العائلة أو الأحوال الشخصية وما يتبعها من قضايا في المحاكم الإسرائيلية.

“The most important chief rabbinate today is that in Israel …its chief
responsibility first granted in 1921 under British rule, is to handle
all cases of personal status( marriage and divorce)”. (Judaism online
Encyclopedia, www.jewfaq.org. Jewish Law).

إلا أن سلطة علماء اليهود كانت تختلف تبعا للظروف الاجتماعية والسياسية التي عاصرها المجتمع اليهودي.

فقد لعبت طبيعة الحياة التي عاشها اليهود في عالم الشتات (Diaspora) دورها
في غياب الشعور بالطمأنينة والاستقرار لدى اليهود مما أدى إلى الاعتراف
بمبدأ اختلاف الأحكام باختلاف الظروف والمجتمعات التي يعيش فيها اليهود منذ
وقت مبكر في تاريخ اليهود.

فاليهود الذين سكنوا مصر وأوروبا وعُرفوا باليهود الرومانيين (Hellenistic
Jews) تركوا التعامل باللغة العبرية في حين أن اليهود الذين سكنوا بابل
استطاعوا الحفاظ على لغتهم العبرية كما درسوا نصوص كتابهم المقدس باللغة
العبرية تبعا للحرية التي منحها حكام بابل لليهود مقارنة بغيرهم
(Britannica CD Chief rabbinate).

فالتجمعات اليهودية التي تمتعت بالحرية استطاعت مزاولة وممارسة شعائرها بحرية تبعا للأجواء السياسية السائدة.

كما استطاعوا إنشاء منظمة معترف بها رسميا ذات سلطات إدارية وقضائية ومالية عُرفت باسم gerousia,.

يحكمها علماء كبار من اليهود (Catholic Encyclopedia, Diaspora).

وفي الأندلس حيث كان اليهود يشكلون نسبة كبيرة ضمن لهم الملك صلاحية بيت
الدين التشريعية في القضايا الجنائية وكان هذا هو الحال في بولندا كذلك
(Catholic Encyclopedia, Diaspora).

كما ظهرت صورا من البدائل التشريعية (Casuistic Jurisdiction) التي لا تخرج
في حقيقتها عن نوع من التحايل ولكنه تحايل مبرر مسوغ من قبل علمائهم.

ولا يزال بيت الدين يشكل بنية تشريعية هامة في المجتمع الإسرائيلي تحت إشراف العلماء الربائيين.

أما فيما يتعلق بالأحكام الأسرية فهي موكولة جملة إلى المحاكم الدينية.

يتضح لنا مما سبق عرضه أن المنظومة التشريعية في اليهودية تجاوزت النص
التوراتي في بعض القضايا والمحددات نظرا للظروف والاحتياجات المتغيرة.

فالنص وإن كان يشكل القمة في الهرم التشريعي والعقدي والشعوري لدى اليهود إلا أن هذه السلطة تتنازعها آراء علماء اليهود ورجالاتهم.

فالمحور الاجتهادي لعلماء اليهود ذو سلطة تكاد تكون مطلقة في إجراء التحوير والتبديل بل النسخ أحيانا لبعض النصوص التوراتية.

ولعل مردّ ذلك المرجعية الشرعية لأقوال العلماء عند اليهود، فآرائهم مستندها التواتر إلى الإنبياء.

فالنص التوراتي وإن كان يحتل المحور الدستوري في التشريع، إلا أنه لا يتم
التقيد المطلق بأبجدياته تبعا لتغير الظرفية الزمانية والمكانية.

مصادر التشريع في اليهودية في العصر الحالي:

ظهرت الحركات والطوائف اليهودية الحديثة كرّدة فعل لحركة التنوير والنهضة
Enlightenment التي ساد فكرها أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي قبيل
الثورة الفرنسية.

وجاءت حركة التنوير معبرة عن مطالبة الفكر الغربي بالانسلاخ من عصور الظلام
والانخراط في فكر التنوير من خلال تحكيم منطق العقل والعلم في الجوانب
الحياتية المختلفة، كما دعت إلى استقلال العقل في تقرير ما يعتقده ويريده.

ولاقت الحركة آذانا صاغية لدى العديدين في فرنسا وألمانيا ودول أوروبا المختلفة.

ويعد موسى مندلزوهن (1786م) من روّاد حركة التنوير في اليهودية فقد حمل على
عاتقه نشر فكر التنوير بين صفوف اليهود القاطنين في المجتمعات الغربية
بتأثر من فلسفة لابينتز (1716م).

ونشر في كتابه الموسوم بالقدس بأنه لا يؤمن بعقيدة دينية سوى ما يقرها العقل ويقبلها.

كما أعلن أنه يدين بالعقل العالمي الذي لم تكن اليهودية فيه إلا تراكما
تاريخيا فرفض الاعتراف بأي ركن من أركانها المتوارثة مما لا يمكن للعقل
الإنساني الاهتداء إليه أو إثبات صحته (Britannica CD, Chief rabbinate).

وحاولت حركة التجديد هذه في أطوار نشأتها المبكرة، تحقيق الانسجام والوفاق
بين اليهودية وتعاليمها من جهة، والمقاييسِ الأوروبيةِ المُعاصرةِ من جهة
آخرى، بغية تحسين صورة اليهودِ الذين عانوا بشدة من التمييز القانوني
والاجتماعي ضدهم وضد أطفالهم بسبب طقوسهم وتعاليم اليهودية التقليدية.

ويشير إلى تلك الحالة الكاتب اليهودي روبرت في مؤلفه اليهود والفكر اليهودي بقوله:

“This early phase of the Reform movement sought to bring the external of
Judaism into closer harmony with contemporary European standards of
decorum, solemnity and reverence in order to improve the image of the
Jews in the eyes of enlightened Christians.

Reform Judaism was also an attempt to stem the conversion to
Christianity by Jews estranged from the traditional ritual and
frustrated by legal and social discrimination against them and their
children” (Jacob Neusner, Judaism in Modern Times, Ibid, p. 99
عرفان عبد الحميد، اليهودية عرض تاريخي والحركات الحديثة في اليهودية، دار
البيارق وعمار، بيروت، 1417/1997م، القسم الثاني، ص 149 وما بعدها).

وادعت حركته غائيتها في الحفاظ على الحس اليهودي بين الشرائح اليهودية التي
سكنت في الغرب، إلا أن الأيام أثبتت فشل دعواه، وانصهرت تلك العناصر في
بوتقة المجتمع الغربي الذي بات هوية لها أكثر من هويتها اليهودية، لدرجة أن
العديد من أتباعه آثروا اختيار الهوية الأوروبية والمسيحية على البقاء على
عقيدتهم اليهودية.

لقد كانت رسالة مندلزوهن إِلى جماعته الخاصةِ أن يكونوا غربيين باحثين في تراثِ التّنويرِ.

وعلى هذا بدأ العديد من أتباع مندلزوهن، بترك الإيمان والعقيدة اليهودية
باعتبارها الطريق الوحيدِ للظفر بالقبول في المجتمع الأوروبي الذي شَعروا
بأنهم جزء منه وساروا في طريق الانصهار التام Assimilation في ثقافة الغرب
المسيحي.

وتشير إلى هذه الحقائق الموسوعة البريطانية من خلال تتبعها لحياة موسى مندلزوهن حيث جاء فيها:


“...In..,Jerusalem, published in 1783, Mendelssohn defended the validity
of Judaism as the inherited faith of the Jews by defining it as
revealed divine legislation and declared himself at the same time to be a
believer in the universal religion of reason, of which Judaism was but
one historical manifestation.

Aware that he was accepted by Gentile society as an "exceptional Jew"
who had embraced Western culture, Mendelssohn's message to his own
community was to become Westerners, to seek out the culture of the
Enlightenment...,

many others who began by following Mendelssohn chose to leave the Jewish
faith as the only way to win full acceptance in the European community
of which they felt themselves a part” (Robert M. Seltzer, Jewish people,
Jewish Thought, Macmillan Publishing Co, New York, 1980, p.122).

وذهب ديفيد فريدلندر (1834م) أحد تلامذة مندلزوهن إلى تبني الدعوة لإلغاء
كافة الصلوات الدينية التي تعكس السمة القومية لليهود وطالب باستبدال اللغة
العبرية بالألمانية في الصلاة وأداء الطقوس والمراسيم الدينية بها.

وبمرور الزمن قويت حركة الإصلاح في اليهودية وقاموا بإنشاء معبدا لهم
وأجروا تحويرات جوهرية في صيغ الصلوات إلى أن بلغت الحركة أوجها عند إعلان
قائدها الراباي إبراهام جايجر (1874م) (Britannica Cd, Haskala,
Enlightenment) بأن اليهودية عقيدة دينية وأخلاقية صرفة وعليه ينبغي إلغاء
كافة الطقوس والمراسيم اليهودية التي تميز اليهود عن سائر الطوائف والأمم
الأخرى.

كما أوضح أن دواعيه إلى اتخاذ هذا المنحى هو محض انسجام وتوافق مع التقاليد
التلمودية المتوارثة التي تدعو إلى ضرورة رعاية المصالح وتغيرها تبعا
لتغير الظروف والزمان (Encarta Cd, Abraham Geiger).

وهكذا أعلنت الحركة الإصلاحية اليهودية منهجها الصريح في رفض وردّ
التشريعات الموسوية والربائية بما في ذلك الشريعة المنزلة وما يماثلها من
المقدسات، مع إدانة كاملة للنزعات القومية.

وبرزت على الساحة العديد من ردود الفعل المختلفة في صفوف تلك الحركة ذاتها كردة فعل عنيفة لهذا الموقف الصريح للحركة الإصلاحية.

فانفصل زكريا فرانكيل Zacharias Frankel عن الحركة وقام بإنشاء مدرسة
الوضعية التاريخيةPositive Historical School التي حاولت الجمع بين حرية
البحث التاريخي في عقائد بني إسرائيل، وبين مراعاة الشريعة والتقاليد
اليهودية المتوارثة التي ميزت اليهود عن غيرهم على مدى التاريخ (Jacob
Neusner, Judaism in Modern Times, p. 61).

وقوبلت تلك الدعاوى بحركات معاكسة، فانقسم التقليديون إلى صنفين: صنف يقترب
من حد الوسط في الأخذ بمعطيات الحضارة الحديثة المعاصرة شريطة ألا يصطدم
بنص صريح، ولخص أكبر ممثليه سمسون روفائيل هيرش (Encarta Cd, Zacharis
Frankel.http;// www.ucagaru.ca. Zacharis Frankel) دعواه في شعار التوراة
مع قانون الأرض Torah with the law of the land (http://www.ucagary.ca.
Rabbi Samson Raphael Hirsch and Neo-Orthodoxy)Derekh EretzTorah im.

وإلى هيرش Hirsh (1888م) تعود جذور الأرثودوكسية المحدثة Neo- Orthodox
التي قابلت بالرفض التام مبادئ كلتا الحركتين الإصلاحية والوضعية التاريخية
سواءا بسواء.

وإطلاق مصطلح الأرثودوكسية على الحركة، يعود إلى الإصلاحيين، الذين أطلقوه
على سبيل التهكم والسخرية في مقالة نشرت عام 1795م (Encarta Cd, Judaism).

ففي عام 1854م أوضح هيرش ممثل الحركة أن هذه التسمية هي من صنع الإصلاحيين.

إلا أنه في عام 1886م أعلن تبنيه لهذه التسمية عندما أطلقها على الاتحاد
الذي قام بتشكيله في أوروبا ((Free Union for the Interests of Orthodox
Judaism (www.ucagary.ca. Varieties of Orthodox Judaism).

وثمة صنف من التقليدين رفضوا أي شذوذ عن أحكام التوراة بدلاليتيه المكتوبة والشفوية ويمثل هذا الصنف الحاسيديم.

وقد شهدت تلك الحركة انقسامات عديدة فيما بينها على الرغم من اتفاقها العام
على صدارة التوراة وضرورة الأخذ بمعطيات الحضارة المعاصرة والمتطلبات
المتغيرة (www.ucagary.ca. Varieties of Orthodox Judaism).

وتمخض عن تلك الحركتين- الإصلاحية والتقليدية- حركة جديدة حاولت أن تتخذ
حدا وسطا بين الطرفين، عُرفت بالمحافظين Conservative أو المدرسة التاريخية
في ألمانيا وأمريكا في عام 1886م (للإطلاع على تفاصيل تلك الانقسامات أنظر
الجدول. المرجع السابق).

وأعلنت تلك الحركة إلتزامها الصارم بالتقاليد المتوارثة عن الحاخامات مع
الاحتفاظ بحق تأويل الشريعة الموسوية تبعا للمصالح والمقتضيات المتغيرة.

يتضح لنا مما سبق أن اليهودية اليوم تواجه تيارات انفصالية فيما بينها واسعة النطاق.

وقد انعكست تلك التيارات على اعتقاد وتبني كل طائفة لاتجاه معين إزاء
المنظومة التشريعية التي تحكم سير حياتها وشؤونها، تبعا للبيئة التي تقطنها
في العصر الراهن.

مصادر التشريع في المسيحية ومراحله:

تختلف المنظومة التشريعية في المسيحية عن المنظومة اليهودية من حيث كونها
لم تأت كبديل عن الشريعة اليهودية، بقدر ما أتت لتعزيز الشريعة الموسوية
وحثّ بني إسرائيل على التعاليم والآداب الروحانية والسلوكية من زهد
وكرم…الخ.

وقد ثبت عن عيسى عليه السلام قوله أنه لم يـأت بشريعة جديدة أو نظرية خاصة
(The Encyclopedia Of Religion,Ibid,. vol 4,.p. 63. See: Jacob Neusner,
Ibid, p. 99)، حيث يقول: "ما أرسلني الله إلا إلى الخراف الضالة من بني
إسرائيل".

كما أوصى حوارييه الأثني عشر عندما أرسلهم إلى طريق أمم: "لا تقصدوا أرضا
وثنية وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحري إلى خراف بني
إسرائيل الضالة" (عبد المجيد الشرفي، الفكر الإسلامي في الرد على النصارى،
(تونس، الدار التونسية للنشر، 1986م)، ص 37).

وهذا القول من عيسى عليه السلام يعكس بوضوح خصوصية النصرانية ومحدوديتها
وأنها في عمومها لم تكن إلا حركة تصحيحية داخل اليهودية نفسها.

فالنصرانية ديانة تكميلية خاصة لبني إسرائيل لم يراد لها الانتشار خارج ذلك الاطار.

كما جاء في إنجيل متى:" لا تظنوا إني جئت لأبطل الشريعة وتعاليم الأنبياء
ما جئت لأبطل بل لأكمل" (إنجيل متى، 10/6، مرقص 6/7-11 ، لوقا: 9-3).

أما الكتاب المقدس في المسيحية فهو الإنجيل أو العهد الجديد (New Testament).

والإنجيل كلمة يونانية تعني الخبر السار أو البشارة.

ومعظم الأناجيل أعدمت نسخها وحظر تداولها بعد مجمع نيقية عام 325م
باعتبارها ملفقة إلا أربعة منها: متى(Mathew)، مرقص (Mark)، لوقا (Luke) و
يوحنا ( John).

والأناجيل هي عبارة عن حكايات مروية عن حياة عيسى عليه السلام تناقلتها ألسنة الرواة وتمّ جمعها في الربع الأخير من القرن الاول.

وقد اختلفوا فيما بينهم في روايته وعدد أسفاره والأكثرية على أنه سبعة
وعشرون سفرا وجملة إصحاحاته 260، وهي الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل ورسائل
بولص الثلاثة عشر والرسائل الكاثوليكية.

والإنجيل بإصحاحاته حصيلة جهود متواصلة تقارب الستة قرون.

فالإنجيل لم يكتب دفعة واحدة وإنما ظهرت الكتابات واحدة تلو الأخرى في
مناطق مختلفة موجهة إلى كنائس متعددة مما أدى إلى مرور زمن ليس باليسير
للاتفاق على اختيار الأربعة أناجيل المعتبرة وحمل أتباع الديانة المسيحية
عليها ورفض كل ما عداها (إنجيل متى، 5/19.).

ولم تخل تلك الاناجيل ذاتها من تفاوت وتعارض فيما بينها حول أمور عديدة،
منها شخص السيد المسيح فتارة تصوره بعض الأناجيل ابن الإنسان وتارة تصوره
موجودا إلهيا وهكذا (Catholic Encyclopedia, New Testament).

ولم تنفرد الأناجيل بالتشريع في المسيحية بل تمتد المنظومة التشريعية لتشمل
كذلك المجامع الكنسية التي أعطت لنفسها الحق في التشريع بل وإلغاء حتى
الشريعة الموسوية التي ما جاء المسيح عليه السلام لإلغائها أصلا..

وذهبت المنظومة إلى أبعد من ذلك حين منحت حق التشريع لشخوص معينين من أمثال
بولص الذي ألغى الكثير من التشريعات، والبابا وكنيسته باعتبار أن الأول
نائبا عن المسيح وأن الكنيسة تجسيد له في الأرض، وأن الراد عليه كالراد على
الله.

ولعل الفقر التشريعي لهذه المنظومة، كان واحدا من العوامل التي أسهمت في اتساعها وامتدادها لتشمل أبعادا جديدة ومحاور أخرى.

ويمكن تقسيم المراحل التاريخية التي مرت بها هذه المنظومة إلى:


المرحلة الأولى:


التي اعتبرت فيها النصرانية العهد القديم كتابا مقدسا واتبع بعض أتباعها
الشريعة الموسوية باعتبار أن المسيح لم يأت لتغيير الناموس وأنه أوصاهم
بأتباع الوصايا العشر وشريعة موسى ممن عرفوا ابتداء باليهود المتنصرين ولم
يتميزوا عن بقية اليهود إلا في اعتقادهم بأن عيسى هو المسيا المنتظر وقوفا
عند روايات وردت في سفر أشعيا 53/4-8.

المرحلة الثانية:


وهي التي لعب فيها القديس بولص (راجع في ذلك: عرفان عبد الحميد، النصرانية،
دار عمار، الأردن، 2000م، ص 35 وما بعدها) دورا هاما في التشريع.

واسمه الأصلي شاؤل وكان يهوديا فريسيا (في ترجمته وحياته راجع:
Encarta Cd, Saint Pual.).

وكان من أشد المقاومين للنصارى بل إنه شارك في إضطهادهم إلا أنه في أثناء
تجواله لملاحقة النصارى وتسليمهم للسلطات اليهودية والرومانية أعلن فجأة عن
إيمانه بعيسى عليه السلام على إثر خارقة حصلت له بينما كان يقترب من دمشق
حيث سطع حوله نور من السماء وسمع صوتا يقول له شاؤل لماذا تضطهدني فقال
شاؤل من أنت فأجابه الصوت أنا يسوع الذي تضطهده صعب عليك أن تقاومني
(الفريسيون طائفة من اليهود ترجع تسميتهم إلى معنى الاعتزال أو الانفصال عن
غيرهم اعتبروا أنفسهم أكثر الجماعات اليهودية التزاما بالتوراة اتهموا
بالنفاق والابتداع وسماهم عيسى عليه السلام بالمنافقين صدورا عما جاء في
الأناجيل: " الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراؤون .." إنجيل
متى: 23/14، 27، 33.
إنجيل مرقس: 12/ 40.

وكان لفرقة الفريسين تأثير واسع على الفكر اليهودي فبقي تراثهم مستمرا ويعتبر الربائيون أنفسهم أخلافا للفريسيين).

وبناءا على تلك الحادثة أعلن أن رسالة الإنجيل موجهة للبشرية كلها ويجب
التبشير بها بين صفوف غير اليهود وتحرير اليهودية من لوازم الشريعة
الموسوية.

ويتضح ذلك من رسالته إلى كنيسة غلاطية (أعمال الرسل: 9/3-6).

وبهذا يُعد بولص المؤسس الحقيقي للديانة المسيحية كما يُعد هو الذي قام
بفصل النصرانية عن الشريعة الموسوية فصارت تُعرف في التاريخ بالمسيحية.

من هنا الحكم العام عند المؤرخين أن عيسى كان يهوديا وأن بطرس مسيحي خالص (رسالة كنيسة غلاطية: 3/28).

وكانت غايته حسب ما يظهر جذب الناس إلى دعوته والخروج من الخصوصية اليهودية
المنغلقة على ذاتها ولذا فقد اقتبس الكثير مما حوله من الأفكار والعقائد
الهللينيستية التي عاصرها، كما ألغى الكثير من التشريع الموسوي تخفيفا على
أتباعه.

فقد تجاوز بولص العديد من شرائع الحلال والحرام المقررة في العهد القديم،
فأجاز أكل بعض المحرمات وقرر التحرر من تلك القوانين بقوله:" ولكننا الآن
تحررنا من الشريعة لأننا متنا عما كان يقيدنا حتى نعبد الله في نظام الروح
الجديد، لا في نظام الحرف القديم" (Encarta Cd, Saint Pual).

المرحلة الثالثة:


وهي التي ينضم فيها المحور البابوي كمحور تشريعي في المنظومة وتزامن ذلك مع
قوة الكنيسة وسيطرتها وقت انشطار الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية
فالشرقية مركزها القسطنطينية والغربية مركزها روما.

وفي القرن التاسع صار لروما سلطة مركزية جامعة على غيرها واكتسبت الكنيسة
الكاثوليكية (رسالة بولص إلى كنيسة روما: 7/6) الغربية أهمية خاصة منذ عهد
مبكر.

وقد رأى أساقفة روما هذه الأهمية والمكانة المتميزة مما روي عن السيد
المسيح لمن حوله:" ومن أنا في رأيكم أنتم فأجاب سمعان بطري أنت المسيح ابن
الله الحي فقال له يسوع: هنيئا لك يا سمعان بن يونا ما كشف لك هذه الحقيقة
أحد من البشر بل أبي الذي في السماوات وأنا أقول لك أنت صخر وعلى هذا الصخر
سأبني كنيستي" (ترجع كلمة الكاثوليكية إلى جذرها اليوناني Katholikos
وتعني كوني Universal وفي تسميتها تأكيد على دورها الاوحد في العالم
المسيحي?.
راجع: Encarta Cd, Roman Church.).


ومن هنا ازدادت أهمية كنيسة روما مع الأيام باعتبارها الوريثة الشرعية
للقديس بطرس الذي أنشأ كنيسة روما والبابا خليفة للقديس بطرس فانتقل بذلك
حق التشريع من بطرس إلى البابا. وأذاعت الكنيسة سلطاتها العليا وحق البابا
في التشريع وأنه المفسر النهائي للكتاب المقدس باعتباره المعصوم (إنجيل
متى: 16/15-18). ، وعلى هذا أعلن مجمع الفاتيكان في روما المعصومية للبابا
عام 1870م.

وهم يعتبرون أن تلك المعصومية نابعة من المسيح باعتبار أنه أقام بطرس خلفا
له كما ذكر ذلك متى:" أعطيك مفاتيح السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون
مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات" (أحمد
شلبي، المسيحية، مصر: مكتبة النهضة المصرية، ط8، 1984م، 94).

فاجتمع في يد الكنيسة جميع شؤون الأسرة كالزواج والطلاق والوراثة، وأتباع الكنيسة الكاثوليكية عليهم إتباع عقائد الكنيسة بلا نقاش.

ومن الأمور التي أنتجتها هذه الكنيسة الأسرار وهي شعائر وطقوس معدة لإعاشة
المؤمنين حياة مسيحية وهي سبعة أسرار: العماد والعشاء الرباني والقربان
المقدس والتوبة أو الاعتراف والزواج والرسامة وسر مسحة المرضى ().

أما الكنيسة الشرقية فقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية في عام 1054م ورفضت الكنيسة الأرثوذكسية القول بعصمة البابا.

فقد كانت السلطة الكنسية موزعة بين كبار الأساقفة وفيها يتزوج الكهنة بعكس
الكاثوليكية،وقد انشقت عنها الكثير من الكنائس كالنسطورية وغيرها (انجيل
متى: 16-19).

وهكذا تباينت الكنيسة الإغريقية الشرقية الأرثوذكسية عن الرومانية
الكاثوليكية الغربية في العديد من العبادات والطقوس الدينية ونظم الحياة
والتشريعات.

المرحلة الرابعة:


وهي التي تتسع لتشمل المجامع الدينية (Ecumenical Councils) التي مارست كذلك السلطة التشريعية.

والمجامع هيئات شورية تشريعية قراراتها ملزمة يجتمع فيها القساوسة
والأساقفة والبطارقة لمناقشة وتقرير بعض القضايا المتعلقة بالإيمان
والعقيدة وتأويل بعض النصوص الكتابية وتفسير أسرار المسيحية.

وكانت تعرف هذه اللقاءات بالسينودس Synods. قبل القرن الثاني عشر الميلادي.

إلا أن كلمة السيندوس باتت تستعمل في نطاق أضيق فهي تطلق على اللقاءات
المحلية الضيقة التي يشارك فيها أتباع كنيسة واحدة أو طائفة مسيحية معينة
في حين أن كلمة الCouncils صارت عنوانا للقاءات المسكونية أي العالمية التي
يشارك فيها مختلف الطوائف والكنائس (لمزيد من التفاصيل حول الأسرار السبعة
أنظر: - Alwyn Marriage: The people of God, London, Longman and Todd Ltd, 1995, p 119- 138).

فالمجامع قسمان مجامع مسكونية ومجامع محلية أو مكانية.

فالمسكونية العالمية شهدها ممثلو الكنائس من جميع الأقطار وقد عقد منها
عشرون مجمعا منها سبعة اتسمت بالعالمية ابتداء من مجمع نيقية عام 325م،
وفيها تقررت العقائد الرئيسية للمسيحية والتي تلتقي حولها جميع الفرق
الميسحية كالقول بألوهية المسيح والتثليث…

أما المحلية فهي كثيرة تعقد لإقرار عقائد معينة أو إلغاءها.

والأرثودكس لم يعترفوا إلا بالسبعة الأُول منها كما لم يعترف البروتوستانت
إلا بأربعة منها (فيلسيان شالي، موجز تاريخ الأديان، ترجمة :حافظ الجمالي،
دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، 1991م، 260 وما بعدها).

ومن أهم هذه المجامع (Encarta Cd, Ecumenical Councils) ما يلي:


- مجمع أورشليم الذي أنعقد في عام 55م، بحضور بطرس وزعامة روحية من القديس
يعقوب أخ السيد المسيح وألغى فيه الختان وآداب غسل اليدين إثر العودة من
الأسواق وبعد الاستنجاء واستحلال أكل المحرم من الحيوانات وجواز العمل يوم
السبت.

- مجمع نيقية Nicea انعقد عام 325م برئاسة الإمبراطور قسطنطين وتم فيه التصويت قسرا إلى ألوهية عيسى والقول بالتثليث.

- وبذلك أصبحت لهذه المجامع سلطة قوية وقررت أمورا أصبحت أصولا في
الديانة المسيحية (Encarta Cd, Ecumenical Councils. Catholic
Encyclopedia).

مصادر التشريع في العصر الحالي:


بدأ المصلحون في أوروبا رفع شعارتهم في المسيحية مبكرا ومنذ القرن الثالث
عشر الميلادي بغية التخلص من إفراطات الكنيسة الرومانية وتجاوزاتها التي
امتدت قرونا طويلة في تاريخ أوروبا.

وقد اتخذت تلك التجاوزات صورا متعددة، منها ما يتعلق بالسلوكيات الشخصية
للكرادلة والباباوات ومنها ما يتعلق ببيع صكوك الغفران التي باتت سيفا
مسلطا على رقاب المخالفين للباباوات إلى آخر ذلك من ممارسات ندد بها العديد
من المفكرين والمصلحين الغربيين.

“As early as the thirteenth century, the papacy had become vulnerable to
attack because of the greed, immorality, and ignorance of many of its
officials in all ranks of hierarchy”. (راجع الجدول المقابل لتفاصيل تلك
المجامع وتواريخها وأماكن انعقادها).

ومن هنا بدأت الأصوات تتعالى مطالبة بحركات تصحيحية داخل الكنيسة إلى أن
استوت تلك المحاولات على عودها وعلى يد مارتن لوثر 1546م الذي أدرك أبعاد
الفساد والتجاوزات التي تعرضت لها الكنبسة والبابوية.

وعلى هذا دعا إلى مراجعة الكثير من قرارات المجامع الدينية وردّ التفسيرات
التي لا تمت إلى جوهر الكتاب المقدس بصلة، وإعادة وزنها بميزان الكتاب
المقدس وتعاليمه.

كما دعت الحركة الإصلاحية إلى نبذ عبادة القديسين في الوقت الذي أكدت فيه
صدارة الإنجيل ككتاب مقدس رغم كل ما تعرض له من انتقادات ودراسات.

بِيد أن تلك الحركة أوضحت أن فهم وتأويل هذا الكتاب ليس حكرا على الكنيسة ورجالاتها بل هو أمر ممكن تحقيقه للجميع.

وهكذا لعبت تلك الحركة الإصلاحية دورها في تمهيد السبيل أمام مختلف
النظريات النقدية المستحدثة، وإجرائها على النصوص الكتابية بشكل بات يهدد
قدسية تلك النصوص وينازلها.

فعلى الرغم من الاتفاق العام على صدارة الإنجيل إلا أن البروتستانت اختلفوا حول قضية تأويله.

فالذين قبلوا نتائج المدرسة الانتقادية التاريخية للإنجيل والتي ظهرت خلال
القرنين التاسع عشر والعشرين، قاموا بتطبيق وتمرير نتائج تلك المناهج على
النصوص الكتابية وخرجوا بعدم مصداقية العديد منها.

كما قاموا بتأويل البعض الآخر منها بتأويلات مجازية وإشارية.

أما المحافظون منهم فقد أصروا على التمسك بالحرفية المطلقة للإنجيل ليس في
مسائل العقيدة فحسب بل في المسائل المتعلقة بالتاريخ والجغرافيا والعلوم
كذلك.

“Despite the general agreement on the primacy of the Bible, however,
Protestants disagree on question of biblical interpretation and
scholarship.

Those who accept the results of the higher criticism the historical and
critical study of the Bible that was developed during the 19th and 20th
centuries, are willing to consider some biblical passage inauthentic and
to interpret certain other passages in a symbolic or allegorical sense.


Conservative Protestants such as Fundamentalism and most Evangelicals
insist on the absolute inerrancy of the Bible not only in question of
faith but also in relevant areas of history, geography and science”
(Britanica CD, Councils).

وهكذا فعلى الرغم من محاولة الحفاظ على صدارة الإنجيل ككتاب ومصدر تشريعي
محترم من قبل الجميع، إلا أن تلك الصدارة تنازعتها تيارات التأويل المختلف
ومدارس النقد وآلياته المتعددة.

وتزايدت مرونة المنظومة المسيحية في محاولة لسد الفقر التشريعي الذي انبثق من طبيعتها التكميلية لا البنائية.

كما لعبت الانقسامات التي شهدتها الديانة من كاثوليكية إلى بروتوستانتية
...دورها في ازدياد البون بين المصادر التشريعية لكل من هذه الأطراف.

من هنا فإن البحث عن موقع المرأة ودورها في الديانات المذكورة، يقتضي
الرجوع إلى مصادرها المعترف بها لدى أصحابها، وهو ما تقف الدراسة عليه
فيعرض الآراء المختلفة حول دور المرأة في المجتمعات المختلفة.

يتبع إن شاء الله...



الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية   الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Emptyالأربعاء 16 يناير 2013, 8:45 pm

المبحث الثاني: دور المرأة في الديانات السماوية

يتحدد طبيعة الدور الذي تقوم به المرأة في المجتمع في مختلف العصور، بطبيعة النظر السائدة إزاءها.

والناظر في هذه النظرة السائدة للمرأة، يلحظ تأثرها بالعديد من العوامل والموروثات الدينية والثقافية المتراكمة.

فالأديان جميعها تلتقي في حقيقة خلق المرأة والرجل من قِبل الخالق.. خالق الكون والإنسان.

إلا أن الأنظار سرعان ما تتباين في إقدام آدم وحواء على الأكل من الشجرة المحرمة.

فاليهودية توجه أصابع الاتهام للمرأة- حواء- التي قامت بإغواء آدم بتناول ما حرمه الله عليهما، يتضح ذلك مما ورد في سفر التكوين عندما قامت حواء بالإقدام على الأكل من الشجرة بناءا على قبولها ذلك من الحية.

جاء في سفر التكوين:

" وكانَتِ الحَيَّةُ أحيلَ جميعِ حيواناتِ البرِّيَّةِ التي خلَقَها الرّبُّ الإلهُ. فقالت لِلمَرأةِ: «أحقا قالَ اللهُ: لا تأكُلاَ مِنْ جميعِ شجرِ الجنَّةِ؟» فقالتِ المَرأةُ لِلحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شجرِ الجنَّةِ نأكُلُ، وأمَّا ثَمَرُ الشَّجرَةِ التي في وسَطِ الجنَّةِ فقالَ اللهُ: لا تأكُلا مِنهُ ولا تَمَسَّاهُ لئلاّ تَموتا». فقالتِ الحَيَّةُ لِلمَرأةِ: «لن تموتا، ولَكِنَّ اللهَ يعرِفُ أنكُما يومَ تأكُلانِ مِنْ ثَمَرِ تِلكَ الشَّجرَةِ تنفَتِحُ أعينُكُما وتَصيرانِ مِثلَ اللهِ تعرفانِ الخيرَ والشَّرَّ».

ورأتِ المَرأةُ أنَّ الشَّجرةَ طيِّبةٌ لِلمَأكلِ وشَهيّةٌ لِلعَينِ، وأنَّها باعِثَةٌ لِلفَهْمِ، فأخذَت مِنْ ثَمَرِها وأكَلَت وأعطَت زوجها أيضًا، وكانَ مَعَها فأكَل" .

وفي الديانة المسيحية استمرت النظرة للمرأة على أنها مصدر الغواية والشر وأداة إبليس في نشر الفساد والانحراف.

وشاعت تلك التوجهات والآراء بين آباء الكنيسة الأوائل.

ومن هؤلاء القديس أريناوس Irenaeus الذي عاش في النصف الثاني من القرن الميلادي الثاني .

وصرّح بنظرته تلك في كتابه Against Heresies على اعتبار ان المرأة الأولى حواء هي التي جلبت الموت والشر لنفسها وللعنصر الإنساني كافة من خلال عصيانها وتمردها.

“ Having become disobedient, she Eve was made the cause of death, both to herself and to the entire human race”.

وتوارث آباء الكنيسة هذه النظرة الدونية للمرأة، وظهرت بارزة في كتاباتهم وآرائهم، ومن هؤلاء القديس ترتوليان 150-220م الذي اضطلع بدور بارز في الفكر اللاهوتي المسيحي ورأى في الوحي غنية عن كل تأويل ومعرفة وهو كذلك صاحب المقولة المشهورة: بعد المسيح والإنجيل لسنا بحاجة إلى شيء.

لقد ذهب ترتوليان إلى أن المرأة -حواء وبناتها من بعدها- بوابة الشيطان فهي أول من خالف الوحي وخرج عليه وهي التي قامت بإقناع آدم الذي ما كان للشيطان أن يهاجمه أو يقنعه بدونها، فحطمت بسهولة صورة الرب المتمثلة في الإنسان.

وبسبب مخالفتها وعصيانها كان الموت حتى لأبن الرب.

“ You Eve are the devil’s gateway ….you are the first deserter of the divine law.

You are she who persuaded him whom the devil was not valiant enough to attack.

You destroyed so easily God’s image, man.

On account of your desert that is death, even the Son of God had to die”.

لقد رأى رجال الكنيسة في المرأة ذاتا مورّثة للخطيئة والغواية بطبيعتها فهي مصدر لكل شر ولكل خطيئة ولكل غواية أصلا.

وتسود هذه النظرة مختلف الكتابات والأدبيات في تلك العصور حتى تلقي باللائمة على المرأة تجاه مختلف الكوارث والفواجع التي تصيب العالم حتى الطوفان فالمرأة ورائه .

لقد حدا ترسخ هذه النظرة تجاه المرأة في الذهنية المسيحية، إلى النظر لكل علاقة معها - وإن كانت في إطار الزواج الشرعي- باعتبارها محض شر وفساد فالحالة المثلى هي الابتعاد عن المرأة وعدم التقرب منها مطلقا أي التبتل.كما ستأتي الدراسة عليه لاحقا في موضعه.

أما القرآن الكريم فيؤكد في أكثر من موضع وحدة الأصل والمنشأ للمرأة والرجل، قال تعالى: ﴿يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء..الآية﴾ .

وليس ثمة ما يشير في القرآن مطلقا إلى خطيئة موروثة من آدم أو حواء. قال تعالى: ﴿فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه﴾ .

فآدم وحواء كلاهما أخطأ فتاب واستغفر فتاب الله عليه وقد أشار القرآن إلى ذلك وأكده، قال تعالى: ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم﴾ .. فالخطاب القرآني لآدم وإلى البشرية عامة يرتكز على نقاط رئيسية:

• أن الإنسان مكرم بنص القرآن الكريم: ﴿قال إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾ .

وجود الإنسان ينطوي على نوع من الزيغ واتباع الشهوات والغواية بدليل قوله تعالى: ﴿فأزلهما الشيطان عنها).

بِيدَ أن الإنسان قادر على السمو والارتفاع وتجاوز خط الزيغ، قال تعالى: ﴿ثم اجتباه ربه فجعله من الصالحين﴾ ونتيجة لهذه القدرة الكامنة على السمو استحق الاستخلاف في الأرض، وهذه كلها مبادئ عامة متضايفة.

فأمانة الاستخلاف ملقاة على الرجل والمرأة معاً وهما مكلفان بالمسؤولية عن طبيعة وجودهما الإنساني على الأرض ويتساويان مسـاواة كاملة في هذه المسـؤولية الإنسانية بوصفهما من أصل واحد، كما في قوله تعالى: ﴿يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلاْرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾. النساء:1.

إلا أنها مساواة تكامل وليست مساواة تطابق، لأن لكل واحد منهما خصائصه التكوينية المختلفة عن الآخر.

وفي آية أخرى، يؤكد الله عز وجل هذه المسؤولية ويربطها بالصلاح، الذي هو أساس العمل الجاد المكلف به الرجل والمرأة على السواء، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ. ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنْصَـٰرٍ. رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ أَنْ ءامِنُواْ بِرَبّكُمْ فَـئَامَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنَّا سَيّئَـٰتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلاْبْرَارِ. رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ. فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لاكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاْنْهَـٰرُ ثَوَاباً مّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ ﴾آل عمران:190-195.

ففي هذه الآيات حُدد الهدف والغاية من الوجود الإنساني المتمثل في تحمل الأمانة بتوحيد الله وعبادته دون سواه.

كما حددت الآيات أن العمل الصالح بمختلف مستوياته وأنماطه عبادة يثاب عليها المرأة والرجل.

كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ النحل:97.

فالإسلام يراعي الحقوق من حيث اهتمامه برعاية الواجبات فكل حق للإنسان هو واجب على غيره وينادي بتكريم المرأة والترفّع بها ومنحها الحقوق والمكانة التي تؤهِّلها لمشاركة الرّجل في بناء الحياة والتعبير عن انسانيّتها على أسس إنسانية رفيعة.

إلا إنّ الوقوف عند مسألة دور المرأة وحقوقها في الإسلام - في وقتنا الراهن الحاضر- يعد من أهم القضايا الفكرية والحضارية، فقد باتت من أكثر القضايا إثارة للجدل، فلم يزل خصوم الإسلام يواصلون هجومهم غير العلمي على الفكر والتشريع الإسلامي، مدّعين ظلم الإسلام للمرأة وتكريسه لتبعيتها وإهدار حقوقها.

ولعل من أهم اسباب الهجوم على قضايا المرأة في الفكر الإسلامي في الحاضر ما يلي:

- انتشار الأفكار المشوهة عن الإسلام خاصة في العالم الغربي. فهم يفهمون الإسلام فهماً مشوّهاً محرّفاً يقوم على أساس الخرافة والارهاب وسفك الدماء والتخلّف والتعصّب.

يقول الدكتور مراد هوفمان في كتابه الإسلام كبديل: "العقبة الكؤود الكبرى التي تقف حجر عثرة في سبيل انتشار الإسلام في الغرب المسيحي، تتمثل في الرأي السائد الثابت، لدى غير المسلمين، الذي يدفع صورة المرأة المسلمة، ذاهباً إلى أنها مقيدة الخطى لا يطلق لها العنان لاستثمار طاقاتها، دورها في المطبخ مقصور، وفي شؤون البيت وتربية الأطفال محصور، لا ترى إلا ملثمة، وأوقاتها بين زوجها وربها مقسمة، ثم هي بعد ذلك كله مستذلة مستضعفة".

وجاء في في خطاب الرئيس الألماني رومان هوتسوغ الذي ألقاه بمناسبة تكريم السيدة آنا ماري شمل في 10/1/1995، المستشرقة الألمانيّة المنصِفة في حفل تسلّمها جائزة السّلام من رابطة الكتاب الالماني.

قال – في سياق رده على المعارضين لمنحها الجائزة: «... إنّنا لا نتجنّى على الرأي العام الالماني إذا قلنا أنّ ما ينعكس في مخيّلة الكثير منّا عند ذكر الإسلام إنّما هو قانون العقوبات اللاّ إنساني أو عدم التسامح الديني أو ظلم المرأة أو الاُصولية العدائيّة، ولكن هذا ضيق أفق يجب أن نغيِّره، فلنتذكّر بالمقابل موجة التنوير الإسلامي التي حفظت للغرب قبل ستة أو سبعة قرون أجزاء عظيمة من التراث القديم، والتي وجدت نفسها آنذاك أمام نمط من الفكر الغربي،لا شكّ أنّها شعرت أنّه أصولي وغير متسامح».

وفي مقطع آخر من خطابه يُوضِّح الرئيس الالماني سبب العداء للاسلام، بأنه جهل الاوربيين بالإسلام؛ لذا نجده يتساءل في خطابه: «أليس محتملاً أن يكون سبب عدم تفهّمنا للاسلام هو رسوخه على أسس عميقة من التديّن الشعبي بينما نحن إلى حدّ كبير في مجتمع علماني ؟ وإذا صدق ذلك فكيف نتعامل مع هذه الإشكالية ؟

هل يحقّ لنا أن نصنِّف المسلمين الأتقياء مع الاُصوليين الارهابيين، فقط لمجرّد افتقادنا نحن للاحساس السليم تجاه الاستهزاء بالمشاعر الدينية للآخرين، أو لكوننا لم نعد قادرين على التعبير عن هذا الاحساس السليم..

ثم يقول: «أقرّ أنّه لا يوجد أمامنا خيار آخر سوى زيادة معرفتنا بالعالم الإسلامي، إذا أردنا أن نعمل من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية» .

- الخلط الحاصل بين ممارسات بعض المسلمين البعيدة عن تعاليم الإسلام خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية وحقوق الزوجية من جهة وبين تعاليم القرآن والسنة النبوية من جهة أخرى.

الأمر الذي أدى لدى الكثيرين إلى سحب هذه السلوكيات المنحرفة بما تحمله من جور وظلم في كثير من الأحيان على التعاليم الواردة في القرآن أو السنة.

فالقرآن الذي يعد المصدر الأول للتشريع الإسلامي، قدّم المرأة الصالحة مثلاً عمليّاً للرِّجال والنِّساء، وطالبهم بالاقتداء بها.

جاء ذلك في قوله: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ التحريم:11.

الأمر الذي يبرز مفهوماً حضارياً إيمانياً فريداً في عالم الفكر والحضارة الخاص بالمرأة الصالحة؛ فقد جعلها مثلاً أعلى، وقدوة للرّجال، كما هي قدوة النساء في الإيمان والموقف الاجتماعي والسياسي والاخلاقي.

كما سجّل القرآن دور المرأة في حياة الأنبياء عليهم السلام ودعوتهم ومشاركتها لهم في الهجرة والجهاد مقروناً بدور الرّجل عند حديثه عن الهجرة والبيعة والدعوة والولاء، واستحقاق الأجر والمقام الكريم وعلاقة الرّجل بالمرأة... في عدد هائل من الآيات والنصوص التي لم تفرّق بين الرجل والمرأة في حمل الأمانة والمسؤولية والجزاء عليها.

يقول الله تعالى: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾.التوبة :71.

فالمرأة والرّجل في مفهوم رسالة الإسلام يوالي بعضهم بعضاً، ولاءً عقائديّاً، يقومون بإصلاح المجتمع، ومحاربة الفساد والجريمة والانحطاط، ويحملون رسالة الخير والسلام والأعمار في الأرض، فكيف تُهدر هذه القيم نتيجة ممارسات فردية منحرفة لدى البعض من المسلمين!.

يتبع إن شاء الله...


الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية   الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Emptyالأربعاء 16 يناير 2013, 9:01 pm

الفصل الثاني: دور المرأة المسلمة في التنمية الثقافية

تمهيد:

يعد مصطلح التنمية الثقافية مصطلحا حديثا بالنسبة لأدبيات التنمية في العالم العربي، إلا أن مفهوم التنمية نابع من فكر أصيل يضرب بجذوره عميقا في النصوص التشريعية الإسلامية، والسلوكيات العملية السائدة خاصة في عهد الرسالة والتشريع.

وقد عرّف بعض المفكرين المعاصرين التنمية الثقافية بأنها: جهد واع مخطط له من أجل إحداث تغير ثقافي في الفكر وأساليب السلوك .

ونظرا لأهمية البعد الثقافي للتنمية فقد أعلن عن حق الإنسان في الثقافة في القرن العشرين وجعله من حقوق الإنسان.

فتجريد الإنسان من حقه في الثقافة – بصرف النظر عن الحقوق السياسية والاقتصادية الأخرى يساوي تجريده من بشريته وآدميته، فهو الكائن الوحيد المثقف القادر على الخلق عن طريق التفكير .

ويمكننا القول بأن مفهوم التنمية الثقافية يهدف إلى تطوير الذهنيات والمدارك والأخلاقيات وتطوير طرائق الفكر والتفكير والإبداع لخلق حالة فعل مجتمعية ديناميكية مستمرة للارتقاء بمستوى الوعي البشري.

فالثقافة عامل مؤثر هام في التنمية يساعد على التقدم أو يعرقله.

الأمر الذي دعا مؤتمرات اليونسكو العديدة التي عقدت في العقدين الماضيين على التأكيد على أهمية الاعتراف بالبعد الثقافي ضمن منوال التنمية وفتح آفاق المشاركة في الحياة الثقافية مع دعم التعاون الثقافي الدولي.

والقرآن الكريم سبق كافة المواثيق والمنظمات الدولية في تأكيد هذا الحق الإنساني الأساس والسعي بالمجتمع إلى الاهتمام بهذا النوع من التنمية.

وابتدأ ذلك بالأمر بالتعلم وجعله فرضا عينيا على كل إنسان.

فالثقافة أداة هامة لسير عملية التنمية وأحد أهدافها الرئيسية وعامل من عوامل النمو الحضاري العام في الإسلام، وليست مجرد تسلية أو ترف حضاري.

الأمر الذي ظهر في كافة التشريعات والنصوص التي أكدت أهمية إدماج النشاط الثقافي في عملية الرقي بالمجتمع وبناء الحضارة الإسلامية.

من هنا كان الهدفُ الرئيسُ الذي جاء به القرآن الكريم وأسسته السنة النبوية قولا وعملا، بناء الإنسان المسلم المثقف الواعي القادر على القيام بأعباء الاستخلاف والعمران الحضاري.

وعلى هذا فقد ذكرت كلمة العلم ومشتقاته أكثر من تسعمائة مرة في كتاب الله: ﴿وعّلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾ .

فهذه الآية الكريمة إيذان بإعلاء شأن العلم والعلماء، فالتفاضل الذي أظهره الحق سبحانه لآدم على الملائكة كان بالعلم.

ومن هنا أمرهم بالسجود له سجود تكريم وتشريف للعلم، إشارة إلى فضل العلم والعلماء.

والقرآن آية بعد آية يؤكد ضرورة هذه النقلة الحضارية المعرفية التي أرادها للإنسان الخليفة على الأرض، فالبيئة الإسلامية بيئة حضارية علمية لا مكان فيها إلا لعالم أو متعلم.

وإنه لمن نافلة القول أن الخطاب القرآني الداعي إلى هذه النقلة المعرفية كان موجها للمرأة والرجل على حد سواء.

وجاء التوجيه النبوي متمما ومطبقا لهذه الوصية القرآنية.

من هنا أدركت المرأة مسئوليتها تجاه تنمية ثقافتها كفرد فعال في المجتمع وتجاه تنمية البيئة التي تعيش فيها ثقافيا.

وعلى هذا جاءت المرأة المسلمة تسعى إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبة للعلم لا يمنعها عن ذلك شئ، فالعلم في حقها واجب عيني تضافرت على فرضيته عشرات النصوص والوقائع الصحيحة.

‏ عن ‏الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ‏ ‏قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَأَنَا عِنْدَ ‏ ‏حَفْصَةَ‏ ‏فَقَالَ لِي ‏أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ ‏‏رُقْيَةَ ‏‏النَّمْلَةِ كَمَا‏ ‏عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَة .َ

وبناءً على هذه المكانة السامقة لتعليم المرأة في الإسلام، برز دور العالمات المسلمات عبر التاريخ وشهد الصدر الأول في الإسلام نهضة علمية تربوية واعدة قادتها أمهات المؤمنين وعدد من الصحابيات الجليلات.

والسنة النبوية زاخرة بعشرات الروايات التي تؤكد هذه الحقيقة التاريخية.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك السيدة عائشة -رضي الله عنها- ودورها الفعال في خدمة الفكر الإسلامي وتنميته عن طريق تعليم الأمة رجالا ونساء.

فقد كانت -رضي الله عنها- من أبرع الناس في القرآن والحديث و الفقه والشعر والطب.

وكان أهل العلم يقصدونها للأخذ من علمها الغزير، فأصبحت بذلك نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه.

وكانت مرجعاً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يستعصي عليهم أمر، فقد كانوا يستفتونها فيجدون لديها حلاً لما أشكل عليهم، حتى قال أبو موسى الأشعري: "ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً" .

وكانت محبة للعلم و المعرفة، فقد كانت تسأل و تستفسر إذا لم تعرف أمراً أو استعصى عليها مسألة، فقد قال عنها ابن أبي مليكة: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه.

و اتبعت السيدة عائشة أساليب رفيعة في تعليمها متبعة بذلك نهج رسول الله في تعليمه لأصحابه.

فكانت تستخدم الإسلوب العلمي المقترن بالأدلة سواء كانت من الكتاب أو السنة.

وذكر القاسم بن محمد أن عائشة قد اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت.

ولم تكتفِ -رضي الله عنها- بما عرفت من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجد لها حكماً في الكتاب أو السنة، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها.

كما استقلت ببعض الآراء الفقهية، التي خالفت بها آراء الصحابة.

ومن أمهات المؤمنين اللواتي أسهمن في الدفع بعجلة التنمية الثقافية والعلمية في المجتمع الاول، هند بنت سهيل المعروفة بأم سلمة.

وعد ثاني راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وبعد وفاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، تربعت أم سلمة رضي الله عنها على سدة الرواية والفتيا لكونها آخر من تبقى من أمهات المؤمنين، الأمر الذي جعل مروياتها كثيرة، إذ جمعت بين الأحكام والتفسير والآداب والأدعية، والفتن.... إلخ..

وكانت معظم مرويـــات أم ســلــمة في الأحكــام وما اختص بالعبادات أساسًا كالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج. وفي أحكام الجنائز ، وفي الأدب،كما روت في المغازي، والمظالم والفتن .

وقد نقل عنها مروياتها جيل من التلاميذ رجالاً ونساء، من مختلف الأقطار، حيث روى عنها خلق كثير.

منهم: أبو سعيــد الخــدري، وعــمر بن أبي سلمة، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصين الأسلمي، وسليمـــــان بن بريــــدة، وأبو رافــــع، وابن عبـــــاس، ومن التابعين، أشهرهم: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وشقيق بن سلمة، وعبد الله بن أبي مليكة، وعامر الشعبي، والأســـود بن يــزيــد، ومجـاهد، وعـــطـاء بن أبـــي ربــــاح، شـــهر بن حوشب، نافع بن جبير بن مطعم... وآخرون.

كما نقل عنها من النساء: ابنتها زينب، هند بنت الحارث، وصفية بنت شيبة، وصفية بنت أبي عبيد، وأم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عــوف، وعمـــرة بنــت عبـــد الرحــمن، وحكيــمة، رميثـــة، وأم محمد ابن قيس رضي الله عنهم.

ولم تنحصر تلك الإشراقات التنموية في جانب العلم والثقافة في أمهات المؤمنين فحسب بل تعدتها إلى العديد من الصحابيات اللواتي أسهمن في ريادة الحركة العلمية في عصر الرسالة.

ومنهن: سبيعة الحارثية.

وقد بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم وعاهدته على أن تخلص لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام وأن تعمل من أجل خدمة الدين.

وتميزت هذه الصحابية بإخلاصها وزهدها وورعها وعلمها وثقافتها وجهادها، وكانت من الراويات للحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن تلاميذها الذين رووا عنها عمر بن عبد الله بن الأرقم، ومسروق بن الاجدع، وزفر بن أوس بن الحدثان وعبيد أبو سوية، وعمرو بن عتبة بن فرة.

وقال ابن عبد البر: روى عنها فقهاء أهل المدينة، وفقهاء أهل الكوفة من التابعين.

وأخرج حديثها البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه والنسائي في سننه وابن ماجه في سننه.

وبلغت هذه الصحابية الجليلة مكانة عالية من العلم والثقافة تنفي ما يقال عن المرأة المسلمة، وما يدعيه البعض من أن الاسلام كان وراء تخلف المرأة وغياب وعيها، ففي ثقافة وعلم هذه الصحابية ما يدحض تلك الافتراءات ويثبت أن المرأة في ظل الاسلام كانت أكثر وعيا وعلما وثقافة.

وتؤكد سيرة الصحابية الجليلة سبيعة أنها كانت تبحث عن العلم والمعرفة وتريد المزيد من الاطلاع حول أمور الدين.

كانت عالمة فقيهة، كثيرة العلم وحديثها كثير في دواوين الاسلام.

لقد اعتلت المرأة المسلمة هذه المكانة السامقة لا بحكم العادات ولا بحكم التقاليد السائدة التي حوت من الجور الكثير، بل بحكم الشريعة الإسلامية التي وهبتها ما لم تهبه شريعة من الشرائع على الإطلاق.

فشريعة الله شريعة كاملة عادلة ومن عدالتها وتمامها أن ساوت بين المرأة والرجل في الأمر بقيامهما بواجب التعلم وطلب العلم.

وعلى هذا الأساس حث الرسول عليه الصلاة والسلام النساء على طلب العلم، وجعله فريضة عليهن في هذه الحدود، فقال عليه الصلاة والسلام: « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ » أي على كل فرد مسلم، رجلاً كان أم امرأة.

فالتعليم ركن أساسي لأي نهضة وأي تطور لأي أمة.

ولم يفرق الإسلام في حق التعلم والثقافة بين الحرة والأمة: ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي مُوسَى ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَالَ:‏ ‏مَنْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَأَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ .

ولا يماري أحد في أن طلب العلم فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة، ومن لم يطلبه يكون مقصراً في حق الله، ثم في حق أمته ومجتمعه ونفسه أيضاً.

ونظرة إلى القرآن الكريم تكشف لنا الدعوة المستمرة للإنسان للنظر في الكون بعلم ومعرفة، واعتبار الكون كتاباً مفتوحاً يمكن أن ينهل منه كل ذي لب وعقل وتفكير.

بل إن العلم والتعلم واستخدام النظر في ملكوت الله تعالى من أهم فرائض الإسلام، التي لا يمكن لأي مدنية أو حضارة أن تقوم بدونهما، ووظيفة العقل لا يمكن أن تؤدي دورها بحق ورشـد إلا بهما.

وكلما تعلم الإنسان أمور دينه ودنياه فهم واقعه جيداً، وسهل عليه القيام بواجباته ومسؤولياته نحوه في ضوء شريعته، يقول الله تعالى في استفهام إنكاري يفيد النفي عن عدم تساوي الذين يعلمون مع الذين لا يعلمون: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾الزمر:9.

والخطاب موجه هنا - كما في جل الآيات التي لا تختص بمخاطبة جنس بعينه- للرجل وللمرأة على السواء.

وفي آية أخرى يحث الله عز وجل المؤمنين والمؤمنات على العلم، ويعدهم بالرفعة والدرجات العلى لما يحصلون عليه من علم، فينتفعون وينفعون: ﴿يرفع ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ﴾ المجادلة :11.

ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي: « ‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ‏" .

من هنا كان الهدف الأساس من العلم تكوين وتربية الشخصية المسلمة المتزنة، روحياً وجسدياً وذهنيا، التي تستطيع أن تتحمل مسئولياتها وتسعى إلى التغيير وبناء مجتمع خيّر ينهض بأعباء الخلافة على الأرض وتوحيد الله وإقامة حضارة واعية تربط بين العلم بالإيمان، والروح والجسد.

الأمر الذي يبين حقيقة أهداف التنمية الثقافية الإسلامية وجوهرها على مرّ العصور.

كما يؤكد دور المرأة الأساسي في تحقيقها.

فالنسـاء في العهد النبوي لما رأين أنهن لا يجلسن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدر الكافي الذي يتعلمن فيه ما يردن من أمور دينهن ودنياهن قالت له إحداهن: «يا رسول الله غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك»، فأعطاهن رسول الله صلوات الله عليه يوماً خاصاً يعظهن فيه، ويتعلمن منه مباشرة، وبدون واسطة أي رجل مهما بلغت قرابته منهن.

وواصلت المرأة المسلمة مسيرتها العلمية المباركة على مدى قرون، يشهد لذلك أسماء نسوة عالمات حفظها التاريخ لنا لتكون شاهدا على مكانة المرأة المسلمة علميا وحضاريا في مختلف العصور كما سيأتي بيانه لاحقا في مواضعه من هذه الدراسة.

واشتغلت المرأة المسلمة في مجالات التنمية الثقافية كافة، فتصدت للتعليم والوعظ.

وذكر أصحاب التراجم الكثيرات منهن: من مثيلات فاطمة بنت السمرقندي، زوجة الكاساني -صاحب البدائع- كانت فقيهة عالمة أخذت العلم عن جملة من الفقهاء وأخذ عنها كثيرون وكان لها حلقة للتدريس فأجازها جملة من العلماء وألفت المؤلفات العديدة في الفقه والحديث.

وكان الملك العادل نور الدين يستشيرها في أموره الداخلية ويأخذ عنها بعض المسائل الفقهية.

وفاطمة بنت محمد التنوخية ، أخذ عنها ابن حجر.

وكانت تحضر مجلس ابن تيمية فأثنى عليها كثيرا لسرعة فهمها وحسن أسئلتها.

وشهدة بنت أبي نصر مسندة العراق سمع عليها الخلق الكثير وكان خطها جميلا وخالطت الدور والعلماء.

وهناك من أفرد بالتصنيف البحث في أسماء العالمات، الفقيهات المحدثات، مما يضيق المقام بذكرهن .

ولا يقف دور المرأة في التنمية الثقافية في الإسلام عند التعلم بل يمتد لإبداء الرأي والمشاركة الفاعلة في خلق الأجواء العلمية والثقافية في المجتمع.

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في ذلك حين استشار أم سلمة في موقف المسلمين يوم الحديبية حيث جاء:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى ‏ ‏أُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ ‏‏أُمُّ سَلَمَةَ ‏ ‏يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا ‏ ‏حَالِقَهُ ‏ ‏فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا.." .

من هنا فإن المرأة المسلمة مطالبة بالعلم والتعلم، استجابة لثوابت دينها وامتثالاً لأوامر ربها، كي تخرج من تخلفها، وتستقيم شخصيتها، وتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها كيفما كانت، وإذا استقامت شخصيتها بالعلم تحرر فكرها وعقلها من الخرافة والجمود والتخلف والتبعية، يقول الله تعالى: ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلالْبَـٰبِ﴾الرعد:19.

إلا أن فترات الركود والضعف التي أصابت الأمة –كما ستقف عليه الدراسة لاحقا- وضراوة الهجمات عليها انعكست على المرأة وقضاياها، وعادت التقاليد والأعراف البشرية الجائرة لتحكم بدلا من شرعة الله الحكيمة، وعادت بها المرأة لترفس في قيود الجهل وتصارع ظلمته.

وبات تعليم المرأة في عصور التخلف والركود الحضاري، محط تساؤل ونظر بعد أن كان بالأمس القريب شاهدا حضاريا ومنارة علمية.

إن سني التقهقر التي مرت بها الأمة ولا تزال كان لها من الأثر البالغ في طرح التساؤلات اليوم حول تعليم المرأة .

ويظهر سمو المبادئ الإسلامية في حضها على تعليم النساء بالموازنة بينها وبين ما تقرره الشرائع الأخرى في ذلك.

فقوانين أثينا مثلاً، التي يعدها المؤرخون أكثر القوانين ديمقراطية في العصور القديمة.

لا تتيح فرصة التعلم والثقافة إلا للأحرار من ذكور اليونان، بينما توصدها إيصاداً تاماً أمام النساء.

وقد عبر عن وجهة نظرهم هذه أصدق تعبير، وصاغها في صورة نظرية علمية كبير فلاسفتهم أرسطو، إذ يقرر في كتابه السياسة أن الطبيعة لم تزود النساء بأي استعداد عقلي يعتد به، ولذلك يجب أن تقتصر تربيتهن على شئون تدبير المنزل والحضانة والأمومة.

ولم يكن أرسطو في ذلك معبراً عن رأيه الشخصي، وإنما كان مسجلاً لما كان يجري عليه العمل في دولة أثينا التي يعدون نظامها أرقى نظام ديمقراطي في الأمم السابقة للإسلام.

ولذلك حينما قرر أفلاطون في مدينته الخيالية، مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في حق التعلم والثقافة والإضطلاع بمختلف الوظائف، كان آراؤه موضع تهكم وسخرية من مفكري أثينا فلاسفتها وشعرائها، حتى أن أرستوفان عميد شعراء الكوميديا في ذلك العصر وقف تمثيليتين اثنتين من تمثيلياته على السخرية بهذه الآراء، وهما: برلمان النساء وبلوتوس.

وقد ظلت الأمم الاوربية في العصور الحديثة نفسها تنكر على المرأة حق التعلم والثقافة حتى القرن التاسع عشر الميلادي .

وقد عبر عن ذلك أصدق تعبير الفيلسوف الساخر اريستوفان في روايته: -النساء المتحذلقات- على لسان أحد أبطالها: إنه لا يليق بامرأة، لعدة اعتبارات، أن تضيع وقتها في التعلم والثقافة، فوظائفها الأساسية التي ينبغي أن تستأثر بكل جهودها وفلسفتها لا تتجاوز تربية الأولاد وشئون التدبير المنزلي، والسهر على حاجة أفراد الأسرة، والاقتصاد في نفقات البيت .

وفي أواخر القرن السابع عشر الميلادي ظهرت أصوات ضعيفة تنادي بتعليم المرأة في حدود ضيقة كل الضيق، وكان على رأس المنادين بذلك العلامة الفرنسي فينلون Fenelon ﴾1651-1751﴾ في كتابه الذي ظهر سنة 1680 تحت عنوان: -تربية البنات- L'Education des Filles ولكن هذه الأصوات -مع شدة تحفظها وتواضعها فيما نادت به- لم تلق استجابة يعتد بها من معظم الأمم الاوربية في ذلك العهد.

بل لقد ظلت التيارات المعادية لتعليم المرأة مسيطرة على أوربا الحديثة حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.

وإليكم مثلاً عاهل بروسيا بسمارك Bismarck 1815 _ 1889 الذي حدد للمرأة الألمانية ثلاث مجالات لنشاطها لا تخرج عنها، وهي: تربية أطفالها، وشئون مطبخها، وأداء شعائرها الدينية في الكنيسة .

بل إن الحديث عن التنمية الثقافية يعد من مخترعات المجتمع المدني المعاصر.

فلا يوجد توافق في الرأي بين علماء الاجتماع حول طبيعة العلاقة بين الثقافة والتنمية.

حتى إن البعض اعتبرها ضمن البعد الاجتماعي للتنمية ولا يتمتع باستقلالية عنه .

بيد أن الاهتمام بدأ يتزايد حديثا بالتنمية الثقافية، ففي مؤتمر الأونيسكو في Venise سنة 1970, ألقي الضوء صراحة على العلاقة بين الثقافة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقد قال René Maheu المدير العام للأونيسكو في ذلك الحين: “إبتداء من اليوم, حتى علماء الاقتصاد يقرّون بأنّ التنمية إما أن تكون شاملة أو لا تكون.

فلم يعد من باب الصدفة أو الاستعارة أن نتكلّم عن التنمية الثقافية كعامل مهم من عوامل التنمية الشاملة .

ومنذ ذلك الحين بدأت المؤتمرات والندوات تخصص لدراسة الثقافة والتنمية سواء على الصعيد الداخلي لكل دولة أو على صعيد المجموعات الدولية.

وبدأت الدول تنشئ وزارات للثقافة تخطط وتصنع السياسات الثقافية وتعمل على تنفيذها.

يتبع إن شاء الله...


الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية   الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية Emptyالأربعاء 16 يناير 2013, 9:19 pm

الفصل الثالث: دور المرأة المسلمة في التنمية الاقتصادية

تمهيد

لقد حرص الإسلام حرصًا بالغًا على تنمية الإنسان وتنمية موارده الاقتصادية، ليعيش حياة طيبة كريمة، هانئة مليئة بالإنجاز والعمل الصالح الذي يؤتي ثماره مرتين: مرة في الحياة الدنيا، ومرة في الحياة الآخرة.

ولفظ التنمية الاقتصادية لم يكن معروفا في كتابات العلماء الأقدمين، بيد أن مفهومه قد استخدم كثيرًا بألفاظ مختلفة منها: العمارة والتمكين والنماء والتثمير.

بل إن بعض هذه الألفاظ قد وردت في القرآن الكريم وفي بعض الأحاديث النبوية، كما جاءت في كتابات العلماء في العصور المبكرة الأولى.

والمتأمل في مفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام، يجده واسعا شموليا يستوعب كل ما يؤدي إلى الحياة الطيبة للإنسان المستخلف على هذه الأرض، المأمور بإصلاحها وإعمارها والإفادة من خيراتها ومواردها.

وقد أشار بعض الكتّاب إلى هذه الحقيقة ومنهم: «مالك بن نبي» في كتابه: «المسلم في عالم الاقتصاد» الذي ركز فيه على دور الإنسان في المجتمع المسلم كلبنة أولى لعملية التنمية.

فالتنمية الاقتصادية في الإسلام تبدأ ذاتيا وذلك من خلال تربية الإنسان ليقوم بالدور المنوط به، فجوهر التنمية هو تنمية الإنسان نفسه، وليس مجرد تنمية الموارد الاقتصادية المتاحة لإشباع حاجاته، فهي تنمية أخلاقية تهدف إلى تكوين الإنسان.

من هنا فإن التنمية الاقتصادية ليست عملاً دنيويًا محضًا، يهدف إلى مجرد تحسين مستوى دخل أفراد المجتمع أو توفير حد الكفاف أو إشباع حاجاتهم الأساسية، وإنما تنمية البيئة المحيطة به اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، لتمكن الإنسان من القيام بهذه المسؤوليات على الشكل المطلوب خير قيام .

ومما لاشك فيه أن المرأة عنصر فعال في التنمية الاقتصادبة للمجتمع.

والإسلام بتشريعاته الحكيمة ونصوصه المتضافرة أكد هذا الدور، كما قدم كافة التسهيلات التي تمكّن المرأة من القيام بهذا الدور التنموي الهام.

من هنا فقد أقرّ الإسلام للمرأة الوسائل المشروعة التي تحقق لها الوصول إلى الموارد الاقتصادية الممكنة لتأدية دورها التنموي الاقتصادي.

من هنا فقد شرّع لها الحق في الميراث على خلاف ما كان سائدا في الأمم الأخرى ابان البعثة.

والميراث كان نظاما جاءت به الشرائع السماوية وسارت عليه غالب الأعراف البشرية على تفاوت فيما بينها في درجات الاعتراف بالملكية الشخصية والعدالة الواجب مراعاتها.

بيد أن الاهتمام بوصول المرأة إلى هذه الموارد الاقتصادية كان محط اختلاف واسع بين الديانات والشرائع.

ففي النصوص التشريعية اليهودية تدور أحكام الميراث حول الذكورة.

فالوارث هو الولد الذكر سواء أكان مولودا من زواج شرعي أو غير شرعي.

ولعل هذا التركيز على محورية الذكر في اليهودية مرجعه اعتقادهم السائد أن عدم الإنجاب فيه علامة على نهاية العهد الإلهي لليهود، ومن هنا فقد استبشروا بقدوم المولود الذكر، كما أن عدم الإنجاب عندهم من الأسباب المجيزة لوقوع الطلاق.

فالميراث للذكور في المنظومة اليهودية.

ولا ترث البنات إلا في حالة فقد الذكور.

جاء في سفر التثنية:

" إذا كان لرجل امرأتان: إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة، فولدتا له بنين، المحبوبة والمكروهة، فإن كان الابن البكر للمكروهة، فيوم يقسم لبنيه ما يكون ما كان له، لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكرا على ابن المكروهة البكر.

بل يعرف ابن المكروهة بكرا ليعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده لأنه هو أول قدرته، له حق البكورية…" .

أما الميراث بين الزوجين، فللزوج الحق في ميراث زوجته كاملا دون مشاركة أحد من أقاربها ولا أولادها.

فالمرأة كانت ملكا لأهلها قبل الزواج وتكون ملكا لزوجها بعد ذلك وأولادها.

ولا ترث الأم من أولادها مطلقا، ولكنها إن ماتت يكون الميراث لأولادها الذكور إن كان لها .

والمنظومة المسيحية سارت على ما كان معمولا به في اليهودية إلى أن وضع بعض أباء الكنيسة تشريعات بسيطة في باب الميراث مستمدة في الغالب من النظام اليهودي والروماني.

وقد تأثر نظام الميراث عند العرب قبل الإسلام بعوامل متعددة، من أبرزها طبيعة الحياة التي اتسمت بالتنقل والترحال وكثرة الحروب الطاحنة والاعتداءات بين القبائل ، مع غياب السلطة المركزية التي يمكن أن تقوم بهذه المهام في سبيل إشاعة الأمن والاستقرار.

وعلى هذا فقد حرم العرب في الجاهلية، الأطفال والنساء من الميراث وذلك لعدم قدرتهم على تحمل مسئولية الذب والدفاع عن القبيلة .

فالميراث عندهم نظام مرتبط بالحماية والدفاع عن الأسرة الكبيرة- القبيلة- أكثر من تعلقه بأي أمر أخر كالقرابة والنسب ونحوها من علاقات اجتماعية.

فقد كانت القبيلة تقوم بكافة الوظائف الدينية والسياسية والقضائية ونحوها.

وكان للميراث عند العرب - قبل الإسلام- أسباب متعددة وشروط معينة، منها القرابة.

وهذا فيما يتعلق بالذكور، أما النساء فإنهن لا يرثن مطلقا سواء كن أخوات أو بنات أو أمهات كما تمت الإشارة إلى ذلك أنفا.

يقو في ذلك الجصاص:" قد كان أهل الجاهلية يتوارثون بشيئين أحدهما النسب والآخر السبب فأما ما يستحق بالنسب فلم يكونوا يورثون الصغار ولا الإناث وإنما يورثون من قاتل على الفرس وحاز الغنيمة روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير في آخرين منهم إلى أن أنزل الله تعالى: ﴿يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم…﴾ الآية.

إلا أنه قد روي أن أول من ورّث البنات في الجاهلية وأعطى للبنت كما أعطى للأبن، رجل اسمه ذو المجاسد اليشكري عامر بن جشم بن حبيب .

يقول ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري:" أهل الجاهلية كانوا لا يورثون البنات كما حكاه جعفر بن حبيب في كتاب المحبر وحكى أن بعض عقلاء الجاهلية ورث البنت لكن سوى بينها وبين الذكر وهو عامر بن جشم" .

إلا أن الحالة العامة السائدة آنذاك كانت حرمان الأنثى من الميراث مطلقا وهذا ما شاع بين مختلف القبائل العربية، وقد كان أمرا مبررا له ما يسوغه عندهم تماما، فالمرأة بحاجة إلى حماية وصيانة خاصة في ذلك المجتمع المشحون بالاعتداءات والحروب والغارات والرجل هو القادر على القيام بذلك الدور، فإعطاء الميراث إليه دونها أمر مستساغ وله مبرراته.

فالميراث كنظام عرفه العرب على أساس أنه في مقابل الدفاع والحماية وليس لصلة القرابة أثر يذكر في حالة غياب أو تخلف فكرة الدفاع عن القبيلة .

المبحث الأول: تأمين الإسلام حق المرأة في الميراث

يعد تأمين الإسلام مسألة وصول المرأة إلى الموارد الاقتصادية من أهم الخطوات للارتقاء بتنمية المرأة ووضعها الاقتصادي.

فقد استمر العمل بنظام الميراث السائد بين العرب في صدر الإسلام على أساس أن الأحكام التشريعية كانت تتنزل بصورة تدريجية إلى أن نزلت آيات المواريث التي ألغت تلك القوانين الجائرة التي سار عليها العرب ردحا من الزمن.

يقول في ذلك الجصاص رحمه الله:" وقد كانوا- أي الناس في صدر الإسلام- مقرين بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على ما كانوا عليه في الجاهلية في المناكحات والطلاق والميراث إلى أن نقلوا عنه إلى غيره بالشريعة.

قال جريج قلت لعطاء: أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الناس على ما أدركهم من طلاق أو نكاح أو ميراث قال لم يبلغنا إلا ذلك" .

وتقوم فلسفة الميراث في الإسلام على أساس القرابة فالميراث حق لذوي القربى جميعا، حسب مراتبهم ودرجاتهم وأنصبتهم.

والقرابة نظام اجتماعي ينظم العلاقات بين أفراد معينين في المجتمع يعرفون بأنهم أقارب، فالأقارب يتميزون بوجود علاقات اجتماعية وروابط نسب أو مصاهرة أو تحالف بينهم مما يؤدي إلى وجود حقوق وواجبات والتزامات مادية ومعنوية متبادلة، وعلى هذا تتميز علاقة الأقارب فيما بينهم عن علاقة غير الأقارب.

وتعتبر القرابة العامل الأساسي في تحقيق التضامن والتكافل في المجتمع سواء أكان بدائيا أو ريفيا، وقد أشار إلى هذه الحقيقة ابن خلدون فاعتبر القرابة الدموية من أقوى العوامل في تحقيق التضامن الاجتماعي بين الأقارب.

يقول ابن خلدون في ذلك أن تعبير عصبة أو عصبية يطلق على الأقارب وأن الخالق سبحانه قد وضع في الطبائع البشرية حب الأقارب والعطف على ذوي الأرحام والدفاع عنهم ونصرتهم والتعاون منعهم في السلام وعند القتال.

وقد حاول ابن خلدون إرجاع العصبية إلى الطبيعة البشرية والنوازع النفسية الفطرية والظروف الاجتماعية التي تجبر الناس على التعاون أو التنافس والانفصال وفقا لنواميس اجتماعية.

ومن الملاحظ على كلام ابن خلدون عن العصبية اعتباره لها على أنها الولاء للقبيلة التي ينتمي إليها الفرد .

“In all societies, inheritance has developed as an incident of kinship.

Even in a society in which property is regarded as belonging to individuals rather than kinship groups, the feeling of belonging to one’s group is still so strong, especially between parents and children, that a person’s sense of freedom would not be complete unless he knew that could pass on his possessions to his children”.

والإسلام راعى مفهوم القرابة وأرسى دعائم قوية لتوطيده من خلال الحض على رعاية الأقارب وكفالتهم من قِبل القادرين، وهو مبدأ يتلاءم مع قواعد الإسلام في تنظيم سلوكيات الفرد مع الآخرين وفق أسس من الاحترام والمودة حفاظا على الوحدة والتضامن. وعلى هذا فقد نظم الإسلام الميراث تنظيما دقيقا يتسم مع تلك المبادئ العامة.

وحظيت هذه الأحكام -والتي عرفت فيما بعد بعلم الفرائض- باهتمام بالغ فقد حث الرسول عليه الصلاة والسلام على تعلمه وتعليمه لأهميته، وكان كبار الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون في تعلمه.

وخلافا لغالب التنظيمات الأخرى في الإسلام، فقد جاء تنظيم الميراث بتفصيل دقيق لكل الأنصبة ومستحقيها وأوجه استحقاقها لحسم كل أسباب النزاع الذي يمكن أن يتولد بين الأقارب من جراء توزيع الأنصبة بينهم.

وما ذلك إلا حفاظا على المقصد الأساسي الذي قام عليه في الأصل نظام الميراث، ألا وهو الحفاظ على آصرة القرابة وروابطها من أي تصدع أو تفكك.

وقد تدرج الإسلام في أحكام المواريث نظرا لظهوره في بيئة جاهلية تمكنت منها قوانين بالية مجحفة تقوم على هضم حقوق الضعفاء والأطفال والنساء، فقد كان القانون السائد أن الدفاع عن العشيرة والقبيلة يقع على كاهل الرجال الأقوياء الأشداء وبالتالي فالميراث لهم بناء على دورهم في نصرة القبيلة والدفاع عنها.

ومن هنا فقد بدأ الإسلام أول ما بدأ بتقرير حق توريث تلك الفئات المستضعفة وإثبات أحقيتها في الميراث سواء أكان كثيرا أو قليلا، وبذلك أتى على ركن نظام الميراث في الجاهلية، قال تعالى: ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا﴾ .

وإقرار توريث النساء في الإسلام جاء في عدة آيات تبعا لموقع المرأة وقرابتها من الموروث، فحدد نصيب البنت مع أخيها بقوله: ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين﴾.

وورث الزوجة وجعل لها نصيبا مفروضا، وكذا الأخت والأم في حالات خاصة.

وقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ أن أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي شيئا وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع فلما لحق للمرأة نصيبها وللصبي نصيبه وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين قال النساء: لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فأنزل الله تعالى الآية فالمرأة تجزى بحسنتها.." .

بل إن الأمر في بدايته لم يلق استحسانا أو قبولا من قبل العامة من الناس الذين درجوا على تلك العادة من حرمان النساء من الميراث.

روى الطبري عن ابن عباس أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد.

الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس -أو بعضهم- وقالوا: تعطى المرأة الربع والثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم، ولا يحوز الغنيمة أسكتوا من هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه أو نقول له فيغير فقالوا: يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ويعطى الصبي الميراث، وليس يغني شيئا وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ولا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم، ويعطونه الأكبر فالأكبر" .

والإسلام حين منح المرأة الحق في الميراث وأبطل عادات الجاهلية وما حملته من الأمم السابقة وتعسفها إزاء المرأة، أعطى لها النصف من نصيب الرجل.

فالرجل تقع على كاهله إعالة الأسرة بما فيها البنات فكان ذلك متمشيا مع تلك المسؤولية.

وفي نطاق نظام الميراث الإسلامي يجد كل أفراد الأسرة من أصول وفروع وحواشي وأقارب أنصبة محددة ثابتة واضحة باعتبار أن هذا النظام وسيلة لصلة الرحم وإدامة لمشروعية انتقال الملكية المعروفة.

وقد وردت أسباب متعددة في نزول آيات الميراث المتعلقة بالإناث، تصور الحالة السائدة آنذاك والتي ألفها الناس من حرمانهن المطلق من أي نصيب في الإرث سواء أكان من أب أو زوج أو ابن.

وروت كتب التفاسير المختلفة روايات متعددة تشترك في رفع الشكوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل النساء اللواتي حرمن من ميراث أب أو زوج وتركن بلا رعاية.

فقد روي أنه لما توفي أوس بن ثابت تاركا امرأته وثلاث بنات فقام رجلان من بني عمه يقال لهما قتادة وعرفطة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا فجاءت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك وشكت الفقر فنزلت هذه الآية.

وذكر الجصاص أن امرأة من الأنصار جاءت ببنتين لها فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد ولم يدع لهما عمهما مالا إلا أخذه فما ترى يا رسول الله فو الله لا تنكحان أبدا إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي الله في ذلك فنزلت سورة النساء..

ثم إن الجصاص ذكر أن العم كان يستحق الميراث دون البنتين على عادة أهل الجاهلية في توريث المقاتلة دون النساء والصبيان ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته المرأة بل أقر الأمر على ما كان عليه وقال لها يقضي الله في ذلك ثم لما نزلت الآية أمر العم بدفع نصيب البنتين والمرأة إليهن.

وهذا يدل على أن العم لم يأخذ الميراث بديا من جهة التوقيف بل على عادة أهل الجاهلية في المواريث لأنه لو كان كذلك لكان إنما يستأنف فيما يحدث بعد نزول الآية وما قد مضى على حكم منصوص متقدم لا يعترض عليه بالنسخ فدل على أنه أخذه على حكم الجاهلية التي لم ينقلوا عنها .

وهذه الروايات على اختلافها وتعددها تشير إلى طبيعة الحالة السائدة آنذاك من حرمان المرأة من حقها في التوريث.

والذي يبدو من ذلك كله أن العرب قبل الإسلام لم ينظروا إلى الأمر بهذه الصورة، كما لم يعتبروه نوعا من الحرمان للمرأة من حقها بقدر ما أنه نوع من إعطاء وتوزيع الحقوق لمستحقيها مقابل ما يقدمونه ويقومون به للعائلة أو القبيلة.

ويتضح ذلك من خلال تأويل ابن القيم وغيره من العلماء لتنصيف القرآن الكريم لنصيب البنت في الميراث، يقول ابن القيم في ذلك:" وأما الميراث فحكمة التفضيل فيه ظاهرة فإن الذكر أحوج إلى المال من الأنثى لأن الرجال قوامون على النساء والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله بعد أن فرض الفرائض وفاوت بين مقاديرها بقوله في سورة النساء: ﴿ آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ﴾ وإذا كان الذكر أنفع من الأنثى وأحوج كان أحق بالتفضيل،فإن قيل فهذا ينتقض بولد الأم قيل بل طرد هذه التسوية بين ولد الأم ذكرهم وأنثاهم فإنهم إنما يرثون بالرحم المجرد فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط وهم فيها سواء فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم بخلاف قرابة الأب" .

ويقول النووي في ذلك:" قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر" وفي رواية "فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر" وفي رواية " اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر" قال العلماء المراد بأولى رجل أقرب رجل مأخوذ من الولي بإسكان اللام على وزن الرمى وهو القرب وليس المراد بأولى هنا أحق بخلاف قولهم الرجل أولى بماله لأنه لو حمل هنا على أحق لخلى عن الفائدة لأنا لا ندري من هو الأحق قوله صلى الله عليه وسلم رجل ذكر وصف الرجل بأنه ذكر تنبيها على سبب استحقاقه وهو الذكورة التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الإرث ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وحكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضيفان والأرقاء والقاصدين ومواساة السائلين وتحمل الغرامات وغير ذلك والله أعلم وهذا الحديث في توريث العصبات وقد أجمع المسلمون على أن ما بقى بعد الفروض فهو للعصبات يقدم الأقرب فالأقرب فلا يرث عاصب بعيد مع وجود قريب".

ومن مصادر الثروة والوصول إلى الموارد الاقتصادية التي منحها الاسلام للمرأة المهر.

ففي الجاهلية لم يكن المهر يعتبر حقاً للزوجة وإنما كان يُعَد حقًّا لأوليائها ومن ثم لم تكن المرأة تحْصل – في الأعم الأغلب من الحالات – على شيءْ من مهرها.

وكان حرمان المرأة من الحصول على مهرها يحرمها من مصدر آخر لا يستهان به من مصادر الثروة.

جعل الإسلام من المهر حقاً خالصاً للزوجة.

وبذلك أتاح لها مورداً ماليًّا هامًّا لتكوين ثروة خاصة.

لقد حرص الإسلام على منح المرأة القدرة على الوصول إلى الموارد الاقتصادية المختلفة لضمان مشاركتها في عملية التنمية الاقتصادية واستمراريتها في هذا الميدان الهام.

المبحث الثاني: حق المرأة في الحصول على الموارد الاقتصادية المختلفة

حض الإسلام على العمل الصالح الخيّر النافع للفرد –رجلا كان أو امرأة- وبقدر تحقيقه لنفع الناس بقدر ما يكون مطلوبا أو واجبا.

ومما لا شك فيه أن الناس تتباين في قدراتها العقلية والجسدية وغيرها.

فقد زود الخالق الناس جميعا بهذه القدرات وإن تفاوتوا فيما بينهم، والمحور الرئيسي لتنمية هذه القدرات هو التفاعل الجاد مع الحياة والكون.

والمرأة بصفتها الاستخلافية والإنسانية تمتلك من القدرات العقلية والجسدية ما يؤهلها للقيام بأعمالها ومهماتها لتحقيق دورها الاستخلافي.

فمن صميم مهمتها التفاعل مع الكون والحياة والمجتمع.

من هنا حضّ القرآن الكريم على العمل الحضاري البناء ورغّب فيه ووعد عليه الثواب الجزيل.

قال تعالى: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾.

فعمل المرأة بمختلف مجالاته مرتبط مع غائيته في تحقيق العمران والاستخلاف على الأرض.

من هنا كان دورها في التنمية الاقتصادية أساسيا.

والقرآن أكد على هذه الحقيقة في أكثر من موضع.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾. التوبة: 71.

فالمرأة تتحمّل مسؤولية البناء والتغيير والإصلاح الاجتماعي، كما يتحمّل الرّجل.

وقد شهد عصر الصدر الأول، قيام النساء بأعمال وأعباء الحياة المختلفة ولم ينكر أحد عليهن ذلك، ولم يذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام ردّه لامرأة في عمل مهني أو قتال أو طلب علم.

فالعمل من لب رسالة الإسلام وجوهره.

والمرأة مخاطبة مع الرجل بتعاليم الاسلام وتكاليفه وتشريعاته، سواء فيما يرتبط منها بمسائل شخصية كالزواج والطلاق، واكتساب المال والتصرف فيه، أو ما يتعلق بالشؤون العامة كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها.

وثمة اجماع بين علماء الاصول والتفسير والفقه على أن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء، بل قالوا بأن النصوص الاسلامية التي يوجه فيها الخطاب للرجال هي في ذات الوقت موجهة للنساء ايضاً، في كل الاحكام والتكاليف والعظات، ما لم يأت ما يقيد الخطاب، أو مما لم يصرح به الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء أو العكس.

‏عَنْ ‏ ‏أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ وَالْجَارِيَةُ تَمْشُطُنِي فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ فَقُلْتُ ‏ ‏لِلْجَارِيَةِ ‏ ‏اسْتَأْخِرِي عَنِّي قَالَتْ إِنَّمَا دَعَا الرِّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ فَقُلْتُ إِنِّي مِنْ النَّاسِ..الحديث" .

وفي الحديث الصحيح جَاءَتْ ‏ ‏امْرَأَةٌ ‏ ‏إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَقَالَ اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ" .

فالمرأة عاملة في المجتمع الإسلامي، ناشطة، تتعلم المهنة وتمارسها.

من هنا جاءت الروايات بالعديد من صنوف المهن والحرف التي امتهنتها المرأة المسلمة في عصر الرسالة.

عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: «طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ - وهي في فترة العدة - فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا» .

وعن أسمـاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما - زوج الزبيـر ابن العوام- قالت: «… كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ، الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخْ إِخْ، لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ…» .

ومن المهن التي عملت بها المرأة مهنة تمشيط الشعر وتصفيفه وكانت أم غيلان الدوسية تمشط النساء .

ومثل هذه الأحاديث وغيرها تبرز أهمية العمل وضرورته بالنسبة للمرأة، بوصفه واقعاً إنسانياً في العصر الحاضر، يجد أصوله متجذرة في حضارتنا الإسلامية منذ العصر النبوي.

فالممارسة التي قامت بها المرأة المسلمة، لأي نشاط أو عمل ثقافي أو دعوي أو سياسي، مارسته انطلاقا من حركتها الاستخلافية المؤسسة لتنمية المجتمع والنهوض به، وليس ثمة انفصام بين مجالات الحياة كلها.

ولا عجب في ذلك فالإسلام سّوى بين الرجال والنساء في التكاليف والأمانات والحساب والجزاء على النحو الذي قرره في أحكامه.

وإذا كانت هناك بعض البيئات والمجتمعات تسود فيها عادات وتقاليد وأعراف تحجب المرأة عن المشاركة فيما هي أهل له وقادرة عليه من ميادين العمل العام فإن المنهاج الإسلامي يدعو إلى تطوير هذه العادات والتقاليد والأعراف نحو النموذج الإسلامي لتحرير المرأة.

المرأة التي حررها الإسلام فجعل منها أسماء التي تشارك في صناعة الأحداث الكبرى في تاريخ الدعوة ودولتها والتي ترعى فرس الجهاد لزوجها وتزرع أرضه وتقاتل معه وتربي ولدها على خير ما يربى الرجال وتساهم في شتى الميادين .

وعمل المرأة كغيره من أعمال له شروط وضوابط مثل أن يكون في الأطر الشرعية الخاصة بلباسها ونحو ذلك، وأن لا يكون عملها على حساب واجبات أخرى أهم مثل قيامها بتربية أولادها ونحو ذلك من أمور لا يغفل المكلف عن تقديرها.

والنصوص والأحاديث السابقة تبين أن نشاط المرأة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسـية، يكون حسب احتياجات المجتمع المسلم، دون قيد أو شرط إلا ما يفرضه الشارع من آداب تصون هذا النشاط بمختلف ألوانه، ليصبغ بالصلاح من أجل تقبل العمل عند الله تعالى، ومن أجل إكسابها مقام العمل الناضج المشارك في العمل الصالح، وتحقيق وجودها الإنساني وتحقيق الحياة الكريمة لنفسها ولأسرتها ولأمتها بصفة عامة.

يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ . وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ. وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلاْنثَىٰ. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ﴾الليل:1-4.

وهذا الخطاب القرآني موجه إلى النساء والرجال معاً.

وفي إطار هذه المساواة التكاملية في الأصل، المقررة في الخطاب القرآني والسنة النبوية، وفي إطار المسؤولية الإنسانية والاجتماعية والسياسية، يأتي تأكيده صلى الله عليه وسلم ليقرر هـذه الحقيـقة عبر قولـه: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» ليكشف عن مطلق وعمومية المساواة والمشاركة في تحمل المسؤولية أمام الله عز وجل وأمام نفسها ومجتمعها وأمتها، وليرسخ مفاهيم الآيات الكريمة التي وردت في اعتبار المرأة مكملة للرجل وهو مكمل لها.

وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ﴾آل عمران:195، وفي قولـه عز شأنه: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾ البقرة :228.

وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرٰتِ وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلْمُتَصَدّقِينَ وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ وَٱلذكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ الأحزاب: 35.

فهذه النصوص تؤكد أنه لا مجـال لتقليص نشاط المرأة أو عملها المنضبط –بما أشارت الدراسة إليه- إذا رغبت فيه وكانت لـها القـدرة عليه ضمن حدود الشرع وآدابه المعروفة واحتياجات أسرتها والمجتمع الذي تعيش فيه.

قال تعالى: ﴿وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. التوبة:71.

فللمرأة شخصيتها المستقلة، وحضورها الواعي في كل مجالات الحياة العامة والخاصة، والتزامها بحدود الله والآداب الشرعية، سواء كان ذلك في قرارها في بيتها تقوم برسالة أمومتها، أم في العمل المهني بما لا يتعارض مع مسؤوليتها الأسرية ورسالتها الأصلية، حيث شاركت في الإفتاء والتدريس والرواية والتمريض والزراعة وغير ذلك من شؤون الحياة.

يتبع إن شاء الله...


الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الأول: دور المرأة التنموي في النصوص التشريعية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث: السلطات العامة - الفصل الأول: السلطة التشريعية - الفرع الأول: أحكام مشتركة
» الباب الخامس: نظام الحكم.. الفصل الأول: السلطة التشريعية - مجلس النواب
» الباب الأول: العصر الجاهلي.. الفصل الأول: الإنسانية في الاحتضار
» الباب الأول: الفصل الأول: مسوغات الخروج على عثمان
» الباب الأول: الفصل الأول تعريف الإرهاب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأســــــــــــرة والــطــفــــــــــــــل :: دور المرأة المُسلمة في التنمية-
انتقل الى: