في ظلال رمضان..
  (21) الأعمال بمتعلقها وقيمتها بِمَنْ تتوجه اليه Ocia1629
(21) الأعمال بمتعلقها وقيمتها بِمَنْ تتوجه اليه

الأعمال بمتعلقها، والصائم يقصد الله تعالى، وأعظم ما في الصوم الكف عن أعظم شهوات النفوس وما به قوام الحياة إخلاصاً لله تعالى، بحيث لا مُراد للعبد الا الله تعالى ولو شاء لأفطر سراً، لكن الإمتثال مع تحقيق الإخلاص مناط لخير كثير.
 
والعمل بمتعلقة؛ فمن عمل لأمر دنيوي فهو متعلق بمن هو تراب، أصلاً ومآلاً، والعمل يتبع غايته، فلا بد أن ينتهي الى التراب ويفنى بفناء من تعلق به.
 
ومَنْ عمل لله تعالى فقد تعلّق عمله بِمَنْ هو الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء، اللهُ تعالى الأول في الأزل ولا بداية لأوليته، وكل بداية تصورها عقلك ووصل اليها فالله تعالى قبل ذلك، وهكذا أبداً، بما لا يصل عقل الى حده، ولا يقف عنده.
 
وكل نهاية يتصورها عقلك فالله تعالى بعد ذلك، بلا نهاية ولا حد يقف عنده عقلك..

وكل عمل علقته بالله تعالى وأردت به رضاه ومحبته، فقد تعلق عملك بهذا الخلود، فهو إذن عمل آمِن وقد وضعته في أأمن الخزائن وأعظمها وأبقاها.
 
يتمتع أهل الجنة خلوداً بلا نهاية رغم أن عملهم الصالح قد يستغرق موقفاً واحداً أو لحظات قليلة كسحرة فرعون الذين آمنوا ثم استشهدوا في حينها، وكهذا الصحابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أُقاتل أم أُسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أسلِم ثم قاتِل، فأسلم ثم قاتل فقُتل فدخل الجنة، قال أبو هريرة: دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة، عَمِلَ قليلاً وأُجِرَ كثيراً.
 
وهناك مَنْ يعمل سنوات مهما طالت فلن تقابل ما يقضيه في قبره أو في موقفه يوم القيامة.
 
ثم يجازى كل منهم خلداً في الجنة، كما قال ابن القيم رحمه الله كل لحظة في الدنيا تقابلها آلاف السنين في الآخرة.
 
الإخلاص مرتبط ومبني على اليقين، وانصراف القلب لله تعالى وإيثاره على ما سواه واحتقار ما دونه تعالى.
 
المخلص يتميَّز بالموضوعية وعدم البهرجة، في كل مجال تجده موضوعياً جاداً، مؤخراً هواه وشخصه واعتبار ذاته ونفسه، متجرداً لله ولعبادته، ولقضاياه التي يحملها..

لا يبيع دينه لكبْر أو هوى أو اعتبار شخص أو حزب أو نصيب دنيوي.
 
المخلص لا يدجّل ولا يقبل الدَّجل، لا يعيش بشعارات فارغة أو لافتات لا مضمون لها، لا تستطيع أن تحرف بوصلته ليترك قضاياه أو يخذل دينه وإخوته أو يعادي أهله وأمته.
 
المخلص لا يستعمل آلة الدين للدنيا ولا يلوي الآيات وينتقي من النصوص ما يخدم الطواغيت..

المخلص عين قلبه، على العرش العظيم، وقصد وإرادته معلقة به سبحانه وتعالى.
 
قليل هم المخلصون وعُملة عزيزة لكن: (طوبى للمخلصين مصابيح الدجى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء)، ترتب من الأقدار ببركة أعمالهم الصاحة ما لم يكن في الحسبان ولا في مقدورهم..

إن تعليق العمل بالله تعالى يبارك به العمل ويبارك به أثره، قال صلى الله عليه وسلم: «أخلص دينك يكفك العمل القليل» (ضعيف الترغيب: 2).
 
فتح المخلصون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا وفتحوا القلوب وبقي أثر عملهم الى يوم القيامة تتوارثه الأجيال وتقوم على وفقه ممالك وأمم، تنظر القلوب أعمالهم لتقتفي أثرهم فكم من شهيد لأنهم استشهدوا وكم من عالم ينهل من علومهم يتحرَّى كلماتهم وجملهم، بها يستدل ويعي، والى سيرتهم يدعو الخلق ويقتدي..

علّق عملك بالله فعملك أغلى أن تعلقه بفان فيضيع في التراب وتطويه الأيام نسياً منسياً.