الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية
الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية Ocia1320
إنَّ الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة لا يمكن إنكارُها، كما لا يمكن العبث بها، وبالتالي فهي تقف كعلامة استفهام كبيرة أمامَ الدعوات الكاذبة لأصحاب الفِكر الفاسد، وإن حاولوا أن يُغلِّفوها بغلاف من الزيف، ويُزيِّنوها بدعوات كاذبة...

خَلَق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان مِن ذَكَر وأُنثى؛ ليحقِّقَ التكاملَ بين رُكنَين هامَّين من أركان إعمار هذا الكوْن؛ بل هما الرُّكنان الأساسيَّان اللذان عُمِّر بهما ومن أجْلهما هذا الكونُ وهذه الأرض؛ قال -تعالى سبحانه-: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ  بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].

هذا التكامُل ليس حالةً خاصَّة بالإنسان تعْزِله عن سُنَّة الخلق، والسياق الكوني؛ بل هي حالة تنسجم مع ثنائية تعمُّ وتشمل المخلوقاتِ في هذا الكون، والتي يتحقَّق بها التوازن والاتِّزان، فسبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7]، وتَمضي سُنَّة الله في هذا الكون، وهي تكاد تعمُّ لتشملَ كلَّ المخلوقاتِ في هذا الكون الفسيح، الذي يحمل أعظمَ المعاني على عظمة الخالِق البارئ المصوِّر سبحانه.

الذي يقول -جلَّ من قائل-: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3].

فهذه الثنائية الرائعة تمتدُّ، وتعمُّ وتشمل الوجودَ المادي، والوظائفَ الفسيولوجية، والبيولوجية والفيزيائية للمخلوقات؛ وصولاً إلى أرْقى شكل من أشكال الوجود في هذا الكون، والذي يتربَّع عليه الإنسان بمنظوماته القِيميَّة والاجتماعية والثقافية، والتي تلقَّاها من ربِّ العالمين -سبحانه وتعالى- بمعرفةٍ عجزتِ الملائكة عن الوصول لها؛ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 31].

هذه المعرفة والإدراك الإيماني السائر على دَرْب الهِداية مُحارَب بغَواية إبليس اللعين؛ عدوِّ الإنسان، الذي أقسم حسدًا وحِقدًا على الإنسان ليُحيدَه عن طريق الصواب، ويأخذه إلى دروب الهلاك، وخزي الدنيا والآخرة يُعمِي بصيرتَه عن الحقيقة القرآنية، ويوهمه بخيالات من الكَذِب الذي يُزيِّنه له بأنَّه حقيقة، ويجملها بكلِّ ما يملك من زُخرف فكري كاذب، فيضل الإنسان، ويظلُّ يُكابِر ويقدِّم خِدْماتِه لولي نعمته إبليس اللعين، ويتحوَّل من خاضع للضلالة إلى شخص مفتون بها، ويُضلُّ بها كثيرًا من الناس؛ ليبوءَ بذنبه وذنوبهم.

ما دفعني للحديث بهذه المقدِّمة هو تهيئةُ القلوب والأذهان لِمَا سأعرضه من أفكار حولَ قضية يتمُّ الحديث عنها، وتُتداول بفَهْم أو غير فهم، وتُسوَّق بين أبنائنا وبناتنا -خصوصًا الشبابَ- بقصد أو غير قصد، وحتى لا أكتمَ علمًا تعلمتُه أو أعلمه، فأُلْجِم بلجام من نار يومَ القيامة، فإنني أتناول هذه القضيةَ لأوضِّح بعضَ الحقائق المتعلِّقة بها.

الرجل والمرأة هما ذكر وأنثى من ناحية التعريف الجِنسي، لهما حسب المصطلح الإنجليزي sex، يتم وصفُ الصِّفات البيولوجية والفسيولوجية لكلٍّ منهما، وهي صفات واضحة وثابتة، ولا يمكن العبثُ بهما، عِلمًا بأنَّه كانت هناك محاولاتٌ للتغيير في هذه الفسيولوجية بالنسبة للرجل والمرأة، فكانت النتيجةُ إنتاجَ مسوخ بشرية من المتحوِّلين جنسيًّا أو المتحولات.

وأمام هذا العجز في التغيُّر فيما خَلَق رَبُّ العالمين الذكر والأنثى، وقف دعاة المساواة المطْلقة بين الرجل والمرأة عاجزين أمامَ هذه الحقيقة الواضحة، غير القابلة للتغيير والعبث، ظهر في السبعينيات مِن هذا القرن مصطلحُ النوع الاجتماعي، أو الجندر، ومفهوم الجندر Gender كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني، وتعني في الإطار اللغوي  Genus؛ أي: (الجنس من حيثُ الذكورة والأنوثة)، وإذا استعرْنا ما ذكرتْه (آن أوكلي) التي أدخلتِ المصطلح إلى عِلم الاجتماع، سنجد أنَّها توضح أنَّ كلمة Sex؛ أي: الجنس، تشير إلى  التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع Gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة (اجتماعيًّا إلى الذكورة والأنوثة)، ولديها كتاب عن هذا عنوانه (الجنس والنوع والمجتمع، عام 1972م).

بشكل أكثر وضوحًا، فإنه كما أوضحْنا: أنَّ الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة لا يمكن إنكارُها، كما لا يمكن العبث بها، وبالتالي فهي تقف كعلامة استفهام كبيرة أمامَ دعاة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة.

ومِن هنا تمَّ التركيز على (الجندر)، أو النوع الاجتماعي؛ لأنَّه يوضِّح الفروق بين الرجل والمرأة على صعيد الدور الاجتماعي، والمنظور الثقافي والوظيفة، تلك الفروق النابعة كنِتاج لعوامل دِينيَّة وثقافيَّة، وسياسية واجتماعية؛ أي: إنها فروق صَنَعها البشر عبرَ تاريخهم الطويل، حسب مفهوم (الجندر).

ومن هنا؛ إذا عجز البشر عن إزالة الفروق البيولوجية، فمِن الممكن إزالةُ الفروق النوعية (الجندرية) بين الرجل والمرأة، وذلك مِن خلال برامجَ تنمويةٍ تعمل على تغيير قِيمي وبنيوي داخلَ المجتمع، يكفل إزالةَ هذه الفروق.

ومِن القضايا التي تحاول البرامجُ (الجندرية) التصدِّي لها:
الوظيفة الاجتماعية للرجل والمرأة، على افتراض أنَّ الرجل يُهيمِن على المرأة، ويمارس قوَّة اجتماعيَّة وسياسية عليها ضِمنَ مصطلح المجتمع الذُّكوري، وبالتالي يجب منحُ المرأة قوَّة سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصادية تساوي القوةَ الممنوحة للرجل في جميع المستويات حتى في الأسرة.

وقد عَرَّفت الموسوعة البريطانية (الجندر):
"هي شعور الإنسان بنفسِه كذَكَر أو أنثى... ولكن هناك حالاتٌ لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافُق بين الصِّفات العضوية وهُويته الجندرية، إنَّ الهُوية الجندرية ليستْ ثابتة بالولادة؛ بل تؤثِّر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهُوية الجندرية، وتتغيَّر وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية، كلما نما الطفل".

(الجندر) حسب تعريف منظمة الصحة العالمية:
"هو المصطلح الذي يُفيد استعماله وصفَ الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصِفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العُضوية".

وكما جاءت في (المادة الخامسة) من (السيداو)، وهي المادة التي تطالب -وبشدة- بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدَور كلٍّ من الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العُرفية.

وقد ورد تعريف (الجندر)، حسبَ المنشور في أحد المواقع النسوية العربية على الشبكة الإلكترونية كما يلي:
"النوع الاجتماعي (الجندر): يتعلق بالأدوار المحدَّدة اجتماعيًّا لكلٍّ من الذكر والأنثى، وهذه الأدوار تكتسب بالتعليم وتتغيَّر مع مرور الزمن، وتختلف اختلافًا واسعًا داخلَ الثقافة الواحدة، ومِن ثقافة لأخرى، وهذا المصطلح يشير إلى الأدوار والمسؤوليات التي يُحدِّدها المجتمع للمرأة والرجل، وهو يعني أيضًا: الصورة التي ينظر بها المجتمعُ للمرأة والرجل، وهذا ليس له عَلاقة بالاختلافات الجسديَّة (البيولوجية والجنسية).

هذا؛ ويتمُّ تبديلُ مصطلح منْح المرأة القوَّة power بمصطلح تمكين empower mednt؛ لتوصيف الأنشطة المتعلِّقة بإزالة الاختلافات الاجتماعيَّة والثقافيَّة والوظيفيَّة كافَّة بين الرجل والمرأة.

ونحو تحقيق إزالة الفروق الوظيفية بين الرجل والمرأة، فإنَّ الأمومة تأخذ حيزًا كبيرًا عند الجندريين، فعالمة الاجتماع (أوكلي) تقول: "إنَّ الأمومة خُرافة، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة، وإنما ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة؛ ولهذا نجد أنَّ الأمومة تعتبر وظيفةً اجتماعية.

وهنا يظهر مصطلح "الصحة الإنجابية"، وهو -حسب المنظور الجندري- ليس كالمفهوم العالمي له، والهادف إلى معالجة الإشكاليات الناتِجة من وظيفة المرأة كأمٍّ على مستوى الإنجاب، والتي قد تقف عائقًا أمام ممارستها لدَوْرها الجندري المساوي لدور الرجل، ومِن هذه الإشكاليات الحملُ والرَّضاعة، وغيرها من الوظائف الفسيولوجية للمرأة، كما أنَّ هذا المفهوم أثار ضجَّة على مستوى عِدَّة مؤتمرات بهذا الخصوص، حيث أبدتْ بعض الدول المشارِكة تحفُّظاتٍ عليه، عندما وُجِد بأنَّه يشرع الإجهاض.

وكما جاء في التقرير الذي أعدتْه (لجنة المرأة) التابعة للأمم المتحدة؛ لمناقشته في اجتماعها المنعقِد في 12/مارس / 2004م، الذي ناقش محورين خاصَّين باشتراك الرِّجال والصِّبية في تفعيل مساواة النوع Gender Equality، وأيضًا استخدام اتفاقيات السلام في تفعيل مساواة النوع.

وقد لوحظ أنَّ الترجمة العربية للتقرير لم تشتملْ على البنود الخاصة بالاعتراف الرسمي بـ (الشذوذ وحماية حقوق الشواذ)؛ بل والسعي لقَبولهم مِن قِبل المجتمع، وتشجيع الشباب على ممارسة الزِّنا والجهر به، واعتبار ذلك تعبيرًا عن (المشاعر)، ودعمًا لتعليم الممارسة الجنسيَّة بمختلف أشكالها الطبيعيَّة والشاذَّة.

انظروا على سبيل المثال كتاب "الأسرة وتحديات المستقبل" من مطبوعات الأمم المتحدة (صفحة: 36 - 42)، وفيه يجد الباحثُ الاجتماعي أنَّ الأسرة يمكن تصنيفها إلى 12 شكلاً ونمطًا، ومنها أُسر الجنس الواحد؛ أي: أُسر الشواذ.

وبالتالي فإنَّ ذلك نتاجٌ طبيعي لأنشطة الجندريين التي تهدف إلى إزالة الاختلافات الثقافية، والاجتماعية، والوظيفية، بين الرجل والمرأة، تحتَ شعارات المساواة، وتمكين المرأة، وتمكين الشباب... إلخ.

هذه الدعوات والبرامج مهما كانت أهدافُها وغاياتها، إلاَّ أنَّها تتنافَى والفطرةَ التي خلق اللهُ عليها الإنسان رجلاً وامرأة، وتصطدم -وبشكل سافر- بعقيدتنا ودِيننا الذي نؤمن به، تلك العقيدة التي ترتكز على أنَّ الإنسان الذي خَلقَه الله ربُّ العالمين مِن زوجين اثنين؛ آدم وحواء - جزءٌ من الثنائية المتناغمة في هذا الكون، والذي يحقِّق بها التوازن، والثبات والإعمار.

هذه الحقيقة التي أقرَّها الله في شريعته، وأنزلها على أنبيائه الذين علَّموها للبشر، شرائع ونواميس تنظِّم الحياة الإنسانية، وتُحافِظ على إنسانية الإنسان الذي كرَّمه الله، وأمر الملائكة بالسجود له، وتتكفَّل له بطريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].

هذا الدِّين الذي نؤمِن به رجالاً ونساءً جَعَل العلاقة بينهما علاقةَ مودة ورحمة وسكن، تُبنَى فيه الأُسرة التي هي النواة الأولى في بناء الفرْد والمجتمع، والدولة والأمَّة، ونؤمِن بأنَّ كل ما جاء به هذا الدِّين هو حقٌّ، وإن لم يكن لنا فيه نفع ظاهر، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- له فيه حِكمة قد لا ندركها كبَشَر في مكانٍ ما وزمان ما؛ قال -سبحانه وتعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، فهم قوَّامون على النساء، ولكن بضوابط وضَعَها الشرع؛ حفاظًا على هذه المرأة، التي هي مخلوقة من مخلوقات ربِّ العالمين، حالُها كحال الرجل، فكيف يظلم الله مخلوقًا خَلَقه؟!

فإذا كان الرجل قوَّامًا على المرأة، فإنَّ النساء كُرِّمن بسورة خاصَّة بهنّ، فيها من الضوابط والأحكام ما فيه؛ حفاظًا على كرامة المرأة وإنسانيتها، وحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والشرعيَّة.

ما أتمنَّاه لكلِّ امرأة معذَّبة مضللة، تسعى نحو وهمٍ كاذب في الحرية التي فيها عبوديتها وهلاكها، حالها حال الفراشة الحائمة حولَ نور المصباح.

إنَّ رب العالمين خصَّ مريم بنتَ عمران بتكريم ربَّاني، وتطهير وتزكية، وهي امرأة.

هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلاف ليس تفضيلاً للرجل على المرأة، بل تفضيل لكلٍّ منهما على الآخر في كلِّ مجال من مجالات الاختلاف؛ قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].

هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلافات بين الرِّجال والنساء، ونهانا عنها تربيةً لنا رجالاً ونساء؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:  «لَعَن الله المتشبهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبهاتِ من النساء بالرجال».

وهذا الدِّين الذي أوصانا بالنِّساء خيرًا، فجعل مَن يُكرمهنَّ هو الكريم، وأمرنا بالرِّفق بالقوارير، فقد كان آخِرُ كلام نبينا الحبيب -صلوات الله عليه وسلم-: «أوصيكم بالنِّساء خيرًا».

فإذا كانت الدعوات الكاذبة لأصحاب الفِكر الفاسد، والقلوب الخَرِبة، والنفسيات المشوهة، ذكورًا وإناثًا، وإن حاولوا أن يُغلِّفوها بغلاف من الزيف، ويُزيِّنوها بدعوات كاذبة، وشعارات رنانة؛ بدعوى السعي للدِّفاع عن حرية المرأة، أو تخليصها مِن ظُلم يقع عليها، أو تفعيل دورها في المجتمع....إلخ، وهي دعواتٌ كاذبة، تُغطَّى بستار من الضلالة، الغاية النهائية للمروِّجين والمروِّجات لأفكار (الجندر) بكل ما يحمل من تقليعات ومسميات من جندرة اللغة، وجندرة السياسة، وجندرة الأدب، وجندرة الأُسرة، وجندرة الاقتصاد... إلخ، مما أفرزته العقلياتُ المريضة، والنفسيات المشوهة المسيطرة في مؤتمرات بِكين والقاهرة، وصنعاء وروما، من أفكار رفضتها معظمُ الدول المشارِكة في هذه المؤتمرات؛ لأنَّها تتنافَى والفطرة.

ونرفضها نحن بقلوبنا، بعقولنا، بألسنتنا، وبكلِّ ما أوتينا من قوَّة؛ لأنها إذا كانت تتنافى مع الفطرة، فهي تصطدم بمعتقداتنا ودِيننا الإسلامي، وقِيَمِنا الأصيلة.

وهو رفضٌ لا يحمل شبهةَ الوقوف في وجه حقوق المرأة؛ بل هو رفضٌ يحافظ على المرأة، ويضعها في المكانة السامية التي اصطفاها لها ربُّ العالمين، بأقدس رسالة، وهي الأمومة التي رفعتْ درجتَها في الدِّين والدنيا ثلاثة أضعاف درجةِ الرجل؛ ((قال: «أمك»، ثم مَن؟ قال: «أمك»، ثم مَن؟ قال: «أمك»، ثم مَن؟ قال: «أبوك»، هذا الاصطفاء الذي لم يقف عائقًا في وجه المرأة لأن تكونَ شاعرة وفارسة وممرِّضة، فتحتَ جناح هذا الدِّين ترعرعت النِّساء، وسجلنَ للتاريخ أسمى أمثلة، وفي شتَّى المجالات، في التمريض كانت الصحابية رُفيدة، ونَسِيبة بنت كعب الفارسة، عنها يقول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ما التفتُّ يومَ أُحد يمينًا ولا شِمالاً إلاَّ وأراها تقاتل دوني»، وفي الطبِّ كانت الطبيبة المداوية الشِّفاء بنت عبدالله، وعلى هُدَى القرآن الكريم ودَرْب المصطفى إلى يومِنا هذا، كم مِن نَسيبة بنت كعب، وكم من الشفاء بنت عبدالله، ترعرعن في كنف أُسرة قامتْ على أساس مِنَ السكن والسكينة، وكان بين ركنيها -الرجل والمرأة- المودة والرحمة، وليس الصِّراع القائم على مفاهيمَ تناحرية مِن منطلق اعتقاد المرأة بأنَّ دورها في الأسرة عِبارةٌ عن اضطهاد لها، ويجب أن تُصارِع مضطهدَها؛ لتنتصرَ عليه، وإن لزم الأمرُ تبحث عن القوَّة والتمكين من خارج الأُسرة، والجندريون جاهزون!!

الحمد لله الذي أكرمنا بهذا الدِّين، يحترم آدميتَنا، ويُخرجنا من عبادة العِباد إلى عبادة ربِّ العباد، وأكرمنا بأن جعلنا مسلمين مُوحدين، وشرَّفَنا بأشرف الخَلْق محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- النبي الأمين، وشرَّفنا بالقرآن الكريم؛ حُجَّة على الكافرين والفاسقين إلى يوم الدِّين.
=================================================
(1) الجندر وما وراءه،، تلك الحكاية المشؤومة!!

مصطلح الجندر: يقصدون به النوع، أي إلغاء الفوارق بين الذكر والأنثى بحيث يكون رده إلى النوع الإنساني، أي أن الذكورة والأنوثة عبارة عن نوع واحد، بمعنى أن الإنسان يولد كإنسان فقط.          

في الآونة الأخيرة أصبحت تتردد مصطلحات وألفاظ وجدت مَنْ يتغنَّى وينادي بها بصخب دون أدنى علم، ولا يليق ذلك بأمة جعلها الله خير الأمم، فكان لا بد من تسليط الضوء على بعض تلك الألفاظ، ومعرفة سر حكايتها، فلم يأت على هذه الأمة هوان كهذا الهوان الذي تعيشه، وذلك مدعاة لأن نكون متبصرين وحذرين لِمَا يُرَادُ بهذه الأمة، وما يُرَادُ بتلك الألفاظ، فكان لابد من فهم تلك الألفاظ، والمعنى منها، لذلك سنبدأ الحكاية من أولها، والتي ستكون عبارة عن محطات، نتنقل بينها حتى نصل لجوهر الموضوع..          

يُحكَى أن: مؤتمراً خبيثاً أقيم في (بكين) سنة (سبتمبر1995)، زعم أنه يسعى لرفعة شأن المرأة خاصة والأسرة عامة، حيث جهز لهذه المزاعم بعضاً من النصوص التي قدمها إثباتا لنواياه، فكان مما ذكر في هذا المؤتمر لفظ تكرر عدداً من المرات، وهو: (الجـنـدر)!!

فما معنى كلمة جندر؟

ومتى ظهر هذا المصطلح؟

وما هي دلالته الحقيقية؟

وما الهدف من نشر هذا المفهوم؟

وما سبب ظهوره؟

وما أثره على الأسرة والمجتمع؟

وما أثره على الإسلام؟

وما واجبنا نحن تجاه هذا الأمر؟

الجندر:
هو مصطلح غربي، لم يُعرف حتى الآن تعريفاً دقيقاً وحاسماً، وهو على خلاف الأعراف البحثية والعلمية، التي تواطأ العلماء على وضع التعريفات والبناء عليها، وسبب عدم وضع تعريف واضح لهذا المصطلح لِمَا يحمل في داخله مضامين خطيرة، وفي هذا المقال سألقي الضوء على ما يقصد به هذا المصطلح وبعض من آثاره.
 
بداية:
كلمة (جندر) Gender كلمة إنجليزية مشتقة من أصل لاتيني، وتعني لغوياً Genus أي (الجنس من حيث الذكورة والأنوثة).          

متى ظهر هذا المصطلح؟
إن هذا المصطلح أول ما ظهر في حقل الدراسات الاجتماعية على يد الباحثة الانجليزية (آن أوكلي) التي ألَّفَتْ كتاباً سنة 1972م اسمه (الجنس والنوع والمجتمع)، حيث أعطت من خلاله المعنى الحرفي للجندر.          

وأول ذكر له (مصطلح الجند):
كان في مؤتمر السكان في القاهرة عام (1994م)، حيث تكرَّر مصطلح الجندر لأول مرة (51) مرة، ثم بعد عام أقيم المؤتمر الرابع العالمي للسكان في بكين عام (1995م)، والذي تكرَّر فيه هذا اللفظ (254) مرة، حيث خرج هذا المؤتمر بوثيقة ميثاق بكين (معاهدة سيداو)، وهذا المصطلح حين ذكر لأول مرة اعترضت عليه الوفود المشاركة سواء الوفود الإسلامية أو غير الإسلامية، فذكر أنه مصطلح يُرَادُ به الجنس، فتمَّت المطالبة بتغيير هذا المصطلح إلى المصطلح المتفق عليه وهو الجنس (sex)، فتم رفض الطلب من اللجنة المنظمة، ثم تبين بعد ذلك أن لفظ الجندر يُرَادُ به أمراً آخر يُخالف الفطرة البشرية السَّويَّة، قبل أن يكون فيه مخالفة للشريعة الإسلامية، لماذا؟ لأن مصطلح الجندر: يقصدون به النوع، أي إلغاء الفوارق بين الذكر والأنثى بحيث يكون رده إلى النوع الإنساني، أي أن الذكورة والأنوثة عبارة عن نوع واحد، بمعنى أن الإنسان يولد كإنسان فقط.          

وقد عرفته منظمة الصحة العالمية:
(المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة على أنها صفات اجتماعية مركبة، أي لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والتركيب البيولوجي).          

وهذا بالتالي يقودنا لنتعرَّف على الدلالة الحقيقية لهذا المصطلح:
مصطلح الجندر: هو مصطلح مراوغ وفضفاض، وقد أثار الكثير من الجدل بشأن الأهداف الحقيقية من ورائه...!!
ويمكننا أن نقول بأن مصطلح الجندر:
يشير لجنس ثالث ليس بالذكر وليس بالأنثى، وإنما هو جنس ثالث تحدده الأعراف الاجتماعية، والاختيارات الإنسانية، وليس هناك اعتبار لأعضائه الجنسية.          

فالإنسان كونه ذكراً أو أنثى بالمعنى العضوي ليس له علاقة باختياره لأي نشاط جنسي قد يُمارسه، فبحسب مصطلح (الجندر ) يمكنه اختيار هويته الجنسية، الرجل الذكر قد يختار ليصير أنثى، والمرأة تصبح ذكراً بناءً على الرغبة الذاتية والاختيار الشخصي، فالمرأة ليست امرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذلك الدور، والرجل ليس رجلاً إلا لأن المجتمع أعطاه ذلك الدور، وهذا خلاف الأنوثة والذكورة كما جاءت في الخلق، والدين، والأعراف السوية، فالإنسان إمَّا أنه ذكر أو أنه أنثى، وهذه إرادة إلاهية، فالله خلق الإنسان إمَّا ذكراً أو أنثى، يقول تعالى: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى}، فالذكورة والأنوثة هي إرادة إلاهية، وهي من مستلزمات الفطرة.

وبالتالي فإنه من الطبيعي أن ينتج من هذا المصطلح رجل متأنث أو يتوهم أنه امرأة، أو امرأة ذكورية ترى نفسها ذكراً، وعليه فإن مفهوم الجندر هو أوضح صورة للحيوانية التي وصل إليها الغرب، وهو ليس إلاّ أداة لتمرير أهداف شديدة الخطورة على الأسرة.          

تقول المفكرة الفرنسية (سيمون دي بوفوار) صاحبة كتاب (الجنس الآخر):
"الواحدة منا لا تولد أنثى، ولكن تصير أنثى"، بمعنى أن المجتمع والتنشئة الاجتماعية هي مَنْ جعلت منك أنثى وامرأة، وإنما تولدين جندر فقط، أي مجرد إنسان، وهي ومَنْ على شاكلتها تدعو لطمس كل الفروق بين الذكر والأنثى، وتبادل الأدوار، ليس من باب التكامل، وإنما من باب التنافس، وإلغاء الزواج والرجل من حياة المرأة!
الهدف من نشر هذا المفهوم:
يكمن في أمرين مهمين، وهما: الأمر الأول:
بما أن الجميع جندر، وبالتالي فإن العلاقة الجنسية الشاذة المُحَرَّمَة بين النساء أو بين الرجال مجرد جندر مع جندر، إذاً فلماذا الاعتراض على مثل هذا النوع من العلاقات؟!!!

الأمر الآخر:
نشر المساواة التامة بين الرجال والنساء بحجة أن الجميع هم جندر، فلذلك طالبوا بأن يكون هناك جندرة سياسية، وجندرة اقتصادية، وجندرة اجتماعية، وغيرها من أنواع الجندر في مجالات الحياة.          

حتى إنهم طالبوا بالمساواة حتى في الألفاظ ما بين الذكر والأنثى، وقاموا بإصدار نسخة منقحة للعهد الجديد من الكتاب المقدس، قاموا بإلغاء ضمائر التذكير والتأنيث فيه، كما أقاموا مؤتمراً في اليمن في عام (1997م) بعنوان: جندرة اللغة.          

إذا فمصطلح الجندر:
يحمل مضموناً تنويرياً في نظر دعاته، وهو تحرير المرأة من كل القيود التي فرضها المجتمع عليها، وهذه الدعوة لا تنطق بالمساواة بين الرجل والمرأة فقط، بل تصل لحد التماثل الحقيقي.          

كما أنه فلسفة ونظرية لإحداث تغيير في بناء الاسرة، وإلغاء الدور الأمومي للمرأة، وفي السماح بحرية الشواذ نساءً ورجالاً، فيريدون أن تصبح كلمة "الجندر" بدلاً من الرجل والمرأة، وكلمة "الشريك" بدلاً من الزوج، وكلمة "الشراكة" و"الاقتران" بدلاً من الزواج والأسرة.          

وهذا سبب إبقاء هذا الكلمة بدون تعريف.          

على مر التاريخ وتعاقب الأمم والحضارات كانت المرأة ممسوحة الهوية، فاقدة للأهلية، منزوعة الحرية، لا قيمة لها أو شأن، بل كانت تعتبر متاعاً تُباع وتُشترى كسلعة خسيسة، وأنها خُلقت لخدمة الرجل، تُقاسي أنواع الظلم والقهر والذل، حتى جاء الإسلام، وكرَّم المرأة، فجعل لها مكانة كريمة عليَّة، وجعلها شريكة للرجل، لها ما له، وعليها ما عليه، وقرَّر لها من الحقوق والميراث، والاهتمام، وأوصى بهن خيراً، وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره.          

وما نراه الآن من مطالبة بالمساواة، وإلغاء للفروق ما هو إلا ترجمة للغضب الذي يجتاح نساء الغرب، ولمن ينعق بمثل نعيقهن من بني جلدتنا الخارجين على الدين الإسلامي، والمنتسبين إليه للأسف، فما لنا ولهم، ولكنه الهوان التي آلت إليه الأمة!!

رابط المادة:
http://iswy.co/e2f1dg