منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:39 pm

دخول الكعبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الحجاج يخافون من دخول الكعبة بل يتشاءمون من ذلك فهل هذا صحيح؟

الجواب
ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها، وكذلك أجلاء الصحابة وروى البخارى ومسلم عدة أحاديث فى ذلك، وقال النووى فى "الإيضاح": ويستحب دخول البيت حافيا وأن يصلى فيه، والأفضل أن يقصد مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دخل البيت مشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذى قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع فيصلى، ثبت ذلك فى صحيح البخارى، وهذا بحيث لا يؤذى أحدا ولا يتأذى هو، فإن آذى أو تأذى لم يدخل.
وأما ثواب دخولها ففيه روايات مرفوعة وموقوفة، منها حديث "من دخل البيت فصلى فيه دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له" وقد اتفق الأئمة الأربعة على استحباب دخول البيت واستحسن مالك كثرة دخوله.
يعرف من هذا أنه لا حرج ولا تشاؤم من دخول الكعبة، وقد كان الناس يتزاحمون على الدخول قبل أن يرتفع الباب عن مستوى الأرض، ثم قل ذلك ونُظِّم، منعا للإيذاء واحتياطا لعدم وقوع ما يخل بحرمة الكعبة "تاريخ الكعبة المعظمة" ص 346- 361.
هذا ومن لم يستطع أن يدخل الكعبة للصلاة فيها صلى فى حجر إسماعيل، فقد روى أحمد بسند جيد أن عائشة رضي الله عنها قالت:
يا رسول الله، كل أهلك دخل البيت غيري، فقال "أرسلى إلى شيبة وهو ابن عثمان بن طلحة سادن الكعبة ومعه مفتاحها- فيفتح لك الباب" فأرسلت إليه فقال شيبة: ما استطعنا فتحه فى جاهلية ولا إسلام بليل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "صلى فى الحجر فإن قومك استقصروا عن بناء البيت حين بنوه " أى تركوا منه جزءا وهو الحجر، فالصلاة فيه صلاة فى البيت
(9/340)
________________________________________
حدود الحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل المواقيت المكانية للحج غير حدود الحرم، وما الذى يجب على من يدخل الحرم دون أن يكون مريدا للحج أو العمرة؟ وهل الحرم المدنى كالحرم المكى؟

الجواب
سبق فى ص 131 من المجلد الثانى حكم من يريد دخول الحرم المكى، هل يجب أن يدخل بإحرام أو لا يجب، كما سبق فى ص 266 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى بيان المواقيت المكانية التى لا يجوز للمحرم أن يتعداها بدون إحرام، إلا وجب عليه دم. وحدود الحرم المكى غير المواقيت، فله حدود تحيط بمكة على مسافات غير متساوية، وقد نصبت عليها أعلام لمعرفتها، فحده من جهة الشمال "التنعيم" وبينه وبين مكة حوالى 6 كيلومترات، وحده من جهة الجنوب "أضاه" وبينها وبين مكة حوالى 12 كيلومترا، وحده من جهة الشرق "الجِعِرَّانة" بينها وبين مكة حوالى 16 كيلومترا، وحده من جهة الشمال الشرقى "وادى نخلة" وبينه وبين مكة حوالى 14 كيلومترا، وحده من جهة الغرب "الشفيسى" - الحديبية سابقا- وبينه وبين مكة حوالى15 كيلومترا.
قال محب الدين الطبرى: عن الزهرى عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال: نصب إبراهيم عليه السلام أنصاب -علامات- الحرم، يريه جبريل عليه السلام، أى أن الحدود توقيف من الله تعالى، ثم لم تحرك حتى كان " قُصىّ " أحد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم فجددها، ثم لم تحرك حتى كان النبى صلى الله عليه وسلم فبعث عام الفتح تميم بن أُسيد الخزاعى فجددها، ثم لم تحرك حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث أربعة من قريش هم: مخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر بن عوف، فجددوها، ثم جددها معاوية، ثم أمر عبد الملك بن مروان بتجديدها.
والحرم المكى له أحكام، منها ما جاء فى حديث متفق عليه بين البخارى ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "إن هذا البلد حرام، ولا يعضد شوكه -وفى رواية "شجره" -أى لا يقطع- ولا يختلى خلاه -والاختلاء هو القطع، والخلا هو الرَّطب من النبات- ولا ينفَّر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف واستثنى الإِذخر، وهو زرع كالحشيش له رائحة طيبة.
قال القرطبى: خص الفقهاء الشجر المنهى عنه بما ينبته الله تعالى من غير صنيع آدمى، فأما ما ينبت بمعالجة آدمى فاختلف فيه الجمهور على الجواز، وقال الشافعى: فى الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة، واختلفوا فى جزاء ما قطع من النوع الأول، فقال مالك: لا جزاء فيه بل يأثم، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبوحنيفة: يؤخذ بقيمته هدى، وقال الشافعى: فى العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة. قال ابن العربى: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعى أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها.
وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذى بطبعه، فأشبه الفواسق. ومنعه الجمهور، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار، وهو قياس مع الفارق، فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر.
والفواسق المذكورة جاءت فى حديث رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق فى الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب، والفأرة، والكلب العقور" وجاء فى رواية مسلم عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحية.
وأما حرم المدينة فجاء فيه حديث متفق عليه رواه البخارى ومسلم "المدينة حرم ما بين عِير إلى ثور" ورويا أيضا عن أبى هريرة قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتى المدينة، وجعل اثنى عشر ميلا حول المدينة حمى كما رويا أيضا حديث " إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لها، وإنى حرمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة " كما رويا أيضا أنه أشرف على المدينة فقال " اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدِّهم وصاعهم ".
وفى مظاهر هذا التحريم جاء حديث البخارى " لا يُقطع شجرها ولا يُحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" وفى حديث مسلم "ولا يختلى خلاها، ولا يراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع عضاهها".
واللابتان هما الجبلان، وعير اسم لحدهما، وثور قيل هو أحد أو جبل صغير بجواره، والعضاة كل شجر فيه شوك واحدها عضاهة وعضهة، وفى هذه المظاهر أو الأحكام قال الشافعى ومالك وأحمد وجمهور أهل العلم: إن للمدينة حرمًا كحرم مكة يحرم صيده وشجره، قال الشافعى ومالك: فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان، لأنه ليس بمحل نسك -أى حج وعمرة- فأشبه الحِمَى، وقال ابن أبى ذئب وابن أبى ليلى: يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية. وذهب أبو حنيفة وزيد بن على إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة، ولا تثبت له الأحكام من تحريم قطع الشجر وقتل الصيد، والأحاديث ترد على هذا الرأى، ودليله حديث قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبي عمير" ما فعل النُّغَنر يا أبا عمير" وأجيب عنه بأنه كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل.
هذان الحرمان وهما حرم مكة والمدينة، هما اللذان صحت فيهما الأحاديث، ويقال: إن هناك حرما ثالثا له هذه الأحكام وهو " وَجٌّ" بالطائف، وفيه خلاف يرجع إليه فى " نيل الأوطار ج 5 ص 37"
(9/341)
________________________________________
فضل مكة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اشتد الخلاف بين بعض من أهل العلم كانوا يعملون بالحجاز، في بيان الأفضل عند الله هل هو مكة أو المدينة، فهل من دليل يبين الحق فى ذلك؟

الجواب
إن المفاضلة بين شيئين تهمنا معرفتها إذا كنا سنستفيد منها فى ديننا أو دنيانا، وإلا كانت ضياعا للوقت والجهد نحن أحوج إليهما فى ظروفنا الحاضرة، والكتب القديمة تعرضت لذلك إما للترف الذهنى وإما للإِفادة فى العمل بناء على نصوص وردت، منها ما رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وصححه عن عبد الله بن عَدِىِّ بن الحمراء أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزوَّرة فى سوق مكة "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أُخرجت منك ما خرجت" وروى مثله أو قريبا منه الترمذى عن ابن عباس، والحزورة بتشديد الواو المفتوحة أو بإسكان الزاى هى الرابية الصغيرة.
يقول الشوكانى " نيل الأوطار ج 5 ص 31" فيه دليل على أن مكة خير أرض الله على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك استدل من قال: إنها أفضل من المدينة، قال القاضى عياض، إن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلقوا فى أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم. فقال أهل مكة والكوفة والشافعى وابن وهب وابن حبيب المالكيان، إن مكة أفضل، وإليه مال الجمهور، وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل.
ودليل الأولين هو الحديث المذكور، ودليل الآخرين حديث البخارى "ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة " مع حديث "موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها " وليس المراد أن هذا المكان من الجنة فعلا وإنما المراد أن الصلاة فيه تؤدى إلى الجنة، وذلك كحديث "الجنة تحت ظلال السيوف" أى أن الجهاد يوصل إلى الجنة.
ومما يرجح قول الجمهور فى فضل مكة حديث رواه أحمد وابن خزيمة والطبرانى والبيهقى وابن حبان فى صحيحه " صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من صلاة فى مسجدى بمائة صلاة" وقد روى من طريق خمسة عشر صحابيا، فأفضلية المسجد لأفضلية المحل الذى هو فيه.
هذا، ويعجبنى فى هذا المقام ما ختم به الشوكانى الكلام عن هذا الموضوع حيث قال: واعلم أن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبى صلى الله عليه وسلم، والكل من فضول الكلام الذى لا تتعلق به فائدة غير الجدال والخصام، وقد أفضى النزاع فى ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية، كاستدلال المهلب بن أبى صفرة على أفضلية المدينة بأنها هى التى أدخلت مكة وغيرها من القرى فى الإِسلام، فصار الجميع فى صحائف أهلها، وبأنها تنفى الخبث كما ثبت فى الحديث الصحيح، وأجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة، فالفضل ثابت للفريقين، ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وعن الثانى بأن ذلك إنما هو فى خاصٍّ من الناس ومن الزمان، بدليل قوله تعالى {ومن أهل المدينة مَردوا على النفاق} التوبة: 101 والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبى صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة، ثم على وطلحة، والزبير وعمار وآخرون، وهم من أطيب الخلق، فدل ذلك على أن المراد بالحديث ناس دون ناس، ووقت دون وقت، على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة، لا أنها فاضلة. انتهى.
وأؤكد كما بدأت الإجابة على عدم الإغراق فى الجدال فى مثل هذه الأمور التى لا تعود بفائدة واضحة على الفرد والمجتمع، وبخاصة فى مثل الظروف التى يعيشها المسلمون الآن ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "الزرقانى على المواهب ج 1 ص 328".
إن التمادى فى الخلاف حول تفضيل شخص على شخص وأولويته بالتكريم خلق فى الأمة الإسلامية جماعة كبيرة لها حكمها القاسى على الكثرة الكاثرة من المسلمين، وتتعايش معها كما يتعايش أهل الأديان التى قال الله فيها {وقالت اليهود ليست النصارى على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} البقرة: 113.
إن الماضى بما فيه من خلاف يجب أن ننساه ونتوحد لمواجهة التحديات التى تكتلت الأعداء لضرب المسلمين بها بكل الأسلحة التى لم يفطن إلى الكثير منها كثيرون من المتخالفين الذين يدعى كل فريق منهم أنه هو الناجى من النار لأنه فى رأيه يسير على ما كان النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أرجو الله للأمة الإِسلامية أن تعود إلى رشدها بترك الخلافات التى لا تجنى من ورائها إلا الضعف والإِساءة إلى سمعة الإسلام، وهو الدين الخاتم الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، واختار له رسولا قال فيه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 106
(9/342)
________________________________________
العطور فى الإحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندما يكون الحج فى زمن الصيف يكثر العرق وتتغير رائحة الجسم فهل من الممكن الاغتسال والتطيب فى مدة الإحرام؟

الجواب
معلوم أن من مظاهر الإِحرام بالنسك تجرد الإنسان من كل زينة والظهور بمظهره عندما يحشر إلى ربه كما قال تعالى {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوَّلناكم وراء ظهوركم} الأنعام: 94 وكذلك تحقيق معنى المساواة بالبعد عن المظاهر التى يحرص عليها بعض الناس ابتغاء وضع معين، كما يشير إليه الحديث الشريف " الحاج الشعث التفل " رواه البزار بسند صحيح. والشعث من عليه أثر التراب من السفر، والتفل البعيد العهد بالماء.
ويظهر تغير الرائحة إذا طالت مدة الإِحرام، كالذى يحرم بالحج مُفرِدًا أو قارنا عند مروره بالميقات قبل يوم عرفة بوقت طويل فى موسم الحر حيث لا يحل من إحرامه إلا يوم العيد أو بعده، أما المحرم بالعمرة أوَّلا فمدة إحرامه قصيرة لا تتغير رائحته إلا إذا كانت وسيلة المواصلات بطيئة كالجمال التى كانت سائدة قبل الاختراعات الحديثة فى وسائل النقل.
وفى مواجهة تغير الرائحة شرع الغسل والتطيب قبل الإِحرام حتى لو بقيت آثار الطيب بعد الإِحرام، كما أبيح الغسل المجرد عن الطيب بل استحب أثناء الإِحرام فى عدة مواطن، وقد مر ذلك بوضوح فى ص 411 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى.
أما التطيب بعد الإحرام فممنوع للحديث السابق الذى رواه البزار، ولأمر الرسول صلى الله عليه وسلم من وضعه بغسله وإزالته، ولنهيه فيمن مات محرما أن يمس طيبا عند غسله وتكفينه، ولا بأس عند الاغتسال باستعمال الصابون الذى له رائحة بقصد النظافة لا بقصد التطيب، وكذلك يباح شم الفواكه ذات الرائحة الطيبة كالتفاح فإنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه،أما شم الورد والريحان والنعناع متعمدا فممنوع وما جاء من الروائح عفوا بدون قصد فلا ضرر فيه كالمرور بحديقة فيها أزهار أو بدكان من يبيع العطر، لمشقة التحرز من ذلك وانتفاء القصد والتعمد. ووضع الطيب في المطبوخ أو المشروب بحيث لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح إذا تناوله المحرم لا فدية عليه، وإن بقيت رائحته وجبت عليه الفدية بأكله عند الشافعية وقال الحنفية: لا فدية عليه، لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب.
ويلاحظ أن استعمال المحرم للطيب تلزمه الفدية إذا كان عالما بالحكم غير جاهل، وكان متعمدا غير ناس أنه محرم، وعند الجهل والنسيان لا فدية، فقد روى الجماعة إلا ابن ماجه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفِّر لحيته ورأسه -أى متطيب- وقال: يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى، فقال له "اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا في حجك فاصنع فى عمرتك" ولم يأمره بفدية، لأنه كان جاهلا بالحكم، وقال عطاء بن أبي رباح: إذا تطيب المحرم أو لبس -جاهلا أو ناسيا- فلا كفارة عليه. رواه البخاري.
والفدية عند تعمد التطيب والعلم بحرمته هى ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين صاع، أو صيام ثلاثة أيام، كما قال تعالى فيمن حلق شعره {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة: 196 والنسك أى الذبح. وروى البخارى ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن آذته هوام رأسه "احلق، ثم اذبح شاة نسكا، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين".
والإمام الشافعي قاس غير المعذور على المعذور فى وجوب الفدية، وأوجب أبو حنيفة الدم على المعذور إن قدر عليه.
وربما تعرضنا لذلك مرة أخرى إن شاء الله
(9/343)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:39 pm

تأخير الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى شخص أتيحت له الفرصة أكثر من مرة ليحج ولكنه لم يحج، هل يعاقب على هذا التأخير؟

الجواب
الحج مفروض على المستطيع كما قال الله تعالى وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم وهو واجب فى العمر كله مرة واحدة بإجماع العلماء، ولحديث البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالحج سئل أفى كل عام فقال " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " ولكن هل إذا توافرت أسباب الاستطاعة وجب على الفور أداء الحج أو يجوز تأجيله إلى عام آخر؟ قال جمهور العلماء: الوجوب على الفور، ويأثم من أخره إلى عام آخر، بحيث إذا مات حوسب عليه إن لم يغفر الله له، ودليلهم فى ذلك حديث أحمد وابن ماجه والبيهقى " من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة " وفى رواية " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له " لكن الإمام الشافعى قال: إن وجوب الحج على التراخى، بمعنى أنه لو أخره مع الاستطاعة لا يأثم بالتأخير متى أداه قبل الوفاة ودليله أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى السنة العاشرة وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه، مع أنه فرض فى السنة السادسة من الهجرة، فلو كان واجبا على الفور ما أخره. وقال الشافعى: ومع ذلك فالأفضل التعجيل بناء على الأحاديث المذكورة التى حملها على الندب لا على الوجوب، ويضم إليها حديث رواه ابن حبان فى صحيحه والبيهقى، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله عز وجل: إن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه فى المعيشة تمضى عليه خمسة أعوام لا يفد إلىَّ لمحروم ".
وعندما قال الله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قال بعد ذلك {ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين} قال الحسن البصرى: المراد بالكفر هو الترك أى عدم الحج.
كالحديث الذى رواه مسلم وينص على أن من ترك الصلاة فهو كافر، لكن ابن عباس ومعه المحققون من العلماء قالوا: إن الكفر لا يكون إلا بإنكار الفريضة وجحود أن الحج واجب، لكن لو آمن الإنسان بأنه مفروض وواجب ولكنه تكاسل فى الأداء فهو ليس بكافر بل هو مؤمن عاصٍ، لو لم يحج مع الاستطاعة يحاسبه الله بعد موته ويدخله النار إن لم يغفر له، ويكون مصيره النهائى هو الجنة، ويحمل على هذا حديث "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا " رواه الترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى مثله البيهقى، فالحديث لا يدل قطعا على الكفر، ولئن صح فالمراد به الجاحد المنكر، ويحمل على الترغيب فى التعجيل فقط
(9/344)
________________________________________
الطواف مع لبس الحذاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الطواف حول الكعبة والإنسان لابسُ الحذاء حلال أو حرام؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن أول شىء بدأ به النبى صلى الله عليه وسلم، حين قدم مكة، أنه توضأ ثم طاف بالبيت. وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للسيدة عائشة رضى الله عنها عندما جاءتها الحيضة فى مكة "إن هذا شىء كتبه الله على بنات آدم، فاقض ما يقض الحاج غير ألا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى" وروى الترمذى والدارقطنى وصححه الحاكم وابن خزيمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الطواف صلاة، إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير.
ويوخذ من هذه الأحاديث أن الطواف يشترط له ما يشترط للصلاة، ومن ذلك الطهارة من للحدث الأكبر والأصغر وطهارة الثوب وطهارة المكان.
فإن كان الحذاء الذى يلبسه الطائف طاهرا صح طوافه بدون خلاف، ولا يعتبر لبسه للحذاء ذنبا أو احتقاراً لحرمة البيت، فذلك راجع إلى نيته.
أما إذا كان الحذاء نجسا، فلا يجوز ولا يصح الطواف به، وذلك عند جمهور الفقهاء، لكن الحنفية قالوا: إن الطهارة من النجاسة فى الثوب أو البدن سنة فقط، وعلى ذلك يجوز الطواف بالحذاء النجس وبالثياب النجسة. ولا شىء على الإنسان.
وقالوا: إن الطهارة من الحدث الأصغر عند الطواف واجبة، لو تركها وطاف بدون وضوء صح طوافه ولزمته شاة، وكذلك لو كان محدثا حدثا أكبر صح طوافه ولزمته بدنة، ويعيده ما دام فى مكة.
والأولى اتباع رأى الجمهور، والتأكد من الطهارة عند الطواف، سواء فى ذلك طهارة البدن والثوب والطهارة من الحدثين، ولا مانع من لبس النعل إذا كان طاهرا يتقى به حرارة الأرض أو خشونتها مثلا
(9/345)
________________________________________
العشر الأوائل من ذى الحجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الليالى العشر التى أقسم الله بها فى قوله تعالى {والفجر وليال عشر} ولماذا أقسم الله بها؟

الجواب
الليالى العشر التى أقسم الله بها فى أول سورة الفجر، قيل إنها العشر الأول من شهر الله المحرم ونسب هذا إلى ابن عباس، وقيل:إنها عشر ذى الحجة، ونسب هذا إلى مجاهد والسدى والكلبى، بل نسب إلى الرسول من رواية أبى الزبير عن جابر، وإن لم تثبت هذه الرواية، وهذا القول رجَّحه الكثيرون، وبخاصة أن الليالى العشر ذكرت مع الفجر، وكثيرون من المفسرين قالوا: إنه فجر يوم النحر. وهى كما قالوا: ليالى أيام عشر.
ويؤكد هذا القول أحاديث وردت فى فضلها، فقد روى البخارى وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعنى أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال "ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك شىء ".
هذا أصح ما ورد فى فضل هذه الأيام. ولكن ما هو العمل الصالح، هل هو نوع معين من العمل، أو هو كل قربة يتقرب بها إلىالله؟ جاء فى بعض الأحاديث النص على بعض القرب، ففى رواية الطبرانى بإسناد جيد " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلىَّ العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" فالعمل هو الذكر لكن جاء فى حديث غريب -أى رواه راو واحد فقط -للترمذى قوله "يعدل صيام كل يوم بصيام سنة. وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" فالعمل هو الصيام والقيام، وجاء فى فضل هذه الأيام أيضا بوجه عام كلام رواه البيهقى بإسناد لا بأس به عن أنس ابن مالك قال:
كان يقال فى أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم.
إن النص على عمل فى هذه الأيام لا يلغى عملا آخر، لهذا أرى أن أى عمل صالح له ثوابه المضاعف، وبخاصة ما نص عليه فى بعض الروايات، من الذكر والصيام والقيام، وكان سعيد بن جبير يجتهد فيها اجتهادا شديدا حتى ما كَان يقدر عليه.
ولعل الفضل سببه أن هذه الأيام هى التى يكثف فيها الذهاب إلى المسجد الحرام لأداء فريضة الحج والعمرة، ويعيش الناس فيها فى ظلال الروحانية والشوق إلى الأماكن المقدسة، سواء منهم من سافر ليحج ومن لم يسافر، والعمل الصالح إذا وقع فى ظل هذه الروحانية كان أرجى للقبول ومضاعفة الثواب، وبخاصة أن هذه الأيام فيها يوم عرفة الذى جاء فيه حديث رواه ابن خزيمة وابن حبان "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة " وفيها العيد والحج الأكبر، وهى أيام يتوفر فيها الأمن فى البلاد الإسلامية لتهيئة الجو للمسافرين للحج ولمن خلفوهم وراءهم وذلك بالانشغال بالعبادة والذكر.
ويقول ابن جحر فى فتح البارى ج 2 ص 234: والذى يظهر أن السبب فى امتياز عشر ذى الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك فى غيره، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم؟ فيه احتمال. انتهى
(9/346)
________________________________________
نقص أشواط الطواف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تقول سيدة: طفت أربعة أشواط ثم أغمى علىَّ ونقلت إلى المستشفى وبعد العلاج سافرت ولم اكمل الطواف. فهل حجى صحيح؟

الجواب
جمهور الفقهاء على أن الطواف حول البيت يكون سبعة أشواط وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ولقوله "خذوا عنى مناسككم " فمن ترك شوطا منه بطل، كمن يترك ركعة من إحدى الصلوات المفروضة. والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "الطواف حول البيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير رواه الترمذى وابن حبان فى صحيحه.
ولا يجبر ما ترك من الأشواط بدم، كما لا يجبر ترك الركعة من الصلاة بشىء آخر.
غير أن الإمام أبا حنيفة قال: إن ركن الطواف هو أربعة أشواط، من نقص عنها بطل الطواف وبطل الحج، أما الاشواط الثلاثة الباقية فهى من الواجبات التى لو تركت صح الطواف ووجب تقديم الهدى. وعلى هذا المذهب يكون طواف صاحبة السؤال صحيحا وبالتالى يكون الحج صحيحا وعليها تقديم الهدى
(9/347)
________________________________________
الإنابة فى رمى الجمرات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مرضت يوم العيد فى مِنى ولم استطع أن أرمى الجمرات. ووكلت شخصا بالرمى، فهل يكفى ذلك عنى؟

الجواب
رمى الجمار فى مِنى من الواجبات فى الحج، إن تركت كان الحج صحيحا ولكن يجب تقديم الهدى، ويجوز للإنسان أن ينيب عنه غيره ليرمى الجمرات إن كان عنده عذر يمنعه من ذلك كمرض أو شدة الزحام وبخاصة بالنسبة للنساء، ويدل عليه حديث رواه ابن ماجه عن جابر رضى الله عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم
(9/348)
________________________________________
الجماع فى الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم من جامع زوجته فى أثناء تأدية فريضة الحج؟

الجواب
معلوم أن الجماع ممنوع ما دام الإنسان محرما بالحج أو العمرة، قال تعالى {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج} البقرة: 197.
على أن المراد بالرفث هو الجماع: وهناك ممنوعات أخرى فى الإحرام كالتطيب وقص الشعر. وقال العلماء: هناك فى الحج تحللان، تحلل أصغر وتحلل أكبر، أو تحلل أول وتحلل ثان، والتحلل الأصغر أو الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة هى: رمى جمرة العقبة وحلق الشعر أو تقصيره وطواف الإفاضة. وبهذا التحلل حل له كل ما كان محرما عليه وقت الإحرام ما عدا الجماع، فإن فعل الثالث كان التحلل الأكبر أو الثانى وحل له الجماع أيضا.
فإن جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وتمم المناسك ووجب ذبح جمل أو ناقة، وعليه قضاء الحج فى أول فرصة أما إن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فقد فسد حجة أيضا، وعليه أن يستمر فى أداء المناسك مع وجوب الهدى وهو الجمل أو الناقة ومع وجوب القضاء أيضا، وهذا هو رأى جمهور الفقهاء، أما أصحاب الرأى - أبو حنيفة وأصحابه - فيقولون: لو جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجة.
وعليه شاة أو سُبْعُ بقرة، وإن جامع بعده لم يفسد حجة وعليه بدنة - جمل أو ناقة.
أما الجماع بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثانى فلا يفسد الحج بالاتفاق وتجب فيه بدنة عند بعض الفقهاء، وعند بعضهم الأخر تجب شاة وهو مذهب الإمام مالك
(9/349)
________________________________________
تكرار الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أديت الحج مرة واحدة، ولى رغبة فى تكرار أدائه، إلا أن هناك بعض الأمور التى تستلزم الإنفاق فيها فأيهما أفضل: الحج أو الإنفاق؟

الجواب
من المعلوم أن الحج فرض على المستطيع مرة واحدة فى العمر، وذلك لحديث البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " وفى رواية لأحمد وأبى داود والنسائى والحاكم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن السائل هو الأقرع بن حابس، وأن الرسول رد عليه بقوله "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع ".
يعرف من هذا أن تكرار الحج ليس واجبا، وإنما هو تطوع والتطوع فى كل شىء ينبغى أن يراعى فيه تقديم الأهم على المهم، وقد تكون هناك حالات فى أشد الحاجة إلى المعونة لإنقاذ الحياة أو تخفيف الويلات، وهنا يكون الإنفاق فيها أولى، وبخاصة بعد أن متَّع الله سكان الحرم بنعم زادت على ما كان يصبو إليه سيدنا إبراهيم عليه السلام حين دعا ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ويرزقهم من الثمرات، كما هو فى الآية 37 من سورة إبراهيم.
والشخص الذى يحب أن يتردد على بيت الله بالحج أو العمرة ورأى أن هناك أمرا هاما قعد به عن السفر للزيارة سيعطيه الله ثوابا على نيته.
وهناك مأثورات فى هذا المقام -وإن كانت لا تعد تشريعا -جاء فيها أن الله كتب ثواب الحج لمن صادف فى طريقه فقراء ألجأتهم الضرورة إلى أكل الميتة، فدفع إليهم ما معه ورجع إلى بلده دون أن يحج، فأعطاه الله ثواب الحج وإذا لم يكن هناك نص فى هذه المسألة فإن التشريع بروحه وأهدافه لا يقر أن توجه أموال طائلة فى مندوب من المندوبات، فى الوقت الذى فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال.
هذا وما يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرَّم الله شعره وبشره على النار" فليس بصحيح
(9/350)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 11:22 pm


حكمة مشروعية الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيح الحكمة فى مشروعية الحج، الواردة فى بعض آيات الذكر الحكيم؟

الجواب
من أهم الآيات التى ذكرت فيها حكمة مشروعية الحج قوله تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرَّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم: 38، وقوله {وأذِّن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.
ليشهدوا منافع لهم} الحج: 27، 28، ففى الحج فائدة لأهل مكة تشمل كل منفعة دينية ودنيوية، مادية ومعنوية سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها، يفيد منها الحجاج ومن يسكنون مكة ويفيد المسلمون بوجه عام.
وعلى ضوء ما ذكرناه من حكمة التشريع عامة نوضح حكمة الحج على الوجه التالى:
1- صلة العبد بربه فى الحج تظهر عندما يحرم الحاج ملبيًا، يقر بوحدانية الله ويشكره، ويرجع كل الفضل والنعمة إليه "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " وحين يطوف بالبيت سائلا متضرعا يستمنح الله جوده وبره وعفوه، وحين يقبل الحجر أو يستلمه، كأنه يعاهد ربه على الطاعة، على حد ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عنه " إنه يمين الله يصافح بها خلقه ". رواه أحمد وابن خزيمة فى صحيحه. وفى سعيه بين الصفا والمروة كالمتردد قلقا على مصيره: هل تفضل الله عليه عند طوافه ببيته أو لم يتفضل، وفى وقوفه متجردا من كل زينة، ملغيا لقبه ومظاهر ترفه وراء ظهره خاشعا داعيا.
وفى هذه الهيئة المتواضعة مع الذلة والانكسار يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله يباهى بأهل عرفات الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادى أتونى شعثًا غبرًا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أنى قد غفرت لهم " رواه أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقى. وفى رميه للجمرات تشبه بحربه للشيطان ومقاطعة لما يغرى به من فساد، كما تظهر العبودية له بتحمل مشقة السفر، ومخالطة ذوى الطباع المختلفة والتعرض للاجواء الغريبة، مؤثرا رضاء الله على رضاء نفسه وفى الهدى والفداء رمز للتضحية بالدم وبأغلى ما يملك الإنسان إيثار لما عند الله وجهادا فى سبيله.
وفى الحج ارتباط بمهد النبوة وإحياء لبيت الله، وتذكر لحوادث ماضية كانت سببا فى قداسة هذا المكان، من وجود هاجر وابنها إسماعيل وحيدين فى هذا الوادى، ولطف الله بهما فنبعت لهما زمزم وعَمُرَ المكان وبنى أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين.
هذا، وفى الذكر والتكبير والتلبية عند المشاعر صلة قوية بالله، قال تعالى {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين.
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم. فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اَباءكم أو أشد ذكرا} البقرة: 198 - 200، وقال {واذكروا الله فى أيام معدودات} البقرة: 203، وقال {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف} الحج: 36.
هذا الذكر كله يدل عليه فى حكمة الحج قول النبى صلى الله عليه وسلم "إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله " رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح.
2- الإحرام بالحج فى ملابس متواضعة وبعدٍ عن مظاهر الترف درس عملى فى التواضع وعدم الغرور بزخارف الدنيا وفيه نكران للذات وتركيز على التقرب إلى الله بقلب خالص وعمل طيب ينال به الكرامة عنده. وقد حج النبى صلى الله عليه وسلم على رحلٍ رث وقطيفة خلقة وقال "اللهم حجًّا لا رياء فيه ولا سمعة" رواه الترمذى وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من الحاج؟ قال " الشعث التفل " رواه ابن ماجه بإسناد حسن. والشعث هو البعيد العهد بتسريح شعره وغسله، والتفل هو من ترك الطيب والتنظف حتى تغيرت رائحته.
وفى الحج تمرين على الأسفار والترحال وتحمل المضايقات وضبط النفس عن السباب والفسوق وإمساك عن المغريات، وفى الحديث الشريف "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخارى ومسلم وفيه إلى جانب ذلك ثقافة واطلاع وتفكر واعتبار ودراسة عملية على الطبيعة-إلى حد ما - لفترة من حياة النبى صلى الله عليه وسلم ولتاريخ العرب وذكرياتهم الدينية، مع منافع مادية تجارية وغيرها فى الموسم.
3- لا ينكر أحد أن الحج فرصة لعقد مؤتمر إسلامى يتخطى حدود البيئة والجنس واللغة، ويعلو على الفوارق والعصبيات، ينبغى أن تناقش فيه المشكلات وتوضع فيه الحلول، وأن تتلاقى الأفكار وتتلاقح الثقافات، توكيدا للوحدة الجامعة التى يحبها الله لهذه الأمة {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} الأنبياء: 92، لتنهض سويا بواجباتها الدينية والإنسانية العامة، ولتقف صفا واحدا أمام العدو المتربص.
إن للمسلمين فى هذا الموسم من عوامل الوحدة ما يعلو على كل العوامل، فربهم جميعا واحد، ودينهم واحد، وقبلتهم واحدة، وغايتهم واحده، وزيهم واحد، وهم بهذه العوامل كأنهم شخص واحد ينبغى أن يكونوا كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"رواه البخارى ومسلم.
هذه بعض حكم تلتمس للحج، وإذا كان فى بعض شعائره ما تخفى الحكمة فيه كرمى الجمار فإن أداءها لمجرد أنها مشروعة من الله دليل على قوة الإيمان وعلى الثقة البالغة فى حكمة الله كما قدمنا.
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحس أن فى بعض النفوس خواطر تحوم حول بعض هذه الشعائر فنبَّة إلى جانب التعبد والتسليم المطلق فيها قائلا وهو يلبِّى " لبيك بحجة حقًّا، تعبدا ورقًّا" رواه البزار والدار قطنى، ويوضحه قول عمر رضى الله عنه حين قبَّل الحجر الأسود: والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع وله لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبتك. رواه البخارى ومسلم
(9/351)
________________________________________
صوم التمتع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا أردت الحج متمتعا، ولزمنا الهدى ولم أقدر عليه، ووجب علىَّ الصيام بدل الهدى، فمتى أصوم؟

الجواب
قال تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم. تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام} البقرة: 196.
تدل الآية على أن من وجب عليه الصوم من أجل التمتع، وهو الإحرام بالعمرة فى موسم الحج قبل الحج، كان الصوم على فترتين،فتره فى أثناء الحج، وفترة عندما يعود إلى وطنه.
فما دام فى الحج يصوم ثلاثة أيام، ولكن متى؟ هناك أقوال أهمها:
1 - أن يكون البدء بالصيام بعد الإحرام بالحج، والغالب فيمن يتمتعون لعمل العمرة أولا أنهم لا يتحملون الالتزام بواجبات الإحرام مدة طويلة، مثل عدم التطيب، وعدم قص الشعر والظفر، وعدم قربان النساء. فهو يحرم بالحج قبل يوم عرفة بقليل، فإذا أحرم يوم السابع من ذى الحجة أمكنه أن يصوم السابع والثامن والتاسع الذى هو يوم عرفة، وعليه جمهور الفقهاء، ويجوز له أن يصوم قبل السابع إذا أحرم بالحج قبل ذلك.
2- يصومها ما دام بمكة فى أيام مِنى، وهى أيام التشريق. قاله مالك وجماعة من أهل المدينة.
فقد روى مالك فى الموطأ عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديًا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة، فإن لم يصم صام أيام منى. وهذا الصيام قيل أداء وقيل قضاء، لأن وقت الأداء هو قبل يوم النحر. والأظهر أنه على وجه الأداء.
قال القرطبى فى تفسيره "ج 2 ص 400 " إن قيل إن صوم أيام التشريق منهى عنه، كما عليه الشافعى فى قوله الجديد وعليه أكثر أصحابه، قيل إن ثبت النهى فهو عام يخصص منه المتمتع. بما ثبت فى البخارى ان عائشة كانت تصومها، وعن ابن عمر وعائشة قالا: لم يرخص فى أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدى، وقال الدار قطنى: إسناده صحيح.
وهو حديث موقوف عليهما، وروى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم عنهما ولكن طرقه ضعيفة.
3- أن يكون صوم الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق، قال ابن المنذر: رويناه عن على بن أبى طالب وقاله الحسن وعطاء وكذلك نقول.
4- أن يكون الصوم فى إحرامه بالعمرة - وذلك قبل الإحرام بالحج - فما دام من يريد الصيام محرما جاز له ذلك، لأن إحرامه بالعمرة كاحرامه بالحج، وحكى عن أبى حنيفة.
5- هناك قول لأحمد بن حنل بجواز الصيام قبل الإحرام. وذلك من أول أيام العشر، وقال به عطاء وتتلخص الأقوال فى قولين أساسيين الأول جواز الصوم قبل الإحرام، وهو المذكور تحت رقم 5 والثانى اشتراط أن يكون الصوم بعد الإحرام، والإحرام إما أن يكون بالعمرة وهو المذكور تحت رقم 4 وإما أن يكون الإحرام بالحج، والقائلون بذلك رأوا أن يكون الصيام قبل يوم النحر، وهم الجمهور وهو المذكور تحت رقم 1، وأجاز بعضهم أن يكون بعد يوم النحر، إما فى أيام التشريق - للضرورة أو الحاجة وهو المذكور تحت رقم 2، وإما بعد أيام التشريق وهو المذكور تحت رقم 3.
ورأى الجمهور أقوى، ولا مانع من الأخذ بغيره عند الضرورة أو الحاجة "راجع تفسير القرطبى ج 2 ص 399 "
(9/352)
________________________________________
الحج وتزويج الولد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
معى مبلغ من المال أستطيع أن أحج به، ولكن عندى ولد يستحق الزواج، فهل يمكن أن أعطيه هذا المبلغ للزواج ويسقط عنى الحج؟

الجواب
من المعلوم أن الله سبحانه فرض الحج على المستطيع، وحذر من قصَّر فيه كما يدل عليه قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران: 97، وقال جمهور الفقهاء: إن الحج واجب على الفور، يأثم الإنسان بتأخيره، وقال الشافعى:
واجب على التراخى، لو أخره لا حرمة عليه ولكن يكون عالقًا بذمته لا يبرأ حتى يؤديه، وإن مات وجب الحج عنه، أما مساعدة الولد أو البنت على الزوج فهى سنة ليست واجبة، وإذا تعارض الواجب مع السنة قدم الواجب، وهذا محل اتفاق بين الجميع
(9/353)
________________________________________
الحج عن الغير أو للغير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
والدى عنده مبلغ من المال يكفيه للحج ولكنه عاجز عن أداء الفريضة صحيًّا، فهل يصح ان أحج عنه، ولو دعانى ابنى الذى يعمل فى السعودية للحج على نفقته، فهل يصح ان أجعل هذه الحجة لوالدتى مع أنها ليست من مالى؟

الجواب
من عجز عن أداء الحج بنفسه لمرض أو شيخوخة أو غيرهما وعنده القدرة المالية يجب عليه أن ينيب غيره ليحج عنه، بدليل الحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح عن الفضل بن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال "نعم ".
وكذلك إذا مات من استطاع أن يحج ولم يحج يجب أن يحج عنه غيره حتى لو لم يوص بذلك على ما رآه جمهور الفقهاء، وتخرج النفقات من التركة وتقدم على الميراث لأنها دين. روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمى نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال "نعم، حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا فالله أحق بالوفاء ".
هذا عن الحج عن الغير، أو الحج الواجب، أما الحج للغير وهو الحج المندوب الذى يريد الحاج أن يهدى ثوابه لأحد أقاربه أو لغيره ممن ماتوا ولم يكن الحج واجبا عليهم -فيجوز أيضا، ويستوى فى ذلك أن تكون نفقات الحج من الشخص نفسه أو من شخص اخر أو جهة أخرى، وإن كان للمتبرع بهذه النفقات ثواب أيضا.
ويشترط فى كلا الأمرين -الحج عن الغير والحج للغير-أن يكون القائم به قد سبق له الحج عن نفسه وسقطت عنه الفريضة، فإن لم يكن قد أداها حسبت الحجة له هو، على ما رآه جمهور الفقهاء وليس للغير فيها نصيب من سقوط الحج عنه أو وصول الثواب إليه، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقى وصححه عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال له "من شبرمة"؟ قال: أخ أو قريب لى، قال " أحججت عن نفسك "؟ قال لا، قال "فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " هذا، والحج الواجب عن الغير إن كان ميتا لا يشترط فيه أن يكون قد أوصى به لأن الدَّين يجب قضاؤه مطلقا، وكذلك سائر الحقوق المالية من كفارة أو زكاة أو نذر فالظاهر أن دين الحج مقدَّم على دين الآدمى إذا كانت التركة لا تتسع للحج والدين، لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث الجهنية السابق "فالله أحق بالوفاء" والإمام مالك لا يوجب الحج عن الغير من تركته إلا إذا أوصى، أما إذا لم يوص فلا يحج عنه، وحجته أن الحج عبادة غلب فيها جانب البدنية فلا يقبل النيابة كالصلاة وإذا أوصى كان الحج من الثلث.
ومما سبق يعلم أن المرأة يجوز أن تحج عن الرجل، وأن الرجل يجوز أن يحج عن المرأة، حيث لا يوجد نص يخالف ذلك
(9/354)
________________________________________
المبيت بالمزدلفة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قد يحدث ارتباك عند الإفاضة من عرفة فلا يتمكن بعض الحجاج من مغادرتها إلى مزدلفة حتى يطلع الفجر بل حتى تشرق الشمس، وبهذا لا يبيتون بالمزدلفة ليلة العيد، فماذا يفعلون؟

الجواب
المزدلفة موضع بين عرفة ومِنى، وهى اَخر حدود الحرم المكى، وكان الحُمْسُ أى المتشددون فى الدين من العرب وهم قريش ومن أخذ مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف، يقفون بها ولا يقفون بعرفة كبقية الناس، قائلين نحن قطين الله اى جيران بيته فلا نخرج من حرمه، فأمرهم الله أن يقفوا ويفيضوا من عرفة كما قال تعالى {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} البقرة: 199، ولما أفاض النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع من عرفة ووصل إلى شعب الأذاخر قبل المزدلفة نزل وتوضأ وضوءا خفيفا، فذكَّره أسامة الصلاة فقال "الصلاة أمامك " حتى أتى مزدلفة، وهى المسماة بجمع، قيل لأن آدم وحواء اجتمعا فيها فأزلف إليها، أى قرب منها، وقيل: لأنه يجمع فيها بين صلاتى المغرب والعشاء، وقيل: لأن الناس يجتمعون فيها ويزدلفون إلى الله أى يتقربون إليه بالوقوف بها، فصلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء قصرا ورقد بقبة ليلته متعبا، ولما طلع الفجر صلى ثم أتى المشعر الحرام وظل واقفا حتى أسفر الفجر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس.
وكان صلى الله عليه وسلم قد أذن لبعض النساء بالذهاب إلى مِنى قبل الزحام ورمين جمرة العقبة قبل الفجر، يقول القسطلانى والزرقانى: اختلف السلف فى ترك المبيت بالمزدلفة، فقال علقمة والنخعى والزهرى والشعبى - وهم من التابعين -من تركه فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة. وقال عطاء والزهرى وقتادة - من التابعين أيضا - والشافعى والكوفيون - أبو حنيفة وأصحابه -وإسحاق بن راهويه: عليه دم، ومن بات بها لم يجز له الدفع قبل مضى النصف الأول من الليل، وقال مالك البيات بها مستحب. إن مر بها فلم ينزل فعليه دم، وإن نزل ولو بقدر حط الرحل فلا دم عليه متى دفع "ج 8 ص 188 ".
والنووى صحح فى زيادة الروضة وشرح المهذَّب أن المبيت بمزدلفة واجب، لو فات وجب فيه دم، وفقه كلام الرافعى والمنهاج أنه سنة لا شىء فى فواته، وكل ذلك إذا لم يكن عذر، ومنه تأخر المواصلات قياسا على ما قاله صاحب "كفاية الأخبار " فى فقه الشافعية فيمن وصل إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بمزدلفة فلا شىء عليه.
من هذا نعلم أن هناك خلافا بين الفقهاء فيمن فاته المبيت بمزدلفة، فبعض التابعين تشدد وقال: فاته الحج وأتمه عمرة، وقال بعض الأئمة: من فاته فقد فاته واجب يجبر بدم، وحجه صحيح، وقال مالك: المبيت مستحب، ومن مر لم ينزل فعليه د م.
وقال بعض الفقهاء: إن المبيت سنة وليس بواجب ولا شىء فى فواته حتى لو لم يكن عذر، وعند العذر لا يجب بتركه شىء
(9/355)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 11:31 pm

الحج بدون الزيارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لم أتمكن بعد الحج من زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم فهل يعتبر حجى ناقصا وهل يعتبر ذلك جفوة للنبى صلى الله عليه وسلم؟

الجواب
أما الحج فهو صحيح بدون زيارة النبى صلى الله عليه وسلم وزيارته إما زيارة لمسجده، وإما زيارة لقبره، وزيارة مسجده سنة، لأنه من المساجد التى تشد إليها الرحال، حيث يضاعف الله فيه ثواب الصلاة فيكون بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام كما ثبت الحديث الصحيح الذى رواه مسلم.
وأما زيارة قبره فهى سنة، لأن زيارة القبور بوجه عام مندوبة للعبرة والموعظة، وزيارة قبره اَكد وأعظم، فقد وردت فيها أحاديث كثيرة وإن كانت ضعيفة، فكثرتها تعطيها قوة ومن هذه الأحاديث المتصلة بالحج " من حج ولم يزرنى فقد جفانى" جاء فى شرح الزرقانى للمواهب "ج 8 ص 298" أن هذا الحديث ذكره ابن عدى فى " الكامل " وابن حبان فى " الضعفاء " والدارقطنى فى "العلل، غرائب الرواة " عن مالك وآخرين، كلهم عن ابن عمر مرفوعا - أى مسندا إلى النبى صلى الله عليه وسلم - ولا يصح إسناده.
ثم قال: وعلى فرض ثبوته فإن عبارة " فقد جفانى" توهم فى ظاهرها وجوب الزيارة، لأن الجفوة إيذاء وإزالته واجبة، فتكون الزيارة لإزالة الأذى واجبة، لكن لم يقل أحد بوجوبها إلا الظاهرية.
فالخلاصة أن الحج بدون زيارة النبى صلى الله عليه وسلم صحيح، والزيارة سنة، والحديث ضعيف
(9/356)
________________________________________
الأضحية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أنه يجب على من يريد أن يذبح أضحية أن يمتنع عن الأمور المحرمة على الحاج من قص الشعر والظفر ونحوه؟

الجواب
لقد مر الحديث عن الأضحية باستفاضة فى المجلد الأول من هذه الفتاوى وبخصوص ما ورد فى السؤال روى الجماعة إلا البخارى عن أم سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم هلال ذى الحجة وأراد أحدكم أن يضحى فليمسك عن شعره وأظفاره " وفى رواية لمسلم " من كان له ذبح - بكسر الذال - يذبحه فإذا أهلَّ هلال ذى الحجة فلا يأخذن من شعره وأظفاره حتى يضحى ".
تتلخص أقوال العلماء فى قص الشعر والظفر لمن أراد أن يضحى فيما يأتى:
1- قال الشافعى: إنه مكروه كراهة تنزيه، أى لا عقاب فيه، وذلك بناء على الحديث المذكور، حيث حمل النهى فيه على الكراهة لا على الحرمة، ويؤكده حديث عائشة الذى رواه الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهدية من المدينة ولا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم.
2- وقال أحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعى: إنه حرام، حيث حملوا النهى فى الحديث على التحريم. لكن ماذا يفعلون بحديث عائشة المذكور؟ 3- وقال أبو حنيفة: لا يكره الحلق والتقصير، لكن الحديث يرد عليه.
4- أما الإمام مالك: فروى عنه القول بعدم الكراهة كما قال أبو حنيفة، وروى عنه قول بالحرمة فى التطوع دون الواجب.
يؤخذ من مجموع هذه الأقوال أن قَصَّ الشعر أو الظفر لمن يريد أن يضحى ليس حراما عند جمهور الفقهاء، فهو إما مباح وإما مكروه عندهم، ولا يجوز التعصيب لرأي فقهى وبخاصة إذا كان الجمهور لا يقول به
(9/357)
________________________________________
محظورات الإحرام وجزاؤها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الأمور الممنوعة على المحرم بالحج أو العمرة؟ وما جزاء من ارتكب شيئا منها؟

الجواب
المحظورات فى الإحرام جاء بعضها فى القرآن وجاء كثير منها فى السنة النبوية، وإليك هذه المحظورات التى فيها جزاء دنيوى:
1-الجماع، وقد مر حكمه.
2- لبس المخيط أو المحيط، كالقميص والسروال والقباء والجبة والبرنس، وكذلك الخف والحذاء، روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس -كل ثوب رأسه منه - ولا السراويل، ولا ثوبا مسه ورس - نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به - ولا زعفران، ولا الخفين، إلا أن يجد نعلين فليقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين ".
والإجماع أن هذا خاص بالرجل، أما المرأة فتلبس كل ذلك ما عدا ما مسه طيب، وما عدا النقاب والقفازين. لقول ابن عمر رضى الله عنهما: نهى النبى صلى الله عليه وسلم النساء فى إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب، من معصفر أو خز - حرير - أو حلى، أو سراويل أو قميص أو خف رواه أبو داود والبيهقى والحاكم وصححه - قال البخارى: ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهى محرمة وقالت:
لا تتلثم، ولا تتبرقع، ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران. وعند البخارى وأحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تنتقب المرأة المحرمة ولاتلبس القفازين " ومعنى ذلك أن إحرامها فى وجهها وكفيها، قال العلماء، إن سترت وجهها بشىء فلا بأس، على ألا يكون. نقابا مفصلا كالمعتاد.
وبخاصة عند الرجال الأجانب. فقد روى ابو داود وابن ماجه أن عائشة رضى الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها - أى الملحفة - على وجهها، فإذا جازوا بنا كشفناه.
وممن قال بجواز سدل الثوب مالك والشافعى وأحمد.
وإذا لم يجد الرجل الإزار والرداء أو النعلين لبس ما وجده للضرورة، فقد روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات وقال " إذا لم يجد المسلم إزارا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين " وجاء فى رواية لأحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقل عن الخفين " وليقطعهما" ومن هنا قال أحمد:يجوز للمحرم لبس الخف والسراويل إذا لم يجد النعلين والإزار بدون قطع النعلين ولا فدية عليه. لكن جمهور الفقهاء اشترط قطع الخف ليكون كالنعل بناء على حديث ابن عمر المتقدم رواه البخارى ومسلم. والحنفية يوجبون شق السراويل إذا لم يجد الإزار، فإن لبسها دون شق لزمته الفدية. والشافعى ومالك لا يريان وجوب شقها، لأن النص كان على قطع الخفين وبناء على رواية جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا لم يجد إزارا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " رواه النسائى بسند صحيح، فإذا لبس السراويل ووجد الإزار لزمه خلع السراويل [الإزار هو الثوب الذى يستر أسفل الجسم والرداء هو الثوب الذى يستر أعلى الجسم] وإذا لم يجد رداء لم يلبس القميص، بل يظل عاريا، فليس أعلى الجسم عورة.
3- عقد النكاح لنفسه أو لغيره بأى وجه من الوجوه، ويقع العقد باطلا لا تترتب عليه اَثاره الشرعية، ودليله حديث رواه مسلم وغيره عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال " لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب " ولم يجىء فى رواية الترمذى " ولا يخطب " وهو حديث حسن صحيح. وقال بهذا الحكم جمهور الفقهاء: مالك والشافعى وأحمد، ولا يعترض عليه بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، فإن الرواية الصحيحة عن مسلم أنه تزوجها وهو حلال.
قال الترمذى: اختلفوا فى تزوج النبى صلى الله عليه وسلم ميمونة حيث تزوجها فى طريق مكة، فقال بعضهم: تزوجها وهو حلال، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال فى"سرف "فى طريق مكة.
والحنفية خالفوا الجمهور وأجازوا عقد النكاح للمحرم، وليس لهم دليل على ذلك وقالوا:
الممنوع هو الجماع وليس العقد.
4، 5 - تقليم الأظفار وإزالة الشعر بالحلق أو القص أو بأية طريقة أخرى، سواء كان الشعر فى الرأس أم فى أى موضع آخر من الجسد، قال تعالى {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله} البقرة: 196، هذا دليل حلق الشعر أما دليل تقليم الظفر فهو الإجماع، فيحرم من غير عذر، فإن انكسر فله إزالته من غير فدية، وكذلك لو كان يتأذى بشعره فله إزالته، لكن فى الإزالة فدية للنص عليه، قال تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة: 196، وهذا الحكم للرجل والمرأة. واستثنى من الفدية شعر العين إذا تأذى به كما قال الجمهور، وأوجبها مالك.
6- الطيب فى الثوب أو البدن، ودليله ما رواه البزار بسند صحيح أن عمر رضى الله عنه وجد ريح طيب من معاوية وهو محرم، فقال له:
ارجع فاغسله، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الحاج الشعث التفل " والشعث هو البعيد العهد بتسريح شعره وغسله، والتفل هو، الذى ترك الطيب والتنظيف، وقال صلى الله عليه وسلم " أما الطيب الذى بك فاغسله عنك ثلاث مرات " رواه البخارى ومسلم.
وإذا مات المحرم لا يوضع الطيب فى غسله ولا فى كفنه كما قال الجمهور، وأجازه أبو حنيفة، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم فيمن مات محرما " لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " هذا فى الطيب الذى يوضع بعد الإحرام، أما وضعه قبله فلا بأس به حتى لو بقى أثره بعد الإحرام. ففى حديث متفق عليه عن عائشة:
كأنى أنظر إلى وبيص الطيب فى مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرم.
وهذا الحكم هو فى وضع الطيب فى البدن أو الثوب ومثل ذلك لبس ثوب مصبوغ بما له رائحة طيبة، إلا أن يغسل وتزول رائحته، وكذلك وضعه فى مطبوخ أو مشروب يحرم وفيه الفدية إن بقيت رائحته كما قال الشافعية، وخالفهم الحنفية لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب، "راجع ص 539من المجلد الخامس من هذه الفتاوى ".
7- التعرض للصيد البرى بقتل أو تنفير أو دلالة عليه إن كان غير مرئى، وكذلك إفساد بيض الحيوان البرى وبيعه وشراؤه وحلب لبنه.
أما صيد البحر فلا حرمة فيه، قال تعالى {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرَّم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} المائدة: 96، وكذلك يحرم الأكل من هذا الصيد الذى صاده أو صيد له أو بمعونته، فقد روى البخارى ومسلم عن أبى قتادة أنه كان مع جماعة محرمين فاصطاد حمار وحش، وأكلوا منه ولما أخبروا الرسول بذلك أجاز أكلهم حيث لم يأمروا الصائد بذلك وروى أحمد والترمذى عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صيد البر لكم حلال وانتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم ". وهذا هو رأى جمهور الفقهاء.
8- ومن ارتكب شيئا من هذه المحظورات فجزاؤه كما يأتى:
صيد الحرم وقطع شجره -إن الصيد المذكور من قبل هو الصيد الواقع من المحرم ويستوى فيه ما صيد فى الحل وما صيد فى الحرم.
أما صيد الحرم وقطع شجره فيستوى فيه المحرم وغير المحرم، والممنوع بالنسبة للشجر هو الشجر الذى لم يستنبته الآدميون عاده.
ومثله قطع الرطب من النبات حتى الشوك، إلا الإذخر والسنا فلا مانع من التعرض لهما.
ودليله ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرام، لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف " واستثنى الإذخر كطلب العباس.
وما استنبته الآدميون يجوز قطعه على رأى الجمهور، وتفصيل الجزاء يرجع فيه إلى كتب الفقة على رأى من يقول بالجزاء، أما من لا يقول به فأوجب الاستغفار. راجع ص 357 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى.
أما الجماع فقد مر حكمه؟ وأما لبس المخيط وتقليم الأظفار وإزالة الشعر والتطيب ففيه فدية جاءت فى قوله تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسك} البقرة: 196، والنسك هو الذبح، والفدية على التخيير بين هذه الأمور الثلاثة: ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، كل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام. روى البخارى ومسلم عن كعب بن عُجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية، فقال " قد آذاك هوام رأسك "؟ قال: نعم، فقال " احلق ثم اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين " وجاء فى رواية لأبى داود أن الآية نزلت فيه، والإطعام فيها هو فرق من زبيب، والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا عراقيا.
وإذا كان هذا الحكم فى المعذور فقد قاس الشافعى عليه غير المعذور. وأبو حنيفة أوجب الدم على غير المعذور إن قدر عليه.
هذا، ويلاحظ فى الشعر أن يكون المزال ثلاث شعرات فأكثر حتى تجب فيه الفدية المذكورة، أما إزالة شعرة واحدة ففيها مُد كما قال الشافعى، وفى الشعرتين مُدان، وفى الثلاثة فصاعدا دم. ووضع الدهن فى الشعر إن كان بزيت خالص أو خل خالص يجب فيه الدم، أما وضعه فى غير شعر الرأس واللحية فلا شىء فيه عند الشافعية وفيه الدم عند الحنفية.
كما يلاحظ أن لبس المخيط والتطيب لاشىء فيه عند الجهل بالتحريم أو عند نسيان الإحرام فقد روى الجماعة إلا ابن ماجه أن رجلا أحرم بالعمرة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم بالجعرانة عن ذلك فقال " اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا فى حجك فاصنع فى عمرتك " وقال عطاء:
إذا تطيب أو لبس -جاهلا أو ناسيا-فلا كفارة عليه. رواه البخارى.
وهذا بخلاف قتل الصيد مع الجهل أو النسيان ففيه الجزاء، لأن ضمانه ضمان مال فيستوى فيه العلم والجهل، والعمد والنسيان كضمان مال الآدميين.
أما الصيد فقد جاء فى جزائه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} المائدة: 95.
قال ابن كثير: الذى عليه الجمهور أن العامد والناسى سواء فى وجوب الجزاء عليه، والآية تدل على أن الجزاء على المتعمد، والسنة من أحكام النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بوجوب الجزاء فى الخطأ.
وقتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون فى العمد والنسيان، لكن الفرق بينهما أن التعمد فيه إثم دون النسيان، وتفصيل الجزاء وبيان المثلية من النعم يرجع فيه إلى كتب الفقه
(9/358)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 11:32 pm

ما يباح للمحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
توجد بعض أشياء يختلف المحرمون فى حلها وحرمتها غير ما ذكر فى المحظورات نريد بيان ما يحل منها حتى لا يتشكك المحرم ولا يكثر الجدال؟

الجواب
من المباحات فى الإحرام ما ياتى:
1- الاغتسال للنظافة والأغسال المسنونة كالغسل يوم الجمعة، وكذلك تغيير ملابس الإحرام، روى الجماعة إلا الترمذى أن ابن عباس والمسور بن مخرفة كانا بالأبواء واختلفا فى غسل المحرم رأسه وأن أبا أيوب الأنصارى أخبر أن الرسول كان يفعله، ودخل ابن عباس حمام الجحفة وهو محرم فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: إن الله ما يعبأ بأوساخنا شيئا، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك، وروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الجنابة.
واستعمال الصابون للنظافة جائز، وعند الشافعية والحنابلة: لا مانع منه حتى لو كانت له رائحة لأنها غير مقصودة للتطيب.
ويجوز نقض الشعر وتمشيطه كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم عائشة به ورواه مسلم.
والنووى فى شرحه قال: إن ذلك جائز فى الإحرام بحيث لا ينتف شعرا، ولكنه مكروه إلا لعذر، وذلك خشية سقوط الشعر ووجوب الفدية.
2- ستر الوجه لاتقاء الغبار أو الريح الشديدة بما لا يلاصق الوجه، فقد روى الشافعى وسعيد بن منصور أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون -والتخمير هو الستر.
3- لبس الخفين للمرأة، فقد روى أبو داود والشافعى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء فى الخفين.
4- تغطية الرأس نسيانا، فلا شىء فيه عند الشافعية كلبس القميص مع النسيان، وأوجب الحنفية فيه الفدية، وقد تقدم ذلك، وبالمثل النسيان والجهل فى التطيب، فالقاعدة عند الشافعية أن النسيان والجهل فى كل محظور عذر يمنع وجوب الفدية فيما عدا الإتلاف كالصيد وفيما عدا الحلق وتقليم الظفر على الأصح عندهم.
5- الحجامة وفقء الدمل ونرغ الضرس والفصد، فقد ثبت احتجام النبى صلى الله عليه وسلم فى وسط رأسه وهو محرم، وهل يا ترى كان مع الحجامة إزالة شعر أم لا؟ يقول النووى: إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهى حرام من أجل قطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك، وعن الحسن البصرى:
الحجامة فيها فدية وإن لم يقطع شعرا، فإن كان لضرورة جازت مع قطع الشعر وتجب الفدية.
وقال مالك: لا بأس للمحرم أن يفقأ الدمل ويربط الجرح ويقطع العرق إذا احتاج، وقال ابن عباس: المحرم ينزع ضرسه ويفقأ القرحة.
6- حك الرأس والجسد بحيث لا يكون فيه إزالة للشعر،، فقد ثبت فى البخارى ومسلم وغيرهما أن عائشة رضى الله عنها أجازت ذلك، وروى ذلك عن ابن عباس وجابر وغيرهما.
7- النظر فى المرآة وشم الريحان. روى البخارى عن ابن عباس أنه جائز، وإذا قال ابن المنذر: إن العلماء أجمعوا على أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب فى جميع بدنه -فإن المكث فى مكان فيه روائح عطرية كتجارة العطور فيه خلاف للعلماء، قال الحنفية والمالكية: إنه مكروه سواء قصد شمها أم لم يقصد، وقال الشافعية والحنابلة، إنه حرام عند القصد، جائز عند عدمه، ومع إجازة الشافعية له عند عدم القصد كرهوا الجلوس فى هذا المكان الذى فيه العطر، مالم يكن الجلوس قربة لله، كالجلوس عند الكعبة وهى تبخر فلا كراهة فيه. ويجوز حمل زجاجة فيها عطر ولا فدية ما لم يستعمل ما فيها من عطر.
8- لبس الحزام لشد الإزار أو حفظ النقود، لا مانع منه ومثله الحزام الطبى، وكذلك يجوز لبس الخاتم، حيث لا يصدق على ذلك لبس المخيط أو المحيط. قاله ابن عباس.
9- الاكتحال للتداوى - لا مانع منه، ما دام بغير طيب ولا يقصد به الزينة كما قال ابن عباس.
10 - الوقاية من المطر أو الحر بمثل المظلة أو الخيمة ما دام ذلك لا يغطى الرأس، فقد روى مسلم أن أسامة بن زيد وبلالا كانا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة. وأخرج ابن أبى شيبة أن عمر رضى الله عنه كان يطرح النطع على الشجرة فيستظل به وهو محرم، وأجاز عطاء بن أبى رباح الاستظلال من الشمس واتقاء الريح والمطر، وحكى إبراهيم النخعى عن الأسود بن يزيد أنه طرح على رأسه كساء يستكن به من المطر وهو محرم.
11- الخضاب بالحناء، فقد أجازته الحنابلة فيما عدا الرأس وأجازته الشافعية فيما عدا اليدين والرجلين لغير حاجة، ولا يغطى رأسه بحناء ثخينة. كما كرهوا للمرأة الخضاب بالحناء حال الإحرام. إلا إذا كانت معتدة من وفاة فيحرم عليها ذلك، كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشا، أى للزينة.
والحنفية والمالكية حرَّموه للرجل والمرأة فى أى جزء من البدن، لأنه طيب وهو ممنوع.
مستدلين بحديث رواه الطبرانى فى الكبير والبيهقى وابن عبد البر عن خولة بنت حكيم عن أمها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة رضى الله عنها "لا تطيبى وأنت محرمة، ولاتمسى الحناء فإنه طيب ".
12- قتل الحشرات المؤذية، مثل النمل والقراد، الصغير منه والكبير، كما جاء عن ابن عباس وعطاء.
13- قتل الحيوانات والطيور المؤذية فقد روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خمس من الدواب كلهن فاسق،- يُقتلن فى الحرم - وفى رواية مسلم: والحل - الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" وزاد في رواية البخارى الحية فيكون العدد ستا لا خمسا.
وأطلق عليها الفواسق والفسق هو الخروج، لأنها خرجت عن حكم غيرها من الحيوانات فى تحريم قتل المحرم لها، وقيل: لخروجها عن غيرها فى حل الأكل، أو لخروجها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع.
وقد اتفق العلماء على أن غراب الزرع وهو الصغير الذى يأكل الحب لا يقتل والكلب العقور يعم كل ما يعقر الناس ويخيفهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب، وقال الحنفية:
إن لفظ الكلب قاصر عليه لا يلحق به غيره ما عدا الذئب فهو مثله. وابن تيمية يبيح للمحرم أن يقتل كل ما يؤذى حتى لو كان آدميّا لا يندفع إلا بقتله فالدفاع مشروع، ومن قتِل مدافعا عن نفسه أو ماله أو دينه أو عرضه فهو شهيد.
وهذا وقد قال العلماء: يجوز للمحرم أن يضرب خادمه للتأديب، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه أن أبا بكر رضى الله عنه ضرب خادمه الذى ضل منه بعيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم -حيث كان رفيقا له فى حجة الوداع -يبتسم ولم يزد على قوله " انظروا لهذا المحرم ما يصنع "
(9/359)
________________________________________
الحج أو الزيارة أولا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الأفضل أن يحج الإنسان أولا ثم يزور المدينة أو يزور المدينة أولاً ثم يحج؟

الجواب
إذا كانت هناك تنظيمات مفروضة للمصلحة فى سفر الحجاج فالأفضل اتباع هذه التنظيمات، لوجوب طاعة أولى الأمر فيما ليس بمعصية وفيما يحقق المصلحة ومعروف أن ظروف المواصلات والإقامة تقتضى فى هذه الأيام أن تنظم رحلات الحج بمواعيد محددة.
فإذا لم توجد تنظيمات مفروضة فقد اتفق فقهاء السلف على جواز البدء بما يشاء الإنسان من الحج والزيارة، كما اتفقوا على أن المدينة إذا كانت فى طريق الحاج إلى مكة كان تقديم الزيارة أفضل، وذلك من باب التيسير والتخفيف، والنبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، كما صح فى الحديث الذى رواه البخارى.
ثم اختلفوا فيمن ليست المدينة فى طريقه إلى مكة، فذهب جماعة من التابعين إلى أفضلية البدء بالزيارة، وذلك لإحراز فضيلة الإحرام من ميقات المدينة الذى أحرم منه النبى صلى الله عليه وسلم وذهب جماعة آخرون إلى أفضلية البدء بالحج، لأنه هو الأصل، والزيارة تبع له.
وذلك كله اختلاف فى الأفضلية، ولا يضر فى صحة النسك من حج أو عمرة ولكل أن يختار ما يتناسب مع ظروفه
(9/360)
________________________________________
التلبية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل التلبية فى الإحرام واجبة وما هو وقتها، وما هى أحسن صيغها؟

الجواب
التلبية هى قول: لبيك اللهم لبيك، كما أن التهليل هو قول:لا إله إلا الله والتسبيح قول سبحان الله.
وهى تكون فى الحج والعمرة عند الإحرام، فقد روى أحمد وابن حبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يا آل محمد، من حج منكم فليهل فى حجه - أو فى حجته - " ومعنى: يهل، يرفع صوته بالتلبية. فهى مشروعة بإجماع العلماء، لكن ما هو مدى مشروعيتها؟ لقد اختلفوا فى حكمها وفى وقتها، فقال الشافعى وأحمد: إنها سنة، ويستحب اتصالها بالإحرام، فلو أحرم دون أن يلبى فإحرامه صحيح ولا شىء عليه وقال الحنفية: إن التلبية- وما يقوم مقامها كالتسبيح -شرط لصحة الإحرام، فمن أحرم ولم يلبِّ أو لم يسبح أو لم يسق الهدى فلا إحرام له.
والمشهور عند المالكية أنها سنة، وقيل واجبة يصح الإحرام بدونها ويلزم دم وللاحاطة بالأقوال فى حكمها يرجع إلى "نيل الأوطار"ج 4 ص 339.
ويبدأ وقتها بالإحرام وينتهى برمى جمرة العقبة، فقد روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبِّى حتى بلغ الجمرة، وهذا رأى جمهور العلماء، ومالك يقول: تستمر حتى تزول الشمس من يوم عرفة ثم يقطعها الحاج وقال أحمد: لا تنتهى حتى يرمى الجمرات كلها. أما المعتمر فتنتهى تلبيته حتى يستلم الحجر الأسود كما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ورواه الترمذى بسند حسن صحيح عن طريق ابن عباس.
وتستحب التلبية فى مواطن كثيرة، عند الركوب والنزول وكلما علا مكانًا عاليًا، أو نزل واديًا أو لقى ركبًا، ودبر الصلوات وبالأسحار، وفى كل حال كما قال الشافعى.
أما صيغتها فقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن تلبية النبى صلى الله عليه وسلم كانت "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك لا شريك لك " والاقتصار على ما كانت عليه تلبية الرسول مستحب، واختلف العلماء فى الزيادة عليها، فذهب الجمهور إلى أن الزيادة لا بأس بها، كما زاد ابن عمر (لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. وكما زاد الصحابة والرسول يسمع ولا ينكر رواه أبو داود والبيهقى، وكره مالك الزيادة على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم وتسن بعدها الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والدعاء، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من التلبية سأل الله المغفرة والرضوان كما رواه الطبرانى وغيره.
والتلبية يستحب أن تكون جهرا، فقد روى أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "جاءنى جبريل -عليه السلام - فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج " وروى الترمذى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: أى الحج أفضل؟ فقال " العج والثج " والعج هو رفع الصوت بالتلبية والثج هو نحر الهدى.
وقال مالك: لا يرفع الملبى صوته فى مسجد الجماعات بل يسمع نفسه ومن يليه أما فى مسجد مِنى والمجسد الحرام فإنه يرفع صوته فيهما، وهذا الحكم بالنسبة للرجال، أما النساء فيكره لهن رفع أصواتهن أكثر مما يسمعن أو يسمعن من يليهن فقط. وقال عطاء لا تسمع المرأة إلا نفسها فقط.
وقد ورد فى فضل التلبية التى تعنى: إجابة بعد إجابة، أى الطاعة على الدوام مأخوذة من:
لب بالمكان أى أقام به - حديث رواه ابن ماجه للأمام " ما من محرم يُضحى يومه -أى يظل يومه -يلبِّى حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه " وحديث رواه الطبرانى "ما أهل مهل قط إلا بُشَر، ولا كبَّر مكبر قط إلا بشر" قيل يا نبى الله بالجنة؟ قال "نعم " وحديث رواه ابن ماجه والترمذى والبيهقى "ما من مسلم يلبِّى إلا لبَّى من عن يمينه وشماله من حجر أو مدر-حصا- حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا "
(9/361)
________________________________________
الدعاء فى الطواف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرى بعض الطائفين حول البيت يمسكون بأيديهم كتبا فيها أدعية يرددونها، فهل يجب على الطائف أن يدعو بأدعية مخصوصة؟

الجواب
معلوم أن الطواف كالصلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام، فليكن كلامنا خيرا، وخير الكلام فى العبادة هو ذكر الله سبحانه والدعاء، وخير ذلك قراءة القرآن أو الاقتباس منه، روى أبو داود والترمذى وقال:حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل ".
وإذا كان للانسان أن يذكر ويدعو بما يراه فى حاجة إليه، فإن أحسنه ما كان مأثورا فى القرآن والسنة، ومما ورد فى ذلك:
1- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن اليمانى والحجر {ربنا اَتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن السائب.
2- " من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيئات وكتب له عشر حسنات ورفع له بها عشر درجات " رواه ابن ماجه عن أبى هريرة مرفوعا - وإسناده ضعيف.
3- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين - اليمانى، الحجر الأسود - " اللهم قنعنى بما رزقتنى، وبارك لى فيه، واخلف على كل غائبة لى بخير " أى اجعل لى عوضا حاضرا عما فاتنى، رواه ابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن عباس.
4- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم إنى أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق " رواه البزار عن أبى هريرة.
5- كان يقول فى ابتداء الطواف " بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك " روى الشافعى بعضا منه. كما روى البيهقى والطبرانى بعضا منه، وروى ذلك عن عمر عند استلامه الحجر
(9/362)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 11:33 pm

أنواع الطواف وشروطه وسننه

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى أنواع الطواف، وما حكم كل نوع، وما هى الشروط التى يجب توافرها فيه وما هى سننه؟

الجواب
الطواف وهو الدوران حول الكعبة أربعة أنواع:
أ-طواف القدوم، وهو مشروع للقادم إلى مكة فى حج أو عمرة، وهو سنة عند الجمهور، ويسمى طواف التحية وطواف الدخول، ويكون ركنا فى العمرة للمتمتع وغيره.
ب - طواف الإفاضة، وهو بعد الوقوف بعرفة ويسمى طواف الزيارة وهو ركن فى الحج، وركن فى العمرة أيضا باتفاق، من فاته بطل حجه وعمرته، ولا يجبر بدم.
ج - طواف الوداع عند مغادرة مكة، وهو واجب عند الجمهور، إذا ترك صح الحج ووجبت الفدية، وهى ذبح شاة، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام، ثلاثة فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وصيام الثلاثة فى الحج لا يكون إلا فى أيام التشريق، أو فى أشهر الحج التى تنتهى بانتهاء شهر ذى الحجة. وهو سنة عند مالك وفى قول للشافعى، وتعفى منه النساء عند الحيض والنفاس.
د- طواف التطوع، وهو يكون سنة عند دخول المسجد الحرام تحية للبيت، وليس فيه رمل ولا اضطباع.
وشروط صحة الطواف هى:
1- الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ومن النجس، وقد مر خبر عائشة حين حاضت ومنعها الرسول من الطواف حتى تطهر، ومثل الحيض الجنابة، ولو طافت صح الطواف إذا تحتم عليها السفر قبل أن تطهر، وعليها بدنة أو شاة على ما مر ذكره فى حديث عائشة، والحدث الأصغر الذى يوجب الوضوء ليس شرط صحة عند الحنفية، بل هو واجب يجبر تركه بدم. والطهارة من النجس فى الثوب أو البدن سنة عندهم لا يلزم بتركها شىء، ومن به سلس بول والمستحاضة دائما يطوفان بلا طهارة اتفاقا.
2- ستر العورة، لحديث الصحيحين عن أبى هريرة قال: بعثنى أبو بكر الصديق فى الحجة التى أمَّره عليها الرسول قبل حجة الوداع، فى رهط يؤذنون فى الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
والأحناف يقولون: إن ستر العورة واجب لو ترك صح الطواف وعليه الإعادة ما دام بمكة، فإن غادرها وجب دم.
3- أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة، لو ترك واحد منها بطل، والأحناف يقولون: ركن الطواف أربعة أشواط فقط، والثلاثة الباقية واجب لو تركت وجب الدم.
4- أن يبدأ من الحجر الأسود وينتهى إليه.
5- أن يكون البيت عن يسار الطائف.
6- أن يكون الطواف خارج الكعبة، وحجر إسماعيل جزء منها، وكذلك الشاذروان وهو البناء الملاصق لأساس الكعبة.
7- الموالاه فى الأشواط عند مالك وأحمد، ولا يضر التفريق اليسير ولو كان بغير عذر، أما التفريق الكثير فيضر إلا إذا كان بعذر، والحنفية والشافعية قالوا: إن الموالاة سنة، وقد تقدم توضيح ذلك.
وسنن الطواف كثيرة نذكر منها ما يلى:
1- استقبال الحجر الأسود عند بدء الطواف، مع التكبير والتهليل، ورفع اليدين كرفعهما فى الصلاة واستلام الحجر بوضع اليدين عليه وتقبيله بدون صوت ووضع الخد عليه إن أمكن بدون زحام، وإلا مسه بيده وقبَّلها أو مسه بشىء معه كقضيب وقبَّله، أو أشار إليه وقبَّل ما أشار به وقد مر فى صفحة135 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى بيان أصل هذا الحجر وحكمة تقبيله وموقف عمر رضى الله منه.
وروى البخارى أن عبد الله بن عمر استلم الحجر بيده ثم قبَّل يده كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويكره التزاحم عليه كما مر.
2- الاضطباع. وهو وضع الرداء تحت الإبط الأيمن وطرحه على الكتف الأيسر، كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة من الجعرانة ورواه أحمد وأبو داود وذلك لأنه يعين الطائف على الرمل فى الطواف، وهو سنة عند الجمهور، وغير مستحب عند مالك.
3- الرَّمل، وهو الإسراع فى المشى مع هز الكتفين وتقارب الخطا، وذلك إظهارًا للنشاط والقوة، كما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فى عمرة القضية، وأهل مكة ينظرون إليهم فقد كانوا يقولون عن المهاجرين:
وهنتهم وأضعفتهم حمى يثرب كما رواه البخارى ومسلم وبقى ذلك التشريع للتاريخ وشكر الله على النعمة ونصره الحق كما اثِرَ عن عمر أنه قال: فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب؟ وقد أطَّأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأطأ أصلها وطأ، أُبدلت الواو همزة كما قال ابن الأثير فى النهاية.
وقد رمل الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجه فى الأشواط الثلاثة الأولى كما رواه مسلم، ولو تركه فى الثلاثة لم يقضه فى الأربعة الباقية.
هذا، والاضطباع والرمل خاصان بالرجال دون النساء فى كل طواف يعقبه سعى، روى البيهقى أن عبد الله بن عمر قال: ليس على النساء سعى-أى رمل -بالبيت ولا بين الصفا والمروة.
4- استلام الركن اليمانى كركن الحجر الأسود كما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم روى ابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحجر والركن اليمانى يحط الخطايا حطًّا ".
5- صلاة ركعتين بعد الطواف عند مقام إبراهيم أو فى أى مكان فى المسجد وأوجبهما أبو حنيفة روى الترمذى بطريق حسن صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعًا، وأتى المقام فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه.
والسنة قراءة سورة "الكافرون " بعد الفاتحة فى الركعة الأولى وسورة"الإخلاص " فى الركعة الثانية كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم وهاتان الركعتان تصليان فى أى وقت وليس هناك وقت كراهة لصلاتهما، فإن لهما سببا متقدما عند الشافعية، والمسجد الحرام مستثنى من هذه الأوقات لتيسير الصلاة فيه لمن يرد عليه فى أى وقت، فقد صح أن الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة فيما سواه. ومما يدل على ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بالبيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار ".
ولتيسير الصلاة والطواف لا يحرم المرور أمام المصلى ولا يكره، فقد روى ابو داود والنسائى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى مما يلى بنى سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة، أى ليس بينه وبين الكعبة سترة، كما وضحه سفيان بن عيينة. هذا وهناك أمور خاصة بالطواف والشرب من ماء زمزم ينبغى التنبيه عليها:
1- لا بأس بطواف النساء مع الرجال، مع المحافظة على كل الآداب، وذلك للعسر فى تخصيص وقت معيَّن لهن، ولاطمئنان الرجل على من معه من النساء، وإرشادهن عند الحاجة أثناء الطواف، فقد روى البخارى عن ابن جريج قال: أخبرنى عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف تمنعهن وقد طاف نساء النبى صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قال: قلت: أبعد الحجاب أم قبله؟ قال: إى لعمرى لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة رضى الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم، أى كانت فى ناحية منفردة. فقالت امرأة: انطلقى نستلم يا أم المؤمنين، قالت:
انطلقى. .. وأبت أن تذهب لاستلام الحجر: وروى عن عائشة أنها قالت لامرأة: لا تزاحمى على الحجر، إن رأيت خلوة فاستلمى، وإن رأيت زحاما فكبرى وهللى إذا حاذيت به ولا تؤذى أحدا.
ب - يجوز الطواف من ركوب حتى لو كان الإنسان قادرا على المشى، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف فى حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن -عود معقوف الرأس يكون مع الراكب يحرِّك به راحلته - وكان طوافه على الراحلة وسعيه بين الصفا والمروة ليراه الناس ويشرف ويسألوه عند الازدحام عليه.
وثبت أن أم سلمة طافت راكبة بعيدا عن الزحام وقد سبق ذلك فى صفحة 41 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى.
ج -يسن الشرب من ماء زمزم بعد الطواف وصلاة الركعتين عند المقام اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم، فقد شرب وقال "إنها مباركة، إنها طعام طُعم وشفاء سُقم " أى من شرب منها أحس بالشبع إذا كان جائعا، وفيها شفاء من المرض. وروى الطبرانى وابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام الطعم وشفاء السقم " ورواة الحديث ثقات كما قال المنذرى.
ويسن عند شربه نية الشفاء وأى خير يريده الإنسان فى الدنيا والآخرة، ففى الحديث "ماء زمزم لما شرب له " رواه أحمد بسند صحيح ورواه البيهقى أيضا، وفى رواية أخرى للبيهقى عن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم "ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفى شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهى هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل " وفى زيادة "وإن شربته مستعيذا أعافك الله " ومعنى هزمة جبريل حفره.
ويسن التضلع من ماء زمزم، ففى حديث رواه ابن ماجه والدار قطنى والحاكم " آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم " وكان ابن عباس يشرب منه ثلاثة أنفاس ويستقبل القبلة ويحمد الله ويدعو: اللهم إنى أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. ومعنى التضلع الشبع والامتلاء كأن الماء بلغ الأضلاع.
كما يسن عند شرب ماء زمزم أن يتذكر تاريخ هذه البئر، وكيف أنقذ الله بها إسماعيل وأمه هاجر حين تركهما - بأمر الله - إبراهيم فى هذا الوادى الذى لا ماء فيه ولا أنيس، وذلك جزاء لها حين رضيت بقضاء الله واَمنت أنه لا يضيعهما أبدًا، فلئن تركهما المخلوق فلن يتركهما الخالق، وفى ذلك عبرة وعظة، أن من كان مع الله كان الله معه، وأن بعد العسر يسرا، وأن حكمة الله لا يعلمها كثير من الناس {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} وكان تعمير هذا المكان تمهيدًا لولادة خير الأنام وبعثته الخاتمة الخالدة وشرفًا للعرب الذين ولد منهم وأرسل فيهم ونزل القراَن بلغتهم، وما زال الحج إلى البيت الذى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل شعيرة من أعظم شعائر الإسلام يعقد المسلمون فيه مؤتمراتهم السنوية توكيدا لوحدتهم، وربطا لحاضرهم بماضيهم، وشهودًا لمنافع دينية ودنيوية يثبتون بها جدارتهم بريادة العالم كله إن استقاموا على الطريق كما كان الأولون.
ويسن بعد الشرب من ماء زمزم الدعاء عند الملتزم -وهو ما بين الركن والباب - واقتداء بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وكان ابن عباس -كما رواه البيهقى- يقول: لا يلزم ما بينهما-أى الركن والباب - أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه
(9/363)
________________________________________
المرض المعدى والحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعانى من مرض جلدى معد، وقد نويت أداء فريضة الحج، فهل يجوز لى ذلك رغم أنى قد أتسبب فى العدوى لكثير من الحجاج؟

الجواب
من المعلوم، لآن أن الدول تعمل احتياطات لمنع العدوى فى السفر، وذلك بالتطعيم أو بوسائل أخرى، ومن عنده مرض معد ستحول السلطات دون سفره، وإذا لم تكن هناك سلطات تقوم بالإجراءات الصحية فهل يجوز له السفر لأداء الفريضة مع احتمال أن يصيب غيره بالعدوى؟ إن كانت العدوى محققة أو يغلب على الظن حصولها كان هذا المرض مسقطا لوجوب الحج عن المريض حتى يبرأ من مرضه،لأن القاعدة الفقهية تقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبخاصة أن المصلحة فى الحج تعود على الشخص نفسه أكثر مما تعود على غيره، أما المفسدة فتصيب كثيرين غيره، ومع سقوط الحج عنه أرى أن مخاطرته بالسفر على الرغم من الظن الغالب للعدوى ممنوعة، إما على سبيل الكراهة أو التحريم تبعا لدرجة احتمال العدوى، والأحاديث تحذر من التعرض للعدوى والتسبب فيها. روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل مجذوم جاء، بايعه " ارجع فقد بايعناك " وقال -كما رواه البخارى " فر من المجذوم فرارك من الأسد ".
ومن أجل النهى عن الضرر والضرار حرم الإسلام على حامل ميكروب المرض أن يخالط الأصحاء، أو يتسبب فى الإصابة بالمرض بطريق مباشر أو غير مباشر، ولذلك حرم البصاق فى الطريق والأماكن العامة، وحرم التبول والتبرز فى موارد المياه ومواقع الظل وكل ما يرتاده الناس، وأمر بإبادة الحشرات والهوام وكل ما يؤذى حتى لو كان أثناء الإحرام. ومما يؤثر فيما يتصل بالسؤال ما رواه مالك أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رأى امرأة مجذومة تطوف بالبيت فقال لها: يا أمة الله لا تؤذى الناس، لو جلست فى بيتك! ففعلت ولم تشأ أن تخرج بعد موت عمر وقالت: ما كنت لأطيعه حيًّا وأعصيه ميتا
(9/364)
________________________________________
من الأخلاق فى الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج} البقرة: 197، معنى الرفث والفسوق والجدال، وهل النهى عنها خاص بأيام الحج وحدها، أم ينصرف على غيرها؟

الجواب
جاء فى تفسير القرطبى "، 2، 407" أن الرفث الجماع كما قاله ابن عباس وابن جبير والسدى وقتادة والحسن وعكرمة والزهرى ومالك. ونهى الله عنه لأنه يفسد الحج بإجماع العلماء إذا حصل قبل الوقوف بعرفة، وجزاؤه الهدى وإعادة الحج وقال عبد الله بن عمر وطاووس وعطاء وغيرهم: الرفث هو الإفحاش للمرأة بالكلام، يقول الشخص لزوجته: إذا أحللنا جامعتك، وقيل هو التحدث عن النساء بما يتصل بالشهوة، وقيل غير ذلك. والمراد بالنهى عن الحديث عما يتصل بالشهوة الجنسية إبعاد النفس عن هذه المتعة حتى لا يقع الشخص فيها فيفسد الحج، فهو من باب الوقاية! والفسوق هو الخروج عن الطاعات إلى المعاصى أيًّا كان نوعها كما قال ابن عباس وعطاء والحسن وابن عمر وغيرهم، والمراد به فى الحج ارتكاب المحظورات التى نهى الله عنها الحاج، كقتل الصيد وقص الظفر وأخذ الشعر والجماع. وقيل: الفسوق التنابز بالألقاب، وقال ابن عمر: هو السباب. واختار القرطبى القول الأول الشامل لكل المعاصى.
والمراد بالنهى عنه تحذير الحاج من كل المعاصى، لأن العقاب مضاعف فى الأماكن المقدسة ومجرد التفكير فى ارتكاب المعصية إثم كبير كما قال تعالى عن البيت الحرام {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من، ذاب أليم} الحج: 25، والجدال فى المعنى المراد منه أقوال ستة ذكرها القرطبى، منها مجادلة تؤدى إلى السباب، واختلاف الناس فى أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون فى الجاهلية، واختلافهم فى موعد الوقوف بعرفة، فهو جدال فى إصابة المكان وإصابة الوقت، وقيل: هو المفاخرة بالآباء.
والمراد بالنهى عن الجدال بأى معنى هو منع الاختلاف فى أحكام الحج والتعصب للرأى، وبخاصة فيما لم يكن منفقًا عليه، وكذلك عدم فرض، لآراء فى أى شىء آخر فى هذا اللقاء الكبير، الذى يجمع شتات الأجناس واللغات والعادات والأفكار، وذلك لتنافيه مع حكمة الحج من دعم التعاون والتعارف بين المسلمين كافة. وهذه الأمور الثلاثة وهى الرفث بما يتعلق بالنساء ولو بالحديث، والفسوق بمعنى السباب أو العصيان والجدال بمعنى التخاصم فى الرأى، أمور منهى عنها فى الحج وغيره، ولكن النهى عنها فى الحج آكد، نظرًا لحرمان الحجاج من المتعة النسائية والتعرض فى الزحام للمضايقات واهتمام كل شخص بنفسه وتمسكه برأيه ليصح حجه الذى، عب فيه بماله وصحته، فالظروف هى التى جعلت هذه الأمور المحرمة فى كل حال أشد حرمة، وبخاصة عدم مناسبتها لشرف المكان وحرمة الزمان.
ومثل ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم - الصائمين عن الغيبة والكذب والزور، الذى يشمل كل باطل من قول أو فعل -بمثل قوله كما رواه البخارى " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " مع أن ذلك محرم أيضا على غير الصائمين، لأن من حكمة الصيام كف النفس كل الشهوات التى رمز إليها بشهوتى البطن والفرج وهما حلالان أصلا، ليمرن الصائم نفسه بترك المشتهيات المحرمة من باب أولى، وكف النفس عن الشهوات يظهر أثره واضحًا فى التعامل مع الناس أو فى الأخلاق الاجتماعية كما يقال. ومنها صيانة اللسان عن الكذب والزور وكل ما يضر الغير
(9/365)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 11:33 pm

التجارة فى الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل يتعود الحج كل علم ويقصد بذلك شراء سلع وبيعها للربح فيها فهل حجه مقبول،

الجواب
يقول الله سبحانه فى حكمة الحج الذى أذَّن به إبراهيم {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم} الحج: 27، 28، ويقول سبحانه {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} الحج: 198، إن المنافع التى يشهدها الحجاج كثيرة متنوعة، منافع دينية ومنافع دنيوية، ومن المنافع الدنيوية رزق أهل مكة استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حينما وضع ولده إسماعيل وأمه هاجر فى هذا الوادى الذى ليس فيه زرع.
والرزق قد يكون بدون مقابل كالهدى والفداء أو بمقابل كالبيع والشراء للهدى ولغير الهدى، ففيه نشاط تجارى دنيوى كما أن فيه نشاطا دينيًّا.
وابتغاء الفضل من الله فى موسم الحج بالتجارة فى الكسب الحلال ليس فيه حرج، وقد جاء فى سبب نزول هذه، لآية ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إن الناس فى أول الحج - أى فى الإسلام - كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وذى المجاز- موضع بجوار عرفة-ومواسم الحج وهم حُرُم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وما رواه أبو داود عن ابن عباس أيضا أن الناس كانوا لا يتجرون بمِنى، فأمروا أن يتجروا إذا أفاضوا من عرفات. فالتكسب الحلال فى أثناء الموسم لا حرج فيه، بمعنى أنه لا يفسد الحج، ولا يضيع ثوابه، روى أبو داود وسعد بن منصور أن رجلا قال لابن عمر رضى الله عنهما:إنى رجل أكرى - أوجر الرواحل للركوب - فى هذا الوجه وإن أناسا يقولون لى: إنه ليس لك حج فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبى وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمى الجمار؟ قال: بلى، قال: فإن لك حجًّا، جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتنى، فسكت عنه حتى نزلت هذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} البقرة: 198، فأرسل إليه وقرأ عليه هذه، لآية وقال "لك حج " وما رواه البيهقى والدارقطنى أن رجلا سأل ابن عباس: أوجر نفسى من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك، أليَ أجر؟ ففال له: نعم {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب} البقرة: 202، تبين هذه المأثورات أن الذين يحجون ويزاولون أعمالا تجارية حجهم صحيح غير فاسد لا تجب عليهم إعادته، وتسقط عنهم الفريضة، أما الثواب فظاهر هذه، لآثار أن الله لا يحرمهم منه، ولكن يجب مع ذلك مراعاة الحديث الصحيح "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " وإذا تعددت النوايا فى عمل صالح يمكن أن يرتبط الثواب بما غلب من هذه النوايا، والأمر كله لله من قبل ومن بعد، وهو سبحانه عليم بذات الصدور
(9/366)
________________________________________
حج الصبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرى بعض الحجاج يصحبون معها أطفالهم ويلبسون ملابسى الإحرام ويؤدون معهم المناسك فهل حج هؤلاء الأطفال صحيح؟ وهل يغنى عنهم إذا بلغوا؟

الجواب
من المعلوم أن حد التكليف هو البلوغ؟ يثاب على ما يفعل ويعاقب على ما يترك فيما أوجبه الله وحرمه، وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر الآباء بأمر الأولاد بالصلاة لسبع وضربهم عليها لعشر فذلك ليتمرنوا عليها حتى تكون سهلة عندما يكلفون بها، وعلى هذا النحو كان الصحابة يمرنون صبيانهم على الصيام كما تقدم فى صفحة 353 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى.
والحج لأنه لا يجب فى العمر إلا مرة، ويشترط فيه الاستطاعة، وليس كل مكلف مستطيعا لم يكن فيه تمرين للصبى عليه لعدم الكلفة فيه عندما يبلغ، فهو مرة واحدة ومع الاستطاعة، لكن لو قام الصبى بالحج صح منه حجه، ولكن قال العلماء: لا يغنى حجه فى صباه عن الحج إذا بلغ مستطيعًا، ولأمر أو لآخر كان بعض الحجاج يصحبون صبيانهم معهم فى رحلة الحج، وإذا كان الصبى مميزًا كان يباشر عمل المناسك بنفسه كالطواف والسعى ورمى الجمار ما دام قادرا، أما إذا كان ضعيفا أو كان غير مميز كان آباوهم يقومون بما لم يستطيعوا القيام به، ومما جاء فى ذلك.
1- ما رواه الطبرانى بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم " أيما صبى حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى" والحنث هو الإثم، أى بلغ مبلغا يكتب عليه إثمه وذنبه.
2 - وروى مسلم وغيره عن ابن عباس أيضا أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيًّا فقالت: ألهذا حج، قال "نعم ولك أجر " وأكثر أهل العلم على أن الصبى يثاب على طاعته وتكتب له حسناته دون سيئاته، وهو مروى عن عمر: والحديث يثبت أن لأم الصبى أجرًا لأنها أمرته وعلمته إياه.
3- وروى أحمد وابن ماجه عن جابر رضى الله عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم، وروى الترمذى قريبا منه.
4 -وروى البخارى عن السائب بن يزيد قال: حج بى مع النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين.
قال النووى: الولى الذى يحرم عنه -أى عن الصبى-إذا كان غير مميز هو ولى ماله، وهو أبوه أو جده أو الوصى من جهة الحاكم، أما الأم فلا يصح إحرامها إلا إذا كانت وصية أو معينة من جهة الحاكم، وقيل: يصح إحرامها وإحرام الوصية وإن لم يكن لهما ولاية. انتهى وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إحرام الصبى ولا يصير محرما بإحرام وليه، لأن الإحرام سبعب يلزم به حاكم فلا يصح من الصبى كالنذر، ورأى الجمهور أقوى لحديث مسلم المذكور.
ثم قال العلماء: إذا بلغ الصبى قبل الوقوف بعرفة أو فيها أجزأ عن حجة الإسلام، وذلك عند الشافعى وأحمد، أما مالك فيقول بعدم الإجزاء، لأن الإحرام انعقد تطوعا فلا ينقلب فرضًا. وأبو حنيفة يقول: إذا جدد الصبى الإحرام بعد البلوغ قبل الوقوف بعرفة أجزأه، وإلا فلا " المغنى والشرح الكبير "3 ص 161 وما بعدها"
(9/367)
________________________________________
ألفاظ الذكر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم ذكر بعض أرباب الطرق الصوفية بلفظ " آه "؟

الجواب
مع التسليم بأن غاية التصوف تصفية النفس مما يبعدها عن الله، فإن الوسيلة المشروعة لذلك هى السير على منهج الله الذى وضعه لأوليائه وأعد لهم ثواب الأمن والسعادة كما قال سبحانه {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} يونس: 62 - 64.
ومن المنهج الدينى لتصفية النفس ذكر الله، وقد حثَّ الله عليه ووسع مجالاته وحدوده فقال {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا.
وسبحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب: 41 - 42، وأسماء الله الحسنى خير ما يذكر به كما قال سبحانه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180، وقال {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الإسراء: 110، وأسماؤه سبحانه مذكورة فى القرآن والسنة، حصرها بعض العلماء فى تسعة وتسعين وقال إنها توقيفية وقال بعضهم: إنها أكثر من ذلك.
وبصرف النظر عن حصر أسماء الله، وعن اختلاف العلماء فى جواز ذكره بالاسم المفرد-فإن لفظ "آه " لم يثبت بسند صحيح أنه اسم من أسمائه تعالى. وعليه فلا يجوز الذكر به على ما رآه جمهور الفقهاء، وما يروى من أن النبى صلى الله عليه وسلم زار مريضا كان يئن وأن أصحابه عليه الصلاة والسلام نهوه عن الأنين، وأنه قال لهم "دعوه يئن فإنه يذكر اسما من أسمائه تعالى" لم يرد فى حديث صحيح ولا حسن كما قرره الثقات، وما قيل فى بعض الحواشى من أن لفظ "آه " الاسم الأعظم لا سند له.
وقد أفتى شيخ الجامع الأزهر المرحوم الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوى فى هذه المسألة فقال ما نصه: إن هذا اللفظ المسئول عنه "آه " بفتح الهمزة وسكون الهاء -ليس من الكلمات العربية فى شىء، بل هو لفظ مهمل لا معنى له مطلقا. وإن كان بالمد فهو إنما يدل فى اللغة العربية على التوجع، وليس من أسماء الذوات، فضلا عن أن يكون من أسماء الله الحسنى التى أمرنا أن ندعوه بها. .. إلى أن قال: ولا يجوز لنا التعبد بشى لم يرد الشرع بجواز التعبد به. وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [مجلة الأزهر-المجلد الثالث سنة 1351 هـ ص 499]
(9/368)
________________________________________
الدعاء المقبول

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يشترط فى الدعاء أن يقترن بأمور معينة حتى يستجيب الله سبحانه وتعالى له؟ وما هى؟

الجواب
قال تعالى {وقال ربكم ادعونى أستجب لكم} غافر: 65.
أمرنا الله فى آيات كثيرة بالدعاء ووعد بالاستجابة، كما جاءت بذلك أحاديث كثيرة والدعاء عبادة أو مخ العبادة كما صرح به فى بعض الأحاديث، ولكل عبادة أركان وشروط وآداب حتى تصح وتقبل.
وقال العلماء: إن من شروط قبول الدعاء: حضور الذهن والقلب عند الدعاء، فلا يكتفى الإنسان بمجرد تحريك اللسان بالدعاء وذهنه منصرف عن الله ولا يكفى حضور الذهن مع خمود العاطفة بل لابد من الرغبة فى الإجابة والرهبة من عدمها واستحضار عظمة الله سبحانه.
ويؤكد هذا ما جاء فى نهاية الآيات التى ذكرت دعاء أيوب وذى النون وزكريا حيث قال رب العزة: {إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} الأنبياء: 90.
فالداعى لابد أن يكون مطيعا لله غير مقصر، ومقبلا على الطاعة بحب ومسارعة وراغبا فى الاستجابة راهبا من الطرد والحرمان، خاشعا حاضر الذهن والقلب.
وصح فى الحديث أن أكل الحرام يمنع استجابة الدعاء حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء:
يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام فأنَى يستجاب له. كما جاء فى الحديث: نصح الرسول لسعد أن يطيب مطعمه ليستجاب دعاؤه.
هذه الأمور التى لابد منها لاستجابة الدعاء ومن المندوبات:
الطهارة واستقبال القبلة والدعاء بمأثور، وتحرِّى الأوقات والأماكن المباركة كالنصف الثانى من الليل وما بين الأذان والإقامة وعند رؤية الكعبة وساعة الإجابة يوم الجمعة ... وافتتاح الدعاء بالبسملة وحمد الله والصلاة والسلام على الرسول وختامه بالصلاة عليه أيضا فالله أكرم من أن يقبل الصلاتين ويترك ما بينهما، وهناك كتب وضعت فى الدعاء يمكن الرجوع إليها. والله أعلم
(9/369)
________________________________________
تأجير مكان لعمل محرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أجرت منزلى لبعض الأجانب، ثم علمت أنهم يشربون فيه الخمر ويرتكبون الفواحش فماذا افعل؟

الجواب
جاء فى كتاب المغنى لابن قدامة (ج 6 ص 136) :ولا يجوز للرجل إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بيعة أو يتخذها لبيع الخمر أو القمار، وبه قال الجماعة، وقال أبو حنيفة إن كان بيتك فى السواد فلا بأس أن تؤجره لذلك. وخالفه صاحباه واختلف أصحابه فى تأويل قوله.
ولنا - أى دليلنا على رأى الجماعة- أنه فعل محرم، فلم تجز الإجارة عليه، كإجارة عبده للفجور. ولو اكترى ذمى من مسلم داره، فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه، وبذلك قال الثورى. وقال أصحاب الرأى: إن كان بيته فى السواد والجبل فله أن يفعل ما يشاء.
ولنا-أى دليلنا على المنع - أنه فعل محرم جاز المنع منه فى المصر، فجاز فى السواد كقتل النفس المحرمة 10 هـ.
هذا الكلام ظاهر فيمن أجر داره لمن يعلم أنه يتخذها لفعل محرم، أو كان العقد على ذلك فإن الرأى الصحيح أنه لا يجوز، لأن صاحب الدار مساعد على ارتكاب المعصية، فيكون شريكا لمن ارتكبها، كما قالوا فى شرح الحديث الذى فيه لَعْن شارب الخمر وحاملها وعاصرها، وكل من شارك فيها. والدليل {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة: 2، وأبو حنيفة يجيز ذلك.
أما لو كانت إجارة البيت للسكنى، والساكن ارتكب فيه منكرات، فليس على صاحب البيت حرمة فى ذلك، وله الحق فى منعه من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وعند أبى حنيفة: أن الذمى لو استأجر من المسلم بيتا ولم يقل ليصلى فيه فإنه يجوز وإن كان له أن يصلى فيه ويتخذه بيعة وكنيسة، وإذا استأجر الذمى من المسلم دارا ليسكنها فلا بأس بذلك، والإجارة وقعت على فعل مباح، وإن شرب فيه الخمر وعبد فيه الصليب أو أدخل فيه الخنازير لم يلحق المسلم فى ذلك شىء، لأن المسلم لم يؤاجر لها، إنما يؤاجر للسكنى. ولو اتخذ فيها بيعة أو كنيسة يُمكَّن من ذلك إن كان فى السواد - خارج المصر- لأن عامة سكانها أهل الذمة والروافض.
ذكر ذلك الكاسانى فى بدائع الصنائع "ج 4 ص 189 " وذكره ابن القيم فى زاد المعاد "ج 4 ص 2 5 2، 53 2 "
(9/370)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 11:34 pm

تحكم المستأجر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز لمستأجر الأرض الزراعية أن يطلب من المالك جزءًا منها فى مقابل إخلاء طرفه كما يقضى به العرف؟

الجواب
المفروض أن العين المؤجرة لها وقت تنتهى عنده الإجارة، وعند انتهاء الأجل المتفق عليه ينتهى عقد الإجارة ويأخذ المالك العين المؤجرة، وهو حر بعد ذلك فى تأجيرها أو عدم تأجيرها لمن كان ينتفع بها أو لغيره، احتراما لحق الملكية، مع الحرية فى تقدير الأجر الجديد.
وليس للمستأجر الحق فى طلب ما يسمى بخلو الرجل، ولو اضطر المالك إلى دفعه كان آخذه آكلا للسحت، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، فإذا تنازل المالك عن بعض ملكه باختياره دون ضغط عليه فلا مانع، ويجب أن تتفق القوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية.
هذا، وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية بتاريخ 3 من يوليو 1980 هذا نصها: وأخْذُ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا، لأن عقد الإجارة لا يستتبع ملكية العين المؤجرة، ويصبح هذا إن تم من باب أكل أموال الناس بالباطل، ويكون إثمه على المستأجر إن لم يرض المالك رضاء خالصا بهذا التصرف " الفتاوى الإسلامية مجلد 0 1 ص 3564 "
(9/371)
________________________________________
تجارة العملة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى تجارة العملة، وتبادل الأوراق المالية فى البورصة؟

الجواب
يقول الله سبحانه {وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة: 275، ويقول {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} النساء: 29.
التجارة ركن من أهم أركان النشاط الاقتصادى بعد الإنتاج والتصنيع، وكانت فى الأصل تقوم على مبادلة السلع بعضها ببعض، ثم تطورت الأمور فاتخذت مقاييس لتقدير السلع، واتفق كل جماعة على مقياس منها. وكانت قمة الترقى فى اتخاذ النقدين - الذهب والفضة - مقياسا تقوم به السلع، وتقابل به الأنشطة المختلفة فى التجارة وغيرها.
والبيع والشراء هما ركنا التجارة التى ندب الإسلام إليها، وجعل فيها تسعة أعشار الرزق. ووضع لها حدودا وآدابا تضمن لها الاستقامة وتحول دون الانحراف.
ومن مظاهر الاستغلال والانحراف " الربا " الذى هو زيادة أحد العوضين المتماثلين عن الآخر بغير مقابل أصلا، أو بمقابل معنوى هو الأجل عند رد العوض.
ومن أنواع التجارة مبادلة النقود بعضها ببعض، وتسمى بالصرف، ومن يعملون فى هذا المجال يطلق عليهم اسم لا " الصيارفة " ومكان مزاولة النشاط يطلق عليه اسم البنك أو المصرف.
وصرف النقود بعضها ببعض يطبق عليه ما جاء فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى بكر قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الفضة بالفضة. والذهب بالذهب، إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا، يعنى بدون التساوى أى بالتفاضل. وكذلك حديث البخارى ومسلم عن أبى المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف، فكل واحد يقول: هذا خير منى. فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق -بكسر الراء أى الفضة-دَيْنًا. يعنى لأجل، وكذلك حديثهما عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز "يعنى لا تبيعوا المؤجل بالحاضر، ومعنى " لا تشفوا " لا تفاضلوا بالزيادة أو النقصان.
يؤخذ من هذه الأحاديث أن شرط صحة الصرف فى العملة المتماثلة - الذهب بالذهب، والفضة بالفضة - التساوى والحلول أى عدم التأجيل. أما عند اختلاف العملة - الذهب بالفضة - فلا يشترط التماثل والتساوى، وإنما يشترط الحلول وعدم التأجيل. .
ويوضح ذلك حديث مسلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا " الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".
قال الشافعى: العلة فى الذهب والفضة أنهما من جنس الأثمان، فكل ما كان من جنس الأثمان يشترط فيه التماثل والحلول إذا كان النوع واحدا، فإذا اختلف النوعان جاز التفاضل بشرط الحلول.
وقد استبدل الناس الآن بالذهب والفضة أوراقا مالية بعضها يعتبر سندا على البنك، وبعضها يعتبر قيمة مستقلة، كالدولار والجنيه والفرنك، فيجرى عليها حكم الذهب والفضة لاختلاف قيمتها، فيجوز صرف الدولار بالجنيه مع عدم التساوى بشرط الحلول وعدم التأجيل. فصرف الأوراق المالية بعضها ببعض هو ما يطلق عليه الآن اسم التجارة فى العملة، والبنوك تقوم بذلك، والأفراد أيضا يقومون به.
وإذا كان هناك سعر رسمى صدر به قرار من ولى الأمر كان كالتسعير لكل سلعة، والتسعير فيه وجهات نظر مختلفة، لكن إذا كان عادلا وروعيت فيه المصلحة العامة ينبغى الالتزام به، كما ينبغى التزام التسعير فى السلع الأخرى.
هذا، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " قال ابن عباس: وأحسب كل شىء بمنزلة الطعام (صحيح مسلم بشرح النووى ج 10 ص 168 ".
وبيع الشىء قبل قبضه يسمى بيع الصِّكاك. يقول النووى فى شرح صحيح مسلم: الصكاك جمع صك، وهو الورقة المكتتبة بدين - ويجمع أيضا على صكوك -والمراد هنا الورقة التى تخرج من ولى الأمر بالرزق لمستحقه، بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره، فيبيع صاحبها ذلك لإنسان قبل أن يقبضه، وقد اختلف العلماء فى ذلك، والأصح عند أصحابنا وغيرهم جواز بيعها، والثانى منعها. ثم أورد حجة الفريقين.
والأوراق المالية صكوك تتداول فى الأسواق " البورصات " وهى ذات قيمة حلت محل النقدين الذهب والفضة، فان كان فيها تقابض جاز التعامل. وإن لم يكن هناك تقابض كان فيها الرأيان المذكوران
(9/372)
________________________________________
التعامل بالربا مع غير المسلمين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعيش فى بلد غير إسلامى، ولا يمكننى أن أقضى مصالحى إلا عن طريق البنوك التى تتعامل بالربا، فقيل لى: إن الربا معهم ليس بحرام، فهل هذا صحيح؟

الجواب
تحدث العلماء عن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة -أم لا، واختلفوا فى ذلك، وبناء على هذا الاختلاف،قالوا: إن المقيمين فى البلاد الإِسلامية يلتزمون بالأحكام الشرعية، سواء كان المقيم مسلما أو ذميا، لأن تطبيق الأحكام الشرعية ممكن فى البلاد الإسلامية فإذا سافر المسلم أو الذمى إلى دار الحرب وحدثت منه مخالفة لأحكام الشريعة، أو حدثت من شخص كان يقيم فى دار الحرب ثم عاد بعد ذلك إلى دار الإسلام، فلا تطبق عليه أحكام الشريعة الإسلامية، لأن القاضى المسلم لا تمتد ولايته إلى المحل الذى ارتكبت فيه الجريمة، ومن هنا نقل عن أبى حنيفة أنه أجاز للمسلم والذمى من أهل دار الإسلام إذا دخلا دار الحرب مستأمنين - أن يتعاقدا بالربا مع الحربى أو المسلم من أهل دار الحرب الذى يهاجر إلى دار الإسلام، لأن أخذ الربا فى هذه الحال يكون فى معنى إتلاف المال بالرضا، وإتلاف مال الحربى وبرضاه مباح، لأنه لا عصمة لدمه ولا لماله، وقد نقل أبو يوسف عن أبى حنيفة قوله: إن وجوب الشرائع يعتمد على العلم بها، فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية. وبهذا، إذا دخل المسلم أو الذمى دار حرب بأمان فتعاقد مع حربى على الربا أو على غيره من العقود الفاسدة فى نظر الإِسلام جاز عند أبى حنيفة ومحمد وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق ونشره فى رسالته عن أحكام التأمين " السكورتاه " ص 7 مطبعة النيل بمصر سنة 1906 م ونقله الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى كتابه " فتاوى معاصرة ص 86 "،. هذا ما قاله أبو حنيفة، أما صاحبه أبو يوسف فقال: لا يجوز للمسلم فى دار الحرب إلا ما يجوز له فى دار الإسلام، لأن حرمة الربا ثابتة فى حق العاقدين، أما فى حق المسلم فبإسلامه وأما فى حق الحربى فلأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قال تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} النساء: 161، والأئمة الثلاثة قالوا: تطبق أحكام الشريعة الإِسلامية على كل من هو فى دار الإِسلام من المسلمين والذميين والمستأمنين، كما يعاقب المسلم والذمى على ما يرتكبانه فى دار الحرب ولو كان الفعل مباحا فيها كالربا والقمار، تنفيذا لأحكام الشريعة. وقد استظهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق أن الخلاف بين فقهاء الحنفية إنما هو فى إمكان توقيع العقوبة على التعامل المحرم إذا وقع من المسلم فى دار الحرب، ومال إلى رأى جمهور الفقهاء من حرمة التعامل بالربا على المسلم أيا كان موقعه فى دار الإسلام أو فى دار الحرب، وذلك بمقتضى إسلامه، اللهم إلا إذا كان مقترضا لضرورة، أما أن يكون مقرضا فلا يحل، لأنه لا ضرورة فيه. وبهذا الفهم والتحليل يكون تصرف المسلم فى دار لا يحكم فيها بالإسلام مساويا لتصرفه فى دار يحكم فيها بالإسلام، من جهة الحل والحرمة، أما القضاء الدنيوى المعتبر فيه ميدان تطبيقه فلا يغير من حكم الله شيئا
(9/373)
________________________________________
تأجير الشىء لفعل الحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
استأجر منى بعض الغرباء بيتا فشربوا فيه الخمر واستأجر تاجر منا دكانا فباع فيه الخمر، فهل الأجرة حلال أم حرام؟

الجواب
لا يخلو حال المؤجر من أمرين، إما أن يكون عالما بارتكاب المستأجر للمحرم، كأن شرط فى العقد أن الإجارة لهذا العمل، أو لم يشترط ولكن يعرف أن المحرم سيرتكب فيه، وإما ألا يكون عالما بذلك. وفى الحالة الثانية الإجارة صحيحة والأجرة مستحقة وحلال باتفاق الأئمة. وإن قال غير أبى حنيفة له الحق فى أن يمنع بنفسه المستأجر من مزاولة المنكر أو بطريق القانون. وفى الحالة الأولى قال الأئمة الثلاثة ووافقهم أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبى حنيفة: بطلت الإجازة لأنها وقعت على معصية، وقال أبو حنيفة بصحة الإجارة وطيب الأجرة التى وجبت بمجرد تسليم العين المؤجرة ولا معصية عليه. وإنما على المستأجر، لأنه مختار فى فعله ولا يتعين عليه اتخاذ المكان لهذه المعصية، وكانت الأجرة طيبة له حتى لو أخذها من إيراد هذا المنكر. ورأى الجمهور أقوى وهو بطلان العقد وحرمة الأجر، وإن فسر بعضهم رأى أبى حنيفة بصحة العقد واستحقاق الأجر وإن حرم الانتفاع به، وهو تفسير غير مستساغ، فما فائدة استحقاق الأجر إذا حرم الانتفاع به اللهم إلا إذا كان سيدفعه فى مصلحة عامة للمسلمين للتبرؤ منه وليس للتبرع، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، كما قال الفقهاء فى التصرف فى المال الحرام الذى لا يعرف صاحبه، وتركه لصاحبه فى هذه المسألة مساعدة له على الحرام، والشرع لا يوافق على ذلك، هذا ما أراه تبريرًا لرأى أبى حنيفة واللَّه أعلم بالصواب
(9/374)
________________________________________
هل النقود تتعين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اقترض شخص منى مبلغا من المال، وتعامل فيه بطرق غير مشروعة، وأراد أن يرد لى القرض من إيراد هذا التعامل، فهل أقبله أم أرفضه؟

الجواب
تعامل المقترض لا يخلو إما أن يكون كله حراما كالتجارة فى الخمر ولا دخل له سوى ذلك. وإما أن يكون التعامل الحرام جزءا من تعامله الذى فيه حلال، كالبقال الذى يتاجر فى الحلال والحرام. فإن كانت كل أموال المقترض من حرام فالأئمة الثلاثة على منع قبول رد القرض منها، وأبو حنيفة يجيز ذلك، لأن النقود الحلال التى أخذها المقترض من المقرض لا تتعين، وللمقرض مثلها أو قيمتها أيا كان مصدرها، وفى رواية عن أحمد جواز ذلك. أما إذا كانت أموال المقترض خليطا من حلال وحرام ويصعب التمييز بينهما جاز للمقرض أن يأخذ منه حقه، جاء فى الإحياء للإِمام الغزالى: إذا اختلط فى البلد حرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه، بل يجوز الأخد منه، إلا أن يقترن بعلامة تدل على أنه من الحرام، فإن لم يقترن فليس بحرام، لكن تركه ورع محبوب
(9/375)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 49335

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 11:35 pm

لا وصية لوارث

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للزوج أن يترك وصية لزوجته التى لم تنجب، تحصل بها على ممتلكاته التى ورثها عن أبيه حتى لا يشاركها إخوته فى الميراث بعد مماته؟

الجواب
تنص المادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 م على جواز الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ دون توقف على إجازة الورثة، كما أجازت الوصية بأزيد من الثلث ولا تنفذ الزيادة إلا بموافقة الورثة. فإن كانت الممتلكات التى ورثها السائل عن أبيه أكثر من ثلث ما يملكه فلا تنفذ الزيادة إلا بإجازة الورثة. وذلك موافق لمذهب الإمام الشافعى، فقد روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا وصية لوارث " وروى البيهقى بسند قال الذهبى: إنه صالح أنه قال " لا وصية لوارث إلا أن يجيزها باقى الورثة " فقد أخذ الشافعى بالحديث الثانى المقيد للحديث الأول المطلق، وقد أخذ به قانون الوصية المعمول به فى مصر " الخطيب على متن أبى شجاع فى فقه الشافعية - الوصية ". هذا، وقد كانت الوصية للوالدين والأقربين واجبة على رأى جمهور الفقهاء، وذلك فى أول الأمر بمقتضى قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة: 180، ثم نسخت بآية المواريث التى فى سورة النساء ويدل علبى النسخ الحديث الذى قاله الرسول صلى الله عليه وسلم " فى حجة الوداع " إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه. فلا وصيه لوارث ". ورأى جماعة من السلف أن ضربا من الوصية لا يزال واجبا بعد نزول آية المواريث، وأن النسخ لم يرد على جميع أنواع الوصية للوالدين والأقربين، فإذا كان الوالدان والأقربون وارثين فلا وصية واجبة، أما إن كان هناك أقربون غير وارثين فالوصية لا تزال واجبة، لم تنسخ، وبهذا الرأى أخذ قانون الوصية الواجبة المعمول به فى مصر، فى المادة 76 من القانون رقم 71 لسنة 1946 م
(9/376)
________________________________________
العمل فى مؤسسات تتعامل بالربا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعمل كاتبا فى بنك تسليف، وجميع أعماله فيها فوائد وربا، فهل على حرمة فى هذا، علما بأنى محتاج إلى العمل فيه؟

الجواب
معلوم أن الربا حرام حرمة كبيرة وذلك ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، وكل ما يوصل إلى الحرام ويساعد عليه فهو حرام كما هو مقرر، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أنه لعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، فهم سواء.
وقد رفع مثل هذا السؤال إلى المرحوم الشيخ عبد المجيد سليم مفتى الديار المصرية سنة 1944 م فأجاب بأن مباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم، وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا، وساق الحديث المذكور، وقال: اللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث الشريف.
"الفتاوى الإسلامية المجلد الرابع ص 1293 ".
هذا، وإذا كانت المؤسسة تزاول أنشطة مختلفة بعضها حلال وبعضها حرام، فإن الإسهام فيها أو العسل بها حرام، وقد جاء فى توصيات ندوة الأسواق المالية الثانية المنعقدة فى البحرين فى الفترة من 25 - 27 - 1991 م ما يأتى:
أ- الأصل فى المعاملات الحل.
ب - لا خلاف فى حرمة الإسهام فى شركات غرضها الأساسى محرم كالتعامل بالربا، وإنتاج المحرمات أو المتاجرة فيها.
ج - الأصل حرمة الإسهام فى شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
د-أما من يسهم فى الشركات التى تتعامل أحيانا بالمحرمات مع إرادة تغيير جميع أنشطتها بحيث لا تخالف الشريعة الإسلامية، فإن كان قادرا على التغيير بمجرد إسهامه فيها فذلك أمر مطلوب منه، لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية، وإن كان غير قادر عند الإسهام ولكنه يسعى مستقبلا، بأن يحاول ذلك من خلال اجتماعات الجمعية العمومية ومجلس الإدارة وغيرهما من المجالات فالإسهام فى هذه الحالة مختلف فى جوازه بين المشاركين فى الندوة، ولابد فى الحالتين من التخلص مما يؤول إلى المساهم فيها من كسب التصرفات المحرمة فى أنشطة الشركة بصرفه فى وجوه الخير. انتهى.
بعد هذا نقول: إن البنوك العادية تمارس نشاطا بعضه يخالف الدين وبعضه لا يخالف الدين، فأموالها خليط من الحلال والحرام، والعمل فيها كذلك عمل فيه شبهة وإذا تعذر فصل المال الحلال عن المال الحرام كان الأمر فيه شبهة، والشبهة وإن لم تكن من الحرام فهى حمى للحرام كما نص الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه لا.
فإذا أرد المؤمن أن يكون مطمئنا تمام الاطمئنان أو قريبا منه فليبحث عن عمل لا تكون فيه الشبهة بهذه الكثرة أو الوضوح حتى لو كان الكسب أو الأجر قليلا يكَفى الضروريات دون اهتمام بالكماليات، فالنفس لا تشبع منها والحرص عليها متعب غاية التعب والذى يساعد على ذلك هو النطر إلى من هو دوننا حتى نحمد الله على نعمته ولا نزدريها، ولا ننسى الحديث الشريف "إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته " وإن لم يوجد عمل حلال،كان قبول العمل فى هذا المجال بصفة مؤقتة للضرورة، مع البحث الجاد عن عمل آخر بعيد عن الحرام وشبهة الحرام. وإذا صدقت النية يسر الله الأمر، كما قال سبحانه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق: 2، 3، وقال تعالى {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} الطلاق: 4
(9/377)
________________________________________
هل يورث عقد الإجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل استأجر أرضا لزراعتها ثم توفى لا، هل بطل عقد- الإجارة، وإذا لم يبطل فمن الأحق به من الورثة؟

الجواب
عقد الإجارة لبيت أو أرض أو أى شيء اَخر لا يبطل بموت أحد الطرفين عند الوفاة، والواجب على الورثة أن يقوموا بالعمل الذى هو محل العقد، أو لهم الحق فى الانتفاع بالعين المؤجرة حتى ينتهى أجل الإجارة إن كان شهرا أو سنة مثلا، أو حتى تنتهى المنفعة التى كان عليها العقد، كاستئجار الأرض لزراعتها قطنا أو قمحا، فالعقد ينتهى بجنى المحصول، وعلى المنتفع أن يسلم العين لمالكها، ومالكها حُرّ فى أن يؤجرها لأحد الورثة أو لغيرهم أو لا يؤجرها.
وأى حبهم بالتوريث المؤبد يعتبر باطلا شرعا.
وعدم انفساخ العقد بالموت هو رأى الشافعى ومالك وأحمد ومعهم أبو ثور وابن المنذر، أما أبو حنيفة والثورى والليث بن سعد وابن حزم فيرون أن عقد الإجارة ينفسخ بموت أحد الطرفين، والجمهور نظر إلى أن العقد كان على المنفعة، وهى ستحصل بصرف النظر عن كون العين باقية على ملك صاحبها، أو انتقلت إلى ورثته، وبصرف النظر عن كون المنتفع هو المستأجر أو ورثته، فلمالك الأرض أجرته سواء أخذها من المستأجر أم من ورثته لأنها دين لابد من أدائه عن طريق ورثته وللورثة حق استيفاء المنفعة الذى ملكه المورث، والرأى الثانى نظر إلى شخص المتعاقد، فانتقال الملك إلى غيره، وأخذ غير المنتفع المتعاقد لهذه المنفعة يبطل العقد لتعذر الوفاء والاستيفاء وكلها وجهات نظر ليس لها نص، ورأى الجمهور أقوى "المغنى لابن قدامة ج 6 ص 42"
(9/378)
________________________________________
تحديد الربح فى التجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك نص يحدد قيمة الربح فى التجارة؟

الجواب
هناك آداب كثيرة للتجارة، بعضها يتصل بالأشكال كصيغ التعاقد، وبعضها يتصل بالمعانى كالأمانة والصدق والقناعة، ومما ورد فى ذلك حديث " التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصدِّيقين والشهداء " رواه الترمذى وحسنه، وحديث " من غشنا فليس منا " رواه مسلم وحديث " من بايعت فقل لا خلابة " أى لا خديعة. رواه مسلم، وحديث " لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق " رواه البخارى ومسلم، وحديث " إياكم وكثرة الحلف فى البيع، فانه ينفق ثم يمحق " رواه مسلم، وحديث: " رحم اللَّه رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى " رواه البخارى، وحديث " البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما فى بيعهما، وإن خانا وكذبا محقت بركة بيعهما " رواه البخارى ومسلم.
تدل هذه النصوص وغيرها على الاهتمام بالناحية الخلقية فى التعامل التجارى وغيره، وأهمها الصدق والقناعة والسماحة. وتفريعا على ذلك إذا أراد التاجر أن يبيع سلعة فهو يطلب فيها ثمنا أعلى من ثمن الشراء، ليتحقق الكسب المقصود من التجارة وهذا الكسب ليس له قدر معين، فللتاجر أن يحدده كما يشاء بشرط عدم الاستغلال وعدم الكذب. ويشملهما عدم الغش.
والاستغلال يصور مثلا بألا يكون هناك تاجر غيره يملك هذه السلعة فهو يحتكرها ويفرض السعر الذى يريده، لعلمه أن المشترى مضطر إليها، أو يطمع فى كسب كبير لأن المشترى ذو مال كبير لا يهمه السعر الذى يشترى به.
والكذب يصور مثلا بأن يقول له المشترى، سأعطيك ربحا معينا فوق ثمن الشراء، وطلب منه أن يذكر له الثمن الأصلى، فالتاجر يذكر ثمنا أعلى، وقد يلجا إلى الحلف لتأكيد ذلك.
أما إذا خلا البيع من الاستغلال والكذب بكل الصور والأشكال فلا تحديد للربح الذى يريده ما دام الطرفان راضيين بذلك. ويُسَن أن يكون ربحا معقولا، رحمة بالمشترى وقناعة بالقليل، ودعاية له بين الناس ليكثر المتعاملون معه، وفى ذلك خير له وللنشاط الاقتصادى بوجه عام.
هذا، وما ذكر فى بعض الكتب الفقهية من أن الربح لا يزيد على العشر أو الثلث فلا دليل عليه من القرآن أو السنة. ولعل القائل بذلك أخذ قوله من واقع الحال فى بلده وفى زمنه، حيث كانت المصلحة فى تحديد الربح، على نسق ما يقال فى جواز التسعير للمصلحة.
هذا، وقد تحدث الإمام الغزالى فى كتابه " إحياء علوم الدين " عن الإحسان فى المعاملة فذكر أن الغبن هو الغالب فى التجارة وهو مسموح به، وفسره بأن يبيع التاجر السلعة بثمن أكثر من ثمن شرائها.
ومن رتبة الإحسان المندوب - وهو فوق رتبة العدل الواجب - أن يكون الغبن والربح، معتادا، أى يجرى عليه غالب التجار. ونص عبارته:
وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور، الأول فى المغابنة، فينبغى ألا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به فى العادة. فأما أصل المغابنة فمأذون فيه، لأن البيع للربح، ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما، ولكن يراعى فيه التقريب، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتاد أو لشدة رغبته أو لشدة حاجته فى الحال إليه فينبغى أن يمتنع من قبوله، فذلك من الإحسان. ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار، ولسنا نرى ذلك، ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن.
انتهى "ج 2 ص 72 طبعة عثمان خليفة ".
وأشار الشيخ يوسف الدجوى المالكى إلى أن البعض قال إذا وصل الغبن الثلث فأكثر من قيمة السلعة فسخ البيع إن قام المغبون فى أثناء السنة من يوم البيع، وأفتى به بعض العلماء ولكن رده ابن رشد بقوله:
إنه غير صحيح، لحديث " لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس فى غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض ". وذكر أنه لا يجوز الرد بالغبن ولو خالف العادة فى القلة والكثرة إلا إذا كذب فى ثمن الشراء فللمغبون الرد بلا خلاف، أما الخلاف فهو إذا كان المغبون جاهلا من غير استسلام لما يقول البائع، فإن كان عارفا فلا رجوع له اتفاقا، فإن استسلم فالرد متفق عليه " مجلة الأزهر مجلد 5 ص 244، 245 "
(9/379)
________________________________________
الاحتكار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى الاحتكار وما حكمه؟

الجواب
1 -تعريفه: هو حبس السلعة مع حاجة الناس إليها ليرتفع بذلك سعرها.
2- حكمه: العقل السليم وقانون الاجتماع البشرى ورابطة الأخوة الإنسانية المنوط بها تحقيق خلافة الإنسان فى الأرض لا ترضى بهذا العمل لأنه دليل على الأنانية وقسوة القلب وعدم التعاون على الخير.
والأديان كلها تحرِّمه، لأنها تستهدف سعادة الجماعة فى معاشها ومعادها، بفعل الخير والبعد عن الشر، والإسلام كدين خاتم يحرمه بروحه ونصوصه العامة فى التراحم والتعاون على البر والتقوى، وإيثار ما يبقى على ما يفنى، ووردت بخصوصه نصوص من أصحها قول النبى صلى الله عليه وسلم " من احتكر فهو خاطف " وما عدا ذلك فهى نصوص فيها مقال، مثل " من احتكر طعاما أربعين فقد برئ من اللَّه وبرئ اللَّه منه " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم، يقول الحافظ المنذرى: فى هذا المتن غرابة، وبعض أسانيده جيد، ومثل " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " رواه ابن ماجه والحاكم، وفى سنده مجهول، ومثل " من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللَّه بالجذام والإفلاس " رواه ابن ماجة، وفى إسناده كلام، ومثل " من دخل فى شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقذفه فى جهنم رأسه أسفله " رواه أحمد والطبرانى، وفى سنده مقال [الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى ج 2 ص 27 2 طبعة صبيح] 0 وجاء فى حديث بسند غير مقبول ما يبين خُلُق المحتكر فيقول "بئس العبد المحتكر، إن أرخص اللَّه الأسعار حزن، وإن أغلاها فرح " وليس منه التاجر الذى يعرض البضاعة للبيع ويشترى غيرها ليبيعها فالمحتكر هو الذى يحبس السلعة حتى تشتد حاجة الناس إليها فيمتنع عن بيعها إلا بسعر غال، وربما لا يشترى غيرها ليبيعها مرة ثانية، [فتوى شيخ الأزهر-منبر الإسلام عدد شوال 1391 هـ] والإمام النووى يفرق بين من يملك غلة من مصدر غير الشراء، ومن يملكها بالشراء ليتاجر فيها،فقد سئل: إذا دخل عليه غلة من ملكه فتربص بها الغلاء للمسلمين وامتنع من بيعها وقت الرخص، هل يكون ذلك احتكارا، ويفسد بفعله ذلك، وهل هو حرام؟ فأجاب ليس هذا باحتكار، ولا يحرم ولا يفسق به، وإنما الاحتكار أن يشترى القوت فى وقت الغلاء ويمتنع من بيعه فى الحال لانتظار زيادة الغلاء وإذا اشترى فى وقت الرخاء وانتظر به الغلاء لا يكون ذلك احتكارا ولا يفسق به أيضا ولا ترد شهادته [فتاوى الإمام النووى المسماة بالمسائل المنثورة ج 2 ص 75 نشر مجلة الأزهر فى صفر 1411 هـ] ويراعى أنه ذكر أن الشراء كان فى وقت الرخاء ولا توجد مجاعة ولا حاجة ملحة لهذه السلعة، فانتظر حتى يغلو السعر الذى تتحكم فيه عوامل العرض والطلب والظروف الأخرى، ومثل سلعته موجود عند غيره لمن يريد أن يشترى.
3- تدخل ولى الأمر: جاء فى فتاوى ابن تيمية، نشر المملكة السعودية " مجلد 28 ص75 " المحتكر هو الذى يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين، ولهذا كان لولى الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس فى مخمصة فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل ولهذا فال الفقهاء: من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره
(9/380)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:06 am


السعر والتسعير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للحاكم أن يفرض سعرا معينا للسلع؟

الجواب
التعريف: السعر هو القدر الذى تقوَّم به السلعة، والتسعير هو وضع قيمة للسلعة، والسعر يتحكم فيه غالبا عاملا العرض والطلب، أما التسعير فيكون بتدخل ولى الأمر.
2- الحكم: جاء فى فتاوى ابن تيمية " مجلد 28 ص 76 "عن تدخل ولى الأمر فى الأسعار: أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب. .
وضرب مثلا للتسعير الذى لا يجوز بما حدَّث به أنس رضى الله عنه أنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقالوا:
يا رسول الله لو سعرت؟ فقال " إن اللَّه هو القابض الباسط الرزاق المسعر، وإنى لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبنى أحد بمظلمة ظلمتها إياه فى دم ولا مال " رواه أبو داود والترمذى وصححه. فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر إما لقلة الشىء وإما لكثرة الخلق فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق.
ثم ضرب مثلا للتسعير الذى يجوز فقال: إذا امتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم به.
وجاء مثل ذلك فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم سنة 1943 م [الفتاوى الإسلامية المجلد 3 ص 815] وفيها: أن الحكومة إذا سعَّرت وجب العمل بما سعرت به وحرم التعدى، لأن طاعة ولى الأمر واجبة بالكتاب والسنة والإجماع إذا أمر بما ليس بمعصية.
3- التبليغ عن المخالف: جاء فى الفتوى المذكورة أنه يجب على من يعلم أن من التجار من يبيع بأسعار مرتفعة تزيد عن الأسعار المقررة أن يبلغ الحكومة بذلك، فإذا كان من يعلم ذلك شخصا واحدا وجب عليه التبليغ، فإن لم يبلغ كان آثما، وإذا كان من يعلم أكثر من واحد وجب عليهم أن يبلغوا، فإذا قام به بعضهم لم يأثم أحد منهم، لحصول المقصود بتبليغ بعضهم، وإذا تركوا كلهم التبليغ كانوا جميعا آثمين كما هو حكم الواجب الكفائى. انتهى.
وأنبه إلى ما جاء فى جواز التسعير أو وجوبه من أن المقصود منه هو العدل ومنع الظلم، فيكون التسعير مراعى فيه العدل الذى لا ظلم فيه للتجار ولا للشعب، بمعنى أن يكون بعد دراسة وافية يدخل فيها تغير الظروف، ويعدل السعر تبعا للمتغيرات من أجل تحقيق العدالة للتجار والشعب، ومنع الخروج على القوانين والقرارات بحيلة أو بأخرى.
وإذا كانت طاعة ولى الأمر واجبة فمحلها فيما لا معصية ولا ظلم فيه، وفيما يساعد على النشاط الاقتصادى العادل الذى يشجع عليه التنافس الشريف الذى يوازن بين الحقوق والواجبات فى إطار التعاون على الخير الذى يفيد منه كل الأطراف. والكل يعانى من القوانين والقرارات الجامدة التى يراعى فيها جانب واحد، مما يتيح الفرصة للتملص منها بأى أسلوب من الأساليب
(9/381)
________________________________________
السمسار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
للسماسرة نشاط كبير فى التجارة، فهل عملهم حلال، وما حكم المال الذى يكسبونه من ذلك؟

الجواب
السمسار هو الوسيط الذى لم يأخذ صفة الوكيل الشرعى، ولا يفيد كلامه مع الناس تعاقدا شرعيا ملزما، لأنه لا يملك السلعة التى يتوسط فى بيعها أو شرائها، وما يأخذه من الناس فى سبيل إتمام الصفقة إن كان بسخاء نفس فلا مانع منه، وإلا فهو سحت. وقد يحكم له بأجر المثل على العمل الذى أتمه.
لكن إن أخذ صفة الوكيل، بأن قال له شخص: اشتر لى هذه السلعة، وسأعطيك كذا فى مقابل تعبك وعملك فلا حرمة فى العمل ولا فى الكسب. أما إذا قال له: اشتر لى هذه السلعة وسأعطيك 10 % (عشرة فى المائة) من الثمن يجب عليه أن يكون صادقا فى الإخبار عن الثمن، فإن كذب وزاد فيه حتى تزيد عمولته كان ذلك حراما فالواجب على من يقوم بالوساطة على صفة الوكالة أو الإجارة أن يكون صادقا وأمينا ورحيما حتى يبارك اللَّه له فى كسبه.
وأحذر الوكلاء والمفوضين فى توريد أو شراء شىء لشخص أو شركة أو هيئة مثلا أن يتفقوا مع مالكى السلعة على تحرير مستندات بثمن أعلى ليحصله من الجهة التى فوضته فى حين أنه دفع أقل من ذلك، ليأخذ الفرق له، فتلك خيانة، فإذا وافق من فوضوه على أنه دفع ثمنا أو اتفق على سعر أقل من المعتاد. على أن يكون الفرق له فهو حلال. والمهم أن يكون صادقا غير متواطئ على الكسب بهذه الحيل، وألا يكون فيها خسارة للجهة الموردة أو المالكة للسلعة، لأنها غير موافقة أو لأنها جاهلة بتصرف من باع هذه السلعة.
وأمثال هذه التصرفات البعيدة عن موافقة الطرفين مظنة للاتهام، بل مدرجة إلى ارتكاب أمور خطيرة، ستكشف الأيام عنها، وبخاصة إذا اختصم اللصان. ومندوب المشتريات الذى يأخذ من البائع عمولة أو إكرامية، لأنه اشترى منه وآثره على غيره، أو أخذ منه كميات كبيرة، إن تمت الصفقة على الشروط والمواصفات والثمن المعلن عنه، ولم يكن هناك ظلم ولا اختلاس كان ما يعطيه البائع - شخصا أو شركة أو غيرهما-كهدية له لا مانع منه شرعا، أما إن كان هناك غش فى التغاضى عن بعض الشروط والمواصفات، أو ظلم لمن رسا عليه المزاد مثلا كان ما يأخذه حراما، سواء شرطه على مالك السلعة أم لم يشرطه.
ومع ذلك ينبغى التعفف عنه بقدر الإمكان، والقيام بالواجب المنوط به على الوجه المرضى، دون نظر إلى هدية أو مكافأة -مادية أو أدبية - فيؤديه بحكم وظيفته أو عمله، والأمر يعود بعد ذلك إلى من أعطاه وبقدر نيته يكون جزاؤه عند الله.
وإذا كانت الشبهات من باب الحلال، أى غير الحرام، فالأولى البعد عنها، فإن أقل ما فيها هو القيل والقال. وما عند الله خير وأبقى لمن أخلص فى عمله راجيا ثوابه، قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف: 30
(9/382)
________________________________________
التصرف فى المال الحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إنسان اكتسب مالا حراما وأراد أن يتوب إلى الله فماذا يفعل؟

الجواب
من اكتسب مالا حراما أو أخذه بغير وجه حق، وأراد أن يتوب إلى الله، وجب عليه بعد الندم والعزم على عدم العود إلى المعصية أن يرد الحقوق إلى أصحابها، وذلك إذا كانوا معروفين يردها إليهم أو إلى ورثتهم ما أمكن ذلك، أو يطلب منهم التنازل عنها، فإن لم يستطع التعرف عليهم وجب عليه أن يضعها فى منفعة عامة، أو يتصدق بها عنهم، كما فعل عمر بن الخطاب مع المتسول الذى طلب منه طعاما فأحاله على صحابى فأطعمه، ثم عاد يسأل فوجده محترفا ومعه زاد كثير، فأمر بطرحه أمام إبل الصدقة لأنها منفعة عامة للمسلمين. .
جاء فى تفسير القرطبى "ج 3 ص 366" ما نصه:
قال علماؤنا: إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام: إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن كان حاضرا، فإن آيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك فى أي من ظلمه، فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه، فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع، إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى فى يده إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة من اللباس، وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبتيه، وقوت يومه.
لأنه الذى يجب له أن يأخذ من مال غيره إذا اضطر إليه، وإن كره ذلك من يأخذه منه.
وفارق هاهنا المفلس فى قول أكثر العلماء، لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء، بل هم الذين صيروها إليه، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة لباسه، وأبو عبيدة وغيره يرى ألا يترك للمفلس من اللباس إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة، وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته، ثم كلما وقع بيد هذا شيء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا، حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه
(9/383)
________________________________________
سداد الدين بعملة مغايرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا اتفق شخص مع شركة على شراء سلعة بثمن معلوم يدفع فى المستقبل، واتفق مع مصرف على أن يمول تلك الصفقة بعملة غير العملة التى تم بها الشراء، فهل يجوز أن يراعى عند السداد سعر العملة التى تمت بها الصفقة وقت السداد، أو يراعى سعرها وقت التعاقد؟

الجواب
هذه الصورة ليست بيع عملة بعملة، ولكنها سداد دين تعلق بالذمة كالقرض. والأصل فى سداد الدين أن يكون بالعملة نفسها، فإذا كان هناك اتفاق على السداد بعملة أخرى فالاتفاق معتبر، سواء أكان بالسعر وقت تعلق الدين بالذمة أو وقت الوفاء به، وإن لم يكن هناك اتفاق فلا يُرغَمُ الدائن على قبول عملة تحقق له خسارة، ومن هنا رأى المدين أن يراعى سعر العملة وقت السداد، وهو ما يقضى به العدل والإحسان فى القضاء الذى نص عليه الحديث "إن خيركم أحسنكم قضاء" كما رواه البخارى ومسلم.
لكن ورد حديث صورته قريبة من هذه الصورة إن لم تكن عينها أو مثلها: وهو: أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت له: إنى أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير واَخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم واَخذ الدنانير، فقال "لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء " رواه الخمسة - أحمد وأصحاب السنن الأربعة - وقد صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقى. لكن الترمذى ذكر أن الحديث موقوف على ابن عمر وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم والبيهقى قال عنه: تفرد برفعه: سماك بن حرب، وقال شعبة: رفعه سماك وأنا أفرقه (كذا) .
ومهما يكن من شيء فقد قال الشوكانى: فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذى فى الذمة بغيره، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعا، بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما فى الذمة كالحاضر، وفيه أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض فى المجلس، لأن الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا بشرط وقوع التقابض فى المجلس، وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاووس والزهرى ومالك والشافعى وأبى حنيفة والثورى والأوزاعى وأحمد وغيرهم - وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب -وهو أحد قولى الشافعى -أنه مكروه، أى الاستبدال المذكور، والحديث يرد عليهم.
واختلف الأولون -وهم المجيزون -فمنهم من قال: يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع فى الحديث، وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة والشافعى: إنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص، وهو خلاف ما فى الحديث من قوله "بسعر يومها" وهو أخص من حديث "إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" فيبنى العام على الخاص، انتهى ما قاله الشوكانى فى نيل الأوطار ج 5 ص 166 ".
والظاهر أن الصورة التى فى السؤال هى التى فى الحديث، واشترط فيها التقابض فى المجلس، أى وقت عقد الصفقة، إعمالا لحديث بيع العملة بعملة أخرى بشرط التقابض، وعليه فإن الصورة المسئول عنها لا تصح لأن العملة الأخرى مؤجلة لا تقبض إلا بعد مضى مدة من وقت الشراء.
وهذا فى صورة بيع أو استبدال عملة بعملة، لكن روى عن ابن عمر صورة فيها قضاء دين بعملة مغايرة، وهى أنه سئل عن أجيرين له عليهما دراهم، وليس معهما إلا دنانير، فقال أعطوه بسعر السوق، لأن هذا جرى مجرى القضاء، فقيد بالمثل كما لو قضاه من الجنس والتماثل هاهنا، دنانير بدراهم - من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة.
ألا يدل هذا الكلام على أنه يجوز سداد الدين بعملة أخرى بسعر يوم السداد، وهو متأخر عن يوم الاستدانة؟ الأمر يحتاج إلى نظر.
هذه الرواية الثانية عن ابن عمر- ذكرها الدكتور أبو سريع عبد الهادى - خريج كلية الشريعة والقانون بالأزهر- فى كتابه "الربا والقرض فى الفقه الإسلامى ص 72" معتمدا فى نقله على المصادر الآتية:
(1) المغنى ج 4 ص 52، 54، 55.
(2) حاشية ابن عابدين ج 5 ص 266، 267.
(3) الكافى ج 2 ص 643، 644.
(4) كشاف القناع.
هذا، وقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامى فى دورة مؤتمره الثامن المنعقد فى بندر سربجادن بإمارة بروناى دار السلام عدة قرارات، منها:
ا -يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد لا قبله على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد، وكذلك يجوز - فى الدين على أقساط بعملة معينة - الاتفاق يوم سداد أى قسط أيضا على أدائه كاملا بعملة مغايرة بسعر صرفها فى ذلك اليوم. ويشترط فى جميع الأحوال ألا يبقى فى ذمة المدين شىء مما تمت عليه المصارفة فى الذمة، مع مراعاة القرار رقم 55 / 1 / د 6 بشأن القبض.
2 -يجوز أن يتفق المتعاقدان عند العقد على تعيين الثمن الآجل أو الأجرة الموجلة بعملة تدفع مرة واحدة أو على أقساط محددة من عملات متعددة أو بكمية من الذهب، وأن يتم السداد حسب الاتفاق.
"مجلة الهداية الصادرة بالبحرين فى ربيع الثانى 1414 هـ (أكتوبر 1993 م) "
(9/384)
________________________________________
التوفير فى بنوك أجنبية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نحن نوفر جزا من راتبنا بالدولار فى بنك أجنبي ولا نقصد بذلك إلا حفظ رواتبنا من التآكل لكن البنك يعمل لدى البنوك الأوروبية والأمريكية بالمبالغ التى نوفرها وبغيرها، وفى نظير ذلك يعطينا أرباحا بنسبة غير محددة، فهل هذه الأرباح حلال أم حرام؟

الجواب
إن هذه المعاملة تدور بين الوديعة والقرض والقراض، وبيان ذلك.
ا -إذا كانت وديعة فلا يجوز للمودَع عنده التصرف فيها إلا بإذن المودع، لأنها مضمونة ترد بذاتها أو ببدلها إن تلفت، سواء أكان هذا البدل عينا أم قيمة، وحيث إن المودع عنده وهو البنك قد تصرف فيها فتكون أرباحها والناتج منها ملكا لصاحبها المودع وللبنك أجر هذا الاستثمار، وهذا إذا كان الاستثمار حلالا، إلا إذا أذن المودع، للبنك فى استثمارها فيكون الناتج ملكا للبنك. .
لكن قال العلماء: إن وديعة النقود لا تضمن بذاتها وعينها، بل يجوز أن ترد إلى صاحبها نقودا أخرى مساوية لها فى قيمتها، وتعتبر حينئذ قرضا حيث أذن للمقترض أن يتصرف فيها كما يشاء، وعليه فلا يستحق صاحب الوديعة "القرض " أكثر منها، وقد قررت بعض القوانين المدنية أن الوديعة المأذون فى التصرف فيها تعتبر قرضا، كالقانون المدنى المصرى حيث جاء فى المادة 726 منه: إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أى شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا فى استعماله اعتبر العقد قرضا.
2 - وإذا كانت هذه النقود المودعة فى البنك للحفظ أخذت صفة القرض، وأعطى البنك عليها أرباحا فينظر إلى القاعدة المعروفة "كل قرض جر نفعا فهو ربا" والعلماء فيها فريقان:
ا - فريق قال: يكون القرض الذى جرَّ نفعا من باب الربا إن كان النفع مشروطا فى العقد، أما إذا لم يكن مشروطا فإن النفع يكون من باب الهدية يجوز قبوله كما رد الرسول قرض اليهودى بأكثر منه.
ثم قال هذا الفريق: العرف ينزل منزلة الشرط، يعنى إذا كان معروفا أن هذا القرض سيجر نفعا حتى لو لم يكن مشروطا فى صلب العقد، فهو من باب الربا، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وأصحاب السؤال يقولون: إننا لا نريد أرباحا، فإذا كانوا قد وقَّعوا عند الإيداع على رفض الأرباح، ويكون ما يعطيهم البنك لهم من باب الهدية فيجوز قبولها، أما إذا لم يوقِّعوا على رفض الأرباح، أو وقعوا وكانوا يعلمون أن البنك لابد أن يعطيهم، سواء رضوا أم أبوا - لأن القانون يقرر ذلك -كانت الأرباح التى تعطى لهم من قبيل الربا.
ب -وفريق من العلماء قال: إن أى نفع من القرض يكون ربا، سواء شرط ذلك أو لم يشرط، وسواء عرف أو لم يعرف.
وعلى هذا فما هو موقف المودعين من هذه الأرباح إن كانت ربا، هل يتركونها للبنك أو يأخذونها؟ رأيان، ولكن الأوفق هو أخذها وعدم تركها للبنك، على أن يوجهوها للمنفعة العامة، كمال حرام كان يجب رده إلى أصحابه الذين أخذها البنك منهم، ونظرا لتعذر ذلك يصرف المال للمنفعة العامة، ولا ينتفع به من أخذه فى مصالحه الشخصية.
3-أما أن يعتبر هذا المال المودَع فى البنك من باب القراض والمضاربة فممنوع لأن الشرط فى صحة المضاربة الاتفاق بين الطرفين على تقسيم الربح ومعرفة نسبة التقسيم، وألا يشترط ضمان رأس المال إلا بالتعدى، وذلك غير موجود فى الصورة التى فى السؤال، وعليه فلا حق للمودعين فى الأرباح التى يعطيها لهم البنك وبخاصة أن استثمار المال كان بطريق غير مشروع وهو الإقراض للبنوك الأجنبية بنسبة معينه.
فالخلاصة أن المعاملة المذكورة فى السؤال من باب القرض الذى جر نفعا، سواء أكان مشروطا أم غير مشروط لكنه معروف عرفا، فالأرباح ربا تصرف فى المنافع العامة
(9/385)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:06 am

أجر تقديم الخمور

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعمل فى محل عام أقدم فيه المشروبات للرواد من أجل زيادة راتبى القليل الذى كنت آخذه من العمل فى قسم آخر لأستطيع أن أعول أسرتى فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
رأى الدين واضح فى حرمة الاشتراك فى تناول المحرمات بأى نوع من أنواع الاشتراك والحديث قد نص على ذلك، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة، عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشترى له " رواه ابن ماجه والترمذى واللفظ له وقال: غريب، قال الحافظ رواته ثقات.
فالذى يقدم الخمر للشاربين شريك فى الإثم بنص الحديث، لأنه إما راض عن فعلهم والراضى بالمعصية يعاقب عقاب من عملها، وإما مساعد عليها، والمساعد على المعصية مشترك فى العقاب مع العاصى.
وأقول للسائل: إن الأجر القليل من عمل حلال إذا كان يغطى الضروريات فقط التى تمسك الحياة وتدفع الموت وتحول دون العجز فهو راتب يباركه الله، أما ما وراء ذلك الضرورى فلا يجوز أن يحصَّل من الحرام
(9/386)
________________________________________
البيع بالمزاد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يدخلون فى المزايدات لا بقصد الشراء ولكن بقصد إعلاء الثمن؟

الجواب
روى البخارى ومسلم عن ابن عمر وأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش وذم الناجش، والنجش فى اللغة هو تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد، وفى الشرع الزيادة فى ثمن السلعة، وقد يكون ذلك بمواطأة البائع فيشترك مع المشترى فى الإثم، وقد يكون بغير علمه فيختص بذلك المشترى، وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك.
وفسر الشافعى صورة بيع النجش بأن تحضر السلعة لتباع، فيعطى إنسان لها ثمنا ولا يريد شراءها، وذلك حتى يقتدى به السُّوَّام، أى الراغبون فى الشراء، فيعطوا بها ثمنا أكبر، أى يقدرون لها سعرا أكبر مما كانوا يقدرونه لو لم يسمعوا سومه، وهذا ما يسمى الآن ببيع المزايدة.
وحاصل ما قيل فيه: إن زيادة السعر وتنافس المساومين إن لم يكن الغرض من ذلك شراء السلعة، وكان الغرض تغرير الغير ليتوهم أنها تساوى ما سمعه من الأثمان فيدفع فيها ثمنا أعلى ليفوز بها-كانت المزايدة محرمة، ويشترك فى الإثم كل من له دخل فيها أو علم بها ورضى عنها. أما إذا كانت المزايدة من الشخص بقصد شراء السلعة لا بقصد التغرير فلا تكون محرمة.
وإذا كانت المزايدة بقصد التغرير محرمة فهل يبطل البيع أو يقع صحيحا مع حرمته؟ نقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك ليبيع، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك، وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعته. والمشهور عند المالكية ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية والأصح عندهم -أى الشافعية- صحة البيع مع الإثم، وهو قول الحنفية "نيل الأوطار ج 5 ص 175 "
(9/387)
________________________________________
البيع بشرط المنفعة للبائع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحصل فى بعض الأحيان أن يبيع الإنسان أرضا أو عقارا لأحد أقاربه ويشترط أن يبقى الانتفاع بهذا المبيع حقا للبائع، ولا يملكه المشترى إلا بعد وفاة البائع، فهل هذا البيع صحيح؟

الجواب
وجِّه مثل هذا السؤال إلى الشيخ محمد بخيت المطيعى المفتى الأسبق وأجاب عليه فى جمادى الأولى سنة 1333 هـ (1915 م) بأنه بيع فاسد على مذهب الإمام أبى حنيفة، الذى كان هو المذهب الرسمى للإفتاء، وعلَّله بأن فيه شرطا فاسدا فى صلب العقد الذى لا يقتضيه ولا يلائمه، ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه، وفيه نفع للبائع مع أن منفعة المبيع هى للمشترى بمقتضى العقد، وما دام المبيع لم يتسلمه المشترى فهو باق فى ملك البائع يجوز له فسخه. وإذا قبضه المشترى مع وجود هذا الشرط كان ملكا له.
"الفتاوى الإسلامية المجلد الثالث ص 794".
ووجه مثل هذا السؤال إلى الشيخ عبد الرحمن قراعة فأجاب عليه فى شوال 1339 هـ (1921 م) بمثل ذلك. ولم يجعل العقد وصية، لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرج، والتمليك فى هذه الصورة ليس تبرعا. "المصدر السابق ص 807".
وبمثل إجابة الشيخ قراعة أجاب الشيخ محمد إسماعيل البرديسى فى شوال 1339 هـ (يونية 1921 م) "الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص ا 156 ".
وهناك وجهة نظر تقول: لو باع الإنسان أو وهب أرضا أو عقارا لإنسان آخر، وجعل استغلاله لهذه الأرض أو العقار جزءا من الثمن أو المقابل أو هو كل الثمن أو المقابل، وتم البيع أو الهبة بتسليم العين للمشترى أو الموهوب له، ثم أعطى للبائع حق الاستغلال لها، فما هو المانع من صحة هذه المعاملة؟ طرفان فى العقد وعين وقع عليها العقد ومقابل للعين وهو انتفاع البائع بها لمدة.
إنها وجهة نظر معقولة قد يتغير بها الرأى الذى جاء فى الفتاوى السابقة
(9/388)
________________________________________
زمن الإجارة والتأجير من الباطن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى عقد الإيجار الذى يمتد سنوات طوالا، وما الحكم إذا قام المستأجر بتأجير الأرض إلى شخص آخر بأضعاف السعر الذى تعاقد به مع المالك؟

الجواب
عقد الإجارة لبيت أو أرض أو أى شىء آخر ينتهى بانتهاء الأجل المضروب لها أو المهمة التى تعاقد الطرفان عليها، فإذا انتهى الأجل أو المهمة وجب تسليم العين لمالكها، ويحرم على المستأجر استغلالها أو إمساكها.
وفى أثناء المدة المتعاقد عليها يجوز للمستأجر أن يؤجر لغيره هذه العين، لأنه يملك المنفعة منها، فله الحق فى التصرف فيها بوجوه الانتفاع التى لا تضر بالعين، إلا إذا جرى الاتفاق بغير ذلك. أما لو أمسك المستأجر العين ولم يسلمها لصاحبها فكل كسبه وانتفاعه منها حرام وسحت، لأنه ليست هناك إجارة على التأبيد حتى لو أجازها القانون، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به
(9/389)
________________________________________
ميراث من حرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
والدى ترك لنا أرضا وعقارا لكنه كان يتعامل أحيانا بالربا ويأخذ الرشاوى فهل ميراثنا منه حلال أم حرام؟

الجواب
يقول الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "ج 2 ص 115:
رجل ورث مالا ولم يدر أن مورثه اكتسبه من حلال أم من حرام، ولم تكن ثمة علامة، فهو حلال باتفاق العلماء، وإن علم أن فيه حراما وشك فى قدره أخرج مقدار الحرام بالتحرى والاجتهاد، وقال بعض العلماء: لا يلزمه والإثم على المورث، واستدل بما روى أن رجلا ممن ولى عمل السلطان مات فقال صحابى: الآن طاب ماله، أى لوارثه، وهذا ضعيف، لأنه لم يذكر اسم الصحابى، ولعله صدر من متساهل، فقد كان فى الصحابة من يتساهل ولكن لا نذكره لصحبته
(9/390)
________________________________________
اختلاط المال الحلال بالحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل كسبه مختلط فيه الحلال والحرام هل يجوز أكل شىء منه؟

الجواب
قال الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين"ج 2 ص 93: لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر، كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام، والدليل:
1 - أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم، كما لم يتركوا شرب الخمور ولا تركوا المعاصى، وأدرك أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة، وقد نهبها أصحاب يزيد ثلاثة أيام، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة.
2 - لو فتح هذا الباب لانسد باب جميع التصرفات وخرب العالم، إذ الفسق يغلب على الناس، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط، ولو قيل: إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط بالحلال الآن أقول: ليس حراما وإنما الورع تركه.
وفى "ص 96": لو طبق الحرام الدنيا حتى علم يقينا أنه لم يبق فى الدنيا حلال كنت أقول نستأنف تمهيد الشروط من وقتنا ونعفو عما سلف ونقول: ما جاوز حده انعكس إلى ضده، فمهما حرم الكل حل الكل، وذلك لأن الناس لو تركوا الأكل منه ماتوا عن أخرهم، ولو اقتصروا على قدر الضرورة فسيئول أمرهم إلى الموت، فالذى نراه أن كل ذى يد على ما فى يده، وهو أولى به، لا يجوز أن يؤخذ منه سرقة وغصبا، بل يؤخذ برضاه، والتراضى هو طريق الشرع.
وقال فى صفحة 108: شخص معين خالط ماله الحرام مال حلال، فإن كان الأكثر حراما لا يجوز الأكل من ضيافته ولا قبول هديته وصدقته إلا بعد التفتيش، فإن ظهر أن المأخوذ من وجه حلال فذاك، وإلا ترك، وإن كان الحرام أقل والمأخوذ مشتبه فهذا فى محل النظر.
وفى ص 109 قال: فإن قيل: روى عن علىَّ الترخيص فى أخذ ما يعطيه السلطان له، وابن مسعود بجواز الأخذ من الجار صاحب المال الخبيث وقال: عليه المأثم ولك المهنأ، وقال بجواز الأكل من الجار الذى يتعامل بالربا، ورويت عنه روايات كثيرة مختلفة، وأخذ الشافعى ومالك جوائز الخلفاء والسلاطين، مع العلم بأنه خالطه حرام.
ويرد الغزالى بقوله: علىّ كان شديد الورع فليس معقولا أن يرخص فى ذلك، وإن كان يمكن الترخيص فى مال السلطان لكثرة ما فيه من حلال، وكذلك ما نقل عن الشافعى ومالك، لأن الحلال أكثر فى مال السلطان.
وأما قول ابن مسعود فنقله عنه خَوَّات التيمى، وهو ضعيف الحفظ، وابن مسعود اشتهر بتوقى الشبهات.
وفى ص 110 قال: ليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا لم يأمن غضبه إذا كان الحلال أكثر، أما إذا كان الحرام أكثر فعليه أن يسأل ولا يبالى بغضبه، لأنه ظالم.
وفى ص 117 قال: إن كان فى يده حلال وحرام أو شبهة وليس يفضل الكل عن حاجته فإذا كان له عيال فليختص نفسه بالحلال ويطعم أولاده الحرام بقدر الحاجة ويقدم الأهم على المهم.
هذه الصورة مفروضة فى أن الرجل محتاج، أما غير المحتاج فلا يطعم أولاده الحرام.
وفى ص 118 قال: إذا كان الحرام أو الشبهة فى يد أبويه فليمتنع من مؤاكلتهما، فإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، فإن كان شبهة وكان امتناعه للورع فقد عارضه أن الورع طلب رضاهما، بل هو واجب، فليتلطف فى الامتناع، فإن لم يقدر فليوافق وليقلل الأكل ولا يتوسع، ولو ألبسته أمه ثوبا من شبهة وكانت تسخط برده فليقبل وليلبسه بين يديها، ولينزعه فى غيبتها.
هذا، وقد جاء فى تفسير القرطبى"ج 2 ص 09 ا"ما نصه:
قال ابن خُوَيْزِ منداد: وأما أخذ الأرزاق "المرتبات " من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال.
إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره.
وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه، ويجوز للمحتاج أخذه، وهو كلصٍّ فى يده مال مسروق ومال جيد حلال قد وكَّلَه فيه رجل، فجاء اللص يتصدق به على إنسان، فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة، وإن كان من الجائز أن يتصدق اللص ببعض ما سرق إذا لم يكن شىء معروف بنهب، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما، وإن كان الورع التنزه عنه، وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها.
وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم، ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد، فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين
(9/391)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:07 am

إجارة ومزارعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز سداد إيجار الأرضى الزراعية من المحصول الذى يزرع فيها بالاتفاق بين المالك والمستأجر؟

الجواب
إيجار الأرض الزراعية مبلغ معلوم متفق عليه بين المالك والمستأجر، يُلْزم بدفعه المستأجر من أى مصدر وبأية وسيلة، ما دام هناك اتفاق على ذلك، والمؤمنون عند شروطهم.
هذا إذا كان العقد عقد إجارة، وهو كما قال الفقهاء، العقد على منفعة معلومة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم، كأن أجَّر له الأرض لمدة سنة أو لزرع القمح مثلا لقاء مبلغ معين كمائة جنيه مثلا، أو أردب من قمح أو من ذرة أو من أرز مثلا.
لكن هناك عقدًا آخر اسمه "المزارعة " وهو أن يعطى المالك أرضه لزارع يزرعها، والمالك يعطى الزارع بعض ما يخرج منها، ويكون البذر والتكاليف من صاحب الأرض أو حسب الاتفاق، فما يأخذه الزارع هو أجره على العمل، وقد يكون البذر من المستأجر ويسمى هذا العقد "مخابرة "وفيه خلاف للفقهاء فى جواز هذه المعاملة وعدم جوازها.
والصورة الواردة فى السؤال الظاهر أنها إجارة، والعوض هو جزء معين من المحصول كأردب من القمح أو الذرة مثلا، وهى جائزة، ولا يتحتم أن يكون العوض من المحصول نفسه، بل يجوز أن يكون من قمح آخر يساوى فى قيمته قيمة الناتج من هذه الأرض، اللهم إلا إذا شرط المالك أن يكون العوض من الناتج من أرضه، فينفذ الشرط
(9/392)
________________________________________
الوديعة والقرض والمضاربة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الحكم الشرعى فى شهادات الاستثمار ذات العائد المحدد، وهل يصدق عليها أنها وديعة أو من باب المضاربة كما يقول بعض الناس؟

الجواب
لقد وجه مثل هذا السؤال إلى الأزهر ونشرت الإجابة فى مجلة منبر الإسلام، عدد رمضان 1392 (أكتوبر 1972 م) ، وعلى الرغم من أن حكمها قد سبق نشره فإن فى إعادة نشره تأكيدًا له، وإبطالا لدعاوى من يروجون لحِلِّ هذه المعاملة، وهذا نص الإجابة:
لقد صدرت الفتوى عقب ظهور هذا النوع من المعاملة، وجاء فيها أن ذلك من باب القرض الذى جر نفعا، فهو بالتالى ربا، لأن عمليات البنوك فى هذه الشهادات هى جمع الأموال وإعطاوها للمؤسسات والهيئات وجهات الاستثمار الأخرى بفائدة كبيرة، وإعطاء أصحاب الشهادات فوائد أقل مما تحصل عليه من هذه الجهات، والفرق ربح لها، ولا صلة لها بجهات الاستثمار، فلها ربح محدد منها على المال الذى أخذته، فالأمر لا يعدو أن يكون قروضا جاءت بفائدة.
وما يقال من أن الأموال ودائع عند البنك وليست قروضا-يرد عليه بأن الوديعة إذا ردت لصاحبها ترد كما هى دون زيادة أو نقص، بل قال العلماء: إنه لا يجوز التصرف فى الوديعة خصوصا بما يعرضها للتلف، فمن أين يستحل صاحب الوديعة هذه الأرباح؟ على أنها لا تأخذ شكل الوديعة، لأن الوديعة مطلوب حفظها لردها حين طلبها، وهذه موجهة أصلا للاستثمار لا للحفظ، فهى سلفة جاءت من الناس إلى البنك، وهو بدوره يقرضها لجهات الاستثمار.
هذا، وقد قال جماعة من الفقهاء العصريين: إن الأمر لا يعدو أن يكون من باب المضاربة، مع أن المضاربة يعطى فيها الإنسان مالا لغيره ليستثمره ويعطيه نصيبا من الربح بنسبة معينة، وقد يكون عائد هذه النسبة قليلا وقد يكون كثيرا، حسبما يحقق رأس المال من ربح، وقد تكون هناك خسارة.
قال هؤلاء: إن البنك وسيط بين الناس وبين شركات وجهات الاستثمار، يأخذ هو فروق الفوائد للصرف على العاملين به مثلا، وعلى هذا يكون التعامل بين الطرفين على أساس المضاربة والربح مضمون وكبير، سواء فى حجمه المادى أو المعنوى بسبب الخدمات التى يؤديها هذا النشاط للبلد فى ظروفها الحالية بالذات، قالوا هذا مع علمهم بأن الربح محدد، وقد قال العلماء المتقدمون بأنه يفسد عقد المضاربة، أما هم فقالوا: إن تحديد الربح لا يفسد العقد، فلماذا يخالفون ما تواضع عليه الفقهاء منذ مئات السنين؟ .
والإسلام يشجع استثمار الأموال ويكره حبسها وعدم سيولتها، ولذلك أوجب عليها الزكاة إذا لم تتحرك وظلت جامدة، ووجوه الاستثمار الحلال كثيرة، وعندنا الشركات متوفرة، وبعضها يحقق ربحا لا بأس به، وهو خاضع للظروف المختلفة لهذه الشركات، والتجارة فى أصل مفهومها تكون عرضة للربح والخسارة.
هذا نص الحكم الذى نشر من سنة 1972 م، ومحاولة الرجوع فيه تحايل يأباه الدين، وقد ذم الله به اليهود الذين أحلوا به ما حرم الله عليهم
(9/393)
________________________________________
خلو الرجل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الشرع فيما يسمى الآن بخلو الرجل؟

الجواب
شاع بين الناس الآن بسبب تزايد السكان وكثرة الطلب وقلة المعروض من الأراضى والبيوت والمحلات، وبسبب بعض القوانين الخاصة بالعلاقة بين المالك والمستأجر، أن بعض المستأجرين لبيت أو محل يعطيه لغيره فى مقابل مبلغ يقدره كيف يشاء، وذلك بدون علم المالك أو موافقته، وقد يتوارد على هذا المكان المؤجر عدد كبير من الناس عن طريق خلو الرجل الذى اتخذ كحرفة أو مهنة أو تجارة، بل يحدث أن المستأجر للأرض إذا طلبها منه صاحبها يطلب منه مبلغا كبيرا أو أن يتنازل عن جزء كبير من الأرض فى مقابل إخلائها وتسليمها له.
وإذا كانت بعض القوانين وضعت فى فترة معينة لأغراض معينة، فقد تغيرت الظروف وضَجَّ الملاك بالشكوى من هذا الظلم الفادح، وتعطلت بسبب ذلك مشروعات كثيرة كبناء المساكن التى خاف الناس من استغلال أموالهم فيها، أو ترك المبانى خالية خوف تسلط المستأجر عليها وتعذر استردادها منه.
والنداءات كثيرة لمراعاة الشريعة فى وضع القوانين التى ظهر فسادها بعد تجربتها، وإذا كانت القوانين غير شرعية فالواجب على المتعاملين أن يبتعدوا عنها ولا يتمسكوا بها، ولا يجوز مطلقا أن يلقوا المسئولية على واضعيها ليتملصوا هم من التبعة، فالمبدأ الإسلامى معروف: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
وقد وجه سؤال إلى مفتى الديار المصرية الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى هذا الموضوع، فأجاب فى 3 من يوليو سنة 1980 م بما نصه:
أخذ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه فى نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا، لأن عقد الإجارة لا يستتبع ملكية العين المؤجرة، ويصبح هذا - إن تم - من باب أكل أموال الناس بالباطل المنهى عنه بقول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} النساء: 29، ويكون إثمه على المستأجر إن لم يرض المالك رضاء خالصا بهذا التصرف، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"الفتاوى الإسلامية ج 10 ص 3563"
(9/394)
________________________________________
استيفاء الحق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أخذ منى بعض الناس مالا، ولثقتى فيه لم أطلب كتابة مستند بذلك، ثم ماطل فى سداده، وليس معى ما يثبت حقى، فماذا أفعل؟ هل يجوز لى أن أسرق منه ما يساوى حقا الذى عنده؟

الجواب
من الأدب فى القرض أن يعطى القادر ما يستعين به المقترض المحتاج إذا كان مستغنيا عنه، ومن المشروع أن يشهد على هذا القرض أو يثبته بالوسائل التى تضمن حقه، وأن يلتزم المقترض بالوفاء إذا حل الأجل المضروب بينهما، فإن كان مستطيعا بادر بالوفاء وإن كان معسرا يندب أو يجب على صاحب الدين أن يعطيه مهلة فإن رأى أنه لن يستطيع السداد فهو بالخيار بين أن يقاضيه وأن يعفو عنه، قال تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} البقرة: 280.
وإذا كان المدين موسرا وماطل فى الأداء فقد ظلم، كما نص عليه الحديث "مطل الغنى ظلم ".
وإذا أمكن للدائن أن يقاضيه بالشهود أو المستندات فهل يجوز له أن يستوفى حقه منه بدون الرجوع -إلى القضاء أو لا يجوز؟ قال الشافعية: لو أمكن تحصيل الحق بالقاضى بأن كان المدين مقرا مماطلا، أو منكرا وعليه البينة، أو كان يرجو إقراره عند القاضى وعرض اليمين عليه فهناك رأيان، رأى يقول بوجوب الرجوع إلى القاضى، ورأى يقول بجواز أخذ حقه بدون القضاء وهو الراجح، ويشهد له إذن النبى صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبى سفيان بالأخذ من ماله بدون إذنه بقدر ما يكفيها وولدها بالمعروف، وذلك لأنه كان شحيحا ممسكا لا يعطيهم النفقة المناسبة. ولأن إجراءات التقاضى طويلة وفيها مشقة فلا داعى لها
(9/395)
________________________________________
بيع التلجئة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نقرأ فى بعض الكتب عن نوع من البيع اسمه التلجئة، فما هى صورته وما حكمه؟

الجواب
يحدث مثلا أن إنسانا يخاف على ماله من أرض أو عقار أو ممتلكات أخرى أن يتعرض لها عدو بأذى، أو يتفادى حكما قضائيا أو إداريا يحس بأنه سينال ممتلكاته بالأذى فيبيع ممتلكاته أو بعضها لأولاده أو زوجته أو لأى إنسان آخر، وقد يكون البيع بدون مقابل، أو مقابل رمزى، ويتم البيع بأركانه وشروطه، مع الإجراءات الرسمية لنقل الملكية من تسجيل وغيره.
هذا البيع نظر بعض الفقهاء، إلى النية والمقصود منه فحكم ببطلانه، ونظر بعضهم إلى ظاهره فحكم بصحته يقول ابن قدامة فى " المغنى" بيع التلجئة باطل، وقال أبو حنيفة والشافعى: هو صحيح، لأن البيع تم بأركانه وشروطه خاليا من مُفْسِدٍ فصح به، كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عُقد البيع بلا شرط
(9/396)
________________________________________
البيع بشرط انتفاع البائع بالمبيع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث أن بعض الناس يبيع داره أو أرضه لأولاده أو لغيرهم، ويشترط فى العقد أن يظل منتفعا بهذا المبيع طول حياته، ولا ينتفع بها المشترى إلا بعد وفاة البائع، فما حكم هذا البيع؟

الجواب
جاء فى المغنى والشرح الكبير"ج 4 ص 49" عن النوع الثالث من الضرب الصحيح فى الشروط فى البيع أنه يصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع دارا ويستثنى سكناها سنة، أو دابة ويشترط ظهره - ركوبه -إلى مكان معلوم، أو عبدا ويستثنى خدمته مدة معلومة، نص عليه أحمد وهو قول الأوزاعى وأبى ثور وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعى وأصحاب الرأى: لا يصح، لأنه يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط، ولأنه ينافى مقتض البيع فأشبه ما لو شرط ألا يسلمه ذلك لأنه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفى البائع منفعته، وقال ابن عقيل - من الحنابلة -فيه رواية أخرى-أى عن أحمد-أنه يبطل البيع والشرط.
وقال مالك: إن اشترط ركوبا إلى مكان قريب جاز، وإن كان إلى مكان بعيد كره، لأن اليسير تدخله المسامحة.
ثم استدل ابن قدامة على الصحة بما روى عن جابر أنه باع النبى صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره إلى المدينة، وفى لفظ قال: فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلى، رواه البخارى ومسلم. وفى رواية لمسلم قال جابر: على أن لى ظهره إلى المدينة قال " ولك ظهره إلى المدينة " ولأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا - أى الاستثناء -إلا أن تعلم، وهذه معلومة، ولأن المنفعة قد تقع مستثناه بالشرع على المشترى فيما إذا اشترى نخلا مؤبرة - ملقحة - أو أرضا مزروعة، أو دارا مؤجرة، أو أمة مزوجة، فجاز أن يستثنيها، كما لو شرط البائع الثمرة قبل التأبير، ولم يصح نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط وإنما نهى عن شرطين فى بيع، فمفهومه إباحة الشرط الواحد، وقياسهم منقوض بشرط الخيار والتأجيل فى الثمن [انظر أيضا: نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 189] .
وعليه فلا مانع من البيع مع اشتراط انتفاع البائع بالمبيع لمدة يتفقان عليها، وذلك على مذهب الإمام أحمد وقد صدرت فتاوى رسمية على مذهب أبى حنيفة سنة1915، 1921 من الشيخ محمد بخيت المطيعى والشيخ عبد الرحمن قراعة والشيخ محمد إسماعيل البرديسى بحرمة هذا البيع " الفتاوى الإسلامية - المجلد الثالث ص 794، ص 807 والمجلد الرابع ص 1561 " ولا مانع من الأخذ برأى الإمام أحمد بالصحة عند الحاجة.
ذكر ابن حجر فى " فتح البارى ج 5 ص 371" أن البخارى رجح جواز الاشتراط كما يدل عليه الحديث، والاشتراط المفسد للعقد ليس منه ذلك، بل صورته أن يبيع الجارية ويشترط على المشترى عدم وطئها. ويبيع الدار ويشترط عليه ألا يسكنها، وفى الدابة ألا يركبها، أما إذا اشترط شيئا معلوما فلا بأس به. وحديث النهى عن بيع وشرط فى إسناده مقال، وهو قابل للتأويل
(9/397)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:08 am

بيع العربون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اتفقت مع شخص على شراء شىء وأعطيته عربونا، ثم رجعت فى هذا البيع، فهل لى الحق فى استرداد العربون؟

الجواب
إن العربون الذى يُدفع تمهيدا لشراء شىء أو استئجاره يرجع فيه إلى اتفاق الطرفين، أو إلى العرف الجارى فى الوسط الذى يتعاقد فيه المتعاقدان. فلو كان هناك اتفاق على إرجاعه إن لم يتم العقد، أو كان العرف يقضى بذلك وجب إرجاعه لمن دفعه، ولو كان هناك اتفاق على سقوط حق المشترى أو المستأجر فيه إن لم يتم العقد أصلا، أو لم يتم فى مدة معينة، أو كان العرف يقتضى ذلك سقط حقه فيه، فالأصل هو الاتفاق، فإن لم يوجد فالعرف. ولا يوجد نص يمنع ذلك، وما رواه ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون ضعفه الإمام أحمد وأجاز بيع العربون، لما رواه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دارا للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضى عمر كان البيع نافذا، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم. وقال ابن سيرين وسعيد بن المسيب: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا، وأجازه أيضا ابن عمر، لكن كل ذلك فى عقد تمت فيه الصفقة مع الخيار، أما إن لم يتم العقد فالأمر متروك للاتفاق والعرف.
هذا، وقد ذكر الشوكانى فى "نيل الأوطار ج 5 ص 163 " أن حديث النهى عن بيع العربون وإن كان ضعيفا فله طرق يقوى بعضها بعضا، وأخذ به أبو حنيفة ومالك والشافعى، وعلل حرمته عند هؤلاء الأئمة بأن فيه شرطين فاسدين، أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا بلا مقابل إن لم يتم العقد -وذلك إذا كان الشرط أن يأخذ البائع العربون إذا لم يتم العقد- والشرط الثانى الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع، وقال: إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجح الحظر.
وأرى الأخذ بمقتضى الشرط إن وجد فالمؤمنون عند شروطهم، ومثله العرف إن لم يوجد شرط، وما دام الأمر خلافيا، فلا مانع من الأخذ بأى رأى
(9/398)
________________________________________
بيع العينة وبيع ما لم يقبض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو المقصود ببيع العينة وما حكمه؟

الجواب
بيع العينة -بكسر العين أى السلف- أن يشترى شخص سلعة من شخص آخر بثمن فى الذمة، ثم يبيعها المشترى إلى البائع بثمن أقل يأخذه نقدا، وهو ممنوع شرعا، لأن فيه حيلة الربا، وقد ورد فيها من حديث عائشة الذى رواه الدارقطنى وابن عمر الذى رواه أحمد وأبو داود منعها، وهى تفارق صورة أخرى أن يشترى شخص سلعة بثمن آجل ثم يبيعها من شخص آخر غير البائع بثمن أقل نقدا، وهذه جائزة لأن المشترى غير البائع، والأولى من حيل الربا.
ومن المحرم بيع ما لم يقبضه المشترى، كأن يشترى سلعة بثمن ثم يبيعها لشخص آخر قبل أن يقبضها. لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام " لاتبع ما ليس عندك " وقال:
"لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك " وقال "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيَه " قال ابن عمر: كنا نشترى الطعام جزافا، فيبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
والطرق التى روى بها النهى عن بيع العينة ضعيفة وإن كان يقوى بعضها ببعضا، وقال بحرمة هذا البيع مالك وأبو حنيفة وأحمد، وأجازه الشافعى وأصحابه، ناظرين إلى صحة صورة البيع، أما النية فلا شأن لها بذلك، والآخرون نظروا إلى القصد من هذا البيع والتحايل به على الربا فحرموه "نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 220"
(9/399)
________________________________________
بيع الوفاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نسمع أن هناك بيعا اسمه ببع الوفاء، فما المقصود منه وما حكمه؟

الجواب
صورة بيع الوفاء أن يقترض المحتاج مبلغا من المال من شخص، ثم يبيع له فى نظير ذلك جزءا معينا من الأرض تزيد قيمته على قيمة القرض، ويكون البيع لمدة معينة ينتفع فى أثنائها الدائن بالأرض انتفاع المالك لها، وفى نهاية المدة إذا لم يسدد المقترض المبلغ تصير الأرض ملكا تاما للدائن فى مقابل القرض.
قال بعض العلماء: إن صورة العقد أنها بيع ولكن لأجل يفسد بعد انتهائه، وهذا يبطل العقد، لأن طبيعة البيع أنها للتمليك الدائم لا المؤقت، وما تزال الأرض ملكا لصاحبها الذى باعها.
وقال بعضهم: إنها رهن فى صورة عقد بيع، وحكم الرهن أن الأرض ما تزال مملوكة لصاحبها الذى رهنها، ولا يتصرف فيها المرتهن إلا بإذن الراهن، وعند سداد الدين ترد الأرض لمالكها، وعند عدم السداد يمكن بيع الأرض ليستوفي الدائن منها حقه وما بقى من ثمنها لمالكها.
قال البدر العينى شارح البخارى فى كتابه "المسائل البدرية": بيع الوفاء أن يقول البائع للمشترى: بعت منك هذا بما لك علىَّ من الدين، على أنى متى وفيت الدين فهو لى. فهو فى الحقيقة رهن، والمبيع فى يد المشترى كالرهن فى يد المرتهن لا يملكه، ولا يباح له الانتفاع به إلا بإذن المالك، وهو ضامن لما أكل من ثمره واستهلك من عينه، والدين ساقط بهلاكه فى يده إذا كان فيه وفاء بالدين.
قال المصنف: والصحيح أن العقد الذى جرى بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنا، فإن ذكرا شرط الفسخ فى البيع فسد البيع، وإلا فإن تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء على وجه النفاذ، أو تلفظا بالبيع الجائز جاز البيع، ويلزم الوفاء بالميعاد، لأن المواعيد قد تكون لازمة فيجعل الميعاد لازما لحاجة الناس. انتهى "مجلة الإسلام -المجلد الرابع- العدد 12 "
(9/400)
________________________________________
القرض الذى جر نفعا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس أن القرض الذى جر نفعا ليس ربا، لأنه لم يرد حديث صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، فهل هذا صحيح؟

الجواب
القرض إعطاء شىء للغير يستفيد به ليرده أو يرد مثله إليه، وهو أمر مشروع داخل فى مضمون التعاون على البر، بل مندوب إليه ومرغب فيه، لأن الغالب فيه أن يكون من حاجة، وحديث مسلم يقول "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " وفى حديث يقبل فى فضائل الأعمال رواه ابن ماجه عن أنس "الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر والله سبحانه يقول {من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} البقرة: 245.
وقال ابن مسعود: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة. رواه ابن ماجه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، والصواب أنه موقوف على ابن مسعود "نيل الأوطار ج 5 ص 243".
والقرض يكون من النقود ومن الأطعمة وكل ما له مثل، كما يكون من الحيوانات، على رأى الجمهور، فقد استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم جملا، وأعطى صاحبه أحسن منه كما رواه مسلم وغيره وقال "خيركم أحسنكم قضاء" ومنع أبو حنيفة قرض الحيوان.
والواجب على المقترض رد القرض بدون زيادة عليه، فقد أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة فى السلف ربا ولو كانت قبضة من علف -كما قال ابن مسعود- أو حبة واحدة، ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وكما قال: كما رواه البخارى ومسلم " إن خيركم أحسنكم قضاء".
وإهداء المقترض إلى المقرض ورد فيه حديث ابن ماجه "إذا أقرض أحدكم أخاه قرضا فأهدى له أو حمله على دابته فلا يقبلها ولا يركبها، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك " وهو حديث ضعيف، وورد فى تاريخ البخارى حديث "إذا أقرض فلا يأخذ هدية" وجاء فى صحيح البخارى أن عبد الله بن سلام قال لأبى بردة بن أبى موسى لما قدم المدينة: إنك بأرض فيها الربا فاش، فإن كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا. والقت هو الدريس أو البرسيم المجفف.
إزاء هذه المأثورات قال جمهور العلماء: يجوز رد القرض بما هو أفضل منه إذا لم يكن ذلك مشروطا فى العقد، وقال المالكية: إذا كانت الزيادة بالعدد لم يجز، كرد الواحد اثنين، وإن كانت بالوصف جازت، كرد الحيوان الكبير بدل الصغير.
ولا يلزم من جواز الزيادة فى القضاء على مقدار الدين أن تجوز الهدية ونحوها قبل القضاء، لأنها بمنزلة الرشوة. يقول الشوكانى "نيل الأوطار ج 5 ص 246 ": والحاصل أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنفيس فى أجل الدين، أو لأجل رشوة صاحب الدين، أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة فى مقابل دينه فذلك محرم، لأنه نوع من الربا أو الرشوة، وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس. وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع، لإطلاق النهى عن ذلك. وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة فى الصفة والمقدار والقليل والكثير، بل هو مستحب كما قال الشافعية لحديث "إن خيركم أحسنكم قضاء".
ثم يقول الشوكانى بعد ذلك وهو إجابة عما ورد فى السؤال: مما يدل على عدم حل القرض الذى يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقى فى المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ "كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا" ورواه فى السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبى بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم، ورواه الحارث بن أبى أسامة من حديث على عليه السلام بلفظ: إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة وفى رواية: كل قرض جرمنفعة فهو ربا. وفى إسناده سوار بن مصعب، وهو متروك قال عمر بن زيد فى المغنى: لم يصح فيه شىء، ووهم إمام الحرمين والغزالى فقالا: إنه صح، ولا خبرة لهما بهذا الفن. انتهى.
يؤخذ من هذا أن "كل قرض جر نفعا فهو ربا" ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ولا مانع من الأخذ به ما دامت تتفق دلالته مع ما ورد من القرآن فى تحريم الربا، وعمل الصحابة وفتوى الفقهاء تؤيده.
وأما الحكم فخلاصته: إن كان النفع مشروطا فهو ربا، وإلا فهو جائز، ومثل الشرط العرف، لقاعدة: المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
والهدايا إن كانت من أجل القرض فهى حرام، وإلا فهى جائزة
(9/401)
________________________________________
القرض الحسن والقرض بفائدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الفرق بين القرض الحسن، والقرض من البنك لقاء زيادة، وذلك للحاجة إليه، للاستهلاك أو للإنتاج؟

الجواب
القرض هو إعطاء المال على سبيل استرداده بعد فترة معينة، والمال قد يكون نقدا وقد يكون عينا كالبر والشعير، وقد يكون حيوانا، وذلك عند جمهور الفقهاء، ومنع الحنفية قرض الحيوان.
والقرض الحسن هو الذى لا تشترط فيه زيادة عند رده، وثوابه عظيم عند الله سبحانه، لأنه من باب التيسير على المعسر، والتعاون على الخير، وقيل إن ثوابه أفضل من ثواب الصدقة، لأن القرض يكون من حاجة، بخلاف الصدقة، وروى فى ذلك حديث مقبول "الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر".
وكان القرض فى الجاهلية مشروطا بزيادة فى نظير تأجيل الدين، وتتكرر الزيادة بتكرار الأجل، ويطلق عليه لفظ "الربا".
ومن صوره كما قال ابن حجر: أن يدفع الواحد ماله إلى غيره إلى أجل مسمى، على أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا، ورأس المال باق بحاله، فإذا حل طلبه، فإن تعذر الأداء زاد فى الحق والأجل.
والقرض من البنك بفائدة حرام، بناء على القول المأثور الذى تدعمه النصوص الصحيحة "كل قرض جر نفعا فهو ربا".
وقد يقال: إن الفائدة على القرض هى لتغطية نفقات البنك والعاملين فيه، وتقاس على نفقة القرض المنقول إلى مكان غير مكان التعاقد عليه، فعن مالك أنه بلغه أن عمر رضى الله عنه سئل فى رجل أسلف طعاما على أن يعطيه إياه فى بلد آخر، فكره عمر وقال: أين كراء الجمل؟ فالمقرض طلب من المقترض نفقة نقل القرض إلى البلد الآخر، ولكن عمر كره أن يتحملها المقترض، لأنه مقتضى العقد، والكراهة بمعنى التحريم.
وجاء فى فقه الشافعية أن من اقترض من إنسان شيئا وجب عليه أن يرده إلى المقرض فى محل الإقراض إذا كان القرض يحتاج نقله إلى نفقة فإذا لم يتحمل المقترض تلك النفقة لا يجبر المقرض على القبول، وإنما يجبر المقترض على دفعها أو تسليم القرض فى محل الإقراض. وورد مثله عن المالكية والأحناف. "الأعمال المصرفية والإسلام " ص 83، 84.
وجاء أيضا جواز احتساب الأجر على العمل عامة، كأجر السمسرة وأجر كتابة الوثائق والسجلات والخطابات.
والبنوك الحالية تحتاج فى نشاطها إلى تغطية نفقات العاملين بها، فلتكن من الفائدة التى تفرض على القرض.
لكن رد ذلك بأن الفائدة لو كانت فى مقابل النفقات لكانت موحدة فى كل البنوك. لكنها تختلف باختلاف مركز المقترض والضمان المتقدم ومدة القرض، كما أنها تتكرر كل عام طيلة مدة القرض، مع أنها لو أريد إلحاقها بالنفقة فلا بد من أخذها من أول العام فقط، وعلى ذلك فقياس الفائدة على أجرة السمسار ونفقة القرض غير جائز.
وقد يقال أيضا: إن الفائده على القرض جزء من ربح مضاربة لأن القرض الذى يقدمه البنك إما استهلاكى وإما إنتاجى، والإنتاجى يستثمر عن طريق المضاربة، التى يكون فيها المال من جهة البنك والعمل من جهة المقترض، على أن يقسم الربح بينهما بنسبة معلومة شائعة.
ورد عليه بأن المضاربة لا يجوز فيها اشتراط ضمان المال على المضارب عند الخسارة ولا يجوز تحديد الربح كخمسة أو عشرة لأحد المتعاقدين، ونشاط القرض من البنك يتحمله المقترض وحده، والربح محدد وليس نسبيا.
وقد نازع بعض فقهاء العصر فى ذلك فأجازوا تحديد الربح، لأنه لا يشبه الربا المخرب للبيوت، والتراضى على ذلك موجود بين الطرفين، ولا دليل على جعل الربح بالنسبة، والفائدة المحرمة ما كانت مضاعفة ومركبة.
ورد ذلك بنفى عدم الدليل على المضاربة بشروطها المعروفة، فالإجماع منعقد عليها وأن تحديد نسبة الربح مأخوذ عن على رضى الله عنه، وأجمع فقهاء السلف عليه دون مخالف لهم فإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أن يكون الربح مشاعا لا محددا أمر مجمع عليه توارثه الخلف عن السلف.
هذا. وقد قيل: إنه يشك فى صدور هذه الآراء المحللة للفائدة على القرض إلى أصحابها، وأن بعضهم رجع عنها، "يراجع فى توضيح ذلك الكتاب المذكور"
(9/402)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:08 am

حلف التجار لترويج السلع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يحلف بالطلاق ثلاثا ليسهل عمليات البيع والشراء، وما حكم الدين فى الأرباح التى يحققها بهذا الأسلوب؟

الجواب
معلوم أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، ومعلوم أن الإسلام نهى عن الحلف بغير الله، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت، حتى الحلف بالله لا يلجأ إليه إلا عند الحاجة الملحة، كما قال تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} البقرة: 224 على ما فسره البعض بالنهى عن الحلف للحمل على البر والتقوى والإصلاح، والتأكيد على عمل الخير.
والذى يحلف بالطلاق من أجل ترويج بضاعته إن كان كاذبا فزوجته طالق على رأى جمهور الفقهاء، ورأى بعضهم أن الحلف به معلق إن لم يقصد طلاق زوجته فلا يقع طلاق، وعليه كفارة يمين إن كان كاذبا.
ونحذر التجار من الحلف مطلقا لترويج البضاعة، وبخاصة إذا كان الحلف كذبا، فالكسب الذى يأتى من هذا الطريق الكاذب حرام، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به، وقد جاء الحديث ناهيا عن مثل هذا الحلف فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وصححه "إن التجار هم الفجار" قالوا: يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع؟ قال "بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون " وفيما رواه البخارى ومسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفَّى له، وإن لم يعطه لم يوف " وفيما رواه مسلم "إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق -أى يروج السلعة- ثم يمحق " أى يذهب البركة
(9/403)
________________________________________
التوارث بين المسلم وغيره

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث أن بعض الأشخاص يدخلون فى الإسلام وتنقطع صلتهم بأهليهم ثم يموت هو، أو يموت قريبه غير المسلم فهل يكون بينهما توارث وإذا كان الإسلام قد أحل زواج الكتابية، فهل لو مات أحد الزوجن يرثه الآخر؟

الجواب
لا خلاف بين أحد من العلماء فى أن الكافر لا يرث من تركة المسلم شيئا إذا كانت بينهما صلة زواج أو قرابة، كأن تزوج المسلم كتابية ومات عنها، أو أسلم كافر ومات والورثة ما زالوا مصرين على الكفر حتى قسمت التركة وذلك لحديث الصحيحين.
واختلفوا فيما إذا مات المسلم ثم أسلمت زوجته أو أحد أقاربه قبل توزيع التركة فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعى وأصحابهم إلى أن الكافر لا يرث من تركة المسلم شيئا بأى سبب من أسباب الميراث، لا فرق بين أن يسلم الكافر قبل تقسيم التركة أو لا يسلم، وذهب أحمد بن حنبل إلى أن الزوجة الكتابية ترث من تركة زوجها المسلم، وأن القريب الكافر يرث من قريبه المسلم إذا أسلم كل واحد منهما قبل أن تقسم التركة.
أما ميراث المسلم من الكافر، فى مثل الزوج يرث زوجته الكتابية، والمسلم يرث قريبه الكافر، فقد اتفق الأئمة الأربعة أيضا على أن المسلم لا يرث من الكافر شيئا بسبب الزوجية أو القرابة.
وكان معاذ بن جبل ومعاوية بن أبى سفيان وسعيد بن المسيب ومسروق والنخعى ومحمد ابن الحنفية وإسحاق بن راهويه يرون أن المسلم يرث من الكافر بسبب الزوجية أو القرابة، وهو رأى ضعيف، وما جاءوا به لا ينهض دليلا لصحة الرأى.
هذا، وأما المرتد عن الإسلام فذهب الشافعية والماليكة إلى أنه لا يرث أحدا من المسلمين أو من غيرهم بأى سبب من أسباب الميراث، ولا يرثه أحد من المسلمين أو من غيرهم كذلك، حتى لو ارتد أخوان عن الإسلام إلى النصرانية أو غيرها لا يرث أحدهما الآخر.
وذهب أبو حنيفة إلى أن المرتد لو كان رجلا وبقى على ردته حتى مات فماله الذى كسبه قبل الردة تركة تقسم بين الورثة المسلمين، أما ماله الذى كسبه فى حال ردته فيكون فيئا للمسلمين، وإن كان المرتد امرأة فجميع ما تتركه يكون تركة تقسم بين ورثتها المسلمين، سواء كسبته قبل الردة أم بعدها، "محمد محيى الدين على شرح الرحبية"
(9/404)
________________________________________
الميراث والتحول الجنسى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يحدث تعديل فى الميراث إذا تغير جنس الوارث بعد توزيع الميراث؟

الجواب
عمليات التحول الجنسى ظهرت حديثا، وبينا حكم الشرع فيها، ومن تطبيقاتها هذه المسألة، وقد جاء فى المادة 46 من قانون الميراث المعمول به فى مصر أن الخنثى المشكل الذى لا يعرف كونه ذكرا أو أنثى له أقل النصيبين، وما بقى من التركة يعطى لباقى الورثة، أما إذا لم يكن مشكلا بأن ولد ذكرا بين الذكورة، أو أنثى بَيِّن الأنوثة عومل بحاله الذى هو عليه عند موت مورثه، ولا يضر بعد ذلك تحوله إلى جنس آخر
(9/405)
________________________________________
بيع الثمر على الشجر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى بيع الثمار وهى على الأشجار لم تنضج بعد؟

الجواب
الثمار قبل أن تنضج لها حالتان، الحالة الأولى لا تكون صالحة، والحالة الثانية يبدو صلاحها.
فبيعها قبل صلاحها جاء النهى عنه فى رواية لأحمد وأصحاب السنن إلا النسائى، فعن أنس رضى الله عنه قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد.
وعلى هذا الرأى جماعة من العلماء، ورأى آخرون أن البيع يصح، تمسكا بعموم قوله تعالى {وأحل الله البيع} البقرة:275 قال أبو حنيفة: ويؤمر بالقطع وهو المشهور من مذهب الشافعى.
فأما البيع بعد الصلاح التام فيصح مع شرط القطع إجماعا، ويفسد البيع مع شرط البقاء إجماعا إن جهلت المدة، فإن علمت صح عند بعضهم.
أما بيعها قبل بدو صلاحها فقد جاء النهى عنه فى قوله صلى الله عليه وسلم "لا تبيعوا الثمار حتى يبدو صلاحها" رواه مسلم وغيره.
وعليه فقد حكم ببطلانه قلة من العلماء، وقال الجمهور بصحته إذا شرط قطع الثمار، وقال أكثر الحنفية، يصح إن لم يشترط التبقية على الشجر.
فالموضوع فيه خلاف، ويجوز اتباع أى رأى. ولزيادة المعرفة يراجع "نيل الأوطار للشوكانى" ج 5 ص 185
(9/406)
________________________________________
التهرب من الضرائب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز التهرب من الضرائب؟

الجواب
الضرائب فريضة مالية قررها ولى الأمر لتغطية النفقات والحاجات اللازمة للأمة إذا لم تف أموال الزكاة بذلك. وهى مشروعة إذا كانت عادلة فى تقديرها وفى جبايتها، ولا يجوز التهرب منها، لأن الله أمرنا بطاعة أولى الأمر فيما فيه مصلحة كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59.
وقد تعرض القرطبى فى تفسيره "ج 16 ص 42 " إلى هذه المسألة فقال: اختلف علماؤنا فى السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما يأخذهم ويؤدونه على قدر أموالهم، هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم، فقيل: لا، وهو قول سحنون من علمائنا -المالكية- وقيل:
نعم، له ذلك إن قدر على الخلاص، وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودى ثم المالكى، قال: ويدل عليه قول مالك فى الساعى يأخذ من غنم أحد الخلفاء شاة وليس فى جميعها نصاب: إنها مظلمة على من أخذت له، لا يرجع على أصحابه بشىء، قال: ولست آخذ بما روى عن سحنون، لأن الظلم لا أسوة فيه، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه فى ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، والله سبحانه يقول "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ". الشورى: 42
(9/407)
________________________________________
الحلف على ترويج التجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ساومت تاجرا عل ثمن سلعة فحلف لى أنه دفع فيها أكثر مما دفعته له، ثم سألت عنها عند تاجر آخر فرأيت ثمنها أقل من ذلك بكثير، فما رأى الدين فى هذا الحلف؟

الجواب
لقد حذرنا الإسلام من الفتنة بالدنيا فمتاعها قليل والآخرة خير وأبقى، ومن أكثر الناس افتتانا بها من يعملون فى ميدان التجارة لذلك وضع الإسلام لها آدابا تحقق الربح فى الدنيا والآخرة، ففى حديث حسن رواه الترمذى وابن ماجه "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" وفى حديث رواه البيهقى "أن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدَّثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا -وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يمدحوا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا" فمن الآداب إذا اشتروا سلعة لا يذمونها ويبخسونها حقها، وإذا باعوها لم يمدحوا فيها مدحا مبالغا فيه، وإذا كان عليهم حق لغيرهم لا يماطلون فى دفعه ما داموا قادرين، وإذا كان لهم حق على غيرهم لا يطلبونه وهم معسرون، بل يؤجلونه إلى ميسرة.
ومما يتورط فيه التجار بغية الكسب والكسب الكثير، الحلف بالله أنه اشترى السلعة بثمن غال حتى يأخذ ممن يبتاعها منه ثمنا أغلى ولو فرض أنه صادق فى حلفه فإن الحلف بالله حتى فى فعل الخير مذموم لقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} البقرة: 224 وهو أشد ذمًّا إذا حلف ألا يفعل الخير وأفحش ما يكون الحلف ذما إذا كان كاذبا فيه، وبخاصة إذا توصل به إلى مغنم دنيوى لا يدفع عنه غضب الله وقد جاء فى ذلك حديث البخارى ومسلم وأصحاب السنن "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " ومنهم: "رجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله أنه اشتراها بكذا وكذا فصدَّقه فأخذها وهى على غير ذلك" روى البخارى ومسلم "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب " إن الذي يحلف كذبا غاش والحديث الذى رواه مسلم يقول "من غشنا فليس منا" وعليه أن يكفِّر عن يمينه ويتوب إلى الله برد المظالم إلى أهلها، والذى يقتطع مال امرئ مسلم بغير حق حتى لو لم يكن هناك حلف بالله حرم الله عليه الجنة كما رواه مسلم وأى لحم نبت من سحت فالنار أولى به كما رواه الطبرانى واللقمة من الحرام فى جوف الإنسان تحول دون استجابة الدعاء، بل تمنع قبول عمله أربعين يوما كما رواه الطبرانى ولكثرة ما يقع فيه التجار الحريصون على الدنيا من أخطاء جاء الحديث الذى رواه أحمد بإسناد جيد "إن التجار هم الفجار" قالوا: يا رسول الله أليس الله قد أحل البيع؟ قال "بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون" فلنضع أمام أعيننا جميعا قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان "لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا فى الطلب " وقوله "من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته منها إلا ما كتب له " رواه ابن ماجه
(9/408)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:09 am

الرجوع فى الهبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أهدى رجل بنته حليا من الذهب ثم أعطته له ليحفظه أمانة يردها عند الطلب، فلما طلبته رفض، فهل الحلى من حق الأب أو من حق البنت؟

الجواب
الهبة فى الشرع هى تمليك الإنسان شيئا من ماله لغيره فى حياته بلا عوض، فإذا كان التمليك بعد الوفاة كان وصية، وإذا كان بعوض كان هدية أو بيعا.
والهبة فى الحياة بدون عوض مشروعة بل مندوبة لما فيها من تأليف القلوب، وقد جاء فى الحديث الحسن "تهادوا تحابوا" وكما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تقديمها حث على قبولها، ففى حديث أحمد "من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف -أى تطلع- ولا مسألة فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه " وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية، فقد جاء فى رواية أحمد "لو أهدى إلىَّ كراع لقبلت" والكراع من عظام الأطراف.
والهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها، كما قال مالك وأحمد، لكن أبا حنيفة والشافعى شرطا القبض حتى تكون لازمة، والرجوع فى الهبة حرام عند جمهور العلماء، إلا إذا كانت من الوالد لولده، فإن له أن يرجع فيها، لما رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطى ولده" وحكم الوالد حكم الوالدة، ويستوى فى الولد أن يكون كبيرا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى.
وقال أبو حنيفة: ليس له الرجوع فيما وهب لابنه ولكل ذى رحم من الأرحام، وهو رأى غير قوى لمعارضته للحديث. وجاء فى النهى عن الرجوع فى الهبة حديث الترمذى وغيره وهو حسن صحيح "مثل الذى يعطى العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل،فإذا شبع قاء ثم عاد فى قيئه" وفى إحدى الروايات "ليس لنا مثل السوء، الذى يعود فى هبته كالكلب يرجع فى قيئه".
وبخصوص السؤال نقول: إن هذا الحلى صار من حق البنت عندما قبضته من والدها، لكن يجوز لوالدها أن يرجع فى هذه الهبة، ويصير الحلى من حقه بناء على رأى جمهور الفقهاء المستند إلى الحديث، وأبو حنيفة يقول إنه من حقها هى، وإن كان رأى الجمهور، أقوى لكنى أقول للوالد: إن كنت محتاجا إلى هذا الحلى فهو حلال لك، وإن كنت غير محتاج فأولى أن تكرم به بنتك يعطيك الله على ذلك ثوابا عظيما، اللهم إلا إذا كانت هناك ظروف يقدرها الوالد لمصلحة البنت، والأعمال بالنيات
(9/409)
________________________________________
خيار العيب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاءنا السؤال الآتى قمت بعملية مقايضة على سلعة معينة مع شخص آخر وقرأنا الفاتحة على عدم الرجوع، ولكن ظهر لى بعد ذلك أن فى السلعة عيبا لم يكن ظاهرا لى، وبذلك رجعت فى المقايضة، فهل لقراءة الفاتحة كفارة وما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
من أخلاق الإسلام النصح وعدم الغش، ومحبة الخير للغير كما يحب الإنسان لنفسه، وبخصوص البيع صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمن يبيع طعاما أخفى تحته طعاما مبلولا "من غشنا فليس منا" رواه مسلم وقال "لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له " رواه الحاكم والبيهقى وأحمد وابن ماجه بألفاظ متقاربة فالبائع فى هذه المسألة مذنب ما دام لم يبين للمشترى العيب الذى فى سلعته وهو يعلم به، وقد أثبت الفقهاء خيار الرد بالعيب بعد إتمام التعاقد، بناء على أحاديث صحيحة فى المصراة، وهى الدابة التى يجمع لبنها فى ضرعها وتباع، فيتوهم المشترى أنها كثيرة اللبن ثم يتبين غير ذلك، ومن هذا يتبين أن رد السلعة المعيبة لصاحبها أمر مشروع، وأما قراءة الفاتحة إن اعتبرناها عقدا أو مكملة للعقد فليس لها كفارة، لأنها ليست يمينا باللِّه، وعلى البائع أن يتوب من ذنبه ويعزم أكيدا على ألا يعود إلى الغش مرة أخرى، والحديث الصحيح يقول فى المتبايعين "فإن صدقا وبينا بورك لهما فى بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" رواه البخارى ومسلم
(9/410)
________________________________________
النهى عن أكل حق الغير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
التقيت فى الخارج بشخص من قريتى وآخر من محافظة بعيدة، وجرى التعامل بيننا، ولما عدت إلى بلدى كان للرجل البعيد دين علىَّ، فقلت لابن قريتى، سدد هذا الدين، من الدين الذى لى عليك ولكنه لم يفعل، وأنا أعرف عنوان هذا الشخص ولا يعرفه أحد، فماذا أفعل؟

الجواب
نشكر للسائل أمانته وخوفه من أكل حق الغير، ونوجه كل من وكِّل إليه أمر أن ينفذه إذا قبله أو يعفيه من قبول هذه الوكالة فإن الإهمال أوقع السائل فى حرج، ونقول للسائل:
عليك أن تبحث عن عنوان صاحب الحق الذى له عليك، ولا تيأس ولا تتعجل بأى تصرف، وبخاصة إذا كان المبلغ كبيرا لا يسكت الطالب عن البحث عنه وقد يكون من الخير أن تحتفظ به وتوصى من معك أن يؤدوه لصاحبه إن طلبه ولو بعد حين فقد يكون فى حاجة إليه ولا تمل من السؤال عنه ليأخذه، ولو حدث أنك استثمرت هذا المبلغ لمصلحتك، فإن لصاحبه إن ظهر، نصيبا فى الربح إن جعلنا ذلك مضاربة، وله الربح كله إن كان الاستثمار تصرفا بغير إذن صاحبه، ولك أجر مادى على هذا الاستثمار، يتفق عليه فإذا عجزت تماما من معرفة هذا الشخص بعد طول المحاولة فتصدق به على نية أن الثواب له وبالله التوفيق
(9/411)
________________________________________
شركة المواشى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى رجل تعاقد مع رجل على شركة مواش بينهما، على أن يكون الأول هو صاحبها عند شرائها، والثانى هو الذى يقوم برعايتها، ونتيجة لإهمال الثانى لم يغلق الحظيرة على المواشى فسرقت، فكيف يفصل بين الطرفين فى هذا الموضوع؟

الجواب
التعاون بين المسلمين مطلوب فى كل ما يعود عليهم بالخير، كما قال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة: 2 وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم "والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " رواه مسلم ومن مقتضى هذا التعاون أو من دواعيه، الرحمة والإحساس بحاجة الغير إلى المعونة، وحتى يكون هذا التعاون الرحيم مثمرا يجب أن يوجد تبادل بين الطرفين المعطى والآخذ، فى مشاعر الود وحب المصلحة للجميع، والصدق والأمانة والصراحة في المعاملة. وبدون هذه المشاعر الطيبة والأخلاق الفاضلة لن يثمر التعاون ثمرته المرجوة، حيث يكون التعامل فى جو من النفاق والخداع وفى الحديث الصحيح "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان" رواه البخارى ومسلم ومن أنواع التعاون الجارى فى الريف بالذات أن يشترى إنسان قادر، ماشية ثم يسلمها إلى آخر يجيد مهنة الزراعة وتربية المواشى لأنه فى حاجة إلى هذه الماشية التى لا يمللك ثمنها، ويقوم هو برعايتها فى مقابل استخدامه لها فى الحرث والرى، وانتفاعه بما تدره من لبن، وأحيانا يشترط الطرفان أن يكون الناتج بالولادة مناصفة بينهما.
وإذا كان العقد شريعة المتعاقدين، والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، فإن هذا التعاقد يختلف عن عقد الشركة التى تحدث عنها الفقهاء، والتى يكون الربح والخسارة فيها بين الشركاء بقدر أنصبتهم فى الشركة، وهنا لم يدفع الطرف الثانى شيئا من الثمن، وهو ليس من المضاربة عند بعض الفقهاء.
ومن أجل أن المسألة التى معنا فيها منفعة لكلا الطرفين فيمكن تخريجها على أنها من باب الوديعة، فالماشية وديعة وأمانة عند الطرف الثانى الذى لا يملكها، يحرسها ويرعاها بأجر أو بمقابل هو منافعها التى يحصل عليها منها، والمودع عنده يجب أن يحافظ على هذه الأمانة بما يقضى به العرف الجارى، فإذا قصر لزمه العوض. وعلى هذا يجب على الطرف الثانى أن يدفع للأول ثمن الماشية التى سرقت بسبب إهماله.
وحديث "لا ضمان على مؤتمن " ضعيف، ومع ذلك جاء برواية أخرى للدارقطنى تقيده وهى "ليس على المستعير غير المُغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان " والمغل هو الخائن فالوديع لا يضمن إلا لجناية منه على العين، وإهمال رعاية الماشية بعدم إحكام إغلاق الحظيرة عليها يعد جناية، وبخاصة إذا كان متعمدا لذلك فهو خيانة ولابد من الضمان
(9/412)
________________________________________
رواتب موظفى الضرائب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى الراتب الذى يتقاضاه الموظف من مصلحة الضرائب؟

الجواب
معلوم أن العلماء قالوا: يجوز للإمام أن يفرض ضرائب على القادرين إذا لم توُفِ الزكاة بسداد حاجات المحتاجين وإصلاح أحوال الأمة، ومعلوم أن ميزانيات الدول الإسلامية الآن لا تقوم فقط على الزكاة والموارد الأساسية الأولى، بل لها موارد متعددة منها الضرائب والرسوم وغيرها.
وإذا كان فى هذه الموارد شىء حرام فانه لا يميز وحده بعيدا عن الحلال، وإنما يختلط الحلال بالحرام، ويصعب فصل أحدهما عن الآخر، وهنا قال العلماء -كما فى كتاب: إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ج 2 ص 115.
لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام، والدليل على ذلك ما يأتى:
1 - أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم، كما لم يتركوا شرب الخمور، ولا تركوا المعاصى، وأدرك أصحاب الرسول الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة وقد نهبها أصحاب "يزيد" ثلاثة أيام، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة.
2 - لو فتح هذا الباب لانسدَّ باب جميع التصرفات وخرب العالم، إذ الفسق يغلب على الناس، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط، ولو قيل: إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط الآن - أقول ليس حراما وإنما الورع تركه. وقال القرطبى فى تفسيره "ج 2 ص 109 " ما نصه.
قال ابن خويز منداد: وأما أخذ الأرزاق - المرتبات - من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال:
ا- إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره.
ب- وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه، ويجوز للمحتاج أخذه.
ج- وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم ... ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين.
من هذا وغيره نعرف أن أموال الضرائب التى تقوم مالية الدولة عليها وعلى غيرها ولا يتميز فيها الحلال من الحرام يجوز الأخذ منها والانتفاع بها، كما هو حادث فى هذه الأيام من توجيه الميزانية بما فيها لأجل مصالح الشعب من أجور وغيرها ولا حرج فى ذلك
(9/413)
________________________________________
رواتب الأئمة والمؤذنين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس: إن الأئمة والمؤذنين يقومون بواجبهم الذى فرضه الله عليهم، فلا يستحقون أجرا عليه فى الدنيا، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
سبق فى حكم الأجر على قراءة القرآن "ص 458 من المجلد الثانى" ما نقل عن القرطبى فى حكم المصلى بأجرة، وأن الإمام مالكا كره ذلك، والشافعى أجازه وأن أبا حنيفة كرهه.
وذكر الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية" ص 102 أنه يجوز أن يأخذ الإمام ومأذونه رزقا على الإمامة والأذان من بيت المال من سهم المصالح، ومنع أبو حنيفة من ذلك.
والحق أن الطاعات لا يأخذ الإنسان عليها أجرا، لأنها واجبة عليه سيؤديها حتما إن أخذ أجرا أو لم يأخذ، لكن الطاعات المندوبة كالإمامة والأذان يجوز أخذ الأجر عليها حيث لم تتعين، وبخاصة إذا شغل عنها بتدبير عيشه قد تهمل فيخص ولى الأمر لها ما يغنى القائم بها عن تحصيل رزقه، كما جعل عمر لأبى بكر فى بيت المال ما يغنيه عن التجارة من أجل الإنفاق على نفسه وأهله، وذلك ليتفرغ لمصالح المسلمين
(9/414)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:10 am

الوصية الواجبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مات رجل عن أولاده الصغار قبل وفاة أبيه - فهل يحق لأولاده أن يأخذوا ميراث أبيهم أم لا؟

الجواب
إذا مات رجل فى حياة والده، وكان لهذا الرجل أولاد، ثم مات جدهم، فهل يرثون فى جدهم النصيب الذى كان يستحقه أبوهم؟ قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة: 180 وقال أيضا {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء: 11 وقال صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " رواه أحمد وأبو داود والترمذى وقال: حديث حسن.
تحدث العلماء عن الآية الأولى: هل نسخت بالآية الثانية، بناء على إحدى روايات الحديث المذكور وهى "إن الله أعطى كل ذى حق حقه، ألا لا وصية لوارث " أو هى باقية لم تنسخ. ثم قالوا فى نظام الميراث:
الابن يحجب أولاد الابن، لكن البنت لا تحجب أولاد الابن، فلو مات رجل وترك أبناء وأولاد ابن مات قبله حُرِم هؤلاء الأولاد من الميراث من جدهم، وتعرضوا للضياع، لكن لو مات وترك بنتا وأولاد ابن مات قبله فإن هؤلاء الأولاد يرثون فى تركة جدهم كعصبة، لهم الباقى بعد أصحاب الفروض.
وتلافيا لضياع أولاد الابن المحجوبين عن الميراث وجد أن بعض العلماء قالوا بوجوب الوصية -حسب الآية الأولى- لمن لم يكن لهم ميراث، وبناء عليه وضع القانون رقم 71 لسنة 1946 م وعمل به فى مصر، من أول أغسطس من العام المذكور، وجاء فى المادة 76 منه:
إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات فى حياته أو مات معه ولو حكما -بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا فى تركته لو كان حيا عند موته - وجبت للفرع فى التركة وصية بقدر هذا النصيب فى حدود الثلث، بشرط أن يكون غير وارث وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض عن طريق تصرف آخر قدر ما يجب له، وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكمله.
وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا.
وعلى هذا يكون لأولاد الابن المتوفى فى حياة أبيه وصية واجبة فى تركة جدهم بمقدار ما كان يستحقه أبوهم لو كان حيًّا، وذلك بشروط هى:
1- أن يكون هذا الفرع غير وارث، وهو لا يرث إذا كان هناك عمّ له وهو أخو أبيه.
2- أن يكون الفرع موجودا على قيد الحياة عند موت جده.
3- أن يكون من أولاد الظهور- الأبناء - أو الطبقة الأولى من أولاد البنات.
4- ألا يكون الفرع ممنوعا من ميراث أصله ولا محجوبا به، كأن يكون قاتلا له أو مرتدا.
5- ألا يكون له نصيب فى الميراث من التركة التى وجبت فيها الوصية، كما لو استغرقتها الفروض.
6- ألا يكون المتوفى-الجد- قد أعطى فرعه المستحق للوصية الواجبة ما يساوى نصيب أصله بطريق التبرع. فإن كان قد أعطاه بلا مقابل فلا حقَّ له بطريق الوصية، إلا إذا كان ما أخذه أنقص من استحقاقه، فيستكمل له.
هذا، والمادة 37 من القانون المذكور تقول: تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ من غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه
(9/415)
________________________________________
التجارة فى النجاسات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يشاهد فى بعض القرى أناس يجمعون مخلفات الحيوانات ويبيعونها كسماد للزرع أو وقود للأفران، فهل التجارة فى هذه النجاسات حلال؟

الجواب
فى حديث رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال "لا، هو حرام، قاتل الله اليهود، إن الله لمَّا حرم شحومها جملوه - أذابوه- ثم باعوه وأكلوا ثمنه" رواه الجماعة.
وروى البيهقى بسند صحيح أن ابن عمر رضى الله عنهما سئل عن زيت وقعت فيه فأرة فقال: استصبحوا به، وادهنوا به أدمكم، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة لميمونة فوجدها ميتة ملقاة فقال: "هلاَّ أخذتم إهابها فدبغتموه وانتفعتم به" فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة فقال "إنما حرَّم أكلها" رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
قال جمهور العلماء: إن بيع النجس والتجارة فيه حرام والعقد عليه باطل، بناء على الحديث الأول الذى نص على الحرمة وعلى لعن اليهود الذين تاجروا فيه، أما استعمال النجس فهو حلال لغير الأكل بدليل الحديث الثانى وقول ابن عمر.
هذا، واستثنى الأحناف من حرمة البيع والتجارة فى النجس كل ما فيه منفعة، وتبعهم الظاهرية فقالوا: يجوز بيع الأرواث والأزبال النجسة التى تستخدم فى الزراعة والوقود، وكذلك الزيت النجس والأصباغ المتنجسة ما دام الانتفاع بها فى غير الأكل، وحجتهم فى ذلك أن الانتفاع ما دام حلالا فالبيع حلال ما دام يقصد به هذا، وفى غير الأكل، وأجابوا عن حديث جابر بأن حرمة البيع كانت فى أول الأمر عندما كان المسلمون قريبى العهد باستباحة أكلها، فلما تمكن الإسلام من نفوسهم أبيح لهم الانتفاع بغير الأكل
(9/416)
________________________________________
المضاربة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى البنوك الإسلامية نظام للاستثمار يطلق عليه اسم المضاربة، فما هى الصورة الحقيقية لهذه المعاملة وما وجه إباحتها؟

الجواب
المضاربة مأخوذة من الضرب فى الأرض وهو السفر للتجارة كما قالى تعالى {وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله} المزمل: 20 ويطلق عليها اسم القراض، وهو مأخوذ من القرض أى القطع، لأن المالك يقطع جزءا من ماله للتجارة وقطعة من ربحه، وهى عقد بين طرفين، يدفع أحدهما نقدا إلى الآخر ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها.
وهى معاملة جائزة بإجماع الفقهاء، وكانت موجودة قبل الإسلام حيث ضارب النبى صلى الله عليه وسلم لخديجة رضى الله عنها بمالها، وسافر به إلى الشام، ولما جاء الإسلام أقرها، يقول الحافظ ابن حجر: والذى نقطع به أنها كانت ثابتة فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم يعلم بها وأقرها، ولولا ذلك ما جازت ألبتة.
ومن حوادثها أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب، رضى الله عنهم خرجا فى جيش العراق، فلما رجعا مرَّا على أبى موسى الأشعرى أمير البصرة فرحب بهما وأبدى استعداده لخدمتهما، فأعطاهما مالا من مال الله ليوصلاه إلى أمير المؤمنين فى المدينة وأرشدهما إلى استغلاله كسلفة يتجران فيها بشراء سلع من العراق وبيعها فى المدينة يستفيدان من الربح فيها فقبلا منه هذا العرض، وكتب إلى عمر أن يتسلم منهما المال الذى أرسله، فلما قدما وباعا وربحا، قال لهما عمر: أكلَّ الجيش قد أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا، فقال عمر: أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: لو هلك المال ضمنَّاه، فأصر عمر على أن يؤدياه، وفى النهاية قال رجل لعمر: لو جعلته قراضا؟ يعنى لو عملت فيه بحكم المضاربة وجعلت لهما نصف الربح؟ فرضى عمر بذلك.
والإسلام أقر هذه المعاملة للحاجة إليها، فقد يكون هناك مالك لمال لا يحسن استغلاله فيعطيه رجلا لا مال له يحسن استغلاله، لتكون الثمرة بينهما، يفيد كل منهما وينشط الاقتصاد، ولا ينقص المال المعطل بإخراج زكاته كل عام، ويجد الفقير عملا حلالا لا يحول دون تعطله والتجائه إلى وسيلة للعيش قد تكون محرمة، كالتسول والسرقة، ففيها تعاون على الخير، واشترط الفقهاء لصحتها أن يكون رأس المال نقدا معلوما، وأن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوما بالنسبة لا بالقدر المعين، كالنصف والثلث والربع مثلا، وهذا ما عامل عليه النبى صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها، يقول ابن المنذر: اجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض -المضاربة- إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة.
وقالوا فى تعليل ذلك: إنه لو اشتُرط قدر معين لأحدهما فربما لا يكون الربح إلا هذا القدر، فيستفيد به طرف دون الآخر، وهو مناف لحكمة المشروعية فى نفع كل من المتعاقدين.
وهناك شرط اختلف الفقهاء فيه وهو إطلاق النشاط وتقييده، فقال مالك والشافعى: لا يجوز تقييد المضاربة بالإتجار فى سلعة معينة أو فى بلد معين، أو فى زمن معين، أو مع شخص معين، لأن التقييد قد يضيع فرصا للربح، لكن أبا حنيفة وأحمد قالا: تصح المضاربة بالإطلاق والتقييد، وفى حالة التقييد لا يجوز للعامل المخالفة، وإلا ضمن، كما شرط حكيم بن حزام مع من يتاجرفى ماله: ألا يجعله فى كبدٍ رطبة أى حيوان ولا يحمله فى بحر، ولا ينزل به فى بطن مسيل، وإلا كان ضامنا لما يتلف منه.
والمفروض فى العامل أن يكون أمينا على المال، فلا يضمن إلا بالتعدى، فإذا تلف شىء منه فلا شىء عليه، ويصدق فى قوله مع اليمين إن ادعى ضياعه أو هلاكه.
ثم قال العلماء: لو أعطى العامل هذا المال أو بعضه لشخص آخر يضارب فيه كان متعديا ويكون ضامنا إن كان فيه خسران، وقال بعضهم: إن كان هناك ربح فهو لصاحب المال، وقال آخرون: الربح للمضارب ويتصدق به.
والعامل الذى يباشر النشاط تكون نفقته فى ماله هو إذا كان مقيما، أو سافر من أجل المضاربة ولا يتحملها صاحب المال، فقد تستغرق الربح كله، والعامل له نصيب فليكن تصرفه فى حدوده، لكن لو أذن رب المال له فى ذلك فلا مانع، فالمؤمنون عند شروطهم والعقد شريعة المتعاقدين.
هذا، وكما يجوز أن يكون المضارب العامل شخصا يجوز أن يكون جماعة أو هيئة أو مؤسسة تقوم بالنشاط التجارى الحلال لا الحرام، ولا تفرض لصاحب المال قدرا معينا بالنسبة لرأس ماله ولا تتحمل هى الخسارة، بل يتحملها رب المال ما دام لا يوجد تقصير منها، فلو ضمنت له قدرا معينا لا يتأثر بخسارتها هى ولا بمقدار ما تربحه بطلت المضاربة، ولو ضاربت هى فى هذا المال بإعطائه لغيرها ضمنت الخسارة، وإن كان هناك ربح فالربح كله لصاحب المال، ولها فى نشاطها أجر المثل، وإن كان أهل الرأى يقولون: إن الربح من حق هذه الجماعة وعليها أن تصرفه فى الخير ولا تتملكه.
ومن هنا يعلم أن البنوك والمؤسسات الأخرى التى تأخذ أموالا من الناس لقاء فائدة محددة بالنسبة لرأس المال لا يصدق عليها أنها تتعامل بنظام المضاربة لأمرين هامين، هما تحديد الربح وتحمل الخسارة، ونظام البنوك يمنع أى نشاط تحتمل فيه الخسارة. ولو قيل إنها وكيلة أو نائبة عن أصحاب الأموال، فإن كل ربح أو خسارة يكون لهم، ولهذه المؤسسات أجر الوكالة فقط، وهذا يتنافى مع الواقع فى نشاطهم الذى نصت القوانين على أن الأموال التى يتلقونها هى من باب القرض الذى يجب رده لصاحبه بعينه أو مثله، فإن شرطت عليه زيادة فهى ربا كما تقدم توضيحه فى ص 74- 82 س من المجلد الأول من هذه الفتاوى
(9/417)
________________________________________
الشركات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نقرأ فى بعض كتب الفقه كلاما عن أنواع من الشركات كالعنان والمفاوضة والوجوه، فما هى الفروق بينها وما حكم الشرع فيها؟

الجواب
الشركة كما يقول الأحناف: عقد بين المتشاركين فى رأس المال والربح، والمشاركة فى الخير مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى فى الميراث: {فهم شركاء فى الثلث} النساء: 12، وقال صلى الله عليه وسلم قال تعالى: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما" رواه أبو داود وذكر ابن المنذر أن العلماء أجمعوا على مشروعيتها.
وقسم العلماء الشركة إلى قسمين أساسيين: أحدهما شركة أملاك وهى التى لا يكون فيها عقد، كالمال الموهوب لأكثر من شخص فيقبلانه، وكالمال الموروث لأكثر من شخص، والحكم فيها أنه لا يجوز لأى شريك التصرف فى نصيب الآخر إلا بإذنه.
والقسم الثانى شركة عقود، وهى أنواع:
أ-شركة العنان، أن يشترك اثنان فى مال لهما على أن يتجرا فيه والربح بينهما، ولا يشترط فيها المساواة فى رأس المال ولا فى التصرف ولا فى الربح، فذلك بحسب الاتفاق وعند الخسارة يتحملانها بنسبة رأس المال.
ب- شركة المفاوضة أن يتعاقد اثنان أو أكثر على الاشتراك فى عمل بشرط التساوى فى المال والتصرف والدين، وأن يكون كل واحد كفيلا عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه. وقد أجازها الحنفية والمالكية ولم يجزها الشافعى لعسر المساواة فيها بسبب الغرر والجهالة، ولم يصح فى إجازتها حديث، وصورتها عند المالكية أن يفوض كل شريك إلى الآخر التصرف مع حضوره وغيبته وتكون يده كيده، ولا يكون شريكه إلا فيما يعقدان الشركة عليه، ولا يشترط فيها المساواة فى المال.
ج- شركة الوجوه، أن يشترك اثنان فأكثر من الناس دون أن يكون لهم رأس مال وذلك اعتمادا على جاههم وثقة التجار بهم، على أن تكون الشركة بينهم فى الربح، فهى شركة على الذمم من غير صنعة ولا مال، وأجازها الأحناف والحنابلة، وأبطلها الشافعية والمالكية لعدم المال والعمل.
د- شركة الأبدان، أن يتفق اثنان على أن يتقبلا عملا من الأعمال، على أن تكون الأجرة بينهما حسب الاتفاق، كالنجارين والحدادين والحمالين وغيرهم من الحرفيين وهى جائزة عند الجمهور، وأبطلها الشافعى، لأن الشركة عنده تختص بالأموال لا بالأعمال.
إن هذه الشركات بتلك الأسماء لا يعرفها تمام المعرفة إلا المتخصصون فى علم الشريعة، لأن هذه الأسماء حادثة بالاصطلاح ليست شرعية ولا لغوية، كما يقول صاحب كتاب "الروضة الندية" ولذلك هو يرى صحة هذه الشركة بأى اصطلاح يكون ما دام لا يوجد فيها شرط فاسد أو عمل محرم،ورضى الشركاء بها. هذا وقد ذكر ابن قدامة فى كتابه المغنى بعض شركات جائزة منها أن يدفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزقه الله منها فهو بينهما حسب الاتفاق، والشافعى وأصحاب الرأى لا يجيزون ذلك وجعلوا الربح كله لصاحب الدابة، وللعامل أجرة المثل، لأن هذه الصورة ليست من صور الشركات وليست مضاربة لأنها لا تكون فى العُروض بل بالتجارة فيها، وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك صاحبها، أما الحنابلة فيجوِّزون ذلك لأنها عين تنمى بالعمل عليها، ولو دفع شبكة إلى الصياد ليصيد بها السمك على أن يكون لكل منهما النصف يصح عند أحمد ولا يصح عند الآخرين فالصيد كله للصياد ولصاحب الشبكة أجر المثل.
ويقول ابن القيم فى "إعلام الموقعين ": لو دفع الشخص بقره، أو غنمه أو إبله إلى آخر يرعاها والدر والنسل بينهما جاز، وكذلك لو دفع إليه دابته يعمل عليها والأجرة بينهما جاز، ولا يوجد كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس يحرم ذلك
(9/418)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:10 am

كتابة الوصية قبل النوم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ورد حديث يأمر الإنسان بكتابة وصيته قبل أن ينام؟

الجواب
روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما حق امرئ مسلم له شىء يوصى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".
الوصية فى الشرع تصرف مضاف لما بعد الموت، وهى تكون بالعين وبالدين وبالمنفعة، وتكون بطريق التبرع دون مقابل، ويفرق بينها وبين الهبة بأن الهبة تمليك فى حال الحياة، وهى لا تكون إلا بالعين، لا بالدين ولا بالمنفعة.
والوصية مشروعة بالكتاب كما قال تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة: 18 وكما قال {يا أيها الذين آمنوا شهاده بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} المائدة:
106 ومشروعة بالسنة للحديث الذى سبق ذكره، ولما رواه ابن ماجه مرفوعا "من مات على وصية مات على سبيل وسنة ومات على تقى وشهادة ومات مغفورا له" وقد أجمعت الأمة على مشروعيتها. ولكن ما هو مدى مشروعيتها؟ هناك ثلاثة آراء:
الرأى الأول: أنها واجبة على كل من ترك مالا، قليلا كان أو كثيرا، وهو مروى عن ابن عمر وطلحة والزبير وبعض التابعين، بدليل آية البقرة المذكورة آنفا.
والرأى الثانى: أنها تجب للوالدين والأقربين الذين لا يرثون الميت، بدليل الآية نفسها، وهو رأى مسروق وابن جرير.
والرأى الثالث: وهو رأى الأئمة الأربعة- أنها ليست فرضا على الوجه المذكور فى الرأيين الأولين بل تعتريها الأحكام الخمسة.
1- فقد تكون واجبة إذا كان على الإنسان حق شرعى يخشى أن يضيع إن لم يوص به كوديعة ودين لله أو لآدمى.
2- وقد تكون مستحبة، وذلك فى الطاعات وللأقارب والصالحين.
3- وقد تكون محرمة، إذا كان فيها إضرار بالورثة، لحديث رواه النسائى مرفوعا برجال ثقات "الإضرار فى الوصية من الكبائر" كما تحرم إذا أوصى بمحرم كالخمر.
4- وتكون مكروهة إذا كان الموصى قليل المال وله وارث أو ورثة يحتاجون إليه، كما تكره لأهل الفسق إن غلب على الظن أنهم يستعينون بها عليه.
5- وتكون مباحة إذا كانت لغنى سواء أكان الموصى له قريبا، أم بعيدا والوصية-كما قال العلماء -من العقود التى يجوز تغييرها والرجوع فيها من الموصى سواء أكان الرجوع بالقول أم بالفعل كالتصرف فيها بما يزيل ملكه عنها بمثل البيع.
هذا، وجمهور العلماء على عدم جواز الوصية بما يزيد على الثلث إن لم يكن له وارث وأجازها أبو حنيفة "نيل الأوطار للشوكانى ج 6 ص 42 ".
ويمكن الرجوع إلى ص 389 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى لمعرفة حكم الوصية للوارث وما أخذ به قانون الأحوال الشخصية فى مصر
(9/419)
________________________________________
من أعمال البنوك

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الشرع فى أخذ البنك فائدة على فتح الاعتماد المستندي؟

الجواب
سبق القول في المجلد الأول من هذه الفتاوى أن أخذ البنك أجرا في مقابل الاعتمادات المستندية جائز، ولتوضيح ذلك تقول:
في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1965 م قُدِّم بحثان للدكتور محمد عبد الله العربي، أحدهما بعنوان:
المعاملات المصرفية، وثانيهما بعنوان: طرق استثمار الأموال وموقف الإسلام منها، ويقعان فى ست وأربعين صفحة من القطع الكبير.
وبعد المناقشة قرر المؤتمر في ضمن قراراته: أن خطابات الاعتمادات من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ فى نظير ذلك ليس من الربا.
وفى كتاب: الأعمال المصرفية والإسلام الذى ألفه الأستاذ مصطفى عبد الله الهمشرى والواقع فى مائتين وخمسين صفحة من القطع الكبير، ونشره مجمع البحوث الإسلامية- تحدث عن الاعتمادات المستندية، وعن خطابات الضمان قال:
إن الاعتمادات المستندية التى يتعهد فيها البنك للمصدِّر بدفع المستحقات له على المستورد جائزة، والأجر الذى يؤخذ فى مقابلها جائز، وخرَّج الجواز على أن طبيعة هذا التعامل تدور بين الوكالة والحوالة والضمان، والوكالة بأجر لا حرمة فيها، وكذلك الحوالة بأجر،، والضمان بأجر خرَّجه على ثمن الجاه الذى قيل فيه بالحرمة وبالكراهة وقال بجوازه الشافعية، كما خرجه على الجعالة التى أجازها الشافعية أيضا.
وتحدث عن خطابات الضمان وأنواعها، وهى التى يتعهد فيها البنك بمكتوب يرسله -بناء على طلب عميله- إلى دائن العميل يضمن فيه تنفيذ العميل لالتزاماته، وقال إنها جائزة، وخرَّج ذلك على أنها وكالة أو كفالة، وهما جائزتان، والعمولة عليهما لا حرمة فيها. واعتمد فى دراسته على المراجع والمصادر الاقتصادية وعلى كتب الفقه فى المذاهب المختلفة.
هذا، وقرارات المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية انتهت إلى أن أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتمادات والكمبيالات الداخلية التى يقوم عليها العمل بين التجار والبنوك فى الداخل -كل ذلك من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ فى نظير هذه الأعمال ليس من الربا، وأن الحسابات ذات الأجل وفتح الاعتماد بفائدة وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة -كلها من المعاملات الربوية وهى محرمة.
ودراسة هذا الموضوع لا تعدو أن تكون نقلا لما كتبه الدكتور العربى والأستاذ الهمشرى وهى دراسة جمعت بين النشاط الاقتصادى وحكم الشرع فى ذلك، والمراجع مذكورة فيها بما يضع الثقة فى هذه الدراسة التى مر عليها عشرات السنين دون اعتراض عليها
(9/420)
________________________________________
نشأة البنوك الربوية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كيف نشأ نظام البنوك وهل صحيح أن اليهود لهم دور كبير فى ذلك؟

الجواب
إن الربا محرم فى جميع الشرائع السماوية، ومن المعروف أن اليهود يحبون المال حبا جما، لدرجة طغت على الإيمان باليوم الآخر، وجاء عنهم أن جنة الإنسان هى غناه وأن ناره هى فقره، أو من مات غنيا دخل الجنة ومن مات فقيرا دخل النار، وقد جاء فى القرآن الكريم ذمهم لأسباب كثيرة منها الربا الذى جاء فيه قوله تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا منه وأكلهم أموال الناس بالباطل} النساء: 161 وما يزال نشاطهم فى هذه الناحية معروفا إلى الآن.
والتاريخ يتحدث أن البنوك التى ولدت حديثا فى الغرب كان للثورة الصناعية دور كبير فيها، فقد كانت العملة المتداولة هى النقود الذهبية، وكان الأغنياء يودعون أموالهم عند من يشتغلون بصناعة الذهب لحفظها وعدم السطو عليها، ويأخذون منها القدر الذى يحتاجون إليه فى مقابل يُدفع إلى من أودعت عنده، وإذا أراد الغنى الانتقال إلى بلد آخر يستثقل أن يحمل معه ذهبه أو يخشى عليه الضياع، فيأخذ أمرا ممن هى عنده إلى زميل له فى ذلك البلد ليتسلم ما يريد من المال وصارت السندات هى المستعملة بدل حمل النقود لخفتها وضمانها.
ولما كثرت الودائع الذهبية عند "الصيارفة" استغلوها فى الإقراض بفائدة يحددونها على حسب ما يرون من حاجة المقترض، وعند رد القرض بفائدته يستغل مرة ومرات أخرى هكذا.
ومن أجل هذا الحرص على الفائدة كره الناس هؤلاء الصيارفة مع اضطرارهم إليهم - ولما جاءت الثورة الصناعية كثر الإقراض الإنتاجى بعد أن كان للاستهلاك. ومن أجل الحاجة إلى ما عند الصيارفة ومع تحريم الكنيسة للربا - حللته القوانين الوضعية، فتطور مركز الصيرفى وأصبح كل صاحب بنك له احترامه، ونشأت البنوك فى صورة شركات مساهمة، وانهالت الودائع عليها بفائدة ضئيلة تضمن لأصحابها الربح الثابت بدل المخاطرة بها فى المشروعات، وفى الوقت نفسه تقرض البنوك هذه الودائع بفائدة مرتفعة تكسب الفرق بين فائدة الإيداع وفائدة الإقراض ومن هنا انتزعت السيطرة على اقتصاديات العالم فى العصر الحاضر.
ويقول المختصون: إن النظام الربوى فى البنوك جعل أصحابها مسيطرين على اقتصاديات المجتمع بل على سياسته الداخلية والخارجية وتشريعاته وسلوكياته وثقافته وفكره، يمتصون دماءه وهم آمنون، والناس من حولهم كادحون مغلوبون.
وهذا النظام فى الإقراض الإنتاجى دفع المنتج إلى غلاء الأسعار ليسدد القرض وفائدته، وإذا غلت الأسعار انحسر الاستهلاك وتضخم الفائض، ولو أراد المنتج تخفيض السعر ليصرف ما عنده كان ذلك على حساب العمال، إما بتخفيض أجورهم وإما بالاستغناء عن بعضهم، ولذلك عواقبه فى نقص القوة الشرائية وفى خلق البطالة وزيادة انحسار الاستهلاك، وفائض الإنتاج يزداد، ولتصريف الفائض يجئ التفكير فى خلق أسواق غير منتجة، وهى فى البلاد النامية، وهو طريق إلى السيطرة عليها واستعمارها، وذلك يخلق تحكما فى أسعار المواد الخام التى لم تصنعها تلك البلاد غير الصناعية، فتقل أثمانها، ولا تجنى من تصديرها إلا القليل.
إن خير ما يواجه به النظام الربوى لأصحاب البنوك، هو نظام المضاربة بشروطها الشرعية المعروفة التى لا تثرى فيه طائفة على حساب الأخرى، ويسود فيها التشاور والاشتراك الفعلى فى النشاط الذى يحقق الربح للطرفين، "مقتطف من مقال السيد / أحمد عزت الصياد بمجلة الهداية الصادرة فى البحرين - عدد جمادى الآخرة 1415 هـ ديسمبر 1994 م "
(9/421)
________________________________________
علم الفرائض والمواريث

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل عرف نظام التوريث قبل الإسلام، وما هى القواعد التى نظم الإسلام عليها الميراث؟

الجواب
كان الميراث معروفا قبل الإسلام فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية، فقد عرفه اليونان والرومان، وكان يعطى لمن يصلح لرعاية الأسرة وللحروب، وكان للمورث أن يختار قبل موته من يقوم مقامه فى هذه المهمة، سواء أكان من أبنائه أم من اقاربه أم من الأجانب، وقبيل ظهور الإسلام أشركوا المرأة مع الرجل على التساوى فى الميراث.
والأمم الشرقية كان الميراث فيها لأرشد الذكور من الأولاد، ثم الإخوة ثم الأعمام، وليس للمرأة نصيب فيه.
والمصريون القدماء كانوا يورثونها على التساوى مع الرجل، واليهود كانوا يخصون الولد الذكر بالميراث ويحرمون الأنثى، وإن تعدد الأولاد الذكور ورث أكبرهم فقط. جاء فى سفر التكوين " إصحاح 21:15 - 18" أن الابن البكر له نصيب اثنين، فإن لم يكن هناك ذكر فالميراث لابن ابنه، وليس لبنته شىء، ويبدو أن ذلك نسخ، ففى سفر العدد "إصحاح 27: 1 - 11 " أن بنات صلحفاد بن حافر طالبن موسى والعازار والكاهن أن يكون لهن نصيب فى ملك أبيهن، فقدم موسى دعواهن أمام الرب، وانتهى الأمر إلى إعطائهن من الميراث.
والعرب فى الجاهلية كانوا يورثون الذكور فقط، فعندما توفى أوس ابن ثابت وترك امرأته ام كُجَّة وثلاث بنات ـ وفى رواية بنتين ـ وأخاه، قام رجلان هما ابنا عمه ووصيان ـ قتادة وعرفجة، أو قتادة وعرفطة ـ فأخذا المال وحدهما، فشكت الأم إلى النبىٍ صلى الله عليه وسلم فى مسجد الفضيخ، فقالا: أولادها لا يركبن فرسا ولا يحملن كلا ولا ينكين عدوا، فنزلت الآية {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} وقيل نزلت فى بنات عبد الرحمن بن ثابت أخى حسان بن ثابت.
وعلم الفرائض والمواريث فى الإسلام يتناول الحديث عنه الأمور الآتية:
1ـ المعنى والتسمية: الفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة، أى مقدرة، لما فيها من السهام المقدرة والفرض فى اللغة مصدر فرض أى قدر، قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ـ أى قدرتم ـ فنصف ما فرضتم} وفى الشرع: نصيب مقدر شرعا للوارث.
2ـ فضل هذا العلم.
1ـ روى الحاكم وغيره عن ابن مسعود مرفوعا " تعلَّموا الفرائض وعلموها الناس، فإنى امرؤ مقبوض، وإن هذا العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الرجلان فى الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما"صححه الحاكم وحسَّنه الآخرون.
2ـ روى ابن ماجه بسند حسن مرفوعا " تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وإنها نصف العلم، وإنه أول علم ينزع من أمتى "نبغ فيه زيد ابن ثابت، كان سنه يوم مقدم النبى إلى المدينة15 سنة، وتوفى سنة45، أو 54 أو 55 هـ وقال عمر: من يسأل عن الفرائض فليأت زيد ابن ثابت. [ابن خلدون لا يحمل هذه النصوص على علم الميراث، فالفرائض اصطلاح للفقهاء] ومن المؤلفين فيه: الماردينى فى شرح الرحبية، وابن ثابت ومختصر القاضى أبى القاسم الحوفى ثم الجعدى من متأخرى الأندلس عند المالكية.
3ـ تاريخه وتدرج تشريعه:
أـ كان الميراث فى الجاهلية أساسه القدرة على رعاية الأسرة، فحصروه فى الرجال دون النساء، وفى الكبار دون الصغار. ولهم فى ترتيب هؤلاء نظام يقدم فيه الأولى على غيره كالأبناء على الاباء والإخوة والأعمام. ويدخل فى الأبناء المتبنون. وكان التبنى معروفا عندهم إذا عدم الرجلُ الأبناء أو أراد الاستكثار منهم.
ب -فى الإسلام كانت هناك خطوات:
فى الابتداء كان أساسه الحلف والنصرة [حتى مع اختلاف االدين] ولذلك دخل مع الأهل من كان لهم موالاة، حيث كان الرجل يقول للآخر، أنت وليى ترثنى وأرثك، وجاء فيه قوله تعالى {ولكلٍّ جعلنا موالى مما ترك والدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33] .
ثم نسخ فكان بالإسلام والهجرة، {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا} [الأنفال: 72] فانقطعت الولاية بين المؤمن المهاجر وغيره، ممن لم يؤمن، أو آمن ولم يهاجر، ثم نسخ ذلك فجعلت الولاية للأقرب {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله} [الأنفال:75] ولم يكن للتوارث نظام مقدر فترك للرجل أن يوزع ماله قبل موته كما يشاء، قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} [البقرة:185] لكنهم كانوا يخصون بعضا دون بعض، فيخصون الرجال دون النساء، فقال تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قَلَّ منه أو كثر نصيبا مفروضا} [النساء: 7] . لكن لم يبين نصيب كل وارث، فتولى الله بنفسه توزيع التركة بقوله تعالى {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ... } {ولكم نصف ماترك أزواجكم ... } {يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة ... } [النساء: 11،12، 176] فبيَّن نصيب الأصول والفروع، ثم نصيب الزوجين، ثم نصيب الإخوة والأخوات.
وراعى فى التوزيع جعل حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كانت هناك مساواة فى الدرجة، ومشاركة فى سبب الإرث، لأن الأنثى نفقتها فى الأعم الأغلب على غيرها، إن كانت بنتا أو أما أو زوجة. . . وقد يزيد نصيبها على الذكر أو يتساوى عند اختلاف الدرجة، واختلاف سبب الإرث، كالبنت الواحدة مع الإخوة، لها النصف، والنصف الباقى يوزع عليهم، ينال كلاًّ أقلُّ من.
نصيبها وحدها وهو النصف، والتساوى بينهما مع التساوى فى الدرجة لا يوجد إلا فى الإخوة لأم فهم جميعا شركاء في الثلث بالتساوى وإن كانت الآية لا تنص على هذه المساواة فى الظاهر، لكن الإجماع عليها.
وبعد أن نزلت آيه المواريث، قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الله أعطى كل ذى حق حقه ألا لا وصية لوارث " رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وقال " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر" رواه البخارى ومسلم، والنص على الذكر مع إمكان الاستغناء عنه بكلمة رجل، لمنعهم من إعطاء الكبار دون الصغار، فالذكر يطلق على الكبير والصغير، بخلاف الرجل فإنه يطلق على الكبير فقط.
وقضى الرسول للجدة بالسدس كما رواه المغيرة بن شعبة ومحمد ابن مسلمة، وحكم أبو بكر بذلك، وأكده عمر، [تاريخ التشريع للخضرى ص 123] .
4ـ الفروض مقدَّرة: قال العلماء دلالة الألفاظ ظنية إلا فى العقائد والحدود والفرائض أى المواريث واصول الإسلام كالفرائض الخمس، فالربع هو الربع والنصف هو النصف لا يراد به غير ذلك. وكذلك الوارثون محدودون، نصيب كل منهم محدد لا يجوز الخروج عليه بعد عصر الخلفاء بالذات الذين امر الرسول بالأخذ عنهم "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء للراشدين ".
وإذا كان للشيعة رأى فى المواريث فإنه بالنسبة لفاطمة حيث لم يورثها أبو بكر من والدها، لأن الأنبياء لا يورثون، وما تركوه فهو صدقة، ولذلك هم يحكمون بخطأ أبى بكر فى ذلك، ويجعلون ميراث البنت كميراث الابن، فكل منهما داخل تحت لفظ " ولد" لأن كل مولود ولد.
ومن الغريب أن عليًّا رضى الله عنه سلم بحكم أبى بكر، ولم يشأ أن يخرج عليه وهو مستطيع لذلك حيث كان خليفة يطاع أمره، لكن التشيع المتعصب لعب دوره حتى فى أحقية العلويين فى الخلافة بدل العباسيين فالعباس عم النبى صلى الله عليه وسلم وعلىٌّ ابن عمه، فهو مقدم عليه فى الميراث " إن كان " وأولاد على هم بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم أولاد ابن عمه، والعم مقدَّم على أولاد العم، وكذلك أولاد على من فاطمة هم بالنسبة إلى النبى أولاد بنته، وهم من الأرحام لا نصيب لهم فى الميراث ما دام يوجد عاصب.
ولذلك قال الشيعة:لا نسلم بالعصبة ومرتبتها، فالأقرب هو الذى يرث، وأولاد بنت النبى أقرب إليه من الأعمام، فالميراث فيهم " الحسين والحسن وذريتهما " ليس للعباس وذريته. والحسن والحسين علويان لأنهما أولاد على.
ولذلك قامت حرب فكرية بين العباسيين والعلويين حين استولى العباسيون على الحكم بعد الأمويين. إلى جانب الحرب بالسلاح، وتبلورت هذه الفكرة فى القرن الثانى والثالث الهجرى، ولذلك هجر الشيعة الأحاديث الصحيحة واعتمدوا على أقوال الأئمة المعصومين فى رأيهم، ليطرحوا فكرة العصبة ويقدموا القرابة.
وما يقال اليوم:إن البنت أصبحت كالولد فى عصرنا الحاضر من حيث التعليم والتمتع بالحقوق الأخرى واحترام ملكيتها وتصرفاتها ومسئولياتها، فيجب التساوى بينهما وتقليد مذهب الشيعة فيه ـ لا أصل له فى الدين بعد انتهاء الوحى وإجماع الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، على أن البنت سيتولى الإنفاق عليها ابوها او زوجها أو ولدها، والابن هو الذى سينفق على زوجته وأولاده ووالديه، فحكم الله حكيم {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله} [النساء: 11] .
5ـ الإرث له أسباب: وهى القرابة، كالأبوة والبنوة والأخوة، والمصاهرة بين الزوجين، والولاء عند عتق السيد للعبد، فهو يرثه إن لم تكن هناك قرابة من عصبة أو رحم. وكذلك الإسلام.
والإرث له مو انع: هى 1 ـ الرق.
2ـ القتل. لحديث " ليس للقاتل من تركة المقتول شئ " صححه ابن عبد البر وغيره.
3ـ واختلاف الدين لحديث الصحيحين فيه، وقد أجازه بعض للصحابة والتابعين، ومن للموانع الردة، فالمرتد لا يرث أحدا من المسلمين ولا من غيرهم، ولا يرثه أحد عند الشافعية والمالكية، وذهب أبو حنيفة إلى أن ماله الذى كسبه قبل الردة يورث، وما كسبه بعدها يعد فيئا للمسلمين، أما للمرأة المرتدة فكل ماتركته يورث، سواء كسبته قبل للردة أو بعدها.
والدور الحكمى أن يلزم من توريث شخص عدم توريثه، فيما إذا أقر أخ بابن للميت، فيثبت نسب الابن ولا يرث الأخ لحجبه بالابن.
والإرث له شروط: تحقق موت المورث أو الحكم به عند القضاء لغيابه مثلا، وتحقق حياة الوارث حال موت المورث، ومعرفة إدلائه للميت بقرابة أو نكاح أو ولاء، ومعرفة الجهة المقتضية له تفصيلا.
6ـ ترتيب الوارثين: يقدم أصحاب الفروض، ثم العصبة، ثم مولى العتاقة، ثم عصبة مولى العتاقة إذا كان المعتق رجلا. ثم الرد على ذوى الفروض إلا الزوجين إذا انحصر الميراث فيهم ولم يستغرقوا التركة، ثم ذوو الأرحام، ثم مولى الموالاة [أنت مولاى ترثنى إذا مت وتعقل عنى إن قتلت، فيقول:
قبلت] وأجازه أبو حنيفة، ويثبت لقابل الولاء دون العكس، بشرط أن يكون طالب الولاء حرا، لا وارث له بنوع من أنواع القرابة. . . قال تعالى: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33] ولحديث البخارى فى ذلك. ومنع ذلك الباقون وهو مذهب زيد.
ثم المقر له بنسب محمول على الغير، ثم الموصى بما زاد على الثلث، ثم بيت المال.
7ـ مما يتعلق بالتركة: الذى يتعلق بها خمسة حقوق مرتبة على الوجه الآتى:
1ـ كل دين متعلق بعين من أعيان المال، مثل العين المرهونة من ماله، فإن حق المرتهن فيها مقدم على تجهيز الميت وتكفينه.
2ـ تكفينه وتجهيزه إلى أن يدفن.
3ـ كل دين لا يتعلق بعين من أعيان التركة.
4ـ تنفيذ الوصايا الشرعية، فإن كانت لبعض الورثة لا تنفذ إلا بموافقة بقية الورثة، وإن كانت لغيره جازت فى حدود الثلث [بعد كل ديونه] بغير حاجة إلى إجازتهم، وإن زادت نفذت قهرا فى الثلث وتوقفت فيما زاد على إجازة الورثة.
5ـ تقسيم التركة [فى قانون المواريث: أولا مؤن التجهيز وثانيا ديون الميت] .
قدَّم الدين على الوصية مع أن القرآن قدمها، لأن النص ورد بذلك فى حديث على: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية، ولأن الدين فرض يجبر المدين عليه ويحبس من أجله، والوصية تبرع وتطوع وهو متأخر عن الفرض وقدمها للحث عليها. والوصية الواجبة مقدَّمة على تقسيم التركة [وقانونها فى مصر رقم 71 فى 6 من أغسطس 1946] وقال به جابر بن زيد وقتادة وابن حزم "انظر الأولويات فى فتاوى الشيخ جاد الحق ج 5ص 296 "
(9/422)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:11 am

رجوع الأب فى الهبة لوالده

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للأب أن يسترد ما أهداه لابنه بعد خمسة عشر عاما ليعطى منه بعض إخوته؟

الجواب
إذا كان ما أعطاه الأب لابنه بيعا بمقابل ولو كان بسيطا فلا يجوز له استعادته إذا تسلمه الولد، لأنه بالبيع خرج عن ملكه نهائيا وصار ملكا تاما لولده؟ .
أما إن كان الإعطاء هبة بدون مقابل فهى حق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها كما قال مالك وأحمد، لكن أبا حنيفة والشافعى شرطا القبض حتى تكون لازمة.
والرجوع فى الهبة حرام عند جمهور الفقهاء إلا إذا كانت من الوالد لولده فإن له أن يرجع فيها، فقد روى أصحاب السنن - الترمذى وأبو داود والنسائى وابن ماجه - عن ابن عباس وابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطى ولده " وحكم الوالد حكم الوالدة ويستوى فى الولد أن يكون كبيرا أو صغيرا.
هذا هو رأى الجمهور فى حرمة الرجوع فى الهبة، لكن مالكا قالا: يجوز الرجوع فى الهبة إن بقيت على حالها، فإن تغيرت فلا رجوع، وقال أبوحنيفة: ليس له الرجوع فيما وهب لابنه ولكل ذى رحم من الأرحام، وله الرجوع فيما وهبه للأجانب، ولكن رأيه غير قوى لمعارضته للحديث.
وجاء فى النهى عن الرجوع فى الهبة حديث "مثل الذى يعطى العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب الذى يأكل، فإذا شبع قاء، ثم عاد فى قيئه " رواه الترمذى وغيره. وقال: حديث حسن صحيح.
ومن هنا نقول للسائل: إن كان الأب أعطى ممتلكاته أو بعضها لولد على سبيل الهبة بدون مقابل فله الرجوع عند جمهور الفقهاء، وليس له الرجوع عند أبى حنيفة، ورأى الجمهور أقوى
(9/423)
________________________________________
النسب والتوارث فى نكاح المتعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل نكاح المتعة يثبت به النسب للمولود، وهل فيه توارث، وهل يحتاج إلى طلاق؟

الجواب
زواج المتعة هو زواج مؤقت لمدة معينة، وقد أبيح فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وقتا ما لحاجة الغزاة إليه ثم حرم بعد ذلك -ولم يخالف فى تحريمه إلا بعض الشيعة، مدَّعين أن حله لم ينسخ بالتحريم، وتوضيح ذلك موجود فى الجزء الأول من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام ".
وأكثر المسلمين على حرمة هذا الزواج ورأى ابن مسعود وابن عباس أن الحرمة مشروطة بعدم الاضطرار، فذلك كأكل الميتة يباح للمضطر فقط، ولكن أدلتهم فى ذلك غير سليمة وجاء فى كتاب النهاية، والفتاوى لأبى جعفر محمد بن الحسن أبى على الطوسى المتوفى سنة 460 هجرية، وهو من كُتَاب الشيعة، ونشر كتابه فى طهران سنة 1342 هجرية ما يأتى:
"وليس فى نكاح المتعة توارث، شرط نفى الميراث أو لم يشترط، اللهم إلا إن شرط أن بينهما التوارث، فإن شرط ذلك ثبتت بينهما الموارثة. . .
ويجوز للرجل العزل -لمنع الحمل -وإن لم يكن شرط، ومتى جاءت بولد كان لاحقا به، سواء عزل أولم يعزل.
وجاء فى هذا الكتاب أيضا: وعدة المتمتعة إذا انقض أجلها أو وهب لها زوجها أيامها حيضتان أو خمسة وأربعون يوما إذا كانت لا تحيض وفى سنها من تحيض "من ص 497 - 502 ".
كما جاء فى "ص 182 " من كتاب المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى المتوفى سنة 676 هـ والذى طبعته وزارة الأوقاف المصرية سنة 1376 هـ عند الحديث عن أحكام النكاح المنقطع "نكاح المتعة" ما يلى:
يجوز العزل من دون إذنها، ويلحق الولد وإن عزل، ولكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان ولا يقع بالمتعة طلاق إجماعا ولا لعان على الأظهر، ولا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين.
وقال المرتضى: يثبت ما لم يشترط، السقوط نعم لو شرط الميراث لزم، وإذا انقضى أجلها فالعدة حيضتان على الأشهر، وإن كانت ممن تحيض ولم تحض فخمسة وأربعون يوما.
وزواج المتعة يترفع عنه كبار القوم الذين يرون حله، ولا يرغبون بديلا عن الزواج الدائم، لأنه الجدير بقيام الأسرة المستقرة، ولا عبرة بما يقال من أن الأطفال يوضعون تحت رعاية المسئولين، فإن الأسرة المستقرة لا ينكر أثرها فى تنشئة الجيل الصالح
(9/424)
________________________________________
حرمان الابن العاق من الميراث

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى أب يريد أن يحرم ابنه من الميراث نظرا لأنه عاق، وكثيرا ما يتعدى على والديه بالإهانة؟

الجواب
إذا مات الإنسان وقد أوصى بحرمان ابنه أو بعض ورثته من الميراث فلا أثر لهذه الوصية، لأن توزيع الميراث شرع الله، لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه، وقد تكون الصورة التى وردت فى السؤال هى عن بيع أو هبة الشخص ما يملكه فى حال حياته إلى بعض الأولاد وحرمان البعض الآخر.
وكلنا أو أكثرنا يعرف حديث النعمان بن بُشير الذى جاء فيه النهى عن تفضيل بعض الأولاد على بعض بهدية من غير مقابل، ولم يشهد النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال "إنه جور" ونصح الآباء أن يسووا بين الأولاد ليكونوا له فى البر سواء.
إن علماء الحديث والفقه نظروا إلى هذا الحديث واختلفت أحكامهم على هذا التصرف فقال جمهورهم -وهم أبو حنيفة ومالك والشافعى-إنه مكروه وليس حراما لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان "أشهد على هذا غيرى" ولو كان حراما ما أجاز أن يشهد عليه أحد، وأما أحمد بن خبل فقال: إن هذا التفضيل حرام، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال له "لا أشهد على جور" أى ظلم.
لكنهم جميعا قالوا: محل الكراهة أو الحرمة فى التفضيل إذا لم يكن هناك سبب مشروع، فلو كان أحدهم مريضا أو مدينا دينا كبيرا لا يستطيع كسبه الوفاء به، أو كان صغيرا يحتاج فى مستقبل حياته إلى رعاية. فلا مانع من أن أباه يساعده بشىء مراعاةً لحاله، واستدلوا على ذلك بما حدث من الصحابة، فقد فضل أبو بكر رضى الله عنه عائشة على غيرها من أولاده، وفضل عمر رضى الله عنه ولده عاصما بشىء كما فضل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما بعض أولاده على بعض، نصت على ذلك كتب الفقه كالإقناع للخطيب فى فقه الشافعية والمغنى لابن قدامة فى فقه الحنابلة، وقد تقدم القول فى ذلك بإسهاب.
هذا واضح فى المفاضلة فى العطية، أما حرمان بعضهم فإن الحديث وإن كان يدل عليه فقد نص عليه الحنابلة بما جاء فى "المغنى" لابن قدامة "المعجم طبعة الكويت ص 720" من قوله: وإن خص بعض أولاده بعطية لمعنى يقتض التخصيص كزمانة أو كثرة عائلته أو انشغاله بعلم. أو صرف عطيته عن بعضهم لفسقه أو بدعته.
أو لاستعانته بذلك على معصية جاز ذلك، وقيل: لابد من التسوية ويمنع التفاضيل والأول أصح.
هذا نص المغنى، وبناء عليه فلا مانع من حرمان الولد العاق من البيع أو الهبة له كباقى إخوته - وإن كنت أخشى أن يزيد عقوق الولد أو يعامل إخوته معاملة قاسية، وأرجو أن يُبحث عن وسيلة أخرى لتقويم سلوك هذا الولد العاق
(9/425)
________________________________________
حرمان بعض الورثة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للرجل توزيع تركته على البنات إذا لم يوجد أولاد ذكور، وذلك حتى لا يدخل أحد من الأقارب فى الميراث؟

الجواب
يقول الله تعالى {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا} النساء: 7، نزلت هذه الآية فى أوس بن ثابت الأنصارى، حين توفى وترك امرأة يقال لها "أم كُجة" وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت يقال لهما: سويد وعرفجة، فأخذا كل ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا، وكانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية وكان الناس يورثون من يشاءون ويحرمون من يشاءون ويفاضلون كما يشاءون. فنظم الله الميراث وأنزل هذه الآية {يوصيكم الله فى أولاكم. . .} فبينت الفرائض وحددتها، وجاء فيها ما يوجب الالتزام بها، فهى للمصلحة التى يعلمها الله سبحانه {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله} النساء: 11.
بل إن هناك آية تدعو إلى إعطاء بعض الأقارب الذين حرموا من الميراث شيئا من تركة المتوفى عند تقسيمها، وهى قوله تعالى {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا} النساء: 8، بناء على أنها محكمة وليست منسوخة كما هو الأصح رواه البخارى عن ابن عباس، وهذا الإعطاء سنة كما قال أبو جعفر النحاس وقال جماعة بالوجوب. ذلك أن للأقارب تطلعا وأملا فى أن ينالهم نصيب مما تركه المتوفى، وبخاصة إذا كانوا فقراء وهو غنى، لكن هذه الآية تخاطب الورثة وهم يقتسمون الميراث، وقيل إنها تخاطب من أشرف على الموت وهو يوصى بتوزيع التركة ألا ينسى أقاربه المحتاجين.
إن الصورة الواردة هى تقسيم الرجل تركته على بناته فقط قاصدا بذلك أن يحرم بعض الورثة مما بقى من ميراث البنات لأنه ليس له ولد ذكر يحجبهم، إذا كان الآية السابقة توصى بإعطاء الأقارب المحرومين من الميراث بعض التركة فما بالكم بمن لهم حق الميراث؟ .
ولئن كان الإنسان حرا فى حال حياته أن يتصرف فى ماله تصرفا حلالا، يعطى من يشاء ويترك من يشاء، سواء كانوا من الأقارب أم من غيرهم، وارثين أم غير وارثين.
ما دام لا يوجد مانع شرعى من التصرف. فإن المندوب إليه أن يترك لورثته شيئا يرثونه من بعده إذا كانوا فى حاجة إليه، كما يدل عليه حديث سعد بن أبى وقاص الذى رواه البخارى ومسلم حيث ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم وهو يعوده فى مرضه أنه ذو مال كثير ولا يرثه إلا ابنة واحدة وهو يريد أن يتصدق بماله كله فقال "لا " قال:
فالشطر أى النصف؟ قال "لا " قال فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. . . ".
والرجل -كما فى السؤال -ترك لورثته ما يملك وحبسه على بناته، لكن حرم منه بعض أقاربه المستحقين، فما الذى حمله على ذلك؟ الأمر يرجع فيه إلى رعاية المصلحة، فإن كان يرى أن بناته فى حاجة إلى الرعاية وأن أقاربه فى غير حاجة إلى شىء من الميراث ويخشى عليهن عدم عطف الأقارب عليهن فلا مانع من ذلك، أما إذا كان نصيبهم وهو الثلثان يكفى لعيش كريم وأقاربه فى حاجة ماسة إلى نصيبهم فى الميراث فإن هذا التصرف يكون مكروها، لأنه يورث عداوة بينهم وبين بناته، والكل تجمعهم أسرة واحدة يراد لها أن تسود فيها روح المحبة والتعاون.
ومهما يكن من شى فإن تصرفه فى حياته بالبيع أو الهبة لبناته نافذ. ومنع وارث من حقه لا يكون إلا بعد الموت، وذلك قياسا على تفضيل بعض الأولاد على بعض فإن جميع الفقهاء قالوا: إذا كان هناك مبرر معقول يقره الشرع فلا مانع منه، أما إذا لم يوجد هذا المبرر فإن التفضيل يكون مكروها غير حرام عند الأئمة الثلاثة، ويكون حراما عند الإمام أحمد، ويمكن اعتبار النية فى هذا الموضوع، فالأعمال بالنبات، ولكل أمرى ما نوى كما صح فى الحديث
(9/426)
________________________________________
زكاة التجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس إن التجارة لا تجب فيها الزكاة لعدم ذكرها فى القرآن الكريم، فهل هذا صحيح؟

الجواب
التجارة هي تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح، والزكاة فيها واجبة، لحديث رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ورواه الدارقطنى والبيهقي عن أبي ذر " فى الإِبل صدقتها، وفى الغنم صدقتها، وفي البزِّ صدقته " والبز هو الثياب المعدة للبيع، يعنى أن عينها لا زكاة فيها فوجبت الزكاة في قيمتها التجارية، وهناك دليل ذكره الرملى بقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة على الذى يُعَدُ للبيع " حاشية الشرقاوى على التحرير ج 1 ص 354" رواه أبو داود والبيهقى عن سمرة بن جندب.
وروى الشافعى وأحمد والدارقطنى والبيهقى وعبد الرزاق عن أبى عمرو عن أبيه قال: كنت أبيع الأدم -جمع أديم وهو الجلد- والجِعَاب -جمع جعبة وهى كيس النبال- فمر بى عمر بن الخطاب فقال: أد صدقة مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو الأدم، قال: قوِّمه ثم أخرج صدقته، قال ابن قدامة فى المغنى: وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر، فيكون إجماعا. وقالت الظاهرية: لا زكاة فى مال التجارة. ودليل الجمهور القياس، لأن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الزروع والحيوان والذهب والفضة [يعنى لو لم يكن هناك نص مقبول فى وجوب الزكاة فى التجارة فالدليل هو القياس، مع الإجماع على قصة عمر مع صاحب الأدم] .
ولا تجب الزكاة إلا إذا بلغت قيمة السلع نصاب الذهب أو الفضة، وحال عليها الحول، وكانت مملوكة بقصد التجارة لا القنية والإِمساك للانتفاع بها، كما تضم الأرباح الناتجة عن ذلك إليها، ومقدار الزكاة هو ربع العشر، وتخرج من القيمة لا من عُروض التجارة، وأجاز أبو حنيفة إخراج الزكاة من عين السلع كسائر الأموال، وقد مر ذلك فى صفحة 123 من المجلد الثانى وص 505 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى
(9/427)
________________________________________
نقل الزكاة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعيش فى بلد مستوى المعيشة فيه مرتفع، ويقل أو يندر أن يكون فيه فقير يستحق الزكاة، فهل يجوز أن أدفعها إلى أقاربى المحتاجين في بلد آخر؟

الجواب
روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضى الله عنه إلى اليمن قال فيما قال له " فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة فى أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم " وروى أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حُصين أنه استُعمل على الصدقة فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتنى؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناه حيث كنا نضعه. وروى الترمذى وحسَّنه أن أبا جُحيفة قال: قدم علينا مصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أى عامله على الصدقة، فاخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها فى فقرائنا.
استدل الفقهاء بهذه المرويات على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله، واختلفوا في نقلها إلى بلد آخر، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى من يستحقها إذا استغنى أهل بلد الزكاة عنها.
فقال الحنفية: يكره نقلها، إلا إذا كان النقل إلى قرابة محتاجين، لأن فى ذلك صلة رحم، أو إلى جماعة هم أشد حاجة من فقراء البلد، أو كان النقل أصلح للمسلمين، أو كان من دار حرب إلى دار إسلام، أو كان النقل إلى طالب علم، أو كانت الزكاة معجلة قبل أوان وجوبها وهو تمام الحول، ففى جميع هذه الصور لا يكره النقل.
والشافعية قالوا: لا يجوز نقل الزكاة من بلد فيه مستحقون إلى بلد آخر، بل يجب صرفها فى البلد الذى وجبت فيه على المزكى بتمام الحول، فإذا لم يوجد مستحقون نقلت إلى بلد فيه مستحقون.
وحجتهم فى ذلك حديث معاذ المذكور، والذى ذكره أبو عبيد أن معاذا قدم من اليمن بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم فرده عمر، ولما بعث إليه بجزء من مال الزكاة لم يقبله ورده أكثر من مرة مع بيان معاذ أنه لا يوجد عنده من يأخذها.
والمالكية لا يجيزون نقلها إلى بلد آخر إلا إذا وقعت به حاجة فيأخذها الإمام ويدفعها إلى المحتاجين، وذلك على سبيل النظر والاجتهاد كما يعبِّرون.
والحنابلة لا يجيزون نقلها إلى بلد يبعد مسافة القصر، بل تصرف في البلد الذى وجبت فيه وما يجاوره فيما دون مسافة القصر.
يقول ابن قدامة الحنبلى: إن خالف ونقلها أجزأته في قول أكثر أهل العلم، وإذا كان الشخص في بلد وماله في بلد آخر صرفت في بلد المال لامتداد نظر المستحقين إليه، ولو تفرق ماله فى عدة بلاد أدى زكاة كل مال في بلده. وهذا الحكم فى زكاة المال، أما فى زكاة الفطر فتوزع فى البلد الذى وجد فيه المزكى حين وجبت عليه، لأنها زكاة عن شخصه لا عن ماله.
ومن هنا أقول لصاحب السؤال: إذا وجد مستحق للزكاة فى البلد الذى يعيش فيه صرفت إليه على رأى جمهور الفقهاء، ولا يجوز نقلها إلى أقاربه المحتاجين، أما أبو حنيفة فيجيز النقل للمبررات المذكورة ومنها صلة الرحم، أو شدة الحاجة، ولا مانع من الأخذ برأيه، فهو ينظر إلى المصلحة الراجحة " المغنى لابن قدامة ج 2 - ص 531، 532، نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 161 "
(9/428)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:12 am

إشهار الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى بعض الأحاديث الأمر بإعلان الزواج وضرب الدفوف، فهل معنى ذلك أن الزوج لو لم يكن قادرا على الإعلان واكتفى بالعقد الشرعى الموثق والمشهود عليه لا يصح زواجه؟

الجواب
المطلوب فى عقد الزواج هو الأشهاد عليه بشاهدين عدلين، وذلك عند سماع الإيجاب والقبول من الزوج والزوجة أو من ينوب عنهما، وهذا الأشهاد كاف فى صحة العقد، واقتضت النظم العصرية أن يوثق ذلك رسميا حتى لا يكون هناك إنكار، وحتى تضمن حقوق الزوجين والأولاد، وبخاصة عند ضعف روح التدين وطهارة الذمم.
أما الإعلان والإشهار، بحضور عدد كبير أو بعمل وليمة أو حفل أو إعلان فى وسائل الإعلام فذلك سنة، ليشيع العلم بهذا الزواج بين كثير من الناس، ولا يشكوا فى علاقة الرجل بالمرأة ولا بالنسل المتولد منهما، والحديث الشريف يقول " أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدفوف واجعلوه فى المساجد " رواه الترمذى وحسنه، لكن ضعفه البيهقى، وهو وإن كان ضعيفا، فهو يدعو إلى الإشهار بالوسائل المتاحة.
ومنها الضرب بالدفوف واجتماع كثير من الناس فى مسجد أو نادٍ أو أى مكان آخر مع الحفاظ على كل الآداب.
ولم يشترط لصحة العقد الإشهار والإعلان إلا الإمام مالك، الذى قال: إن العقد بدون الشاهدين صحيح، فهما شرط لصحة الدخول فى أحد قولين له، والإعلان كاف عنهما، على أن يكون الإعلان وقت العقد ولا يجوز تأخيره وإن أجازه البعض.
يراجع تفصيل ذلك فى الجزء الأول من موسوعة: الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 341 "
(9/429)
________________________________________
قائمة الجهاز

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى تحرير ما يسمى بقائمة أثاث وأجهزة منزل الزوجية عند الزواج؟

الجواب
لا مانع من تحرير قائمة الأثاث عند الزواج ضمانا لحق الزوجة، والمؤمنون عند شروطهم، فقد يكون الأثاث هو مقدم المهر وهو ملك لها، وقد يكون من مالها أو مال أبيها أو غيره فهو ملك لها أيضا.
وأرجو ألا يكون هناك شطط أو مغالاة فى التقدير، وأن يكون الاتفاق على ذلك عند بدء الخطبة حتى تترك الفرصة للخاطب أن يفكر فى ذلك فلعله لا يوافق.
أما أن يكون الكلام عن القائمة عند العقد فغير لائق، فقد يفشل الموضوع وتكون التعليقات اللاذعة.
وهناك تقليد فى بعض الأرياف يأبى أن يأخذ ولى الزوجة قائمة بعفشها، مرددا هذا القول الجميل: أؤمنك على عرضى ولا أؤمنك على عفش؟ .
يعنى أن ولى الزوجة جعلها أمانة عند زوجها يرعاها ويصونها ويكرمها ولا يعمل ما يؤذيها ولا يؤذى أهلها ماديا أو أدبيا، وهذا شىء كبير وحمل ثقيل لا ينبغى أن ينظر بعده إلى متاع مهما كانت قيمته، فهو أمانة صغيرة جدا بالنسبة إلى الأمانة الكبيرة على الزوجة ماديا وأدبيا.
فهل تعود هذه القيم الرفيعة مرة ثانية؟ ذلك شىء يحتاج إلى تربية دينية صحيحة، وحفاظ على التقاليد الأصيلة المشروعة
(9/430)
________________________________________
الرضاع باللبن المجفف وبنك اللبن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل لبن الأمهات إذا جفف يحرم به ما يحرم بالرضاع من اللبن السائل؟

الجواب
ثبت التحريم بالرضاع فى القرآن والسنة، إذا كان فى مدة الحولين، مع الاختلاف بين الفقهاء فى عدد الرضعات التى يثبت بها التحريم.
واللبن إذا كان سائلا وأخذ من امرأة معلومة ورضعه طفل معلوم ثبت به التحريم أما إذا جهلت المرضع أو جهل الرضيع فلا يثبت التحريم، وكذلك الشك لا يؤثر فى ذلك، لأن الأصل عدمه.
وعليه إذا خلط لبن من نساء متعددات غير متعينات، ورضع منه طفل:
هل يثبت به التحريم أو لا؟ لقد أنشئ فى بعض البلاد ما يسمى ببنك اللبن كما أنشئ بنك الدم، وكان العلماء فى حكمه فريقين، الفريق الأول أخذ بالاحتياط والورع وقال: لا يجوز إرضاع الأطفال منه، لأنه قد يترتب عليه أن يتزوج الولد من أخته أو من صاحبة اللبن وهو لا يدرى، والفريق الثانى لم يجد سببا للمنع والحكم بالحرمة، لأنها لا تثبت إلا إذا عرفت الأم التى كان منها اللبن على اليقين، وعند الجهل لا تثبت الحرمة، وإن كان من الورع الابتعاد عنه.
هذا، وقد أفتى الشيخ أحمد هريدى مفتى مصر سنة 1963 م بأن التغذية بهذا اللبن المجموع فى " بنك اللبن " لا يثبت بها تحريم، وجاء فى هذه الفتوى ما نصه: إن اللبن المجفف بطريقة التبخير والذى صار مسحوقا جافا لا يعود سائلا بحيث يتيسر للأطفال تناوله إلا بعد خلطه بمقدار من الماء يكفى لإذابته، وهو مقدار يزيد على حجم اللبن ويغير من أوصافه ويعتبر غالبا عليه، وبالتطبيق على ما ذكرنا من الأحكام لا يثبت التحريم شرعا بتناوله فى هذه الحالة.
وقد انتهى إلى هذا الحكم بعد نقل كثير من أقوال الفقهاء فى مذهب الأحناف، تخريجا على قواعدهم وتوضيح ذلك فى الجز الأول من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 370 "
(9/431)
________________________________________
أمهات المؤمنين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا جعل الله زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فى قوله {وأزواجه أمهاتهم} ولم يجعل النبى أباهم فى قوله {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} ؟

الجواب
جعل الله سبحانه زوجات الرسول أمهات المؤمنين بقوله {وأزواجه أمهاتهم} الأحزاب: 6، ولا يقال لهن: أمهات المؤمنات كما روى البيهقى فى سننه عن عائشة رضى الله عنها، وذلك فى نطاق خاص وليس فى كل الأحوال، فيحرم التزوج منهن بقوله تعالى {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} الأحزاب: 53.
فالعلة هنا هى الزوجية للرسول وليست الأمومة، ولسن كالأمهات فى النظر إليهن والخلوة معهن ونقض الوضوء باللمس والتوارث وفى زواج بناتهن، فقد تزوج على فاطمة وعثمان من رقية ثم من أم كلثوم، وهن بنات السيدة خديجة أم المؤمنين.
والرسول صلى الله عليه وسلم ليس أبا لأحد من رجال المؤمنين، فقد مات أولاده الذكور منها قبل التكليف بأوامر الرسالة، والآية نصت على أنه ليس أبا من النسب لأى رجل من المؤمنين وإن كان أبا روحيا بالرسالة والتعليم كما جاء فى الحديث " إنما أنا لكم مثل الوالد لولده " رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان عن أبى هريرة، ورواه أبو يعلى عن عائشة، وفى سنده مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة.
وسبب نزول هذه الآية أن الإسلام أبطل التبنى، وكان الرسول متبنيا زيد بن حارثة من قبل، ولما بطل التبنى وتزوج مطلقته زينب بنت جحش أرجف الكفار وقالوا: محمد تزوج امرأة ابنه، فبيَّن الله أن محمدا ليس أبا من النسب لزيد ولا لأحد من رجال المؤمنين، ومن هنا يصح له أن يتزوج مطلقة من تبناه، فهو ليس ابنا له من النسب
(9/432)
________________________________________
الخروج من الصلاة لدعوة الوالدين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للإنسان أن يقطع صلاته إذا ناداه أبوه أو أمه لأمر هام، أو هل أرد عليه أثناء الصلاة بأننى أصلى؟

الجواب
لا يجوز عند جمهور الفقهاء قطع الصلاة المفروضة لإجابة أحد والدى المصلى، أما صلاة النافلة فيجوز قطعها لإجابة الأم، اعتمادا على حديث جريج العابد الذى نادته أمه فى الصلاةْ فلم يجبها فدعت عليه، والأب كذلك إذا نادى ولده وهو فى الصلاة، بل قال إمام الحرمين: يجيبهما حتى لو كان فى الفريضة ما دام فى الوقت متسع لها.
ولا يجوز الرد عليه أثناء الصلاة بقوله: أنا أصلى، وإلا بطلت صلاته.
والدليل عليه حديث مسلم " إن هذه الصلاة لا يصح فيها شىء من كلام الناس، إنما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ".
الموضوع (6) قضية الذكر والأنثى.
المفتى: فضيلة الشيخ عطية صقر.
مايو 1997 المبدأ: القرآن والسنة.
سئل:
هل يمكن التحكم فى جنس المولود وهل تمكن معرفته قبل ولادته؟ .
أجاب:
قضية الذكورة والأنوثة فى المولود شغلت العالم من قديم الزمان، وحكيت فيها أمور هى أقرب إلى الخيال، ولكن شُغِلَ بها العلماء حديثا، فأصدر العالم " بروك كوبو " فى القرن الثانى عشر كتابين، أحدهما يحلل فن إنجاب الذكور، والثانى يبين كيف تنجب الإناث، وحول هذا الموضوع انعقد فى مدريد خلال شهر إبريل سنة 1976 المؤتمر الطبى الأوربى السادس، وكان الاتجاه إلى أن الرجل هو المسئول بطبيعته عن إنجاب الذكور والإناث، لأنه هو الذى يملك الحيوان المنوى الذى ينقسم إلى نوعين أطلق عليهما العلماء اسم " الكروموسوم س والكروموسوم ص " ورمز إليهن بالحرفين و (x، y) وأما الأنثى فلا تملك فى البويضة سوى ص "X " فإذا تقابل س مع ص، تكون هناك فرصة لإنجاب الذكور. وقد حدد الأطباء نسبة قليلة جدا من الرجال لا تتعدى 9 % لا تملك سوى س فقط أو ص فقط. وهذه النسبة هى التى تنتج نوعا واحدا.
وبناء على ذلك قام العلماء بتطبيقات للفصل بين خلايا الذكورة والأنوثة، ولهم فى ذلك عدة طرق، بعضها يقوم على التغذية كما فعل الدكتور " جوزيف ستولكو ويسكى " أستاذ الفيزيولوجيا بكلية العلوم بباريس، والدكتور " لورين " بمستشفى القلب المقدس فى مونتريال بكندا (روز اليوسف 26/11/1979، الأهرام 4/4/1976) وبعضها يقوم على عامل الزمن كما جاء فى كتاب العالم النمسوى " د.
أوجسمت بوروسينى " (أهرام 7/7/972 1، مجلة النهضة بالكويت 21/8/1976) وبعضها يقوم على فصل الخلايا، إما بالدش المهبلى أو التيار الكهربائى أو باستعمال أقراص تؤدى هذا الغرض (أهرام 7/7/ 1972 مجلة الرائد الكويتية 15/8/1974) . وعلمنا من هذه المحاولات للتحكم فى نوع الجنين أن نسبة النجاح فيها كانت حوالى 80 % وأن للعوامل النفسية والعقلية دخلا كبيرا فى صلتها بالأجهزة التى تفرز مادة الجنس، وللظروف المحلية فى الزوجين وغيرهما كذلك دخل كبير فى تكوين الجنين وتحديد نوعه، بل فى أصل الحمل.
وهذا يدل على أن جهود العلماء فى هذا المجال ليست صحيحة 100 % مما يؤكد أن قدرة الله هى المؤثر الأول والمتحكم بثقة فى نوعية الجنين، لأنه هو المالك لكل هذه العوامل، والأسباب، مصداقا لقوله تعالى {للَّه ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} الشورى: 49، 50، وعلى الرغم من تقرير الإِسلام لذلك فإن هناك تطلعات بين المسلمين تحاول معها أن يرزقهم الله نوعا من المواليد، وهو الذكور غالبا، وأكثر هذه المحاولات أدعية وأذكار فى أوقات معينة، مما يدل على أن الأمر كله بيد الله سبحانه، ونحن لا نشك فى أن الدعاء من وسائل تحقيق الرغبات إذا تمت شروطه المعروفة، ولكن بعض الأدعية الخاصة بإنجاب الذكور موضوعة لا أصل لها من قرآن أو حديث، ومنها ما هو موجود فى الكتب الطبية أو كتب الخواص ونحوها، مثل ما جاء فى كتاب "مفيد العلوم ومبيد الهموم للخوارزمى ص 85 " أن من أراد الولد فليقرأ عند الجماع {قل هو الله أحد. . .} ثم يقول: اللهم ارزقنى من هذا الجماع ولدا أسميه محمد أو أحمد، يرزقه الله الولد، وقد جرب ذلك كثيرون فرزقهم الله أولادا.
انتهى.
هذا، وقد ورد فى صحيح مسلم عن ثوبان أن يهوديا جاء يسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الولد، فقال له " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فَعَلاَ مَنى الرجل مَنِىَّ المرأة أذْكَرا بإذن الله، وإذا عَلا منى المرأة منى الرجل أنْثَى بإذن الله " فقال اليهودى: صدقت وإنك نبى.
وقد بيَّن ابن القيم فى كتابه " أقسام القرآن " ص 205 - 215 كيفية تخلق الجنين من ماء الرجل والمرأة، واستشكل فى كتابه "تحفة الودود" الإذكار والإِيناث لمن علا ماؤه، لأن ذلك ليس له سبب طبيعى، بل هو مستند إلى مشيئة الله. ولهذا قال فى الحديث الصحيح فيقول الملك:
يا رب ذكر؟ يا رب أنثى. .؟ ويقول: وأما حديث ثوبان فانفرد به مسلَّم. وهو صحيح، لكن فى القلب من ذِكْرِ الإيناث والاذكار فيه شىء، هل حفظت هذه اللفظة أو هى غير محفوظة، والمذكور إنما هو الشبه كما ذكر فى سائر الأحاديث المتفق عليها "ثلاثيات أحمد ج 2 ص 73، 4 7 ". انتهى.
وأقول: على ضوء ما ذكر من احتواء نطفة الرجل على عناصر التذكير والتأنيث، واقتصار بويضة الأنثى على عنصر التأنيث بأَلاَ يمكن أن يفسَّر عُلُوُّ ماء أحدهما على الآخر بِسَبْقِ حامل، عنصر التذكير فى النطفة إلى تلقيح البويضة، فيمكن أن يكون المولود ذكرا، وبغَلَبَة عنصر الأنوثة فى المرأة إذا لقحت بويضتها بعنصر الأنوثة فى منى الرجل؟ وعلى كل حال فإن الحديث لم ينس أن يذكر مع ذلك كلمة " بإذن الله " للدلالة على أن المتحكم الحقيقى هو الله سبحانه.
هذا، وأما معرفة نوع الجنين قبل ولادته فقد بذلت لها محاولات كثيرة قديمة وحديثة لا مجال لذكرها، ولكن كل المحاولات ظنية وليست يقينية، ولئن عرف نوع الجنين فلا يعرف كل ما كتب له من عمر ورزق وشقاء أو سعادة كما صح فى حديث البخارى ومسلم، والمعرفة الظنية أو الناقصة غير الشاملة لا تتعارض مع علم الله اليقينى والشامل لكل أحوال الجنين، كما يدل عليه قوله تعالى {هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء} آل عمران: 6، وقوله {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار} الرعد: 8.
ويذكرنى ما قاله العلماء من أن الرجل عليه الدور الأكبر فى تحديد نوع الجنين بما يحمل من الكروموسومات، ما جاء فى أشعار العرب مشيرا إلى ذلك، بصرف النظر عن مصدر علمهم به، فقد جاء فى العقد الفريد لابن عبد ربه "ج 2 ص 87" أن أبا حمزة الضَبىّ تزوج امرأة يبتغى من ورائها ولدا تلده، فولدت له إناثا فى عدة مرات، فهجر فراشها،، ثم سمعها مرة تقول وهى ترقص بنتها وكان يأوى إلى بيت جيرانها:
ما لأبى حمزة لا يأتينا * يظل فى البيت الذى يلينا غضبان ألا نلد البنينا * تالله ما ذلك فى أيدينا فنحن كالأرض لزارعينا * تُنْبِتُ ما قدر زرعوه فينا فأحس أن امرأته لا ذنب لها فى ذلك فرضى عنها
(9/433)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:12 am

الزواج بين الإنس والجن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يمكن أن يحدث زواج بين الإنس والجن؟

الجواب
الكلام فى هذا الموضوع فى مقامين، الأول إمكان حدوثه والثانى مشروعيته. وقد فصل هذين المقامين المحدث الشبلى الحنفى المتوفى سنة 769 هـ فى كتابه " آكام المرجان " كما تحدث عن ذلك الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى ".
أولا - إمكان التزاوج بين الإنس والجن، قد أثبته الجمهور مستدلين بقوله تعالى لإبليس {وشاركهم فى الأموال والأولاد} الإسراء: 64، ويوضح هذه المشاركة ما ذكره ابن جرير فى " تهذيب الآثار " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا جامع الرجل امرأته ولم يسم انطوى الشيطان إلى إحليله فيجامع معه ".
ويقول الشبلى: إن المنكرين لإمكان المناكحة اعترضوا بأن الجن خلقوا من نار، والإنس من العناصر الأربعة. وهذا يمنع وجود النطفة الإنسانية فى رحم الجنية - ثم يرد عليهم بأن الجن وإن كانوا خلقوا من نار إلا أنهم لم يبقوا على عنصريتهم النارية، بل استحالوا عنها بالأكل والشرب والتوالد، كما استحال بنو آدم من عنصرهم الترابى بذلك.
ويقول أيضا: إن الذى خلق من نار هو أبو الجن، كما خلق آدم أبو الإنس من تراب وأما ذرية كل منهما فليست مخلوقة مما خلق منه أبوهما، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأنه وجد برد لسان الشيطان الذى عرض له فى صلاته على يده لما خنقه. وفى رواية قال النبى صلى الله عليه وسلم " فما زلت أخنقه حتى برد لعابه " فبرد لسان الشيطان ولعابه دليل على أنه انتقل عن العنصر النارى.
ثم يقول الشبلى أيضا فى رده على المنكرين: لو سلمنا عدم إمكان العلوق -أى وجود نطفة الإنس فى رحم الجنية - فلا يلزم منه عدم إمكان الوطء فى نفس الأمر، كذلك لا يلزم من عدم إمكان العلوق عدم جواز النكاح شرعا، لان الصغيرة والآيسة والعقيم اللاتى لا يمكن العلوق معهن يجوز نكاحهن شرعا.
هذه هى أدلته النظرية، ويورد أدلة واقعية فينقل أخبارا عمن يثق بهم، أن هذه المناكحات حدثت بالفعل.
ثانيا - أما مشروعية النكاح بين الجنسين فيذكر الشبلى عنها أن للعلماء فى ذلك رأيين:
الأول: المنع، ونص عليه جماعة من أئمة الحنابلة. وينقل عن الفتاوى السراجية النهى عنه، واستدلوا بقوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} النحل: 72، وقوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم: 21، موجهين استدلالهم باختلاف الجنسين، وتفسير المودة بالجماع، والرحمة بالولد. كما يستدلون بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
والرأى الثانى الجواز، ونقل عن الحسن البصرى وقتادة وغيرهما.
وشهد الأعمش نكاحا للجن بجهة " كوثى " كما ذكره أبو بكر الخرائطى، وسيأتى ما نسب إلى مالك فى ذلك. وحجة هؤلاء فى عدم المنع أن الأصل فى التكليف أنه يعم الفريقين الإنس والجن، وليس هناك ما يخصص هذا التعميم بالنسبة للمناكحة بينهما كما قالوا: إن فى أدلة المانعين نظرا، لأن الآيتين المذكورتين لا تنصان على التحريم. فاختلاف الجنس لا نص على منعه من النكاح، والمودة والرحمة لا يتعين تفسيرهما بالجماع والولد. وحديث النهى عنه مردود بأنه مرسل ومن طريق ابن لهيعة، وهو مطعون فيه، وإن صح فيجوز حمله على الكراهه لا التحريم.
وأصحاب الرأى القائل بالجواز يكرهون هذا النكاح، لأنه لا يحدث به تمام المودة والرحمة، لاختلاف الجنس، ولعدم الاطمئنان على حل المشكلات التى تحدث بين الزوجين، من لعان وإيلاء وطلاق وتحصيل نفقة، وما إلى ذلك من الأمور التى ذكرها الفقهاء فى هذا الصدد.
كما أن الإمام مالكا أورد وجهة نظر فى الكراهة لها قيمتها، فقد قيل له: إن ها هنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال، فقال: ما أرى بذلك بأسا فى الدين، ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها: من زوجك؟ قالت: من الجن، فيكثر الفساد فى الإسلام بذلك، يريد أن الزانية قد تبرر حملها بزواجها من جنى وقد أورد ذلك أبو عثمان سعيد بن العباس الرازى فى كتاب " الإلهام والوسوسة" فى باب نكاح الجن.
وهذا فى تزوج الجنى من الإنسية، أما العكس فظاهر كلامه عدم الكراهة انتهى.
بعد هذا أرى أن الأصل فى نكاح الجن هو الحل، لعدم ورود ما يمنعه، ولكنه مكروه طبعا. . وفى الإنس متسع لمن يريد المودة والرحمة واستقرار الحياة الزوجية وخدمة المجتمع البشرى " انظر الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/434)
________________________________________
الدخول بالمرأة والخلوة بها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لو عقد شخص على امرأة ثم قبَّلها أو سافر بها فى مكان بعيد عن أهلها ولم يتصل بها جنسيا ثم طلقها، هل يعتبر طلاقا قبل الدخول أو بعده؟

الجواب
الدخول الحقيقى الذى تترتب عليه أحكامه يحصل باللقاء الجنسى المعروف، وذلك عند جمهور الفقهاء، فالتقبيل أو الخلوة الخالية من ذلك لا تترتب عليه أحكام الدخول، لكن الإمام أبا حنيفة جعل للخلوة أحكاما تشترك فيها مع الدخول، واشترط أن تكون الخلوة صحيحة، وتكون صحيحة إذا كان الزوج مع الزوجة فى مكان يأمنان فيه من دخول أحد عليهما أو إطلاعه على سرهما، وألا يكون هناك ما يمنع من الاختلاط، مستدلا بما رواه الدارقطنى " من كشف خمار امرأته ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل " وبما روى عن زرارة بن أبى أوفى أنه قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى عليها الستور وأغلق الباب فلها الصداق كاملا وعليها العدة، دخل بها أم لم يدخل. وحكى الطحاوى من أئمة الحنفية أن على هذا إجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم.
فإذا لم تكن الخلوة صحيحة فلا تكون فى الحكم كالدخول. كأن كانا فى مكان لا يأمنان فيه من دخول أحد أو إطلاعه عليهما، أو كان معهما شخص ثالث يعقل، أو كان هناك مانع من الاختلاط.
والمانع إما حسى كالمرض أو صغر السن، أو كانت الزوجة بها مانع خلقى لا يمكن معه الاختلاط، وإما مانع شرعى كالحيضى أو صيام رمضان أو إحرام بالحج أو العمرة.
والخلوة الصحيحة تشارك الدخول الحقيقى عند الأحناف فى أحكام وتخالفه فى أحكام، فالمشاركة فى خمسة:
ا -تأكد المهر كله للزوجة.
2-وجوب العدة عليها إذا وقعت فرقة بعد الخلوة بها.
3- وجوب نفقة العدة على المطلق.
4 -ثبوت نسب الولد منه.
5 - حرمة التزوج بامرأة أخرى محرم لها كالأخت وتزوج خامسة وذلك فى أثناء العدة.
6 -وقوع الطلاق عليها ما دامت فى العدة.
والمخالفة فى سبعة:
ا - لا يثبت بها إحصان فلا ترجم إن زنت.
2 - حرمة الربيبة فإن الشرط الدخول بأمها دخولا حقيقيا.
3- حل المطلقة ثلاثا لا يكون إلا بالدخول.
4 - الرجعة فلا تحصل عنده إلا بالاتصال الجنسى.
5 -إرجاعها بدون عقد فلا يجوز إلا بعد الدخول الحقيقى.
6 -الميراث فلا يرث أحدهما الآخر قبل الدخول الحقيقى لو طلقها ومات فى العدة.
7 - لا تعامل معاملة الثيب لو طلقها قبل الدخول الحقيقى وأرادت أن تتزوج. بل تعامل كالبكر. [ملخص من كلام الشيخ عبد الرحمن تاج فى كتابه " أحكام الأحوال الشخصية ص 131 - 1136] .
ثم تحدث عن المذاهب بخصوص المهر، فقال: إن الخلوة الصحيحة توجب المهر كله عند الحنفية والحنابلة، ولا توجبه عند الشافعية، وأما المالكية فقالوا: إن اختلى بها مدة طويلة كسنة مع عدم الموانع من المخالطة، كانت الخلوة كالدخول فى تأكد المهر كله حتى لو اعترف الطرفان بعدم المخالطة. ويراجع الكتاب لاستكمال رأى المالكية انظر تفسير القرطبى فى سورة النساء "وقد أفضى بعضكم إلى بعض "ج 3 ص هـ. 2، ج هـ ص 102
(9/435)
________________________________________
نقل الدم والمصاهرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مرض ابن عمى واحتاج إلى نقل دم، فأعطيته من دمى، فهل يحرم عليه أن يتزوجنى؟

الجواب
تحريم الزواج يكون بسبب النسب أو الرضاعة أو المصاهرة، فبعد أن ذكرت الآية: 22 تحريم زوجة الأب، وذكرت الآية: 23 تحريم الأمهات وغيرها، وذكرت الآية: 24 تحريم المتزوجات، وكل ذلك من سورة النساء، جاء فى الآية الأخيرة قوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم} وفى الحديث النهى عن الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها.
فليس من أسباب التحريم نقل الدم، ولا يجوز أن نقيسه على الرضاع، لأنه قياس مع الفارق، فالدم بذاته ليس مغذيا وإنما هو ناقل للغذاء، واللبن فى أصله غذاء.
وحتى لو فرض أن الدم مثل اللبن فيشترط أن يكون نقل الدم فى سن الحولين، أى فى الصغر.
أما النقل بين من هم أكبر من سنتين فلا يضر أبدا، كالرضاع بعد الحولين، كما يعتبر عدد مرات نقل الدم، فلا بد أن تكون خمس مرات معلومات كما ذهب إليه الإمام الشافعى فى الرضاع.
والخلاصة أن نقل الدم لا يحرِّم المصاهرة
(9/436)
________________________________________
طلاق المريض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تزوج رجل بعد وفاة زوجته، وكره أولاده ذلك حتى لا تقاسمهم فى ميراثه، فطلقها فى مرضه الذى مات فيه، فهل ترث منه أو لا؟

الجواب
مرض الموت هو المرض الذى يغلب على الظن موت صاحبه به ويلازمه حتى الموت، وقد يكون ذلك بتقرير الطبيب، أو بشعور المريض بأنه لم يعد يستطيع أن يزاول أعماله الخفيفة خارج البيت كالذهاب إلى المسجد أو إلى الأماكن التى يقضى منها بعض حاجاته.
فإذا طلق الرجل فيه زوجته طلاقا رجعيا ولو كان برضاها ثم مات قبل انقضاء عدتها فإنها ترث منه، كما لو طلقها حال صحته.
أما إذا طلقها طلاقا بائنا يقصد به حرمانها من الميراث، وكان الطلاق بعد الدخول وبغير رضاها وكانت أهلا لأن ترثه لو مات حينئذ، واستمرت على ذلك إلى أن مات قبل انقضاء عدتها منه فإنها ترثه، معاملة له بنقيض مقصوده وتستحق نصيبها فى التركة. مع نفاذ الطلاق واعتباره بائنا على كل حال. لكن إذا ماتت المرأة قبل الرجل فإنه لا يرثها ولو كان موتها قبل انتهاء العدة.
ومن هذا يعلم أن الطلاق البائن فى حال الصحة أو فى حال المرض الذى لا يغلب على الظن الهلاك به لا يكون طلاق فرار فلا ترث منه، وكذلك إذا كان الطلاق قبل الدخول بها لأنها صارت أجنبية من كل الوجوه حيث لا عدة عليها، وثبوت الحق فى الميراث إذا حصل الموت قبل انتهاء العدة، وإذا أبانها فى مرض الموت برضاها فلا ميراث لها.
ولو كانت عند الإبانة غير أهل لاستحقاق الميراث كأن كانت كتابية فلا ترث، وذلك لاختلاف الدين، وكذلك لو مات بعد انقضاء عدتها فلا ترث.
ومذهب الإمام أحمد أن المطلقة للفرار من الإرث ترث من مطلقها حتى لو مات بعد انقضاء عدتها ما لم تتزوج بزوج آخر، ومذهب مالك أنها ترثه حتى بعد زواجها بغيره ولو كان هذا الغير عاشر الأزواج بعده.
هذا، ومثل مرض الموت كل حالة يغلب على الظن فيها الهلاك، مثل المبارزة بالسيوف كالتى كانت تحصل فى القتال قبل اشتباك الجيوس، وانكسار سفينة فى عرض البحر وغرقها وتمسكه بأحد أجزائها، أو كان غرقها متوقعا لشدة العواصف والأمواج، وكذلك الحكم النهائى بالإعدام، والوجود فى بلد فيه وباء أصاب أهل داره والدور المجاورة " انظر كتاب أحكام الأحوال الشخصية ص 283 وما بعدها " للشيخ عبد الرحمن تاج، وكتاب " أحكام الأسرة فى الإسلام " للشيخ محمد مصطفى شلبى ص 535 وما بعدها
(9/437)
________________________________________
طلاق الغضبان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يقع طلاق الغضبان؟

الجواب
روى أبو داود والحاكم وصححه على شرط مسلم أن النبى @ قال " لاطلاق ولا عتاق فى إغلاق " وفسر أحمد بن حنبل الإغلاق بالغضب، وفسره غيره بالإكراه، وفسر بالجنون أيضا. وقيل: هو نهى عن إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة، فيغلق عليه الطلاق حتى لا يبقى منه شىء.
وجلعوا الغضب ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يزيل العقل، فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
الثانى: ما يكون فى مبادئه، بحيث لا يمنع صاحبه عن تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه بلا نزاع. والثالث أن يستحكم ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته، بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع فى هذه الحالة قوى متجه.
وأنصح من يستفتون أن يصدقوا فى تصوير حالة غضبهم، فكثير منهم يدعى زوال عقله، وليس للمسئول إلا ما يسمعه منه، فعلى السائل أن يتقى الله سبحانه.
" الفتاوى الإسلامية مجلد 6 ص 029 2 ومجلد 9 ص 3155"
(9/438)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:13 am

طاعة الوالدين فى الزواج والطلاق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى بعض الأحوال يضغط الأب أو الأم على الابن أن يتزوج امرأة معينة، أو أن يطلق زوجته، ويهددانه بالغضب عليه إن لم يفعل، أو بالحرمان من الميراث مثلا، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
مخالفة الوالدين فى اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأى دينى فى الزوج أو الزوجة يحذران منه. أما إذا كان رأى الوالدين ليس دينيا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر - والزواج فيه تكافؤ وصلاح - فلا حرمة فى مخالفة الوالدين.
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين، رجاء تحقق الاستقرار فى الأسرة الجديدة، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعى من الزواج الذى ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة، وإنما هو علاقة أيضا بين أسرتين، وفيه دعم للروابط الاجتماعية.
ويقاس هذا على إرغام الوالدين لولدهما على طلاق زوجته التى يحبها ويستريح لها، فقد روى الترمذى وصححه أن: عمر رضى الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فأبى، فشكاه للرسول صلى الله عليه وسلم فأمر بطلاقها، لكن سئل أحمد بن حنبل بعد ذلك فى مثل هذه الحالة فقال للسائل:
لا تطلق زوجتك، فذكر له حادث عمر، فقال أحمد: إذا كان أبوك مثل عمر فطلقها. والمعنى أن عمر كانت له نظرة دينية فى زوجة ابنه، لكن غير عمر ليست له هذه النظرة، فهى غالبا نظرة شخصية ولتحقيق غرض معين يكون من ورائه هدم أسرة يستريح لها الابن خلقا ودينا.
صح أن إبراهيم عليه السلام أمر ولده إسماعيل أن يطلق زوجته الأولى، مُكنِّيًا عن ذلك بتغيير عتبة الباب، كما رواه البخارى، وذلك لأنه وجدها تتأفف من عشرته فقد تكون فتنة لزوجها، وقال الإمام الغزالى فى " الإحياء ج 2 ص 51 " بعد ذكر حديث ابن عمر: فهذا يدل علي أن حق الوالد مقدم، ولكن والد يكرهها لا لغرض، مثل عمر.
وعلى هذا يحمل ما ورد من أمر أبى بكر الصديق ولده عبد الله أن يطلق زوجته عاتكة، وما أخرجه أحمد عن معاذ بن جبل، أوصانى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، وذكر منها " ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك " وما جاء فى صحيح ابن حبان أن رجلا سأل أبا الدرداء فقال له، إن أبى لم يزل بى حتى زوجنى، وإنه الآن يأمرنى بطلاقها. قال: ما أنا بالذى آمرك أن تعق والديك، ولا بالذى آمرك أن تطلق امرأتك، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الوالد أوسط أبواب الجنة، فحافظ على ذلك إن شئت أو دع " قال فأحسب أن عطاء - وهو الراوى - قال فطلقها.
هذا، وقد رأى جماعة أن الطاعة فى تطليق الزوجة تكون للأب لا للأم، قال ابن تيمية فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها، وليس تطليق امرأته من برها " غذاء الألباب ج 1 ص 332 " وجاء فى هذا الكتاب أن ابن تيمية علل عدم طاعة الوالدين فى زواج امرأة معينة: إذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر طبعه عنه، مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح بذلك أولى، فإن أكل المكروه ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذى صاحبه ولا يمكن فراقه " ص 334 " راجع الجزء الخامس من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/439)
________________________________________
الطلاق المعلق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل قال لزوجته: إن خرجت من البيت فأنت طالق فهل يقع الطلاق لو خرجت؟

الجواب
الطلاق المعلق هو الذى يقصد به إثبات شىء أو نفيه، أو الحث على فعل شىء أو تركه. وفيه أقوال خمسة ذكرها ابن القيبم فى كتابه " إغاثة اللهفان " ص 5 6 2 - 67 2 وملخصها هو: - 1 -أنه لا ينعقد، ولا يجب فيه شىء. وعليه أكثر أهل الظاهر، لأن الطلاق عندهم لا يقبل التعليق كالنكاح، وعليه من أصحاب الشافعى أبو عبد الرحمن.
2-أنه لغو وليس بشىء وصح ذلك عن طاووس وعكرمة.
3- لا يقع الطلاق المحلوف به ويلزمه كفارة يمين إذا حنث فيه.
وبه قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما.
4 -الفرق بين أن يحلف على فعل امرأته أو على فعل نفسه أو على فعل غير الزوجة، فيقول لامرأته: إن خرجت من الدار فأنت طالق، فلا يقع عليه الطلاق بفعلها ذلك، وإن حلف على نفسه أو على غير امرأته وحنث لزمه الطلاق، وبه قال أشهب من المالكية.
5 -الفرق بين الحلف بصيغة الشرط والجزاء وبين الحلف بصيغة الالتزام، فالأول كقوله: إن فعلت كذا فأنت طالق. والثانى كقوله: الطلاق يلزمنى أو على الطلاق إن فعلت، فلا يلزمه الطلاق فى هذا القسم إن حنث دون الأول. وهذا أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب الشافعى والمنقول عن أبى حنيفة وقدماء أصحابه. والعمل الآن فى المحاكم المصرية حسب القانون رقم 25 لسنة 1929 م كما تنص عليه المادة الثانية منه، على أن الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه لا غير - لا يقع، وجاء فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون: أن الطلاق ينقسم إلى منجز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فورا، وإلى مضاف كأنت طالق غدا، وإلى يمين نحو: على الطلاق لا أفعل كذا، وإلى معلق كإن فعلت كذا فأنت طالق. والمعلق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل شىء أو تركه -وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه - كان فى معنى اليمين بالطلاق، واليمين فى الطلاق وما فى معناه لاغ.
ويمكن الرجوع إلى الجزء السادس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 343 لمعرفة أدلة الآراء المختلفة فى هذا الموضوع. ومن المتحمسين لوقوع الطلاق المعلق الإمام تقى الدين السبكى المتوفى سنة 756 هـ فى رسالته " النظر المحقق فى الحلف بالطلاق المعلق " يرد بها على ابن تيمية، وقد فرغ منها قبل وفاة ابن تيمية بسنوات، ويراجع كتاب " أحكام الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية " ص 291 للشيخ عبد الرحمن تاج -والفتوى على الرأى الذى يطبق فى المحاكم المصرية، لأن ولى الأمر اختاره، ومعلوم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وينبغى الالتزام به فى الفتوى منعا للبلبلة
(9/440)
________________________________________
تحريم الزوج لزوجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لو قال الزوج لزوجته: أنت محرمة علَّى إلى يوم القيامة، فهل يكون طلاقا؟

الجواب
رأى العلماء فى تحريم الزوج زوجته على نفسه عدة آراء بلغت عشرين، ولكن أصول هذه الآراء هى: أنه لغو لا شىء فيه، أو طلاق، أو ظهار، أو يمين كالحلف بالله، أو لفظ صالح لكل ما ذكر، وبحسب النية، أو التحريم فقط، أو الوقف.
وفى القول بأنه طلاق مذاهب، فقيل يقع به طلقة واحدة رجعية، وقيل طلقة واحدة بائنة، وقيل ثلاث طلقات فى المدخول بها، وقيل كناية عن الطلاق وليس صريحا فإن نواه فهو طلاق، وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى كتاب " زاد المعاد" لابن القيم
(9/441)
________________________________________
نكاح الحامل بغير طريق شرعى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
امرأة حملت بغير طريق شرعى هل يصح زواجها من أجل الستر عليها؟

الجواب
روى مسلم " ج 10 ص 14 " عن أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بامرأة مُجِح - أى حامل قربت ولادتها - على باب فُسطاط فقال " لعله يريد أن يُلمَّ بها " أى يتزوجها، فقالوا: نعم، فقال رسوله الله صلى الله عليه وسلم "هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له، كيف يستخدمه وهو لا يحل له "؟ .
وروى الترمذى، وحسنه، وغيره من حديث، رويفع بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره " أى لا يتزوج امرأة حاملا حتى تضع حملها وتنتهى عدتها من زوجها السابق.
قال العلماء فى نكاح الحامل: لو كان الحمل من زنا ففى صحة العقد قولان: أحدهما بطلانه، وهو مذهب أحمد ومالك وجمهور العلماء، والقول الثانى صحته، وهو مذهب الشافعى وأبى حنيفة، ولكن لا يدخل بها إلا بعد وضع الحمل، لحديث النهى عن سقى زرع غيره.
جاء فى السنن عن سعيد بن المسيب عن بصرة بن أكثم قال: تزوجت امرأة بكرا فى كسرها فدخلت عليها فإذا هى حبلى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد لك، وإذا ولدت فاجلدوها " وفرق بينهما " زاد المعاد ج 4 ص 4 ".
وحكمه بعبودية الولد قيل منسوخ، وقيل خاص بالنبى وبهذا الولد، وقيل ليس المراد الرق وهو ضد الحرية ولكن المراد أن يكون خادما.
هذا، وقد يحصل أن يزنى رجل بامرأة فتحمل منه ثم يتزوجها إما سترا عليها وتوبة إلى الله، وإما لغرض آخر، وهنا يصح العقد عليها على رأى الشافعى وأبى حنيفة ويجوز له وطؤها، لأن الحمل منه وليس فيه سقى زرع غيره بمائه، أما من تزوج بمن زنى بها غيره وكانت حاملا فقد سبق حكمه.
والزواج من الزانية فيه خلاف للعلماء، فقد حرمه بعضهم إذا كانت مشتهرة بالزنى، وأجازه البعض إذا علم توبتها كما رآه ابن القيم فى بدائع الفوائد " ج 4 ص 103 "
(9/442)
________________________________________
وضع المرأة بعد وفاة زوجها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الأفضل للمرأة أن تتزوج بعد موت زوجها أو تمتنع عن الزواج وفاء لزوجها أو لرعاية الأيتام؟

الجواب
المرأة إذا مات زوجها يقال لها أرملة ما دامت لم تتزوج بعد، والترمل فترة شديدة على المرأة، بل وعلى أهلها، فى قد فقدت زوجها الذى كان يعولها ويساعدها على الإحساس ببهجة الحياة، وقد تستمر على هذه الحال فلا يرغب أحد فى زواجها وبخاصة إذا كانت لها أطفال من الزوج الأول، وكذلك أهلها يحسون بالألم لمصيرها حيث لم تكتمل سعادتها فى المدة التى قدر لها أن تعيشها.
ولهذا الوضع المؤلم للأرملة مظاهر متعددة تختلف باختلاف الشعوب، ذكر الرحلة محمد ثابت فى كتبه شيئا كثيرا منها ما رآها بنفسه أو نقلها عن كتب الرحلات التى سبقت.
ففى بعض قبائل الهند كانت الزوجة أو الزوجات يحرقن أنفسهن مع الزوج حتى لا تصيبهن لعنة الترمل، كما يقضى بذلك الدين البرهمى، ويوجد أيضا فى شعوب (الأنكا) فى (بيرو) وفى جزر فيجى وبعض جهات الصين يمارس ذلك بخفية، على الرغم من تحريم القوانين له.
ومن لم تدفن نفسا مع زوجها تظل بائسة منبوذة أو تحاول الابتعاد عن الناس لأنها نذير شؤم فتلجأ إلى المعابد والرهبنة وهناك يحلق شعرها وتغطف بالسواد وتخدم رواد المعابد حتى تموت، ويطلق عليها الآن فى بعض البلاد (الغولة) ، والهندوس يعدون ترمل المرأة كفارة لما ارتكبته فلا يحل لها الزواج ثانيا، وقد حارب غاندى ذلك وبخاصة فى الأرامل الصغار، لأن الزواج عندهم مبكر جدا.
إن الإسلام لا يفرض على الأرملة إلا الاحتداد بالابتعاد عن الزينة وبعدم الزواج فترة محدودة تسمى بالعدة التى تنتهى بوضع الحمل أو انقصاء أربعة أشهر وعشرة أيام لغير الحامل. وبعد هذه الفترة تحل لها كل أنواع الزينة فى الحدود المشروعة كما يحل لها أن تتزوج.
غير أن بعض الزوجات لا ترغب فى الزواج ثانيا وذلك لبعض العوامل التى منها:
1 - امتداد النظرة القديمة التى كانت عند عرب الجاهلية فى معايرة الولد بزواج أمه بعد وفاة أبيه، حيث كان يعيش من المهر الذى دفعه له زوج أمه، ويأنف أن يرى رجلا أجنبيا ينام مكان والده.
2 - وجود أيتام صغار تعكف على تربيتهم خشية أن يضيعوا إن تزوجت.
3-شدة حبها لزوجها الأول فلا ترضى بغيره بديلا.
4 -وجود عهد بينها وبين زوجها ألا تتزوج بعده.
ومن الأمثلة لذلك: الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين ابن على رضى الله عنهما، التى قالت: ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبو الشهداء الحسين بن على للعقاد ص 54) ونائلة بنت الفرافصة بن الأحوص زوجة عثمان بن عفان رضى الله عنه، خطبها معاوية بن أبى سفيان فأبت، وقيل: إنها قالت بعد مقتل عثمان: إنى رأيت الحب يبلى كما يبلى الثوب، وقد خشيت أن يبلى حزن عثمان من قلبى، فكسرت بعض أسنانها بحجر وقالت: والله لا قعد أحد منى مقعد عثمان أبدا (العقد الفريد لابن عبد ربه الطبعة الأولى ج 3 ص 194) وأم هانى بنت أبى طالب خطبها النبى صلى الله عليه وسلم فاعتذرت له بأن لها أيتاما إن قامت بحق النبى عليها خافت أن يضيعوا وإن قامت بحقهم خافت التقصير فى حق النبى عليها (مسلم بشرح النووى ج 16 ص 80، العقد الفريد ج 3 ص 194) وامرأة هُدْبة بن الخشرم الذى قال لها:
فلا تنكحى إن فرق الدهر بيننا * أغَمَّ القفا والوجه ليس بأنزعا فلما قدم للقتل فى ثأر غابت عن الناس وجدعت أنفها وشقت شفتيها ثم قالت له: أترانى متزوجة بعدما ترى؟ (محاضرات الأدباء ج 2 ص 98 والمستطرف ج 1 ص 165) وهجيمة بنت حى الأوصابية أم الدرداء الصغرى، خطبها معاوية بن أبى سفيان فأبت وقالت:
سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرأة لآخر أزواجها" ولست أريد بأبى الدرداء بديلا. وهو حديث صحيح، رواه الطبرانى وأبو يعلى، ولفظه " أيما امرأة توفى عنها زوجا فتزوجت فهى لآخر أزواجها " (المطالب العالية ج 2 ص 67 والجامع الصغير) والأمثلة كثيرة.
الحكم: من المعلوم أن الله سبحانه حرم على المسلمين أن يتزوجوا من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، إن ذلكم كان عند الله عظيما} الأحزاب: 53، فهن زوجاته فى الدنيا والآخرة، وفى إيذائهن إيذاء له صلى االله عليه وسلم.
أما غيرهن، فإن كان هناك عهد بينها وبين زوجها ألا تتزوج بعده، فيجوز لها أن تمتنع عن الزواج إن لم تخف الفتنة على نفسها بل يستحب إن كان هناك مبرر، فإن خافت الفتنة لا يجب عليها الالتزام بالعهد ولها أن تتزوج، وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب (أم مبشر) .
فقالت له: إن زوجى شرطت له ألا أتزوج بعده، فقال لها " إن هذا لا يصلح " (زاد الميعاد ج 4 ص 209 والترغيب ج 3 ص 144) وذلك لأنه شرط ليس فى كتاب الله، وفيه تعطيل للنسل، وقد تزوج عمر بن عبد العزيز من أم هشام بنت عبد الله بن عمر التى حلفت لزوجها عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو ألا تتزوج بعده كما أوصاها بذلك وكان يحبها كثيرا (أعلام النساء لعمر كحالة) .
وإذا كان لها أيتام وخافت ضياعهم لو تزوجت كان لها أن تمتنع عن الزواج، بل يستحب لها ذلك فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى " امرأة أَيْمَتْ من زوجها ذات منصب وجمال وحبست نفسها على يتامى لها حتى بانوا أو ماتوا " يعنى حتى انفصلوا عنها واستغنوا عن كفالتها لهم أو حتى ماتوا. رواه أبو داود.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما أبدت له أم هانىء عذرها بوجود الأيتام " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على طفل وأرعاه على زوج فى ذات يده" رواه مسلم (مسلم ج 16 ص 80) .
كما يجوز لها ألا تتزوج بعده لتكون زوجته فى الجنة كما تقدم عن أم الدرداء وكذلك فعلت زوجة حذيفة، لكن امتناع المرأة عن الزواج، لشدة حبها للزوج الأول قد يستساغ إذا كانت كبيرة فى السن آمنة على نفسها من الفتنة، لكن لو كانت شابة فخير لها أن تتزوج بعد خمود حرارة الحب، وهى لابد خامدة بطول الزمن، وبخاصة إذا خافت الفتنة على نفسها. وكان أبو سلمة حكيما حين أوصى زوجته أم سلمة أن تتزوج بعده، وكانت تريد ألا تتزوج معتقدة أنه لا يوجد مثل أبى سلمة، وقد وجدت أفضل منه وهو النبى صلى الله عليه وسلم.
إن الإسلام يساير الطبيعة البشرية فى إباحة زواج الأرملة، ويوافق المعقول فى تحقيق المصلحة العامة، وهو ما لجأت إليه الأمم الحديثة بعد أن عرفت صلاحيته.
وقد يحدث امتناع بعض كبريات النساء أن يتزوجن بعد وفاة أزواجهن ذوى المراكز المرموقة، تشبها بنساء النبى صلى الله عليه وسلم، وهو تشبه باطل، أو قياس مع الفارق كما يقال، ولعله مأخوذ من المأثور عن بعض السلف من الامتناع عن تزوج نساء كبار الصحابة تعظيما لقدرهم، وذكرا لمآثرهم عليهم وعلى الإسلام، فهم يعدونهم كآبائهم، ولا يجوز نكاح ما نكح آباؤهم من النساء.
ومهما يكن من شىء فإن الظروف لها حكمها، وتمسك المرأة بدينها أو تهاونها فيه لابد أن يوخذ فى الاعتبار، والمهم كله أن نحافظ على شرف المرأة، وأن نقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ما دام ذلك لا يتخطى حدود الشرع، وكل واحدة من النساء لها حكم يغاير حكم الأخرى، فلا يجوز أن يتخذ ذلك عرفا أو تقليدا عاما، فالطبيعة قوية والشرع حكيم، وضع مقاييس دقيقة للسلوك، وأحكاما عادلة لحل المشكلات، والخير كله فى اتباع هدى الله، كما قال تعالى {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} طه:
123، وقال {وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين} النور:
54.
هذا، وقد جدت أوضاع لم تكن معروفة من قبل، وهى المعاشات التى تقررها الحكومة للأرامل، وتشترط لها عدم زواجهن، ولحرص الأرملة على المعاش، ولتلبية نداء الغريزة قد تنحرف بدون الارتباط بالزواج، وفى ذلك خطورة بالغة لا يشك فيها أحد ولا يقرها دين، وقد تلجأ إلى ما يسمى بالزواج العرفى، وهو إن كان غير مستوف لأركانه وشروطه فهو الانحراف بعينه، وإن استوفى ذلك شفويا دون تسجيل رسمى، كانت المعاشرة مشروعة وعدم تسجيله يضمن لها بقاء المعاش حسب القوانين الوضعية، لكن ذلك يترتب عالجه أضرار، منها:
1 -تعريض حق الأولاد الذى نتجوا عن هذا الزواج للضياع، وذلك لعدم تسجيلهم فى الأوراق الرسمية، فلا يلزم أبوهم بالانفاق عليهم، ولا تضمن لهم حقوقهم فى التعليم وما إلى ذلك.
2 -تعريض حقها للضياع عند وفاة هذا الزوج إن كان له ميراث، وكذلك ضياع حق أولاده، وحقه هو أيضا إن ماتت وتركت ميراثا.
3-الاستيلاء على المعاش بدون حق، لأنه لغير المتزوجة، فهو سرقة من الحكومة، وأخذ مال كان أولى به مشروعات أخرى.
وكل هذه الأضرار ممنوعة شرعا، والزواج العرفى الذى يؤدى إلى الممنوع فهو ممنوع، ولهذا يجب تسجيله لأن المعاش المقرر لها سينتقل حقا واجبا على الزوج كنفقة بعد سقوطه بالزواج، فهى لن تتضرر، وكذلك أولادها الذين فى كفالتها وتحت رعايتها معاشهم لا يسقط. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل
(9/443)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:14 am

عقد القران فى المسجد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحرص بعض الناس على عقد القران فى أحد المساجد التى بها أضرحة الصالحين، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
روى الترمذى عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أعلنوا هذا النكاح واجعلوه فى المساجد واضربوا عليه بالدفوف " قال الترمذى: حديث حسن وضعفه البيهقى.
عقد النكاح بالمسجد مظهر من مظاهر إعلانه وكذلك ضرب الدف عليه، وذلك أمر مشروع، وأقل درجاته أنه مباح، وقيل سنة، وكل هذا إذا لم يترتب على عقده بالمسجد أمر محظور، كإخلاله بحرمة المسجد أو التشويش على المصلين، أو حضور جنب أو حائض، أو إخلال بالآداب الاجتماعية كاختلاط الجنسين أو كشف ما يجب ستره، أو غناء مثير أو غير ذلك. .
وتستوى كل المساجد فى هذا الحكم، لا فضل لأحدها على الآخر، ولا شأن لمن دفن فيها أو قريبا منها فى مباركة هذا العقد، فالأمر يدور على الإِشهار والإِعلان فى الأماكن التى يكثر فيها اجتماع الناس، وكانت المساجد إذ ذاك هى أحسن فرصة لذلك
(9/444)
________________________________________
زيارة الزوجة لأهلها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يحق للزوج أن يمنع زوجته من زيارة أهلها؟

الجواب
من المتفق عليه أن الزوجة يجب عليها أن تطيع الزوج فى أمرين أساسيين، هما المتعة وملازمة البيت، فلو عصته فى أحدهما كانت ناشزا، تسقط نفقتها ويتخذ معها إجراء بينة القرآن فى قوله تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن} النساء: 34، وصحت الأحاديث بالنهى عن عصيانها فيما يجب عليها نحوه.
وفى ملازمة البيت روى حديث بسند ضعيف أن رجلا كان فى سفر وعهد إلى امرأته ألا تنزل من العلو إلى السفل، أى من الطابق الأعلى إلى الطابق الذى تحته، وكان أبوها فيه، فمرض، فاستأذنت الرسول فى زيارته فأمرها أن تطيع زوجها، فمات أبوها ودفن ولم تنزل، فأخبرها الرسول بأن اللَّه غفر لأبيها بسبب طاعتها لزوجها.
بعد هذا أقول:
كما أن للزوج على زوجته حقوقا مؤكدة يعرِّض التفريط فيها إلى عقوبات دنيوية وأخروية -كذلك لوالديها حقوق من البر والإِحسان، منها ما هو واجب يعرِّض لعقوبة اللَّه: ومنها ما هو مندوب لا عقوبة عليه، لكن حق الزوج مقدم على حق الوالدين، فقد روى الحاكم وصححه والبزار بإسناد حسن أن عائشة رضى الله عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: أى الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال " زوجها " قالت:
فأى الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال " أمه ".
ويمكن للزوجة أن توفق بين طاعتها لزوجها وطاعتها لوالديها دون إثارة مشكلات أو تعرَّض لعقوبات، ومن العشرة بالمعروف التى أمر الله الزوج بها مع زوجته.أن يمكنها من بر والديها وصلة رحمها، لكن ليست زيارتها لهما هى الوسيلة الوحيدة للبر والصلة، فقد يتم ذلك بمكالمة تليفونية أو إرسال خطاب مثلا، أو بزيارة أهلها لها فى بيت زوجها، وكل ذلك فى نطاق المصلحة الزوجية، فإذا رأى الزوج أن زيارتها لأهلها تضر الحياة الزوجية كان له منعها، ولو خرجت بدون إذنه كانت ناشزا وحكم النشوز معروف، وليس منعه لها من زيارة أهلها معصية حتى نبيح لها أن تخالفه، بناء على ما هو معروف من أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، فالبر كما قلنا-يحصل بغير زيارتها لأهلها، وقد يكون المنع فى مصلحتها هي أيضا، فلا يجوز لها أن تتمسك بهذه الزيارة وتعلق حياتها مع زوجها عليها، فذلك عناد يجر إلى عناد أكبر قد تندم على نتيجته.
وبحسن التفاهم يمكن الخروج من هذه الأزمة، والوسائل لذلك كثيرة، وعلى الوالدين أن يساعدا ابنتهما على استقرار حياتها الزوجية بعدم إثارة الزوابع التى تعصف بسعادة كل من تعرض لها أو تسبب فيها.
هذا، وقد نشر كلام حدث منذ أكثر من مائة سنة جاء فيه - حول هذا الموضوع - أن الأبوين إذا كانا قادرين على زيارة ابنتهما فلا تخرج هى لزيارتهما إلا بإذن الزوج، وكلام يبيح لها أن تخرج للزيارة كل أسبوع بإذن وبغير إذن، وقيَّد بعضهم ذلك بعدم قدرتهما على زيارتها (الشيخ محمد عبده ذكر كل ذلك بتاريخ 27 من ربيع الأول سنة 1322 انتهى. واختار أن تخرج إلى أبويها فى كل جمعة، أذنها الزوج أو لم يأذن، ولها أن تخرج إلى المحارم كذلك كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه، كما أن لها أن تخرج إلى الأهل كذلك كل سنة مرة بالإذن وبدونه، أما خروجها زائدًا على ذلك للأهل فيسوغ لها بإذنه.
وكان اختياره لذلك بعد عرض أقوال الفقهاء الأحناف من كتبهم، دون أن يكون لأقوالهم أو لاختياره هو أى دليل من قرآن أو سنة " الفتاوى الإِسلامية مجلد 4 ص 1355 " وكل ذلك اجتهاد نظر فيه إلى العرف الجارى فى زمانهم، لكن الأصل الذى يجب أن يعلم هو أن الزيارة فى حد ذاتها ليست ممنوعة، فقد أذن الرسول والصحابة لنسائهم بذلك، والمدار هو على تحقيق المصلحة وعدم المفسدة، مع مراعاة تقدم حق الزوج على الأبوين، والواجب يقدم على المندوب، وللتحديد بمدة يرجع فيه إلى العرف، ومخالفته لا ترقى إلى درجة التحريم وكلامهم هو فى الأولى والأفضل. ولعل ما ذكرته يكون أقرب إلى الصواب)
(9/445)
________________________________________
العقيقة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل العقيقة واجبة أم سنة؟

الجواب
العقيقة هى الذبيحة عن المولود، وقد كانت معروفة عند العرب قبل الإِسلام، فكان إذا ولد لأحدهم غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإِسلام أمر بذبح الشاة وحلق رأس المولود وتلطيخه بالزعفران، كما رواه أبو داود عن بريدة، وسميت العقيقة باسم الشعر الذى على رأس الصبى حين يولد، لأنه يحلق عند الذبح، وكذلك الحيوان حين يولد يسمى شعره عقيقة، واختلف الفقهاء فى حكمها على ثلاثة أقوال:
(أ) فقيل: إنها مكروهة، وذلك لخبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة، فقال (لا أحب العقوق) .
ولأنها من فعل أهل الكتاب وجاء فى ذلك حديث البيهقى. أن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية، ولما رواه أحمد أن الحسن بن على لما ولد أرادت فاطمة أن تعق عنه بكبشين فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم "لاتعقى، ولكن احلقى رأسه فتصدقى بوزنه من الورق -الفضة " ثم ولد الحسين فصنعت مثل ذلك.
وقد أجيب على الحديث الأول بأن النبى كره اسمها ولم يكره فعلها، وعلى الحديث الثانى بأن النبى ما كره من اليهود إلا تفرقتهم بين الغلام والجارية، حيث لم يعقوا عنها، وعلى الحديث الثالث بأنه لا يصح.
(ب) وقيل: إنها سنة، وبه قال أهل الحديث وجمهور الفقهاء، ولهم فى ذلك عدة أحاديث، منها " الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه " رواه أصحاب السنن من حديث سمرة بن جندب، وصححه الترمذى، ومنها حديث: أمر النبى صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعق. رواه الترمذى أيضا.
ومعنى: مرتهن بعقيقته أنه لا ينمو نمو مثله، ولا يستبعد أن تكون سببا فى حسن نبات المولود وحفظه من الشيطان فهى تخليص له من حبسه ومنعه عن السعى فى مصالح أخرته. وقيل: أن المعنى إذا لم يعق عنه والده لا يشفع،له، كما قاله الإِمام أحمد، لكن التفسير الأول أحسن.
(ج) وقيل: إنها واجبة، وبه قال الليث والحسن وأهل الظاهر.
والسنة أن يعق عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة، وذلك لحديث عائشة الذى رواه الترمذى، وقال: حسن صحيح.
قال العلماء: إن البنت كانت على النصف من الولد تشبيها للعقيقة بالدية.
وقالوا: إن أصل العقيقة يتأدى عن الغلام بشاة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن الذى ولد عام أحد، وعن الحسين الذى ولد بعده بعام، كبشا كبشا. والأكمل شاتان للولد، ففى موطأ الإمام مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم " من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة ".
والحكمة فى مشروعيتها أنها قربة إلى اللَّه، يرجى بها نفع المولود بدعاء الفقراء له عندما يطعمون منها، وهى أيضا شكر لله على نعمة الولد، فالذرية محبوبة طبعا ومطلوبة شرعا، بشر الله بها إبراهيم وزكريا عليهما السلام، وفيها أيضا: إشهار للمولود ليعرف نسبه وتحفظ حقوقه، وهى كفدية عنه، تشبها بفداء إسماعيل الذبيح بالكبش.
هذا، ويشبه العقيقة بالأضحية وفداء إسماعيل نقل عن الحنابلة أنه لو اجتمع يوم النحر مع يوم العقيقة يمكن الاستغناء بذبيحة واحدة عنهما إذا اجتمع يوم عيد مع يوم جمعة فإنه يكفى غسل واحد لهما
(9/446)
________________________________________
زواج التحليل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كثر الكلام فى ذم زواج التحليل وأن المحلل والمحلل له ملعونان، فهل معنى ذلك أنه حرام، وكيف تعود المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى إلى زوجها الأول؟

الجواب
المقصود بزواج التحليل هو زواج المطلقة ثلاثا لتحل لزوجها الأول، وهو أمر مشروع دل عليه الكتاب والسنة والإِجماع، قال تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} ثم قال فى الآية التى تليها {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة:
229، 230، قال العلماء: المعنى فإن طلقها للمرة الثالثة. قال القرطبى:
وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه. وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه " رواه الأئمة واللفظ للدارقطنى عن عائشة.
وحتى يكون زواج التحليل محققا للغرض منه لابد فيه من أمرين أساسيين، أولهما أن يكون العقد صحيحا، والثانى أن يكون معه دخول صحيح، فإذا اختل واحد منهما لم يكن مشروعا، ولتوضيح ذلك نقول:
1 -حتى يكون العقد صحيحا لابد من استيفاء الأركان والشروط المعروفة فى كل زواج، وزاد العلماء عليه أن يكون خاليا من نية التحليل، ونية التحليل لها حالتان:
أ-الحالة الأولى أن يصرح بها فى العقد، كأن يقول: تزوجتك على أن أحلك لزوجك، وهو باطل لا تترتب عليه آثاره عند جمهور الفقهاء:
مالك والشافعى وأحمد وعده ابن القيم من الكبائر لا فرق بين أن يكون اشتراط ذلك بالقول أو التواطؤ " زاد المعاد ج 4 ص 6 " وذلك لأحاديث، منها ما رواه الترمذى عن ابن مسعود وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجة وأحمد عن ابن عباس، والحاكم وصححه "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له " وما رواه ابن ماجة والحاكم من حديث عقبة بن عامر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم بالتيس المعار"؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال " هو المحلل، لعن اللَّه المحلل والمحلل له ".
وأما أهل الرأى " أبو حنيفة وأصحابه " فقال أبو حنيفة وزفر: يصح العقد ويحلها للأول، لأن الشرط الفاسد يُلْغَى ويصح العقد، وقال محمد: إن العقد صحيح مع هذا الشرط، لأن الشرط يلغى ولكن هذا العقد لا يحلها للأول، وقال أبو يوسف: العقد باطل -كرأى الجمهور -ولا يحلها للأول.
هذا، وحكى الماوردى عن الشافعى أنه إن شرط التحليل قبل العقد صح النكاح وأحلها للأول، وإن شرطاه فى العقد بطل النكاح ولم يحلها للأول:
وهذا قول الشافعى " تفسير القرطبى ج 3 ص 150 ".
ب - الحالة الثانية ألا يصرح بنية التحليل فى العقد وإن كان أمرا معروفا بين الناس أو على الأقل بين الأطراف الثلاثة، المطلق والمطلقة والمحلل، قال مالك: العقد غير صحيح ولا تحل للأول، لأن العبرة فى الأحكام بالنيات، وكذلك قال أحمد بن حنبل، جاء فى " المغنى " لابن قدامة الحنبلى أن نكاح المحلل باطل إن شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما، وإن نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل، وفى قول: إن شرط عليه التطليق قبل العقد ولم يذكره فى العقد ولم ينو فالعقد صحيح.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ينعقد صحيحا مع الإثم، ويترتب عليه حلها للأول بعد الدخول والطلاق وانتهاء العدة، لأن العبرة فى الأحكام بالظاهر، وأما الشافعى فله قولان، القول الأول هو القديم كقول مالك وأحمد، والقول الثانى وهو الجديد كقول أبى حنيفة وأصحابه.
2 -أما الشرط الثانى وهو الدخول الصحيح، فهو أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، ولا يكتفى فيه بمجرد الخلوة حتى لو كانت صحيحة، بل لابد فيه من اللقاء الجنسى، والدليل على ذلك ما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها لما طلق رفاعة القرظى امرأته فبتَّ طلاقها تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن عبد الرحمن ضعيف فى الناحية الجنسية، فتبسم الرسول وقال " لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك ".
وجاء فى سنن النسائى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " العسيلة الجماع ولو لم ينزل ". وجاء فى سنن النسائى عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها الرجل فيغلق الباب ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فقال " لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر ".
وتشدد الحسن البصرى فلم يكتف بمجرد الجماع، بل اشترط أن يكون معه إنزال للنص فى الحديث على ذوق العسيلة، ولكن الجمهور اكتفوا بمجرد الجماع، بناء على تفسير الرسول للعسيلة، بالجماع ولو لم ينزل.
ولم يخالف فى شرط الدخول بالزوجة إلا سعيد بن المسيب من كبار التابعين وسعيد ابن جبير وبعض الخوارج، وقولهم مرفوض بدليل الأحاديث السابقة. وعدم تحقيقه لحكمة التشريع.
والحكمة من اشتراط المحلل وتأكيد دخوله بالمرأة باللقاء الجنسى، التنفير من الطلاق الثلاث، وتنبيه الزوج إلى التريث فى استعمال حق الطلاق الذى جعله اللَّه على مرات، ومراعاة للشعور بالغيرة على أن يحل محله رجل آخر فى التمتع بزوجته.
هذه هى الآراء فى زواج التحليل وما شرط فيه لتترتب عليه آثاره، وقد حمل بعض العلماء عليه حملة عنيفة بصورة تجعله كأنه غير مشروع، دون مراعاة لبعض الظروف الضاغطة التى يتحقق بها يسر الإِسلام، والحق هو التمسك بما اتفق عليه العلماء، مع ترك الحرية للاختيار فيما اختلفوا فيه.
وقد رأينا بعد هذا العرض الاتفاق على وجوب صحة الزواج ووجوب المعاشرة الجنسية، ورأينا الاختلاف فى نية التحليل أو التصريح به واشتراطه فى العقد، فعند أبى حنفية أن نية التحليل -شرطت أم لم تشرط - لا تمنع من صحة العقد ولا من حل المرأة لزوجها الأول، وعند الشافعى قولان فى عدم الاشتراط، قول كمالك وأحمد بالمنع، وقول كأبى حنيفة بالجواز، وتحمل الآثار الواردة فى التنفير منه على الكراهة، وفى المسائل الخلافية لا يفرض رأى من الآراء، إلا باختيار ولى الأمر، والعمل فى مصر على رأى أبى حنيفة وهو الجواز، لأنه الراجح فى المذهب، ولا مانع من اختيار أى رأى من الآراء وبخاصة عند اقتضاء.
المصلحة
(9/447)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:14 am

أثر الزواج الثانى على المطلقة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لو طلق الزوج زوجته التى أبرأته من حقوقها عنده ثم تزوجها بعد ذلك، هل تعود إليه بما بقى من عدد الطلقات، أو بثلاث طلقات؟

الجواب
المعروف أن المطلقة ثلاثا لا تعود إلى زوجها الأول إلا بعد نكاح صحيح مع الدخول الصحيح، كما قال تعالى {فإن طلقها} أى الثالثة- {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة: 230. أما المطلقة للمرة الأولى أو الثانية فيمكن رجوعها إلى زوجها الأول بالرجعة إن كانت فى العدة أو بعقد جديد إن انتهت العدة، أو كان الطلاق عن طريق الخلع، فإذا عادت إلى زوجها الأول، فهل تعود بما بقى لها من عدد الطلقات، أى بطلقة أو طلقتين -أم تعود إليه كزوجة جديدة لها ثلاث طلقات كما تعود المطلقة ثلاثا؟ لم يرد فى هذه المسألة نص من القرآن أو السنة يعتمد عليه، ولعَل الفقهاء، قالوا: إذا عادت المطلقة غير البائن بينونة كبرى إلى زوجها الأول ولم تكن قد تزوجت غيره عادت بما بقى لها من عدد الطلقات، وذلك بالاتفاق.
أما إذا كانت قد تزوجت غيره فهناك خلاف بين العلماء فى العدد الذى تعود به إلى زوجها، فقال بعضهم: الزواج الثانى يهدم الزواج الأول، بحيث لو عادت إليه تعود بثلاث طلقات، وتسمى هذه المسألة عند الفقهاء بمسألة الهدم، وقال بعضهم الآخر: الزواج الثانى لا يهدم زواجها الأول، فتعود إليه بالباقى من عدد الطلقات، وهذا الخلاف منقول عن الصحابة.
ومن هنا اختلف فقهاء الأحناف، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: تعود إلى الزوج الأول بثلاث تطليقات، وذهب زفر ومحمد بن الحسن إلى أنها تعود بما بقى ولا يهدم الزواج الثانى الزواج الأول، ولكل وجهة هو موليها، والعمل فى مصر على الرأى الأول وهو العودة بالثلاث، "أحكام الأسرة للدكتور محمد مصطفى شلبى ص 534"
(9/448)
________________________________________
تزجيج الحواجب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى تزجيج المرأة لحواجبها ونزع شعر وجهها؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ".
والتنميص هو إزالة شعر الوجه كتزجيج الحاجبين وإزالة الشعيرات التى بجوانب الوجه وهو حرام.
وقد رأى ابن الجوزى فى هذا الحديث إباحة النمص وحده، وحمل النهى عن التدليس أو أنه شعار الفاجرات.
يعنى أن إزالة شعر الوجه ومنه تزجيج الحواجب يكون حراما إذا قصد به الغش والتدليس على من أراد أن يتزوج فتبدو له المرأة جميلة، ثم يظهر بعد ذلك أنها ليست كما رآها. وهو غش وكذلك يكون حراما إذا قصد به الفتنة والإغراء كما هو شأن الفاجرات المتجرات بالعرض والشرف. وبدون هذين القصدين يكون حلالا، قال ابن الجوزى فى كتابه "آداب النساء" عن عائشة قالت: يا معشر النساء، إياكن وقشر الوجه قال: فسألتها امرأة عن الخضاب فقالت: لا بأس بالخضاب، وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الصالقة والحالقة والخارقة والقاشرة، والقاشرة هى التى تقشر وجهها بالدواء ليصفو لونها، والصالقة هى التى ترفع صوتها بالصراخ عند المصائب، والحالقية هى التى تحلق شعرها عند النوائب، كالخارقة التى تخرق عندها أيضا، قال ابن الجوزى:
فظاهر هذه الأحاديث تحريم هذه الأشياء التى قد نهى عنها على كل حال. وقد أخذ بإطلاق ذلك ابن مسعود. ويحتمل أن يحمل ذلك على أحد ثلاثة أشياء، إما أن يكون ذلك شعار الفاجرات فيكن المقصودات به، أو يكون مفعولا للتدليس على الرجل، فهذا لا يجوز، أو يكون تضمن تغيير خلقة الله، كالوشم الذى يؤذى اليد ويؤلمها، ولا يكاد يستحسن، وربما أثر القشر فى الجلد تحسنا فى العاجل ثم يتأذى به الجلد فيما بعد. وأما الأدوية التى تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج فلا أرى بها بأسا، وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج، ويكون حديث النامصة محمولا على أخد الوجهين الأولين، انتهى ملخصا"غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 273 ".
وأخرج الطبرى عن امرأة أبى إسحاق أنها دخلت على عائشة - وكانت شابة يعجبها الجمال -فقالت لها: المرأة تحف جبينها لزوجها، فقالت: أميطى عنك الأذى ما استطعت. ذكره ابن حجر فى "فتح البارى " فى شرح حديث ابن مسعود فى باب المتنمصات.
وجاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى "صفحة 877 طبعة الكويت " أن المرأة يكره لها حلق شعرها، ويجوز لها حفُّ وجهها ونتف شعره.
وأرى بعد ذلك أن تزجيج الحواجب ونتف شعر الخدين إن كان برضا الزوج وله ولغير الأجانب، فلا بأس به لعدم التغرير والإغراء الذين نهى عنهما الشرع، أما إن كان الأجنبى سيطلع عليه فهو حرام إن كان للفتنة أو التدليس، وقد يتسامح فى إزالة التشويه المنفر كما لو نبت شعر على اللحية أو الشفة بشبه.الشارب، أو شعرات منفرة فى الحواجب، وما تجاوز ذلك فهو ممنوع
(9/449)
________________________________________
عمل المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الإسلام فى عمل المرأة؟

الجواب
هذا الموضوع طويل وضحته فى كتبى: الأسرة تحت رعاية الإسلام، الإسلام دين العمل، الحجاب وعمل المرأة.
ويكفى أن أقول: إن العمل حق لكل إنسان رجلا كان أو امرأة، بل هو واجب لأنه وسيلة العيش وبقاء الحياء، وتحقيق الخلافة فى الأرض، ومجالاته كثيرة، فى الحقل والمصنع والمتجر والبيت، فى البر والبحر والجو، قال تعالى {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} الملك:15 ولكل من الرجل والمرأة أن يعمل فى المجال الذى يناسب استعداده، والعمل يستقيم دائما إذا وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، واللَّه سبحانه جعل لكل من الرجل والمرأة مواهب واستعدادات وطاقات تتناسب مع المهمة التى توكل إليه، والطرفان شريكان فى جمعية تعاونية، لا يمكن أن يستغنى أحدهما عن الآخر.
والجزاء هو على قدر العمل المشروع أيَّاً كان حجمه، قال تعالى {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} آل عمران 195، وقال تعالى {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} النحل: 97،.
ورسالة المرأة فى البيت لا تقل أهمية عن رسالة الرجل خارجه، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت يزيد بن السكن وافدة النساء ما معناه " حسن تبعل المرأة لزوجها وقيامها بواجبها نحوه يعدل ما يقوم به الرجل من جهاد وغيره " كما رواه البزار والطبرانى، والشاعر المصرى يقول:
فى بيتهن شؤونهن كثيرة * كشؤون رب السيف والمزراق ومع ذلك فللمرأة أن تزاول عملا خارج البيت، وبخاصة إذا احتاجت إليه، أو كان العمل محتاجا إليها، بل يكون ذلك واجبا عليها لاحقًّا لها، وقد قرر العلماء: أن خروجها للعمل مرهون بعدم التقصير فى الواجب الأساسى وهو المنزل الذى يوفر السكن والمودة ويربى النشء ويعده لاستمرار الحياة الاجتماعية والإنسانية، وذلك مرهون بإذن الزوج لها، فهو المشرف المسئول عنها فى النفقة والحماية، كما يجب عليها أن تحافظ على كل الآداب الخاصة بالعلاقة بين الجنسين، حتى لا يكون هناك انحراف يتنافى تماما مع المقصود من مزاولة النشاط خارج البيت، وتفصيل هذه الآداب يرجع إليه فى الكتب السابقة.
والتقصير فيها هو الذى أثار الجدل والنقاش حول عودة المرأة العاملة إلى بيتها، فلابد من الموازنة بين الكسب والخسارة، شأن التاجر الواعى البعيد النظر، فالعمل للمرأة خارج المنزل - مع أن مجالات العمل والكسب داخله كثيرة - جائز مع كل التحفظات المشروعة، ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما رواه البخارى " إن اللَّه أذن لكنَ أن تخرجن لقضاء حوائجكن " والحوائج عامة غير مخصوصة بعمل معين، وكان النساء يباشرن أعمالا خارج البيت، كطلب العلم وكسب العيش، أيام النبى صلى الله عليه وسلم، وروى البخارى ومسلم أنه رأى أسماء بنت أبى بكر، زوجة الزبير تحمل على رأسها النوى لتعلف به الناضح - الجمل أو الفرس -فلم ينكر عليها، بل دعاها إلى الركوب خلفه شفقة عليها.
وإذا كان اللَّه سبحانه قال لنساء النبى صلى الله عليه وسلم {وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب: 33، فالقرار فى البيت وسيلة عدم التبرج أى الظهور والبروز وهو الأمر المهم فى الموضوع، ومع ذلك فهو خاص بنساء النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعهن من الخروج من البيت للصلاة أو الاعتكاف فى المسجد أو حضور مهرجان العيد، أو الحج إلى بيت الله.
وللعلماء كلام طويل فى بيان المجالات المناسبة لعملها خارج البيت يرجع فيه إلى الكتب المذكورة آنفا
(9/450)
________________________________________
الشبكة عند فسخ الخطبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا فسخت الخطبة قبل عقد الزواج فهل للخطيب أن يطلب ما دفعه للخطيبة من شبكة وخلافها؟

الجواب
الشبكة فى بعض الأعراف هدية لا يساوم عليها فهى غير المهر تماما، وهنا إذا فسخت الخطبة فلا حق للخاطب فيها لأن الهدية تملك بالتسليم، وفى بعض الأعراف تكون الشبكة من ضمن المهر، يساوم عليها، فإن كانت كبيرة يخفف عن الخاطب المهر، وإن كانت صغيرة زيد فى المهر، فإذا فسخت الخطبة أى قبل العقد ردت الشبكة إلى الخاطب لعدم تمام الموضوع الذى قدمت من أجله، سواء أكان الفسخ من جهته أم من جهتها.
بهذا حكمت بعض المحاكم المصرية، وحكمت محاكم أخرى بأن الفسخ إذا كان من جهة الخاطب لا تسترد الشبكة، ووجهة النظر أن الشبكة هدية إذا قبضت لا يجوز استردادها فالراجع فى هبته كالكلب الراجع فى قيئه كما فى الحديث، لكن إذا كان العرف يعتبرها جزءا من المهر فتكون من حق الخاطب.
وننصح بأن الفسخ إذا كان من جهة الخاطب واستحق الشبكة أن يعوضها ما قد تكلفته من نفقات فى مثل حفل الخطبة أو غيرها، كما ننصح بعدم تعجل المخطوبة فى التزامات مالية وغيرها أملا فى إتمام الزواج، فإن فترة الخطبة بمثابة دراسة يتقرر بعدها الزواج أو عدمه، حيث يكون لكل منهما الحق فى فسخ الخطبة، ومن أراد التوسعة فليرجع إلى الجزء الأول من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/451)
________________________________________
صورة من زواج عرفى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ماذا تعمل من تزوجت عرفيا وتركها زوجها دون طلاق أو نفقة؟

الجواب
يحدث أن يعيش الإنسان فى بلد لا تعترف بالزواج الثانى أو يكون هناك داع من الدواعى ليتزوج امرأة زواجا عرفيا مستوفيا للأركان والشروط ومن أهمها الشهود لكنه لم يسجل رسميا، وظهر للمرأة أن هذا الزواج فيه ضرر كبير عليها، ولا تستطيع أن تنال حقها رسميا لعدم توثيقه، ولا أن تناله بمجلس عرفى، ولا أن تطلق لتتزوج غيره، وقد يهجرها ولا ينفق عليها لإضرارها.
وقد رأينا حلاًّ لهذه المشكلة أن ترفع أمرها إلى جهة دينية فى هذا البلد يكون معترفا بها، لتتولى بحث الموضوع، وتتأكد من صحة دعواها، وهنا تطلقها الجهة الدينية طلقة واحدة رجعية على مذهب الإمام أحمد، وإذا كان تقصيره فى إعفافها ومضى على ذلك أربعة أشهر اعتبر الامتناع بمثابة الإيلاء عند مالك وأحمد، فيطالب هذا الزوج من الجهة الدينية بالعودة إلى إعفافها أو تطليقها طلقة بائنة، وإذا امتنع عنهما انفسخ النكاح بدون أية إجراءات على مذهب الإمام أبى حنيفة، ولا مخلص إلا ذلك، مَنْعًا للضرر، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار.
ونحذِّر من تريد الزواج من رجل زواجا عرفيا أن تقع فى مثل هذا المأزق، ولهذا ننصحها أن تشترط فى العقد أن تكون عصمتها بيدها، على ما رآه الإمام أبو حنيفة، حتى إذا لم توفق فى هذا الزواج أمكنها أن تطلق نفسها منه بدون اللجوء إلى القضاء، لأنه لا يسمع دعواها- وبدون لجوء إلى لجنة أو غيرها ... " انظر مجلة - منبر الإسلام عدد ذى الحجة 1403 هـ "
(9/452)
________________________________________
أخذ الزوجة من مال زوجها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة أن تتصرف فى مال زوجها بدون إذنه؟

الجواب
جاء فى صحيح البخارى قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره "وجاء مثل ذلك فى صحيح مسلم، وروى أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذى قوله " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها " وروى الترمذى من خطبة الوداع " لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها " وروى البخارى ومسلم " إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا " وروى مسلم أن أسماء قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: مالى مال إلا ما أدخله عليَّ الزبير، أفأتصدق؟ قال " تصدقى، ولا توعى فيوعى عليك ".
الواجب على الزوجة أن تحافظ على مال زوجها، فلا تتصرف فيه بما يضر، والتصرف فيه إما أن يكون لمصلحة الأسرة، أى الزوجين والأولاد، وإما أن يكون لغير ذلك، فما كان لمصلحة الأسرة سيقوم به الزوج لأنه هو المسئول عنه، ولا تضطر الزوجة أن تأخذ بدون إذنه أكثر من كفايتها، فإن قصر عن الكفاية أخذت بقدرها بدون إذنه فذلك حقها، ودليله حديث هند لما شكت للنبى صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان بأنه شحيح مسِّيك، فهل تأخذ من ماله بغير إذنه؟ فقال " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " رواه مسلم.
وإن كان التصرف فى ماله لغير مصلحة الأسرة، فإن كان بإذنه جاز وإن كان صدقة فإن للزوج ثواب الصدقة من ماله، ولها مثل هذا الثواب لأنها ساعدت بالعمل، أما إن كان بغير إذنه استحقت نصف الأجر، وذلك فى الشىء اليسير الذى تسمح به نفس الزوج، أما إن كان كثيرا فيحرم عليها أن تتصرف أو تتصدق إلا بإذنه.
وبهذا يمكن التوفيق بين الأحاديث التى أجازت لها التصرف، والتى نهت عن التصرف، والتى أعطت للزوجة مثل ثواب الصدقة أو نصف الثواب، يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 7 ص 111 ": لابد من إذن الزوج، وإلا فلا أجر لها وعليها الوزر، والإذن إما صريح أو مفهوم من العرف والعادة، كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطرد العرف فيه، وعلم رضاء الزوج والمالك به، فإذنه فى ذلك حاصل وإن لم يتكلم. وهذا إذا عُلم رضاه لاطراد العرف، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس فى السماحة بذلك والرضا به، فإن اضطرب العرف وشك فى رضاه، أو كان شخصا يشح بذلك، وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه.
ثم قال النووى " ص 113 ": واعلم أن هذا كله مفروض فى قدر يسير، يعلم رضا المالك به فى العادة، فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة "ثم قال: ونَبَّه بالطعام أيضا على ذلك، لأنه يسمح به فى العادة، بخلاف الدراهم والدنانير فى حق أكثر الناس وفى كثير من الأحوال.
انتهى. يعلم من هذا أن الأموال الخاصة بالزوج - غير الطعام - لا يجوز للزوجة أن تتصرف فى شىء منها إلا بإذنه حتى لو كان للصدقة، وإلا كان عليها الوزر وله الأجر، أما إذا كان لحاجة الأسرة فلا يجوز أبدا إلا بإذنه، لأنه هو المكلف بالإنفاق عليها، اللهم إلا إذا كان بخيلا مقصرا فلها أخذ ما يكفى بالمعروف، دون إسراف ودون إنفاق فى الكماليات الأخرى، كما يعلم أيضا أن التصرف بغير الصدقة ونفقة الزوجية لا يجوز مطلقا من مال الزوج فى تقديم هدايا أو عمل،ولائم ونحوها إلا بإذنه.
أما مالها الخاص فلها أن تتصرف فيه بغير إذن زوجها ما دام فى شىء مشروع، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم لما حث النساء على التصدق ألقين بالخواتم والحلى فى حجر بلال، ولم يسألهن النبى: هل استأذن أزواجهن فى ذلك أو لا " شرح صحيح مسلم ج 6 ص 173 ".
وكانت زينب أم المؤمنين صناع اليدين، تدبغ وتحرز وتتصدق بما تكسبه كله على المساكين " الزرقانى على المواهب ج 3 ص 247، 248".
وأخبر عنها النبى صلى الله عليه وسلم بأنها أطول زوجاته يدا، من أجل كثرة تصدقها ومن الخير أن تطلع الزوجة زوجها على حالتها وتصرفاتها المالية حتى لا يدخل الشك قلبه، فكثيرا ما تدخل الشكوك والريب قلوب الأزواج من هذه الناحية.
وإذا قلنا: إن للزوجة أن تنصرف فى مالها الخاص فى الأمور المشروعة بدون إذن الزوج، فإن ذلك محله إذا لم يكن بينهما اتفاق، أما إذا كان هناك اتفاق مشروط أو معروف عرفا على أن مال الزوجة يكون كله أو قدر معين منه فى مصاريف الأسرة فلا بد من تنفيذ الاتفاق، والمؤمنون عند شروطهم
(9/453)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:15 am

الإجهاض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الإجهاض؟

الجواب
الإجهاض: الإجهاض هو إنزال الجنين قبل تمام نموه الطبيعى فى بطن أمه، وله طرق عدة، وإليك كلمة عن حكمه ملخصة من فتوى رسمية منشورة بالفتاوى الإسلامية (المجلد التاسع ص 3093) ومن مقالات بعض العلماء (مجلة العربى عدد أغسطس 1973) .
الإجهاض إن كان بعد الشهر الرابع حرام بالاتفاق، لأنه قتل نفس بغير حق، إلا لضرورة تقتضيه، فالضرورات تبيح المحظورات، قال تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} البقرة: 173، ومن الأعذار انقطاع لبن المرأة بعد ظهور الحمل، والرضيع محتاج إليه ولا بديل له ومنها الشعور بالضعف عن تحمل أعباء الحمل، وكون الوضع بالعملية القيصرية التى تعرضها للخطر، وإقرار الأطباء أن بقاء الحمل يفضى إلى هلاكها، والتأكد من وراثة مرض خبيث كالذى يذكره الدكتور محمد عبد الحميد وسيأتى بعد. أما قبل الشهر الرابع ففى الإجهاض خلاف:
1 - قال بعض الأحناف كالحصكفى: إنه مباح ولو بغير إذن الزوج وذلك عند العذر، وقال صاحب " الخانية ": لا يحل، قياسًا على ما لو كسر المُحرمُ بيض الصيد، الذى نص الفقهاء على أنه يَضْمَنُه، لأنة أصل الصيد، والجزاء الدنيوى أمارة الجزاء الأخروى-، فأقل درجات منعه أنه مكروه.
2 - والمالكية منعوه فى جميع مراحله ولو قبل الأربعين يومًا، على ما هو المعتمد من مذهبهم، كما فى نص عبارة الدردير فى الشرح الكبير: لا يجوز إخراج المنى المتكون فى الرحم ولو قبل الأربعين يومًا وفى رأى أنه مكروه، وعبارة " المتكون فى الرحم " تعطى أن النطفة لو لم تستقر فى الرحم يجوز التخلص منها.
3 - والمتَّجه عند الشافعية هو الحرمة، وقيل: يكره فى فترتى النطفة والعلقة، أو خلاف الأولى. ومحله إذا لم تكن هناك حاجة، كأن كانت النطفة من زنا فيجوز.
4 - أما عند الحنابلة فيؤخذ من كلام " المغنى " لابن قدامة أنها إذا ألقته مضغة فشهد ثقات من القوابل بأن فيه صورة خفية ففيه غرَّة، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمى ولو بقى لتصور ففيه وجهان، أصحهما لا شىء فيه.
فالخلاصة أن للفقهاء فى الإجهاض قبل تمام الأشهر الأربعة أربعة أقوال:
1 - الإباحة مطلقًا دون توقف على عذر، وهو مذهب الزيدية وبعض الحنفية وبعض الشافعية، ويدل عليه كلام المالكية والحنابلة.
ب - الإباحة عند وجود العذر والكراهة عند عدمه، وهو ما تفيده أقوال الحنفية وبعض الشافعية.
ب - الكراهة مطلقًا وهو رأى بعض المالكية.
د - التحريم بغير عذر، وهو معتمد المالكية والمتجه عند الشافعية والمتفق مع الظاهرية.
هذا، وتونس أولى الدول الإسلامية التى تبيح الإجهاض، وتركيا ستكون هى الثانية، واشترطت ألا يكون بعد 12 أسبوعًا من الحمل (الأهرام 19/2/1982) .
ما يترتب على الإجهاض من الأحكام الدنيوية:
كل الفقهاء متفقون على وجوب الغُرَّة " عبد أو أمة " فى إلقائه ميتا بجناية عليه من أمه أو من غيرها، مع اختلاف فى بعض التفاصيل.
فالحنفية قالوا: تجب الغرة على العاقلة وإن أسقطه غيرها أو أسقطته هى عمدَا بدون إذن زوجها، فإن أذن أو لم تتعمد فلا غرة، ولو أمرت الحامل غيرها بإسقاطه فلا ضمان على المأمورة بل على الحامل إذا لم يأذن الزوج، والعاقلة هم أقارب الجانى.
والشافعية قالوا: فيه غرة لكل جنين. والظاهرية قالوا: إن كان قبل تمام الأشهر الأربعة ففيه الغرة دون كفارة، وإن كان بعدها ففيه الاثنتان. ومن تعمدت قتل جنينها بعد الأشهر الأربعة أو تعمد قتله أجنبى ففيه القود (القصاص بالقتل) وصرح الإباضية بوجوب الغرًة.
هذا، وقد أفتت لجنة الفتوى بالأزهر بجواز الإجهاض للمرأة فى الشهر الأول خشية وراثة مرض خبيث، بشرط ألا يعرض المرأة للخطر (مجلة التصوف الإسلامى عدد 84 فى يناير 1986) .
ولا يجوز أن تمارس عمليات الإجهاض لغير الضرورة كالتى ذكرها الدكتور محمد عبد الحميد مدير مستشفى الملك " المنيرة " سنة 1935 من أن المرأة إذا كانت مريضة بالسل الرئوى الذى يزيده الحمل والوضع وينتقل إلى الجنين، أو بالالتهاب الكلوى الذى يعرِّض للتسمم البولى لإضراب الكليتين عن العمل. ويشتد خطر الالتهاب إن صاحبه ارتشاح فى الجسم، أو بالبول السكرى الذى لا يوجد له دواء، أو لا يفيده " الأنسولين " أو كانت مريضة بالقلب أو ضعف القوى العقلية أو الاضطرابات النفسية. أو بالقىء الكثير الذى يخاف منه على الحامل إذا كان مصحوبًا بزلال فى البول أو بحمى أو بنزف انتهى.
وإذا كان الحمل من زنا، وأجاز الشافعية إجهاضه، فأرى أنه يكون فى حالة الإكراه أو ما شابهها حيث يكون الإحساس بالندم والألم النفسى، أما عند الاستهانة بالأعراض وعدم الحياء من الاتصال الجنسى الحرام فأرى عدم جواز الإجهاض، لأن فيه تشجيعًا على الفساد، وإن كان منتشرًا فى كثير من البلاد غير الإسلامية، ولذا حرمته بعض القوانين، ثم رفعت الحظر عنه لممارسته فعلاً، وعالجت بعض الأولاد غير الشرعيين.
ولتمام الموضوع لبيان حكم التعقيم وحكم الإجهاض وآثاره والأسباب المبررة له قبل نفخ الروح فى الجنين وبعده يرجع إلى كتاب الفتاوى الإسلامية (مجلد 9 ص 3093 وما بعدها) . وينظر قرار مجمع البحوث الإسلامية "فتاوى الشيخ جاد الحق ج 5ص 98 "
(9/454)
________________________________________
حضانة البويضة أو الرحم المؤجر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فيما يطلق عليه الآن اسم " الرحم المؤجر"؟

الجواب
لاشك أن الزنا محرم فى جميع الشرائع السماوية، وله فى الإسلام عقوبة شديدة. ولإقامة الحد على الزانى والزانية وضعت شروط شديدة ودقيقة يدرأ بها الحد عند قيام الشبهة فى تحققها.
غير أن هناك صورا يتحقق بها ما يتحقق بالزنا أو تقاربه إلى حد كبير منها إدخال المرأة ماء رجل أجنبى عنها فى فرجها، فقد يحصل منه حمل تختلط به الأنساب ويثور النزاع، وتضيع الحقوق والواجبات، ولذلك حرم العلماء هذه الصورة كما حرموا غيرها.
وإذا كان إدخال الماء الأجنبى - وهو أحد المادتين اللتين يحصل منهما الحمل -حراما حتى لو لم يتم به حمل، فكيف بإدخال المادتين معا مع تحقق الحمل منهما؟ إن الحرمة أشد وتكون الحرمة - كما قال العلماء-من باب أولى.
ولذلك يمكن أن يعاد النظر فيما قاله الفقهاء قديما من أن هذه الصورة وإن كانت محرمة لا توجب عقوبة الزنا بالحد، لعدم تحقق اللقاء الجنسى على الصورة المعهودة.
أرى أن يعاد النظر فيما قالوه ويحكم بالحد فى هذه الصورة، لأن آثارها إن لم تكن هى تماما آثار الزنا فإنها تشبهها إلى حد كبير، لأن من أهم أسباب تحريمه هو اختلاط الأنساب إن حصل حمل.
هذا، وقد جاء فى قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامى التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى الذى انعقد فى الأردن فى أكتوبر 1986 م - جاء تحريم هذه الصورة التى يطلق عليها اسم " الرحم المؤجر ".
وفى محكمة " نيو جرسى " القريبة من نيويورك قضية من هذا النوع، عقدت صفقتها فى مارس 1985 م، وولدت الأم التى حملت البويضة الملقحة بنتا بعد تسعة أشهر، تنازعتها مع أصحاب هذه البويضة، لشعورها القوى بأنها جزء منها،على الرغم من أنها أم لطفلين غيرها.
وجاء فى أهرام 25/ 1 / 1987 م أن القضية لم يفصل فيها بعد.
وجاء فى أهرام 2/ 10/ 1987 م أن أما حملت بويضة بنتها وأنجيت ثلاثة توائم فى أحد مستشفيات " جوهانسبرج ".
أرى أن البويضة الملقحة حين وضعت فى رحم غير رحم صاحبة البويضة هى غريبة عنها، وليست منها أبدا ولا دخل لزوجها فيها فهى ملقحة من ماء غير مائه، وليس لصاحبة الرحم المؤجرَ إلا فضل التنمية والتغذية كإرضاع الطفل الأجنبى، فهل تقاس تغذية الجنين بدمها على تغذية الرضيع بلبنها فيكون ولدها من هذه الناحية، ويعطى حكم الرضيع فقط فى أحكامه الخاصة، أو ينسب إليها بولادته منها كما ينسب كل المولودين؟ ويا ترى إذا نسب إليها بالولادة هل تكون نسبة ولد زنا وهولم يتخلق منها أصلا لا بالبويضة ولا بالماء وقد سمينا غيره ولد زنا إذا كانت البويضه منها والماء من رجل أجنبى، أو لا ينسب إليها أصلا، لا كالرضاع ولا كالزنا وتعد هى كأنها حاضنة وإنما ينسب إلى أبويه صاحبى النطفة والبويضة؟ نحن فى انتظار نتائج بحث الفقهاء، وحسبى أننى أثرت هذه التساؤلات المفصلة، وإن كان الأشبه عندى-بصفة مؤقتة-أن يعطى الولد حكم الرضيع فقط ويعطى حكم اللقيط بالنسبة إلى أبويه، وحكم التلقيح بالنسبة إلى زوجها، على أن يكون وضع البويضة فى رحمها حراما، لما ينجم عنه من التنازع والاختلاف والآثار الأخرى
(9/455)
________________________________________
خدمة الزوجة للضيوف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يتحمس بعض المجددين لإعطاء المرأة حقها فى النشاط الاجتماعى ولا يرون بأسا فى مجالسة الزوجة لأصدقاء زوجها وخدمتهم، فما حكم الدين فى ذلك؟

الجواب
فى حديث رواه البخارى وترجم له بقوله " باب قيام المرأة على الرجال فى العرس وخدمتهم بالنفس " وروى عن سهل بن سعد قال:
لما عَرَّس أبو أسَيْد الساعدى دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بَلَّتْ تمرات فى تور من حجارة بالليل، فلما فرغ النبى من طعامه ماثته له فسقته تتحفه بذلك.
والتور إناء يشرب فيه وقد يتوضأ منه ويصنع من صفر أو حجارة، ومعنى ماثته: خلطته بالماء.
يقول العلماء: هذه الحادثة إما أن تكون قد وقعت قبل فرض الحجاب أو بعد فرضه، فإن كانت قبل فرضه فلا يصح أن يستدل بها على ما يدعيه بعض المتحمسين لتحرر المرأة واندماجها فى المجتمع وإن وقعت بعد فرض الحجاب - وهو لم يفرض إلا بعد الهجرة بثلاتَ سنوات أو أربع أو خمس فهل جاء فى الحديث أن أم أسيد كانت كاشفة لما أمر الله بستره، تسلم وتصافح المدعوين وتشاركهم الحديث وما يتبعه؟ إن من المقطوع به أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يقرها على ذلك مطلقا إذا حدث، ومن هنا تكون أم أسيد قد التزمت الحجاب الذى فرضه اللَّه.
ونقول: إن خدمة المرأة للرجال فى حدود الحشمة الشرعية بكل مقوماتها القولية والفعلية، بل ومشاركتها لهم فى تناول الطعام غير ممنوع، وجاء فى موطأ الإمام مالك رضى الله عنه أن المرأة يباح لها أن تأكل مع الرجال. ويقول ابن القطان بناء على هذا: فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويدها للأجنبى، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا وإذا قال القرطبى فى تفسيره "ج 9 ص 68 " فى الحديث: إنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه ويستخدمها لهم - فلابد من الحذر فى فهم هذا الكلام حتى لا يتعارض مع مقررات الشرع -وقد قال بعد ذلك ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب.
إن مثل هذا النص لا يجوز أبدا أن يتخذ منطلقا للإباحة للمرأة أن تجالس أصدقاء الزوج على النحو المعروف الآن، ولابد لأى نص دينى أن يؤخذ مع النصوص الأخرى التى توضحه بالأساليب المعروفة، منعا لسوء الاستغلال، وعدم الاندفاع فى تيار التقليد العصرى الذى يخلق مشكلات وأخطار يعرفها الجميع
(9/456)
________________________________________
الفرق بين الخمار والنقاب والحجاب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرجو تحديد معانى هذه الألفاظ وهى الخمار والنقاب والحجاب؟

الجواب
من القواعد العلمية ما يعرف بتحديد المفاهيم، أو تصور الموضوع تصورا صحيحا حتى يمكن الحكم عليه، فلابد من معرفة معانى الخمار والنقاب والحجاب قبل الحكم عليها.
1 - الخمار: هو واحد الخُمُر التى جاءت فى قوله تعالى {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} النور: 31، وهو ما يغطى به الرأس بأى شكل من الأشكال كالطرحة والشال وما يعرف بالإيشارب، ويقال فى ذلك: اختمرت المرأة وتخمرت، وهى حسنة الخِمْرَة.
2 - للنقاب: هو ما تضعه المرأة على وجهها لستره، ويسمى أيضا " البرقع " أو " النصيف " وهو معروف من زمن قديم عند اليهود كما فى سفر التكوين " إصحاح: 24" أن " رفقة " رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشى فى الحقل للقائى؟ فقال: هو سيدى، فأخذت البرقع وتغطت، كما كان معروفا عند العرب قبل الإسلام، وسمى باللثام، كما يسمى بالخمار أيضا. قال النابغة الذبيانى يصف " المتجردة " امرأة النعمان ابن المنذر لما سقط برقعها وهى مارة على مجلس الرجال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * فتناولته واتقتنا باليد.
3- الحجاب: فى اللغة هو الساتر كما قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} الأحزاب: 53، وكما قال {فاتخذت من دونهم حجابا} مريم: 17.
ويراد به فى الشرع ما يمنع الفتنة بين الجنسين، ويتحقق ذلك بستر العورة والغض من البصر، ومنع الخلوة والكلام اللين واللمس.
فالحجاب أعم من الخمار ومن النقاب، وهما من مقوماته التى تتحقق بها حكمة التشريع وهى منع الفتنة بين الرجال والنساء، أو تنظيمها ليؤدى كل من الجنسين رسالته فى هذا الوجود.
وبتحديد هذه المعانى يعرف حكم كل واحد منها، وهو مفصل فى الجز الثانى من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام " وقد نتعرض له فى مواضع أخرى
(9/457)
________________________________________
تعدد الزوجات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا أجاز الله للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة ولم يجز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل؟

الجواب
قال الله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} النساء: 3، ولقد كان تعدد الزوجات معروفا وسائدا فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية السابقة، والإسلام أقره بشرط ألا يزيد على أربع، وألا يخاف العدل بينهن.
وفى مشروعيته مصلحة للرجل، فمن المقررأنه بحكم تكوينه مستعد للإخصاب فى كل وقت من سنه العادى، وتتوق نفسه إلى المتعة ما دام فى حال سوية، أما المرأة فبحكم تكوينها لا تستعد للإخصاب مدة الحمل، وهى أشهر طوال، ومدة الدورة وهى فى الغالب ربع الشهر طيلة عمرها حتى تبلغ سِنَّ الياس، كما أنها تعزف عن المتعة مدة الإرضاع التى قد تبلغ حولين كاملين، ولا ترغب فيها غالبا، أو تلحُّ عليها إلا فى فترة قصيرة جدا كل شهر حين تنضج البويضة، فكان من العدل والحكمة أن يشرع التعدد ما دامت هناك قدرة عليه وعدل فيه. فالزوجة قد تكون غير محققة لمتعته كما يريد، إما لعامل فى نفسه أو نفسها هى ولا يريد أن يطلقها، وقد تكون عقيما لا تلد وهو يتوق إلى الولد شأن كل رجل، بل وكل امرأة، فيبقى عليها لسيب أو لآخر، أو قد تكون هناك عوامل أخرى تحقق له بالتعدد مصلحة مادية أو أدبية أو عاطفية يحب أن ينالها فى الحلال بدل أن ينالها فى الحرام.
كما أن فى تعدد الزوجات مصلحة للمرأة أيظا إذا كانت عقيما أو مريضة وتفضل البقاء فى عصمة الرجل، لعدم الاطمئنان عليها إذا انفصلت، وقد تكون محبة له يعز عليها.أن تفارقه لشرف الانتساب إليه أو نيل خير لا يوجد عند غيره. وفيه مصلحة للمجتمع بضم الأيامى ورعاية الأيتام، وبخاصة فى الظروف الاستثنائية، وبالتعفف عن الفاحشة والمخاللة، وكذلك بزيادة النسل فى بعض البلاد، أو بعض الظروف التى تحتاج إلى جنود أو أيد عاملة.
وإذا علمنا أن الرجل مستعد للإخصاب فى كل وقت، وبتزوجه بعدة زوجات يكثر النسل. جاز له أن يعدد الزوجات، لكن المرأة إذا حملت أو كانت فى فترات الدم أو الرضاع لا تكون مستعدة للحمل مهما كثر اللقاء الجنسى بينها وبين زوجها الواحد، فما هى الفائدة من كثرة اللقاء بينها وبين أكثر من رجل؟ إنها ستكون للمتعة فقط، تتداول كما تتداول السلعة، وفوق أن هذا إهانة لكرامة المرأة: فيه اختلاط للأنساب وتنازع على المولود من أى هؤلاء الرجال يكون، وتلك هى الفوضى الجنسية والاجتماعية التى تضيع بها الحقوق، ولا يتحقق السكن بالزواج.
إن تعدد الأزواج للمرأة الواحدة صورة من صور النكاح فى الجاهلية التى أبطلها الإسلام، كما ثبت فى صحيح البخارى. فقد كان عندهم نكاح أخبرت عنه السيدة عائشة بأن الرهط ما دون العشرة من الرجال يدخلون على المرأة كلهم يصيبونها، فاذا حملت ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذى كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان - تلحقه بمن أحبت - فلا يستطيع أن يمتنع.
كما كان هناك نكاح البغايا الذى يدخل فيه كثير من الناس على.
المرأة فلا تمتنع ممن جاءها، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها القافة-الذين يعرفون الأثر-فألحقوا ولدها بالذى يرون والتاط به - أى لحقه -ودعى ابنه لا يمتنع منه، والإماء هن فى الغالب اللاتى يحترفن هذه الحرفة، وينصبن الرايات على بيوتهن.
وقد أثير مثل هذا السؤال بالنسبة للجنة حيث يزوج الله الرجل بكثير من الحور العين، ولا يجعل للمرأة إلا زوجا واحدا، ومع الاعتقاد بأن قانون الآخرة ليس تماما كقانون الدنيا، فإن الغرض من نعيم الآخرة هو إمتاع المؤمنين الصالحين بكل ما تشتهيه الأنفس وبخاصة ما حرموا منه فى الدنيا، والإمتاع معنى يقدره اللَّه ويكيفه حسب إرادته، فكما يجعل متعة الرجل فى الحور العين، يجعل متعة المرأة بمعنى آخر، لأن مهمتها الدنيوية فى الحمل لا لزوم لها فى الجنة، وسيضع الله فى قلبها القناعة بحيث لا تغار من زوجات زوجها من الحور، كما جعل الحور أنفسهن قاصرات الطرف على من خصصْنَ له من الرجال، لا يملْن ولايشتهين غير أزواجهن {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} ص: 52، وقد منع اللَّه عن أهل الجنة عامة الغل والحسد، والهم والحزن: قال تعالى {ونزعنا ما فى صدورهم من غل} الحجر: 47، وقال على لسانهم {الحمد للَّه الذى اذهب عنا الحَزن إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المُقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} فاطر: 34، 35
(9/458)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:16 am

زوجات النبى صلى الله عليه وسلم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو عدد وأسماء زوجات النبى صلى الله عليه وسلم، ولماذا أحل الله له أكثر من أربع؟

الجواب
المتفق عليه من زوجاته صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة، توفيت اثنتان منهما حال حياته، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة، وتوفى عن تسع نسوة. والقرشيات من زوجاته ست، والعربيات من غير قريش أربع، وواحدة من غير العرب وهى صفية من بنى إسرائيل.
فالقرشيات هن:
1 - خديجة بنت خويلد، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده قُصى.
وهى أول من تزوج وأنجبت له كل أولاده: عبد الله والقاسم، زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، أما إبراهيم فهو من مارية القبطية. توفيت بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين على الأصح.
2 - سودة بنت زَمْعَة، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده لؤى بن غالب تزوجها بعد وفاة خديجة بقليل، عقد عليها بمكة، وقيل: دخل عليها بمكة أو المدينة، وتوفيت سنة 54 هـ.
3- عائشة بنت أبى بكر الصديق، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب ابن لؤى، عقد عليها بعد عقده على سودة ودخل بها فى المدينة، وتوفيت سنة 506هـ أو بعدها.
4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب. تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب ابن لؤى. تزوجها فى السنة الثانية أو الثالثة بعد الهجرة، وتوفيت سنة 45 هـ.
5 - أم سلمة، واسمها هند، وقيل: رملة. تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لؤى، تزوجها بعد وفاة زوجها فى السنة الرابعة من الهجرة وتوفيت سنة 58هـ أو بعدها.
6 - أم حبيبة، واسمها رملة، وقيل هند. وهى بنت أبى سفيان تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لوى. عقد عليها سنة سبع من الهجرة وهى فى الحبشة، وتوفيت سنة 44 هـ وقيل غير ذلك.
والعربيات هن:
1 - زينب بنت جحش: أبوها من مضر، وأمها قرشية وهى أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم تزوجها بعد طلاقها من زيد بن حارثة، سنة 3 هـ أو 4 أو 5 هـ وتوفيت سنة 20 أو بعدها.
2 - جويرية بنت الحارث المصطلقية، وقعت فى الأسر فى غزوة بنى المصطلق، فخلصها النبى وتزوجها سنة خمس أو ست من الهجرة، وتوفيت سنة 50 هـ أو بعدها.
3- زينب بنت خريمة، كانت تلقب فى الجاهلية بأم المساكين، تزوجها سنة ثلاث أو أربع من الهجرة، وتوفيت فى السنة الرابعة، ومدة مكثها عند النبى شهران أو ثلاثة، وقيل ثمانية.
4 - ميمونة بنت الحارث، تزوجها فى السنة السابعة من الهجرة فى عمرة القضية، وتوفيت فى " سرف " سنه 51 هـ.
أما غير العربيات فهى صفية بغت حُيَى بن أخطب من يهود بنى النضير، وقعت فى الأسر فاشتراها النبى صلى الله عليه وسلم من دحية وتزوجها فى غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة، وتوفيت سنة خمسين وقيل بعد ذلك وتزوج النبى صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء ولم يدخل بهن. وأما مارية القبطية فلم تكن زوجة حرة معقودا عليها، وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يتمتع بها بملك اليمين، وولدت له إبراهيم وتوفيت سنة 12 أو 16 هـ.
وقد تزوج النبى صلى الله عليه وسلم هذا العدد على عادة العرب وغيرهم من تعدد الزوجات، ولم تنزل الآية التى حددت التعدد بأربع إلا بعد أن تزوجهن جميعا، وقد نهاه الله عن الزيادة عليهن وأمره بإمساكهن جزاء على اختيارهن له مع رقة عيشه وزهده، قال تعالى {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدَّل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} الأحزاب: 52، كما حرم على أحد أن يتزوج واحدة منهن بعد النبى صلى الله عليه وسلم فقال {وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللَّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} الأحزاب: 53، ولهذا لم يطلق واحدة منهن حتى تظل فى كنفه ويكن أزواجه فى الجنة.
وما كان زواجه بهن عن شهوة جنسية طاغية، بل كان لمعان إنسانية كريمة يطول بيانها، ولو كان لشهوة لاختارهن أبكارا، لكنهن كن جميعا ثيبات ما عدا عائشة، ولو كان لشهوة ما رفض كثيرات عرضن أنفسهن عليه هبة دون مقابل، وكان زواج كل واحدة بإذن ربه فقد روى " ما تزوجت شيئا من نسائى، ولا زوجت شيئا من بناتى إلا بوحى جاء لى به جبريل عن ربى عز وجل "ولا يقدح فى ذلك قوله "حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة " فهو حب رحمة، جعلته -صلى الله عليه وسلم يوصى بهن كثيرا حتى فى أخر أيامه، - وتوضيح كل ذلك فى الجزء السادس من: الأسرة تحت رعاية الإسلام
(9/459)
________________________________________
الدليل على وجود الله ورسالة محمد (ص)

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الدليل المقنع على وجود الله وعلى أن محمدا رسول حقا من عند الله؟

الجواب
1 - الدليل المقنع على وجود الله هو آثاره المشاهدة التى لا يمكن أن تكون موجودة بنفسها من غير قوة كبرى على قدرة وعلم وصفات يصدر عنها هذا الإبداع وهى قوة اللَّه تعالى، ومن البدهيات أن كل صنعة لابد لها من صانع، وكلما كانت الصنعة أحكم كان صانعها على أعلى مستوى من الحكمة، وكما قال الحكماء: ليس هذا العالم مخلوقًا بالطبع أو بالعلة، لأن مطبوع الطبيعة لا يختلف، بل بلتزم شكلاً واحدًا، ومعلول العلة لا يتخلف، بل لابد أن يكون ملازمًا لعلته وجودًا وعدمًا، حدوثًا وقدما.
إن الإيمان بوجود اللَّه حقيقة مقررة في فطرة الإنسان منذ خلق، كما نص الحديث الصحيح.
"ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهؤَدانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء" يقول أبو هريرة راوى الحديث: اقرءوا إن شئتم {فطرة اللَّه التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} الروم: 30، رواه البخارى ومسلم.
إن الرجل البدوى حين سئل عن وجود اللَّه نطق بفطرته فقال: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟ .
وأنت تعلم أن آدم عليه السلام خلق وهبط الأرض وفي قلبه هذه الحقيقة، ونشأت ذريته الأولى على هذا الإيمان. ولما تفرقوا في طول الأرض وعرضها شغلهم طلب العيش والمأوى عن التفكير في خالق هذا الكون، وساقتهم فطرتهم إلى أن هناك من هو أقوى منهم، يسيرهم، ويسيطر عليهم، بما يرونه من كواكب ونجوم ومخلوقات شتى، وحاولوا التقرب إليها أو التحصن ضد خطرها، وكما يحدثنا علماء الفلسفة والأجناس البشرية، رمزوا إلى هذه القوة الخفية بما يعبر عن عقيدتهم في شكل تمثال أو غيره.، ومن هنا جاء الرسل لتلفت أنظار الضالين إلى حقيقة الألوهية.
ومهما يكن من شيء فإن علماء العصر الحديث -على الرغم من تنكر بعضهم للدين الذى عاشوا فى ظله قرونا، وحرمهم كثيرا مما يحتمه انطلاق الفكر ونشاط الإرادة - لم يستطيعوا أن ينكروا وجود اللَّه وراء هذه المادة التى هي وعاء علمهم وتجارتهم، وكان أسلوبهم في البحث بعيدًا عن الأسلوب الدينى التقليدى الذى ثاروا عليه، ولو شئت لأوردت لك كثيرًا من أقوال كبارهم فى إثبات وجود اللَّه، ولكنى أحيلك على كتاب "الله يتجلى في عصر العلم " الذى جمع فيه "جون كلوفر مونسما " الباحث الديني الاجتماعي كثيرًا من شهادات علماء أمريكا المتخصصين في كل العلوم، بما يؤكد اعتراف العلم بوجود اللَّه.
وإن شئت دليلا على طريقة المتكلمين وعلماء التوحيد على وجود اللَّه أحيلك على "رسالة التوحيد " للشيخ محمد عبده، ولعلك توفق إلى فهم الأسلوب الموضوع للاستدلال على وجوده سبحانه.
وأعتقد أيها السائل أنك ما دمت مسلمًا ومؤمنًا بالتالي بوجود اللَّه فلا تشغل نفسك بأمر لا يعني به إلا الفلاسفة والعلماء المتخصصون الذين ينفقون وقتًا كبيرًا في الجدل والمناقشة. ونحن أحوج ما نكون إلى أي وقت وأي جهد يبذل في سبيل المعركة المصيرية التي يخوضها المسلمون عامة فى هذه الأيام.
2 - إن قيام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دين جديد حقيقة تاريخية مقررة لاشك فيها، وتلك آثارها شاهد صدق عليها.
ولما جاء بالدعوة وكذبه قومه طلبوا منه ما يدل على صدقه، بالإضافة إلى ما عرفوه عنه من صدق وأمانة، وقد انترع منهم هذا التصديق المبدئي بقوله " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي "؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا فقال لهم "إنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد" ولذلك جاء على لسان من عرضت عليه الدعوة وعرف أنه مشهور بالصدق: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على اللَّه.
فلما أصروا على كذبهم ظلمَا وعلوا وقد استيقنت أنفسهم صدقه طلبوا منه آية أي علامة تدل على صدقه في أنه رسول اللَّه من عند اللَّه، وليس مدعيًا ذلك من نفسه فجاءهم بالقرآن متحديًا إياهم به، فعجزوا عن الإتيان بمثله، بل بعشر سورٍ، بل بسورة واحدة، على الرغم من أنهم فرسان البلاغة والفصاحة. وقد نص على ذلك قول الله تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا} الإسراء: 88.
وحيث إنهم عجزوا عن محاكاته: عُلم أنه ليس من صنعه فيكون من صنع اللَّه وحده، الذي جعل هذه المعجزة دليلاً على أن الرسول مبعوث من عند الله. وقد صح في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم "ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللَّه إلىَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ".
وإذا صدقنا بالقرآن معجزة صدقنا برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به، فالآيات في القرآن كثيرة تثبت رسالة جميع الرسل السابقين.وإن شئت توضيحًا لهذه الحقيقة فارجع إلى "رسالة التوحيد" للشيخ محمد عبده.
30/08/99242424242404:45 ص
(9/460)
________________________________________
النكاح المؤقت فى الغربة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز خلال بعثة تعليمية خارج البلاد أن يتزوج الإنسان لمدة زمنية محددة ينتهى بعدها العقد أو يتم تجديده؟

الجواب
نكاح المتعة نكاح مؤقت ينتهى بانتهاء المدة المتعاقد عليها بدون طلاق، ولا توارث عند الموت وقد أحله النبي صلى الله عليه وسلم لظرف طارىء ثم أبطله بعد زوال هذا الطرف واستمر باطلا إلى يوم القيامة، وعلى نسخه جمهور أهل السنة، وقالوا: إن المقصود من الزواج هو الدوام والاستمرار حتى يكون هناك استقرار في الأسرة لتؤدي رسالتها من الرحمة والمودة والسكن وتربية النسل تربية منظفة.
والإمام أبو حنيفة قال: إن عقد الزواج إذا كان محدودا بمدة معينة عقد صحيح ولكن يلغى التحديد ولا يلتزم به، وفي "المغنى " لابن قدامة الحنبلى:
لو تزوجها بغير شرط المدة إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح، وذلك لعدم الشرط في العقد. وإن تزوجها بشرط أن يطلقها في وقت معين لم يصح النكاح.
ومن هذا ترى أن الزواج المؤقت بمدة مشروطة صحيح عند أبي حنيفة ويقع مؤبدا وبلغى الشرط، وصحيح عند الحنابلة إذا لم يذكر الشرط وكان في نية الزوج أن يطلقها بعد مدة، ولا ينتهي بمضي المدة كما هو في المتعة، لكن لابد فيه من الطلاق وله حكم الزواج العادي من حيث الميراث والنسب وسائر الحقوق.
وتمكن الاستفادة بهذين الرأيين، ولكن عند الضرورة القصوى، وليس في كل حال وعدمه أولى، والصبر والتفرغ للعمل أفصل
(9/461)
________________________________________
النساء وزيارة المقابر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين في زيارة النساء للقبور، وبخاصة عند التزام جميع الآداب وعند إرادة الاتعاظ والخشوع؟

الجواب
إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أولا عن زيارة القبور، قطعا لما كان عليه أهل الجاهلية من التفاخر بزيارتها لتعداد مآثر من فيها من الآباء والأجداد، الذي يشير إليه قوله تعالى {ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر} التكاثر: 1، 2، ثم رخص لهم بعد في زيارتها لتذكر الموت والاستعداد للحياة الآخرة، كما بينه الحديث الذي رواه ابن ماجه بسند صحيح "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" وغير ذلك من الأحاديث التى رواها مسلم وغيره في هذا المقام.
وأجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، وأوجبها الظاهرية، غير أنهم قالوا: إن ذلك خاص للرجال دون النساء، لكن لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما في خروجهن من مفاسد نهاهن عنها، واستمر الإذن للرجال، وقال آخرون: إن النهى عن زيارتهن كان سابقا للنهى العام عن زيارة القبور. ثم جاء الإذن للرجال، وبقى المنع مستمرا بالنسبة لهن.
ومهما يكن من شىء فإن فى زيارتهن أقوالا تتلخص فيما بأتى:
1 -التحريم مطلقا، سواء كانت هناك فتنة أو مفسدة عند زيارتهن أم لا، ودليله حديث "لعن اللَّه زوارات القبور" رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح، ولكن القرطبى قال يحتمل أن الحرمة منصبة على الكثرة، أخذا من التعبير بلفظ "زوارات " وهو صيغة مبالغة.
2 - التحريم عند خوف الفتنة أو المفسدة. وبهذا يحرم على الشابات زيارة القبور وكذلك على غيرهن إذا كن بزينة أو شيء يلفت إليهن الأنظار، وتجوز للعجائز اللاتي لا يفتتن بهن، إلا إذا صاحبها شيء محرم كالنياحة وغيرها مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والنساء لا يستطعن التخلص بسهولة من هذه العادات الشنيعة، ففي حديث أم عطية: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح، فما وفت امرأة منا غير خمس نسوة ... رواه البخاري. ولما بكى نساء جعفر ابن أبي طالب عليه لما استشهد أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن ينهاهن فلم يطعن الرجل مرتين، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحثو في أفواههن التراب، رواه البخاري.
3 - الكراهة، ودليلها القياس على اتباع الجنائز، الذي ورد فيه حديث أم عطية أيضًا: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
4 - الإباحة، ودليلها عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة عندما ذهبت إلى البقيع -وهو مقبرة المسلمين -وعلمها ما تقوله عند زيارة القبور وهو"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون " رواه مسلم:
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكى عند القبر فأمرها بالتقوى والصبر، ونهاها عن البكاء لأنه سمع منها ما يكره من نوح وغيره، ولم ينهها عن أصل الزيارة.
5 - الاستحباب، كما هي مستحبة للرجال، ودليلها عموم الإذن بالزيارة في قوله صلى الله عليه وسلم "فزروها".
والآراء الثلاثة الأخيرة محلها عند أمن الفتنة والمفسدة، وإلا حرمت الزيارة، وبهذا يعلم جواب السؤال، وإن كنت أميل إلى كراهة زيارتهن على الرغم من عدم وجود محرم محظور، كالسفور والنياحة واللطم والجلوس على القبر والمبيت عنده وما إلى ذلك، فإن الأولى للمرأة أن تستقر في بينها لا تغادره إلا لضرورة أو حاجة ملحة، صيانة لها من الفساد
(9/462)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:16 am

تفويض الزوجة فى الطلاق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للزوج أن يفوض زوجته في تطليق نفسها إذا دعت الظروف بمعنى أن تكون العصمة فى يدها؟

الجواب
يجوز للزوج أن يفوض زوجته في تطليق نفسها منه، وذلك أخذا من تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته كما جاء في قوله تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن اللَّه أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} الأحزاب 28، 29.
إلا أن هذا التفويض يتقيد بمجلس علمها فقط، فلا يجوز أن تطلق نفسها في غير هذا المجلس إلا إذا كانت صيغة التفويض عامة، كما إذا قال لها: طلقى نفسك متى شئت، أو في أي وقت شئت، فإنها لا تتقيد بالمجلس، وكذلك إذا كان التفويض مقيدا بزمن، كما إذا قال لها، طلقي نفسك في مدة ثلاثة أشهر، فإنها تتقيد بهذا الزمن، وتفويضها طلاق نفسها إذا دعت إليه الضرورة ليس نصا في التفويض العام. ولهذا نرى أن يستبدل بها لفظ عام كقوله "متى شئت " حتى تستطيع أن تطلق نفسها في الوقت الذي تراه.
ويجوز أن يكون هذا التفويض قبل العقد ومع العقد، فإذا قال الرجل لامرأة:
إن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك في أي وقت، ثم تزوجها صح هذا التفويض ولا يتقيد بزمن لعمومه وكذلك إذا قالت امرأة لرجل: زوجتك نفسي على أن يكون أمر الطلاق بيدي أطلق نفسي متى شئت فقال: قبلت، تم عقد الزواج وصح التفويض ولا يتقيد بزمن لعمومه أيضًا. وإذا قال الزوج لزوجته: طلقى نفسك كلما شئت فليس لها أن تطلق نفسها ثلاثًا جملة واحدة، بل لها تفريق الثلاث، لأن القانون المصري رقم 25 لسنه 1929 منع الرجل من إيقاع الثلاث دفعة واحدة. فلا يستطيع أن يملك غيره مالا يملكه هو، وإن صح ذلك عند الحنفية كما هو مشهور مذهبهم.
هذا، وتفويض المرأة بالطلاق، أو جعل العصمة بيدها، لا يمنع الزوج من طلاقها متى شاء
(9/463)
________________________________________
إكراه البنت على الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى بعض البلاد يزوج الأب بنته دون أن يأخذ رأيها، وقد تكون كارهة لهذا الزواج فهل هذا الزواج صحيح؟

الجواب
روى البخارى أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة- وكانت ثيبا - فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها. وفي السنن أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم يعني جعل لها الخيار في إمضاء هذا الزواج وفي فسخه، وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلاً زوج بنته بغير استشارتها، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته. فجعل الأمر إليها، فلما رأت ذلك قالت: أجزت ما صنع أبى، ولكنى أردت أن أعلم النساء أنه ليس للأباء من الأمر شيء.
وروى عبد الرزاق أن امرأة قتل عنها زوجها يوم أحد ولها منه ولد، فخطبها عم ولدها ورجل آخر، فزوجها أبوها من هذا الرجل، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تريده، وتريد عم ولدها لأنه أخذ منها ولدها، فقال لأبيها "أنت الذي لا نكاح لك اذهبي فانكحى عم ولدك " وذكر الحارث في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل زوج بنته دون أن يستشيرها "أشيروا على النساء في أنفسهن " إن استبداد الولى باختيار الزوج وانفراده بالعقد هو جناية على المرأة واستهانة بعواطفها وإحساساتها.
وكان العرب يستثيرون بناتهم في الزواج قبل الإسلام، فجاء الإسلام واحترام رأيها كجزء من تكريمه لها.
وقد جاءت في ذلك عدة أحاديث، منها ما رواه مسلم "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت " وفي رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها" الأيم في اللغة من لا زوج لها، ثيبا كانت أم بكرا، صغيرة أم كبيرة. واختلف العلماء في المراد بها فى هذا الحديث، فالجمهور على أن المراد بها الثيب، أي التي سبق لها زواج، وقال الكوفيون: هي كل امرأة لا زوج لها، بكرا كانت أم ثيبا، كما هو مقتضاه في اللغة، وقالوا: كل امرأة بلغت فهى أحق بنفسها من وليها، وعقدها على نفسها النكاح صحيح، وقال الأوزاعى وأبو يوسف ومحمد: تتوقف صحة النكاح على إجازة الولى.
واختلفوا أيضًا في عبارة "أحق بنفسها من وليها" هل هى أحق بالإذن فقط، أم بالإذن والعقد على نفسها؟ فعند الجمهور: هي أحق بالإذن فقط، وأما الذي يتولى العقد فهو وليها، وقال الكوفيون: هي أحق بالإذن والعقد، وقول الجمهور أصح لحديث "لا نكاح إلا بولى". وقد تبين من الأحاديث وجوب احترام رأى المرأة عند الزواج، ولابد من موافقتها عليه إما بالقول من الثيب وإما بالسكوت من البكر، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى من زوجت بغير رضاها، إن شاءت أمضت وإن شاءت رفضت.
قال الشافعي وأصحابه: يستحب ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، ما لم تكن هناك مصلحة تفوت لو لم يزوجها، وهو أدرى بها منها، كما زوج أبو بكر رضي الله عنه عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم " وهي صغيرة.
وبالجملة لابد من احترام رأى المرأة وتعاون ولى أمرها معها في اختيار زوجها، فالرجل له من عقله الراجح وتجاربه ما يوجه به عاطفة المرأة، وبخاصة إذا كانت نيته الوجهة الصالحة، فالزواج يحتاج إلى العقل والعاطفة معا، كما يقول بعض الكتاب: إن المرأة في عاطفتها القوية كحامض الكبريتيك المركز، فيه خطر كبير، والولى كالماء المخفف لتركيزه، فيجعله صالحًا لتوليد الكهرباء بين القطبين، وينتفع بهذه القوة انتفاعا كبيرا "انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/464)
________________________________________
الذبح على رجل العروس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من عادة بعض الناس ذبح الأغنام على أساس الدار الجديدة، وعلى رجل العروس حينما تصل إلى بيت زوجها، فهل هذا من الدين؟

الجواب
إذا كان الذبح شكرًا للَّه على النعمة في بناء البيت لا أكثر فهذا لا بأس به، وإن كان الذبح عند زفاف العروس شكرًا لله على النعمة لإطعام الفقراء فهو كالوليمة المسنونة فى الزواج، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه، وأمر الصحابة بهذه السنة، فينبغي إذا قدمت هذه الأشياء أن تكون بنية طيبة، وألا تلتزم فيها عادة قديمة لا أصل لها في الدين كالذبح على رجل العروس، فإن كانت بنية غير هذه فلا يوافق عليها الدين "انظر الوليمة في الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/465)
________________________________________
المرأة وزوج بنتها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز شرعا لزوج بنتى أن يدخل بيتى ويجلس مع أمها في حالة حضورى أو غيابى عن البيت، ولوجود خلاف شديد ونزاع مستمر داخل الأسرة بسبب هذا الموضوع؟

الجواب
وجود المرأة مع زوج ابنتها في مكان خال بدون وجود محرم أو طرف ثالث - أمر جائز شرعا، لأنه من المحارم، أى من يحرم التناكح بينهما، فهى بمنزلة أمه، وهو بمنزلة ابنها، قال تعالى في المحرمات من النساء {وأمهات نسائكم} النساء: 23، والحديث الشريف يقول "لايبيتن رجل عند امرأه ثيب إلا أن يكون ناكحا - أى زوجا - أو ذا حرم " رواه مسلم ويقول "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخاري ومسلم.
فإذا أحس الزوج أن هناك ريبة في هذه الخلوة كان على المرأة أن تستجيب لرغبة زوجها، وتمتنع عن الخلوة مع زوج بنتها على الرغم من أن ذلك حلال، وبخاصة إذا كان في المرأة ما يغرى، وكان زوج بنتها شابا لا يستطيع التحكم فى نفسه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله " رواه ابن ماجه ويقول "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا، رجل أمَّ قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان " رواه ابن ماجه وابن حبان والترمذي وحسنه
(9/466)
________________________________________
شبهة فى المتعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى قوله تعالى {نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} البقرة:
223؟

الجواب
فهم بعض الناس من هذه الآية أن للزوج أن يباشر زوجته في غير المحل الطبيعي للمباشرة، اعتمادا على ما يفهمه من تعبير"أنى شئتم " وعلى ما نقل خطأ عن بعض الأئمة، وقد جاء في البخارى ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول، فأنزل اللَّه قوله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وفى لفظ مسلم "إن شاء مُجبيةً وإن شاء غير مجبية -والمجبية المنكبة على وجهها- غير أن ذلك في صمام واحد " والصمام الواحد هو المحل الطبيعي، وهو موضع الحرث والولد.
وفي المسند عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هلكت، قال "وما أهلكك "؟ قال: حولت رحلى البارحة. فلم يرد عليه شيئا، فأوحى الله إليه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر.
وذكر الشافعي: بسند وثق رجاله أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال "حلال " فلما ولى دعاه فقال "كيف قلت: في أي الحرثتين أو فى أى الحرزتين أو في أى الخصفتين؟ أمن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا، إن اللَّه لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن " وفي بعض الروايات التعيير بالحشوش والمحاش.
إن لفظ "أنَّى" في الآية يطلق على معان ثلاثة، أين ومن أين وكيف.
والمعنى الثالث هو المقصود منها، فالتعميم في الحال لا في المكان كما بينته السنة الصحيحة، والحرث هو الذي ينبت الزرع وهو الولد.
وقال مجاهد: سألت ابن عباس عن هذه الآية فقال: تأتيها من حيث أمرت أن تعتزلها، يعني فى الحيض، لأن هذه الآية متصلة بآية الحيض.
ومن هنا يعلم خطأ من نسب القول إلى الإتيان في غير ذلك إلى بعض الأئمة فهو مجمع على حرمته، وتفصيله في شرح الزبيدى للإحياء "ج 5 ص 375" وزاد المعاد لابن القيم وخلاصته فى الجزء الثالث من موسوعة: الأسرة تحت رعاية الإسلام
(9/467)
________________________________________
زينة المعتدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الزينة الممنوعة على الزوجة التى توفى عنها زوجها؟

الجواب
الزوجة التى توفى عنها زوجها يجب عليها أن تعتد، أي تمكث بلا زواج حتى تضع حملها إن كانت حاملا، أو يمر عليها أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، كما جاء في قوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة: 234، وقوله {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4.
ويحرم عليها أثناء العدة أمور تتنافى مع الحزن والأسف لفراق الزوج، والوفاء لحق الحياة الزوجية، والمساعدة على عدم طمع أحد في زواجها حتى تنتهي عدتها.
فيحرم عليها التزين بأية زينة تتنافى مع هذه الحكمة، وكانت للعرب في الجاهلية مظاهر استمر النساء عليها حتى جاء الإسلام فأقر بعضها وأبطل الآخر. وليس هناك ما يمنع من القياس على ما كان عند الجاهلية مما لم يبطله الإسلام عند عدم ورود النص فيه.
فالطيب بجميع أنواعه حرام، وكذلك زينة بدنها من خضاب ومساحيق وكحل وما إلى ذلك، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على النهى عن الخضاب، للتنبيه على ما شاكله أو كان أعظم منه منافاة لمقصود الإحداد، وكل ذلك ممنوع ليلاً ونهارا، ففى سنن أبي داود عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا تكتحل ولا تختضب ".
لكن لو احتيج لشيء من ذلك على سبيل التداوى فلا مانع منه، ويرخص فيه بقدر الضرورة، بدليل ما ورد في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب " [وهو برود من اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ ثم ينسج مصبوغا فيخرج ملونا-وقيل هو النبت الذي يصبغ به لا الزينة] "ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت - أى من الحيض -في نبذة من قسط أو أظفار" نوعان من البخور.
وهذا القول هو ما عليه جمهور الفقهاء، كمالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي وغيرهم. ويقاس عليه كل ما لم يقصد به الزينة كالقطرة السائلة والجافة والأصباغ الطبية التى توضع على الجروح وغيرها، ولا تمنع المحدة من تقليم الأظفار، وإزالة الشعر المندوب إزالته وكل ما يقصد به النظافة لا الزينة.
وكذلك يحرم على المحدة لبس الثياب التي يقصد منها الزينة أيا كان لونها أو نوعها، والعرف يختلف في تقدير الزينة من هذه الملابس، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ما كان نساء العرب قد اعتدنه، فنهى عن الثوب المصبوغ للزينة.
وكذلك يحرم عليها لبس الحلى بجميع أنواعه، فهو للزينة قطعا، وقد صح عن الصحابة نهيهم عن ذلك كابن عمر وابن عباس وأم سلمة وعائشة رضى الله عن الجميع
(9/468)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:19 am

الولد للفراش

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تزوج رجل بفتاة وبعد ثلاثة أشهر اكتشف خيانتها فطلقها، وبعد ثلاثة أشهر تزوجت برجل آخر وبعد ستة اشهر وضعت طفلا وتوفيت على الأثر فلمن ينسب هذا الطفل؟

الجواب
ثبت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخاري ومسلم، وقد ولد هذا الطفل على فراش الزوجية الأخيرة.
فهو ينسب إلى هذا الأب الثاني، ومدة الحمل هي من ستة أشهر من حين اجتماع الزوجين أو من حين العقد على خلاف فى ذلك. 

فقد روى أن رجلا تزوج امرأة فولدت لستة أشهر، فهمَّ عثمان رضي الله عنه برجمها، فقال ابن عباس: لو خاصمتكم بكتاب اللَّه لخصمتكم قال تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال: {وفصاله في عامين} فلم يبق للحمل إلا ستة أشهر وقد درأ عثمان الحد، واشتهر ذلك بين الصحابة ولم ينكره أحد، فلو ولدته قبل ستة أشهر من الدخول أو الخلوة فلا يثبت نسبه إلا إذا ادعاه الزوج.
أما العقاب فأمره متروك إلى اللَّه، لأنه هو الذي يعلم السر كله فى هذا الموضوع، وليس لنا إلا الحكم بالظاهر، حفاظا على الأعراض والأنساب ومنعا للفتنة
(9/469)
________________________________________
بيت الطاعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى إلزام القضاء للزوجة العاصية بالدخول في بيت الطاعة، وكيف تدخل الزوجة التي لا تطيق العيش مع زوجها في هذه الطاعة بإرغامها بالحكم القضائي، وهل وردت هذه الطاعة فى القرآن أو السنة؟

الجواب
من الأوضاع الشاذة التى تضطر الزوجة إليها من أجل الحفاظ على حق النفقة، وبخاصة إذا كان عن طريق التحاكم إلى القضاء- ما يسمى ببيت الطاعة.
فالرجل يعمد إلى مسكن لا يرضى أن يسكنه هو، بل ولا يرضى لابنته أو أخته أن تسكنه، ويقدم إليها من الطعام والشراب في هذا السجن ما يتنافى مع الكرامة الإنسانية، وذلك كله من أجل التضييق عليها حتى تفتدى نفسها منه ليطلقها، وقد أمر الله سبحانه بإحسان عشرتها في المسكن والنفقة وحرم الإضرار بها لتطلب الطلاق منه فقال {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} الطلاق: 6، إن هذه المعاملة تتنافى مع الوصية بالإحسان إليهن ومعاشرتهن بالمعروف. وقد يحمل عناد المرأة على عدم تمكن زوجها من الوصول إلى غرضه.
وأقول: إذا عرف كل من الزوجين حقه وواجبه نحو الآخر وجب التنفيذ بدقة وإخلاص، فإذا ساء التفاهم بينهما أوصيهما بقول الله تعالى {فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا} البقرة: 231.
وإذا فشل التحكيم في التوفيق فليتفرقا ليغنى اللَّه كلا من سعته ولا داعى للعناد الذي يجر إلى ما لا يرضاه اللَّه، وأذكَرهما بالحديث الشريف "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وليحذر كل منهما أن ينعكس خلافهما على أولادهما، وينتقم اللَّه من الظالم في شخص ولده أو بنته عند الزواج
(9/470)
________________________________________
عدة من استؤصل رحمها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كيف تعتد المرأة عدة الطلاق لو استؤصل رحمها ولم تعد تحيض ولا تحمل؟

الجواب
المرأة المطلقة إما حامل وإما غير حامل، وغير الحامل إما أن تحيض أو لا تحيض، والتى لا تحيض إما أن الحيض لم يأتها بعد لصغرها، وإما أنه انقطع بعد أن كان يأتيها لكبر سنها مثلا، ولكل حكمه فى العدة:
فالحامل عدتها تنتهى بوضع الحمل، كما قال تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4، وغير الحامل التى تحيض عدتها بالأقراء، وهى الأطهار أو الحيضات، كما قال تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة: 288، والتى لم يأتها الحيض لصغرها عدتها بالأشهر وهى ثلاثة قمرية، ومثلها التى انقطع حيضها لليأس منه بكبر سنها، كما قال تعالى {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن} الطلاق: 4، واليأس إما طبيعى أو عارض ومن استؤصل رحمها ولم تعد تحيض بعد، قد عرض لها اليأس فتعتد بثلاثة أشهر.
لأنها يئست من الحيض.
هذا، والأئمة الذين فسروا القرء بأنه الطهر هم مالك والشافعى وأحمد فى رواية، والذين فسروه بالحيض هم أبو حنيفة وأصحابه وأحمد فى رواية، وقانون الأحوال الشخصية فى مصر أخذ برأى الحنفية فى القرء وهو الحيض
(9/471)
________________________________________
التعامل مع الحائض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
شاب كان فى سفر طويل ثم حضر فى إجازة قصيرة فوجد زوجته حائضا أو نفساء ويريد أن يتمتع بها فكيف يتصرف؟

الجواب
يقول اللَّه سبحانه {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اللَّه إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} البقرة: 222.
تنهى الآية عن قربان الحائض حتى تطهر والطهر يكون بالغسل عند جمهور للعلماء، فيحرم الجماع قبله، وقال أبو حنيفة: يجوز الجماع بمجرد انقطاع الدم ولو قبل الغسل إذا كان الانقطاع لأكثر مدة الحيض، فإن انقطع قبل ذلك حرم إلا بعد أن تغتسل أو تتيمم أو يمضى عليها وقت صلاة، والقربان يصدق بالجماع وبغيره، أما الجماع فهو حرام باتفاق العلماء، ويؤكد حرمته ما نصت عليه الآية وما اقره المختصون من الأذى.
وأما غير الجماع فقد ورد فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية وقال صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شىء إلا النكاح " وكل شىء ما عدا النكاح جائز فيما عدا ما بين السرة والركبة، كالقبلة وغيرها، تقول السيدة عائشة رضى الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم-أى تناوله الإناء - فيضع فاه على موضع فمى فيشرب، وأتعرَّق العَرْق -أى العظم الذى عليه بقية من لحم - وأنا حائض ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على فمى رواه مسلم، وتقول أم المؤمنين ميمونة رضى اللَّه عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معى وأنا حائض، وبينى وبينه ثوب، رواه مسلم أيضا، كما روى مثل هذا عن أم سلمة، قال النووى تعليقا على ذلك: قال العلماء: لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة ولحت الركبة، ولا يكره وضع يدها فى شيء من المائعات، ولا يكره غسل رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع، وسؤرها-بقية شربها - وعرقها طاهران، وكل هذا متفق عليه.
أما الاستمتاع بما بين السرة والركبة من غير جماع فالآراء فيه مختلفة، فأبو حنيفة ومالك والشافعى يحرمونه، بدليل ما سبق عن ميمونة وأم سلمة من اضطجاع الرسول معها مع وجود ثوب حائل كما روى البخارى عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فأتزر فيباشرنى وأنا حائض.
وروى أحمد وغيره عن عمر أنه سأل الرسول عما يحل للرجل من امرأته وهى حائض فقال " له ما فوق الإزار ".
أما أحمد بن حنبل فقد أباح الاستمتاع بما بين السرة والركبة، بناء، على فهمه من اعتزال النساء فى المحيض أنه نهى عن موضع الحيض وهو الفرج لا غير، وهو احتمال لا يدل على الحرمة فى غيره، مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " وقال بقول أحمد الثورى وإسحاق، ومن قبلهم عطاء وعكرمة والشعبى، ورأى الجمهور أقوى.
وهنا يثار سؤال، هل تجب كفارة على من وطئ زوجته وهى حائض؟ هناك رأيان، رأى يقول بوجوب كفارة، بناء على حديث رواه أبو داود والنسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ذلك "يتصدق بدينار أو نصف دينار " ورأى لا يقول بذلك، بناء على حديث رواه ابن ماجه " من أتى كاهنا فصدقه بما قال، أو أتى امرأة فى دبرها، أو أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد " صلى الله عليه وسلم، حيث لم يذكر الحديث كفارة، ولأنه وطء نهى عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء فى الدبر.
وعلى هذا الرأى أبو حنيفة ومالك وأكثر أهل العلم، والشافعى له قولان فى ذلك.
وعلى القول بوجوب الكفارة هناك روايتان فى مقدارها، رواية تقول:
إنها دينار أو نصف دينار، وأخرى تقول: إن كان الدم أحمر أو فى أوله فدينار وإن كان أصفر أو فى آخره فنصف دينار.
ولو كان من فعل ذلك جاهلا بالحكم أو ناسيا هل تجب عليه؟ قيل تجب وذلك لعموم الخبر، وقيل لا تجب، لحديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه.
والمرأة المختارة المطاوعة قيل تجب عليها كفارة، وقيل لا تجب لعدم تناول النص لها
(9/472)
________________________________________
انقطاع الدم ثم عودته

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث أن الحائض أو النفساء ينقطع دمها بعض الأيام ثم يعود، فهل تحسب أيام الانقطاع طهرا أم حيضا ونفاسا؟

الجواب
أقل مدة الحيض مختلف فيها بين لحظة ويوم وليلة وثلاثة أيام بلياليها، وأكثرها عشرة أيام عند الحنفية وخمسة عشر يوما عند غيرهم.
وغالبه ستة أو سبعة، وأقل مد النفاس لحظة وأكثره عند بعضهم ستون يوما وعند البعض الآخر أربعون وغالبه أربعون يوما.
وعند انقطاع الدم فى أثناء الحيض أو النفاس هناك قولان للعلماء، قول يطلق عليه اسم السَّحْب، أى سحب حكم الحيض والنفاس على مدة الانقطاع، وهو قول الحنفية، بصرف النظر عن قصر مدة الانقطاع وطولها، وقول يطلق عليه اسم اللقط أى لقط أيام الطهر وعدم سحب حكم الحيض والنفاس عليها، وهو قول الشافعية والمالكية إذا بلغت مدة الانقطاع خمسة عشر يوما أو زادت، فتكون طهرا، وما قبلها نفاس وما بعدها حيض، فإن قلت مدة الانقطاع عن ذلك انسحب عليها حكم الحيض والنفاس كما يقول الحنفية، والانقطاع فى النفاس عند أحمد وأكثره أربعون يوما يعتبر طهرا.
وإن تجاوز الحيض أكثره أو النفاس أكثره كان استحاضة لا يجرى عليها حكم الحيض والنفاس.
وإن تجاوز الحيض ما تعودته المرأة ولم يتجاوز أكثر مدته، كأن كانت عادتها ستة أيام فامتدت إلى ثمانية مثلا عند أبى حنيفة، أو إلى ثلاثة عشر يوما عند غيره وكذلك إذا تجاوز النفاس ما تعودته النفساء ولم يتجاوز أكثر مدته كان ذلك كله نفاسا
(9/473)
________________________________________
الولى فى الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى المرأة التى تزوج نفسها دون وليها؟

الجواب
مما درج عليه الناس من قديم الزمان أن تكون هناك كفاءة بين الزوجين، ومن هنا وجد الاختيار فى قبول أحد الطرفين للآخر عند الخطبة، والمقياس الأول للكفاءة هو الدين الذى يليه فى المرتبة الأخلاق، وما بعدها يترك للعوامل التى تختلف زمانا ومكانا.
والذى يزن ذلك هو العاقل الحكيم الذى يزن الأمور بميزان العقل البعيد عن حدة العواطف، وذلك أحرى بالرجال إلى حد كبير، دون إغفال للناحية العاطفية عند المرأة، فلابد من إشراكها فى الاختيار أيضا، وبهذا الاشتراك يوجد نوع من التوازن فى تقدير كفاءة الزوج.
وللعلماء فى تقدير الكفاءة وجهان: أحدهما أنها شرط لصحة النكاح متى فقدت بطل العقد، وهو قول الشافعية وأحد الروايتين عن أحمد، وبه قال أبو حنيفة إذا زوجت العاقلة نفسها ولها ولى عاصب لم يرض بالزواج قبل العقد، والوجه الثانى أنها شرط للزوم النكاح، فيصح العقد بدونها ويثبت الخيار، وهو الرواية الثانية عن أحمد، والكفاءة بهذا حق للأولياء كما أنها حق للمرأة.
ومن هنا شرعت استشارة البنت، واحترام رأيها وجاءت فى ذلك نصوص منها: ما رواه مسلم "لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر ولا تنكح البكر حتى تُستأذن " قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت " وفى رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأمر وأذنها سكوتها" ومما يدل على تأكدها حديث البخارى أن خنساء بنت خدام زوَّجها أبوها وهى كارهة وكانت ثيبا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّ نكاحها، وفى رواية أحمد والنسائى وابن ماجه أن خنساء أو غيرها قالت للرسول -إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته، فجعل النبى الأمر إليها -أى الخيار-فلما رأت ذلك قالت: أجزت ما صنع أبى ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شيء. وكانت الأََمَة "بريرة " متزوجة من العبد "مغيث " فلما عتقت لم ترض أن تبقى معه لعدم التكافؤ، ولم ترض بشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم حين تدخل بينهما، وفى مصنف عبد الرزاق أن امرأة مات زوجها فى غزوة أحد وترك لها ولدا، فخطبها أخوه فأراد أبوها أن يزوجها رجلا غيره، ولما تم الزواج شكت للنبى أن عم ولدها أخذه منها لما تزوجت غيره، فقال لأبيها "أنت الذى لا نكاح لك، اذهبى فتزوجى عم ولدك ".
هذا كله فى المشورة واحترام رأى المرأة عند الزواج، لكن هل لها أن تباشر العقد بنفسها أم الذى يباشر هو ولى أمرها؟ يرى جمهور الفقهاء "مالك والشافعى وأحمد" أن المرأة لا تباشر العقد بنفسها سواء أكانت بكرا أو ثيبا، لأن العقد هو نهاية المطاف من التشاور، وولى الأمر أرجح رأيا كما تقدم وجاء فى ذلك حديث رواه أصحاب السنن "لا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هى التى تزوج نفسها" وحديث آخر من روايتهم "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل " ثلاث مرات. كما ورد حديث "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " رواه ابن حبان. يقول النووى فى شرح صحيح مسلم، إن العلماء اختلفوا فى اشتراط الولى فى صحة النكاح، فقال مالك والشافعى: يشترط ولا يصح نكاح إلا بولى وقال أبو حنيفة: لا يشترط فى الثيب ولا فى البكر البالغة، بل لها أن تزوج نفسها بغير أذن وليها، وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها ولا يجوز بغير إذنه، وقال داود: يشترط الولى فى تزويج البكر دون الثيب اهـ.
هذا، وإذا كان القانون المصرى يأخذ برأى أبى حنيفة للتيسير، فإن المرأة المصرية التى تريد أن تثبت وجودها وتتمتع بحريتها واستقلالها استغلته استغلالا سيئا، ورأينا بنات يخرجن عن طاعة أوليائهن ويتزوجن من يُردن، وتعرضن بذلك إلى أخطار جسيمة. وأرى العودة إلى رأى الجمهور فهو أقوى وأحكم، والظروف الحاضرة ترجح ذلك، وقد رأى عمر رضى الله عنه إيقاع الطلاق ثلاثا بلفظ واحد، لسوء استغلال الرجال لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من إيقاعه مرة واحدة، وإذا وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله
(9/474)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:19 am

الطلاق فى حال الحيض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يقع الطلاق على المرأة إذا كانت حائضا؟

الجواب
قال تعالى {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} الطلاق: ا، أى فى وقت عدتهن، وهى الأطهار كما هو رأى الشافعى ومالك ومن وافقهما، أو مستقبلات لعدتهن، وهى الحيض كما هو رأى أبى حنيفة ومن وافقه.
قال العلماء: الطلاق يكون سنيا إذا كان على المدخول بها غير الحامل وغير الصغيرة والآيسة، فى طهر غير مجامع فيه ولا فى حيض قبله، والطلاق البدعى هو إيقاع الطلاق على المدخول بها فى وقت الحيض أو فى طهر جامعها فيه وهى ممن تحمل، أو فى حيض قبله، وسمى بدعيا لمخالفته للسنة المشروعة.
روى مالك فى الموطأ أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهى حائض على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التى أمر الله أن يُطلق لها النساء" ورواه البخارى ومسلم، وجاء فى رواية مسلم "مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت وهى حامل " ورواه البيهقى بوجه آخر، واسم امرأة ابن عمر آمنة بنت غفار كما قال النووى وغيره، وقيل اسمها النوار "نيل الأوطار".
ومع حرمة الطلاق هل يقع أو لا؟ فيه خلاف بين العلماء السلف والخلف، فقيل: يقع،وعليه الأئمة الأربعة، وقيل: لا يقع، وارتضى ابن القيم عدم وقوعه، وسماه بدعة، وساق حجج الأولين ورد عليها بتطويل يراجع فى كتابه "زاد المعاد! ج 2 ص 44 وما بعدها" والشيعة الإمامية وأهل الظاهر على هذا القول "انظر الجزء السادس من موسوعة: الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/475)
________________________________________
خياطة ملابس النساء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا سيدة أمتلك ماكينة خياطة هى مورد رزقى الوحيد، وأخيط للسيدات الملابس الموضة، فهل كسبى حرام؟

الجواب
ما دمت لا تتأكدين أن هذه الملابس ستكون للخروج والاختلاط بالناس الأجانب فخياطتها غير حرام، لأنه يجوز أن تلبسها المرأة فى بيتها لزوجها ومحارمها، كما يحتمل أنها تخرج بها، فالأمر غير مقطوع به، مثل ذلك مثل من يبيع العطور وأدوات الزينة للنساء، فإنها تستعمل فيما يحل وفيما يحرم، وكذلك أقمشة النساء، بل التعامل فى كل ما يستعمل للخير والشر لا يحرم على الإنسان، فليس هناك شيء يستعمل فى الخير خاصة ولا يمكن أن يستعمل فى الشر ولو بوجه من الوجوه.
أما إذا كانت الملابس التى تخاط لا تستعمل إلا فى الشر، ولا يوجد مكان لاستعمالها فى الخير، وتعلم الخيَّاطة أن هذا الثوب للأشياء المحرمة فيحرم عليها أن تخيط هذا الثوب، لأنها معونة على الشر، والدال على الشر أو المساعد عليه شريك فى الإثم. والأدلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا
(9/476)
________________________________________
حكم الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما موقف الشريعة من مسلم يعيش حياته حتى الموت دون زواج لعدم توافر الإمكانات عنده؟

الجواب
الزواج فى أصله سنة الحياة من أجل بقاء النوع الإنسانى، وسنة الأديان التى تنزلت على الرسل {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} الرعد: 38، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذى "أربع من سنن المرسلين: الحناء والتعطر والسواك والنكاح ".
وقد أمر الإسلام به من استطاعه، أما غير المستطيع فلا حرج عليه، بل يشغل نفسه بعبادة أخرى حتى لا يقع فى مكروه، قال تعالى {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} النور: 33، وقال صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء" رواه البخارى ومسلم.
فما دام الإنسان غير مستطيع فلا ذنب عليه، أما إذا استطاع ولم يتزوج فإن خاف على نفسه الزنى وجب عليه أن يتزوج، وإن لم يخف كان الزواج بالنسبة له سنة يثاب عليه ولا يعاقب على تركه.
ويقول النووى فى المفاضلة بين الزواج وتركه: إن الناس فيه أربعة أقسام:
ا-قسم تتوق إليه نفسه ويجد المؤن، فيستحب النكاح.
ب -وقسم لا تتوق -أى نفسه -ولا يجد المؤن، فيكره الزواج.
جـ -وقسم تتوق -أى نفسه - ولا يجد المؤن، فيكره له، وهذا مأمور بالصوم لدفع التوقان.
د-وقسم يجد المؤن ولا تتوق: فمذهب الشافعى وجمهور أصحابنا أن ترك النكاح لهذا والتخلى للعبادة أفضل، ولا يقال:
النكاح مكروه، بل تركه أفضل، ومذهب أبى حنيفة وبعض أصحاب الشافعى وبعض أصحاب مالك أن النكاح له أفضل والله أعلم
(9/477)
________________________________________
تحويل الجنس إلى جنس آخر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فيما نشر وما ينشر من تحول بعض الناس من جنس إلى جنس أخر عن طريق العلاج الطبى والعمليات الجراحية؟

الجواب
إن الذكورة لها أعضاؤها التى من أهمها القُبُل والخصية وما يتصل بها من حبل منوى وبروستاتا، ومن الآثار الغالبة للذكورة عند البلوغ الميل إلى الأنثى، وخشونة الصوت ونبات شعر اللحية والشارب وصغر الثديين. .. وللأنوثة أعضاؤها التى من أهمها المهبل والرحم والمبيض وما يتصل بها من قناة فالوب وغيرها، ومن آثارها الغالبة عند البلوغ الميل إلى الذكر ونعومة الصوت وبروز الثديين وعدم نبات شعر اللحية والدورة الشهرية.
وقد يولد شخص به أجهزة الجنسين، فيقال له: خنثى، وقد تتغلب أعضاء الذكورة وتبرز بعملية جراحية وغيرها فيصير ذكرا، يتزوج أنثى وقد ينجب. وقد تتغلب أعضاء الأنوثة وتبرز بعملية جراحية وغيرها فيصير أنثى تتزوج رجلا وقد تنجب.
أما مجرد الميول الأنوثية عند رجل كامل الأجهزة المحددة لنوعه فهى أعراض نفسية لا تنقله إلى حقيقة الأنثى، وقد تكون الميول اختيارية مصطنعة عن طريق التشبه فتقع فى دائرة المحظور بحديث لعن المتشبه من أحد الجنسين بالآخر، وقد تكون اضطرارية يجب العلاج منها بما يمكن، وقد يفلح العلاج وقد يفشل، وهو مرهون بإرادة الله سبحانه. كما أن مجرد الميول الذكرية عند امرأة كاملة الأجهزة المحددة لنوعها لا تعدو أن تكون أعراضا لا تنقلها إلى حقيقة الذكورة فتقع فى دائرة المحظور إن كانت اختيارية ويجب العلاج منها إن كانت اضطرارية.
هذا، وقد رفع طلب إلى دار الإفتاء المصرية فأجاب عنه الشيخ جاد الحق على جاد الحق بتاريخ 27 من يونية 1981 م بما خلاصته أن الإسلام أمر بالتداوى، ومنه إجراء العمليات الجراحية بناء على حديث رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل طبيبا إلى أبىِّ بن كعب فقطع عرقا وكواه،وأنه نهى عن التخنث المتعمد المتكلف كما رواه البخارى ومسلم ثم قرر أنه يجوز إجراء عملية جراحية يتحول بها الرجل إلى امرأة، أو المرأة إلى رجل متى انتهى رأى الطبيب الثقة إلى وجود الدواعى الخلقية فى ذات الجسد بعلامات الأنوثة المغمورة أو علامات الرجولة المغمورة، تداويا من علة جسدية لا تزول إلا بهذه الجراحة.
ومما يزكى هذا ما أشار إليه القسطلانى والعسقلانى فى شرحيهما لحديث المخنث من أن عليه أن يتكلف إزالة مظاهر الأنوثة. وهذا التكلف قد يكون بالمعالجة والجراحة علاج، بل لعله أنجح علاج.
لكن لا تجوز هذه الجراحة لمجرد الرغبة فى التغيير دون دواع جسدية صريحة غالبة، وإلا دخل فى حكم الحديث الشريف الذى رواه البخارى عن أنس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال "أخرجوهم من بيوتكم " فأخرج النبى فلانا وأخرج عمر فلانا.
وإذ كان ذلك جاز إجراء الجراحة لإبراز ما استتر من أعضاء الذكورة أو الأنوثة، بل إنه يصير واجبا باعتباره علاجا متى نصح بذلك الطبيب الثقة، ولا يجوز مثل هذا الأمر لمجرد الرغبة فى تغيير نوع الإنسان من امرأة إلى رجل، أو من رجل إلى امرأة "الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر-ص 3501"
(9/478)
________________________________________
الحجاب بين أمر الله وإرادة البشر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل توافق الزوجة على أمر زوجها لها بخلع الحجاب؟ وهل يجوز للفتاة المتحجبة خلع الحجاب ليلة الزفاف؟

الجواب
حجاب المرأة مفروض بالكتاب والسنة، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به فلا يتوقف التنفيذ على إذن أحد من البشر، والزوج الذى يأمر زوجته بخلعه عاص لأنه يأمرها بمعصية، كقوله لها لا تصلى ولا تصومى، وذلك إثم عظيم لأنه يأمر بالمنكر، وبالتالى يحرم على الزوجة أن تطيعه فى ذلك، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
وطاعة الزوجة لزوجها فى المقصود الأصلى من الزواج، وهو المتعة ورعاية البيت والاستقرار فيه، ولا سلطان عليها فيما عدا ذلك من الأمور العامة التى يشترك فيها الرجال والنساء، فالله هو الذى يأمر وينهى.
ولا يقال: إنها مكرهة على ذلك فتعفى من المسئولية، فغاية عصيانه أنه سيطلقها ورزقها ليس عليه بل على الله سبحانه، وسيهيئ لها من يرعاها ويحميها فى غير هذا البيت الذى تنتهك فيه حرمات الله، ولا خوف على أولادها منه، فهو المتكفل بالإنفاق عليهم وعلى أمهم الحاضنة لهم.
ولتعلم الزوجة أنها لو أطاعته فى خلع الحجاب -وهو عنوان الشرف. والعفاف - فسيسهل عليها طاعته فيما هو أخطر من ذلك لأن مثل هذا الزوج لا غيرة عنده ولا كرامة وستجره المدنية إلى تجاوز حدود الدين حتى لا يعاب بالرجعية إن لم تكن زوجته مجارية للعرف الحديث بما فيه من أمور يأباها الدين.
فليتق الله أمثال هذا الزوج، وليحمدوا ربهم أن أعطاهم زوجات عفيفات محافظات على شرفهن وعلى شرفهم، ولا يستهينوا بسفور الزوجة زاعمين أنه شيء بسيط، فإن معظم النار من مستصغر الشرر.
أما خلع العروس حجابها ليلة الزفاف فهو حرام ما دام هناك أجنبى، فلم يرد الشرع ولم يقل أحد من العلماء باستثناء هذه المناسبة، ولا يجوز أن نطوِّع الدين لهذا السلوك الوافد علينا ممن لا يدينون بالإسلام، فقد كانت العروس تظهر بكامل زينتها فى الماضى البعيد والقريب ما دام المحتفلون بها هم النساء والأقارب المحارم كالأب والأخ والعم والخال، وذلك بمعزل عن الرجال الأجانب.
وما يعمل الآن فى الأماكن العامة التى يختلط فيها الرجال مع النساء دون التزام بالحجاب الشرعى لا يقره الإسلام، ومن شارك فيه فهو مخطئ مهما كانت شخصيته ولا ينتظرن أحد أن يفتى عالم ديني بجوازه للضرورة أو الحاجة، فليست هناك ضرورة ولا حاجة، والزوجة للزوج لا لغيره، وزينتها له لا لغيره، ومن خرج على حدود الدين فهو آثم، والحلال بيِّن والحرام بيِّن، ولأن يرتكب الحرام على أنه حرام أخف من أن يرتكب على أنه حلال، وإن كان الكل عصيانا لله، وعصيان يفضى إلى توبة أخف من عصيان يفضى إلى كفر
(9/479)
________________________________________
المرأة فى الإسلام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى يوم 4 من مارس 1984 نشرت كاتبة بجريدة الواشنطن بوست مقالا عرضت فيه صورة غير دقيقة عن وضع المرأة فى الإسلام، وردَّت عليها نائبة رئيس الجمعية الإسلامية الدولية فى فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية وتطلب رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
من الملاحظ أن كثيرا ممن يكتبون من الأجانب عن الإسلام غير فاهمين له فهما صحيحا، كما أن بعضهم يكون غير منصف فيما يكتب، وذلك لغرض من أغراض كثيرة تكشف الأيام عن بعضها، وتنبه المسلمون إلى اليقظة لما يدور حولهم من أفكار وحركات.
ومن الملاحظ أيضا أنهم يحكمون على الإسلام بالصورة التى عليها بعض المجتمعات الإسلامية أى يحكمون بالسلوك والممارسة على المبدأ ذاته، وهذا خطأ فقد يكون المبدأ صحيحا والتطبيق خطأ، إما لعدم الفهم أو عدم الالتزام وما جاء به الدين حق. والناس قد يلتزمون به أو لا يلتزمون.
والحقيقة التى لا يشك فيها منصف أن الإسلام وضع المرأة فى موضعها اللائق بها شأنه فى كل ما جاء به من هداية، لأنها تنزيل من حكيم حميد، فصحح كثيرا من الأفكار الخاطئة التى كانت مأخوذة عنها فى الفلسفات القديمة، وفى كلام من ينتسبون إلى الأديان.
وردَّ لها اعتبارها وكرَّمها غاية التكريم، ومع ذلك وضع إطارا واحتياطات تصون هذا التكريم وتمنع سوء استغلاله والناظر فى هذا الإطار وهذه الاحتياطات يجدها حكيمة كل الحكمة لأنها من صنع الله الحكيم الذى يعلم سر مخلوقاته، مراعًى فيها أن كل حرية مقيدة بما يحقق المصلحة ويدفع الضرر، وأن كل حق يقابله واجب، ضرورة أن النشاط البشرى نشاط اجتماعى. بل إن الإنسان مع نفسه له حق وعليه واجب، ليمكن أن يعيش فى وضع كريم.
ومن الخطأ أن يحاول بعض الناس إخضاع أحكام الدين لأهوائهم، أو صبغها باللون الثقافى الذى عاشوا فيه، مع أن العكس هو الصحيح، فالواجب هو إخضاع الأهواء والثقافات للدين.
وإذا كان بعض المسلمين فى بعض العصور أو البيئات تشددوا فى تطبيق الاحتياطات حتى أدى ذلك إلى حرمان المرأة من بعض حقوقها، فإن بعض المسلمين اليوم ينادون بإلغاء هذه الاحتياطات، حتى تنطلق المرأة بفكرها وسلوكها، وتتساوى مع الرجل أو تنافسه فى كل ميدان.
وهؤلاء وهؤلاء مخطئون، والنصوص فى التوسط والاعتدال، والموازنة بين الحقوق والواجبات ووضع الشخص المناسب فى المكان المناسب -كثيرة، والواجب على من يكتب عن الإسلام أو غيره أن يقرأ ويفهم كل شىء عنه، ليستطيع أن يصل إلى حكم صحيح أو قريب من الصحة
(9/480)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:20 am

العلاقة بين الخطيبين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
خطبت فتاة قريبة وأحببت أن أجلس معها وأحدثها ليتعرف كل منا أخلاق الآخر فمنعنى أقاربها، فهل الدين يحرم ذلك؟

الجواب
أباح الإسلام بل ندب للخطيب أن ينظر إلى خطيبته فى حدود الوجه والكفين ليرى منها ما يرغِّبه فى زواجها، وذلك بشرط أن يكون جادا فى خطبتها،ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم وفعله، أما قوله فمنه ما رواه مسلم أن رجلا تزوج امرأة من الأنصار فقال له "أنظرت إليها"؟ قال لا،،قال "فاذهب فانظر إليها فإن فى أعين الأنصار شيئا". وروى الترمذى وحسَّنه والنسائى وابن ماجة من حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له النبى "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أى تحصل الموافقة والملاءمة بينكما.
وأما فعله فقد روى البخارى في سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسى، فنظر إليها فصعَّد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه. . . . . .
ويجوز عند أحمد بن حنبل النظر إلى أكثر من الوجه والكفين، مما لا يخدش حياء أو يثير فتنة، بناء على الحديث الذى رواه، وهو "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " ولذلك قال ابن الجوزى فى كتابه "صيد الخاطر" ومن قدر على مناطقة المرأة أو مكالمتها بما يوجب التنبيه ثم ليرى ذلك منها، فإن الحسن فى الفم والعينين - فليفعل هذا.
هذا هو الطريق لمعرفة جمالها وصحتها، أما معرفة أفكارها وثقافتها وأخلاقها فيكون إما بسؤال أهل الثقة والخبرة، وإما بمعرفة ذلك بنفسه عن طريق المحادثة والمجالسة والمحادثة نفسها لا مانع منها شرعا، والمحرم منها هو لين الكلام أو اشتماله على محرم، أما المجالسة فلا تجوز أن تكون فى خلوة بل لا بد من وجود طرف آخر يمنع وسوسة الشيطان لهما بالسوء على حد قول الحديث الشريف الذى رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء، فوالذى نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا ودخل الشيطان بينهما" وقد صح فى تحريم الخلوة "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخارى ومسلم فإذا وجد المحرم أى القريب الذى يحرم زواجه منها كالأب والأخ والعم والخال فلا حرمة.
أما ما وراء النظر والمجالسة مع المحرم من مثل التلامس باليدين بدون حائل، أو ما هو أكبر من تلامس اليدين فهو حرام، وإذا كان هناك اجتماع عام كما هو فى الشوارع أو الأسواق بحيث يطلع الناس على الخطيبين فلا يعد ذلك خلوة، بل هو جائز. هذا هو الشرع فى حدوده التى وضعها لتلاقى الخطيبين، وهى حدود معتدلة ليس فيها تزمت ولا تفريط، فالذين يمنعون النظر إلى الوجه والكفين والكلام العادى بحضور محرم -مخالفون للشريعة، والذين يبيحون النظر بدون حدود والكلام واللقاء الحر بدون ضوابط -مخالفون للشريعة. والخير فى اتباع الهدى النبوى، حماية للشرف وصيانة للعرض، ومنعا للتهمة وسوء الظن، وإذا كان لبعض الناس عرف يخالف ذلك فالدين يحكم على العرف لوجود النص فى المسألة، ولا يجوز للعرف أن يحرِّم ما أحل الله أو يحلل ما حرَّم الله، "انظر الجزء الأول والثانى من موسوعة:
الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/481)
________________________________________
نكاح الشغار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
شاب له أخت يريد أن يتزوج أخت شاب آخر على أن يتزوج هذا الشاب أخته "تبادل " فهل هذا جائز؟

الجواب
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا شغار فى الإسلام " وصورته أن يزوج الرجل ابنته أو قريبته إلى رجل على أن يزوجه هو ابنته أو قريبته وليس بينهما صداق.
وسمى بذلك لخلوه من المهر وعدم معاوضة البضع، مأخوذ من شغر البلد إذا خلا من الناس، وليس فى هذا النوع عيب إلا خلوه من الصداق، فهو لا يمس العرض والشرف.
وقد أبطله الإسلام لأن البضع جعل مقابل البضع فلم تستفد منه المرأة شيئا، وقال ببطلانه الإمام الشافعى، أما أبو حنيفة فقد أجازه وألزم كلاًّ بمهر المثل،. وحكى ذلك عن عطاء والزهرى والليث بن سعد وغيرهم.
لكن لو جعل كل رجل مهرًا لمن يريد أن يتزوجها فالزواج صحيح لا غبار عليه. وهناك نوع من الزواج كانت العرب فى الجاهلية تمارسه أيضا وهو نكاح البدل أو المبادلة وصورته أن يقول رجل لآخر: خذ زوجتى وأعطنى زوجتك. روى الدارقطنى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: كان البدل فى الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لى عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتى أزيدك فأنزل الله عز وجل {ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} الأحزاب: 152.
وذكر دخول عيينة بن حصن الفزارى على الرسول وعرض عليه أن ينزل له عن أحسن من عائشة، فقال له "إن الله قد حرم هذا" وأنكر الطبرانى أن يكون هذا النوع قد حدث عند العربى لكن القرطبى قال: إن هذه الحادثة تدل على أنه كان موجودا "تفسير القرطبى ج 14 ص 221"
(9/482)
________________________________________
الصداق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل فى الإسلام شىء عن مؤخر ومقدم الصداق، وما رأى الدين فى حالة تنازل المرأة عنه، وما حكم المغالاة فى المهور؟

الجواب
الصداق عِوَض يدفع للمرأة عند النكاح، وهو ملك لها لا يجوز لوليها أو زوجها أن يأخذ شيئا منه إلا برضاها، كما قال تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء:
4، وقال {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21.
المهر يجوز أن يدفع مرة واحدة، وأن يدفع على أقساط، وذلك حسب الاتفاق وهو يجب بمجرد العقد ويتأكد بالدخول، ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف، كما قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح} البقرة: 337، أما الطلاق بعد الدخول فلا يبيح له استرداد شيء منه، وما دام المهر ملكا للزوجة فهى حرة التصرف فيه ما دامت عاقلة رشيدة، ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو بعضه،. كما تنص عليه الآية المذكورة، وكما يجوز عند الخلع أن تتنازل عنه كله أو بعضه بل تعطيه أكثر مما دفع كما ذهب إليه بعض الفقهاء، ودليله حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية وقد اختلعت من زوجها ثابت بن قيس وردت إليه مهرها وهو حديقة أو حديقتان على خلاف فى الروايات وكان ذلك بأمر النبى صلى الله عليه وسلم ما رواه البخارى، وذلك بعد قوله تعالى {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} البقرة: 229.
وليس للصداق حد أدنى فيجوز أن يكون بكل ما يُموَّل، لحديث "التمس ولو خاتما من حديد" ورأى بعض الفقهاء ألا يقل عن ربع دينار، وبعضهم ألا يقل عن عشرة دراهم، بل يجوز أن يكون منفعة.
ولا حد لأكثره بدليل آية {وآتيتم إحداهن قنطارا" وقد ندب النبى صلى الله عليه وسلم إلى عدم المغالاة فيه، فقد روى أحمد والبيهقى بإسناد جيد حديث "من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها وأن يتيسر صداقها وأن يتيسر رحمها "يعنى بالولادة، ولم يرض لفقير أن يكلف نفسه فوق طاقته فيدفع مهرا كبيرا بالنسبة إليه، فقد روى مسلم حديث الرجل الذى تزوج على أربع أواق فاستنكره النبى صلى الله عليه وسلم وقال "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه ... " فالمدار كله على طاقة الزوج والناس مختلفون فى ذلك، والغالب أن المغالاة فى المهور تكون من جهة الزوجة، إلى جانب ما يطلب من شبكة وهدايا ومصاريف أخرى، وهو أمر له نتائجه الخطيرة، فهو يقلل من الإقبال على الزواج وبخاصة فى الظروف الاقتصادية الحرجة ولو استدان الزوج قد يعجز عن الوفاء، وذلك له أثره على حياتها الزوجية، قد يحس بالنفور والامتعاض من الزوجة التى تسببت له فى الهم بالليل والذل بالنهار.
ومن أجل هذا نهى عمر عن المغالاة فى المهور بما يشبه أن يكون قرارا يسرى على الجميع، غير أن امرأة ذكرته بقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا} فرجع عن فكرته.
ومن الواجب أن يكون هناك تعاون بين الطرفين فى تيسير أمر الزواج بل على المجتمع ممثلا فى المسئولين أن يتدخل من أجل مصلحة الجميع
(9/483)
________________________________________
عطر المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها بعطر خفيف تقصد به إزالة رائحة العرق؟

الجواب
ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهى زانية، وكل عين زانية" رواه النسائى وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما، ورواه الحاكم أيضا وقال: صحيح.
كما رواه أبو داود والترمذى بلفظ "كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس كذا وكذا" يعنى زانية، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وفى المأثور: خير عطر المرأة ما ظهر لونه وخفى ريحه.
يفهم من هذا أن وصف المرأة بأنها زانية أى تشبُّها، يقوم على وضعها العطر بقصد أن يجد الناس ريحها، وهذا واضح لا يشك أحد فى أنه مذموم، فالقصد به حينئذ الفتنة والإغراء، ولا يكون كذلك إلا إذا كان العطر نفَّاذا أو قويا، أما الخفيف الذى لا تجاوز رائحته مكانه إلا قليلا، والذى لا يقصد به الإغراء، بل إخفاء رائحة العرق مثلا فلا توصف المرأة معه بأنها كالزانية، وذلك لانتفاء المقصد ومع ذلك أرى أنه مكروه على الأقل، فإن الرائحة حتى لو كانت خفيفة فستجد من يتأثر بها من الرجال الذين تزدحم بهم الطرق والأسواق والمواصلات فأولى للمرأة الحرة العفيفة أن تبتعد عن كل ما يثير الفتنة من قريب أو بعيد.
وإزالة رائحة العرق تمكن بالاستحمام أو غسل المواضع التى يتكاثر فيها العرق ولا يحتاج إلى وضع روائح، فإن الخفيف منها يجر إلى الكثير القوى.
وهذا كله عند وجود رجال أجانب خارج البيت أو داخله، أما مع المحارم أو الزوج أو النساء فلا مانع من الروائح، وذلك لعدم فتنة المحارم بها ولإدخال السرور على قلب زوجها، وعدم انتقاد النساء لها.
وضمير المرأة له دخل كبير فى هذا الموضوع
(9/484)
________________________________________
الإحداد على الميت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل لبس السواد حزنًا على الميت حرام؟

الجواب
ليكن معلوما أن الإحداد على الميت مشروع للنساء لا للرجال، وليس كل النساء فيه سواء، فهو واجب على الزوجة لوفاة زوجها مدة العدة، وجائز لها على غير زوجها ثلاثة أيام فقط، ويمنع بعدها، فقد روى البخارى ومسلم أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى والدها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة، خلوق أو غيره، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تُحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وورد مثل ذلك عن زينب بنت جحش وأم سلمة رضى الله عنهما، وإذا كان هذا محرما على النساء فهو على الرجال أولى.
ومن مظاهر الإحداد لبس الملابس التى لا تدل على الفرح والسرور، والناس مختلفون فى أعرافهم فى هذا الموضوع، ففى بعض البلاد يحدون على موتاهم بلبس الملابس البيضاء وغيرهم يحدون بالملابس السوداء، وهكذا.
والمهم أن إحداد المرأة على غير زوجها لا يجوز أن يتعدى ثلاثة أيام، والتى لم يمت لها قريب لا يجوز أن تجامل امرأة أخرى فى لبس السواد إذا كان إحدادها غير مشروع، فإن المجاملة فيها نوع من الرضا أو فيها عون على غير ما شرع الله، والرجال أولى بمراعاة هذا الحكم من النساء
(9/485)
________________________________________
مكان العدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تعتد المرأة عند الفرقة فى البيت الذى كانت فيه؟ .
وهل لها أن تخرج منه؟

الجواب
تعتد المرأة فى البيت الذى كانت تسكنه عند موت زوجها، سواء أكان البيت مملوكا لزوجها أم مؤجرا أم معارا، وهو مذهب الجمهور، ودليله حديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبى سعيد الخدرى لما مات زوجها خارج المدينة سألت النبى صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها، لأنه لم يتركها فى مسكن يملكه ولا نفقة، فقال لها أخيرا "اسكنى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " رواه الترمذى وقال: حسن صحيح.
وملازمة البيت واجب عليها إن تركه لها الورثة ولم يكن عليها فيه ضرر، أو كان المسكن لها، فلو حوَّلها الوارث أو طلب أجرا لا تقدر عليه جاز لها أن تتحول إلى غيره.
وقال جماعة من الصحابة منهم عائشة وجابر: إن المتوفى عنها لا يلزم أن تعتد فى بيت الزوجية، بل يجوز لها أن تقضيها فى أى بيت، لأن الله حين أمرها بها لم يعين بيتا خاصا.
وقال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت، وإن شاءت خرجت، لقول الله عز وجل {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن من معروف} البقرة: 240.
وفى اعتداد المطلقة جاء قوله تعالى {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} الطلاق: 1، أى ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت فى العدة ولا يجوز لها الخروج أيضا إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة، ودليله حديث مسلم عن جابر أن خالته لما طلقت وأرادت أن تخرج لتقطع ثمر نخلها زجرها رجل، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "بلى، فجذِّى نخلك فإنك عسى أن تصدقى أو تفعلى معروفا".
يقول القرطبى فى تفسير الآية: والرجعية والمبتوتة فى هذا سواء، وإضافة البيوت إليهن إضافة إسكان وليس إضافة تمليك، ثم قال فى التعليق على الحديث: فى هذا دليل لمالك والشافعى وابن حنبل والليث على قولهم: إن المعتدة تخرج بالنهار فى حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل، وسواء عند مالك كانت رجعية أو بائنة.
وقال الشافعى فى الرجعية: لا تخرج ليلا ولا نهارا، وإنما تخرج المبتوتة نهارا.
وقال أبو حنيفة: ذلك فى المتوفى عنها زوجها، وأما المطلقة فلا تخرج ليلا ولا نهارا، والحديث يرد عليه.
ثم ذكر القرطبى حديث الصحيحين فى طلاق فاطمة بنت قيس طلاقا بائنا، أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تنتقل من بيتها الذى كانت فيه إلى بيت عبد الله ابن أم مكتوم لتعتد فيه لخوفها على نفسها فى البيت الأول كما جاء فى بعض روايات الصحيحين، ولما اعترض البعض على ذلك ردت عليهم بأن عدم الخروج إنما هو فى الطلاق الرجعى لأن زوجها قد يراجعها ما دامت فى عدتها، أما البائن فليس له شىء من ذلك.
فالخلاصة: أن المتوفى عنها زوجها تعتد فى بيت زوجها ولا تتركه إلا لعذر مقبول وذلك على رأى الجمهور.
وأجاز لها البعض الخيار فى أن تعتد فى أى مكان تشاء، ولها أن تخرج نهارا لكسب عيشها.
وأما المطلقة طلاقا رجعيا فتعتد في بيت مطلقها وتبيت فيه ليلا وأما خروجها نهارا لحاجة ففيه خلاف.
وأما المطلقة طلاقا بائنا فتعتد فى بيت مطلقها أيضا، ولا تتركه إلا لعذر، وقيل يجوز لها أن تعتد فى غيره كما فى حديث فاطمة بنت قيس ولها الخروج نهارا للحاجة.
هذا، وما دام الأمر خلافيا فيجوز الأخذ بأحد الآراء دون تعصب له، فالرأى الاجتهادى صواب يحتمل الخطأ، أو خطأ يحتمل الصواب، بهذا لا يكون هناك تناقض ولا تضارب فى أحكام الشريعة المنصوص عليها والمتفق على صحتها
(9/486)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:21 am

من أحكام الحائض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للحائض أن تذبح الطيور وتغسل ملابس زوجها التى يصلى فيها؟

الجواب
جاء فى سفر اللاويين "الإصحاح الخامس عشر كله " حديث طويل عن الدم. ومنه أن المرأة بعد سبعة أيام من انقطاع حيضها تقرب يمامتين أو فرخى حمام للكاهن، ويكفر عنها الكاهن أمام الرب من سيل نجاستها، وذكر القرطبى فى تفسيره أن من قبائل العرب من كانت الحائض عندهم مبغوضة، فقد كان بنو سليح أهل بلد الحضر-وهم من قضاعة - نصارى، إن حاضت المرأة أخرجوها من المدينة إلى الربض -ما حول البلد-حتى تطهر، وفعلوا ذلك بنصرة بنت الضيزن ملك الحضر، فكانت الحال مظنة حيرة للمسلمين فى هذا الأمر وتبعث على السؤال عنه.
وجاء فى صحيح مسلم "ج 3 ص 211" عن أنس رضى الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت - أى لا يجتمعون معهن - فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم - الرسول فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} البقرة: 222.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شىء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما -أى غضب - فخرجا فاستقبلهما هدية من اللبن إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل فى آثارهما فسقاهما، فعرفنا أنه لم يجد عليهما.
وجاء أبو الدحداح فى نفر من الصحابة فقالوا: يا رسول الله، البرد شديد والثياب قليلة، فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحيَّض، فقال "إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن ". ومن هنا نقول: يجوز للحائض أن تذبح الطيور وتذكر اسم الله، وتغسل ملابس زوجها وله أن يصلى فيها، وكل ذلك مع الاعتراف بأن الحائض تعتريها تغيرات فسيولوجية ربما نتعرض لها إن شاء الله
(9/487)
________________________________________
وجه المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول البعض: أن الحديث الذى روته السيدة عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يحل ظهور كفَّى المرأة ووجهها فقط حديث ضعيف. لأن الآية التى تتحدث عن الحجاب نزلت بعد هذا الحديث، وأن اللذين رويا هذا الحديث أحدهما لم يكن موجودا فى حياة السيدة عائشة والآخر كذاب، فما صحة هذا القول؟

الجواب
حديث السيدة عائشة رواه أبو داود وابن مردويه والبيهقى عن خالد بن دريك عنها، وهو أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " وأشار إلى وجهه وكفيه.
يقول الحافظ المنذرى فى " الترغيب والترهيب ج 3 ص 33": هذا مرسل، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة، وذكره القرطبى فى تفسيره وقال: إنه منقطع. وقال ابن قدامة فى " المغنى ": إن صح هذا الحديث فيكون قبل نزول الحجاب.
وبناء على هذا لا يوجد دليل يستثنى وجه المرأة وكفيها من وجوب سترهما.
ويؤكد ذلك الشوكانى بأن المسلمين من قديم الزمان على ذلك، ويميل إلى هذا فى زمن يكثر فيه الفساق. والخلاف موجود بين الأئمة، وفى قول فى مذهب مالك: للمرأة أن تكشف وجهها وعلى الرجل أن يغض بصره، وقيل: يجب ستره، وقيل: يفرق بين الجميلة فيجب وبين غيرها، فيستحب.
وجاء فى "خليل " وشرحه ومحشِّيه كراهة انتقاب المرأة فى الصلاة وغيرها، لأنه من الغلو فى الدين، إذ لم ترد به السمحة، ما لم يكن من عادتهم ذلك.
وفى الموطأ جواز أكل المرأة مع غير ذى رحم. وقال ابن القطان: فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبى، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا، وقد أبقاه الباجى على ظاهره.
وتوجد نصوص أخرى للمالكية فى قولهم بجواز كشف المرأة وجهها أمام الأجانب " يراجع ذلك فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ".
وما دام الأمر خلافيا فلا يحكم ببطلان رأى ولا يجوز التعصب لغيره، وللإنسان حرية الاختيار، وكل هذا الخلاف ينتهى إذا كان وجه المرأة جميلا تخشى منه الفتنة فيجب ستره
(9/488)
________________________________________
طلاق المدهوش والسكران

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يقع طلاق المدهوش والمُكره والسكران؟

الجواب
المدهوش هو الذى اعترته حالة انفعال لا يدرى فيها ما يقول ويفعل، أو يصل به الانفعال إلى درجة يغلب معها الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله، وذلك بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب، ويلحق به من اختل إدراكه لكبر أو مرض. وهذا لا يقع طلاقه. والمكره لا يقع طلاقه عند الأئمة الثلاثة، اعتمادا على حديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات. .
وذلك لأن الإكراه يغلق على المكره طريق الإرادة، ولو نطق بالكفر لا يكفر، لقوله تعالى {إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان} النحل: 106، وأبو حنيفة يوقع طلاق المكره، معتمدا على حديث "لا قيلولة فى الطلاق " وهو حديث مطعون فيه. ورأى الجمهور هو المعتمد لقوة دليله.
والسكران هو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره.
وفى الحكم على طلاقه تفصيل، فإن كان سكره من شىء حلال، أو من شىء حرام ولكن تحت الضغط والإكراه فلا يقع طلاقه، أما إن كان سكره بشىء حرام وهو متعمد له فإن طلاقه يقع، على الرغم من تغطية عقله، وذلك عقوبة له على عصيانه.
وكانت المحاكم الشرعية قبل صدور قانون 25 لسنة 1929 م تحكم بوقوع طلاق السكران والمكره كما قال الحنفية، لكن نص القانون فى المادة الأولى منه على أنه لا يقع طلاقهما، والفتوى عليه "انظر كتاب الأحوال الشخصية، للشيخ عبد الرحمن تاج "
(9/489)
________________________________________
تبرج الجاهلية الأولى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الجاهلية الأولى، وماذا كانت عليه من التبرج المنهى عنه؟

الجواب
قال تعالى {وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب:
32، الآية مذكورة فى سياق النداء لنساء النبى صلى الله عليه وسلم.
ترشدهن إلى الاستقرار فى بيوتهن وعدم التبرج كما كان عند الجاهلية الأولى.
والتبرج قيل: هو المشى مع تبختر وتكسر، وقيل: هو أن تلقى المرأة خمارها على رأسها ولا تشده، فتنكشف قلائدها وقرطها وعنقها، وقيل: هو أن تبدى من محاسنها ما يجب ستره. وهو مأخوذ من البَرَج -بفتح الباء والراء -أى السعة، كما توصف العين الحسنة بالسعة، وكما يقال فى أسنانه برج، إذا كانت متفرقة. وقيل: هو من البرج -بضم الباء، أى القصر العالى.
ومعنى تبرجت ظهرت من برجها، وهو بهذا المعنى يجعل جملة "ولا تبرجن " مؤكدة لجملة "وقرن ".
والجاهلية الأولى مختلف فى تحديد زمنها. وملخص الأقوال كما فى تفسير القرطبى "ج 14 ص 179 ":
ا -ما بين آدم ونوح. وهى ثمانمائة سنة. قاله الحكم بن عيينة.
2 -ما بين نوح وإدريس، كما قاله ابن عباس.
3-ما بين نوح وإبراهيم، كما قاله الكلبى.
4 -ما بين موسى وعيسى، كما قاله جماعة.
5 -ما بين داود وسليمان. كما قاله أبو العالية.
6-ما بين عيسى ومحمد، كما قاله الشعبى.
وكلها أقوال لا يسندها دليل صحيح. فالقدر المتفق عليه أنها قبل البعثة النبوية بزمن طويل، لأن وصفها بالأولى يشعر بأن هناك جاهلية ثانية أتت بعدها، وهى أقرب منها إلى البعثة.
وكانت المرأة فى الجاهلية الأولى تلبس الدرع من اللؤلؤ، أو القميص من الدر غير مخيط الجانبين، وتلبس الرقاق من الثياب ولا توارى بدنها، فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال.
وهذا يشعر بأن ذلك العهد عهد ترف، فهل كان فى أيام عاد وثمود حيث جاء فى القرآن الكريم ما يدل على أن هؤلاء كان فيهم حضارة وقوة وترف يبنون بكل مكان آية على قوتهم يعبثون ولا يجدّون بشكر الله. ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون. وأمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون، وينحتون من الجبال بيوتا فارهين؟ ربما يكون ذلك هو عهد الجاهلية الأولى، ومهما يكن من شىء فإن الجاهلية الثانية المتصلة ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم ما كانت بهذا الثراء الفاحش، لكن كان فى بعض نسائها بعض مظاهر التبرج، الذى قد يصل إلى العرى الكامل فى بعض الأحيان. فقد ذكر مسلم فى صحيحه "كتاب التفسير" أن المرأة كانت تطوف بالبيت وهى عريانة - وفى لسان العرب: إلا أنها كانت تلبس رهطا من سيور-فتقول: من يعيرنى تطوافا-بفتح التاء وكسرها-تجعله على عورتها وتقول:
اليومَ يبدو بعضُه أوكلُّهُ * فما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فنزل قوله تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف: 31 وكان إعطاء المرأة ما تطوف به يُعد من البر.
ووصف التبرج بأنه تبرج الجاهلية الأولى، لا يعنى أن المنهى عنه هو ما كان على هذه الصورة الفاضحة، بل هذا الوصف لبيان الواقع وليس قيدا لإخراج ما عداه من الحكم. ويراد به بيان شناعته ومضادته للذوق والفطرة السليمة.
فلا يقال: إن التبرج البسيط معفو عنه ما دام لم يكن فاضحا حسب العرف الذى يحدده، ومثاله قوله تعالى فى الربا {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فالمراد النهى عنه مطلقا حتى لو كان بسيطا، لكن ذلك هو ما كان عليه العرب كمظهر من مظاهر الجشع والاستغلال.
والتبرج المنهى عنه فى الإسلام هو كشف العورة التى يختلف حجمها أو مساحتها باختلاف من يطلعون عليها، فمع المحارم كالأب والابن والأخ، هى ما بين السرة والركبة، ومع الرجال الأجانب هى جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، والخدم الموجودون الآن رجال أجانب، وعورة المرأة مع المرأة كعورتها مع المحارم. وليس من المحارم ابن العم وابن العمة وابن الخال وابن الخالة، وأخو الزوج وكل أقاربه ما عدا والده.
وإذا جاز لها كشف الوجه مع الأجانب فليكن من غير أصباغ ومغريات فاتنة، فالمقصود من النهى عن التبرج هو عدم الفتنة وسد باب الفساد.
وإذا كان النهى موجها. إلى نساء النبى فغيرهن أولى، لعدم وجود ما لديهن من الشرف والحصانة والانتساب للرسول والبيئة الصالحة.
ويتبع كشف العورة لين الكلام والتعطر والخلوة والتلامس وكل ما يدعو إلى الفتنة
(9/490)
________________________________________
أسبوع المولود

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أيهما أفضل: عمل ما يسمى بالسبوع أم العقيقة بعد الولادة؟

الجواب
كلمة السبوع فى لغة العامة مأخوذة من العدد سبعة، الذى ورد أن الإنسان يسن أن يسمى ولده ويعق عنه ويحلق شعره ويتصدق بمثله فضة أو ذهبا يوم السابع.
فروى أصحاب السنن قوله صلى الله عليه وسلم "الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه " وهو حديث صحيح كما قال الترمذى.
وروى الترمذى أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق.
ومعنى مرتهن لا ينمو نمو مثله، ولا يأمن من الأذى. وقيل إن المعنى لا يشفع لوالده إن مات صغيرا.
وإن لم يتيسر الذبح يوم السابع ففى اليوم الرابع عشر، وإلا ففى اليوم الحادى والعشرين، وإلا ففى أى يوم.
هذا، وما يعمل يوم السابع من رَشِّ الملح وإيقاد الشموع والدق بالهاون والكلمات المخصوصة التى ترجع إلى أفكار غير صحيحة لا أصل له فى الدين.
مع التنبيه على مراعاة الآداب عند اجتماع الأهل والأصحاب للاحتفال بالمولود يوم سابعه أو فى مناسبات أخرى
(9/491)
________________________________________
ما تمسه الحائض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يعتبر كل ما تلمسه الحائض نجسا إذا لم يتم تطهيره بغسله سبع مرات مع التلفظ بالشهادة؟

الجواب
هذه نظرة قديمة كانت عند بعض عرب الجاهلية تأثروا فيها باليهود الذين كانوا يقولون. إن أى شىء تمسه الحائض ينجس، ويجب غسله، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو مس شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل، وما عجنته أو طبخته أو غسلته فهو نجس وحرام على الطاهرين حلال للحيَّض، ذكر ذلك المقريزى فى خططه "ج 4 ص 373". ولو أردت أن تعرف مقدار تحرجهم منها فاقرأ سفر اللاويين "إصحاح 15 " كله، ففيه حديث طويل عن الدم [راجع ص 50 من الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام] .
أبطل الإسلام ذلك وكرَّم المرأة بما لم تكرم به من قبل ولا من بعد.
ويمكن الرجوع إلى عنوان "التعامل مع الحائض " لمعرفة طرف من ذلك، وما دامت يد الحائض طاهرة من النجس فإن ما تمسه لا يتنجس أبدا ودم الحيض لا ينجس إلا المكان الذى خرج منه أو أصابه من الجسم أو الثياب. ولا داعى لتطهير ما لمسته، لا مرة ولا سبع مرات
(9/492)
________________________________________
المرأة التى لا ترد يد لامس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الحديث ما يقال: شكا رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم أن امرأته لا ترد يد لامس، فقال "طلقها" قال: إنى أخاف أن تتبعها نفسى، فقال " استمتع بها"؟ وقد قرأت أن ابن القيم يقول: أى أنها لا تجذب نفسها ممن لاعبها ووضع يده عليها أو جذب ثوبها ونحو ذلك، فإن من النساء من تلين عند الحديث واللعب ونحوه "روضة المحبين ص 130 "؟

الجواب
هذا الحديث رواه أبو داود عن ابن عباس، ورواه الترمذى والبزار، ورجاله ثقات، وأخرجه النسائى من وجه آخر، وقال عنه: إنه مرسل وليس بثابت، وقال أحمد: حديث منكر، وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات "الإحياء ج 2 ص 34" وذكره صاحب "المطالب العالية ج 2 ص 53" وقال: رواه أحمد بن منيع بسند ضعيف كما قاله البوصيرى.
وعلى فرض ثبوته اختلف فى معناه، فاختار أحمد أن عيبها اقتصادى وليس خلقيا يتصل بالشرف، أى أنها تعطى من يطلب منها إحسانا ولا ترد أحدا يلتمس منها ذلك، وهذا يؤثر على الحالة الاقتصادية للزوج، ولما علم الرسول أنه يحبها أمره بإمساكها، فربما تميل إليها نفسه بالمعصية.
وقيل: إن عيبها خلقى لا تتورع عن الفاحشة، ولكن كيف يأمره النبى بإمساكها وهو الذى ذم الديوث الذى يقر السوء على أهله؟ قيل:
إن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أولا بطلاقها، ولما وجد تعلقه بها أمره بإمساكها من أجل تربية الأولاد أو عدم الصبر على الاتصال بها إن طلقها، لكن ذلك كله يتنافى مع الشرف الذى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحمايته.
وقيل: إن طبعها هو ذلك لكنه لم يقع منها شىء، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر الفاحشة، ولعل هذا التفسير أقرب، يقول فيه على وابن مسعود:
إذا جاءكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذى هو أهدى وأتقى"تفسير ابن كثير لسورة النور، ونهاية ابن الأثير"
(9/493)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 15 فبراير 2024, 2:22 am

عدد الرضعات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو عدد الرضعات التى يحرم بسببها الزواج؟

الجواب
قال تعالى فى آية المحرمات من النساء {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} النساء: 23.
والرضاع المحرم للمصاهرة اختلف الفقهاء فى عدد مراته، ويتلخص ذلك فيما يلى:
1 - قليل الرضاع وكثيره سواء فى التحريم، أى بالمرة الواحدة والمرات الكثيرة، وبالقدر القليل فى الرضعة الواحدة والكثير منها، وهذا مذهب مالك وأبى حنيفة، وزعم الليث بن سعد أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم فى المهد ما يفطر به الصائم، وهذا القول رواية عن أحمد.
وحجتهم أن الله علَّق التحريم باسم الرضاعة، فحيث وجد اسمها وجد حكمها، ولأنه فعل يتعلق به التحريم فاستوى قليله وكثيره، وذلك للاحتياط فى الأبضاع بالذات، ولأن إنشاز العظم وإنبات اللحم يحصل بالقليل والكثير، ولأن القائلين بالعدد اختلفت أقوالهم فى الرضعة وحقيقتها، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لما رفعت له قضية عقبة بن الحارث الذى تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب، وجاءت أَمة سوداء فقالت: قد أرضعتهما، لم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن عدد الرضعات، وهو فى الصحيحين عن عائشة.
2 - لا يثبت التحريم بأقل من ثلاث رضعات، وهو رواية ثانية عن أحمد بن حنبل، ودليل هذا الرأى حديث " لا تحرِّم المصة ولا المصتان " وفى رواية "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان " رواه مسلم عن عائشة، وأقل مرتبة فى التحريم بالعدد بعد المرتين هو الثلاثة.
3- لا يثبت التحريم بأقل من خمس رضعات، وهو مذهب الشافعى وأحمد فى ظاهر مذهبه، وقول ابن حزم الذى خالف داود الظاهرى فى هذه المسألة، وهو أحد الروايات الثلاث عن عائشة، والرواية الثانية عنها أنه لا يحرم بأقل من سبع رضعات، والثالثة لا يحرم بأقل من عشر.
وحجة القائلين بالخمس حديث عائشة فى الصحيحين البخارى ومسلم:
كان فيما نزل من القرآن "عشر رضعات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن، وما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لسهلة بنت سهيل "أرضعى سالما خمس رضعات تحرمى عليه ".
قالوا: عائشة أعلم الأمة بحكم هذه المسألة هى ونساء النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت عائشة إذا أرادت أن تدخل عليها أحدا أمرت إحدى بنات إخوتها أو أخواتها أن ترضعه خمس رضعات، وقالوا أيضا: نفى التحريم بالرضعة والرضعتين صريح فى عدم تعليق التحريم بالقليل والكثير، وهى ثلاثة أحاديث صحيحة صريحة، والتعليق بالخمس لا يخالف نصًا، وإنما هو تقييد للمطلق، فهو بيان للقراَن لا نسخ ولا تخصيص.
ومن علق التحريم بالثلاث خالف أحاديث الخمس، واختار القضاء المصرى هذا الرأى وعليه الفتوى.
ثم إن القائلين بالرأيين الأولين ردوا حديث عائشة، لأنها نقلته نقل قرآن، ولا يقبل فيه الآحاد، بل لابد فى قبوله من التواتر، وعلى هذا لا يثبت به حكم ما دام غير قرآن، ورد عليهم أصحاب الرأى الثالث بأن خبرها يقبل قبول الأحاديث ويكفى فيه خبر الواحد، لأنه ما دام لم يقبل كقرآن فليس هناك إلا أن يقبل كحديث نبوى، لأنه لا يصح نسبته إليها كقول خاص بها، فإن هذا الأمر لا يقال فيه بالرأى، ولذلك عده رجال الحديث من السنة النبوية. والموضوع مبسوط فى كتاب "زاد المعاد" لابن القيم ج 4 ص 167 - 182 وملخص فى الجزء الأول من "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " ص 361.
هذا، واشترط القائلون بالتحريم بتعدد الرضعات أن يكون العدد متيقنا، ولو حدث شك فى ذلك لا يثبت التحريم، ومن هنا أنبه من تقوم بإرضاع غير طفلها أن تسجل ذلك أو تُعْلِمَ به عددا من الناس حتى يشتهر أمره، حتى لا يتم فى المستقبل زواج بين أخوين من الرضاعة فى غيبة الأم المرضع أو نسيانها.
وأرى أنه عند الشك - وإن كان لا يثبت به التحريم -ألا يتم الزواج، ما لم تكن ضرورة أو حاجة مُلِحة
(9/494)
________________________________________
رضاع المسلم من كافرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يحرم أن يرضع مسلم من كافرة وهل يكون كافرا لو رضع منها؟

الجواب
الإنسان قبل البلوغ تابع فى الدين لأشرف الأبوين دينا، فإن كان أبوه مسلما وأمه يهودية أو نصرانية فهو مسلم، وإن كان أبوه مجوسيا وأمه يهودية أو نصرانية فهو يهودى أو نصرانى تبعا لأمه، لأن دينها أشرف من دين أبيه.
فإذا بلغ الصبى صار مكلفا وجرى عليه هذا الحكم الذى كان عليه، فإذا تحول عنه صار مرتدا.
وكل ذلك فى الأبوة والأمومة النسبية، أما الأبوة أو الأمومة بسبب الرضاع، وإن كانت لها أحكام فى الزواج وما يتصل به، فلا ينسحب حكمها على الرضيع من جهة الدين ولا يحرم أن يرضع طفل مسلم من غير مسلمة لعدم وجود دليل على التحريم، وبخاصة إذا لم يوجد غيرها، وإذا رضع بقى على دينه مسلما، ولو رضع طفل مسيحى أو يهودى من مسلمة بقى على دين اليهودية أو النصرانية.
وعليه فالرضيع المسلم من امرأة يهودية أو نصرانية يحرم عليه أن يتزوج ممن أرضعته، لأنها أمه من الرضاعة، والزواج منها محرم، ويجوز له لمسها والجلوس معها فى خلوة والنظر إلى غير ما بين السرة والركبة كأنها أمه النسبية فى هذه الأحكام أما دينه فلا يتأثر بهذا الرضاع
(9/495)
________________________________________
مرضع عجوز

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
امرأة كبيرة فى السن لا يوجد بثديها لبن وكانت تلقمه لطفلة صغيرة حتى تسكت من البكاء، فهل تعتبر هذه الطفلة ابنتها من الرضاع؟

الجواب
الرضاع المحرم للمصاهرة هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم كما هو شأنه، بمعنى أن يكون بالمرضع لبن فعلاً يتغذى به الرضيع، فإذا كانت المرضع كبيرة فى السن وليس بثديها لبن بالفعل، فإن الطفلة لم تتغذ بلبن، وإنما سكتت عن البكاء كأنها ترضع، وذلك أشبه بما يوضع فى فم الطفل من حلمة صناعية يخيل إليه أنه يرضع منها فيسكت أو ينام، وعليه فلا تثبت حرمة بهذا الرضاع الخالى من اللبن.
ولو كانت فتاة لم تتزوج ولا يوجد فى ثديها لبن أو أى سائل لو رضعت منه طفلة أو طفل لا يثبت به تحريم، أما لو كان فى ثديها لبن بأى شكل من الأشكال فالتحريم يثبت بالرضاع منه. جاء فى كفاية الأخيار فى فقه الشافعية "ج 2 ص 121 " ولا فرق فى المرضعة بين كونها مزوجة أم لا، ولا بين كونها بكرا أم لا، وقيل: لا يحرم لبن البكر، والصحيح أنه يحرم، ونص عليه الشافعى.
وجاء فى تحفة المحتاج لشرح المنهاج "ج 8 ص. 28" فى فقه الشافعية أن المرضع إذا كانت - صغيرة أو آيسة وتأكدت أن ما ينزل من ثديها ليس له وصف اللبن ولكن هو ما يسمى عرفا بالمصل أو المِش الحصير، فإنه لا يترتب عليه تحريم، أما لو كان له وصف اللبن حتى لو كان نقطة واحدة فإن التحريم يثبت بذلك ولا يشترط كون الرضعات مشبعات "الفتاوى الإسلامية ج 9 ص 2365، 3274".
هذا، والصغيرة التى لا يعتبر رضاعها هى التى لم تبلغ تسع سنين كما قال الشافعية، لأنها لا تحتمل البلوغ ولا الولادة، واللبن المحرِّم فرع ذلك "الشرقاوى على التحرير ج 2 ص 340"
(9/496)
________________________________________
الحائض وسوط اللبن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هلا صحيح أن المرأة الحائض لو وضعت يدها فى اللبن الحليب تَخثر؟

الجواب
ذكر ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث "ص 231 " أن المرأة الطامث "الحائض " تدنو من اللبن لتسوطه - تخلطه - وهى منظفة الكف والثوب فيفسد اللبن، وقد تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس فيه من غير أن تمسها.
وجاء فى كتاب "محاضرات الأدباء " للراغب الأصبهانى "ج 1 ص 200" أنهم قالوا: إن الطامث تدنو من إناء اللبن لتسوطه فتفسده.
ومن أجل ما عند الحائض من إفرازات ضارة كان اليهود يقولون: إن أى شىء تمسه الحائض ينجس ويجب غسله، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو مس شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل، وما عجنته أو طبخته أو غسلته فهو نجس حرام على الطاهرين حل للحيّض "خطط المقريزى ج 4 ص 373".
ولعل مما يفسر هذه الظواهر ما نشرته مجلة "الحوادث " اللبنانية بتاريخ أول نوفمبر سنة 1974 ص69: أن المجلة الطبية البريطانية "ذى لانسيت " ذكرت القصة التالية: تسلم أحد الأطباء باقة زهور، فأمر الممرضة بوضعها فى الماء فامتنعت، ثم أرغمها على وضعها.
وبعد بضع ساعات ذبلت الزهور، وأخبرت الممرضة الطبيب بأن هذا سبب امتناعها عن وضعها فى الماء، فإن الزهور تذبل كلما مستها وهى حائض.
والتفسير العلمى لذلك أن جلد المرأة الحائض يفرز مادة تسمم النبات، ويعتقد بعضهم أن هذه المادة شبيهة بمادة "أوكسيخو لستريف " وزعم بعض الأطباء أيضا أنهم لاحظوا ظاهرة غريبة لدى بعض النساء وقت الحيض، وهى أن جلد الأصابع يكتسى ببقعة سوداء تحت محبس الزواج "كذا" ولاحظوا أيضا أن المرأة المنقبضة النفس قد تفرز مادة خاصة مضرة للأزهار أيضا، وجاء فى " عجائب المخلوقات " للقزوينى غرائب مماثلة عن الحائض، وذلك كله يفسر معنى الأذى فى الحيض والأمر باعتزال القربان حتى ينتفى، ولزيادة المعلومات يرجع إلى الجزء الثالث من كتاب "الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/497)
________________________________________
البكر والثيب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الحد الفاصل بين البكر والثيب وأحكام كل منهما؟

الجواب
البكر هى المرأة التى لم تزل بكارتها بوطء حلال أو شبهة أو زنا والثيب هى التى زالت بكارتها بشىء من ذلك، والبكارة هى الغشاء الخاص الموجود فى فرج المرأة، جاء فى "كفاية الأخيار " فى فقه الشافعية "ج 2 ص 47 " أن الثيوبة لو حصلت بالسقطة أو بأصبع أو حدة الطمث وهو الحيض، أو طول التعنيس، وهو بقاوها زمانا بعد أن بلغت حد التزويج ولم تزوج فالصحيح أنها كالأبكار، ولو وطئت مكرهة أو نائمة أو مجنونة فالأصح أنها كالثيب، وقيل كالبكر، ولو خلقت بدون بكارة فهى بكر.
وجاء فى المصدر نفسه أن المرأة لو ادعت البكارة أو الثيوبة فالصيمرى والماوردى قطعا بأن القول قولها، ولا يكشف حالها، لأنها أعلم، قال الماوردى: ولا تسأل عن الوطء ولا يشترط أن يكون لها زوج، قال الشاشى: وفى هذا نظر، لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها،فله أن يسألها، فإن اتهمها حلَّفها.
قلت: طبع النساء نزاع إلى ادعاء نفى ما يجر إلى العار، فينبغى مراجعة القوابل فى ذلك وإن كان الأصل البكارة، لأن الزمان قد كثر فساده فلابد من مراجعة القوابل ولا يكفى السكوت، احتياطا للأبضاع والأنساب.
ومن أهم الأحكام المترتبة على ذلك أن البكر عندما تستأذن فى الزواج يكفى سكوتها، أما الثيب فلابد من نطقها بالقبول أو الرفض، روى مسلم أن النبى قال: "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها ".
ومن الأحكام أن الزوج لو تزوج بأخرى خصها بسبع ليال إن كانت بكرا، أما إن كانت ثيبا فيخصها بثلاث ليال فقط، ثم يسوى بين الجميع بعد ذلك فى القَسْمِ، لقول أنس رضى الله عنه "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم " قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنَسًا رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، رواه البخارى ومسلم.
ولو تزوج المرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فالنكاح صحيح، وهو بالخيار إن شاء أمسك وإن شاء طلق، مع العلم بأن كتمانها ذلك حرام، لأنه غش والغش حرام
(9/498)
________________________________________
دبلة الخطوبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن دبلة الخطوبة بدعه وحرام؟

الجواب
خاتم الخطوبة أو الزواج له قصة ترجع إلى آلاف السنين، فقد قيل: إن أول من ابتدعها الفراعنة، ثم ظهرت عند الإغريق، وقيل إن أصلها مأخوذ من عادة قديمة، هى أنه عند الخطبة توضع يد الفتاة فى يد الفتى ويضمهما قيد حديدى عند خروجهما من بيت أبيها، ثم يركب هو براده وهى سائرة خلفه ماشية مع هذا الرباط حتى يصلا إلى بيت الزوجية، وقد تطول المسافة بين البيتين، ثم أصبحت عادة الخاتم تقليدا مرعيا فى العالم كله.
وعادة لبسها فى بنصر اليسرى مأخوذة عن اعتقاد الإغريق أن عرق القلب يمر فى هذا الإصبع، وأشد الناس حرصا على ذلك هم الإنجليز وقيل: أن خاتم الخطوبة تقليد نصرانى.
والمسلمون أخذوا هذه العادة، بصرف النظر عن الدافع إليها، وحرصوا على أن يلبسها الطرفان، ويتشاءمون إذا خلعت أو غير وضعها، وهذا كله لا يقره الدين.
والمهم أن نعرف حكم لبسها.
أما اللبس فى حد ذاته فليس محرما حيث لم يرد نص فى التحريم، ولم يقصد التشبه بالكفار، فالتشبه ممنوع وبخاصة إذا كان فى معنى دينى لا يرضاه الإسلام، ثم نقول: إن كانت الدبلة من فضة فلا بأس بها للرجال والنساء، أما إن كانت من ذهب فهى حرام على الرجال حلال للنساء، وذلك لعدة أحاديث وردت فى ذلك، منها حديث رواه الترمذى بإسناد حسن "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم " وحديث مسلم "ونهأنا عن خواتم - أو عن تختم - بالذهب " وحديثه أيضا "يعمد أحدكم إلى جمرة نار فيجعلها فى يده "؟ وذلك عندما رأى خاتما من ذهب فى يد رجل، فنزعه فطرحه.
ومن أراد التوسع فى معرفة تاريخ الدبلة والباعث عليها والعبارات المكتوبة عليها وغير ذلك فليرجع إلى الجزء الأول من كتابنا "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "
(9/499)
________________________________________
عقد الزواج بالمسرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يصح عقد الزواج عن طريق التليفون بين الزوجين والشهود؟

الجواب
لا بد لصحة عقد الزواج من وجود الشاهدين مع الزوجين مجلس العقد، وذلك للتأكد من شخصية الزوجين وسماع الصيغة، وقد يحصل التأكد إذا أرسل الزوج كتابا إلى الزوجة بأنه تزوجها وقبلت هى وشهد على قبولها شاهدان،فالكتاب الموقع عليه منه يقوم مقام النطق بالصيغة كما قال بعض العلماء.
أما الكلام فى المسرة "التليفون " فالتحقق فيه من صوت الزوج فيه عسر، لإمكان التقليد والمحاكاة للأصوات، وإذا سمعته الزوجة فالشاهدان ربما لا يسمعانه، اللهم إلا إذا كانت الزوجة والشاهدان يسمعون من سماعة واحدة بالآلات الحديثة، ومع ذلك ففيه عسر فى التأكد. ويمكن أن يقال: إنه بتطور آلات الاتصال التى تنقل بها الصورة مع الصوت قد يحصل التأكد من شخصية الطرفين وكلامهما بالإيجاب والقبول، وتجرى هذه الرؤية عن بعد مجرى الحضور فى المجلس الواحد الذى اشترطه الفقهاء. وهنا يكون العقد صحيحا. "راجع كتاب: أحكام الأسرة فى الإسلام، للدكتور محمد مصطفى شلبى".
وجاء فى كتاب الأحوال الشخصية للدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج "ص 24": أن أحد المتعاقدين إذا كان غير حاضر مع الآخر فى مجلس واحد فإنه يمكن أن يتعاقد بوساطة رسول أو كتاب، وتقوم عبارة الرسول وما سطر فى الكتاب مقام تلفظ العاقد الحاضر، والشهادة اللازمة لصحة العقد يلزم توافرها فى مجلس القبول الذى يصدر من المرسل إليه أو المبعوث إليه الكتاب. ولا يلزم أن يُشهِد صاحب الكتاب على كتابه، بل يكفى أن يشهد الشهود فى مجلس القبول على هذا القبول، وعلى ما جاء فى الكتاب بعد قراءته عليهم أو إخبارهم بما فيه، فإن ذلك يقوم مقام حضور صاحب الكتاب وتلفظه فى المجلس. ويجب التنبيه على التثبت من أن الكتاب هو كتاب فلان وذلك بشهادة من قرأوه أو علموا بما فيه، فإنه قد ينكر، وهنا لا يثبت الزواج، وتنص لائحة المحاكم الشرعية على أنه لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة رسمية
(9/500)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:50 am


العدة فى الطلاق الغيابى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
زوج طلبت زوجته من المحكمة الطلاق منه فحكمت بطلاقها، ثم استأنف الزوج الحكم، فمتى تبدأ عدة المطلقة؟

الجواب
تبدأ عدهَ الطلاق من تاريخه سواء أكان المطلق هو الزوج أو المحكمة، وفى الطلاق الغيابى الصادر من المحكمة لا تبدأ العدة إلا إذا صار نهائياً، وذلك إن مضت مدة المعارضة والاستئناف ولم يعارض ولم يستأنف، أو استأنف وتأيد الحكم، أمَّا إذا لم يصر الحكم بالطلاق نهائياً فلا تترتب عليه آثاره ومنه العدة حتى يكون نهائياً" الفتاوى الإسلامية "المجلد: 6 ص: 2193".
(10/1)
________________________________________
نية الطلاق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تحدثنى نفسى بأننى أطلق زوجتى، وأحيانا أطلقها بقلبى دون أن أتلفظ بالطلاق، فهل يقع الطلاق بالنية والحديث النفسى؟

الجواب
أثار القرطبى فى تفسيره "ج 8 ص 210" هذه المسألة فقال:
العهد والطلاق وكل حكم ينفرد به المرء ولا يفتقر إلى غيره فيه فإنه يلزمه ما يلتزمه بقصده وإن لم يلفظ به، قاله علماؤنا -أى المالكية- وقال الشافعى وأبو حنيفة: لا يلزم أحدا حكم إلا بعد أن يلفظ به، وهو القول الأخر لعلمائنا. قال ابن العربى - المالكى - والدليل على صحة ما ذهبنا إليه ما رواه أشهب عن مالك -وقد سئل: إذا نوى الرجل الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه -فقال: يلزمه، كما يكون مؤمنا بقلبه وكافرا بقلبه.
قال ابن العربى: وهذا أصل بديع، وتحرير أن يقال:
عقد لا يفتقر فيه المز إلى غيره فى التزامه فانعقد عليه بنية، أصله الإيمان والكفر.
قلت -أى القرطبى- وحجة القول الثانى ما رواه مسلم عن أبى هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " ورواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيئا حتى يتكلم به، قال أبو عمر: ومن اعتقد بقلبه الطلاق ولم ينطق به لسانه، فليس بشىء.
هذا هو الأشهر عن مالك، وقد روى عنه أنه يلزمه الطلاق إذا نواه بقلبه، كما يكفر بقلبه وإن لم ينطق به لسانه. والأول أصح فى النظر وطريق الأثر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "تجاوز الله لأمتى عما وسوست به نفوسها ما لم ينطق به لسان أو تعمله يد". فالخلاصة أن نية الطلاق لا يقع بها طلاق عند جمهور العلماء
(10/2)
________________________________________
من آداب الحياة الزوجية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نقرأ فى الكتب والصحف عن تجارب المفكرين فى وسائل محافظة الزوجة على قلب زوجها أشياء كثيرة قد تكون صدى لإحساس خاص، أو نَضْحًا لبيئة بعرفها المناسب لها، فهل فى الإسلام شىء من هذه الوسائل التى تستعين بها الزوجة على سعادة زوجها والأسرة؟

الجواب
الإسلام وهو الدين الذى أكمله الله وأتم به النعمة فيه تبيان كل شىء يحقق السعادة للفرد والمجتمع فى الدنيا والآخرة، وكل تشريعاته العامة والخاصة لها صلة كبيرة بإسعاد الحياة الزوجية، ومع ما عرفناه مأثور العرب فى وصايا بناتهم عند الزواج نورد بعضا من هذه الآداب:
1- أن تكون الزوجة صورة حسنة فى عين زوجها تجذب قلبه إليها، وذلك بالعناية بجمالها، وقد مر الحديث عنه وموقف الإسلام منه.
2 -تنسيق البيت بشكل يدخل السرور على قلب الزوج، وتجديد هذا التنسيق حتى يتجدد شعوره بالسرور، ولا تسير الحياة على وتيرة واحدة.
3-توفير الجو الهادى له ليستريح من عناء عمله، وبخاصة فى أيام الراحة، التى لا ينبغى أن تشغلها بما يصرفها عنه، ولا تترك الأولاد يعكرون صفو هذا الجو.
4 -مشاركته فى فرحه وفى حزنه، ومحاولة التسرية عنه بكلام طيب أو عمل سار، كما كانت السيدة خديجة رضى الله عنها مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم أن جاء من الغار يرجف فؤاده، فطمأنته بأن الله لا يخزيه أبدا.
5 -معرفة مواعيد أكله ونومه وعمل الحساب لكل منها، وذلك بإعداد طعامه الذى يشتهيه والهدوء التام عند نومه الذى يحب أن يهدأ الجو من حوله ليشعر بالراحة.
6-عدم إظهار الاشمئزاز منه لعيب وجد فيه كمرض وفقر وكبر سن، ومحاولة تخفيف هذه الآلام عنه بالقول أو الفعل، فهذا ضرب من الوفاء له.
7 - الأدب معه فى الحديث، واختيار الألفاظ المحببة إلى قلبه، وعدم مراجعته بصورة تثير غضبه، أو تجرح شعوره، فقد يكون من وراء ذلك هدم الأسرة.
8 - عدم المن والتطاول عليه بغناها أو حسبها أو منصبها مثلا، وعدم ذكره بالسوء والشكاية منه إلا فى أضيق الحدود، لدفع شر يتوقع مثلا، جاء فى إحياء علوم الدين للغزالى أن الأصمعى قال: دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها، وزوجها من أقبح الناس وجها فقلت لها: يا هذه أترضين لنفسك أن تكونى زوجة له؟ فقالت: اسكت يا هذا، فقد أسأت فى قولك، لعله أحسن فيما بينه وبين الله فجعلنى ثوابه. أو لعلنى أسأت فيما بينى وبين ربى فجعله عقوبتى، أفلا أرضى بما رضى الله لى؟ .
تلك وأمثالها آداب يقرها الإسلام ويدعو إليها، وأولى أن نتبعها بدل أن نتبع التقاليد الأخرى التى لا تناسبنا، فلكلٍّ شرعة ومنهاج
(10/3)
________________________________________
الوفاء للزوج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مضى على زواجنا عشرون سنة وأنا متمتعة بحياة زوجة سعيدة، ولكن زوجى مرضى مرضا أحسست بأننى لا أطيق البقاء معه، لقيامى على خدمته وضيق ذات اليد عندنا، فهل من الجائز أن أطلب الانفصال عنه، أو الأفضل أن أظل معه مع المعاناة الشديدة التى أعيش فيها؟

الجواب
لا شك أن الحياة متقلبة بين اليسر والعسر، والصحة، والمرض، والمؤمن الصادق يثبت جدارته بالحياة فى كل الأحوال، كما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ".
والزوجة تقر بأنها عاشت مع زوجها أياما سعيدة عندما كان صحيح الجسم وافر الثراء، فهل من المروءة والإنسانية أن تتركه فى محنته لتتزوج غيره تكمل معه مشوار حياتها سعيدة كما بدأته.
إن التى تفكر فى ذلك تدخل تحت حكم الحديث الذى ينهى عن كفران العشير، فقد نسيت ما قدمه لها زوجها من خير، وتبخر بسرعة ما نعمت به سنوات طوالا، وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد بكثرة التصدق، لأن أكثرهن حطب جهنم، بسبب كثرة الشكاة وكفران العشير "لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط ".
إن الزوجة الصالحة تعين زوجها على نوائب الدهر لا أن تتخلى عنه، وكفى بالسيدة خديجة رضى الله عنها مثالا رائعا فى صدق معونتها للنبى صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والمال. وبهاجر أم إسماعيل التى تحملت الوحدة وقاست البعد والألم طاعة لأمر الله وأمر زوجها إبراهيم، وبأم الدحداح التى شجعت زوجها على التصدق بالحديقة فى سبيل الله، وبزينب الثقفية التى ساعدت زوجها ابن مسعود بمالها فى حال إعساره، وبزينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم التى وفت لزوجها فخلصته من الأسر بأعز ما تملكه.
إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان هناك سبب قاهر يجعل الحياة متعذرة أو متعسرة، ففى الحديث الحسن الذى رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه "أيما امرأة سالت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
وفقر الزوج المريض إن وصل إلى حد الإعسار بالنفقة الواجبة، هل يجيز لها طلب التفريق أو لا؟ مذاهب الفقهاء فى ذلك مختلفة، فقيل: يجبر على طلاقها عند إعساره أو امتناعه، وقيل: يؤجل شهرا ثم يطلق عليه الحاكم، وقيل: تخير إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت، وقيل ليس لها الفسخ ولكن تَرْفَعُ يده عنها لتكتسب، وليس عليها أن تمكنه من الاستمتاع بها، والاحتجاج لكل هذه الآراء طويل يمكن الرجوع إليه فى كتاب زاد المعاد لابن القيم، الذى قال فى ختام بحثه: والذى تقتضيه أصول الشريعة أن الرجل إذا غرر بالمرأة قبل الزواج بأنه ذو مال ثم ظهر أنه مفلس، أو كان ذا مال وترك الإنفاق عليها ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها أو بالحاكم فلها الفسخ، وإن تزوجته وهى عالمة بعسره أو كان موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها.
وهذا رأى جميل يضم إليه أن ترفع يده عنها لتكتسب وتبقى على عصمته، ولها أن تمتنع عن تمكينه من التمتع بها، فإن عجزت عن الاكتساب أو وجدت عنتا فيه فأرى أنها تخير بعد ذلك فى البقاء معه أو الانفصال عنه إذا لاح لها فى الأفق ما يوفر لها الحياة الكريمة
(10/4)
________________________________________
إعفاف الزوجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يسافر ويترك زوجته مدة طويلة، وبخاصة إذا كانت شابة، هل تتحمل هذا البعد أو تطلب الفراق منه؟

الجواب
لا شك أن من أهم مقاصد الزواج تنظيم نشاط الغريزة الجنسية، الذى يكون من آثاره عفة الزوج والزوجة عن الحرام، والذرية التى تتربى فى ظل الأسرة المستقرة، فكما أن له حقا فى اتصاله بها كذلك هى لها حق فى الاتصال به، وإن كان الحياء يكفها عن المطالبة به بطريق مباشر فى غالب الأحيان، فهى مثله مخلوق بشرى تتحرك فيه الغريزة، والزواج هو الفرصة المشروعة لتلبية ندائها، ومن هنا لم يرض النبى صلى الله عليه وسلم عمن عزم ألا يتزوج، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص الذى صرفته عبادته عن حق زوجته، وعن أبى الدرداء الذى ترك زوجته مكتئبة بملابسها المبتذلة، لانشغاله بصيام النهار وقيام الليل، وكل ذلك وردت به الأحاديث الصحيحة.
إن كلا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان على نصفه الاخر، ويغذى هذا الشعور أمران:
أحدهما يحتاجه الجسد، والآخر يحتاجه القلب، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق، وربما أورث مرضا أو أمراضا، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق؟ وقد جاء فى المأثور أن عمر رضى الله عنه سمع -وهو يتفقد أحوال رعيته ليلا-زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بُعْدَ زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين، وتضمن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها، ولولا ذلك لهان عليها بعده، وذلك بآخر يؤنسها فى غيبة الزوج.
فرق عمر لحالها، وقرر لكل غائب أمدا يعود بعده إلى أهله. ولكن هل لهذا الإعفاف حد أو ميقات؟ الأقوال فى ذلك كثيرة يقوم أكثرها على الاجتهاد. لكن الأوفق أن يراعى فى ذلك حال الزوج والزوجة، من وجود الداعى إليه والقدرة عليه وعدم المانع منه، فقد امتنع النبى صلى الله عليه وسلم عن نسائه شهرا، وخيرهن بين البقاء معه والفراق، وينبغى ألا تزيد فترة البعد على أربعة أشهر، وهى المدة التى ضربها الإسلام لِلْمولى من امرأته، أى الذى يحلف ألا يقربها، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم. وان عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} البقرة: 226، 227، فإنه يطالب بعد هذه المدة بأحد أمرين:
الفىء أى الرجوع عن حلفه، فيباشر زوجته، أو الطلاق. بل جعل أبو حنيفة الشهور الأربعة أجلا لوقوع الطلاق، تطلق الزوجة بمجرد انقضائها إن لم يرجع إليها زوجها.
إن بعد الزوج عن زوجته -حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة فى كسب يفيدهما معا-يختلف فى أثره عليها، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها، ولا المتدينة مع غيرها، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإنى أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى فى البعد، فإن الذى ينفقه حين يعود إليها فى فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التى سافر من أجلها، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شىء فى هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير.
ولئن كان عمر رضى الله عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر (مصنف عبد الرزاق وتفسير للقرطبى "ج 3 ص 108 والسيوطى فى تاريخ الخلقاء ص 96 وابن الجوزى فى سيرة عمر ص 59) فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع، فيجب أن تراعى المصلحة فى تقدير هذه المدة، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها.
ومهما يكن من شىء فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق فى رفع أمرها إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظا على الأعراض، ومنعا للفساد، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار
(10/5)
________________________________________
احترام ملكية المرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل للزوج حق فى أن يستولى على الكسب الخاص لزوجته، بحجة التعاون على مطالب الأسرة؟

الجواب
يقول الله سبحانه {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء: 4.
ويقول {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21، ويقول {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} النساء: 19.
تشير هذه الآيات إلى وجوب احترام الرجل لملكية المرأة، فحرم على الزوج أو ولى أمرها أن يأخذ من صداقها شيئا إلا عن طيب نفس، وذلك إبطال لما كان الناس عليه فى الجاهلية.
والحكمة فى ذلك تقرير مبدأ الحرية للمرأة فى التملك والتصرف فيما تملك، وكذلك رفع قيمة الرجل وتكريم رجولته وتحقيق قوامته عليها، فمهما اشتدت حاجته لا ينبغى أن يطمع فى مال زوجته الغنية حتى لا يكون عبدا لإحسانها إن أعطته بطيب خاطر.
وقد قرر الإسلام لها هذا الحق قبل أن تقرره المدنيات الحديثة بعدة قرون.
ولذلك يجوز للزوجة أن تتاجر فى مالها الخاص وأن تتصرف فيه بدون إذن زوجها ما دام ذلك فى حدود المشروع، وإذا كان لها أن تتصدق وتتبرع فليكن الأولى أن يكون لمصلحة الأسرة بمعونة زوجها إن أحست الحاجة إلى المساعدة، فهو نوع من الوفاء والتعاون على الخير.
والإسلام قد نفر من الإقدام على زواج المرأة الغنية من أجل غناها فقط والطمع في ماليا، دون اهتمام بالمقياس الخلقى والدينى للزوجة، لكن لو كان هناك اتفاق سابق على الزواج أن يتعاونا معا على الأسرة، أو أذن لها الزوج أن تعمل لقاء اشتراكها فى ذلك كان لا بد من تنفيذ الاتفاق، فالمؤمنون عند شروطهم، وكان لا بد من النزول على حكم العرف إن كان العرف يقضى بذلك. وبدون هذا لا يحق للزوج أن يأخذ شيئا من مالها الخاص، ويا حبذا لو كان هناك تحديد واضح بينهما من أجل ذلك حتى لا يكون نزاع قد يفضى إلى هدم الأسرة
(10/6)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:50 am

المحافظة على شرفها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى الزوج الذى يسىء الظن بزوجته ويفرط فى الغيرة عليها حتى يمنعها من كثير مما أحل الله للنساء وللناس جميعا؟

الجواب
من المسلم به أن الرجل مسئول عن المحافظة على سمعته وسمعة الأسرة عامة، وسمعة زوجته التى اختارها شريكة لحياته، والحديث الشريف يقول "والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته " ومن الرعاية أن يراقب سلوكها كما يراقب سلوك أولاده، لكن هذه المراقبة لها حدود حتى لا تنتج نتيجة عكسية، فالمرأة إن لم تكن عندها حصانة من خلق ودين يمكنها أن تتفلت من هذه المراقبة بوسائل قد تتفنن فيها، وقد قالها عزيز مصر منذ آلاف السنين، وسجلها القرآن الكريم {إن كيدكن عظيم} يوسف: 128.
وإذا كان الحديث قد حذر من التهاون فى مراقبة سلوكها، ومن ترك الحبل لها على الغارب بقوله صلى الله عليه وسلم، كما رواه النسائى والبزار وصححه الحاكم "ثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء" - فإنه وجهه إلى الاعتدال والتوسط فى ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم، كما رواه أبو داود والنسائى وابن حبان "إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهى غيرة الرجل على أهله من غير ريبة " ذلك أن شدة الغيرة تجلب على المرأة سُبَّة، فسيقول الناس، إن صدقا وان كذبا، ما اشتد عليها زوجها إلا لعلمه بأنها غير شريفة، أو فيها ريبة، يقول الإمام على: لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك.
إن هذه الغيرة الشديدة تحمله على كثرة الظن السيئ وعلى التجسس، وذلك منهى عنه فى القرآن والسنة، وقد نهى الحديث عن إحدى صوره، وهى الطروق ليلا للمسافر، أى مباغتته لأهله عند قدومه من السفر دون علم منهم، فقد روى مسلم عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا لئلا يخونهم أو يطلب عثراتهم. وروى البخارى ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا، حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة".
فالخلاصة أن الرجل لابد أن يغار على زوجته، ولكن يجب أن يكون ذلك فى اعتدال، وخير ما يساعده على ذلك أن يختارها ذات خلق ودين
(10/7)
________________________________________
المحافظة على شعورها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل من الإسلام أن تعيش المرأة فى البيت كمَّا مهملا، ينظر إليها بمنظار أسود، وتعامل كجارية لا إحساس لها ولا شعور؟

الجواب
من ميزة الإسلام أنه كرم المرأة وأزال الصورة القاتمة التى صورت بها من قبل. وقرر لها كثيرا من الحقوق التى أضاعتها هذه الصورة، واعتد بإنسانيتها التى سلبتها إياها بعض الأفكار وطبقها بعض الرسول - والله سبحانه أمر بمعاشرتها بالمعروف كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، ومن أهم مظاهر هذه المعاشرة التى تتصل بإحساسها وشعورها:
1 - صون اللسان عن رميها بالعيوب التى تكره أن تعاب بها، سواء أكانت خِلقية لا تملك من أمر تغييرها شينا كدمامة وقصر، أم كانت خُلقية لها دخل فيها كتباطؤ فى إنجاز العمل، أو ثرثرة كثيرة، فالله نهى بوجه عام عن السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسباب، والنبى صلى الله عليه وسلم قال فيما يخص المرأة، كما رواه أبو داود بإسناد حسن "ولا تضرب الوجه ولا تقبح "أى لا تقل لها: قبَّحك الله، يقول الحافظ المنذرى بعد ذكر هذا الحديث: أى لا تسمعها المكروه ولا تشتمها ولا تقل قبحك الله.
2 - ومع عدم رميها بالعيوب، لا ينبغى الاشمئزاز وإظهار النفور منها، ولتكن النظرة إليها بعينين لا بعين واحدة، فكما أن فيها عيوبا فيها محاسن ينبغى ألا تغفل وتنسى، والله سبحانه يقول {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء: 19، والحديث يقول كما رواه مسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضى منها آخر" ويعجبنى فى هذا المقام ما جاء فى "الأحكام السلطانية للماوردى" أن عمر بن الخطاب رأى رجلا يطوف حول الكعبة وعلى عاتقه امرأة حسناء، وهو يقول:
عُدْت لهذى جملا ذلولا * مُوطَّأً أتبع السهولا أعدلها بالكف أن تميل * أحذر أن تسقط أو تميلا أرجو بذاك نائلا جزيلا فقال له: من هذه التى وهبت لها حجك؟ فقال: امرأتى يا أمير المؤمنين، وإنها حمقاء مرغامة، أكول قمامة، لا يبقى لها خامة. فقال له: لم لا تطلقها؟ لا قال: إنها حسناء لا تُفْرَك، وأم صبيان لا تُترك.
قال: فشأنك بها.
3 - عدم ذكر محاسن غيرها من النساء أمامها بقصد إغاظتها، فليس أقتل لشعور المرأة من ذلك وبخاصة إذا كانت هذه المرأة ضرتها أو جارتها أو لزوجها صلة بها أيا كانت هذه الصلة اللهم إلا إذا كان يقصد بمدح غيرها تأديبها وتوجيهها لتكون مثلها. روى البخارى ومسلم عن عائشة قالت:
ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها فى صدائق خديجة فربما قلت له: كأن لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت. . . . وكان لى منها ولد".
4 - حفظ أسرارها وبخاصة ما يكون من الأمور الداخلية التى لا يعرفها إلا زوجها. يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفض إليه ثم ينشر سرها". أراد بعض الصالحين أن يطلق امرأته فقيل له: ما الذى يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لى ولامرأة غيرى؟ (الإحياء ج 2 ص 52) 5 -نداؤها بلفظ يشعر بكرامتها مثل: يا أم فلان، والعرف مختلف فى ذلك.
6 -إلقاء السلام عليها عند دخول البيت، لإيناسها واطمئنانها، ففى حديث الترمذى وصححه "يا بنى، إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك ".
تلك بعض المظاهر التى تدل على احترام الإسلام لشعور المرأة، ليعاملها زوجها على ضوئها معاملة كريمة، وهناك أكثر وأوضح من ذلك فى كتاب "الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء الثالث "
(10/8)
________________________________________
وطء شبهة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن أرسل رجلا نائبا عنه لعقد النكاح، ثم سأفر فى اليوم نفسه، ولما عاد وقع على خطيبته ظانا أن نائبه عقد له عليها،وظهر أنه لم يعقد عليها وحملت منه، فهل يعتبر الحمل منسوبا إليه أم لا؟

الجواب
الاتصال الجنسى بين الرجل والمرأة على ثلاثة أضرب، ضرب حلال وضرب حرام وضرب ليس بحلال ولا بحرام، أما الحلال فهو ما كان بعقد نكاح صحيح مستوف للأركان والشروط، أو كان تمتعا بملك اليمين للأمة غير الحرة، والحرام ما كان على غير هذه الصورة مع عدم وجود شبهة ومع العلم والاختيار، قال تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون:5-7، وفى الحرام عقوبة بالجلد والتغريب لغير المُحْصَنِ، وبالرجم للمحصن.
وأما الاتصال الذى لا يوصف بحل ولا حرمة فهو ما كان فيه شبهة، كأن جامع الرجل امرأة يظن أنها زوجته فبانت أجنبية عنه، وهذا لا حَدَّ ولا عقوبة فيه. لكن من جهة لحوق النسب فى الحمل فالمولود ينسب إلى أمه فى الأضرب الثلاثة لأنها هى التى حملت وولدت، وذلك لا خلاف فيه بين العلماء. أما نسبُه للرجل فهو ثابت له فى الاتصال الحلال، غير ثابت له لى الاتصال الحرام، وأما فى الاتصال بشبهة فإن كانت الموطوءة على فراش رجل آخر-يعنى متزوجة-فالولد يلحق الزوج، لحديث "الولد للفراش وللعاهر الحجر" إلا إذا نفاه عنه باللعان المذكور فى أوائل سورة النور فلا يلحقه، وإن كانت غير متزوجة فإن الولد يلحق من وطئها، وذلك على رأى جمهور الفقهاء.
جاء فى كتاب "المغنى" لابن قدامة "ج 9 ص 57" أنه لو وطىء رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه، وهذا قول الشافعى وأبى حنيفة، وقال أحمد بن حنبل كل من درأتُ عنه الحدَّ ألحقت به الولد، ولأنة وطء اعتقد الواطئ حِلَّهُ فلحق به النسب، كالوطء فى النكاح الفاسد - أى الذى اختل أحد أركانه أو شروطه - وفارق وطء الزنا -أى فى عدم لحوق النسب به -فإنه لا يعتقد الحل فيه، ولو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما إلى زوج الأخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ، لأنه يعتقد حله فلحق به النسب كالوطء في نكاح فاسد.
وجاء مثل هذا الكلام فى حاشية الشرقاوى على التحرير فى فقه الشافعية "ج 2 ص 219، 271 " وذكر أن شبهة الفاعل تمنع الحد وتوجب مهر المثل، ولا يوصف بها الوطء بحل ولا حرمة، ويثبت به النسب، وتثبت به العدة. من هذا يعرف جواب السؤال وهو لحوق الحمل بهذا الرجل الذى ظن أن من جامعها هى زوجته
(10/9)
________________________________________
الخلوة بين الجنسين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا فتاة ملتزمة للحجاب الشرعى، وأعمل سكرتيرة لأحد رجال الأعمال، وفى بعض الأحيان نمض ساعات وحدنا لمراجعة الأعمال، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
ليكن معلوما أن الحجاب الشرعى ليس قاصرا على تغطية الجسم بما يمنع رويته للأجنبى، بل إن من مقوماته التى تتعاون كلها على منع الفتنة وصيانة المجتمع من الفساد-عدم خلوة المرأة برجل أجنبى عنها، فالأحاديث كثيرة فى النهى عنها لخطورتها، ومنها ما رواه البخارى ومسلم " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " وما رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء، فو الذى نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما".
إن الغريزة الجنسية تتحين أية فرصة للاستجابة لرغبتها، ومن أجل ذلك حرم الإسلام النظر واللمس والخضوع بالقول، والخلوة، أخرج أبو داود والنسائى أن رجلا من الأنصار مرض حتى صار جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية تعوده وحدها فهشَّ لها ووقع عليها، فدخل عليه رجال من قومه يعودونه فأخبرهم بما حصل منه وطلب الاستفتاء من النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا لرسول الله: ما رأينا بأحد من الضر مثل ما الذى هو به، ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلدة على عظم، فأمر رسول الله: بإقامة الحد عليه، بضربه بمائة شمراخ ضربة واحدة.
إن فرص الخلوة بين الجنسين كثيرة فى هذه الأيام، فقد تكون فى البيوت والفنادق والمكاتب ودواوين القطارات المغلقة، والسيارات الخاصة والمصاعد الكهربائية، حتى فى الأماكن الخلوية البعيدة عن الأنظار.
إن مجرد الخلوة حرام حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، وتتحقق باجتماع رجل وامرأة فقط، أو باجتماع امرأة برجلين، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد فى الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، هكذا حقق الفقهاء.
والخلوة لا تجوز إلا للضرورة، وليس من الضرورة كسب العيش بالعمل الذى يستلزمها ولو فى بعض الأحيان، كما أنه ليس من الضرورة خلوة المدرس الخصوصى بالمتعلمة، فقد يكون الشيطان أقوى سلطانا على النفس من العلم، ومن مأثور السلف قول عمر بن عبد العزيز: لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن (المستطرف ج 2 ص 2) وليس من الضرورة خلوة المخدومة بخادمها، أو المخدوم بخادمته، فكم من مآسٍ ارتكبت بسبب ذلك، وليس هؤلاء الخدم مملوكين ملك اليمين حتى يكون لهم مع سادتهم وضع خاص، بل هم أجانب تجرى عليهم كل أحكام سائر الناس.
وفى حكم الخلوة سائقو السيارات الخاصة، المترددون على النساء كثيرا فى البيوت، دون أن يكون هناك من يخشى معهم السوء.
هذا، ولا يعتبر من الخلوة المحرمة وجود الطالبات مع الطلبة فى أماكن الدراسة، كما لا تتحقق الخلوة فى الشوارع والمحال التجارية والمواصلات التى تغص بالرجال والنساء، وإنما المطلوب هو الحشمة فى الملابس والأدب فى الكلام، وعدم الاحتكاك بين الطرفين، وبخاصة فى الزحام، وحديث الطبرانى يقول "لأن يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له " وحديثه أيضا "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " وحديث البيهقى "إذا استقبلتك المرأتان فلا تمر بينهما، خذ يمنة أو يسرة".
هذا، والرحلات المختلطة إذا أمنت فيها الفتنة وكانت تحت رقابة مؤمنة يقظة، وكانت النساء ملتزمات بالآداب الشرعية فى الستر والجدية والعفاف، لا بأس بها، وإلا حرمت والأولى أن تكون الرحلات؟ لنوع واحد، اطمئنانًا للقلب وصيانة للشرف ومنعا للتهم والظنون
(10/10)
________________________________________
شعر المرأة والباروكة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها، وما حكم لبس الشعر المستعار "الباروكة "؟

الجواب
من المعلوم أن الجمال محبب للنفس إذا وصف به أى كائن فى الوجود، وله حاسة جعلها المفكرون مستقلة عن الحواس الخمس، وجالت فى فنونه أقلام الكتاب وآراء الباحثين، ولا عجب فى ذلك، فالله جميل يحب الجمال، كما فى الحديث الذى رواه مسلم.
وجمال المرأة بالذات له خطره وأهميته فى حيلة الأفراد والأمم، فكم ربط بين جماعتين على أثر إعجاب تَمَّ بزواج، وكم فرق بينهما إثر تنافس انتهى بقتال، وكم جدت فى الأسر مشاكل غيرة منه وتحزُّبا ضده، وكم أطلق ألسنة العشاق بروائع المنظوم والمنثور، وكم خلدت آثار فى الفن والأدب كان هو ملهمها الأول، وواضع قصتها ومخرج مشاهدها على مسرح الوجود.
وتجمل الزوجة لزوجها من أهم الوسائل لكمال متعته بها وحبه لها، والحديث الذى رواه ابن ماجه يقول "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن اقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته فى نفسها وماله ".
ومظاهر التجمل كثيرة، منها جمال الشعر الذى لا ينكر أثره فى إعجاب الرجل بالمرأة، وفى تفنن الشعراء والأدباء فى التغنى والغزل به، فما حرك أساطيل اليونان قديما فى حرب "طروادة" إلا الشعر المعقوص المضفر بشرائط الذهب لهيلانة الجميلة، وما سحر البلاط الفرنسى ورجال الأدب والسياسة والدين إلا شعر مدام بومبادور، وما نسى فحل الشعراء فى الجاهلية أن يضمن معلقته غزلا فى شعر كهداب الدمقس المفتل، وما كان لأمير الشعراء فى العصر الحديث ليلان إلا عند جارة الوادى، فرعها والدجى.
والإسلام عنى بجمال الشعر: ترجيلا أى تمشيطا، وتصفيفا أى تنظيما فى ضفائر وغدائر ونحوها، وتهذيبا بالتقصير والتطويل والتلميع، وتطييبا بالدهن المعطر والروائح الطيبة، فهو القائل فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود "إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه " وهو عام فى الرجال والنساء.
أما قص الشعر للسيدة فليس هناك ما يمنعه شرعا، فقد كان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعر رءوسهن حتى تكون كالوفرة، كما رواه مسلم. والوفرة ما قصر عن اللمة أو طال عنها، واللمة ما يلم من الشعر بالمنكبين كما قاله الأصمعى. [هناك خلاف فى تحديد معنى الوفرة واللمة والجمة موجود فى "نيل الأوطار"ج 1 ص 137 وثلاثيات أحمد ج 2 ص 207] وقد قصر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم من شعورهن بعد وفاته، لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفا لمئونة رءوسهن كما قاله القاضى عياض وغيره، ولم يكن ذلك فى حياته.
هذا، وقد روى النسائى عن على رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. والحلق هو إزالته بالمرة، وذلك لا يليق بالمرأة فهو من خصائص زينتها، أو المراد النهى عن حلقه عند المصائب كالحزن على وفاة زوج أو ولد.
لكن محل جواز تقصير شعرها إذا كان بإذن الزوج، فهو صاحب حق فيه لمتعته، وألا يكون التقصير بيد رجل أجنبى أو اطلاعه عليه، وإلا تقصد به التشبه بالرجال، فالأعمال بالنيات.
والشعر المستعار "الباروكة " ورد فيه أن امرأة قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: إن لى ابنة عُرَيِّسًا-تصغير عروس -أصابتها حصبة فتمزق شعرها، أفأصله؟ فقال "لعن الله الواصلة والمستوصلة" رواه البخارى ومسلم. وبعد كلام العلماء فى شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغش والتدليس، وهو ما يفهم من السبب الذى لعنت به الواصلة والمستوصلة، ومبنى أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببا فى هلاك بنى إسرائيل حين اتخذه نساوهم. وكن يغشين بزينتهن المجتمعات العامة والمعابد كما رواه الطبرانى.
هذا، وجاء فى كتب الفقهاء: أن لبس الشعر المستعار حرام مطلقا عند مالك، وحرام عند الشافعية إن كان من شعر الآدمى، أو شعر حيوان نجس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعية فهو جائز إذا كان بإذن الزوج، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعى بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه، وعدم استعماله لغيره هو.
ومن هذا يعلم أن تصفيف شعر المرأة عند "الكوافير "الرجل الأجنبى حرام، وأن لبسها "الباروكة" عند الخروج، أو عند مقابلة الزائرين الأجانب حرام
(10/11)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع    فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 Emptyالخميس 29 فبراير 2024, 8:51 am

الزواج من خالة الأم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يصح للرجل أن يتزوج من خاله أمه؟

الجواب
جاء فى كتاب الأحوال الشخصية للدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج "ص 69" أن من المحرمات من النساء بسبب النسب فروع أجداده وجداته بمرتبة واحدة، وهن العمات والخالات لا غير، سواء كن عمات وخالات للشخص نفسه أم كن عمات وخالات لأبيه أو أمه أم لأحد أجداده وجداته، أما ما دون العمات والخالات من المراتب فلسن من المحرامات، فلا تحرم بنات العمات والأعمام ولا بنات الخالات والأخوال، ومن باب أولى إذا نزلت المراتب عن ذلك
(10/12)
________________________________________
الولد الأسود لوالدين أبيضين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا وله طفل أسود من أبوين أبيضى اللون، فهل يعد ذلك دليلا على خيانة الزوجة؟

الجواب
لا تدل مخالفة لون الولد للون أبويه على أن هناك خيانة زوجية، فالمؤثر على الجنين قد يكون أمرا وراثيا من بعيد، وقد يكون عارضا بسبب تركيز الأم على لون أسود بأى سبب من أسباب التركيز فيظهر هذا فى الجنين.
ومما يدل على أن مخالفة اللون لا يجوز أن يتخذ دليلا على الخيانة الزوجية ما رواه مسلم أن رجلا من بنى فزارة قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن امرأتى قد ولدت غلاما اسود، وفى رواية: وإنى أنكرته أى كرهته، فقال صلى الله عليه وسلم "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " فما ألوانها؟ قال حمر" قال: " هل فيها من أورق؟ " أى أسود غير صافى السواد، قال " إن فيها لورقا" قال: " فأنى أتاها ذلك "؟ قال: " عسى أن يكون نزعه عرق "، قال: "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق " يريد النبى بهذا أن يحافظ على العرض مما يشينه من شبهة لا أصل لها، فالعرض إذا خدش قل أن ترجع إليه سمعته الطيبة الأولى، إن الزجاجة كسرها لا يشعب ولا يجبر.
وهناك حوادث كثيرة تدل على أن الوحم العارض للحامل قد يؤثر على الجنين، فالصفات المكتسبة إذا أثرت تأثيرا عميقا فى الأعصاب والأحاسيس قد تورث فى الجنين، جاء فى ذيل تذكرة داود (ص 231) أن شبه الولد بوالديه قد يكون من التخيلات والأوهام ساعة الاتصال الجنسى أو من تخيلات الحامل زمن تخلق الجنين. وتحدث العلماء عن حمل الغيرة وهو الشعور بالحمل وانتفاخ البطن دون أن يكون فيه جنين.
ولعل مما يؤكد هذا-وإن أنكره البعض -ما جاء فى سفر التكوين (1ص ج 30) أن يعقوب وضع قضبانا من فروع الشجر مخططة فى مساقى الغنم لتتوحم عليها وتلد أغناما مخططة، وفى مختار تاريخ الجبرتى (ج 1 ص 107) أن امرأة ولدت ولدا يشبه الفيل وكان الفيل قد حضر لأول مرة (1ص10) فالخلاصة أنه لا يجوز اتهام الزوج لزوجته بالخيانة إذ ولدت ولدا لونه غير لونهما
(10/13)
________________________________________
الأبناء وذنوب الآباء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يؤاخذ الله سبحانه وتعالى الأبناء بذنوب فعلها الآباء؟

الجواب
يقول الله سبحانه {ولاتزر وازرة وزر أخرى} الإسراء: 15، وقال {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر: 38، وقال {كل امرئ بما كسب رهين} الطور: 21، هذه الآيات وأمثالها التى تدل على أن الله لا يظلم أحدا فيعاقبه بما جناه غيره، متفق على أنها فى يوم القيامة عند الحساب والجزاء، لكن فى عقاب الدنيا قد يؤخذ البرىء بسبب معصية غيره عندما يجىء عقاب عام كالخسف والزلزال بسبب شيوع المعاصى، كما فى حديث البخارى ومسلم " يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على قدر نياتهم "ومنه ما جاء فى بعض الأدعية، (لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا) فالأبناء وغيرهم يؤخذون بذنوب آبائهم ومجرميهم إذا كثر الفساد، وذلك فى عقاب الدنيا، وسيعوض الله الأبرياء خيرا فى الآخرة، والآباء إذا كانوا مجرمين سرت العدوى إلى أولادهم بالتقليد والمحاكاة، وكرههم الناس لكراهتهم لآبائهم، فشؤم معصية آبائهم يلحقهم فى معاملات الدنيا طوعا أو كرها، أما الأعمال، فكل واحد مسئول عن عمله يوم القيامة أمام الله، وعلى ضوء هذا يفهم الحديث القدسى الذى رواه أحمد عن وهب (أنى إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتى نهاية، وإذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتى تبلغ السابع من الولد) ، وعلى شاكلة هذا لو اختار الرجل زوجة صالحة كان هناك أمل فى صلاح الأولاد، وبالعكس لو اختار الرجل زوجة غير صالحة نشأ الأولاد، وقد نزعهم عرق من الأم، ومن هنا كانت الوصية (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ، وقال أبو الأسود الدولى لأولاده: قد أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا، حيث اخترت لكم أما لا تسبون بها، فجناية الآباء تصيب الأبناء فى مثل هذه الأمور الدنيوية
(10/14)
________________________________________
المرأة على منصب القضاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم تولية المرأة للقضاء؟

الجواب
فى تولى المرأة للقضاء ثلاثة آراء:
الرأى الأول: وهو رأى الجمهور وعليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد، أنه لا يجوز، بناء على حديث رواه البخارى وغيره "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لأن منعها من القضاء أولى من منعها من الولاية العامة، قال ابن حجر فى " فتح البارى ": وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة فى القاضى إلا عند الحنفية، واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير.
الرأى الثانى: جوازه مطلقا فى كل الأمور، ونسب إلى ابن جرير الطبرى، بحجة أن الأصل أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى، ورد بأن شهادتها إذا كانت على النصف من شهادة الرجل بنص القرآن فهى لا تستقل بالحكم الذى هو نتيجة الشهادة، وعلق الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية " على هذا الرأى بقوله: ولا اعتبار بقول يرده إجماع، هذا ونص أبو بكر بن العربى على أن نسبة هذا القول إلى ابن جرير كاذبة، كما قال الشيخ محمد الخضر حسين "الأهرام 27/ 6/1953" وانظر تفسير القرطبى ج 12 ص 184.
الرأى الثالث: جواز قضائها فيما تصح فيه شهادتها، وذلك فى غير الجنايات التى فيها حدود، وهو منسوب لأبى حنيفة.
وقال أبو بكر بن العربى: مراد أبى حنيفة ولايتها فى جزئية لا أن يصدر لها (مرسوم) بولاية القضاء العام.
ووضح بعضهم رأى أبى حنيفة بقوله:
هناك مسألتان:
أولاهما: تولية منصب القضاء وهو غير جائز، وذلك كرأى الجمهور.
وثانيهما: نفاذ حكمها لو وليت.
فقالوا: إذا أثم الحاكم فى توليتها فحكمت فإن حكمها ينفذ إلا فى الأمور التى لا تصح شهادتها فيها، وهى الحدود والقصاص " فتح القدير للكمال بن الهمام جـ 5 ص 486 " وأختار رأى الجمهور، وأنصح المرأة أن تبعد عن هذه المجالات الدقيقة المحتاجة إلى فكر عميق ودراسة واعية ووقت طويل، وهى بطبيعتها ومهمتها الأساسية تتحمل ما لا يطاق، مع عدم وجود ضرورة تدعو إلى المزاحمة فى هذا المجال فالجديرون به كثير، والمجالات الأخرى المناسبة لها كثيرة وفى غاية الأهمية، ولا يصلح المجتمع إلا بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، أما إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضُيِّعت الأمانة وقربت الساعة
(10/15)
________________________________________
توارث الزوجين بالعقد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عقد رجل قرانه على فتاة، وتوفى قبل الدخول بها، فكيف يكون ميراثها، وهل يحق لها أن ترث فى المعاش المستحق له فى التأمينات الاجتماعية، وهل يحق لابنه الزواج منها؟

الجواب
ما دام عقد الزواج قد تم فكل من الزوجين يرث الآخر عند الموت سواء كان قبل الدخول أو بعده، أما المعاش فله نظام خاص وإذا لم يعين المتوفى من يستفيد من معاشه يوزع كالميراث.
وليس لابنه أن يتزوج منها لأنها زوجة أبيه بمجرد العقد، قال تعالى:
{ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} النساء: 22، ويدخل فى النكاح هنا الزواج بلا وطء
(10/16)
________________________________________
ملابس الحداد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يوجد نص فى الدين الإسلامى يشير إلى ضرورة ارتداء الملابس السوداء حدادا عند حدوث حالة وفاة؟

الجواب
الحزن على الميت شىء طبيعى أقره الدين الإسلامى ومن مظاهره الامتناع عن الزينة بالعطور وبالأصباغ سواء فى البدن أو فى الملابس، وهذا الامتناع واجب على المرأة عند وفاة زوجها حتى تضع الحمل إن كانت حاملا، وحتى تنتهى أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، وحرام على غير زوجها كأبيها وابنها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا الامتناع يطلق عليه اسم الحداد أو الإحداد. وهو غير جائز للرجال بل هو خاص بالنساء، جاء فى البخارى ومسلم أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة -أى طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم- فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها -أى صفحتى وجهها- ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا".
ومن مظاهر الإحداد بالنسبة للملابس الامتناع عن لبس ما يتنافى مع الحزن، وذلك يختلف فى الشكل واللون والنوع باختلاف الأعراف، وقد ذكرت كتب التاريخ والرحلات أن الملابس البيضاء هى المختارة للحداد فى بعض البلاد. والنبى صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا لما كان عند العرب فنهى عن الثوب المصبوغ بالعصفر لأنه من ملابس الزينة التى لا تتناسب مع الحداد.
وإذا كان اللون الأسود فى الثياب هو المختار فى بعض البلاد للحداد فليس ذلك لوجود نص عليه فى الدين، وإنما هو راجع للعرف والعادة، وقد ذكر الإمام السيوطى فى كتابه "الأوائل" أن أول ما لبس العباسيون السواد حين قتل مروانُ الأموى إبراهيمَ الإمام الذى ادعى الخلافة، وصار السواد شعارا لهم، وقيل إن المصريين اختاروا الملابس السوداء للحزن حدادا على شهداء الأقباط فى عصر "دقلديانوس" حيث ذبح مائة وثمانين ألف مسيحى فى يوم واحد، فلبست نساؤهم الملابس السوداء.
والخلاصة أنه لا يوجد نص دينى فى القرآن والسنة يشير إلى ارتداء الملابس السوداء حدادا على المتوفى، وإنما الموجود هو النهى عن الملابس التى تتنافى مع الحزن، ويُترك تحديد ذلك للعرف، مع التنبيه على أن الحداد خاص بالنساء وجوبا لفقد الزوج، وجوازا لفقد أى قريب آخر، ولا حداد للرجل فعقله أقوى من عاطفته
(10/17)
________________________________________
عدة الفراق والإحداد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى المدة التى تنتظرها الزوجة بعد فراق زوجها لتتزوج غيره؟ وما هو المطلوب منها حال العدة؟

الجواب
يقول الله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة: 228، ويقول {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب:
49، وقال تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة: 234.
العدة مدة تتربص فيها المرأة ولا تتزوج حتى تنتهى، وذلك عند انتهاء الحياة الزوجية، وانتهاؤها يكون بالفراق أو الموت.
فإذا حصل فراق بالطلاق إن كان قبل الدخول فلا عدة على الزوجة، وإن كان بعد الدخول وجبت العدة وهى ثلاثة قروء، أى أطهار أو حيضات على خلاف للفقهاء فى معنى القرء، وذلك إن كانت ممن تحيض، أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض كالصغيرة والآيسة، وإن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل، وإذا حصل الفراق بموت الزوجة فلا عدة على الرجل عند الجمهور، وإذا حصل بموته كانت عدة الحامل وضع الحمل، يعنى تنتهى بوضع الحمل، وعدة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام.
وذلك من أجل التأكد من براءة الرحم والوفاء للحياة الزوجية والعشرة السابقة.
والفراق يلزمه الإحداد وهو الامتناع عن الزينة مدة العدة، وعدة الوفاة مجمع على وجوب الإحداد فيها، أما عدة الطلاق فالإحداد فيها اختلفت الأقوال فيه، ما بين الوجوب وعدمه، وما بين الوجوب فى الطلاق البائن وعدمه فى الرجعى.
ومظاهر الإحداد الامتناع عن كل ما يتنافى عقلا وشرعا وعرفا مع الحزن والأسف على الفراق، وذلك كالطيب والأصباغ والمساحيق والاكتحال وما إلى ذلك مما كانت تتجمل به لزوجها حال حياته، جاء فى سنن أبى داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة. .. ولا تكتحل ولا تختضب "، إلا إذا كانت هناك ضرورة لما منعت منه فى مثل الدواء.
وهذا الإحداد الواجب هو على موت الزوج فقط، أما على موت غيره من أب أو أخ أو ابن مثلا فلا يجب هذا الإحداد، وإنما يجوز لها لمدة ثلاثة أيام فقط، ويمتنع أكثر من ذلك، بدليل ما ورد فى الصحيحين أن زينب بنت أم سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبى حين توفى والدها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وفى هذا دليل على حرمة ما تلتزم به النساء من الحزن والإحداد على موت غير الزوج عاما أو أعواما وإذا حرم على المرأة حرم على الرجل، فليس عليه إحداد لموت أحد لا زوجته ولا غيرها.
وبهذه المناسبة نقول: إن تجديد الحزن بعد موت الميت بخمسة عشر يوما أو أربعين يوما إو إقامة الميعاد السنوى وغير ذلك ليس من الدين فى شىء، فالتعزية بعد ثلاثة أيام غير مشروعة، وأكثر هذه المظاهر ميراث فرعونى قديم (تاريخ الحضارة المصرية للدكتور مراد كامل ج 2 ص 291.) وكذلك عادة المبيت فى القبور وكسر أوانى الفخار عقب خروج الجنازة حتى لا تعود روحه وذبح الثور عند القبر (المرجع نفسه ج اص 234.)
(10/18)
________________________________________



فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع   - صفحة 4 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 7انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الرابع
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الخامس
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الأول
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: جـــديــد المـوضــوعـــــات بالمنتــدى :: فـتـــاوى دار الإفـتــــاء الـمـصــــرية-
انتقل الى: