وداع الرسول لأمته
دروس، وصايا، وعبرٌ، وعظات
المبحث الأول: خلاصة نسبه ووظيفته صلّى الله عليه وسلّم Aooo10
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
 
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وسَلّم تسليماً كثيراً.

أمَّا بعد:
فهذه الرسالة مختصرة في وداع النبي الكريم والرسول العظيم صلّى الله عليه وسلّم لأمته، بينت فيه باختصار: خلاصة نسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وولادته، ووظيفته، واجتهاده وجهاده، وخير أعماله، ووداعه لأمته في عرفات، ومنى، والمدينة، ووداعه للأحياء والأموات، ووصاياه في تلك المواضع، ثم بداية مرضه، واشتداده، ووصاياه لأمته ووداعه لهم عند احتضاره، واختياره الرفيق الأعلى، وأنه مات شهيداً، ومصيبة المسلمين بموته، وميراثه، ثم حقوقه على أمته، وذكرت الدروس والفوائد والعبر والعظات المستنبطة في آخر كل مبحث من هذه المباحث.

والله أسأل أن يجعله عملاً مقبولاً نافعًا لي ولإخواني المسلمين؛ فإنه وليُّ ذلك والقادر عليه, وأن يعلمنا جميعًا ما ينفعنا, ويوفق جميع المسلمين إلى الاهتداء بهدي سيد المرسلين.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
 
المؤلف
حُرّرَ في ليلة الخميس
21/ 3/ 1416هـ
 
المبحث الأول: خلاصة نسبه ووظيفته صلّى الله عليه وسلّم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَي بن كِلاَب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَيْ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدرَكة بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعد بن عدنان (1)، فهو عليه الصلاة والسلام من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام (2).

ولد صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل بمكة في شهر ربيع الأول (3) يوم الاثنين (4) الموافق 571م (5)، وتوفي صلّى الله عليه وسلّم وله من العمر ثلاث وستون سَنَةً، منها: أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيّاً رسولاً، نُبِّئَ بإقرأ، وأرسل بالمُدَّثِّر، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عُرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلّى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أُمِرَ بالهجرة إلى المدينة، فلمَّا استقر بالمدينة (6) أُمِر ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والأذان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلّى الله عليه وسلّم، ودينه باقٍ وهذا دينه، لا خير إلا دلَّ أمَّتَهُ عليه، ولا شر إلا حذَّرها منه، وهو خاتم الأنبياء والمُرسلين لا نبي بعده، وقد بعثه اللهُ إلى الناس كافة، وافترض الله طاعته على الجن والإنس، فمَنْ أطاعه دخل الجنة، ومَنْ عصاه دخل النار (7).

وخلاصة القول:
أن الدروس والفوائد والعبر والعظات في هذا المبحث كثيرة منها:
1-    إن النبي صلّى الله عليه وسلّم خيار من خيار من خيار، فهو أحسن الناس وخيرهم نسباً، وأرجح العالمين عقلاً، وأفضل الخلق منزلة في الدنيا والآخرة، وأرفع الناس ذِكْراً، وأكثر الأنبياء أتباعاً يوم القيامة.

2-    إن إقامة الاحتفالات بمولد النبي صلّى الله عليه وسلّم كل عام في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول بدعة مُنكرة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل ذلك في حياته، ولم يفعله الصحابة من بعده رضي الله عنهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المُفَضَّلة، ومع ذلك فإن تحديد ميلاد النبي باليوم الثاني عشر من ربيع الأول لم يُجْزَم به، وإنما فيه خلاف وحتى ولو ثبت فالاحتفال به بدعة لِمَا تقدَّم؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌ“ (8)، وفي رواية لمسلم: ”مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌ“ (9).

3-    إن وظيفة النبي صلّى الله عليه وسلّم هي الدعوة إلى التوحيد، وإنقاذ الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمات المعاصي والسيئات إلى نور الطاعات والأعمال الصالحات، ومن الجهل إلى المعرفة والعلم، فلا خير إلا دلَّ أمَّتَهُ عليه، ولا شَرَّ إلا حذَّرها منه صلّى الله عليه وسلّم.
----------------------------------------------
1.     البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم 7/162.
2.     انظر نسب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى آدم: البداية والنهاية لابن كثير 2/195، وسيرة ابن هشام 1/1.
3.     هذا هو الصحيح المشهور أنه ولد صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل في شهر ربيع الأول، وقد نقل بعضهم الإجماع على ذلك، انظر: تهذيب السيرة للإمام النووي ص 20.
4.     التحديد بيوم الاثنين ثابت؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم حينما سئل عن صومه: "فيه ولدت وفيه أُنزِل عليَّ" مسلم 2/820. أما تحديد تاريخ اليوم ففيه عدة أقول: فقيل في اليوم الثاني، وقيل لثماني، وقيل لعشر، وقيل: لسبعة عشر، وقيل في الثاني عشر، وقيل غير ذلك، وأشهر وأقرب الأقوال قولان: الأول: أنه ولد لثماني مضين من ربيع الأول، ورجحه ابن عبد البر عن أصحاب التأريخ: انظر: البداية والنهاية 2/260 وقال: "هو أثبت". القول الثاني: أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الأول، قال ابن كثير في البداية والنهاية: "وهذا هو المشهور عند الجمهور" 2/260، وجزم به ابن إسحاق: انظر: سيرة ابن هشام 1/171.
5.     انظر: الرحيق المختوم ص 53.
6.     وصل إلى المدينة صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول وحدده بعضهم باليوم الثاني عشر من ربيع الأول، انظر: فتح الباري 7/224.
7.     انظر: الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص75، 76.
8.      البخاري برقم 2697، ومسلم 1718.
9.      انظر: رسالة التحذير من البدع لسماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز.