أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
هل ليلة القدر تختلف باختلاف البلدان؟!
السؤال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر: "التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"، ونظراً لاختلاف التقويم بين البلاد الإسلامية، فتختلف الليالي الوتر من بلد إلى آخر، فمثلاً هذا العام يوجد اختلاف بين مصر والسعودية في بداية الشهر، فتكون الليالي الوتر بمصر ليست وتراً في السعودية، فكيف يكون ذلك؟ وهل ليلة القدر هي واحدة فقط؟ -وجزاكم الله خير الجزاء-، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
المجيب  د. سليمان بن وائل التويجري
الجواب:
الذي يظهر لي أنها لا تتكرر، وإنما هي ليلة واحدة في السنة، والنبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "التمسوها في العشر الأواخر في الوتر" رواه البخاري(2016)، ومسلم(1167) من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-، فكل العشر محل لأن تقع فيها ليلة القدر من وتر وغيره، وهو لما قال: "في الوتر"، لم يلغ الالتماس في غير الوتر، كما أنه قال: "التمسوها ليلة سبع وعشرين" انظر ما رواه مسلم(762) من حديث أُبي بن كعب-رضي الله عنه- أو: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" رواه البخاري(2015)، ومسلم(1165) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-"، وقال: "التمسوها في سبع يمضين، أو سبع يبقين" انظر ما رواه البخاري(2021)، وهذا اللفظ عند أحمد(2539)، من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-، وهذا يختلف من الشهر كونه تسع وعشرين أو ثلاثين، وعلى هذا فهي ليلة واحدة، فإذا كانت – مثلا- ليلة السبع وعشرين في السعودية فهي ليلة ثمان وعشرين في مصر، أو إذا كانت ليلة سبع وعشرين في مصر فهي ليلة ست وعشرين في السعودية بالنسبة لرمضان هذه السنة، والإنسان مطلوب منه أن يجتهد في العشر كلها، وهي ليلة خفية لم يعلم ما هي بالتحديد، ولهذا كان – عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر الأواخر؛ طلباً لثوابها وإدراكها، وهو على حال يكون فيها أحسن ما يكون من التقرب إلى الله – تعالى- وحسن المناجاة له. والله ولي التوفيق.


الاعتكاف وأحكامه
السؤال: ما هو الاعتكاف ؟ وإذا أراد الإنسان أن يعتكف فماذا عليه أن يفعل وماذا عليه أن يمتنع؟ وهل يجوز للمرأة أن تعتكف في البيت الحرام؟ وكيف يكون ذلك؟
المجيب  عبد العزيز بن باز - رحمه الله –
الجواب:
الاعتكاف : عبادة وسنة وأفضل ما يكون في رمضان في أي مسجد تقام فيه صلاة الجماعة ، كما قال تعالى : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " فلا مانع من الاعتكاف في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ، من الرجل والمرأة ، إذا كان لا يضر بالمصلين ولا يؤذي أحداً فلا بأس بذلك ، والذي على المعتكف أن يلزم معتكفه ويشتغل بذكر الله والعبادة ، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان كالبول والغائط ونحو ذلك أو لحاجة الطعام إذا كان لم يتيسر له من يحضر له الطعام فيخرج لحاجته فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يخرج لحاجته ، ولا يجوز للمرأة أن يأتيها زوجها وهي في الاعتكاف ، وكذلك المعتكف ليس له أن يأتي زوجته وهو معتكف ؛ لأن الله تعالى قال : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " والأفضل له ألا يتحدث مع الناس كثيراً بل يشتغل بالعبادة والطاعة ، لكن لو زاره بعض إخوانه أو زار المرأة بعض محارمها أو بعض أخواتها في الله وتحدثت معهم أو معهن فلا بأس ، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يزوره نساؤه في معتكفه ويتحدث معهن ثم ينصرفن فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك.
والاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة ؛ لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيوم ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك ، وهو عبادة مشروعة إلا إذا نذره صار واجباً بالنذر وهو في حق المرأة والرجل سواء ، ولا يشترط أن يكون معه صوم على الصحيح فلو اعتكف الرجل أو المرأة وهما مفطران فلا بأس في غير رمضان .
مجموع فتاوى الشيخ/ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- ،الجزء الخامس عشر ، ص (440) .


المعتكف واستخدام الهاتف
السؤال: هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج المسلمين؟
المجيب  محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله –
الجواب:
نعم يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء بعض حوائج المسلمين إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه ؛ لأنه لم يخرج من المسجد ، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك ، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنياً بها لا يعتكف ؛ لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف لأن نفعها متعدٍّ ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجباته .
(كتاب الدعوة ، الجزء الثالث ، ص 61)


ليلـة القـــدر
السؤال: اعتاد بعض المسلمين وصف ليلة سبع وعشرين من رمضان بأنها ليلة القدر ، فهل لهذا التحديد أصل وهل عليه دليل ؟
المجيب  محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله –
الجواب:
نعم ، لهذا التحديد أصل وهو أن ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ليلة للقدر كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أُبيّ بن كعب – رضي الله عنه – ولكن القول الراجح من أقوال أهل العلم التي بلغت فوق أربعين قولاً : أن ليلة القدر في العشر الأواخر ، ولا سيما في السبع الأواخر منها ، فقد تكون ليلة سبع وعشرين ، وقد تكون ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون ليلة السادس والعشرين ، وقد تكون ليلة الرابع والعشرين ولذلك ينبغي للإنسان أن يجتهد في كل الليالي حتى لا يحرم من فضلها وأجرها ، فقد قال الله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين "
وقال - عز وجل- :" إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر. تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر . سلام هي حتى مطلع الفجر " .
(كتاب الدعوة ، الجزء الخامس ، ص 204).


عمل المسلم في ليلة القدر
السؤال: كيف يكون إحياء ليلة القدر؟ أبالصلاة أم بقراءة القرآن والسيرة النبوية والوعظ والإرشاد والاحتفال لذلك في المسجد؟
المجيب  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
أولاً: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان مالا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر"، ولأحمد ومسلم:"كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها".
ثانياً: حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام.
ثالثاً: من أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر ما علمه النبي –صلى الله عليه وسلم- عائشة –رضي الله عنها-، فروى الترمذي وصححه عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: "قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟" قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
رابعاً: أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا.
خامساً: وأما البدع فغير جائزة لا في رمضان ولا في غيره، فقد ثبت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
فما يفعل في بعض ليالي رمضان من الاحتفالات لا نعلم له أصلاً، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/412-413)].


شروط الاعتكاف
السؤال: ما هي شروط الاعتكاف، وهل الصيام منها، وهل يجوز للمعتكف أن يزور مريضاً، أو يجيب دعوة، أو يقضي حوائج أهله، أو يتبع جنازة، أو يذهب إلى عمل؟
المجيب  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
يشرع الاعتكاف في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، وإن كان المعتكف ممن تجب عليهم الجمعة ويتخلل مدة اعتكافه جمعة فالاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل، ولا يلزم له الصوم، والسنة ألا يزور المعتكف مريضاً أثناء اعتكافه، ولا يجيب دعوة، ولا يقضي حوائج أهله، ولا يشهد جنازة، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد؛ لما ثبت عن عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه".
[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/410-411)].


تأمير شخص على مجموعة في الاعتكاف
السؤال: ما حكم الشرع في أن يؤمَّر شخص على مجموعة من الشباب في الاعتكاف؟ بحيث يقوم بتنظيم وقتهم في قراءة القرآن وبعض الدروس العلمية المفيدة.
وهل ذلك مخالف لقصد الشارع من الاعتكاف؛ وهو الخلوة لذكر الله - عز وجل - والتعبُّد له - سبحانه وتعالى - .أفتونا جزاكم الله خيراً.
المجيب  د.أحمد بن محمد الخليل
الجواب:
الحمد لله، وبعد:
الذي جاء في السنة التأمير في السفر فقط دون الاجتماعات الأخرى انظر ما رواه أبو داود (2608) من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - ، ولذلك لا يشرع فيما يظهر لي أن يؤمَّر شخص على المجموعة المعتكفة، لكن لا مانع من جعل واحد منهم منظماً للمجموعة؛ حيث يقوم بترتيب الأوقات الخاصة بالأكل أو النوم أو الاستفادة العامة ونحو ذلك، من غير أن يكون أميراً تلزم طاعته في هذا الاجتماع، والله أعلم.


الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
السؤال: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟ وما الدليل؟
المجيب  محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله –
الجواب:
نعم يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة – المسجد الحرام ومسجد النبي – صلى الله عليه وسلم -، والمسجد الأقصى.
ودليل ذلك: عموم قوله تعالى: "وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" [البقرة: 187].
فإن هذه الآية خطاب لجميع المسلمين، ولو قلنا إن المراد بها المساجد الثلاثة، لكان أكثر المسلمين لا يخاطبون بهذه الآية؛ لأن أكثر المسلمين خارج مكة والمدينة والقدس.
وعلى هذا فنقول: إن الاعتكاف جائز في جميع المساجد، وإذا صح الحديث بأنه "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" فالمراد أنه الاعتكاف الأكمل والأفضل، ولا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل من غيره، كما أن الصلاة في المساجد الثلاثة أفضل من غيرها.
فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة.
هذا – أي الأجر – فيما يفعله الإنسان في المساجد، كصلاة الجماعة في الفريضة، وفي صلاة الكسوف، وكذلك تحية المسجد، وأما الرواتب والنوافل التي تفعلها غير مقيد بالمسجد فصلاتك في البيت أفضل.
ولهذا نقول في مكة: صلاتك الرواتب في بيتك أفضل من صلاتك إياها في المسجد الحرام.
وكذلك الأمر بالنسبة للمدينة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال وهو بالمدينة: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" وكان – صلى الله عليه وسلم – يصلي النوافل في بيته.
أما التراويح، فإنها من الصلوات التي تشرع في المساجد، لأنها تشرع فيها الجماعة.
[فتاوى ابن عثيمين (1/548 – 549)].


الاعتكاف يوماً أو يومين
السؤال: نظراً لظروف عملي فإني لا أستطيع الاعتكاف طيلة العشر الأواخر، فهل يجوز لي أن أعتكف يوماً أو يومين؟.
المجيب  د. خالد بن علي المشيقح
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم لا بأس أن يعتكف الإنسان يوماً أو يومين، فأقل الاعتكاف يوم أو ليلة؛ كما ورد أن عمر – رضي الله عنه – سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "أوف بنذرك"، فأقل الاعتكاف يوم أو ليلة، هذا ما ورد في الشرع، لكن السنة يعتكف العشر كاملة.


صدقة الفطر
حكم زكاة الفطر
السؤال: ما حكم صدقة الفطر ؟ وهل يلزم فيها النصاب ؟ وهل الأنواع التي تخرج محددة؟ وإن كانت كذلك فما هي ؟ وهل تلزم الرجل عن أهل بيته بما فيهم الزوجة والخادم ؟
المجيب  عبد العزيز بن باز - رحمه الله –
الجواب:
زكاة الفطر فرض على كل مسلم ، صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ؛ لما ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : " فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، على الذكر والأنثى ، والصغير والكبير، والحر والعبد من المسلمين ، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة " . متفق على صحته .
وليس لها نصاب ، بل يجب على المسلم إخراجها عن نفسه وأهل بيته من أولاده وزوجاته ومماليكه إذا فضلت عن قوته وقوتهم يومه وليلته .
أما الخادم المستأجر فزكاته على نفسه ، إلا أن يتبرع بها المستأجر أو تشترط عليه ، أما الخادم المملوك فزكاته على سيده ، كما تقدم في الحديث .
والواجب إخراجها من قوت البلد سواء كان تمراً أو شعيراً أو برََّا أو ذرة أو غير ذلك ، وفي أصح قولي العلماء ؛ لأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يشترط في ذلك نوعاً معيناً ولأنها مواساة ، وليس على المسلم أن يواسي من غير قوته .
مجموع فتاوى الشيخ/ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- ،الجزء الرابع عشر ، ص (197) .


زكاة الفطر عن الجنين
السؤال: هل الطفل الذي ببطن أمه تدفع عنه زكاة الفطر أم لا ؟
المجيب  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
يستحب إخراجها عنه لفعل عثمان – رضي الله عنه – ، ولا تجب عليه لعدم الدليل على ذلك .
(فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى(1474) الجزء التاسع ص 366)


إخراج زكاة الفطر نقداً
السؤال: هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً بدلاً من الطعام ، وذلك لحاجة الناس الآن إلى النقد أكثر من الطعام ؟
المجيب  أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان

الجواب:
إخراج  القيمة  في  زكاة  الفطر  اختلف  فيها  العلماء  على  قولين:
الأول:  المنع  من  ذلك.  قال  به  الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد  ،  وقال  به  الظاهرية  أيضاً،  واستدلوا  بحديث عبد  الله  بن  عمر  في  الصحيحين " فرض رسول  الله  زكاة  الفطر صاعاً من  تمر،  أو  صاعاً  من  بر،  أو  صاعاً  من  شعير، (وفي  رواية  أو  صاعاً  من  أقط)،  على  الصغير  والكبير  من  المسلمين.  ووجه  استدلالهم  من  الحديث: لو  كانت  القيمة  يجوز  إخراجها  في  زكاة  الفطر  لذكرها  رسول  الله  –  صلى  الله  عليه  وسلم –  ولا  يجوز  تأخير  البيان  عن  وقت  الحاجة ،  وأيضاً  نص  في  الحديث  الآخر  "  أغنوهم  في  هذا  اليوم"، وقالوا:  غنى  الفقراء  في  هذا  اليوم  يوم  العيد  يكون  فيما  يأكلون  حتى  لا  يضطروا  لسؤال  الناس  الطعام  يوم  العيد  .
والقول  الثاني: يجوز إخراج  القيمة (نقوداً  أو  غيرها)  في  زكاة  الفطر ،  قال  به  الإمام  أبو  حنيفة  وأصحابه،  وقال  به  من التابعين  سفيان  الثوري  ،  والحسن  البصري ، والخليفة  عمر  ابن  عبد  العزيز،  وروي  عن  بعض  الصحابة  كمعاوية  بن  أبي  سفيان، حيث  قال:"  إني  لأرى  مدين  من  سمراء  الشام  تعدل  صاعاً  من  تمر " ،  وقال  الحسن  البصري "لا  بأس  أن  تعطى  الدراهم  في  صدقة    الفطر "،  وكتب  الخليفة  عمر  بن  عبد  العزيز  إلى  عامله  في  البصرة: أن  يأخذ  من  أهل  الديون  من  أعطياتهم من  كل  إنسان  نصف  درهم ،  وذكر  ابن  المنذر  في  كتابه  (الأوسط): إن  الصحابة  أجازوا  إخراج  نصف  صاع  من  القمح؛  لأنهم  رأوه  معادلاً  في  القيمة  للصاع  من  التمر،  أو  الشعير.
ومما  سبق  يتبين  أن  الخلاف  قديم  وفي  الأمر  سعة  ،  فإخراج  أحد  الأصناف  المذكورة  في  الحديث  يكون  في  حال  ما  إذا  كان  الفقير  يسد  حاجته  الطعام  في  ذلك  اليوم  يوم  العيد  ،  وإخراج  القيمة  يجوز  في  حال  ما  إذا  كانت  النقود  أنفع  للفقير  كما  هو  الحال  في  معظم  بلدان  العالم  اليوم  ،  ولعل  حديث  رسول  الله  –صلى  الله  عليه  وسلم–  "أغنوهم  في  هذا  اليوم"،  يؤيد  هذا  القول؛  لأن  حاجة  الفقير  الآن لا  تقتصر  على  الطعام  فقط، بل  تتعداه  إلى  اللباس  ونحوه.. ،  ولعل  العلة  في  تعيين  الأصناف  المذكورة  في  الحديث، هي: الحاجة  إلى  الطعام  والشراب  وندرة  النقود  في  ذلك  العصر ، حيث  كانت  أغلب  مبايعاتهم  بالمقايضة،  وإذا  كان  الأمر  كذلك  فإن  الحكم  يدور  مع  علته  وجوداً  وعدماً،  فيجوز  إخراج  النقود  في  زكاة  الفطر  للحاجة  القائمة  والملموسة  للفقير  اليوم.  والله  أعلم  .


حكم زكاة الفطر
السؤال: هل حديث ( لا يرفع صوم رمضان حتى تعطى زكاة الفطر ) صحيح ؟ وإذا كان المسلم الصائم محتاجاً لا يملك نصاب الزكاة ، هل يتوجب عليه دفع زكاة الفطر لصحة الحديث أم لغيره من الأدلة الشرعية الصحيحة الثابتة في السنة ؟
المجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
صدقة الفطر واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته : صاع ، والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: ( فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه واللفظ للبخاري .
وما روى أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : ( كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول – صلى الله عليه وسلم – صاعاً من طعام ، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط) متفق عليه.
ويجزئ صاع من قوت بلده مثل الأرز ونحوه ، والمقصود بالصاع هنا : صاع النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة .
وإذا ترك إخراج زكاة الفطر أثم ووجب عليه القضاء ، وأما الحديث الذي ذكرته فلا نعلم صحته .
ونسأل الله أن يوفقكم ، وأن يصلح لنا ولكم القول والعمل ، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى(5733) الجزء التاسع ص464 ) .


وقت إخراج زكاة الفطر
السؤال: هل وقت إخراج زكاة الفطر من بعد صلاة العيد إلى آخر ذلك اليوم ؟
المجيب  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
لا يبدأ وقت زكاة الفطر من بعد صلاة العيد ، وإنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان ، وهو أول ليلة من شهر شوال ، وينتهي بصلاة العيد ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بإخراجها قبل الصلاة ، ولما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لما رواه بن عمر - رضي الله عنهما – قال : ( فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صدقة الفطر من رمضان .. ) ، وقال في آخره ( وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين ) .
فمن أخرها عن وقتها فقد أثم وعليه أن يتوب من تأخيره ، وأن يخرجها للفقراء .
( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى(2896) الجزء التاسع ص373 )


تأخير زكاة الفطر عن وقتها
السؤال: كنت في سفر ونسيت دفع الفطرة ولم أخرج الفطرة حتى الآن، وعندنا مصنع ومزرعة فيها عمال ويتقاضون أجرة، فهل لنا أن نصرف الفطرة عنهم أم يصرفونها هم عن أنفسهم؟
المجيب  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز-رحمه الله-
الجواب:
إذا أخر الشخص زكاة الفطر عن وقتها وهو ذاكر لها أثم ، وعليه التوبة إلى الله والقضاء ؛ لأنها عبادة ، فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة، وحيث ذكرت عن السائلة أنها نسيت إخراجها في وقتها فلا إثم عليها، وعليها القضاء ، أما كونها لا إثم عليها فلعموم أدلة إسقاط الإثم عن الناسي ، وأما إلزامها بالقضاء فلما سبق من التعليل .
ثانياً : العمال الذين يتقاضون أجرة مقابل ما يؤدونه من عمل في المصنع والمزرعة هم الذين يخرجون زكاة الفطر عن أنفسهم ؛ لأن الأصل وجوبها عليهم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى(2867) الجزء التاسع ص 372 )


متى وأين توزع زكاة الفطر؟
السؤال: بالنسبة للفطرة، هل توزع على فقراء بلدتنا أم على غيرهم؟ وإذا كنا نسافر قبل العيد بثلاثة أيام ماذا نفعله تجاه الفطرة؟
المجيب  عبد العزيز بن باز - رحمه الله –
الجواب:
السنة توزيع زكاة الفطر بين فقراء البلد صباح يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز توزيعها قبل ذلك بيوم أو يومين ابتداء من اليوم الثامن والعشرين، وإذا سافر من عليه زكاة الفطر قبل العيد بيومين أو أكثر أخرجها في البلاد الإسلامية التي يسافر إليها، وإن كانت غير إسلامية التمس بعض فقراء المسلمين وسلمها لهم، وإن كان سفره بعد جواز إخراجها فالمشروع له توزيعها بين فقراء بلده؛ لأن المقصود منها مواساتهم والإحسان إليهم وإغناؤهم عن سؤال الناس أيام العيد.
[فتاوى ابن باز –رحمه الله- كتاب الدعوة (4/154)].


إخراج زكاة الفطر لحما
السؤال: بعض أهل البوادي ليس عندهم طعام يخرجونه لزكاة الفطر فهل يجوز لهم الذبح من المواشي وتوزيعها على الفقراء؟
المجيب  محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله –
الجواب:
لا يصح ذلك؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – فرضها صاعاً من طعام واللحم يوزن ولا يكال، قال ابن عمر – رضي الله عنهما - : "فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر صاعاً من تمر وصاعاً من شعير".
وقال أبو سعيد – رضي الله عنه -: "كنا نخرجها في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – صاعاً من طعام، كان طعامنا التمر والشعير والزبيب والأقط"، ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن زكاة الفطر لا تجزئ في الدراهم ولا من الثياب ولا من الفرش.
ولا عبرة بقول من قال من أهل العلم إن زكاة الفطر تجزئ من الدراهم لأنه ما دام بين أيدينا نص عن النبي – عليه الصلاة والسلام – فإنه لا قول لأحد بعده ولا استحسان للعقول في إبطال الشرع، والله – عز وجل – لا يسألنا عن قول فلان أو فلان يوم القيامة وإنما يسألنا عن قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – لقوله تعالى: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ" [القصص:65].
فتصور نفسك واقفاً بين يدي الله يوم القيامة وقد فرض عليك على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن تؤدي زكاة الفطر من الطعام فهل يمكنك إذا سئلت يوم القيامة: ماذا أجبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فرض هذه الصدقة؟ فهل يمكنك أن تدافع عن نفسك وتقول والله هذا مذهب فلان وهذا قول فلان؟
الجواب: لا ولو أنك قلت ذلك لم ينفعك.
فالصواب بلا شك أن زكاة الفطر لا تجزئ إلا من الطعام وأن أي طعام يكون قوتاً للبلد فإنه مجزئ وإذا رأيت أقوال أهل العلم في هذه المسألة وجدت أنها طرفان ووسط:
فطرف يقول: أخرجها من الطعام، وأخرجها من الدراهم، وطرف آخر يقول: لا تخرجها من الدراهم ولا تخرجها من الطعام إلا من خمسة أصناف فقط وهي البر والتمر والشعير والزبيب والأقط، وهذان القولان متقابلان.
وأما القول الوسط فيقول: أخرجها من كل ما يطعمه الناس ولا تخرجها مما لا يطعمه الناس، فأخرجها من البر والتمر والأرز والدخن والذرة، إذا كنت في مكان يقتات الناس فيه الذرة وما أشبه ذلك، حتى لو فرض أننا في أرض يقتات أهلها اللحم فإننا نخرجها من اللحم.
وبناءً على ذلك يتبين أن ما ذكره السائل من إخراج أهل البوادي للحم بدلاً عن زكاة الفطر لا يجزئ عن زكاة الفطر.


أحاديث في الصيام 
حكم التهنئة بشهر رمضان

السؤال: ما حكم التهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك حيث سمعنا من ينكر ذلك ، ويرى أنه من البدع ؟ نرجو الإفادة مشكورين .
المجيب  عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه ،أما بعد :
فهذا بحث مختصر حول: حكم التهنئة بدخول شهر رمضان، حاولت أن أجمع فيه أطرافه، راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد .

وقبل البدء بذكر حكم المسألة لا بد من تأصيل موضوع التهنئة
فيقال : التهاني ـ من حيث الأصل ـ من باب العادات، والتي الأصل فيها الإباحة، حتى يأتي دليل يخصها، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر.
ويدل لذلك ـ ما سيأتي ـ من تهنئة بعض الصحابة بعضاً في الأعياد، وأنهم كانوا يعتادون هذا في مثل تلك المناسبات.
يقول العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات ؟ ـ كما في "الفتاوى" في المجموعة الكاملة لمؤلفاته (348) ـ :
" هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع ،وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز ،فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع ،أو تضمن مفسدة شرعية ،وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره .
فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل ،فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها ،وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها ،بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب ،وتآلف القلوب كما هو مشاهد .
أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك ، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم ،لأنها من العدل ،ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور ويشوش الخواطر .
ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة ، وهي : أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المحبوبة لله ،بحسب ما ينتج عنها وما تثمره ،كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضار ما يلحقها بالأمور الممنوعة ، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً " ا هـ كلامه .
وقد طبق الشيخ ـ رحمه الله ـ هذا عملياً حينما أرسل تلميذه الشيخ عبدالله ابن عقيل خطاباً له في أوائل شهر رمضان من عام 1370هـ ، وضمنه التهنئة بالشهر الكريم فرد الشيخ عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ بهذا الجواب في أول رده على رسالة تلميذه : "في أسر الساعات وصلني كتابك رقم 19/9 فتلوته مسروراً ، بما فيه من التهنئة بهذا الشهر ، نرجو الله أن يجعل لنا ولكم من خيره أوفر الحظ والنصيب ، وأن يعيده عليكم أعواماً عديدة مصحوبة بكل خير من الله وصلاح " اهـ . كما في الأجوبة النافعة (ص:280)، وفي صفحة (284)ضمن الشيخ رسالته المباركة في العشر الآواخر.
وللشيخ ـ رحمه الله ـ كلام في منظومة القواعد ـ كما في المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي 1/143 ـ يقرر فيه هذا المعنى ،وللمزيد ينظر (الموافقات) للشاطبي 2/212 ـ 246 ففيه بحوث موسعة حول العادات وحكمها في الشريعة .
فإذا تقرر أن التهاني من باب العادات، فلا ينكر منها إلاّ ما أنكره الشرع، ولذا : مرّر الإسلام جملة من العادات التي كانت عند العرب، بل رغب في بعضها، وحرّم بعضها، كالسجود للتحية .

وبعد هذه التوطئة يمكن أن يقال عن التهنئة بدخول الشهر الكريم :
قد ورد في التهنئة بقدومه بعض الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أذكرها جملة منها ،وهي أقوى ما وقفت عليه ،وكلها لا تخلو من ضعف ،وبعض أشد ضعفا من الآخر :
1- حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال : "أتاكم رمضان ،شهر مبارك ،فرض الله عز وجل عليكم صيامه ،تفتح فيه أبواب السماء ،وتغلق فيه أبواب الجحيم ،وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " . أخرجه النسائي 4/129 ح(2106) ،وأحمد 2/230 ،385 ،425 من طرق عن أيوب ،عن أبي قلابة ـ واسمه عبد الله بن زيد الجرمي ـ عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .
2- والحديث رجاله رجال الشيخين إلا أن رواية أبي قلابة عن أبي هريرة مرسلة، أي أن في الإسناد انقطاعاً ينظر: تحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي (176) .
والحديث أصله في الصحيحين ـ البخاري 2/30 ح(1899) ،ومسلم 2/758 ح(1079) ـ ولفظ البخاري : "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء ،وغلقت أبواب جهنم ،وسلسلت الشياطين " ولفظ مسلم : "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ـ وفي لفظ ( الرحمة ) ـ وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " .
قال ابن رجب (رحمه الله) في "اللطائف" (279) : " وكان النبي ح يبشر أصحابه بقدوم رمضان ، ... ثم ساق هذا الحديث، ثم قال: قال العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً في شهر رمضان ".
3- حديث أنس – رضي الله عنه - قال : دخل رمضان ،فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر ،من حرمها فقد حرم الخير كله ،ولا يحرم خيرها إلا محروم" .
أخرجه ابن ماجه ح(1644) من طريق محمد بن بلال،عن عمران القطان، عن قتادة، عن أنس – رضي الله عنه - .
وهذا الإسناد ضعيف لوجهين :
الوجه الأول : أن فيه محمد بن بلال البصري ، التمار .
قال أبو داود : ما سمعت إلاَّ خيراً ، وذكره ابن حبان في الثقات ،وقال العقيلي ـ في "الضعفاء "4 / 37 ترجمة (1584) ـ : " بصري يهم في حديثه كثيراً " ،وقال ابن عدي ـ في "الكامل"6/134 ـ: "له غير ما ذكرت من الحديث ،وهو يغرب عن عمران القطان ،له عن غير عمران أحاديث غرائب ،وليس حديثه بالكثير ،وأرجو أنه لا بأس به " .
وحديث الباب من روايته عن عمران ،فلعله مما أغرب به على عمران .
وقد لخص الحافظ ابن حجر حاله بقوله في "التقريب" (5766) : "صدوق يغرب " .
الوجه الثاني : أن في سنده عمران بن داوَر ، أبو العوام القطان ، كان يحيى القطان لا يحدث عنه ، وقد ذكره يوماً فأحسن الثناء عليه ـ ولعل ثناء عليه كان بسبب صلاحه وديانته ،جمعاً بين قوله وأقوال الأئمة الآتية ـ ،لكن قال أحمد ( أرجو أن يكون صالح الحديث ) ،وقال مرةً ( ليس بذاك ) ، وضعفه ابن معين، وأبو داود، والنسائي ،وقال الدار قطني: كثير الوهم والمخالفة، وقد ذكره ابن حبان في الثقات .
ينظر : "سؤالات الحاكم للدار قطني" (261 رقم 445 )،"تهذيب الكمال" 22 / 329 ،"الميزان " 3 / 236 ، "موسوعة أقوال الإمام أحمد في الرجال " 3 / 121.
وقال الحافظ ابن حجر ملخصاً أقوال من سبق : "صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج" كما في "التقريب"(5150) .
وعمران هذا روى الحديث عن قتادة ، ولم أقف له على متابع ،فهذا مظنة الضعف والغرابة .
وذكر الإمام البرديجي كلاماً قوياً يبين فيه حكم الأحاديث التي يتفرد فيها أمثال هؤلاء الرواة عن الأئمة الحفاظ ،فيمكن أن ينظر : "شرح العلل " 2 / 654،697 ،لابن رجب، ونحوه عن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه1/7 .
وقتادة بلا ريب من كبار الحفاظ في زمانه ، روى عنه جمعٌ كبير من الأئمة ، كما قال الذهبي في "السير" 5/270 :"روى عنه أئمة الإسلام ، أيوب السختياني وابن أبي عروبة ، ومعمر بن راشد ، والأوزاعي، ومسعر بن كدام، وعمرو بن الحارث المصري وشعبة،..." ثم ذكر جملة منهم فأين هؤلاء من هذا الحديث؟
4- حديث سلمان – رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان، فقال "أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ،شهر مبارك ،شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ،جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعا ،من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ،وهو شهر الصبر ،والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ،وشهر يزداد فيه رزق المؤمن ،من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه ،وعتق رقبته من النار ،وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء " .
قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم ؟! فقال : "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة ،أو شربة ماء ،أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة ،وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال ، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما ،فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله ، وتستغفرونه، وأما اللتان لاغنى بكم عنها : فتسألون الله الجنة ،وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة " .
أخرجه في صحيحه 3/191ح (1887) ، وهو حديث لا يصح ،فقد سئل أبو حاتم عنه –"العلل" لابنه 1/249 – فقال: "هذا حديث منكر"،وقال ابن خزيمة ـ في الموضع السابق ـ: "إن صح الخبر"، وقال ابن حجر في إتحاف المهرة 5/561: "ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف".
وخلاصة تضعيف هؤلاء الأئمة لهذا الخبر تعود إلى أمرين:
ـ ضعف علي بن زيد .
ـ ومع ضعفه فقد تفرد به، كما قال الحافظ ابن حجر .
وبهاتين العلتين يتضح وجه استنكار أبي حاتم ـ رحمه الله ـ .
وقد ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن التهنئة بالعيد لا بأس بها، بل ذهب بعضهم إلى مشروعيتها، وفيها أربع روايات عن الإمام أحمد (رحمه الله)، ذكرها ابن مفلح (رحمه الله) في (الآداب الشرعية 3/219) وذكر أن ما روي عنه من أنها لا بأس بها هي أشهر الروايات عنه .
وقال ابن قدامة في "المغني" 3/294 : "قال الإمام أحمد (رحمه الله) قوله : ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبّل الله منا ومنك ،وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس: تقبل الله منا ومنكم؟ قال: لا بأس، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة بن الأسقع؟، قال: نعم، قيل: فلا تكره أن يقال: (هذا يوم العيد)؟، قال: لا...." .
فيقال: إذا كانت التهنئة بالعيد هذا حكمها، فإن جوازها في دخول شهر رمضان الذي هو موسمٌ من أعظم مواسم الطاعات، وتنـزل الرحمات، ومضاعفة الحسنات، والتجارة مع الله.. من باب أولى، والله أعلم .
ومما يُستدَل به على جواز ذلك أيضاً : قصة كعب بن مالك – رضي الله عنه - الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما، وقيام طلحة (رضي الله تعالى عنه) إليه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ ضمن سياقه لفوائد تلك القصة في "زاد المعاد" 3/585 : " وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل، ومصافحته ،فهذه سنة مستحبة، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية، وأن الأَوْلى أن يقال: يهنك بما أعطاك الله، وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام، فإن فيه تولية النعمة ربّها، والدعاء لمن نالها بالتهني بها " .
ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكَه نعمةٌ دينية، فهي أولى وأحرى بأن يُهنّأ المسلم على بلوغها، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول؟، ونحن نرى العشرات ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر .
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : " ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة :
بمشروعية سجود الشكر، والتعزية ـ كذا في الموسوعة الفقهية التي نقلت عنها ـ ، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك ...) نقلاً عن الموسوعة الفقهية الكويتية، 14/99ـ100، وينظر : وصول الأماني، للسيوطي وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم اهتد إليه، وينظر : وصول الأماني، 1/83 (ضمن الحاوي للفتاوى).

خلاصة المسألة:
وبعد هذا العرض الموجز يظهر أن الأمر واسع في التهنئة بدخول الشهر، لا يُمنع منها، ولا ينكر على من تركها، والله أعلم .
هذا، وقد سألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن ابن باز ـ رحمه الله ـ عنها قال : "طيبة" ،وكذلك سألت شيخنا العلامة (محمد بن صالح العثيمين) رحمه الله عن التهنئة بدخول شهر رمضان، فقال: (طيبة جدّاً)، وذلك في يوم الأحد 8/9/1416هـ، حال بحثي في هذه المسألة .
وقد سئل العلامة محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ (صاحب الأضواء) عن الصفة الشرعية للتهنئة برمضان والمناسبات الأخرى كالعيدين ؟ فأجاب رحمه الله بجواب مطول ، خلاصته : أنه لا يعلم صفة معينة في هذا الشأن إلا ما ورد في العيدين ـ كما سبق نقله ـ وأن الإنسان إذا اقتصر على الوارد كان أفضل ،لكن لو ابتدأه غيره فلا حرج أن يجيبه من باب رد التحية بخير منها، فلو اتصل الإنسان على أخيه، أو زاره وقال له : نسأل الله أن يجعل هذا الشهر عونا على طاعته ،أو يعيننا وإياكم على صيامه وقيامه ،فلا حرج إن شاء الله ،لأن الدعاء كله خير وبركة، لكن لا يلتزم بذلك لفظاً مخصوصاً، ولا تهنئة مخصوصة .نقلاً من شريط : ( آداب الاستئذان ) .
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث ،وما كان فيه من صواب،فإن كان كذلك فمن الله وحده، وإن أخطأت فأنا أهلٌ لذلك ، وأستغفر الله وأتوب إليه ،وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتب أصله في شهر شعبان عام 1417هـ ،وأعيدت كتابته وصياغته بإضافات كثيرة في 27/8/  1422هـ