لمحة..
عامل البشر على أنهم بشر.. لا على أشكالهم.. أو أموالهم.. أو وظائفهم..

12.    العبيد والمماليك..
كان -صلى الله عليه وسلم- يحسن الدخول إلى قلوبهم بما يناسب..
لما توفي عم النبي -صلى الله عليه وسلم-.. اشتد أذى قريش عليه -صلى الله عليه وسلم-..
فخرج -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف.. يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه.. ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى..
خرج إليهم وحده..
وصل إلى الطائف.. وعمد إلى نفر ثلاثة من ثقيف وهم سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة.. عبد يا ليل.. ومسعود.. وحبيب.. بنو عمرو بن عمير..
فجلس إليهم -صلى الله عليه وسلم-.. فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه..
فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك..
وقال الآخر: أما وجد الله أحداً أرسله غيرك؟
أما الثالث فقال -متفلسفاً-:
والله لا أكلمك أبداً! لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام.. ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك..
فلما سمع -صلى الله عليه وسلم- منهم هذا الرد القبيح.. قام من عندهم.. وقد يئس من خير ثقيف..
لكنه خاف أن تعلم قريش بخبر ثقيف معه فيجترئون عليه أكثر.. فقال لهم:
إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا على..
فلم يفعلوا.. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به..
حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة.. وشيبة بن ربيعة.. وهما فيه..
ورجع عنه من سفهاء ثقيف ممن كان يتبعه..
فعمد -صلى الله عليه وسلم- إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه..
وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف..
فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما..
فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس.. وقالا: له خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق.. ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه..
ففعل عداس.. وجاء بالعنب.. حتى وضعه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: كل..
فمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده إليه وقال: " بسم الله " ثم أكل..
نظر عداس إليه وقال:
والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد..
فقال له -صلى الله عليه وسلم-: " ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ "..
قال: نصراني.. وأنا رجل من أهل نينوى..
فقال -صلى الله عليه وسلم-: " من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ "..
فقال عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟
فقال -صلى الله عليه وسلم-: " ذلك أخي.. كان نبياً.. وأنا نبي "..
فأكب عداس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل رأسه ويديه وقدميه..
وابنا ربيعة ينظران إليهما.. فقال أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك..
فلما رجع عداس لسيده.. وقد بدا عليه التأثر برؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسماع كلامه..
قال له سيده: ويلك يا عداس! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟
فقال: يا سيدي ما في الأرض شئ خير من هذا.. لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي..
فقال سيده: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك.. فإن دينك خير من دينه..
فهل نستطيع نحن اليوم أن نجعل تعاملنا راقياً مع الجميع.. مهما كانت طبقاتهم؟