فكرة..
بالرفق واستعمال مهارات التعامل والإقناع.. نستطيع أن نحقق ما نريد..


8.    استمتع بالمهارات..
المهارات متعة حسية، لا أعني بها الأجر الأخروي فقط، لا وإنما هي متعة وفرح تشعر به حقيقة..
فاستمتع بها، ومارسها مع جميع الناس، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، قريبهم وبعيدهم.. كلهم.. مارس معهم هذه المهارات..
إما لاتقاء أذاهم..
أو لكسب محبتهم..
أو لإصلاحهم.. نعم إصلاحهم..
كان علي بن الجهم شاعراً فصيحاً.. لكنه كان أعرابياً جلفاً لا يعرف من الحياة إلا ما يراه في الصحراء..
وكان المتوكل خليفة متمكناً.. يُغدى عليه ويراح بما يشتهي..
دخل علي بن الجهم بغداد يوماً فقيل له: إن من مدح الخليفة حظي عنده ولقي منه الأعطيات..
فاستبشر علي ويمم جهة قصر الخلافة..
دخل على المتوكل.. فرأى الشعراء ينشدون ويربحون..
والمتوكل هو المتوكل.. سطوة وهيبة وجبروت..
فانطلق مادحاً الخليفة بقصيدة مطلعها:
يا أيها الخليفة..
أنت كالكلب في حفاظك للود.. وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمتك دلواً .. من كبار الدلاْ كثير الذنوب
ومضى يضرب للخليفة الأمثلة بالتيس والعنز والبئر والتراب..
فثار الخليفة.. وانتفض الحراس.. واستل السياف سيفه.. وفرش النطع.. وتجهز للقتل..
فأدرك الخليفة أن علي بن الجهم قد غلبت عليه طبيعته.. فأراد أن يغيرها..
فأمر به فأسكنوه في قصر منيف.. تغدو عليه أجمل الجواري وتروح يما يلذ ويطيب..
ذاق علي بن الجهم النعمة.. واتكأ على الأرائك.. وجالس أرق الشعراء.. وأغزل الأدباء..
ومكث على هذا الحال سبعة أشهر..
ثم جلس الخليفة مجلس سمر ليلة.. فتذكر علي بن الجهم.. فسأل عنه، فدعوه له.. فلما مثل بين يديه.. قال: أنشدني يا علي بن الجهم..
فانطلق منشداً قصيدة مطلعها:
عيون المها بين الرصافة والجسر.. جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن.. سلوت ولكن زدن جمراً على جمر
ومضى يحرك المشاعر بأرق الكلمات.. ثم شرع يصف الخليفة بالشمس والنجم والسيف..
فانظر كيف استطاع الخليفة أن يغير طباع ابن الجهم..
ونحن كم ضايقتنا طباع لأولادنا أو أصدقائنا فسعينا لتغييرها.. فغيرناها..
فمن باب أولى أن تقدر أنت على تغيير طباعك.. فتقلب العبوس تبسماً.. والغضب حلماً.. والبخل كرماً.. وهذا ليس صعباً.. لكنه يحتاج إلى عزيمة ومراس.. فكن بطلاً..
ومن نظر في سيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- وجد أنه كان يتعامل مع الناس بقدرات أخلاقية، ملك بها قلوبهم..
ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- يتصنع هذه الأخلاق أمام الناس.. فإذا خلا بأهل بيته.. انقلب حلمه غضباً.. ولينه غلظاً..
لا.. ما كان بساماً مع الناس عبوساً مع أهل بيته..
ولا كريماً مع الخلق إلا مع ولده وزوجه..
لا.. بل كانت أخلاقه سجية.. يتعبد لله تعالى بها.. كما يتعبد بصلاة الضحى وقيام الليل..
يحتسب ابتسامته قربة.. ورفقَه عبادة.. وعفوَه ولينَه حسنات..
إن من اعتبر حسن الخلق عبادة.. تحلى بها في جميع أحواله.. في سلمه وحربه.. وجوعه وشبعه.. وصحته ومرضه.. بل وفرحه وحزنه..
نعم.. كم من الزوجات تسمع عن أخلاق زوجها.. وسعة صدره.. وابتسامته وكرمه..
ولكنها لم تر من ذلك شيئاً..
فهو في بيته سيئَ الخلق.. ضيقَ الصدر.. عابسَ الوجه.. صخاباً لعاناً.. بخيلاً ومناناً..
أما هو -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي قال: (خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)  ..
وانظر كيف كان يتعامل مع أهله..
قال الأسود بن يزيد: سألت عائشة -رضي الله عنه-: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟
فقالت: يكون في مهنة أهله.. فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج للصلاة..
وقل مثل ذلك مع الوالدين.. فكم هم أولئك الذين نسمع عن حسن أخلاقهم..
وكرمهم وتبسمهم.. وجميل معاشرتهم للآخرين.. أما مع أقرب الناس إليهم.. وأعظم الناس حقاً عليهم.. مع الوالدين فجفاء وهجر..
نعم.. خيركم خيركم لأهله.. لوالديه.. لزوجه.. لخدمه.. بل ولأطفاله..
في يوم مليء بالمشاعر.. يجلس أبو ليلى -رضي الله عنه- عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فيأتي الحسن أو الحسين يمشي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.. فيأخذه -صلى الله عليه وسلم-.. فيقعده على بطنه.. فبال الصغير على بطن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. قال أبو ليلى: حتى رأيت بوله على بطن رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- أساريع..
قال: فوثبنا إليه.. فقال -صلى الله عليه وسلم-: دعوا ابني.. لا تفزعوا ابني..
فلما فرغ الصغير من بوله.. دعا -صلى الله عليه وسلم- بماء فصبه عليه..
فلله دره كيف تروضت نفسه على هذه الأخلاق.. فلا عجب إذن أن يملك قلوب الصغار والكبار..