باب الوقف على مرسوم الخط
(376)
وَكُوفِيُّهُمْ وَالْمَازِنِيُّ وَنَافِعٌ عُنُوا بِاتَّبَاعِ الْخَطِّ فِي وَقْفِ الاِبْتِلاَ
المازني هو أبو عمرو وعنوا أي اعتنوا باتباع خط المصحف والابتلا الاختبار أي إذا اختبروا بالوقف على كلمات ليست بموضع وقف ليعلم به معرفة القارئ بحقيقة تلك الكلمة أو إذا انقطع نفس القارئ فوقف على تلك الكلمة فقد وردت الرواية عن هؤلاء الأئمة المذكورين باتباع الرسم فيها فيوقف عليها على وفق رسمها في الهجاء وذلك باعتبار الأواخر في تفكيك الكلمات بعضها من بعض وتقطيعها فما كتب من كلمتين موصولتين لم يوقف إلا على الثانية منهما وما كتب منهما مفصولا يجوز أن يوقف على كل واحدة منهما وذلك نحو عن ماهما كتبتا بالقطع في موضع وبالوصل في آخر فيقفون في المقطوع على عن وفي الموصول على عما وفي الوصل لا يظهر لذلك أثر فلهذا خص الباب بالوقف
(377)
وَلاِبْنِ كَثِيٍر يُرْتَضى وَابْنِ عَامِرٍ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ حَرٍ أَنْ يُفَصَّلاَ
أي يرتضى لهما الوقف على المرسوم وإن لم يرد به عنهما رواية وذلك لما فيه من التنبيه على الرسم قال في التيسير اعلم أن الرواية ثبتت لدينا عن نافع وأبي عمرو والكوفيين أنهم كانوا يقفون على المرسوم وليس في ذلك عندنا شيء يروى عن ابن كثير وابن عامر واختيار أئمتنا أن يوقف في مذهبهما على المرسوم كالدين روي عنهم ذلك، قلت وذلك منقسم إلى متفق عليه ومختلف فيه ولم توضع هذه القصيدة إلا لبيان المختلف فيه فلهذا قال وما اختلفوا فيه حر أن يفصلا أي حقيق تفصيله أي تبيينه بطريق التفصيل واحدا بعد واحد فقوله حر مثل عم وشد وهو خبر قوله وما اختلفوا فيه وقوله أن يفصلا في موضع رفع على أنه فاعل حر يقال حر وحرا منقوصا ومقصورا وكلاهما مستقيم هنا وزنا ومعنى والكل بمعنى خليق وجدير وحقيق إلا أن المنقوص يثنى ويجمع بخلاف المقصور أما المتفق عليه فنحو الوصل والقطع بين الكلمات والإثبات والحذف في حروف العلة نحو (ويمح الله الباطل) في الشورى و(يدع الإنسان بالشر - يدع الداع - سندع الزبانية)، كتبت هذه المواضع الأربعة بحذف الواو فيوقف عليها كذلك وكتب (يمحو الله ما يشاء)، في الرعد بإثبات الواو فالوقف عليه كذلك و(عمّا)، موصولة إلا قوله تعالى (فلما عتوا عن ما نهوا عنه)، فإنها مفصولة وكذا (إما)، موصولة إلا في الرعد (وإن ما نرينك)، وهو كثير يؤخذ من المصنفات في ذلك فلا يطول بذكره، ثم شرع يبين الذي اختلف فيه القراء فقال
(378)
إِذَا كُتِبَتْ بِالتَّاءِ هَاءُ مُؤَنَّثٍ فَبِالْهَاءِ قِفْ (حَقَّـ)ـا رِضًى وَمُعَوِّلاَ
يعني كل هاء تأنيث في الوقف وهي تاء في الوصل منها ما رسم في المصحف على لفظ الوقف ومنها ما رسم على لفظ الوصل بالتاء فما كتب من ذلك بالهاء فلا خلاف في الوقف عليها كذلك لأنها هي اللغة الفصحى والرسم موافق لها فلا معدل عنها وما كتب من ذلك بالتاء فوقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وخالفوا الرسم اتباعا لأفصح اللغتين ووقف الباقون بالتاء لأنها لغة ثابتة وفي القراءة بها موافقة للرسم وقوله حقا رضى ومعولا أحوال على حذف مضاف أي ذا حق ورضى وتعويل ويجوز أن تكون مفعولات مطلقة وأفعالها مضمرة أي حق ذلك حقا ورضى ذلك رضى وعول عليه معولا ثم استثنى من ذلك فقال
(379)
وَفي اللاَّتَ مَعْ مَرْضَاتِ مَعْ ذَاتَ بَهْجَةٍ وَلاَتَ (رُِ)ضًى هَيْهَاتَ (هَـ)ادِيِه رُفِّلاَ
أي الوقف بالهاء في هذه الأماكن مرضى يريد قوله تعالى (أفرأيتم اللات والعزى) و (مرضاة)، حيث وقعت وذات من قوله (ذات بهجة - بخلاف قوله - ذات بينكم)، ونحوها وليس الكلام في بهجة فإن الوقف عليها بالهاء بإجماع لأنها رسمت كذلك وأما ولات ففي قوله تعالى (ولات حين مناص)، رسم الجميع بالتاء ووقف الكسائي عليهن بالهاء طردا لمذهبه ولم يوافقه أبو عمرو وابن كثير لمعان اختصت بهذه المواضع أما اللات فإذا وقف عليها بالهاء أشبه لفظ الوقف على اسم الله وأما مرضاة فالوقف عليه بالهاء يشبه لفظ مرضى جمع مريض إذا أضيفت إلى هاء الضمير وأما ذات فمؤنث ذو ولم يجر على لفظ مذكره فوقف عليه بالتاء كبنت وأخت بخلاف ابنة ففيها اللغتان لأنها على لفظ مذكرها وهو ابن فزيد فيه هاء التأنيث وأما لات فالتاء فيها تأنيث بمنزلة التي تدخل الأفعال نحو قامت وقعدت وإنما حركت لالتقاء الساكنين وللفرق بين تاء التأنيث في الأفعال وبينها في الحروف ألا تراها لا تزال مفتوحة فهي محركة كما حركوا تاء ثمت وربت إلا أن هذه يجوز إسكانها إذ لا ساكن قبلها وما كان من هذا القبيل فحقه أن يوقف عليه بالتاء ووقف عليها الكسائي بالهاء لأنها أشبهت تاء التأنيث في الأسماء للزومها الحركة وقرأت في كتاب أبي بكر بن مهران في شرح كتاب سيبويه قال يقال لات ولاه في الوقف وثمة وثمه في الوقف وربت وربه في الوقف قلت وقد حكى أن التاء كتبت مع حين فعلى هذا يكون الوقف على لا وبعدها تحين وقال الفراء الوقف على ولات واللات وذات بالتاء أحب إلي من الهاء وقد رأيت الكسائي سأل أبا فقعس الأسدي فقال ذاة للذات و - أفرأيتم اللاه) للات، وقال في - ولات حين مناص -  ولاه وخص الوقف بالهاء على ذات في (ذات بهجة - دون - ذات بينكم)، وشبهه جمعا بين اللغتين ووافقه البزي على (هيهات)، فوقفا بالهاء ولهذا قال رفلا لأن الترفيل التعظيم وهو اسم زيادة سبب خفيف في قافية مجزو، والكامل في الضرب الأول منه وإنما قال هاديه رفل لانضمام البزي إلى الكسائي في ذلك
(380)
وَقِفْ يَا أَبَهْ (كُـ)فْؤًا (دَ)نَا وَكَأَيِّنِ الْوُقُوفُ بِنُونٍ وَهْوَ بِالْيَاءِ (حُـ)صِّلاَ
كفوا حال من الضمير في قف أي كفؤا في إقامة الحجة أي قف بالهاء قائلا يا أبه أراد يا أبت حيث جاء وقف عليه بالهاء ابن عامر وابن كثير لأنها تاء تأنيث لحقت الأب في باب النداء خاصة فكان الوقف عليها كغيرها فابن كثير جرى على أصله في ذلك وخالفه أبو عمرو والكسائي لأنها ليست طرفا فإن ياء الإضافة مقدرة بعدها وقد قال أبو بكر الأنباري يقف بالتاء من كسر ولا يجوز أن يقف بالهاء لأن الكسرة التي في التاء دالة على ياء المتكلم مثل (يا قوم - و - يا عباد)، وخالف ابن عامر هنا أصله فلم يقف بالتاء لأنه فتحها وصلا على ما يأتي فأراد أن يفرق بينها وبين غيرها من التاءات لما اختصت به هذه من أحكام لم توجد في الباقية ومن وقف بالتاء اتبع الرسم في جميع الباب وكذا من وقف على (كأين)، بالنون وهم جميع القراء إلا أبا عمرو فإنه وقف على الياء تنبيها على الأصل لأن التنوين يحذف في الوقف وهي كلمة أي دخل عليها كاف التشبيه وهي مجرورة منونة مثل زيد فحصل ذلك المعنى منه بسبب الوقف عليه بالياء والواو في قوله (وكأين)، للعطف ليشمل ما جاء من ذلك بالواو والفاء وقوله الوقوف بنون مبتدأ وخبر أي الوقوف فيه كائن بالنون أي عندها كما تقول قف بالديار وقوله وهو بالياء مثله أي والوقوف أيضا (كأين)، بالياء والألف في حصلا ضمير الموقفين ولا يجوز أن يكون بالياء متعلقا بضمير الوقوف الذي هو وهو ويكون حصلا خبره لمنعهم جواز قولك مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح ويجوز أن يتعلق بالياء بقوله حصلا فتكون الألف في حصلا للإطلاق والله أعلم.
(381)
وَمَالِ لَدَى الْفُرْقَانِ وَالْكَهْفِ وَالْنِّسَا وَسَالَ عَلَى مَا (حَـ)جَّ وَالْخُلْفُ (رُ)تِّلاَ
يريد قوله تعالى (ما لهذا الرسول) و (ما لهذا الكتاب) - (فمال هؤلاء القوم) - (فمال الذين كفروا)، كتبت لام الجر مفصولة في هذه المواضع الأربعة تنبيها على انفصالها من مجرورها في المعنى فوقف أبو عمرو على - ما - لأن حرف الجر من الكلمة الآتية ووقف باقي القراء على اللام اتباعا للرسم واختلف عن الكسائي فروى عنه مثل أبي عمرو ومثل الجماعة وتقدير البيت ومال في هذه السور الأربع الوقف فيها على لفظ ما حج أي غلب في الحجة لأن الكلمة مستقلة فوقف عليها ولم يقف على اللام الخافضة لأنها مع ما بعدها كالكلمة الواحدة ولفظه بقوله ومال تنبيه على أن الرسم كذلك فمنه نأخذ أن وقف المسكوت عنه من القراء على اللام وقوله رتلا أي بين ومنه ترتيل القراءة وهو الترتيل فيها والتبيين أي نقل الخلاف عن الكسائي في الكتب المشهورة والله أعلم.
(382)
وَيَا أَيُّهَا فَوْقَ الدُّخَانِ وَأَيُّهَا لَدَى النُّورِ وَالرِّحْمنِ (رَ)افَقْنَ حُمِّلاَ
يعني أن في الزخرف (ياأيّه الساحر)، وفي سورتي النور والرحمن (أيها)، بغير حرف النداء فلهذا أعاد لفظ أيها يريد قوله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيُّه المؤمنون) - (سنفرغ لكم أيه الثقلان)، وقف بهذا اللفظ الكسائي وأبو عمرو وهو لفظ الوصل وإنما سقطت الألف للساكن بعدها فوقفا على أصل الكلمة ووقف الباقون على الهاء من غير ألف اتباعا للرسم لأن الألف لم ترسم في هذه المواضع الثلاثة فكتبت على لفظ الوصل من غير نظر إلى الأصل كما كتبت، (ويمح الله الباطل)، بغير واو ووقف الجميع كذلك وأما سائر المواضع نحو (يا أيها الناس - يا أيها الذين آمنوا - يا أيها النبي)، فالوقف بالألف لجميع القراء لأن الرسم كذلك، فإن قلت تلفظ في البيت بغير لفظ الرسم فمن أين تعلم قراءة الباقين قلت من البيت الآتي والضمير في رافقن لهذه المواضع أي رافقن حاملين لهن من القراء النقلة يشير إلى أن القراءة نقل فالاعتماد عليه وإن كان أصل الكلمة شاهدا لها وحملا جمع حامل
(383)
وَفي الْهَا عَلَى الإِتْبَاعِ ضَمَّ ابْنُ عَامِرٍ لَدَى الْوَصْلِ وَالْمَرْسُومِ فِيهِنَّ أَخْيَلاَ
يعني أن ابن عامر ضم الهاء في الوصل في هذه المواضع الثلاثة قال الشيخ قدرت الهاء في المعنى كما هي في اللفظ فضمت كما يضم المنادى المفرد وهي لغة عربية حكاها الكسائي والفراء، قال الفراء هي لغة بني أسد يقولون أيه الرجل أقبل وذلك أنهم شبهوا هذه الهاء بهاء الضمير فضموها وكذلك حركوا هاء السكت تشبيها لها بهاء الضمير وأسكنوا هاء الضمير تشبيها بهاء السكت وفي قراءة ابن عامر تحريك هاء السكت يعني في الأنعام (فبهداهم أقتده)، وقول الناظم على الإتباع بيان لمأخذ هذه اللغة وحركتها وهي أنهم ضموا الهاء إتباعا لضمة الياء قبلها والوجه فتح الهاء وهي قراءة الجماعة لأنها ها التي للتنبيه حذفت ألفها للساكن الذي بعدها ويعلم من قوله إن ابن عامر ضم الهاء على الإتباع أنه رسم بغير ألف وأن من عدا الكسائي وأبا عمرو وقفوا على الهاء لأن الألف لا يمكن ضم ما قبلها وكأن هذا من باب الإثبات والحذف فكأنه قال أثبت الألف في الوقف أبو عمرو والكسائي فالباقون على حذفها وقفا وزاد ابن عامر فضم الهاء في الوصل إتباعا والإتباع في اللغة وجه مقصود في مواضع كثيرة، قال الشيخ وأجاز صاحب القصيدة ضم ابن عامر بالرفع على الابتداء وضم ابن عامر على أنه فعل وفاعل، قلت فعلى هذا تقدير الكلام أوقع الضم في الهاء فهو من باب، يجرح في عراقيبها نصلى، ثم قال الشيخ والمرسوم مبتدأ وفيهن الخبر وأخيلا منصوب على الحال والتقدير والمرسوم استقر فيهن أخيلا أي مشبها ذلك والأخيل الحبرة اليمانية شبه الرسم بها، قلت وتبع الشارحون الشيخ في هذا المعنى واللفظ وهو مشكل لفظا ومعنى فإن الأخيل طائر والرجل المتكبر وما رأيت أحدا من أهل اللغة ذكر أنه الحبرة وقد كشفت الكتب المشهورة في ذلك فلم أجده ثم لا طائل للمعنى المفهوم من هذا اللفظ على تقدير صحته وقد طال فكري في معنى صحيح أحمل اللفظ عليه فوقع لي أن قوله أخيلا فعل ماض هو خبر والمرسوم بمعنى الرسم مصدر على وزن مفعول كالمجلود والمفتون أي والرسم أخيل فيهن ذلك من قولهم أخالت السماء وأخيلت إذا كانت ترجى المطر حكاه الجوهري وابن سيده فاستعارة الناظم هنا أي أن الرسم أخيل ضم الهاء الذي قرأ به ابن عامر في هذه المواضع الثلاثة لأنها لما رسمت على هذه الصورة بلا ألف أوقع ذلك في ذهن من رآه ظنا أنه رسم على لغة بني أسد المذكورة، قال الجوهري وقد أخلت السحابة وأخيلتها إذا رأيتها مخيلة للمطر ثم إني رأيت بعد ما وقع لي هذا المعنى الصحيح في شرح هذا اللفظ نسخة صحيحة من القصيدة في طرة هذا الموضع منها حاشية منقولة من حواشي نسخة الشيخ أبي عبد الله القرطبي رحمة الله عليه يقال سحاب، مخيل أي حقيق بالمطر ورأيت هذا أيضا في طرة نسخة أخرى مقروءة على المصنف ولا شك أن ما كان فيها من الحواشي هو من كلامه وزاد فكأن الرسم حقيق بضم الهاء إذا جاء بغير ألف ورأيت في حاشية نسخة أخرى قرئت على الناظم غير مرة وهو من قولهم أخال السحاب وأخيل إذا كان حقيقا بالمطر ولما رسمت هذه المواضع بغير ألف إجماعا كان فيه حجة لابن عامر قلت فدل ذلك على أنه مراد الناظم وأن أبا عبد الله وغيره سمعوه منه والله أعلم.، ورسمت يا أيها في جميع القرآن بالألف آخرها إلا في هذه المواضع الثلاثة وكأنهم أشاروا بذلك إلى جواز كتابتها على هذا الوجه إما اجتزاء بالفتحة عن الألف على قراءة الجماعة وإما على اللغة الأخرى التي قرأ عليها ابن عامر واكتفى بذلك في هذه الثلاثة دون باقي المواضع لأنها جمعت الأنواع الثلاثة وهي نداء المفرد والمثنى والمجموع فالمفرد (يا أيها الساحر - والمثنى - أيها الثقلان - والمجموع - أيه المؤمنون) والله أعلم.
(384)
وَقِفْ وَيْكَأَنَّهْ وَيْكَأَنَّ بِرَسْمِهِ وَبِالْيَاءِ قِفْ (رِ)فْقًا وَبِالْكَافِ (حُـ)لِّلاَ
أي هكذا رسمتا فقف على هذه الصورة لجميع القراء إلا الكسائي وأبا عمرو فإن الكسائي وقف على الياء لأنه جعل (وى - كلمة - و - كأن - كلمة)، ووى كلمة يقولها المتندم والمتعجب ووجه الكاف بعدها تشبيه الحالة الراهنة بحال الوقوع لحصول اليقين والمتيقن كالمعاين، قلت تقدير البيت، (كأنك بالدنيا غير كائنة) أي غير موجودة أي إنها ذاهبة واجبة الذهاب، (وكأنك بالآخرة غير زائلة) أي إذا وجدت فهي واجبة الدوام والله أعلم.، ومن قوله عليه الصلاة والسلام كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل، وقول امرؤ القيس، (كأني لم أركب جوادا للذة)، وقول عبد يغوث بن وقاص، (كأني لم أركب جوادا ولم أقل)، وقول الجرهمي، (كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر)، ووقف أبو عمرو على الكاف جعل (ويك)، كلمة ويكون أصلها ويلك حذفت منها اللام وهي لغة، قال عنترة، (ولقد شفا نفسي وأيرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم)، وقال آخر، (ألا ويك المسرة لا تدوم ولا يبقى على البوسى النعيم)، وفتح أن بعدها على إضمار اعلم أو إضمار لام الجر أي لأنه، وقراءة الجماعة تحتمل معنى قراءة الكسائي ومعنى قراءة أبي عمرو قال أبو الفتح بن جني في باب توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين من ذلك قوله تعالى (ويكأنه لا يفلح الكافرون)، مذهب الخليل وسيبويه فيه أنه (وى)، مفصول وهو اسم سمى به الفعل في الخبر وهو اسم أعجب ثم قال مبتدئا (كأنه لا يفلح الكافرون) وأنشد فيه، (وى كأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر) وذهب أبو الحسن فيه إلى أنه (ويك)، أراد بويك أعجب أي اعجب لسوء اختيارهم فعلق أن بما في ويك من معنى الفعل وجعل الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك وهنالك قال أبو علي ناصرا لقول سيبويه قد جاءت كأن كالزائدة وأنشد بيت عمر، (كأنني حين أمسي لا يكلمني ذو بغية يشتهي ما ليس موجودا) أي أنا كذلك وكذلك قوله (كأنه لا يفلح الكافرون)، أي هم لا يفلحون وقوله رفقا أي رافقا مصدر في موضع الحال أي ارفق في تقدير وجه ذلك وفهم معناه وحللا من التحليل أي جوز الوقف على الكاف ردا على من أنكر ذلك وقوله برسمه في موضع الحال أي ملتبسا برسمه فكأنه قال على رسمه وأفاد قوله هذا أن الرسم على هذه الصورة فلا تقتصر على بعض هذا اللفظ في الكلمتين وهما في آخر سورة القصص والله أعلم.
(385)
وَأَيّاً بأَيّاً مَا (شَـ)فَا وَسِوَاهُمَا بِمَا وَبِوَادِي النَمْلِ بِالْيَا (سَـ)ناً تَلاَ
يريد قوله تعالى (أيا ما تدعوا)، في آخر سورة سبحان هي كلمة أي زيدت عليها ما فهي مثل حيثما وكيفما وعمّا فوقف حمزة والكسائي على (أيا)، وحدها وأبدلا من التنوين ألفا لأنها كلمة مستقلة مفصولة من ما خطا ومعنى ووقف الباقون على ما وهو مشكل فإنها لم تتصل بما قبلها خطا فصارت مثل عن ما المفصولة فإنهم يقفون على عن دون ما وقد تقدم بيان ذلك ولكن الفرق تحقق الانقطاع في نحو عن ما لأن الاتصال كان ممكنا وههنا لم يتحقق ذلك فإن الألف لا يتصل بها شيء في الخط بعدها والأكثر في الخط اتصال ما المزيدة بما قبلها فاحتاطوا وأجروا هذا الموضع مجراها خوفا من أن يكونوا قصدوا الاتصال ولحظوه حال الكتابة معنى وتعلقا كما لحظوه فيما تحقق اتصاله ثم منعهم من ذلك خطا أن الألف لا تقبل ذلك فتركوه فقوله وأيا بأياما أي والوقف على أيا في قوله أياما شفا لظهور دليله بالفصل في الخط وسوى مدلول شفا وهما حمزة والكسائي وقفوا بما أي عليها يقال وقفت به وعليه قال طرفة (وقفت بها أبكي) وقال عنترة (قف على دراسات الدمن) وكذلك الياء في قوله وبواد النمل أي وقف الكسائي عليها بالياء لأنها الأصل والباقون بحذفها على الرسم وكان ينبغي أن يذكر هذا في سورته كما ذكر - هاد - و - وال - و - واق - و - باق - في سورة الرعد وذكر (يوم يناد)، في سورة ق فالجميع اختلفوا في إثبات يائه في الوقف واتفقوا على حذفها في الوصل ولهذا لم يذكرها في باب الزوائد على ما يأتي شرحه إن شاء الله تعالى
(386)
وَفِي مَهْ وَمِمَّهْ قِفْ وَعَمَّهْ لِمَهْ بِمَهْ بِخُلْفٍ عَنِ الْبَزِّيِّ وَادْفَعْ مُجَهِّلاَ
انفرد البزي في رواية عنه بزيادة هذه الهاء في الوقف على ما الاستفهامية الداخل عليها حرف الجر وهي هاء السكت لأن بعض العرب يلحقها في هذه المواضع جبرا لما حذف من ما وهو ألفها وإبقاء لحركة الميم لئلا تذهب في الوقف فيجتمع في ما وهي حرفان حذف أحدهما وإسكان الآخر وأنشدوا (صاح الغراب بمه) وأراد بما ذكره (فيم أنت من ذكراها) - مم خلق - عم يتساءلون - لم تقولون - بم يرجع المرسلون)، وشبه ذلك ووقف غير البزي بلا هاء إتباعا للرسم وهي اللغة المشهورة وقوله مجهلا منصوب على أنه مفعول به أراد أن من جهل قارئ هذه القراءة فهو كالصائل الظالم فادفعه عنه وحجة من يردعه ويزجره عن تجهيله له ويجوز أن يكون حالا من فاعل ادفع والمفعول محذوف أي ادفع من رد هذه القراءة مجهلا له بقلة معرفته وفي حواشي النسخة المقروءة على الناظم قال الحوفي في البرهان لا يجوز هذا واحتج بالرسم قال فيقال له أليس ابن كثير وغيره يثبت الزوائد في الوقف وليست في الرسم وقد وقف قوم بخلاف الرسم في مواضع والمعول عليه صحة النقل لا غير، قلت وحكى صاحب المستنير أن يعقوب كان يقف على هو وهي النون المفتوحة نحو (العالمين - و - الذين)، بهاء السكت كما فعل البزي في هذا فيقول (هوه - و - هيه - العالمينهْ - الذينهْ)، وشبهه وحكى الحافظ أبو العلاء عن ابن جبير عن أبي عمرو (يا ويلتاه - و - أسفاه - و - يا حسرتاه - والله أعلم).