باب مذاهبهم في الراءات
(343)
وَرَقَّقَ وَرْشٌ كُلَّ رَاءٍ وَقَبْلَهَا مُسَكَّنَةً يَاءٌ أَوِ الْكَسْرِ مُوصَلاَ
رقق أي أمال بين بين قال في التيسير اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين وكذا قال في باب الإمالة وقال مكي كان ورش يرقق الراء فيعلم من هذا الإطلاق أن الترقيق في هذا الباب عبارة عن إمالة بين بين ويستخرج من هذا أن إمالة الألفات بين بين على لفظ الترقيق في هذا الباب على ما ينطق به قراء هذا الزمان وقد نبهنا على ذلك في شرح قوله وذو الراء ورش بين بين فالمراد من ترقيق الراء تقريب فتحها من الكسرة وقوله كل راء يعني ساكنة كانت أو متحركة بأي حركة تحركت على الشروط المذكورة إلا ما يأتي استثناؤه وقوله مسكنة حال مقدمة لو تأخرت لكانت صفة للياء والواو في وقبلها للحال أي رققها في حال كون الياء الساكنة قبلها نحو (غير - و - الخير - و - لا ضير - و - ميراث - و - فقيرا - و - المغيرات)، ولا يكون قبل الياء الساكنة إلا مفتوح أو مكسور وقد مثلنا بالنوعين ثم قال أو الكسر أي أو أن يكون قبل الراء كسر نحو (الآخرة - و - باسرة - و - المدبرات)، ولا فرق في المكسور بين أن يكون حرف استعلاء أولا وتقع حروف الاستعلاء قبلها إلا الغين نحو (ناضرة - إلى ربها ناظرة - قاصرات - قطران)، ونحوه فهذه ستة ودخل ذلك كله تحت قوله كل راء أي سواء توسطت أو تطرفت لحقها تنوين أو لم يلحقها كان المكسور قبلها حرف استعلاء أو غير حرف استعلاء فالراء مرققة محالة بين اللفظين لورش سواء وصل الكلمة أو وقف عليها وقوله موصلا حال من الكسر أي يكون الكسر موصلا بالراء في كلمة واحدة احترازا مما يأتي ذكره وهو الكسر العارض والمفصل والغرض من الإمالة والترقيق مطلقا اعتدال اللفظ وتقريب بعضه من بعض بأسباب مخصوصة وأسباب ترقيق الراء هنا لورش أن يكون قبلها ياء ساكنة أو كسرة لازمة متصلة لفظا أو تقديرا والله أعلم.
(344)
وَلَمْ يَرَ فَصْلاً سَاكِنًا بَعْدَ كَسْرَةٍ سِوى حَرْفِ الاِسْتِعْلاَ سِوَى الْخَا فَكَمَّلاَ
أي لم يعتد بالحرف الساكن الذي وقع فصلا بين الكسرة اللازمة والراء فأعمل الكسرة ما تقتضيه من الترقيق كأنها قد وليت الراء وذلك نحو (إكراه - و - إكرام - و - سدرة)، فرقق لضعف الفاصل بسكونه فإن كان الفاصل الساكن حرف استعلاء قوي المانع فإنه لقوته في منع الإمالة لا يضعف بكونه ساكنا كما يضعف غيره ولا يقع كذلك من حروف الاستعلاء إلا الصاد والطاء والقاف نحو (إصرا - و - قطرا - و - وقرا)، واستثنى من حروف الاستعلاء الخاء فلم يعتد بها فاصلا نحو إخراجا لأنها ضعفت عن أخواتها بالهمس والصاد وإن كانت مهموسة إلا أنها مطبقة ذات صفير فقويت فمنعت فإن قلت قوله ولم ير من رؤية القلب فأين مفعولاه قلت فصلا هو المفعول الثاني وساكنا هو الأول أي لم ير الساكن فصلا وقوله ساكنا نكرة في سياق النفي فهي للعموم فاستثنى من ذلك العموم حروف الاستعلاء فقوله حرف بمعنى حروف اكتفى بالمفرد عن الجمع للدلالة على الجنس ثم استثنى الخاء من هذا الجنس فهو استثناء من استثناء والاستثناء مغاير في الحكم للمستثنى منه فحروف الاستعلاء فاصلة والخاء ليست فاصلة فهو كقولك خرج القوم إلا العبيد إلا سالما فيكون سالم قد خرج وقصر الناظم لفظي الاستعلاء والخاء ضرورة والضمير في ولم ير وفي فكملا لورش أي كمل حسن اختياره بصحة نظره حين اختزل الخاء من حروف الاستعلاء فرقق بعدها
(345)
وَفَخَّمَهَا في الأَعْجَمِيِّ وَفِي إِرَمْ وَتَكْرِيرِهَا حَتَّى يُرى مُتَعَدِّلاَ
ذكر في هذا البيت ما خالف فيه ورش أصله فلم يرققه مما كان يلزم ترقيقه على قياس ما تقدم والتفخيم ضد الترقيق أي وفخم ورش الراء في الاسم الأعجمي أي الذي أصله العجمة وتكلمت العرب به ومنعته الصرف بسببه والذي منه في القرآن ثلاثة (إبراهيم - و - إسرائيل - و - عمران)، كان يلزمه ترقيق رائها لأن قبلها ساكنا بعد كسرة وليس الساكن حرف استعلاء ثم قال وفي إرم أي وفخم الراء في (إرم ذات العماد)، وكان يلزمه ترقيقها لأنها بعد كسرة وإرم أيضا اسم أعجمي وقيل عربي فلأجل الخلاف فيه أفرده بالذكر ووجه تفخيم ذلك كله التنبيه على العجمة ورقق أبو الحسن بن غلبون (إرم)، لأن الكسرة وليت الراء بخلاف البواقي وأما (عزيز)، فلم يتعرضوا له وهو أعجمي وقيل عربي على ما يبين في سورته فيتجه فيه خلاف مبني على ذلك ثم قال وتكريرها أي وفخم الراء أيضا في حال تكريرها أو في ذي تكريرها أي في الكلمة التي تكررت الراء فيها يعني إذا كان في الكلمة راءان نحو (فرارا - و - ضرارا - و - لن ينفعكم الفرار - و - إسرارا - و - مدرارا)، لم ترقق الأولى وإن كان قبلها كسرة لأجل الراء التي بعدها فالراء المفتوحة والمضمومة تمنع الإمالة في الألف كما تمنع حروف الاستعلاء فكذا تمنع ترقيق الراء وقوله حتى يرى متعدلا يعني اللفظ وذلك أن الراء الثانية مفخمة إذ لا موجب لترقيقها فإذا فخمت الأولى اعتدل اللفظ وانتقل اللسان من تفخيم إلى تفخيم فهو أسهل والله أعلم.
(346)
وَتَفْخِيمُهُ ذِكْرًا وَسِتْرًا وَبَابَهُ لَدى جِلَّةِ الأَصْحَابِ أَعْمَرُ أَرْحُلاَ
، ذكر في هذا البيت ما اختلف فيه مما فصل فيه بين الكسر والراء ساكن غير حرف استعلاء فذكر مثالين على وزن واحد وهما (ذكرا - و - سترا)، ثم قال وبابه أي وما أشبه ذلك قال الشيخ وبابه يعني به كل راء مفتوحة لحقها التنوين وقبلها ساكن قبله كسرة نحو (حجرا - و - صهرا - و - شيئا إمرا - و - وزرا)، فالتفخيم في هذا هو مذهب الأكثر ثم علل ذلك بأن الراء قد اكتنفها الساكن والتنوين فقويت أسباب التفخيم قلت ولا يظهر لي فرق بين كون الراء في ذلك مفتوحة أو مضمومة بل المضمومة أولى بالتفخيم لأن التنوين حاصل مع ثقل الضم وذلك قوله تعالى (هذا ذكر)، فإن كان الساكن الذي قبل الراء قد أدغم فيها فالترقيق بلا خلاف نحو (سرا - و - مستقرا) لأن الكسرة كأنها وليت الراء من جهة أن المدغم فيه كالحرف الواحد فالمدغم كالذاهب ورقق أبو الحسن ابن غلبون جميع الباب إلا (مصرا - و - إصرا - و - قطرا)، من أجل حرف الاستعلاء فألزمه الداني (وقرا)، ومنهم من لم يرقق (إلا صهرا)، لخفاء الهاء وفخم أبو طاهر بن أبي هاشم وعبد المنعم بن غلبون وغيرهما أيضا من المنون نحو (خبيرا - و - بصيرا - و - مدبرا - و - شاكرا)، مما قبل الراء فيه ياء ساكنة أو كسرة فكأنه قياس على (ذكرا - و - سترا)، قال الداني وكان عامة أهل الأداء من المصريين يميلونها في حال الوقف لوجود الجالب لإمالتها في الحالين وهو الياء والكسرة وهو الصواب وبه قرأت وبه آخذ وقال في (ذكرا - و - سترا)، أقرأني ذلك غير أبي الحسن بن غلبون بالفتح وعليه عامة أهل الأداء من المصريين وغيرهم وذلك على مراد الجمع بين اللغتين قلت فحصل من هذا أن المنصوب المنون الذي قبل رائه ما يسوغ ترقيقها على ثلاثة أقسام ما يرقق بلا خلاف وهو نحو (سرا - و - مستقرا)، وما يرقق عند الأكثرين وهو نحو (خبيرا - و - شاكرا)، وما يفخم عند الأكثر وهو نحو (ذكرا - و - سترا)، وقلت في ذلك بيتا جمع الأنواع الثلاثة على هذا الترتيب وهو، (وسرا رقيق قل خبيرا وشاكرا للأكثر ذكرا فخم الجلة العلا)، وكأنهم اختاروا تفخيم هذا النوع لأنه على وزن مالا يمال نحو (علما - و - حملا)، والخلاف في ذلك إنما هو في الأصل ولهذا عد التنوين مانعا أما في الوقف فعند بعضهم لا خلاف في الترقيق لزوال المانع وقال أبو الطيب بن غلبون اختلف عن ورش في الوقف فطائفة يقفون بين اللفظين وطائفة يقفون بالفتح من أجل الألف التي هي عوض من التنوين والله أعلم.، والجلة جمع جليل وأرحلا جمع رحل ونصبه على التمييز وتفخيمه مبتدأ وأعمر أرحلا خبره وعمارة الرحل توزن بالعناية والتعاهد له فكأنه أشار بهذه العبارة إلى اختيار التفخيم عند جلة الأصحاب من مشايخ القراء وبابه النصب عطف على مفعول تفخيم
(347)
وَفي شَرَرٍ عَنْهُ يُرَقِّقُ كُلُّهُمْ وَحَيْرَانَ بِالتَّفْخِيمِ بَعْضُ تَقَبَّلاَ
أراد قوله تعالى (إنها ترمى بشرر كالقصر)، رقق كل الأصحاب عن ورش راءه الأولى لأجل كسر الثانية وهذا خارج عن الأصل المقدم وهو ترقيق الراء لأجل كسر قبلها وهذا لأجل كسر بعدها وكسرة الراء تعد بكسرتين لأجل أنها حرف تكرير قال الداني لا خلاف عن ورش في إمالتها وإن وقف عليها قال وقياس ذلك عند قوله في النساء (غير أولي الضرر)، غير أن أصحابنا يمنعون من إمالة الراء فيه من أجل وقوع الصاد وهي حرف استعلاء قبلها قال وليس ذلك مما يمنع من الإمالة هاهنا لقوة جرة الراء كما لم يمنع منها لذلك في نحو (الغار - و - أنصار - و - كالفخار - و - بقنطار)، وشبهه مع أن سيبويه قد حكى إمالة راء الضرر سماعا وعليه أهل الأداء غير أنى بالفتح قرأت ذلك وبها آخذ قال وأجمعوا عنه على تفخيمها في قوله تعالى (على سرر)، حيث وقع قال وقياس ما أجمعوا عليه عنه من ترقيقها في قوله (بشرر)، لأجل جرة الراء بعدها يوجب ترقيقها هنا قال وزادني ابن خاقان في الاستثناء إخلاص الفتح للراء في قوله (حيران)، في الأنعام قال وقرأت على غيره بالترقيق قال وهو القياس من أجل الياء وقد ذهب إلى التفخيم جماعة من أهل الأداء وقال قرأت بالوجهين في (حيران)و(إجرامي)و(عشيرتكم)، في سورة براءة خاصة قلت وعلل بعضهم تفخيم حيران بالألف والنون فيه في مقابلة ألف التأنيث في حيرى وإذا وقعت الراء قبل ألف حيرى رققت لأجل الألف الممالة لا لأجل الياء فكما لم يكن للحاء حكم مع وجود الألف في حيرى لم يكن لها حكم مع وجود الألف والنون في حيران قلت وهذا كلام ضعيف لمن تأمله ثم قال ونظير ارتفاع حكم الياء مع الألف الممالة ارتفاع حكم الكسرة معها في نحو (ذكرى الدار)، ألا ترى أنك إذا وقفت رققت وإذا وصلت فخمت قلت وهذا ممنوع بل إذا وصل رقق لأجل الكسرة وإذا وقف أمال تبعا للألف وقد سبق التنبيه على هذا في باب الإمالة والله أعلم.
(348)
وَفي الرَّاءِ عَنْ وَرْشٍ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ مَذَاهِبُ شَذَّتْ فِي الْأَدَاءِ تَوَقُّلاَ
توقلا تمييز يقال توقل في الجبل إذا صعد فيه أي شذ ارتفاعها في طرق الأداء ولفظة الأداء كثيرة الاستعمال بين القراء ويعنون بها تأدية القراء القراءة إلينا بالنقل عمن قبلهم كأنه لما ذكر هذه المواضع المستثناة من الأصل المتقدم قال وثم غير ذلك من المواضع المستثناة اشتمل عليها كتب المصنفين فمن تلك المذاهب ما حكاه الداني عن شيخه أبي الحسن بن غلبون أنه استثنى تفخيم كل راء بعدها ألف تثنية نحو (طهرا - و - ساحران)، أو ألف بعدها همزة نحو (افتراء عليه)، أو بعدها عين نحو (سراعا - و - ذراعا - و - ذراعيه)، وفخم قوم إذا كان بين الراء وبين الكسر ساكن نحو (حذركم - و - ذكركم - و - لعبرة - )، مطلقا ومنهم من اقتصر على تفخيم ( - وزر - )، حيث وقع ومنهم من اقتصر على (وزرك - ذكرك)، ومنهم من فخم في موضعين وهما عشرون (كبره - و - ماهم ببالغيه)
(349)
وَلاَ بُدَّ مِنْ تَرْقِيِقِهاَ بَعْدَ كَسْرَةٍ إِذَا سَكَنَتْ ياَ صَاحِ لِلسَّبْعَةِ المَلا
أي إذا سكنت الراء وقبلها كسرة رققت لجميع القراء نحو (مرية - و - شرذمة - و - اصبر - و - يغفر - و - فرعون)، قالوا لأن الحركة مقدرة بين يدي الحرف وكأن الراء هنا مكسورة ولو كانت مكسورة لوجب ترقيقها على ما يأتي ومن ثم امتنع ترقيق نحو (مرجع)، لأن الكسرة تبعد عنها إذا كانت بعدها وتقرب منها إذا كانت قبلها بهذا الاعتبار قال ومن ثم همزت العرب نحو مؤسى والسؤق لما كانت الضمة كأنها على الواو والواو المضمومة يجوز إبدالها همزة فأجروا الساكنة المضموم ما قبلها مجرى المضمومة لهذه العلة وكثر في نظم العرب ومن بعدهم قوله ياصاح ومعناه يا صاحب ثم رخم كما قرأ بعضهم (يا مال ليقض علينا ربك)، قال إلا أن ترخيم صاحب من الشذوذ المستعمل لأنه غير علم بخلاف مالك ونحوه والملأ الأشراف
(350)
وَمَا حَرْفُ الاِسْتِعْلاَءُ بَعْدُ فَراؤُهُ لِكُلِّهِمُ التَّفْخِيمُ فِيهاَ تَذَلَّلاَ
أي واللفظ الذي وقع فيه حرف الاستعلاء بعد رائه فراء ذلك اللفظ تذلل التفخيم فيها لكلهم أي انقاد بسهولة لأن التفخيم أليق بحروف الاستعلاء من الترقيق لما يلزم المرقق من الصعود بعد النزول وذلك شاق مستثقل وحرف الاستعلاء إذا تأخر منع الإمالة مطلقا بخلافه إذا تقدم فإنه لا يمنع إلا إذا لم يكن مكسورا أو ساكنا بعد مكسور وهذا البيت مشكل النظم في موضعين أحدهما أن ما في أوله عبارة عن ماذا والثاني الهاء في راؤه إلى ماذا تعود والذي قدمته من المعنى هو الصواب إن شاء الله تعالى وهو أن ما عبارة عن اللفظ الذي فيه الراء بعد كسر والهاء في راؤه تعود على ذلك اللفظ وقال الشيخ في شرحه يعني والذي بعده من الراءات حرف الاستعلاء فراؤه إن شئت رددت الضمير إلى ما وإن شئت أعدته على حرف الاستعلاء قلت كلاهما مشكل فإن ما مبتدأ وقد جعلها عبارة عن الراء فإذا عادت الهاء إلى ما يصير التقدير فراء الراء وذلك فاسد لأنه من باب إضافة الشيء إلى نفسه وذلك لا يجوز وإن عادت إلى حرف الاستعلاء بقي المبتدأ بلا عائد يعود إليه ثم جمع حروف الاستعلاء فقال
(351)
وَيَجْمَعُهاَ قِظْ خُصَّ ضَغْطٍ وَخُلْفُهُمْ بِفِرْقٍ جَرى بَيْنَ المَشَايِخِ سَلْسَلاَ
أي يجمعها هذه الكلمات فهي سبعة أحرف وربما ظن السامع أن جميعها يأتي بعد الراء فيطلب أمثلة ذلك فلا يجد بعضه إنما أراد الناظم أي شيء وجد منها بعد الراء منع والواقع منها في القرآن في هذا الغرض أربعة الصاد والضاد والطاء والقاف ولم يقع الخاء والظاء والغين ولو أنه قال، (وما بعده صاد وضاد وطا وقاف فخم لكل خلف فرق تسلسلا)، لبان أمر البيتين في بيت واحد وخلصنا من إشكال العبارتين فيهما والله أعلم.، أما الصاد فوقعت بعد الراء الساكنة بعد كسر وهي المرققة لجميع القراء فمنعت الترقيق حيث وقعت نحو (إرصادا - و - لبالمرصاد)، وأما الضاد فوقعت في مذهب ورش في نحو (إعراضا - و - إعراضهم)، وأما الطاء والقاف فوقعا في الأمرين نحو (قرطاس - و - فرقة - و - صراط - و - فراق)، وليس من شرط منع حرف الاستعلاء أن يلي الراء بل يمنع وإن فصل بينهما الألف ولا يقع في مذهب ورش إلا كذلك غالبا نحو (صراط - و - فراق - و - إعراض)، حتى نص مكي في التبصرة على أن (حصرت صدورهم)، لا ترقق في الوصل لأجل صاد (صدورهم)، فإن رققت على (حصرت)، رققت لزوال المانع قلت وتفخيم راء (حصرت) لأجل صاد (صدورهم)، بعيد لقوة الفاصل وهو التاء بخلاف فصل الألف ولأن حرف الاستعلاء منفصل من الكلمة التي فيها الراء فلا ينبغي أن يعتبر ذلك إلا في كلمة واحدة وعلى قياس ما ذكروه يجب التفخيم فيما إذا كانت الراء آخر كلمة وحرف الاستعلاء أول كلمة بعدها نحو (لتنذر قوما - أن أنذر قومك - ولا تصاعر خدك - فاصبر صبرا جميلا)، والتفخيم في هذا يكون أولى من التفخيم في (حصرت صدورهم)، لوجود الفاصل في حصرت دون ما ذكرناه ولا أثر للصاد في حصرت فإنها مكسورة فلا تمنع لأنها مثل (تبصرون)، والأظهر الترقيق في الجميع قياسا للمانع على المقتضى وسيأتي في البيت بعد هذا أن ما جاء بعد الكسر المفصل فلا ترقيق فيه فلم ينظر إلى المفصل ترقيقا فلا ينظر أيضا إلى المفصل تفخيما فيعطي كل كلمة حكمها والله أعلم.، ومعنى قوله قظ خص ضغط أي أقم في القيظ في خص ذي ضغط أي خص ضيق أي اقنع من الدنيا بمثل ذلك وما قاربه واسلك طريقة السلف الصالح فقد جاء عن أبي وائل شقيق بن سلمة رحمة الله عليهما وهو من المخضرمين وأكابر التابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- نحو من ذلك قال عبد الله بن عمير كان لأبي وائل خص من قصب يكون فيه هو ودابته فإذا غزا نقضه وإذا رجع بناه وأما قوله في الشعراء (فكان كل فرق)، فالراء فيه رقيقة لوقوعها بين كسرتين وضعف منع حرف الاستعلاء بسبب كسره ونقل الاتفاق على ترقيق هذا الحرف مكي وابن شريح وابن الفحام، قال الشيخ رحمه الله وفخمها بعضهم لمكان حرف الاستعلاء قال الحافظ أبو عمرو والوجهان جيدان قال وإلى هذا أشار بقوله جرى بين المشايخ سلسلا قلت وقال الداني في كتاب الإمالة كان شيخنا أبو الحسن يرى إمالة الراء في قوله (والإشراق)، لكون حرف الاستعلاء فيه مكسورا قال فعارضته بقولي (إلى صراط)، وألزمته الإمالة فيه قال ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء لقراءة ورش عن نافع من المصريين وغيرهم في إخلاص فتح الراء في ذلك وإنما قال ذلك شيخنا رحمه الله فيما أحسبه قياسا دون أداء لاجتماع الكل على خلاف ما قاله والله أعلم.
(352)
وَمَا بَعْدَ كَسْرٍ عَارِضٍ أَوْ مُفَصَّلٍ فَفَخِّمْ فَهذاَ حُكْمُهُ مُتَبَذِّلاَ
أي والذي يوجد من الراءات بعد كسر عارض وهو كسر ما حقه السكون ككسر همزة الوصل نحو (امرأة - و - ارجعوا)، إذا ابتدأت وكسرة التقاء الساكنين نحو (وإن امرأة - أم ارتابوا - يا بني اركب)، إذا وصلت أو بعد كسر مفصل أي يكون الكسر في حرف مفصل من الكلمة التي فيها الراء لفظا أو تقديرا نحو ما سبق من كسرة التقاء الساكنين نحو (لحكم ربك - بحمد ربهم - و - برسول - و - لرسول)، لأن حروف الجر في حكم المنفصل من الكلمة الداخلة هي عليها لأن الجار مع مجروره كلمتان حرف واسم فلعروض الكسرة في القسم الأول وتقدير انفصال الراء عن الكسرة في الثاني فخمها ورش في المتحركة وجميع القراء في الساكنة قال ابن الفحام لم يعتد أحد بالكسرة في قوله (بربهم - ولا - بروح القدس - ولا في - ارجعوا)، قال وأما المبتدأة فلا خلاف في تفخيمها نحو (أرأيت)، قلت فيعلم من هذا أن نحو قوله تعالى (مقنعي رءوسهم) - (الذي رزقنا)، لا ترقق وإن كان قبل الراء ياء ساكنة لأنها منفصلة عنها ولم ينبه الناظم على الياء المنفصلة كما نبه على الكسر المفصل وقد نبه عليه غيره والله أعلم.، وقوله متبذلا حال يشير إلى أن التفخيم مشهور عند القراء مبذول بينهم
(353)
وَمَا بَعْدَهُ كَسْرٌ أَوِ الْيَا فَمَا لَهُمْ بِتَرْقِيقِهِ نَصٌّ وَثِيقٌ فَيَمْثُلاَ
أي وما وقع من الراءات بعده كسرة أو ياء على ضد ما سبق لأن الذي تقدم الكلام فيه أن تكون الراء بعد كسر أو ياء وليس هذا على عمومه بل مراده أن ما حكوا ترقيقه مما بعده كسر أو ياء لا نص لهم فيه والذي حكوا ترقيقه من ذلك نحو (مريم - ولفظ - المرء)، وعموم ما ذكره في هذا البيت يجئ في الراء الساكنة نحو (مريم - و - يرجعون)، ولا تكون الياء بعدها إلا متحركة نحو (لبشرين - و - البحرين - و - إلى ربهم)، وكان القياس يقتضي أن هذا كله يرقق كما لو تقدمت الياء أو الكسر فإن الترقيق إمالة وأسباب إمالة الألف تكون تارة بعدها وهو الأكثر وتارة قبلها فينبغي أن تكون الراء كذلك ولكن عدم النص في ترقيق مثل ذلك ونقل مكي الترقيق في نحو (مريم - و - قرية)، فقال أما الراء الساكنة فلا اختلاف فيها أنها غير مغلظة إذا كان قبلها كسرة لازمة أو بعدها ياء نحو (مريم - و - فرعون - قال ونقلت - بين المرء)، بالتغليظ وتركه لورش وللجماعة بالتغليظ قال الداني على الترقيق عامة أهل الأداء من المصريين القدماء قال والقياس إخلاص فتحها لفتحة الميم قبلها قوله فيمثلا أي فيظهر ثم قال
(354)
وَمَا لِقِيَاسٍ فِي الْقِرَاءة مَدْخَلٌ فَدُونَكَ مَا فِيهِ الرِّضاَ مُتَكَفِّلاَ
أي لو فتح قياس ما بعد الراء على ما قبلها لاتسع الأمر في ذلك فيقال يلزم من إمالة (مريم - إمالة نحو - يرتع)، فلا فرق بين أن تكون الياء المفتوحة بعد الراء وقبلها بل مراعاة ما قبلها أولى بدليل أن الياء الساكنة اعتبرت قبل الراء ولم تعتبر بعدها نحو (وجرين بهم)، وقد اعتذر قوم عن ذلك بما فيه تكلف ولو رققت الراء من (يرتع)، لرققت لورش في نحو (يرون)، فدونك ما فيه الرضى أي ما نقل ترقيقه وارتضاه الأئمة متكفلا بتقديره وإظهاره للطلبة أي خذه والزمه متكفلا به ويجوز أن يكون متكفلا حالا من ما وهو المفعول أي خذ الذي تكفل بالرضى للقراء والمعنى أنهم يرضون هذا المذهب دون غيره وأما نفي أصل القياس في علم القراءة مطلقا فلا سبيل إليه وقد أطلق ذلك أبو عمرو الداني في مواضع وقد سبقت عبارته في (بين المرء)، بأن القياس إخلاص فتحها وقال في آخر باب الراءات من كتاب الإمالة فهذه أحكام الوقف على الراءات على ما أخذناه عن أهل الأداء وقسناه على الأصول إذ عدمنا النص في أكثر ذلك واستعمل ذلك أيضا في بيان إمالة ورش الألف بين اللفظين في مواضع كثيرة في كتاب الإمالة وغيره
(355)
وَتَرْقِيقُهاَ مَكْسُورَةً عِنْدَ وَصْلِهِمْ وَتَفْخِيمُهاَ في الْوَقْفِ أَجْمَعُ أَشْمُلاَ
يعني إذا كانت الراء مكسورة فكلهم يرققها إذا وقعت وسطا مطلقا نحو (قادرين - و - الصابرين)، أو أولا نحو (ريح - ورجال)، وإن وقعت الراء المكسورة آخر كلمة رققت للجميع في الوصل سواء كان الكسر أصلا أو عارضا نحو (من أمر الله - و - أنذر الناس)، فإن وقفت زالت كسرة الراء الموجبة لترقيقها فتفخم حينئذ وفيه إشكال فإن السكون عارض وقد تقدم في باب الإمالة أن السكون العارض في الوقف لا يمنع الإمالة فيتجه مثل ذلك هنا وقد أشار إليه مكي فقال أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول وبعضه أخذ سماعا ولو قال قائل إنني أقف في جميع الباب كما أصل سواء سكنت أو رمت لكان لقوله وجه لأن الوقف عارض والحركة حذفها عارض وفي كثير من أصول القراءات لا يعتدون بالعارض قال فهذا وجه من القياس مستتب والأول أحسن قلت وقد ذكر الحصري الترقيق في قصيدته فقال، (وما أنت بالترقيق واصله فقف عليه به إذ لست فيه بمضطر)، ويمكن الفرق بين إمالة الألف وترقيق الراء بأن إمالة الألف أقوى وأقيس وأفشى في اللغة من ترقيق الراء بدليل أن الألف تمال ولا كسر يجاورها كذوات الياء ويمال أيضا نحو (خاف)، لأن الخاء قد تكسر إذا قيل خفت فاتسع في إمالة الألف كثيرا فجاز أن يمنع الأضعف ما يمنع الأقوى لكن يضعف هذا الفرق نصهم على ترقيق الراء الأولى من (شرر)، في الوقف فهذا دليل على اعتبار الكسر فيها بعد ذهابه بسكون الوقف قالوا وترقيق الثانية لأجل إمالة الأولى وهذا دليل على عدم اعتبار الكسر فيها وإلا لآثر في نفسها الترقيق ولم يعتبر بإمالة ما قبلها ووجه ذلك أن ترقيق الأولى أشبه إمالة الألف في نحو (النار)، وكلاهما رقق لكسرة بعده فبقي الترقيق بعد زوال الكسرة في الوقف كما تقدم في الألف وقوله وترقيقها مبتدأ وخبره قوله عند وصلهم وأجمع أشملا خبر قوله وتفخيمها وأشملا تمييز وهو جمع شمل والمعنى هو أجمع أشملا من ترقيقها إشارة إلى كثرة القائلين به وقلة من نبه على جواز الترقيق فيه كما نبه عليه مكي والحصري فإن قلت ما تقول في قوله تعالى (فالفارقات فرقا)، هل تمنع القاف من ترقيق الراء المكسورة قلت لا لقوة مقتضى الترقيق وهو الكسر في نفس الراء وإنما يمنع حرف الاستعلاء ترقيق غير المكسورة لأن مقتضى ترقيقها في غيرها فضعف فقوى حرف الاستعلاء على منع مقتضاه قال الداني أما الراء المكسورة فلا خلاف في ترقيقها بأي حركة تحرك ما قبلها ولا يجوز غير ذلك والله أعلم.
(356)
وَلكِنَّهَا في وَقْفِهِمْ مَعْ غَيْرِهاَ تُرَقِّقُ بَعْدَ الْكَسْرِ أَوْ مَا تَمَيَّلاَ
الضمير في ولكنها للمكسورة أي مع غيرها من الراءات المفتوحة والمضمومة والساكنة ترقق في الوقف إذا كان قبلها أحد أسباب ثلاثة ذكر منها في هذا البيت اثنين الكسر والإمالة والثالث يأتي في البيت الآتي وهو الياء الساكنة فمثال ذلك بعد الكسر (فهل من مدكر - يحلون فيها من أساور - إنما أنت مذكر - فانتصر)، ومن ذلك ما كان بين الراء وبين الكسر فيه ساكن نحو -  الذكر - و - السحر - و - الشعر، نص عليه الداني في كتاب الإمالة فكأن الشاطبي أراد بعد الكسر المؤثر في مذهب ورش وقد علم ذلك من أول الباب ومثال ذلك بعد الإمالة (عذاب النار)، في مذهب الدوري وأبي عمرو و(بشرر)، في مذهب ورش نص عليه الداني وغيره وهو مشكل من وجه أن الراء الأولى إنما أميلت لكسرة الثانية فإذا اعتبرت الكسرة بعد سكون الوقف لأجل إمالة الأولى فلم لا تعتبر لأجل ترقيقها في نفسها ولا يقع هذا المثال إلا في المكسورة وعلى مذهب بعض القراء بخلاف المثال بعد الكسر فإنه وقع في أنواع الراء الأربعة وفي مذهب جميع القراء وسبب الترقيق سكون الراء بعد الكسر أو ما يناسبه وهو الإمالة وقد سبق قوله ولا بد من ترقيقها بعد كسرة وهذا الاستدراك المفهوم من قوله ولكنها لأجل قوله في البيت السابق وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا فكأنه استثنى من هذا فقال إلا أن تكون بعد كسر أو حرف تميل ثم ذكر الياء الساكنة فقال
(357)
أَوِ الْيَاء تَأْتِي بِالسُّكُونِ وَرَوْمُهُمْ كَمَا وَصْلِهِمْ فَابْلُ الذَّكَاءَ مُصَقَّلاَ
لا تقع الراء الساكنة بعد الياء الساكنة وإنما تقع بعدها الراء المتحركة بالحركات الثلاث في قراءة جميع القراء نحو (ذلك خير - وما تفعلوا من خير - وافعلوا الخير)، ولا يستقيم التمثيل بالمنصوب المنون فإن الوقف لا يكون فيه على الراء بل على الألف المبدلة من التنوين فيبقى الترقيق فيه لورش وحده بشرطه هذا كله إذا وقفت على الراء بالسكون فإن وقفت بالروم على ما سيأتي شرحه كان حكم الوقف حكم الوصل لأنه قد نطق ببعض الحركة فترقق المكسورة للجميع وغيرها لورش بشرطه ويفخم الباقي للجميع وما في قوله كما زائدة أي رومهم كوصلهم وفابل بمعنى اختبر ومصقلا نعت مصدر محذوف أي بلاء مصقلا أي مصقولا يشير إلى صحة الاختبار ونقائه مما يكدره ويشوبه من التخاليط فبذلك يتم الغرض في تحرير هذه المسألة لأنها مسائل متعددة عبر عنها بهذه العبارة الوجيزة وبسط هذا أن نقول لا تخلو الياء إما أن تكون مكسورة أو غير مكسورة فإن كانت مكسورة رققت وصلا وروما وفخمت إن وقفت بالسكون إلا في ثلاث صور وهي أن يكون قبلها كسر أو ياء ساكنة فترقق لجميع القراء في هاتين الصورتين الصورة الثالثة أن يكون قبلها إمالة فترقق لأصحاب الإمالة دون غيرهم وإن كانت غير مكسورة فهي مفخمة لجميع القراء وقفا بالسكون إلا أن يكون قبلها أحد الثلاثة فالحكم ما تقدم في الوصل والروم مفخمة لغير ورش مرققة لورش بعد الكسر والياء الساكنة على ما في أول الباب ولا يقع الروم في المنصوبة فاعتبر ذلك وقس عليه، ثم أشار إلى أن الأصل التفخيم بقوله
(358)
وَفِيماَ عَدَا هذَا الَّذِي قَدْ وَصَفْتُهُ عَلَى الْأَصْلِ بِالتَّفْخِيمِ كُنْ مُتَعَمِّلاَ
أي كن متعملا بالتفخيم على الأصل ومتعملا بمعنى عاملا وفي الصحاح تعمل فلان لكذا وقال غيره سوف أتعمل في حاجتك أي أقضي فيجوز في موضع بالتفخيم بالباء للتفخيم باللام على ما نقله الجوهري والله أعلم.