باب هاء الكناية
(158)
وَلَمْ يَصِلُوا هَا مُضْمَرٍ قَبْلَ سَاكِنٍ وَمَا قَبْلَهُ التَّحْرِيكُ لِلْكُلِّ وُصِّلاَ
قصر لفظ ها ضرورة أي هاء الضمير إذا لقيها ساكن لم توصل لجميع القراء لأن الصلة تؤدي إلى الجمع بين ساكنين بل تبقى الهاء على حركتها ضمة كانت أو كسرة ومثاله (لعلمه الذين) - (وجه ربه الأعلى)، وكذا إذا كانت الصلة ألفا وذلك في ضمير المؤنث المجمع على صلته بها مطلقا فإن صلتها تحذف للساكن بعدها نحو (من تحتها الأنهار) - (فأجاءها المخاض)، فقوله ولم يصلوا ها مضمر عام يشمل ضمير المذكر والمؤنث وإن كان خلاف القراء واقعا في المذكر فحسب فأمكن حمل اللفظ فيه على عمومه، ولا يرد على هذا الإطلاق إلا موضع واحد في قراءة البزي فإنه يقرأ في سورة عبس عنهو تلهى بالصلة وتشديد التاء بعدها فقد وصل قبل ساكن في قراءته وأما قنبل فوصل قبل متحرك وهذا كما أنه يصل ميم الجميع في قوله تعالى (ولقد كنتمو تمنون) - (فظلتمو تفكهون)، على رواية تشديد التاء بعدها، ووجهه أن الجمع بين الساكنين في مثل هذا جائز فصيح من حيث اللغة لأن الأول حرف مد والثاني مدغم فهو من باب (دابة - والضالين)، فإن قلت فلم لا يوصل نحو (لعلمه الذين) فهو كذلك، قلت لأن الإدغام في الذين متأصل لازم بخلاف تلك المواضع وقد سبق هذا الفرق في ترك صلة ميم الجمع قبل الساكن، ثم قال وما قبله التحريك أي والذي تحرك ما قبله من هاءات المضمر المذكر التي ليس بعدها ساكن فكل القراء يصلها بواو إن كانت مضمومة وبياء إن كانت مكسورة والضمير في وصل يرجع إلى ما لأنها بمعنى الذي وشدد وصل للتكثير لكثرة المواضع نحو كسر وقطع ومثال ذلك (أماته فأقبره) - (وختم على سمعه وقلبه)، ووجه أصل الصلة أن الهاء حرف خفي فقوي بالصلة بحرف من جنس حركته إلا أن هذه الصلة تفعل في الهاء التي تكون من نفس الكلمة نحو (ما نفقه كثيرا) - (فواكه كثيرة) - (ولما أن توجه)، لأن صلة مثل ذلك قد توهم تثنية وجمعا بخلاف هاء الضمير ولأن هاء الضمير اسم على حرف واحد فناسب أن تقوى وما أجروه مجرى هاء الضمير الهاء في اسم الإشارة إلى المؤنث نحو (هذه ناقة الله)، فهي موصولة للكل لتحرك ما قبلها وتحذف عند الساكن نحو (هذه النار)، ثم إن الصلة تسقط في الوقف كما ذكرنا في صلة ميم الجمع إلا الألف في ضمير المؤنث، وذلك لأن الصلة زيادة في الآخر لتتميم وتكميل فشابهت التنوين فحذفت كما تحذف مع الضم والكسر وتثبت مع الفتح كما تبدل من التنوين ألفا في الوصل
(159)
وَمَا قَبْلَهُ التَّسْكِينُ لاِبُنِ كَثِيرِهِمْ وَفِيهِ مُهَاناً مَعْهُ حَفْصٌ أَخُو وِلاَ
أي وصل ما قبله ساكن لابن كثيرهم وحده نحو (فيه - وعليه - وإليه - ومنه - واجتباه - وعقلوه) فإن لقي الهاء ساكنا لم يصل على ما سبق تقريره نحو (إليه المصير) - (فأراه الآية) - (يعلمه الله)، وقراءة الباقين بترك الصلة في كل ما قبله ساكن وعلم ذلك من الضد لأن ضد الصلة تركها، ووافق ابن كثير هشام على صلة (أرجئه) بواو على ما سنذكره ووافقه حفص على صلة (فيه مهانا)، في سورة الفرقان بياء فهذا معنى قوله وفيه مهانا معه حفص أي مع ابن كثير والولاء بكسر الواو والمد بمعنى المتابعة مصدر والاه ولاء مثل راماه رماء وهذه اللفظة قد كثر ورودها في قافية هذه القصيدة وهذا معناها حيث جاءت ولوقوفه عليها سقط همزها ومدها على ما سبق تقريره في أجذم العلا فقوله وفيه مهانا مبتدأ وما بعده الخبر والعائد إلى المتبدإ محذوف للعلم به أي وهذه الكلمة حفص أخو متابعة لابن كثير فيها فقوله حفص مبتدأ ثان وخبره أخو ولا أي ذو متابعة لابن كثير في مذهبه لأن الموافقة كالمتابعة أو هو صاحب متابعة السنة في قراءته وكل من أكثر من شيء ولازمه جاز أن يدعى أخاه كقوله، (قل لابن قيس أخي الرقيات)، فإن قلت هل يجوز أن تعود الهاء في معه إلى لفظ (فيه مهانا) كما يقال زيد معه المال، قلت هو جائز من حيث اللفظ ولكنه ممتنع من جهة أنه يوهم أن حفصا وحده يصله دون ابن كثير وإن رجع الضمير في معه إلى ابن كثير زال هذا الوهم، فمن قرأ بالصلة فعلى الأصل والأكثر على ترك الصلة تخفيفا وهشام وحفص جمعا بين اللغتين وقيل قصدا بالصلة تطويل اللفظ تشنيعا على (ملإ فرعون - ما أمروا به) وإسماعا للخلق ما أوعد به العاصي
(160)
وَسَكِّنْ يُؤَدِّهْ مَعْ نُوَلِّهْ وَنُصْلِهْ وَنُؤْتِهِ مِنْهَا فَاعَتَبِرْ صَافِياً حَلاَ
شرع يذكر ما وقع فيه الخلاف بين القراء في إسكان هاء الكناية منه وهو عشرة ألفاظ جاءت في خمسة عشر موضعا وهي (نوله - ونصله - ويأته - ويرضه - وألقه - ويتقه) فهذه ستة لم يكرر شيء منها (ويؤده - وأرجه - ويره) كل واحد جاء مرتين فهي ستة أيضا (ونؤته) في ثلاثة مواضع وعدها أبو بكر بن مجاهد ستة عشر موضعا فزاد (لم يره)، في سورة البلد وكلها هاءات كناية اتصلن بأفعال حذفت أواخرها للجزم بالشرط أو جوابه أو للأمر ولم يذكرها صاحب التيسير إلا مفرقة في أماكنها في القرآن وكلها غير أرجئه كان واجب الصلة للكل لتحرك ما قبل الهاء ولكن عرض فيه أمر آخر اقتضى جواز الإسكان فيه وجواز القصر على ما سيأتي فصار فيها ثلاثة أوجه ولقد لفظ الناظم رحمه الله بالكلمات المذكورة في هذا البيت على الوجوه الثلاثة فسكن يؤده ونوله ووصل نصله وقصر (نؤته منها)، وهذا من عجيب ما اتفق أي أن حمزة وأبا بكر عن عاصم وأبا عمرو سكنوا هاء الكناية في هذه الكلمات الأربع من بين العشر المذكورة وهي في سبعة مواضع (يؤده إليك) موضعان في آل عمران (نوله ما تولى ونصله) في سورة النساء (نؤته منها) موضع في (حم عسق) وموضعان في آل عمران، فإن قلت من أين يعلم أنه أراد تكرير يؤده ونؤته وعادته في مثل ذلك أن يقول معا أو جميعا أو حيث أتى أو نحو ذلك قلت إطلاقه وعدم تقييده دل على ذلك لأنه ليس بعضه أولى به من بعض فإن ما يذكره في أبواب الأصول لنسبته إلى المواضع كلها سواء ولهذا قال (أرجئه) ولم يبين أنه في سورتين وإنما يحتاج إلى قوله معا وجميعا في فرش الحروف لئلا يظن أن ذلك مختص بما في تلك السورة دون غيرها هذا هو الغالب من أمره، وقد جاء في بعض المواضع مقيدا في الأصول كقوله (تسؤ - ونشأ) ست وعشر (يشأ - ونبى) بأربع (وأرجى) معا (وأقرأ) ثلاثا ولم يستوعب التقييد في هذه المواضع المستثناة فقال بعد ذلك (ومؤصدة) ولم يقل معا فأطلق على الأصل وجاء الإطلاق في الفرش في مواضع مع عموم الحكم كالتوراة وكائن على ما يأتي، وإسكان هاء الكناية لغة محكية سواء اتصلت بمجزوم أو غيره كقوله وأنشده ابن مجاهد، (وأشرب الماء مائي نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها)، ولم يسكنها القراء إلا في المجزوم كالكلمات المذكورة ووجه الإسكان تشبيه هاء الضمير بألف وواوه ويائه فأسكنت أو اسنثقلت صلتها فأسكنت كما فعل في ميم الجميع أو وصلت بنية الوقف وهذه الوجوه الثلاثة تعم المجزوم وغيره، وفي المجزوم وجهان آخران، أحدهما أنها سكنت تنبيها على الحرف المحذوف قبلها للجزم، والثاني أنها سكنت لحلولها محله ونبه بقوله صافيا حلا على صحة هذه القراءة وحسن وجهها في العربية وإن كانت قد جاءت على خلاف المعهود في هاءات الكناية من التحريك والصلة وصافيا نعت المفعول المحذوف أي لفظا صافيا حلوا أو يكون حالا من فاعل فاعتبر أي اعتبر المذكور في حال صفاء ذهنك وباطنك من النفرة منه وحلاوة عبارتك في ذكر دليله أو يكون حالا من مفعول فاعتبر المحذوف إن قدرته معرفة أي فاعتبر المذكور في حا صفائه وحلاوته فيعود المعنى إلى ما ذكرناه في الوجه الأول أو أراد فاعتبر نظما صافيا حلوا، ووجهه ما ذكرناه من أنه لفظ في هذا البيت بوجوه الاختلاف الثلاثة في هذه الكلمات ونحوه والله أعلم. وأحكم
(161)
وَعَنْهُمْ وَعَنْ حَفْصٍ فَأَلْقِهْ وَيَتَّقِهْ حَمى صَفْوَهُ قَوْمٌ بِخُلْفٍ وَأَنْهَلاَ
أي وعن من تقدم ذكرهم وعن حفص إسكان قوله تعالى (فألقه إليهم)، في سورة النمل، والتقدير وسكن فألقه عنهم وعن حفص فيكون عطفا على قوله وسكن يؤده وقد تقدم في شرح الخطبة أن ضمير من تقدم رمزه نازل منزلة المسمى بصريح لفظه لا منزلة الرمز فلهذا جمع بين الضمير في وعنهم وبين قوله وعن حفص فصار على إسكان فألقه عاصم بكماله وأبو عمرو وحمزة وقوله ويتقه مبتدأ وليس عطفا على فألقه والواو من نفس التلاوة أراد قوله تعالى في سورة النور (ويخش الله ويتقه)، وخبر المبتدإ حمى صفوه إلى آخر البيت، وتقدير الكلام فيه وإسكان ويتقه على حذف مضاف أي أسكن هاءه أبو بكر وأبو عمرو وخلاد عن حمزة بخلاف عنه فنقص من الرمز المذكور في البيت السابق راو وهو خلف وزاد في فألقه راو وهو حفص، ومعنى حمى صفوه، أي صفو إسكانه قوم بخلف أي حماه جماعة بحجج مختلفة وهي خمسة أوجه سبق ذكرها ومعنى أنهل سقاه النهل وهو الشرب الأول وحسن استعارة النهل بعد ذكر الصفو أشار بذلك إلى أنهم قاموا في نصرة الإسكان بما انشرحت له الصدور فهذا معنى ظاهر هذا الكلام والمراد بباطنه رمز القراء وقوله بخلف ليس رمزا وكذلك كل ما جاء منه نحو بخلفه بخلفهما بخلفهم لأن المراد منه أن القارئ المذكور قبلها اختلفت الرواية عنه فكأنه من تتمة ذكره وأفرد الضمير في أنهل ردا على لفظ قوم، ويجوز أن يكون الضمير فيه ليتقه أي روى هذا الحرف القوم الذين حموه لما استنبطوا من المعاني والفوائد أو يعود على الصفو وهو أليق أي حموه مما يكدره حفظا له بحاجتهم إليه فأنهلهم ورواهم ثم بين قراءة حفص لهذه الكلمة فقال
(162)
وَقُلْ بسُكُونِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ حَفْصُهُمْ وَيَأْتِهْ لَدَى طه بِالْإِسْكَانِ (يُـ)ـجْتَلاَ
أي قراءة حفصهم فحذف المضاف يعني أن حفصا يسكن القاف ويحرك الهاء بالكسر من غير صلة وهذا معنى القصر وهو ترك الصلة لأنها مد وأسكن القاف لأنها صارت آخر الفعل بعد حذف الياء للجزم، وقيل أجرى يتقه مجرى كتف فأسكن الوسط تخفيفا وأنشد، (فبات منتصبا وما تكردسا)، فلما سكنت القاف ذهبت صلة الهاء لأن أصل حفص أن لا يصل الهاء التي قبلها ساكن إلا في قوله تعالى (فيه مهانا) وبقيت كسرة الهاء أمارة على عروض الإسكان في القاف والأصل كسرها ولولا هذا المعنى لوجب ضم الهاء لأن الساكن قبلها غير ياء فهو مثل منه وعنه، وقيل كانت الهاء ساكنة في قراءة حفص كما أسكنها في فألقه فلما أسكن القاف كسر الهاء لالتقاء الساكنين وهذا ضعيف إذ لا مقتضى لإسكان القاف على تقدير سكون الهاء ولأن كسر القاف وسكون الهاء أخف من العكس فلا معنى للعدول عنه وأما قوله (ومن يأته مؤمنا)، في سورة طه فلم يذكر الإسكان فيه إلا عن السوسي تبعا لصاحب التيسير وذكره الأهوازي عن ابن عامر وعاصم وأبي عمرو وحمزة رحمهم الله تعالى، ومعنى يجتلا ينظر إليه بارزا غير مستتر من قولهم اجتليت العروس يشير إلى أن الإسكان محكي مسطور في الكتب فلا ينفى لعدم ذكر بعض المصنفين له كابن الفحام في تجريده وغيره، وقوله لدى طه أي عندها وفي أثناء آياتها وسمى سورة هذا الحرف زيادة في البيان لا للتمييز إذ ليس غيره
(163)
وَفي الْكُلِّ قَصْرُ الْهَاءِ (كـ)ـانَ (لِـ)سَانَهُ بخُلْفٍ وَفي طه بِوَجْهَيْنِ (بُـ)ـجِّلاَ
يعني بالكل جميع الألفاظ المجزومة من قوله وسكن يؤده إلى يتقه وقصر الهاء عبارة عن ترك الصلة ويسمى أيضا الاختلاس، وقوله بان لسانه رمز لقالون وهشام ومعناه في الظاهر اتضحت لغته وظهر نقله لأن قصر الهاء لغة فصيحة سواء اتصلت بمجزوم أو غيره أنشد الداني للأعشى جمعا بين اللغتين القصر والصلة قوله، (وماله من مجد تليد وماله من الريح حظ لا الجنوب ولا الصباء)، ووجه لغة القصر في المجزوم النظر إلى الحرف المحذوف قبل الهاء للجزم لأن حذفه عارض ولو كان موجودا لم توصل الهاء لوجود الساكن قبلها على ما تقرر فهذا توجيه حسن لما جاءت القراءة به من القصر في المجزوم ولم تأت في غيره لفقد هذه العلة فيه وقوله بخلف يعني عن هشام لأنه الذي يليه ولو كان الخلاف عنه وعن قالون لقال بخلفهما ولو كان عن ثلاثة لقال بخلفهم وكل هذا قد استعمله في نظمه كما سيأتي، والخلف الذي عن هشام وجهان، أحدهما القصر وقد ذكره، والثاني الصلة كسائر القراء ولا يجوز أن يكون الإسكان لأنه قد ذكر الإسكان عن الذين قرءوا به ولم يذكر هشاما معهم، وأما حرف طه فوصله هشام كسائر القراء غير السوسي، ولقالون وجهان القصر والصلة ولا يكون الإسكان لما ذكرنا، ووجه الصلة تحرك الحرف الذي قبل الهاء ولا نظر إلى الحرف المحذوف، وقوله بوجهين متعلق بمحذوف أي يقرأ حرفه بوجهين بجلا أي وقرأ كلاهما يشير إلى أن القصر أفشا من الإسكان في لغة العرب كما تقدم بيانه ولأنه ضمير على حرف واحد صحيح فكان محركا كالتاء والكاف، ووجه أسكانها تشبيهها بالألف والواو، وفي ياء الإضافة وجهان الفتح والإسكان وسيأتيان، ويجوز أن يكون التقدير والحرف الذي في طه بجل بوجهين
(164)
وَإِسْكَانُ يَرْضَهُ (يُـ)ـمْنُهُ (لُـ)ـبْسُ (طَ)ـيِّبٍ بِخُلْفِهِمِاَ وَالْقَصُرُ (فَـ)ـاذْكُرْهُ (نَـ)ـوْفَلاَ
أراد قوله تعالى في سورة الزمر (وإن تشكروا يرضه لكم)، أسكنه السوسي بلا خلاف وهشام والدوري عن أبي عمرو وبخلفهما وأخبر بظاهر لفظه عن الإسكان بأن يمنه لبس طيب تقريرا له وإزالة للنفرة عنه، ويجوز في قوله والقصر وجهان الرفع على الابتداء وخبره ما بعده أو محذوف أي والقصر كذلك يمنه ليس طيب، أو والقصر مقروء به فهو قريب من قوله تعالى، (الزانية والزاني فاجلدوا) - (والسارق والسارقة فاقطعوا)، والنصب بفعل مضمر فسره ما بعده والفاء في فاذكره زائدة كقوله، (وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي)، والخلف الذي للدوري هو الإسكان والصلة والذي لهشام الإسكان والقصر وعلم ذلك من جهة أنه ذكر هشاما مع أصحاب القصر في أول البيت الآتي ولم يذكر الدوري معهم فكان مع المسكوت عنهم وهم أصحاب الصلة ونوفلا حال والنوفل الكثير العطاء
(165)
(لَـ)ـهُ (ا)لرُّحّبُ وَلزِّلْزَالُ خَيْراً يَرَهْ بِهَا وَشَرًّا يَرَهْ حَرْفَيْهِ سَكِّنْ (لِـ)ـيَسْهُلاَ
الرحب السعة أشار إلى شهرته وصحته أي يجد المتصدي لنصرة القصر رحبا وسعة ومجالا من نقل ذلك لغة وقوة تعليلية فالذين قصروا يرضه حمزة وعاصم وهشام، بخلاف عنه ونافع، ثم قال والزلزال أي وسورة الزلزال يعني (إذا زلزلت الأرض زلزالها)، وهو مبتدأ وسكن خبره والعائد إلى المبتدإ الضمير في بها وأنثه لأنه ضمير السورة، (خيرا يره) و (شرا يره)، مفعول سكن وحرفيه صفة لهما يفيد التأكيد، وإنما أكثر من هذا البيان ولم يكتف بقوله يره كما نص على ألقه ويتقه ويؤده وغير ذلك حذرا من التي في سورة البلد قوله (لم يره أحد)، فتلك لم يذكر في التيسير فيها خلافا وذكره في غيره والهاء في حرفيه تعود على لفظ الزلزال ويجوز أن يكون بدلا من خيرا يره وشرا يره بدل البعض من الكل ويعني بحرفيه هاءى الكناية في هذا اللفظ وكأن الوجه على هذا أن يقول حرفيهما وإنما وحد ردا على يره لأنه لفظ واحد تكرر والألف في ليسهلا للتثنية أي ليسهل الحرفان بالإسكان ويجوز أن يكون خبر الزلزال قوله خيرا يره بها وشرا يره، ثم قال سكن حرفي هذا اللفظ كما تقول الدار بها زيد وعمرو أكرمهما، وقيل أشار بقوله ليسهلا إلى ثقل الصلة هنا من جهة أن بعد كل هاء منهما واو فيلتقي واوان في قوله يرهو ومن يعمل يرهو والعاديات لأن هذه الصلة إنما اعتبارها في الوصل وأما الوقف فبالإسكان لا صلة فيه لجميع القراء في جميع الهاءات وقد تقدم ذكره، فإن قلت هذه المواضع التي نص لبعض القراء على إسكانها من أين تعلم قراءة الباقين، قلت قد سبق الإعلام بها في قوله وما قبله التحريك للكل وصلا وهذه المواضع المسكنة كلها قبل هاآتها متحركات فكأنه قال القراء كلهم على صلة الهاء إذا تحرك ما قبلها، واستثنى هؤلاء هذه المواضع فأسكنوها والله أعلم.
(166)
وَعى (نَفَرٌ) أَرْجِئْهُ بِالْهَمْزِ سَاكِناً وَفي الْهَاءِ ضَمٌّ (لَـ)ـفَّ (دَ)عْوَاهُ (حَـ)ـرْمَلاَ
أرجئه موضعان في الأعراف والشعراء ومعنى وعى حفظ أي حفظ مدلول نفر وهم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أرجئه بهمزة ساكنة وحفظ الباقون بلا همز وهما لغتان فصيحتان قرئ بهما قوله تعالى (وآخرون مرجئون) - (وترجي من تشاء)، ونفر همزوا الجميع يقال أرجأت الأمر إذا أخرته وبعض العرب يقول أرجيت كما يقول أخطيت وتوضيت فلا يهمز حكاه الجوهري وقوله بالهمز يؤخذ منه أن قراءة الباقين بلا همز ولم تكن له حاجة إلى قوله ساكنا فإنه قد لفظ به كذلك، فإن قلت فيه زيادة بيان، قلت صدقت ولكنه يلبس الضد إذ يلزم من ذلك أن يكون الضد فتح الهمز كقوله (ويطهرن) في الطاء السكون (والأيكة) اللام ساكن (منسأته) سكون همزته ماض فإنه ضد السكون فيها فتح الطاء واللام والهمزة، وعذره في ذلك أن الهمز هو صاحب الضد فضده لا همز كما ذكر ذلك في (الصابئين) و (الأيكة) ولم يقدح في ذلك وصفه الهمز بالسكون وهذا كما أن الحركة ضدها السكون ولا يقدح في ذلك ذكره الكسر والضم والفتح معها على ما مهدناه في شرح الخطبة وساكنا حال من الهمز، ولو قال مكانه فيهما لكان جيدا وارتفع الإيهام المذكور أي في الموضعين، ثم ذكر أن جميع من همز أرجئه ضم الهاء إلا ابن ذكوان فإنه كسرها، واستبعدت قراءته وتكلم فيها من جهة أن الهاء إنما تكسر بعد كسر أو ياء ساكنة وحقها الضم في غير ذلك فأرجئه مثل منه وزنه وأهبه، وقد اعتذر له بأن الهمز لم يعتد به حاجزا لقبوله الإبدال فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة أو كأنها بعد ياء ساكنة في التقدير لو أبدلت الهمزة ياء، ويضعف هذا الاعتذار وجوه، الأول أن الهمز معتد به حاجزا بإجماع في (أنبئهم ونبئهم) والحكم واحد في ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكسر والضم، الثاني أنه كان يلزمه صلة الهاء إذ هي في حكمه كأنها قد وليت الجيم، الثالث أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء نظرا إلى أن أصلها همزة فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة وسيأتي تحقيق ذلك في باب وقف حمزة فضم الهاء مع الهمز هو الوجه فلهذا قال فيه لف دعواه حرملا والهاء في دعواه للضم، والحرمل ثبت معروف له في الأدوية مدخل أشار بذلك إلى ظهور وجه الضم مع الهمز، أي في طي الدعوى به ما يبين حسنه وجودة القراءة به، وذكر ابن جني في كتابه المحتسب قال وروى عن ابن عامر (أنبئهم) بهمزة وكسر الهاء، قال ابن مجاهد وهذا لا يجوز، قال ابن جنى طريقه أن هذه الهمزة ساكنة والساكن ليس بحاجز حصين عندهم فكأن لا همز هناك أصلا، ثم قرر ذلك بنحو مما تقدم والله أعلم. قال
(167)
وَأَسْكِنْ (نَـ)ـصِيراً (فَـ)ـازَ وَاكْسِرْ لِغَيْرِهِمْ وَصِلْهَا (جـ)ـوَاداً (دُ)ونَ (رَ)يْبٍ (لِـ)ـتُوصَلاَ
نصيرا حال من فاعل أسكن أي ناصرا فائزا بظهور الحجة وقد تقدم وجه الإسكان وقرأ به سنا عاصم وحمزة ولا همز في قراءتهما فصار أرجه كألقه وهما يسكنانهما وأبو عمرو وافقهما على ألقه ولم يمكنه الإسكان في أرجه لأنه يهمز ففي الإسكان جمع بين ساكنين ثم قال واكسر لغيرهم أي لغير الذين ضموا والذين سكنوا وهم نافع والكسائي وابن ذكوان، وقد مضى الكلام في قراءة ابن ذكوان ونافع والكسائي كسرا الهاء لكسرة الجيم قبلها إذ ليسا من أصحاب الهمز، ثم ذكر الذين وصلوا الهاء وهم أربعة اثنان من أصحاب الضم والهمز وهما ابن كثير وهشام واثنان من أصحاب الكسر بلا همز وهما الكسائي وورش وصلاها بياء على أصلهما في صلة ما قبله متحرك وابن كثير وصلها بواو على أصله في صلة ما قبله ساكن وهشام وافقه وخالف أصله في ترك صلة ما قبله ساكن فقد وافق ابن كثير على مذهبه في الصلة راويان كل واحد منهما في حرف واحد أحدهما في صلة الضم بواو وهو هشام في هذا الحرف، والآخر في صلة الكسر بياء وهو حفص في (فيه مهانا)، وقد تقدم وأبو عمرو ضم من غير صلة على أصله وقالون قصر الهاء فكسرها من غير صلة على أصله في المواضع المجزومة كلها، فالحاصل أن في كلمة أرجه ست قراءات ثلاث لأصحاب الهمز لابن كثير وهشام وجه ولأبي عمرو وجه ولابن ذكوان وجه، وثلاث لمن لم يهمز لعاصم وحمزة وجه، وللكسائي وورش وجه ولقالون وجه وقد جمعت هذه القراءات الست في بيت واحد في النصف الأول قراءات الهمز الثلاث وفي النصف الآخر قراءات من لم يهمز الثلاث فقلت، وأرجئه مل والضم خر صله دع لنا وأرجه ف نل صل جي رضي قصره بلا)، فابتدأت بقراءة ابن ذكوان ولم أخف تصحيفها بغيرها إذ لا يمكن في موضعها من جهة الوزن شيء من القراءات الست إلا قراءة أبي عمرو وهي مبينة بعدها وقراءة قالون على زحاف في البيت وقراءة قالون سنبين في آخر البيت مع أن صورة الكتابة مختلفة فتعين ما ابتدأ به لابن ذكوان والله أعلم. وجميع الكلمات المجزومة الخمسة عشر توصل بالياء إلا كلمتين يرضه ويره فإنهما يوصلان بالواو، وفي أرجئه الوجهان من وصل هامزا فبالواو وغير الهامز يصل بالياء، وقوله جوادا حال من فاعل صلها، والريب الشك وقوله لتوصل من محاسن الكلام.