المقدمة والمحتويات

الأربعون قاعدة تربوية
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
غـفـــر الله له ولوالديه والمسلمـــين

بسم الله الرحمن الرحـيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهـده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

ثم أمَّا بعد:
فإن الحديث عن موضوع التربية حديث طويل ذو شجون، وكم اختصر الإنسان في طرح عناوين هذا الموضوع فضلاً عن جزيئاته؛ لكثرة تشعبها وتنوعها، ومع هذا فإن ما في هذه الرسالة خير كثير للمعتنين بهذا الجانب، ومن هنا جاءت فكرة عرض الرسالة على هيئة القواعد العامة التي تندرج تحتها جزيئات كثيرة؛ لنغطي أكبر جانب إن شاء الله.

وقد عرَّف أهل العلم بهذا الشأن التربية فقالوا:
هي عملية تنشئة المسلم وإعداده إعدادًا كاملاً من جميع الجوانب في حياتيه الدنيوية والأخروية على ضوء تعاليم الإسلام، فهي عملية وليست عمل، بل عملية لها خطوات متعددة محددة تهدف إلى هدف عظيم يشمل جميع الجوانب الإيمانية والخلقية والعقلية والجسمية والنفسية والصحية والاجتماعية وغير ذلك، والمتأمل في هذا التعريف يدرك لا محالة اتساع هذا الموضوع، لكن تقييدنا بتناوله من منظور الدين الإسلامي العظيم يهون الأمر ويقربه، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.

وسأتناول هذا الموضوع على شكل قواعد، اذكر إن شاء الله أربعين قاعدة، وتحت كل قاعدة: اذكر شرحًا لها وتوضيحًا، ثم استدل لها غالبًا من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح وبعض النقولات عن التربويين، ثم اذكر لها بعض الأمثلة التي تدخل تحتها صحيحة كانت أو خاطئة، ثم بعض المظاهر السيئة التي تحصل إذا أُهملت هذه القاعدة.

وستتنوع هذه القواعد في أربع محاور رئيسية:
 المحور الأول: قواعد عامة،
والثاني: قواعد في الجوانب التربوية المختلفة،
ثم الثالث: قواعد في أساليب التربية،
والرابع: قواعد في حل المشكلات التربوية.

وكما أن لكل حرث زارع، ولكل مال جامع؛ فكذا الهداية لها أسباب وطرائق، وموانع وعوائق، ولا بد على المربي أن يحيط علمًا بها على قدر استطاعته وحاجته، وقد بشرّ النبي صلى الله عليه وسلم المربين الحريصين على تربية العلم والأدب بالنجاة من النار، فقال فيما رواه البخاري: (من ابتلي بثلاث من هذه الجواري -يعني البنات- فأدبهن فأحسن أدبهن ورباهن فأحسن تربيتهن كن له سترًا من النار).

وقد سُئِلَ الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن الإحسان المذكور في هذا الحديث، فقال:
الإحسان إلى البنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية، وتعليمهن وتنشئتهن على الحق، والحرص على عفتهن، وبعدهن عن ما حرم الله من التبرج وغيره، فجعل رحمه الله قوام التربية، التربية الدينية على طاعة الله واجتناب غضبه.

وفي المقابل روى الترمذي وأحمد و غيرهما بإسناد صحيح عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِى يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: «‏أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا‏»، ‏قَالَتْ لاَ، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ»‏، قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ.

والشاهد هنا أنّه رتب العقوبة على الأم و ليس على البنت التي لبست المسكتين في يدها، ولعل هذا لإقرارها على المنكر أو تسببها فيه، والتربية السليمة تبدأ منذ نعومة الأظفار.

قال الغزّالي رحمه الله في (الإحياء):
(ممّا يحتاج إليه الطفل أشد الاحتياج الاعتناء بأمر خُلُقه، فإنّه ينشأ على ما عوّده المربي في صغره من حَرَدٍ وغضب ولِجاجٍ وعَجلةٍ وخفّةٍ وهوىَ وطيشٍ وحدّة وجشع، فيصعب عليه في كِبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخةً له، فإن لم يتحرّز منها غاية التحرّز فضحته لابدّ يوماً ما، ولذلك نجد أكثر الناس منحرفةً أخلاقهم، وذلك من قِبَل التربية التي نشأوا عليها).

قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فـينا   ***   على ما كان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن   ***   يعـلمه التدين أقـربوه
* * * * * * * * * * * * *