منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة فصلت الآيات من 06-11

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49570
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: سورة فصلت الآيات من 06-11   سورة فصلت الآيات من 06-11 Emptyالخميس 12 أغسطس 2021, 11:07 pm

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(قل) أي: في الرد عليهم (إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ..) (فصلت: 6) يعني: لماذا تقفون مني ومن دعوتي هذا الموقف المعاند؟

لماذا تجعلون بيني وبينكم الحُجُب، وأنا واحد منكم عربي مثلكم تعرفون صِدْقي وتاريخي قبل ذلك بين ظهرانيكم.

ومن رحمة الله بكم أنْ أرسلني إليكم بشراً من جنسكم، ولم يرسل إليكم مَلكاً.

(وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) (الأنعام: 9)، وتعلمون سوابقه في الصدق والأمانة والعفة.

ثم لو جاءكم مَلَكٌ، أكنتم تقتدون به على مَلَكيته؟

إن الأسوة لا تكون من المَلَك للبشر.

وتأمل الأدب والتواضع من رسول الله في قوله: (إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ..) (فصلت: 6) يعني: لا كبرياء ولا تعالٍ، لكن فضلني الله عنكم بأنه (يُوحَىٰ إِلَيَّ..) (فصلت: 6) ومضمون هذا الوحي (أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ..) (فصلت: 6) وما دام يُوحى إليَّ فأنا مُبلِّغ لا ذنبَ لي تؤاخذونني عليه، أنا بشر مثلكم ومن أنفسكم لا أمتاز عليكم إلا بما ميَّزني الله به من الوحي.

لذلك نجد الحق سبحانه كثيراً ما يصحح لرسول الله ويُعدِّل له الحكم ويعاتبه، ورسول الله هو نفسه الذي يخبرنا بذلك، وهذا دليلٌ على أنه أمين في البلاغ عن ربه، لذلك يقول تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ) (الحاقة: 44-46).

وقال: (أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ..) (فصلت: 6) ولم يقل ربكم لأنهم يؤمنون بوجود الله الخالق الرازق، المشكلة عندهم في الإله المعبود، فالإله المعبود له أوامر ومطلوبات الإله يقتضي الطاعة في الأمر وفي النهي، فهم مسلمون بالربوبية مشركون في الألوهية، فأراد أنْ يبين لهم: (أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ..) (فصلت: 6) ليس متعدداً، مرة يقول (إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ..) (فصلت: 6) وفي سورة الإخلاص قال: (قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص: 1) واحد يعني ليس له ثانٍ، وأحد يعني أحد في ذاته غير مركّب من أشياء فهي تنفي التجزؤ.

وقد اتخذ الكفارُ آلهةً متعددة ليُرضوا ما في أنفسهم من عاطفة التديُّن، وليكون لهم إله معبود بلا منهج وبلا تكاليف، لذلك قلنا: إن من الوسطية في ديننا أنه يؤمن بإله واحد، في حين يوجد مَنْ يؤمن بآلهة متعددة، ويوجد مَنْ ينكر الإله بالمرة، فجاء الدين الإسلامي وبيَّن أن الإله واحد.

وما دام هو إله واحد (فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ..) (فصلت: 6) استقم يعني: سِرْ على حدّ الاستقامة لا تميل هنا ولا هناك.

قالوا: كان رجل من طيء، اسمه ابن بندر رأى شاباً بيته هنا، لكن لا يذهب إليه من الطريق المعتاد المستقيم، إنما يدور في طرقات القرية ليذهب إلى بيته.

فعرف من ذلك أن الشاب يقصد بدورانه في الطرقات شيئاً مريباً، فقال له: يا هذا استقم إلى بيتك يعني: اذهب إليه من الطريق المستقيم، عندها عرف الشاب أن الرجل (فقسه) وعرف قصده غير الشريف فارتدع.

كذلك قوله تعالى: (فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ..) (فصلت: 6) يعني: اقصدوه من طريق الاستقامة، وسمَّى طريقه الصراط المستقيم، وقد أثبت العلم أن الطريق المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، ثم إن الطريق المستقيم قد يكون ضيقاً يجبرك على الاستقامة عليه، وقد يكون واسعاً يسمح بالميل يميناً ويساراً (أوتوستراد).

فإنْ كان واسعاً فاستقم فيه أيضاً لتقصر على نفسك مسافة الوصول، لأنك حين تميل تزيد المسافة، لذلك قال: (سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ) (البقرة: 108) يعني: في وسطه دون ميل، بحيث يكون ما على يمينك مثل ما على شمالك، فمرة قال(ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: 6) ومرة قال: (سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ) (البقرة: 108).

فقوله تعالى: (فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ..) (فصلت: 6) أي: بدايةً، فإنْ أصابتكم غفلة عن المنهج واقترفتم شيئاً (وَٱسْتَغْفِرُوهُ..) (فصلت: 6) أي: اطلبوا منه المغفرة.

(وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ..) (فصلت: 6-7) لأن الاستغفار طلب مَحْو الشيء السابق، والقاعدة الشرعية تقول: إن درء المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة.

ومثَّلنا لذلك بواحد يريد أنْ يرمي لك تفاحة، وواحد يريد أن يرميك بحجر فأيهما أَوْلى، الأَوْلَى دَفْع الحجر، فقال (وَٱسْتَغْفِرُوهُ..) (فصلت: 6) ليتم لكم مسْح الذنوب، ولُتنشئوا مع الله علاقة جديدة قائمة على الطاعة والاستقامة.

كلمة (وَوَيْلٌ..) (فصلت: 6) يعني: هلاك (لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ..) (فصلت: 6-7) وهل فُرضَتْ الزكاةُ على مشرك؟

الزكاة لم تكُنْ فُرضت حتى على المؤمنين في هذا الوقت.

قالوا: المراد بالزكاة هنا تطهير المال في حالة نموه، وكان المشركون يفعلون ذلك بالفعل، لكن يفعلونه من منطق الكرم والسمعة الطيبة، ولم يكُنْ الله في بالهم.

لذلك حُكِي أن المطعم بن عدي كان له قِدْرٌ يطعم فيه كذا وكذا، حتى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كنت أستظل من وهج الشمس بظل قِدْر المطعم بن عدي“.

ومثله حاتم الطائي وغيرهم من كرماء العرب، لكنه قال: (ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ) (فصلت: 7) لأن الإنسان عادة يحب ماله، والحق سبحانه يقول: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) (الحشر: 9) لأن للإنسان مطالبَ كثيرة في الحياة.

كان البيع والشراء تبادلاً عينياً.

يعني: تعطيني سلعة، وأعطيك مقابلها سلعة أخرى، وقت لم يوجد النقد بَعْد تعطيني قمحاً، وأعطيك تمراً مثلاً، فكل شيء من هذه الأشياء ثمن وسلعة، فالقمح عندك سلعة، والتمر عندي ثمن.

فكل واحد منا بائع ومُشْتَرٍ.

لذلك قال تعالى في قصة سيدنا يوسف: (وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ..) (يوسف: 21) فقال: اشتراه يعني أخذه وقال عن الآخرين: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ..) (يوسف: 20) يعني: باعوه.

إذن هذه مبادلة، كل واحد منهم بائع ومشتر في نفس الوقت.

(ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (فصلت: 7) أم أن هذه كلمة عامة، فبإِشراكهم لم يأخذوا حكم الله في الزكاة، فلم يَعُدْ فيهم خير لبيئاتهم ولا لمواطنيهم، لأن الله تعالى يريد من الإيمان أنْ ينشر الاستطراق العبودي في البشر، بأن يعين القوي الضعيف، والصحيح يعين المريض، والغني يعين الفقير، والعالِم يعين الجاهل.

ولكن أهم زاوية من زوايا الحياة هي زاوية استبقاء الحياة بالقوت، والقوت يحتاج إلى المال، لذلك الحق سبحانه وتعالى حين يتكلم في هذه المسألة عن المؤلَّفة قلوبهم، وهم قوم نريد أن نُرقق قلوبهم ناحية دين الله، ونجذبهم إليه ليُحسنوا التمعن والاختيار، لا أن نشتريهم للدين كما يدعي البعض.

ومن الطرق إلى هذه الغاية أنْ نحسن إليهم، لذلك جعلهم الله تعالى مصرفاً من مصارف الزكاة، وأعطاهم من مال الله لانتْ قلوبهم.

وحين تُحسن إلى شخص ماذا فعلتَ به؟

أولاً نفضت عنه البغض، وما دُمْتَ نفضتَ عنه البغض، فلا ينظر إليك وهو كاره لك ولا حاقد عليك، وعلى الأقل يسمع منك، وهذا ما حدث للمؤلَّفة قلوبهم.

لذلك لما انتقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتد جماعة من العرب عن دين الله.

لماذا؟

أول شيء ارتدوا من أجله فريضة الزكاة، ومن أجلها كانت حروب الردة، لذلك سمعنا أن سجاح مدعية النبوة ومسيلمة أول ما قالوا في دعواهم قالوا: نسقط عنكم الزكاة.

لينالوا بذلك الرضا عن نبوتهم المزعومة، يريدون بذلك تخفيف التكاليف التي تشق على النفس.

وبعضهم قال: نسقط عنكم نصف الصلاة، وكل مُخفف لشرع الله باطل وفيه إيذاء، لأنه ينزل من منهج الله إلى منهج التخفيف، والله سبحانه حين يريد التخفيف والتيسير يأتي بالتيسير من عنده سبحانه، ومنهج الله لا يُستدرك عليه.

وفي شرع الله أحكام كثيرة تدل على هذا التخفيف، كصيام المريض والمسافر، وصلاة المريض والمسافر، وغير ذلك كثير في الشرع، فالله المشرِّع لك هو الذي يحدد لك التخفيف، لا أنت، وهو سبحانه أعلم بمدى المشقة التي تحتاج إلى تخفيف الحكم.

لذلك نسمع مَنْ يقول: نريد أنْ نُجدد الإسلام، نقول: سبحان الله، يا قوم اتقوا الله كيف نُجدد الإسلام؟

وكيف نستدرك على أحكام الله، ونقول: يا شيخ جدِّد ما شئتَ فلن يلبس مسلم جديدك، والعلة أن لباسَ التقوى من الخالق لا يَخْلَقُ حتى يُجدده مخلوق، أريحوا أنفسكم.

لكن لماذا جعل الله تعالى من الناس الغنيَّ والفقير المحتاج؟

لماذا لم يجعلهم جميعاً في سَعَة ولا داعي للزكاة إذن؟

قالوا: لأن الله تعالى يريد أنْ يُشيع بين خَلْقه التراحم والتوادّ، وحين يجد الفقير الغني لا يتكبر عليه بغناه، بل يأتي إليه ويطرق عليه بابه، ويعطيه حقه في مال الله، ساعتها يحبه ويحب له الخير والمزيد ولا يحقد عليه، ولا يتمنى زوال النعمة من بين يديه.

إذن: حين تعطي إنما تستل الغضب والحقد من النفوس، فتجعل مالك عُرْضة للمزيد.

والحق سبحانه قادر على أنْ يجعل الناس جميعاً أغنياء، إنما الحكمة في أن يوجد الغني الفقير، وأن تتداول هذه المسألة، فقد لا يدوم للغني غِنَاه، ولا يدوم للفقير فقره، فالأحوال تتقلب، بحيث يرتبط كُل بكُلٍّ ارتباطَ محبة ومودة، والارتباط هنا ليس ارتباطَ تفضل، إنما ارتباط حاجة.

إننا لو تخرَّجنا جميعاً في الجامعة، فمَنْ يكنس الشارع، ومَنْ يقود السيارة، ومَنْ يصنع لنا كذا وكذا؟

تقول: يمكن أنْ نتفق على أن يقوم كلٌّ منا بعمل في يوم محدد.

نقول: نعم لكن يكون العمل هنا تفضُّلاً، والتفضل لا يلزم أحداً إنما تلزمه الحاجة، والله يريد أن ترتبط مصالح الناس بالحاجة، ولذلك تجد الرجل يعمل العمل الشاقّ، وربما فيه أذى، قد لا تتحمله أنت، وقد ترى هذا العمل حقيراً، فما الذي حمله عليه؟

حملته الحاجة، وألجأته إليه ضروريات الحياة، وأكْل العيش ومسئولية الأسرة والأولاد، وإلا ما أهان نفسه هكذا.

ووالله لقد شاهدنا في بيت واحد رجلاً يعمل (صرماتي)، وأخاه يبيع العطور، وتأمل ماذا يشم كل واحد منهما.

وكان سيدنا الشيخ موسى رضي الله عنه كثيراً ما يدعو ويقول: اللهم أفقر الصنَّاع وأغْنِ العلماء، وكنا نغضب من هذا الدعاء ونقول له: ماذا تقول يا سيدنا؟

كيف ذلك؟

فيقول: والله لو افتقر العلماء لزلُّوا في الفتوى، ولو اغتنى الصناع لما انتفعنا منهم بشيء.

نعم رأينا فعلاً العامل إنْ كان في جيبه عشرة جنيهات قعد عن العمل حتى يصرفها.

إذن: لا بدَّ من الحاجة لتُقضَى مصالح الخَلْق.

الحق سبحانه وتعالى جعل استطراق المال في المجتمع أهمَّ قضية في الإسلام، لذلك جعلها من أركان الإسلام، فالحق سبحانه لم يعْفِ أحداً من أن يمدَّ يد الاستطراق الاقتصادي للغير، إنْ كان واجداً يبذل، وإنْ كان غير واجد مالاً فليجد مقالاً ينصح به مَنْ يجد.

قال تعالى: (لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ..) (التوبة: 91).

فإذا لم يكُنْ لديه المال ولا المقال الذي يُرقِّق به القلوب، فلا أقلَّ من أنْ يفعل ذلك في ذاته: (وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ..) (التوبة: 92) أي في الجهاد: (قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ) (التوبة: 92).

وهذه هي المرحلة الثالثة: إنْ كان واجداً فليبذل، وإنْ كان غير واجد فليبذل المقال الذي يُرقِّق به قلوب الواجدين، وأخيراً إذا لم يجد هذا ولا هذا يحزن في نفسه أنه لا يجد، فنفسه تتوق للبذل لكنه لا يجد، ويصل به الوَجْد في هذه المسـألة إلى أنه يبكي ألماً وحزناً لشوقه إلى العطاء.

هذا كله لاستطراق المال والاقتصاد في المجتمع الإسلامي لأنه عَصَبُ الحياة وبه تُسْتبقى الحياة، وبه يكون القوت.

وقوله سبحانه: (وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (فصلت: 7) يعني: كفروا في البداية حين أشركوا بالإله الواحد، وكفروا في النهاية بالآخرة، كفروا في المنبع والمصب.



سورة فصلت الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49570
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فصلت الآيات من 06-11   سورة فصلت الآيات من 06-11 Emptyالخميس 12 أغسطس 2021, 11:08 pm

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ذِكْر المقابل سِمَة من سمات الأسلوب القرآني، فبعد أنْ ذكر المشركين ذكر بعدهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلم يترك المسألة هكذا عائمة، بل وضع أمامك الصورتين لتقارن أنت وتحكم كما في: (إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار: 13-14).

وقال: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً..) (التوبة: 82).

ذلك لتتم المقارنة في وقتها.

معنى (مَمْنُونٍ) (فصلت: أي: غير منقطع، أو (ممنون) يعني: لا يمتن به عليهم، كما في(وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (القلم: 3) وفيها ملحظ آخر أن الذي يعمل عملاً صالحاً، ثم تُعجزه أموره عن عمله يقول الله له: العجز فيك مني، ولذلك سأعطيك أجر ما كنت تعمله أولاً، ويظل لك أجره إلى يوم القيامة، هذا معنى (غَيْرُ مَمْنُونٍ) (فصلت: 8).



سورة فصلت الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49570
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فصلت الآيات من 06-11   سورة فصلت الآيات من 06-11 Emptyالإثنين 06 سبتمبر 2021, 8:02 am

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

انتقل السياق هنا إلى النظر في آيات الكون، لأنها هي الوسيلة للإيمان بالمكوِّن سبحانه، فالكون كَوْن عجيب بديع مُتقن في نظامه وفي هندسته، هذا النظام مُستقر لا يتخلف ولا يطرأ عليه ما يُخرجه عن هذا الإتقان، فإنْ أردتَ أنْ تُرقِّق قلوب الناس فذكِّرهم بالآيات الكونية الطبيعية التي لا دخْلَ للإنسان فيها.

لذلك نجد كثيراً في القرآن: (وَمِنْ آيَاتِهِ..) (الشورى: 32).

وهنا يحدثنا عن الخلق الأول وبداية نشأة هذه الأرض (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ..) (فصلت: 9) والهمزة هنا أفادتْ الاستفهام الإنكاري الذي ينكر عليهم كفرهم بالخالق سبحانه، وكأنه يقول لهم: إن هذا العمل منكم معلوم لنا وهو لا يجوز، فيريد سبحانه أنْ يلفتهم إلى المقابل.

ثم لم يكتفُوا بالكفر بالخالق بل (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً..) (فصلت: 9) يعني: شركاء.

مع أنهم يعلمون أنه سبحانه الخالق وحده: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) (الزخرف: 87)، (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (لقمان: 25).

هكذا يعترفون بها عندما يغيب عنهم اللَّدد والعناد.

وقوله: (فِي يَوْمَيْنِ..) (فصلت: 9) أي: اليوم المعروف لنا، واليوم عندنا من الوقت إلى مثله، ويشمل الليل والنهار لأن الله يخاطبنا بما نعرفه (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً..) (فصلت: 9) شركاء لم يخلقوا شيئاً (ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ) (فصلت: 9) أي: هذا الذي تجعلون له أنداداً هو ربُّ العالمين، وهو ربّ العالمين بإقراركم أنتم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ..) (لقمان: 25).



سورة فصلت الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49570
العمر : 72

سورة فصلت الآيات من 06-11 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة فصلت الآيات من 06-11   سورة فصلت الآيات من 06-11 Emptyالإثنين 06 سبتمبر 2021, 8:03 am

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تكلم الحق سبحانه عن خَلْق الأرض، وأخبر أنه خلقها في يومين، فهل معنى هذا أن خَلْق الأرض استغرق مُدَّة يومين بيومنا نحن؟

لا.

إياك أنْ تظنَّ أن خَلْق الأرض استغرق يومين، أو أنه كان معالجة تحتاج إلى وقت.

فالمسألة كما تقول مثلاً: أريد أنْ أصنع الزبادي عندي في البيت، فأقول لك: هات اللبن وضَعْ عليه المادة المعروفة لعمل الزبادي، ثم اتركه في درجة حرارة معينة بمدة معينة، وبعدها يصير اللبن زبادي بعد عدة ساعات مثلاً، فهل يعني هذا أن صناعة الزبادي استغرقتْ منك عدة ساعات؟

لا بل دقائق أعددتَ فيها المادة وتركتها تتفاعل لتصبح زبادي.

مثلاً حين تذهب للخياط ليخيط لك ثوباً، يقول لك: تعالَ خُذْه بعد أسبوع، فهل استغرق الثوب في يده أسبوعاً؟

كذلك مسألة الخَلْق هذه.

وبعد أنْ خلق اللهُ الأرض جعل فيها الرواسي، وهي الجبال الراسية الثابتة المستقرة، والتي بها تستقر الأرض، كما قال سبحانه: (وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً) (النبأ: 7) ولو أن الأرضَ مستقرةٌ بطبيعتها ما احتاجتْ إلى الجبال، إذن: دلَّتْ الرواسي على أن الأرض تدور، فهذا دليل على دوران الأرض.

(وَبَارَكَ فِيهَا..) (فصلت: 10) قلنا: البركة أنَّ الشيء يعطي من الخير فوق مظنَّة حجمه وفوق المنتظر منه، كأن تجدَ الطعام مثلاً الذي تظنه يكفي خمسة يكفي لعشرة فتقول: فيه بركة.

وقوله (وَبَارَكَ فِيهَا..) (فصلت: 10) في أي شيء؟

في الأرض حيثُ ذُكِرت أولاً؟

أم في الجبال وهي آخر مذكور؟

قالوا (وَبَارَكَ فِيهَا..) (فصلت: 10) أي: في الرواسي (وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا..) (فصلت: 10) أي: في الجبال أيضاً.

وقد أثبت الواقع ذلك، وأثبت العلم أن الجبال هي مصدر الخير لباقي الأرض، ومنها عناصر الخصوبة والغذاء الذي لا بدَّ منه لبقاء حياة الكائن الحي، ومعلوم أن العناصر في التربة تنقص وتحتاج إلى مَدَد وتجدُّد من حين لآخر.

وهذا ما يحدث فعلاً، حين يسقط المطر على الجبال فيفتت قشرتها، ويحمل السيل هذا الفتات ويسير به ليوزعه على الأرض المسطحة المنزرعة، كما في طمي النيل زمان وقبل بناء السد العالي، هذا الطمي من أين جاء؟

من منابع النيل في أعلى الجبال.

وكنا نرى ماء النيل مثل الطحينة، ويظل كذلك إلى المصبِّ في البحر المتوسط، ومن هذا الطمي نشأت الدلتا، فالبحر كان يمتد حتى دمياط، والآن انظر لما بين دمياط ورأس البر مثلاً.

كذلك الحال في الوديان حول الجبال، حيث تؤثر عوامل التعرية في القشرة الخارجية من الجبال، ويجرفها السيل إلى الوديان، فتجدد التربة وتزداد خصوبتها، فكأن الجبال بالفعل مخازن قوت البشر، لذلك قال عنها (وَبَارَكَ فِيهَا..) (فصلت: 10).

وتأمل أيضاً الحكمة والهندسة الكونية العالية، فالجبل قاعدته أسفل وقمته أعلى على عكس الوادي بين الجبلين، فرأس المثلث فيه إلى أسفل وقاعدته إلى أعلى، وكلّ عام يأتي المطر ليأخذ من قمة الجبل ويعطي لقاعدة الوادي، وكأنه تجدد واتساع للوادي يناسب الزيادة البشرية.

فالله تعالى يعطي من نعمه على قدر الزيادة التي تخيفنا الآن، يعني: اطمئنْ فالرزق عند الله مضمون؛ لذلك قال بعدها (وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا..) (فصلت: 10).

هذه المراحل: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا..) (فصلت: 10) جاءت في (أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ..) (فصلت: 10) هذه الأربعة أيام (سَوَآءً..) (فصلت: 10) أي: أيام متساوية (لِّلسَّآئِلِينَ) (فصلت: 10) أي: الطالبين للرزق.

أو (فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ..) (فصلت: 10) يعني: في تتمة أربعة أيام (سَوَآءً..) (فصلت: 10) أي: استوت وتمتْ.

وحين نضيف هذه الأربعة أيام، إلى اليومين السابقين تعطينا ستة أيام هي مجمل خلق السماوات والأرض في ستة أيام، كما قال سبحانه في موضع آخر: (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ..) (الأعراف: 54).

بعد ذلك يتكلم سبحانه عن خَلْق السماوات على وجه التفصيل، فيقول: (ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ) (فصلت: 11).

كلمة (ٱسْتَوَىٰ..) (فصلت: 11) عملت معارك بين العلماء، ولما حصرنا مادة استوى في القرآن الكريم وجدنا أنها وردتْ اثنتا عشرة مرة، سبعة منها في الاستواء على العرش واثنتان للسماء وللأرض، هذه الآية التي معنا (ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ..) (فصلت: 11) وواحدة في البقرة: (فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ..) (البقرة: 29).

هذه تسعة، ويبقى ثلاثة مواضع، واحد خاص بالوحي في قوله تعالى عن جبريل: (ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ) (النجم: 6) يعني: بلغ مداه.

وواحدة في موسى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ) (القصص: 14) يعني: بلغ سنِّ الرشد.

وواحدة في التمثيل لهذه الأمة في الإنجيل، قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ..) (الفتح: 29).

هذه صورة أمة محمد في التوراة، فهم قوم أشدَّاء على الكفار رحماءُ على المؤمنين، وهم رُكَّع سُجَّد لهم سيمة وعلامة يُعرفون بها، وهذه كلها قِيَمٌ معنوية لم يأتِ فيها شيء مادي، ذلك لأن اليهود كانوا يؤمنون بالماديات، حتى أنهم أرادوا أنْ يخلعوا الماديات على الخالق الأعلى، لذلك قالوا لموسى عليه السلام: (أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً..) (النساء: 153).

أما مثلُهم في الإنجيل فلم يأتِ بقيم ولا روحانيات، إنما جعله مثلاً مادياً بحتاً.

لماذا؟

لأن المسيحية كلها مواجيدُ دينية روحية، ليس فيها شيء من مادة الأرض، لذلك سُئل سيدنا عيسى عن مسألة ميراث.

فقال: لم أُرسَل مُورِّثاً.

لذلك جاء مثل أمة محمد عنده مثلاً مادياً، فالمثل عند اليهود جاء روحانياً لأنها مفقودةٌ عند اليهود، وجاء مادياً لأن المادية مفقودة عند النصارى، فقال: (وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ..) (الفتح: 29) هذا مثَلٌ مادي صِرْف، فالمثل المادي مفقود في المسيحية، والعنصر الروحي مفقود فيما اتخذه اليهود، فجاء الإسلام ليجمع بين العنصرين معاً في دين واحد.

هذه اثنتا عشرة موضعاً ذُكرتْ فيها مادة الاستواء، وكان الخلاف بين العلماء في المواضع السبعة التي تتكلم عن الاستواء على العرش.

وهذه المواضع السبع في سبع سور جمعها الناظم في قوله:
فَفِي سُورَةِ الأعْرَافِ ثمَّةَ يُونُسٌ وَفِي الرعْدِ مَعْ طَهَ فَللعدِّ أكِّدْ
وَفِي سُورَةِ الفُرْقان ثُمةَ سَجدةٌ كَذَا فِي الحدِيدِ فَافهَمُوا فَهْمَ مُؤيِّد

كلمة (ٱسْتَوَىٰ..) (فصلت: 11) إنْ كانت للعرش يقول: استوى على، وإنْ كانت للسماء قال: استوى إلى، البعض فَهِمَ استوى على أنه كاستواء المخلوق على الكرسي فوقعوا في التشبيه والتجسيم، أما استوى إلى السماء يعنيك قصدها وتوجَّه إليها بإرادته سبحانه ذلك لأن العرش في الموجودات سمة التمكُّن من الحكم واستتباب الأمر للحاكم، فالحاكم إنْ كان عليه مشاغبات لا يستقر على العرش ولا يستتب له أمر الملْك إلا إذا دَانَ له الجميع وخضعوا.

لذلك قال في بلقيس: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل: 23) يعني: استتبَّ لها الأمر، فكلمة (استوى على العرش) دلتْ على أن الكون كله استجاب له وانقاد لأمره دون منازع؛ لذلك قال هنا عن السماء والأرض (قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ) (فصلت: 11).

وللعلماء في الاستواء عدة مقالات جمعها الناظم في قوله:
وَلَهُمْ مَقالاَتٌ عَليْهَا أرْبَع قَدْ حُصِّلَتْ للفَارسِ الطّعَّانْ
وَهْيَ اسْتَقرَّ وَقَدْ عَلاَ وكَذاكَ قَدْ صَعَد الذِي هُوَ رابِعْ

فالمعنى هنا (ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ..) (فصلت: 11) أي: قصدها وتوجَّه إليها بإرادتهتعالى، واستوى على العرش يعني: استقر له الأمر واستتبَّ، لأن كل الوجود استجاب له وانقاد، فلما قال للأرض وللسماء: (ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ) (فصلت: 11).

لذلك قلنا: إن الحق سبحانه لم يُقبل على قوله (كَنْ) إلا لعلمهتعالى أن شيئاً من مُلْكه لن يتخلف عن الاستجابة لأمره؛ لذلك قال: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (الانشقاق: 2) يعني: فقط تسمع النداء فتستجيب فوراً، لذلك شهد الله لذاته بذلك: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..) (آل عمران: 18) وبشهادته سبحانه لنفسه أنه لا إله إلا هو قال لكل شيء: كُنْ فكان.

وبعد ذلك شهدتْ الملائكة، وشهد أولو العلم.

وقوله: (وَهِيَ دُخَانٌ..) (فصلت: 11) أي: على هيئة الدخان الذي يسميه العلماء السَّديم، والمراد أن الكون كان على هيئة غازية، ومن هذه المادة الغازية تكوَّنت الأرض والصخور والجبال.

وبعد أنْ تكوَّنتْ السماء والأرض أمرهما الخالق سبحانه (ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً..) (فصلت: 11) فكان الردّ (أَتَيْنَا طَآئِعِينَ) (فصلت: 11).

وهذا الرد دَلَّ على سرعة الاستجابة للأمر، وعلى انقياد الكون كُلِّه لخالقهتعالى (أَتَيْنَا طَآئِعِينَ) (فصلت: 11) وهل نملك المخالفة، ولماذا نأتي كارهين؟

هذا يعطيك دليلاً على انقياد الكون لله، لأنه ليس له هَوًى في نفسه يُغير الموقف: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..) (الإسراء: 44).

أما الإنسان فكلٌّ له هَوًى، لذلك جاء في الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعٌ لما جئتُ به".

وما دام سيكون هواك تبعاً لما جاء به النبي، وأنا هواي تبعٌ لما جاء به النبي، فالهوى إذن واحد(وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ..) (المؤمنون: 71).

(أَتَيْنَا طَآئِعِينَ) (فصلت: 11) هذا كلام السماء والأرض، وكان القياس أنْ يقول: طائعينِ بالمثنى إنما قال (طَآئِعِينَ) (فصلت: 11) بصيغة الجمع.

والسماء والأرض مؤنَّث، فكان القياس أنْ يقول: طائعات.

إذن: خالف في أمرين.

لماذا؟

قالوا: لأن الشيء يكون مفرداً لكنه تحته.

فإذا نظرتَ إلى المفرد جئتَ بالمفرد، وإذا نظرتَ إلى ما تحته جئتَ بالجمع.

قال تعالى: (وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا..) (الحجرات: 9) فلم يقل: اقتتلتا بالمثنى المؤنث، إنما (ٱقْتَتَلُواْ..) (الحجرات: 9) لأن أمر القتال راجعٌ إلى رؤساء كل طائفة، هم الذين يقررون القتال أو عدم القتال، وساعةَ القتال لا يمسك كل فريق بسيف واحد يقاتل به الفريق الآخر، إنما يمسك كلُّ فرد بسيفه.

فالطائفة هنا مفرد تحته جمع، فقال في القتال (ٱقْتَتَلُواْ..) (الحجرات: 9) لكن عند الصلح قال: (فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا..) (الحجرات: 9) لأن أمر الصلح لا يكون مع أفراد الجيش، إنما يكون مع القادة لكل طائفة الذين يُصرِّفون الأمر حرباً أو سِلْماً.



سورة فصلت الآيات من 06-11 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة فصلت الآيات من 06-11
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة فصلت الآيات من 31-35
» سورة فصلت الآيات من 36-40
» سورة فصلت الآيات من 41-45
» سورة فصلت الآيات من 46-50
» سورة فصلت الآيات من 51-54

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: فصلت-
انتقل الى: