منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة غافر الآيات من 01-05

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة غافر الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: سورة غافر الآيات من 01-05   سورة غافر الآيات من 01-05 Emptyالثلاثاء 08 يونيو 2021, 6:54 am

سورة غافر


http://ar.assabile.com/read-quran/surat-ghafir-40


تفسير السورة خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(نـال شــرف تنسيــق هـــذه الســورة الكريمــة: أحمد محمد لبن)

سورة غافر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
حم (١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه السورة بداية (الحواميم) أي: السور المفتتحة بقوله تعالى (حم) نقول في الجمع (الحواميم) وهذا الجمع على غير القاعدة، فالأصح أن نقول (آل حم) و (حم) من الحروف المقطعة التي ترد في أوائل السور، وسبق أنْ تكلمنا عليها في أكثر من موضع، والحقيقة أننا نحوم حول معانيها مما يتيسر لنا فهمه واستنباطه منها، والجميع في النهاية يقول: الله أعلم بمراده لأن معانيها فوق الإحاطة.

قلنا: إن الحرف له اسم وله مُسمّى، نقول: ألف للحرف (أ) وباء للحرف (ب) هذا اسم الحرف، أما المسمَّى لو قلت مثلاً (كتب) أنا لا أنطقها كاف تاء باء، فهذه أسماء الحروف إنما أنطقها كتب وهذا هو المسمى: مُسمّى الكاف كَ، ومسمّى التاء تَ، ومسمّى الباء بَ، إذن: نحن في كلامنا ننطق بمسمّى الحروف.

لكن في (حم) ننطق باسم الحرف فنقول: ح م ولو نطقنا المسمّى لَقُلْنا حمَّ.

ومن هنا تأتي أهمية السماع في قراءة القرآن، فبالسماع تُقرأ في أول البقرة (الم) هكذا ألف لام ميم، في حين تُقرأ نفس الحروف في سورة الشرح(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح: 1) ولولا السماع ما كُنا نعرف هذا النطق.

بعض العلماء أخذوا يحومون حول معاني هذه الحروف في أوائل السور فقالوا: القرآن معجز لأمة العرب ولما نبغ العرب في البيان والفصاحة جاءتْ المعجزة من جنس ما نبغوا فيه ليكون الإعجاز في محله، وإلا فليس هناك أمة من الأمم جعلتْ للكلمة أسواقاً ومعارض كما فعل العرب في عكاظ والمربد وذي المجاز وغيرها.

وكان تحدِّي القرآن لهم عين الشهادة بتفوقهم في هذا الميدان، وأنهم حجة فيه.

لكن من أين يأتي إعجاز القرآن؟

وبِمَ تميز من كلام العرب والحروف هي الحروف والكلمات هي الكلمات؟

قالوا: حروف اللغة منها حروف مَبْني أي: تُبنى الكلمة وهذه الحروف ليس لها معنى في ذاتها، وحروف معنى وهي حروف لها معنى وحدها، فمثلاً الكاف حرف مبني لأنه يدخل في بناء كلمة كتب، ولو أخذ الكاف من كتب ما كان لها معنى وحدها، أما الكاف في الجندي كالأسد فهي حرف معنى أفاد وحده معنى التشبيه، ولم يدخل في بناء كلمة الأسد، كذلك الباء حرف مبني في كتب وحرف معنى في (بالله) لأنه أفاد معنى القسم.

ومن هذه الحروف تتكوَّن الكلمات، ومن الكلمات تتكوَّن الجمل والعبارات، والعبارات تكوِّن الأسلوب والأداء المتميز الجذاب الذي يستميل الأذن ويؤثر في النفس، ومن هنا تأتي بلاغة الكلام وفصاحته حين يكون موافقاً لقواعد اللغة، فإذا كانت الحروف العربية والكلمات هي هي في القرآن، فبمَ تميَّز عن كلام العرب؟

قالوا: تميَّز بنسيجه الخاص، وأن الذي تكلم به هو الله سبحانه وسبق أن قلنا: إننا إذا أردنا أن نختبر جماعة من النساجين في جودة النسيج ورقته لا يصح أنْ نعطي أحدهم خيوط الصوف والآخر القطن والآخر الحرير، لأن المادة الخام مختلفة فلا نستطيع تمييز الأجود، بل لابد أن تكون المادة واحدة ليتم التمييز.

فمعنى (حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ) (غافر: 1-2) أو (حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ) (الدخان: 2) أو (الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ..) (البقرة: 1-2) أي: من هذه الحروف تكوَّن القرآن وأعطى سر الإعجاز والتحدي، لأن الله تعالى هو الذي نطق به وبلَّغه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو رسول أمي لا يعرف القراءة أو الكتابة.

لذلك نطق بالقرآن كما أوحى إليه لم يُغيِّر فيه حرفاً واحداً؛ لذلك كانت الأمية عيباً وقُبْحاً إلا في رسول الله كانت شرفاً وميزة، وكأنه يقول بأميته: أنا لم أتعلم من أحد شيئاً، وكل ثقافتي من ربي.

كذلك كانت الأمة كلها أمة أمية مُتبدِّية لا تعرف الحضارة ولا يحكمها قانون عام، ولو كانت أمةُ العرب حينها أمةً متحضرة لقالوا عن الإسلام أنه وَثْبة حضارية، لكن جاء الإسلام في جزيرة العرب وهم أمة بدوية ليس لها قانون ولا دستور حكمها إلا قانون القبيلة وعصبيتها، الحاكم فيها شيخ القبيلة، بيوتهم على ظهر جمالهم أنَّى وجدوا الكلأ نزلوا وضربوا خيامهم، وأنَّى وجدوا الماء حلوا بجواره، فهم غير مرتبطين بوطن ولا مكان.

ناهيك عَمَّا كان بينهم من صراع قبلي وحروب تنشب على أيسر الأسباب، وتعرفون مثلاً حرب داحس والغبراء التي استمرت بينهم أربعين سنة؛ لذلك لما أراد رسول الله أن يكون للدولة الوليدة جيش ما فتح مدرسة لتعليم فنون القتال والحرب لأنه في أمة تجيد هذه الفنون إجادةً تامة، والعربي بطبعه مستعدّ للحرب كلما سمع هَيْعة طار إليها.

إذن: فكيف لمثل هذه الأمة أن تقود العالم كله أن تفتح بلاد الدنيا، وهي بهذا الوصف؟

فكأن الله تعالى أراد أنْ يعدهم للسياحة في الأرض بهدي الله لخلق الله فلم يرتبطوا بشيء، ثم بعث فيهم رسولَ الله فجعل من العبيد سادة، ومن رعاة الشاة قادة ومنارات للأمم كلها.

إذن: كانت الأمة العربية مُعدَّة لساناً وأمية وبدوية لأنْ تقودَ العالم المتحضر ليعرف الجميع أن ما جاء به محمد ليس من عند البشر، إنما من عند الله.

نعود إلى مسألة الحروف المقطعة، فنقول: قد تأتي هذه الحروف على حرف واحد مثل (ق، ص) وعلى حرفين مثل (طس، حم) وعلى ثلاثة أحرف مثل (طسم، الم) وعلى أربعة أحرف مثل: (المص، المر) وعلى خمسة أحرف مثل: (كهيعص) إذن: ليس لها نسق واحد.

وحين نتأمل مجموع هذه الحروف نجده أربعة عشر حرفاً يعني نصف حروف الهجاء الثمانية والعشرين، وكونه يأتي بالنصف بالذات يعني أنها مسألة مقصودة لم تأتِ هكذا كما اتفق، ودليل هذه الحروف الأربعة عشر تصرفتْ تصرفاً يوحي بأن لها ملحظاً وحكمة ولم تأتِ اعتباطاً، فهذه الحروف الثمانية والعشرون منها تسعة حروف من أول ألف باء إلى حرف الذال لم يأخذ منها في الحروف المقطعة إلا حرفين هما الألف والحاء وترك الباقين.

وهي سبعة أحرف.

ثم تأمل التسعة الأحرف الأخيرة تجد أن الحق سبحانه أخذ منها سبعة أحرف وترك حرفين على عكس الأولى فأخذ منها: القاف والكاف واللام والميم والنون والهاء والياء وترك الفاء والواو.

هذه ثمانية عشر حرفاً، يبقى العشرة الأحرف في الوسط، وتبدأ من الراء إلى الغين.

ونلحظ في هذه الأحرف أنه أخذ الحروف غير المنقوطة وترك الحروف المنقوطة، أخذ الراء وترك الزاي، وأخذ السين وترك الشين، وأخذ الصاد وترك الضاد، وأخذ الطاء وترك الظاء، وأخذ العين وترك الغين.

إذن: هذا النظام في الحروف المقطَّعة دلَّ على أنها ليست على نسق واحد، وأن لها حكمة مقصودة ولم تأتِ هكذا اعتباطاً، وعلينا نحن أن نستنبط هذه الحِكَم ونفهم هذه الدلالات كلّ حسب ما تيسّر له، وما زلنا (نفتش) في هذه الحروف لعلنا نصل.

لكن كونك تبحث عن الحكمة فهذا اجتهاد محمود، ولك أنْ تريح عقلك وتأخذها من الله كما هي كما تأخذ المفتاح مثلاً ممن صنع الطبلة، فلا يعنيك أن يكون بسنَّة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعة، المهم أن يفتح لك، ويكون سرّ المفتاح مع مَنْ صنعه.

لكن للعقل أنْ يأنس بأشياء، كيف؟

قالوا: الحق سبحانه وتعالى يريد في دينه ثلاثة أمور: عقائد، وأحكام، ومادة تؤدي هذه العقائد والأحكام وهي كلامه في القرآن، وكلٌّ من هذه الثلاثة فيه غيب وفيه مشهد. فالعقائد وأولها الإيمان بالله وهو غَيْب لكن يمكنك الوصول إليه والاستدلال عليه بالمشاهد من مخلوقاته وعظيم صنعته وهندسته في الكون المرئي، لأن هذا الكون البديع لم يدَّع أحدٌ خَلْقه ولم ينسبه لنفسه.

إذن: هو لله وحده، إذن نصدق هذا الغيب بالمشاهد، أما الغيب الذي ليس له مشهد كالصفات التي للحق سبحانه فنأخذها مما نسمع من كلامه سبحانه كذلك الفرائض والأحكام فيها مشهد وفيها غيب، فالصلاة والزكاة والحج والصيام كلها مشهد، وفيها غيب لا نعرف حكمته حتى الآن، فالصلاة فيها استطراق عبودية، والصيام فيه استدامة التكليف، والزكاة لاستطراق المال في المجتمع، والحج لإعلان الولاء للبيت الذي هو بيت الله، هذه أمور تستطيع أنْ تعرفها بالعقل، لكن ما الحكمة مثلاً من جَعْل الصبح ركعتين والظهر أربعاً والعصر أربعاً والمغرب ثلاثاً، والعشاء أربعاً، هذه لا نعرفها.

إذن: مع كل غيب مشهد، ومع كل مشهد غيب، كذلك كلام الله تعالى فيه غيب وفيه مشهد، أما المشهد فهو الكلام الذي نعرفه ونقرؤه ونسمعه ونكتبه ونعرف معناه وتفسيره، وفيه غيب كما في (الم، ن، ق، ص).

فكل غَيْب محروسٌ بمشهد يساعدنا على الإيمان بالغيب؛ لأن المسائل كلها لو كانت مشهداً ما كان للإيمان مجال، فنحن الآن أنا وأنتم نجلس مجلسَ علم في مسجد الشيخ سليمان، فهل هذا المشهد لنا محل إيمان، لا بل مشهد.

أمَّا الإيمان فمحلّه الغيب، لذلك قال تعالى: (ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ..) (البقرة: 3).

لكن هذا الغيب لابدَّ أنْ تكون له شواهد من المشاهدة ومقدمة تؤدي إليه، أرأيتَ مثلاً لرحلة الإسراء والمعراج؟

هذا غيب لم يَرَهُ أحد غير سيدنا رسول الله، رحلة الإسراء كانت رحلة أرضية، ورحلة المعراج كانت رحلة سماوية، الناس شاهدتْ ما على الأرض من معالم لكن لم تشاهد ما في السماء.

لذلك لما أراد سيدنا رسول الله أن يقدم لهم دليلاً على صدقه وصف لهم معالم رآها على الأرض فوصف لهم بيت المقدس، والقبيلة التي رآها مسافرة ومتى ستصل، وأن بها جملاً صفته كذا وكذا، فهذه رحلة أرضية من الممكن أنْ يُقام عليها دليل.

وبصدقه -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر من مشاهدات أرضية صارتْ هذه الرحلة مشهداً ووسيلة لتصديق المشهديات المخالفة للقوانين، فإنْ أخبر أنه صعد إلى السماء فصدِّقوه وخذوا من صدقه في المشَاهَد دليلاً على صدقه فيما غاب؛ لأن كلَّ غيب كما قلنا محروس بمشهد.

ثم يقول سبحانه: (تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ...).



سورة غافر الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة غافر الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة غافر الآيات من 01-05   سورة غافر الآيات من 01-05 Emptyالثلاثاء 08 يونيو 2021, 6:55 am

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

مادة نزل وردتْ في القرآن بصيغ عدة: أنزلنا، نزَّلنا، تنزيل، نزل.

وكلها تعطي معنى العلو للذي نُزِّل، وصفة العلو تدل على أن المنزَّل ليس من صُنْع البشر، وتدل على عظمة المنزَّل ومنزلته، حتى إنْ كان من جهة الأرض لا من جهة السماء، كما قال تعالى في الحديد: (وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..) (الحديد: 25).

ومعلوم أن الحديد يُستخرج من الأرض لا ينزل من السماء، فالمعنى: أنزلناه على أنه هبة العالي للأدنى، ولا بدَّ أن يكون الأعلى أعظم من الأدنى.

ونقول ذلك حتى في الأحكام والقوانين حين نريد أنْ نشرع ونُقنِّن القوانين.

لا تتركوا قوانين الأعلى وتأخذوا بقوانين الأدنى، لأن المقنِّن الأعلى سبحانه غير المقنِّن من البشر، فمهما بلغ من العلم والحكمة فلن يخلو من هوى ولن يتنزَّه عن غرض، فإنْ كان من الأغنياء يُقنِّن للرأسمالية، وإنْ كان فقيراً قنَّن للشيوعية.

لذلك يُشترط فيمن يُقنِّن ألاَّ يكون له هوىً، وألاَّ يكون منتفعاً بما يقنن، وأنْ يكون محيطاً بالأمور كلها بحيث لا يستدرك عليه ولا ينسى جزئية من جزئيات الموضوع، وهذه الشروط كلها لا تتوفر إلا في الحق سبحانه، لذلك لا يجوز لنا أن نترك قانون الله وشرعه ونتحاكم إلى قانون البشر.

لذلك تعرَّض الإسلامُ لحملات ضارية وانتقادات من غير المسلمين كان آخرها الضجة التي أثاروها في الفاتيكان على الطلاق في الإسلام، لأنهم قننوا لأنفسهم بعدم الطلاق، لكن الطلاق في الإسلام مَنْ شرعه؟

الله لا البشر.

إذن: فهو الصواب وغيره خطأ، لأنك لا تستطيع أبداً أنْ تديمَ علاقة بين زوجين يكره كل منهما الآخر وهو مأمون عليها وهي مأمونة عليه؟

كيف تحكم عليَّ أن أعيش مع امرأة لا تثير غرائزي.

إذن: شُرِع الطلاق في الإسلام لحكمة، لأن المشرِّع سبحانه أعلم بطبائع الخَلْق، ومرتْ الأيام وألجأتهم أقضية الحياة ومشاكل المجتمع لأن يُشرعوا هم أيضاً الطلاق، ما أباحوه لأن الإسلام أباحه ولا محبةً في دين الله ولا إيماناً بشرع الله، إنما أباحوه لأن الحياة فرضتْ عليهم قضايا لا تُحلُّ إلا بالطلاق.

وهذه المسألة هي التي أجبنا بها حين سُئلنا في سان فرانسيسكو عن قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ) (الصف: وقال: (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33).

يقولون: مرَّ على الإسلام أربعة عشر قرناً من الزمان وما يزال أغلب الناس غير مسلمين، والإسلام ليس هو الدين الغالب بل مُهدَّد ومُحارَب.

قلنا: لو تأملتم معنى الآية لعرفتم أن إظهار الدين لا يعني أن يؤمن كل الناس، إنما يظهر على غيره من الشرائع والقوانين ويضطر غير المسلمين لأنْ يأخذوا بالإسلام في حَلِّ قضاياهم، وقوله تعالى: (وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33) (وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ) (التوبة: 32) دليلٌ على وجود الكفار والمشركين مع وجود الإسلام.

وكلمة (الكِتَابِ) أي: القرآن، سماه الله كتاباً لأنه مكتوب، وقرآناً لأنه مقروء، أو هو كتاب إيذاناً بأنْ يكتب، وهو قرآن إيذاناً بأنْ يُقرأ، والقراءة إما من السطور وإما من الصدور الحافظة، وسمَّاه وحياً لأنه أُوحِي به إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ) (النجم: 4) إذن: لكل تسمية ملحظ.

ولما أرادوا جمع القرآن اشترطوا أن تتوافق فيه الصدور والسطور، فما كتبوا آية واحدة إلا إذا وجدوها مكتوبة في الرقاع وشهد شاهدان بصحتها، ورحم الله سيدنا الشيخ محمد عبد الله دراز الذي قرن بين هذه المسألة وقوله تعالى: (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ..) (البقرة: 282).

ثم يقول سبحانه: (مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ) (غافر: 2) فهذا الكتاب مُنزَّل من عند الله المتصف بصفات الكمال المطلق، وله سبحانه طلاقة قدرة وطلاقة حكمة وطلاقة رحمة وطلاقة رحمانية، وما دام الكتاب جاء ممَّنْ هذه صفاته فلا يمكن أنْ يستدرك عليه، وما دام لا يستدرك عليه فصدِّقوا الآية: (ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً..) (المائدة: 3).

لذلك نعجب من الذين ينادون الآن بعصرنة الإسلام، ونقول لهم: بدل أن تُعصرنوا الإسلام دَيِّنوا العصر.

وصفة (العَزِيزِ) أي: الغالب الذي لا يُغلب، وما دام أن هذا الكتاب نزَّله عزيز لا يُغلب، فلا بدَّ لهذا الكتاب أنْ يعلو وأنْ يُنشر وأنْ يسمعه الناس لا يغلبه أحد، لأن مُنزله عزيز، ولأن الله تعالى ما كان ليبعث به رسولاً ويتركه أو يخذله، فمهما عاندوا ومهما تكبروا وجحدوا سيغلب هذا القرآن، ولن يُغلبَ أبداً في أيِّ مجال من المجالات.

وكأن الحق سبحانه يقول للكفار وعبدة الأصنام: خذوا لكم عبرة من واقع الأشياء حولكم، فمحمد وأتباعه بعد أنْ كانوا مُحاصرين مضطهدين أصبحوا في ازدياد يوماً بعد يوم، وأرض الإسلام أصبحتْ في ازدياد وزيادة أرض الإسلام نقصٌ من أرض الكفر: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) (الرعد: 41).

وقال الحق سبحانه و تعالى: (مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) (الحج: 15).

يعني: مَنْ كان يشك في نصر الله وتأييده فليبحث له عن مسلك آخر وليأت بحبل يُعلِّقه في السماء ويجعل رقبته فيه ثم ليقطع، فلينظر هل يُذهِب هذا غيظه؟

وقد قال الله تعالى في بيان سنته في نصرة رسله وعباده الصالحين: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 171-173).

إذن: فالحق سبحانه ما كان ليكبت دينه، ولا يخذل رسله، أو يتخلى عن نُصْرة أوليائه.         

وقوله تعالى: (ٱلْعَلِيمِ) (غافر: 2) تعني: أن عزته سبحانه ليست (فتونة) بلا رصيد، إنما هي عزة بعلم، وعزة بحكمة، وعزة برحمانية ورحيمية، فله سبحانه كل صفات الكمال المطلق.

ثم يقول سبحانه: (غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ...).



سورة غافر الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة غافر الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة غافر الآيات من 01-05   سورة غافر الآيات من 01-05 Emptyالثلاثاء 08 يونيو 2021, 6:56 am

غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يريد الحق سبحانه ألاَّ ينفصل خَلْقه عنه مهما كثرتْ ذنوبهم وغلبتهم شهواتهم، يريد سبحانه أنْ يعطفهم إليه ويجمعهم في ساحته، لذلك فتح لهم باب التوبة والمغفرة وبسط لهم يَدَ العفو والتسامح، ثم لوَّح لهم بعصا العقاب حتى لا يغتروا، وهذا المنهج يعود نفعه على الكون كله وعلى الفرد خاصة؛ لأن صاحب الذنب لو علم ذنبه لن يُغفر لتمادى فيه وأكثر وعربد في الكون وأفسد، وساعتها سيشقى به المجتمع، وخاصة أهل الإيمان.

لذلك كانت هذه الآية من أرْجَى الآيات في القرآن الكريم كما قال سبحانه في أواخر سورة الزمر: (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) (الزمر: 53).

وقلنا: إن هذه الآية وأمثالها لا تتعارض وقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ..) (النساء: 48) لأن الكفر ليس ذنباً، لأن الذنب أنْ تخالف أمراً مأموراً به أو منهياً عنه من المشرِّع الأعلى سبحانه، أما الشرك بالله فهو خروج عن الإيمان أصلاً فلا يُقال له مذنب.

والحق سبحانه كثيراً ما يذكر عباده بمغفرته وقبوله للتوبة حتى لا ييأس أحدٌ من رحمته تعالى، فقوله تعالى: (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ..) (الزمر: 53) لم يقلها الحق سبحانه إلا وهناك مَنْ أسرف على نفسه ويَئِس من رحمة ربه، لأنه بالغ في الذنوب حتى ظن أنها لن تُغفر.

من هؤلاء وحشيّ قاتل سيدنا حمزة، لأنه بعد أن قتله أحسَّ بذنبه وعِظَم جُرْمه، وأيقن أنه هالك لن يغفر الله له، لذلك البعض يقول إنه ذهب لرسول الله يسأله في هذه المسألة وكذا وكذا، لكن الواقع أنه كان في مكة والآية نزلت في المدينة لكن نُقلت إليه فلما سمعها آمن وأسلم.

ويُروى أن وحشياً قابل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له -صلى الله عليه وسلم-: ما كنتُ أود أنْ أراك لولا أنك جئت مستجيراً وربي يقول: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ..) (التوبة: 6).

فقال: وأنا مستجير بك حتى أسمع كلام الله، فقرأ عليه رسول الله: (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) (الزمر: 53).

فقال: لكن الله يقول: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً..) (الفرقان: 70) وأنا لا أضمن أني أعمل عملاً صالحاً، فقرأ عليه رسول الله هذه الآية: (غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ..) (غافر: 3).

ومن هؤلاء الذين أصابهم اليأس من رحمة الله عياش بن أبي ربيعة، فيُروى أن سيدنا عمر -رضي الله عنه- لما أراد أن يهاجر اتفق مع عياش وهشام بن العاص بن وائل السهمي على أن يهاجروا معاً وأن يجتمعوا عند بئر غفار، فإذا حُبِس واحد منهم انتظروه، فلما جاء الموعد لم يأتِ عياش حيث حبسه أهله عن الهجرة ثم فتنوه ففُتن ولم يهاجر مع صاحبيه، فحصل له يأس من رحمة الله.

فلما نزلت هذه الآية: (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ) (الزمر: 53) تذكر عمر صاحبه عياشاً الذي فُتن وتذكر أنه التقى معه على الإيمان في يوم ما، وأنه كان ينوي الهجرة إلا أن أهله فتنوه فرقَّ له قلبه وبعث إليه بهذه الآية ليطمئن ويعود إلى الإيمان.

قوله تعالى: (غَافِرِ ٱلذَّنبِ) (غافر: 3) أي: الذي سلف (وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ) (غافر: 3) أي: عن المعصية التي استقبلها (شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ) (غافر: 3) لحكمة يقرن الحق سبحانه بين المغفرة والعقاب حتى لا يتواكل الناس وحتى لا يغتروا برحمة الله، فالدين يقوم على الخوف والرجاء، وهما كالجناحين للطائر لابدَّ منهما معاً (ذِي ٱلطَّوْلِ) (غافر: 3) كما تقول يعني (إيده طايلة) يفعل ما يشاء، فالله ذو الطوْل أي صاحب الفضل والإنعام يعطي ويتفضَّل بما يشاء على مَنْ يشاء إلا يردّ عطاءه أحدٌ، لذلك ورد في الدعاء: "لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت".

فإذا قال الحق سبحانه: (تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ) (غافر: 2) فهمنا من كلمة تنزيل عُلو المنزل والواسطة المنزل إليه والمنزل إليهم ليكون منهجاً لحركة حياتهم، وهذا العلو إنما نشأ لأن المنزل كتابٌ من الله واجب الوجود الذي له الكمال المطلق في قولنا لا إله إلا الله والله أكبر من كل شيء التي فسرناها في قوله تعالى(لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ) (الزمر: 63).

فلا إله إلا الله مقلاد، والله أكبر مقلاد، وسبحان الله مقلاد، وبحمده مقلاد، ونستغفر الله مقلاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله مقلاد، وهو الأول مقلاد، وهو الآخر مقلاد، وهو الظاهر مقلاد، وهو الباطن مقلاد، بيده الخير مقلاد، وهو على كل شيء قدير مقلاد.

ولن تجد شيئاً في كَوْن الله يخرج عن هذه المقاليد أبداً، وكل شيء فيها إنما هو بيد الله، كما قال سبحانه: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ) (الأنعام: 59).

وبعد ذلك تكلم الحق سبحانه، فقال(ٱلْعَزِيزِ) (غافر: 2) أي: عن خَلْقه.

والعزيز هو الذي يغلب ولا يُغلب، وهذه إشارة إلى أنه إذا أنزل اللهُ كتاباً على رسول فلن يوجد مَنْ يقف أمام هذا الكتاب لأنه غالبٌ لا يُغلب، وقوله (ٱلْعَلِيمِ) (غافر: 2) أي: يضع الأشياء في أماكنها بما يعلم أنها تؤدي مهمتها بصلاحها.

وبعد ذلك طمأن خَلْقه الذين أسرفوا على أنفسهم في بعض الأشياء، فذكر التخلية في (غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ) (غافر: 3) ولكنه سبحانه مع غفرانه للذنب وقبوله للتوب (شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ) (غافر: 3) فجمع في هذه الآية صفات جلاله كلها وصفات جماله كلها.

ونفهم من (لا إله إلا هو) أنه لا استدراك لأحد على شيء من قوله (إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ) (غافر: 3) فلا مرجع ولا مردَّ إلا إليه.

ثم يقول سبحانه لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ...).



سورة غافر الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة غافر الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة غافر الآيات من 01-05   سورة غافر الآيات من 01-05 Emptyالثلاثاء 08 يونيو 2021, 6:57 am

مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الرسول -صلى الله عليه وسلم- جاء رسولاً من عند الله بما يُخرج الجاهلية إلى مقام العلم عن الله، وبذلك تتطهر حركة حياتهم من كل ما يعطي في الكون ذبذبة أو كلّ ما يعطي في الكون تعانداً حتى يصير الكون كله متسانداً متعاضداً، بحيث لا يبني واحد ويهدم الآخر، فيقول سبحانه: (مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) (غافر: 4).

الجدل: إبرام الشيء إبراماً حقيقياً بحيث يستحيل أنْ ينقض، وهذه المسألة مثل عملية فَتْل الحبال عندنا في الفلاحين، حيث يأخذ الرجل شعيرات التيل المعروف ويظل يبرم فيها، إلى أنْ تتداخل الشعيرات وتتماسك وتتداخل، لذلك نرى الحبل قوياً متيناً.

وسُمِّي المراءُ بين الناس جدلاً، لأن كل واحد من الطرفين يريد أن يُحكِّم منطقه وحجته ليغلب الآخر، فكلٌّ منهم يجادل لحساب نفسه، صاحب الحق يجادل لإظهار حقه، وصاحب الباطل يجادل ليُحِقَّ باطله.

أي: يُظهره في صورة الحق.

لكن هل الجدل مذموم في ذاته؟

لا.

لأن الجدل بحسب الغاية منه؛ لذلك يقول تعالى: (وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت: 46) فدلَّ ذلك على أن في الجدل ما هو حسن وأحسن، والجدل الحسن هو الذي يسعى لإيجاد الحجة على أن الحق حق والباطل باطل، فإنْ كان العكس فهو جدل باطل مذموم.

لذلك نفهم من قوله تعالى: (مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) (غافر: 4) أن هذا هو الجدل الباطل لأن الجدل يكون عنها لا فيها، يجادل عنها أي: يدافع عنها ليثبت صدقها ويُظهر الحق الذي جاءتْ به، أما يجادل في الآيات.

أي: يحاول التشكيك فيها وتكذيبها.

وقلنا: إن آيات الله على ثلاثة أنواع، وهذه هي التي يحدث فيها الجدل: الآيات الكونية التي تشهد بوجود الخالق الأعلى سبحانه، والآيات البينات المعجزة التي تثبت صدق الرسول في البلاغ عن ربه، والآيات القرآنية التي تحمل الأحكام.

فالآيات الكونية التي تثبت قدرة الله الخالق الأعلى سبحانه هي التي نشاهدها في الأرض وفي السماء، في الشمس والقمر والنجوم والماء والهواء.. إلخ وهذه الآيات أوجدها الخالق سبحانه على هيئة الصلاح، وعلى قانون ثابت لا يتخلف، ولا دَخْلَ للإنسان في حركتها.

وسبق أنْ قلنا: إن الفساد في الكون يطرأ من تدخل الإنسان وامتداد يده إلى مخلوقات الله بغير قانون الله الذي خلق، ولو تدخَّل الإنسان في الأشياء بقانون الخالق ما رأينا هذا الفساد الذي يعمّ الكون الآن؛ لذلك يوضح لنا الحق سبحانه هذه القضية، فيقول: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) (الأعراف: 56).

والمعنى: أن الحق سبحانه خلق الأرض على هيئة الصلاح، فإياكم أنْ تفسدوها؛ لذلك يرجع الحق سبحانه الفساد الحادث في الأرض إلى الناس، فيقول: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ) (الروم: 41).

نعم، لوَّثنا المياه وألقينا فيها النفايات والمخلَّفات فماتت الأسماك وظهرت الأمراض، أفسدنا الهواء وأفسدنا التربة الزراعية.. إلخ ذلك لأننا تدخَّلنا في مخلوقات الله بغير قانون الله، وبغير منهج الله الذي وضعه لصلاح الكون.

لكن أيّ هذه الآيات الثلاث يجادل فيها الكافرون؟

بالطبع هم لا يجادلون في الآيات الكونية ولا يتعرضون لها، لأنهم أولاً ينتفعون بها ويروْنَ فيها نظاماً دقيقاً محكماً لا يشذّ ولا يتخلف، فلا مجالَ إذن للجدل فيها.

إنما يجادلون في الآيات الأخرى في آية المعجزة، وفي آيات الكتاب حاملةً الأحكام فيُشككون فيها.

أما المعجزة فقالوا: (لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

إذن: اعتراضهم هنا ليس على القرآن في ذاته إنما في مَنْ أنزل عليه، فالقرآن في نظرهم لا غبارَ عليه لولا أنه نزل على محمد، لكن كفرهم يُوقعهم في التناقض فيقولون: (ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأنفال: 32).

وكان المفترض بالعقل أنْ يقولوا: فاهدنا إليه، فهذا دليل على شكِّهم في القرآن وعدم تصديقهم لما جاء به؛ لذلك حكى القرآن عنهم قولهم: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ) (فصلت: 26).

وتأمل هنا النهي عن مجرد السماع للقرآن..  

لماذا؟

لأنهم عرب ولهم فطرة لغوية وخبرة بالأداء والبيان، فلو استمعوا للقرآن لابدَّ أنْ يتأثروا به، وكل من استمع القرآن بقلب خَالٍ من ضده لابد أنْ يقتنع به، وإلا فلماذا كان نهيهم عن مجرد السماع؟

لذلك لا يكتفون بالنهي عن السماع بل يُشوِّشون عليه حتى لا يتمكن السامع من السماع(وَٱلْغَوْاْ فِيهِ) (فصلت: 26) هذا دليلٌ على القرآن لو تُرِكَ ليصل إلى الآذان لابدَّ أنْ ينفذ إلى القلوب فيعمرها ويلفتها إلى الحق إنْ كان الذهن خالياً من الباطل، فإنْ كان القلب مشغولاً بعقيدة مخالفة لا يتأثر، بدليل قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً) (محمد: 16).

وقال فيمَنْ يؤثر فيه سماع القرآن: (وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة: 124).

فإنْ قلتَ: كيف يكون للشيء الواحد أثران متضادان؟

نقول: لأن القابل للفعل مختلف، وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بالنفخ في الأيدي للتدفئة في البرد، والنفخ في كوب الشاي الساخن ليبرد، فالنفَس واحد لكن القابل للنفَس مختلف، ولا شكَّ أن حرارة النفَس أقلُّ من حرارة كوب الشاي، لكنها أشدُّ من الحرارة في الأيدي وقت الشتاء, كذلك يختلف أثر القرآن بالنسبة للسامع.

لذلك ينبغي عند سماع القرآن ألاَّ توجد حُجب تحجبه عن القلب، والحق سبحانه و تعالى يمنع لغط الجماهير في الجدل البياني، ففي الضوضاء تختلط الأصوات وتتداخل، وتُستر عيوب الشخص في الآخرين، وهذا يحدث مثلاً في المظاهرات فلا نستطيع أن نسند الصوت إلى صاحبه، وهذه المسألة توضح لنا الحكمة من قوله تعالى: (إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ) (الأنبياء: 110).

وقد وقف المستشرقون عند هذه الآية يقولون: ما الميزة في علم الجهر والجميع يعلمه، فلماذا يمتنّ الله بعلمه؟

نقول: قوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ) (الأنبياء: 110) دلَّ على أن الجهر أيضاً من الجماعة بمعنى: ويعلم ما تجهرون، فالحق سبحانه هو الذي يعلم كلَّ صوت ويعلم صاحبه، ويميز الأصوات ويردها إلى أصحابها، وهذه العملية في ذاتها أصعب من علم الكتمان.

ومن جدالهم في آيات الله قولهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ساحر وكاهن، وقولهم عنه شاعر.. إلخ وهذه أقوال باطلة مردودة على أصحابها والرد عليها يسير، فلو كان محمد ساحراً سحر مَنْ آمن به، فلماذا لم يسحركم أيضاً كما سحرهم؟

إذن: بقاؤكم على حالتكم هذه دليلٌ على كذبكم في هذا الاتهام، أما كاهن فما جربتم عليه قبل ذلك شيئاً من الكهانة، ولا سمعتم منه كلاماً كالذي يقوله الكهان.

والأعجب من ذلك أنْ يتهموا رسول الله بأنه شاعر، وأن ما يقوله شعر، وهم أمة الشعر وفرسان هذا الميدان، وهم أدرى الناس به، ومَنْ كان عنده أدنى دراية باللغة يستطيع أنْ يُفرِّق بين الشعر والنثر وأن يتذوَّق كلاً منهما ويشعر به إذا انتقل مثلاً من الشعر إلى النثر، أو من النثر إلى الشعر.

فحين تقرأ مثلاً: هذا العتب محمود عواقبه، وهذه الجفوة غمرة ثم تنجلي، ولن يريبني من سيدي أنْ أبطأ سيبه أو أخطأ غير ضنين غناؤه، فأبطأ الدِّلاء فَيْضاً أملؤها، وأثقل السحائب مَشياً أحفلها، ومع اليوم غد ولكل أجل كتاب.

فإنْ يكُنْ الفِعْلُ الذِي سَاءَ وَاحِداً فَأفْعَالُه اللاَّئِي سُرِرْنَ أُلُوفُ

لابدّ إذن أن تفرق ههنا بين الشعر والنثر، فكيف بهم وهم أمة البلاغة والفصاحة، الأمة التي جعلت للحكمة أسواقاً ومعارض، ومع ذلك لا يفرِّقون بين الشعر والقرآن.

القرآن ليس شعراً، بل هو نسيج فريدٌ وحده، واقرأ مثلاً: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ..) (يوسف: 31-32).

هكذا كلام نَثْر كله لا تشعر فيه بشيء من الشعر، ومع ذلك لو أخذت مثلاً: (فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (يوسف: 32) لوجدتها على وزن من أوزان الشعر، كذلك في قوله تعالى: (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) (الحجر: 49) لو حَوَّلتها إلى تفعيلات تعطيك بحراً من بحور الشعر، لكن لا تشعر أبداً أنك انتقلتَ من شعر إلى نثر، أو من نثر إلى شعر، ذلك لأن القرآن كما قلنا نسيج وحده.

لذلك قلنا: إن كماله لا يتعدى إلى غيره، فالفقيه الحافظ للقرآن تجده يجيد القراءات السبع، ومع ذلك لا يجيد كتابة خطاب، ونحن ننصح الطلاب بقراءة كتب الأدب مثل كتب المنفلوطي أو العقاد مثلاً ليستقيم أسلوبهم ويتمكنوا من الكتابة والتعبير السليم؛ ذلك لأن القرآن لا يتعدَّى إلى غيره، أما كتب الأدب فتتعدَّى إلى الأسلوب وتحسنه، القرآن يظل كماله في ذاته.

وكان من جدالهم في آيات الله أنْ قالوا عن رسول الله: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ..) (النحل: 103) وحددوا شخصاً بعينه، لكن ردَّ عليهم القرآن بما يعني: إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذكوراً (لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) (النحل: 103).

ثم قالوا: مجنون، وعجيب منهم أن يتهموا رسول الله بالجنون وهم يعلمون أدبه وخلقه قبل بعثته، وصاحب الخلق الكريم لا يكون أبداً مجنوناً، لكن هذه كلها شبهات المفلسين الذين لا يجدون حجة تقدح في رسالة محمد، فماذا يقولون غير هذا التخبّط الأعمى؟

هذا جدل في شخص رسول الله، وكانوا يقولون: ابن أبي كبشة، لكن هيهات أنْ تنال هذه الافتراءات من شخص رسول الله.

ثم يجادلون في أحكام الله، فيقول مثلاً: لم يحرم الله الميتة؟

وكيف أن التي ماتت وحدها يعني أماتها الله مُحرَّمة، والتي تميتها أنت -أي: بالذبح- مُحلَّلة؟

يعني في نظرهم أن الموت واحد، فلماذا تحرم هذه وتحلّ هذه؟

وهم يعترضون على آيات الأحكام لأنها تأتي عامة لا تفرق بين السادة والعبيد، فالحكم واحد للجميع وهم قد ألفوا السيادة.

وقوله: (إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ..) (غافر: 4) أي: ستروا واجب الوجود الأعلى الذي خلقهم وخلق الكون كله من حولهم، بدليل إقرارهم هم بذلك في الآيات الكونية: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ..) (لقمان: 25) فهم وإنْ كانوا يؤمنون بهذه الآيات الكونية إلا أنهم كفروا بخالقها سبحانه، وستروا الواجب الأعلى الذي ينظم حركة الحياة لخَلْقه جميعاً بحيث تتساند حركة الحياة ولا تتعاند لتظل عمارة الكون التي أرادها الخالق سبحانه وسبق أنْ أوضحنا أن كلمة كفروا في ذاتها دليل الإيمان، لأن الكفر يعني الستر والستر يقتضي مستوراً، فالمستور إذن وُجِد أولاً قبل الساتر، وما دام ستروا بالكفر وجودَ الله، فالأصل أنه موجود.

وقوله: (فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ) (غافر: 4) أي: لا يخدعنَّك أن لهم في البلاد سيادة وتمكيناً وعلواً ومهابة، بحيث لا يستطيع أحد أن يتعرَّض لهم في تقلّبهم من مكان لمكان، وفي أسفارهم في رحلة الشتاء والصيف.

ولو أنهم عرفوا حقيقة هذه المكانة، ومَنْ الذي بوّأهم هذه المنزلة ما وقفوا منك يا محمد هذا الموقف، لقد أخذوا هذه المهابة ونالوا هذه المنزلة لجوارهم لبيت الله، والله هو الذي أرسلك إليهم، فكان عليهم أنْ يؤمنوا بك وأنْ يُصدقوك.

وكلمة (تَقَلّبهم) تدل على حركتهم وانتقالهم من مكان لآخر، وتدل على قوة الأبدان؛ لذلك كانت كل قبائل العرب تهابهم، جاءت هذه المنزلة لقريش من موسم الحج، حيث تأتي إليهم كل القبائل من جزيرة العرب فتكون في حماية قريش في الموسم، ومن هنا آمنوا في تنقلاتهم وكان عليهم أنْ يراعوا هذه النعمة، لكنهم جحدوا بها فصدق: عليهم قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ) (إبراهيم: 28).

كيف ذلك؟

اقرأ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل: 1-5).

تعرفون قصة أبرهة لما جاء ليهدم الكعبة ليصرف الناسَ عن بيت الله ويبني كعبة أخرى في صنعاء يحجّ الناس إليها، وتعرفون ما كان من أمر هذا الجيش، وكيف ردَّه الله بقدرته حتى قيل إن الفيل الضخم الذي كان يتقدم الجيش توقف عن السير نحو الكعبة، في حين يسير في أيِّ اتجاه آخر وأن أحدهم اقترب من الفيل وقال له: ابرك محمود وارجع راشداً فإنك ببلد الله الحرام.

فانصرفوا بعد أنْ أمطرهم الله بحجارة من سجيل، وهزمهم بقدرته تعالى.

المهم ماذا قال سبحانه بعد هذه السورة مباشرة؟

قال: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ) (قريش: 1-2) فكأن في بقاء الكعبة بقاءً لسيادة قريش، وبقاءً لأمنها وسلامتها بين القبائل العربية، فأبقى الله لهم بذلك أنْ يألفوا رحلة الشتاء والصيف.

إذن: العلة من(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل: 5) جاءت في (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ) (قريش: 1).

وإلا لكانَ لك أن تتعجب من أول السورة: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ) (قريش: 1) وتسأل عن العلة، فإنْ فصلتَ العلة هنا عن المعلول، فجاء كل في سورة إلا أنهما في نسَق واحد، وسبق أن أوضحنا أن سور القرآن كله قائمة على الوصل فتقرأ: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل: 5) بسم الله الرحمن الرحيم (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ) (قريش: 1).

فإنْ قلتَ: لماذا لم تأتِ في سورة واحدة؟

لماذا جاءت العلة في سورة والمعلول في سورة أخرى؟

قالوا: الفصل بين الشيء وسببه ليكون الشيء له حكم، والسبب له حكم.
إذن: جعلهم كعصف مأكول لئلا تزولَ الكعبة ولو زالت الكعبة لزالتْ سيادة قريش ومهابتها، فأبقى الله لهم السيادة والمهابة ليتنقلوا بين الشمال والجنوب لا يجرؤ أحد على التعرض لهم، وسوف يترتب على ذلك قوام حياتهم فيطعمهم من جوع، ويُؤمّنهم من خوف، يُطعمهم بالتجارة وحركة البيع والشراء، ويُؤمنهم بألاَّ يتعرض لهم أحدٌ بسوء.

ثم يوضح علة ذلك فيقول: (فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: 3-4) فهم يتقلبون في نعمة الله، وكان عليهم ألاَّ يكفروها.

فقوله تعالى: (فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ) (غافر: 4) لأن الله تعالى لم يهملهم إنما فقط يمهلهم.

فإنْ قلتَ: فما حكمة الإمهال؟

يعني: ما دام أن الله تعالى لم يهملهم، فلماذا لم يأخذهم من البداية؟

قالوا: لأن الله تعالى أرسل رسوله -صلى الله عليه وسلم- خاتم الرسل وجعل دينه خاتم الأديان ومهيمناً على الزمان والمكان، فلا نبيَّ بعده وللرسول مدة ينتهي فيها دوره في الحياة، وينتقل إلى الرفيق الأعلى، ثم يحمل رسالته من بعده جنود الحق الذين محَّصتهم الشدائد.

لذلك قلنا: إن صناديد الكفر الذين عذّبوا المسلمين الأوائل واضطهدوهم كانوا فيما بعد من جنود الإسلام..  

لماذا؟

لأن هذا الاضطهاد وهذا التعذيب هو الذي محَّص المسلمين وأبعد ضعاف الهمة وضعاف الإيمان الذين فتنهم التعذيب، وأرهبهم الاضطهاد حتى لم يَبْقَ في ساحة الإيمان إلاَّ الأقوياء الجديرون بحمل هذه الرسالة وتحمُّل تبعاتها، لأنها رسالة خالدة باقية في الزمان والمكان كله.

فالحق سبحانه ما أهمل الكفار إنما أمهلهم لمهمة، هي أنهم سيساهمون في تربية هذا الجيل الذي سيحمل دعوة الله: (ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ..) (الأحزاب: 39).

هؤلاء هم الجيل المحمدي الذي حمل راية الإسلام، وساح بها في كل الأنحاء لا ينتظر على ذلك أجراً مُقدماً إنما ينتظر الأجر من الله في الآخرة.

وهذا هو الفرق بين دعوة الحق ودعوة الباطل، فأهل الحق لا ينتظرون أجراً مقدماً، أما أهل الباطل فيأخذون أجرهم قبل البدء في العمل، لذلك كل رسل الله قالوا هذه الكلمة: (وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 109).

نعم أجرهم على الله لأنه غالٍ لا يقدر عليه إلا الله، فلا أحد يستطيع أنْ يجازي الرسولَ على رسالته في هداية قومه ولو أعطاه مال الدنيا كلها.

والتقلُّب في البلاد أي: التنقُّل من مكان لمكان فيها لا يتم إلا بعدة أشياء أهمها: سلامة الأبدان لتحمُّل مشقة السفر، ثم الأمن من خوف الطريق، ثم وجود كفايات له في المنازل التي ينزل فيها في طريقه، لذلك يقول تعالى في موضع آخر: (أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ) (النحل: 45-46).

يعني: في أوْج قوتهم وتمكّنهم من الحركة والتنقل يأخذهم الله بالعذاب، هذا لون من الأخذ(أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ..) (النحل: 47) أي: يخيفهم أولاً ويفزعهم قبل أنْ يأخذهم وهذا لون آخر، كالذين نزلت بهم الصاعقة فأفزعتهم قبل أنْ يحلّ بهم عذاب الله، هذان لونان من أخْذ الله للكافرين.



سورة غافر الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49335
العمر : 72

سورة غافر الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة غافر الآيات من 01-05   سورة غافر الآيات من 01-05 Emptyالثلاثاء 08 يونيو 2021, 6:58 am

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

المعنى: أنهم ليسوا بدعاً في الوجود، كما أنك لستَ بدعاً في الرسل، فقد سبقك إخوانك من الرسل فكُذّبوا كما كذَّبك قومك، لكن ماذا كانت نتيجة التكذيب؟

أبعث الله رسولاً وتركه وأسلمه؟

كلا والله بل سُنة الله في رسله أنْ ينصرهم وأنْ يخذل أعداء دعوته، قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 171-173).

وهذا ليس كلاماً نظرياً نُسليك به يا محمد، إنما له واقع وله نظائر تؤيده في موكب الرسالات، كما قال سبحانه عن المكذِّبين: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً..) (العنكبوت: 40) أي: ريحاً ترميهم بالحجارة المحمية(وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ..) (العنكبوت: 40) وهم قوم ثمود(وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ..) (العنكبوت: 40) كما خُسف بقارون(وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا..) (العنكبوت: 40) كما فعل بقوم نوح وبقوم فرعون.

فسُنة الله في الرسالات أنْ ينصر رسله وأنْ يهزم عدوه، لذلك قلنا: إذا رأيتَ الأمة الإسلامية تنهزم في معركة، فاعلم أنه اختل فيها شرط الجندية لله، ولو بقيتْ على شرط الله في الجندية ما انهزمتْ أبداً.

فقوله تعالى: (كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ..) (غافر: 5) أي: قبل قومك الذين كذبوك (قوم نوح) وهذه تسلية لرسول الله وتخفيف عنه، فليس التكذيب للرسالات شيئاً جديداً، واختار قوم نوح بالذات لأن رسالة نوح عليه السلام كانت أطولَ رسالة، حيث لبث في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، كل هذا العمر الطويل وهم يجادلون رسول الله نوحاً ويكذبونه ويعاندونه، لذلك يئس من صلاحهم ودعا عليهم: (رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) (نوح: 26-27).

أما القلة التي آمنتْ معه فقد دعا لهم حيث بدأ بنفسه: (رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ..) (نوح: 28) ثم (وَلِوَالِدَيَّ..) (نوح: 28) لأنهما سببُ وجودي(وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً..) (نوح: 28) وهم ما لهم صلة به، ثم لعامة المؤمنين والمؤمنات(وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ..) (نوح: 28).

إذن: ذكر تكذيب قوم نوح بالذات لأنه العمدة في هذه المسألة وهو الأوضح والأعنف، ولا تخفى عليكم المواقف التي تعرَّض لها نوح عليه السلام من تكذيب قومه وإيذائهم له واستهزائهم به، وهو يصنع السفينة.

وقوله: (وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ..) (غافر: 5) المراد عاد قوم هود عليه السلام وثمود قوم صالح عليه السلام، وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هو واقع يرَوْنَهُ ويمرون بهذه الديار الخربة: (وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (الصافات: 137-138).

إنهم يمرون في أسفارهم بالأحقاف وبمدائن صالح، وعندنا في مصر آثار الفراعنة كلها تشهد بصدق الله في هذا البلاغ، وها هي أكثر دول العالم تقدماً الآن وحضارة تقف عاجزة أمام حضارة الفراعنة، وكيف أنهم وصلوا إلى هذه الدرجة من التقدم منذ أكثر من سبعة آلاف عام، ومع ذلك فاتتهم هذه الحضارة لأنهم لم يصلوا إلى الحد الذي يصونها لهم.

واقرأ إن شئت قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ) (الفجر: 6-14).

يعني: القضية لم تنته عند عاد وثمود وقوم فرعون، بل هي عامة في كل مكذِّب(إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ) (الفجر: 14).

والأحزاب: هم الذين يتحزَّبون ويجتمعون على مبدأ واحد، والمراد هنا الذين يتحزَّبون ضد الدعوة وضد الهداية ويُسمونهم لذلك حزب الشيطان ويقابله حزب الله، وهم الذين يؤيدون الرسل وينصرون دعوة الحق.

(وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ..) (غافر: 5) أي: ليقتلوه، وهذه المسألة جاءت مُفصَّلة في قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ..) (الأنفال: 30) أي: يحبسوك أو يقيدوك فلا تتحرك هنا وهناك(أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).

والكلام هنا أنهم هَمُّوا بذلك لكن لم يفعلوه ولم يقدروا عليه، فكلمة (هَمُّوا) تعني تَوجُّهٌ وهَمٌّ مُرَادٌ لم يحدث على الحقيقة، ومن ذلك قوله تعالى في الطائفتين في غزوة أحُد: (إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ..) (آل عمران: 122) لكن لم يحدث الفشل، فالهَمُّ شُغْلٌ القلب بفعل الشيء، لكن لا يحدث الفعل.

لذلك قال سبحانه: (وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ..) (التوبة: 74).

إلا الهَمُّ الذي كان من سيدنا يوسف عليه السلام، لأن المسألة هنا تتعلّق بعصمة نبي كما قال تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا..) (يوسف: 24) البعض يُحمِّل هذه الآية معاني لا تليق بعصمة نبي الله يوسف عليه السلام، يقول: كيف يَهِمّ بها وهو نَبِيٌ؟

قلنا: الهَمُّ تعلُّق الخاطر بالفعل أو تعلّق استجابة الجارحة للفعل، لكن ينفعل أو لا ينفعل هذا هو المُهِمُّ، والآية فيها هَمَّان: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ..) (يوسف: 24) ثم سكوت، ثم: (وَهَمَّ بِهَا..) (يوسف: 24) لاحظ أن هَمَّها هي لم تَنَلْ منه شيئاً لذلك قالت: (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ) (يوسف: 32).

هذا دليلٌ على أن هَمّهَا هي لم يأتِ بنتيجة، فكيف لا يأتي الهَمّ معها بشيء مع عصيانها، ثم يأتي الهَمّ بشيء مع يوسف؟

إذن: هَمَّتْ به ولم يحدث شيءٌ وهي المُريدةُ، كذلك وهَمَّ بها ولم يحدث شيءٌ لأنه لا يُريدُ.

وتأمَّل هنا دِقَّة الأدَاءِ القرآني في استخدام نون التوكيد الثقيلة في: (لَيُسْجَنَنَّ..) (يوسف: 32) ونون التوكيد الخفيفة في: (وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ) (يوسف: 32) لأن السجن أمْرٌ في يدها وبأمرها يُسجن يوسف، فاستخدم نون التوكيد الثقيلة الدَّالَّة على التَّمَكُّن من الفعل، أمَّا أنْ يكون من الصَّاغرين فهذا أمر ليس بيدها فلربما سجنته وعطف عليه الحُرَّاسُ وأكرموه، فاستخدم هنا نون التوكيد الخفيفة لعدم تمكُّنها من هذا الفعل.

والجواب الذي نحسم به مسألة الهَمِّ في هذه القصة ونوضح به براءة سيدنا يوسف مما يقوله عنه المُفترون نقول: ولقد همَّتْ به، نعم أأدَّتْ هذا الهم أم لم تُؤدِّهْ؟

لِم تُؤدِّهْ بدليل قولها: (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ..) (يوسف: 32) (وَهَمَّ بِهَا..) (يوسف: 24) نعم هَمَّ ولم يفعل بنفس الدليل السابق، فلماذا تحرصون على إلصاق التهمة بنبي الله وهمّه كهمّها لم يأتِ بشيء.

ثم إن الهَمَّ منه هنا أمر طبيعي لأنه استعداد الطبيعة للوقوع في هذا الفعل، يعني: هو أمر ممكن بالنسبة له عليه السلام، فطبيعته صالحة لأنْ يفعل وإلا لقُلْنا إنه حَصُور ليس له في هذا الأمر، لا بل هو صالح له قادر عليه، فما الذي منعه إذن؟

نقول: منعه، (لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ..) (يوسف: 24).

أي: في أن هذا حرام.

كما تقول: أزورك لولا أن فلاناً عندك، فالمعنى أنني لم أَزُرْكَ، إذن: (وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ..) (يوسف: 24) يعني: هَمَّ ولم يفعل فالحكم هنا براءة ليوسف عليه السلام حتى من الهَمِّ.

نعود إلى قوله تعالى: (وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ..) (غافر: 5) حدث ذلك لكنهم لم يفعلوا ولم يأخذوه (وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ..) (غافر: 5) أي: يزيلوا ويهزموا الحقَّ بالباطل، فماذا كانت النتيجة؟

(فَأَخَذْتُهُمْ..) (غافر: 5) أي: أهلكتُهم بالفعل لا بالهَمِّ كما فعلوا هم، وهذا ما يليق بالقدرة العليا (فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) (غافر: 5) يعني: هل عرفنا؟

هل قدرنا على عقابهم؟

وهذه مثل قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المطففين: 29-36).

يعني: هل قدرنا أنْ نجازيهم على أفعالهم وإجرامهم؟

وكأن الحق سبحانه يريد أن ينبه أهل الإيمان، وأن يطمئنهم إلى عدله سبحانه، فلن يفلت هؤلاء من العقاب، ولا شكّ أن عقاب أهل الإجرام وأهل الكفر يريح أهل الإيمان.

وتأمَّل هنا أيضاً دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: (وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ..) (غافر: 5) ولم يقُلْ برسولها قياساً على أن الأمة مفرد مؤنث، إنما قال (بِرَسُولِهِمْ..) (غافر: 5) فأضاف الرسول إلى جمع المذكر، ذلك لأن المواجهة بين الإسلام والكفر كانت بالرجال ولم تكُنْ المرأة طرفاً في هذه المواجهات بدليل أنهم لما بيَّتوا لرسول الله ليلة الهجرة كانوا جميعاً من الرجال ولم يكُنْ بينهم امرأة واحدة، كذلك الحال في (وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ..) (غافر: 5) فهذه أمور لا دخْلَ للمرأة فيها.



سورة غافر الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة غافر الآيات من 01-05
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة غافر الآيات من 32-35
» سورة غافر الآيات من 36-40
» سورة غافر الآيات من 41-46
» سورة غافر الآيات من 47-50
» سورة غافر الآيات من 51-55

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: غـافــر-
انتقل الى: