5ـ القرآن، والحديث القدسي، والحديث النبوي
المقدم: من الأحاديث ما يقال عنه حديثٌ قدسيٌ، وما يقال عنه حديثٌ نبويٌ شريفٌ، نرجوا التفضل بإيضاح الفارق أو الشبه بين الحديثين...
أبي: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فإن الحديث منه ما هو حديثٌ قدسيٌ، ومنه ما هو حديثٌ نبويٌ، كلاهما وحيٌ كريمٌ معصومٌ عن الله -عز وجل-، أوحى به إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ودليل ذلك من القرآن قول الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، والشاهد في قوله -تعالى-: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، فالكتاب: هو القرآن، والحكمة: هي السنة، ويشهد لهذا قوله -تعالى-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ).

وصحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه..."، وهذا المِثلُ هو السنة، والمثلية بينها وبين القرآن في كون كل منهما وحيًا من الله، وليست المثلية المطلقة.

ومن هذه السُنة أحاديث قدسيةٌ، سُمّيت بذلك نسبة إلى القُدُس وهو الطهارة، يرويها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة -جل وعلا-، وينسبها إليه -سبحانه- لفظًا ومعنى على الراجح.

ويسمى هذا النوع أحاديث قدسية، أو أحاديث إلهية، أو أحاديث ربانية، والأول هو المشهور.

ومن السُنة أحاديث نبوية يوحي الله بمعناها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويعبِّر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظه كذلك، ولكن ينسبها إلى نفسه، ولهذا سُميت بالأحاديث النبوية.

المقدم: إذا كان الحديث القدسيٌّ من كلام الله -تعالى-؛ فما الفارق بينه وبين القرآن الكريم؟
أبي: كلٌ من القرآن الكريم والحديث القدسي من كلام الله -تعالى- ويُنسب إليه، غير أن بينهما فوارق فاصلة لاحظها العلماء وأثبتوها.

منها:
1ـ أن القرآن كله أنزله الله على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حال يقظته بواسطة أمين الوحي جبريل -عليه السلام-، والحديث القدسي أنزله الله وحيًا في المنام وفي اليقظة بواسطة جبريل -عليه السلام-، أو إلهامًا بدون واسطة، أو رؤيا في المنام.

2ـ القرآن الكريم مُعجزٌ بلفظه، تحدَّى اللهُ به الكافرين، فعجزوا عن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه -وهي سورة الكوثر-، ولفظ الحديث القدسيّ بليغٌ ولكنه غير مُعجزٍ، ولم يتَحَدَّ اللهُ به أحدًا.

3ـ ولهذا لا تجوز قراءة القرآن الكريم بالمعنى داخل الصلاة ولا خارجها، بينما تجوز رواية الحديث القدسي بمعناه.

4ـ أمرنا الله أن نعبده بتلاوة القرآن، ووعدَنا عليه الثواب المُضاعف، الحرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وليس الشأن كذلك في الحديث القدسي.

5ـ لا تصح الصلاة إلا بقراءة ما تيسر من القرآن، وتبطل بقراءة الحديث القدسيّ أو غيره.
هذا والله أعلم...