4ـ أثر القرآن في تقييم الإنسان
المقدم: ما هو أثر القرآن في تقييم الإنسان؟
أبي: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد...
فإن للقرآن الكريم عظيمَ الأثر في تقييم الخَلق والبشر، وذلك ثابتٌ فيما أخرجه البخاري -رحمه الله- عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه".

أي أن أكثر الناس خيرًا، وأعلاهم رتبةً، وأحسنهم عند الله ذكرًا؛ من كانت صناعته القرآن الكريم، يتعلمه ويعلمه، وهذا التقييم الصادق بلاغٌ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ربّ العزة -جل وعلا-، وهو القائل: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).

ولهذا ينبغي على الخلق أن يزنوا بهذا القسطاس المستقيم، وأن يقيِّم بعضهم بعضًا في المواقف المختلفة على أساس هذا القرآن المجيد، تأسّيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أراد أن يبعث بعثًا فأراد أن يؤمِّر عليهم أحدهم؛ لئلا يتآمر الشيطان عليهم، فيفرّق جمعهم، ويضلل سعيهم، فاستقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ما معهم من القرآن، فكان يقول للرجل: ما معك من القرآن؟ فيقول: معي كذا وكذا، حتى جاء على رجلٍ من أحدثهم  سنًا، فقال: ما معك من القرآن؟ قال: معي كذا وكذا ومعي سورة البقرة، قال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: إذًا أنت أميرهم.

ولندرك أن التقييم على غير هذا الأساس تعظيمٌ لما حقّر الله، وتحقيرٌ لما عظّم الله -تعالى-.

المقدم: إن هذا الفضل الذي عرفناه لصاحب القرآن يجعله في مكانة يحسد عليها!!!
أبي: نعم، إن الناس لو عرفوا قيمة القرآن العظيم، ومكانة صاحبه الرفيعة؛ لحسدوه على ما هو فيه من نعمةٍ سابغةٍ تَفضُل المال والجاه والسلطان، وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".

وفي الحديث توجيهٌ إلى من يُبهرهم زخرف الحياة الدنيا الزائل، فيحسدون أصحابه، ويستكثرون ما عندهم، لدرجة أن الحاسد يتمنى زوال النعمة من يد صاحبها، وهذا خلقٌ سيءٌ، وطبعٌ رديءٌ.

وإن كان ولابد من الحسد -بمعنى استعظام النعمة- فليكن لمن يعمل الصالحات، كصاحب القرآن يتلوه بالليل والنهار، وصاحب المال ينفقه بالليل والنهار، في السر والإجهار، في سبيل الله الغفار.
نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق، والسلام عليكم ورحمة الله.